صيانة الموارد الطبيعية Conservation
=====
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاء مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
Behold! in the creation of the heavens and the earth; in the alternation of the night and the day; in the sailing of the ships through the ocean for the profit of mankind; in the rain which God sends down from the skies, and the life which he gives therewith to an earth that is dead; in the beasts of all kinds that he scatters through the earth; in the change of the winds, and the clouds which they trail like their slaves between the sky and the earth; (here) indeed are signs for a people that are wise.
=====
صيانة المياه٣
====
فوائد التبخر. يؤدي التبخر دورًا مهمًّا في دورة ماء الأرض. فالماء المتبخر من الأرض بحرارة الشمس يسقط بعدئذ كثيفًا. ونظرًا لأن الجزيئات المتبخرة تمتص الحرارة مما يحيط بها من جزيئات، فإن التبخر يعمل عمل التبريد. وتحتوي أنظمة تكييف الهواء والتبريد على مبخرات تزيل الحرارة والرطوبة من الهواء المحيط وبذا تخفض الحرارة. وتبخر العرق له تأثير في تبريد الجلد ويساعد على تنظيم درجة حرارة الجسم. وبالتبخر يمكن فصل مكونات أي خليط. وفي التقطير كذلك تسخن السوائل الممزوجة التي تختلف في التطاير (سهولة التبخر) لتتحول إلى بخار ثم تتكثف. ويحتوي السائل الناتج على قدر أكبر من المادة الأكثر تطايرًا من المزيج الأصلي. وتصنع المنتجات مثل، المشروبات الكحولية والبنزين بالتقطير.
ويفيد التبخر أيضًا في تركيز المواد غير المتطايرة. فعصير قصب السكر مثلاً، يسخن حتى يتبخر كل السائل تقريبًا. وهذه العملية تنتج محلول السكر المركز الذي تتكون بلورات السكر منه.
*****
التساقط. يحمل الهواء المتحرك الدائر حول الأرض بخار الماء. ويبرد هذا الهواء المشبع ببخار الماء حيثما دفعه الهواء الأبرد إلى أعلى أو بتأثير الجبال والتلال. وإذا برد هذا الهواء يتكثف بخار الماء فيه إلى قطرات من الماء السائل على هيئة سُحُب، وتسقط القطرات منها على هيئة مطر فوق الأرض. أما إذا برد بخار الماء إلى حد مناسب فإنه يتكثف إلى بلورات من الجليد وتسقط على الأرض على هيئة ثلج.
تسقط حوالي 75% من الأمطار فوق المحيطات وبعض ما تبقى من المطر يتبخر فورًا من على سطح الأرض، وأسطح المنازل ومن البرك الصغيرة في الشوارع. كما ينساب بعضه الآخرعلى هيئة جداول ومن ثم على هيئة أنهار تصب في البحر. ويتسرب ما تبقى من ماء المطر في داخل الأرض ويصبح جزءًا من الماء الجوفي. ويتحرك الماء الجوفي ببطء شديد خلال الصخور تحت سطح الأرض وقد يصل إلى ماء الأنهار ويعود ثانية إلى البحر. وتحرك الماء الجوفي واتصاله بماء الأنهار يجعل هذه الأنهار مستمرة في الجريان أثناء فترات ندرة الأمطار أو انعدامها.
*****
الجليد Snow يغطي بعض القمم العالية في الأقاليم الجبلية، مثل جبال الألب الأوروبية على مدار السنة. يذوب الجليد على المنحدرات المنخفضة خلال الأشهر الدافئة.
الجليد شكل ترسيبي يتكون من كتل من بلورات جليدية صغيرة. تنمو هذه البلورات معًا من بخار الماء في السحب الباردة. لتكون الندف الثلجية عند اصطدامها وتماسك بعضها ببعض.
تختلف الندف الثلجية في حجمها. في بعض الحالات قد تتجمع 100 بلورة جليدية معا مكونة كِسْفَة جليدية يبلغ قطرها أكثر من 2,5سم.
تختلف الندف الجليدية أيضًا في الشكل ولكنها جميعها لها ستة جوانب. يحتوي الجليد على كميات من الماء أقل بكثير من المطر.
ويلاحظ أن 7سم تقريبًا من الجليد الرطب و 30 سم من الجليد الجاف الزغب يعادل كمية الماء الموجودة في سنتيمتر واحد من المطر.
يختلف الجليد المتساقط بشكل كبير على الأرض. ويتساقط الجليد في الأقاليم القطبية طوال السنة. إلا أن أكثف تساقط للجليد يحدث في المناطق الجبلية ذات النطاق المعتدل في الشتاء. تشمل هذه المناطق الجبال الشاطئية من كولومبيا البريطانية في كندا، وجبال الروكي وسلسلة جبال سييرا نيفادا في الولايات المتحدة وجبال الألب في إيطاليا وسويسرا والمناطق الجبلية في أستراليا ونيوزيلندا.
ربما يتساقط الجليد حتى بالقرب من خط الاستواء على الجبال التي يبلغ ارتفاعها أعلى من 4,880م.
يعتبر الجليد مصدرًا مهمًا للماء، وعندما يذوب الجليد في الجبال، فإنه يوفر الماء لكل من الأنهار ومحطات توليد الكهرباء من القوة المائية وخزانات الري. ويعمل الجليد أيضاً عازلاً جيدًا. ويساعد على حماية النباتات وحيوانات السبات الشتوي من هواء الشتاء البارد. ومع ذلك فإن التجمعات الجليدية الزائدة على المنحدرات والواجهات الجبلية غير المحاطة بالغابات قد تسبّب حدوث انهيارات ثلجية خطيرة ومفاجئة.
الأشكال الأساسية للبلورات الجليدية جميع البلورات الجليدية لها ستة جوانب، وتنمو إما بشكل يشبه الصفيحة أو بأنماط عمودية بناء على درجة حرارة الهواء وكمية الرطوبة المتوفرة. أخذت الصور السفلية خلال مرشحات تجعل الجليد يظهر مغايرا للخلفية البرتقالية.
كيف يتكون الجليد. في معظم الحالات تشكل البلورات الجليدية جسيمات صغيرة مجهرية تسمّى النواة الجليدية، توجد في السحب تحت درجات التجمد. وقد تتطور البلورات الجليدية عندما يترسب بخار الماء مباشرة على النواة الجليدية. وأيضًا ربما تتكون عندما تتسبب النواة الجليدية في تجمد قطرات صغيرة من الماء مفرط البرودة، وهو ماء يبقى غير مجمد تحت درجة حرارة التجمد، ومع ذلك عند درجات الحرارة أقل من -40°م، يتجمد الماء مفرط البرودة بدون وجود النواة الجليدية.
تنمو البلورات الجليدية في شكل يشبه الصفيحة وأنماط عمودية بناء على درجة حرارة الهواء ومستوى الرطوبة. تظهر البلورات شبه الصفائحية كصفائح ذات ستة جوانب منبسطة. ولكنها تنمو أيضًا في شكل نجوم ذات ستة أوجه بارزة تشبه البنية الصنوبرية في الجو الرطب. تتكون البلورات شبه الصفائحية الشكل عندما تبلغ درجة الحرارة - 15°م تقريبًا. وتشبه البلورات الجليدية العمودية إبِّراً طولية من الجليد، لكن الرطوبة العالية ربما تتسبب في جعلها أعمدة مجوفة. وتتكون هذه البلورات عندما تصل درجة الحرارة حوالي -5°م أو عندما تنخفض إلى ما تحت - 20°م. وقد يتغير شكل البلورة الجليدية من شكل إلى آخر عند مرور البلورة خلال طبقات من الهواء بدرجات حرارة مختلفة.
وعند سقوط بلورات الجليد الذائبة أو قطرات المطر خلال هواء بارد فإن ذلك يؤدي إلى تجمدها مكونة جسيمات صغيرة من الجليد الشفاف المسماة المطر الثلجي. وبلورات الجليد المتساقطة التي تصطدم بقطيرات الماء فائق البرودة تصبح كريات بيضاء تدعى الكريات الجليدية أو البرد الرخو. وعند تكرار حدوث هذا التصادم فإن الكريات قد تنمو بشكل أكبر مكونة بَرَدًا.
الجليد يغطي المناظر الطبيعية ، ويشكل مشهداً جذابًا. يعزل الجليد الأرضي النباتات والجذور والبذور عن الصقيع القارس، لكنه يجعل الحياة وكذلك الحصول على الغذاء صعبًا للحيوانات والطيور التي لاتهاجر.
سجل تساقط الجليد. توضح السجلات الطقسية أن معدل تساقط الجليد السنوي عالميًا قد بقي على نفس المستوى منذ النصف الأخير من القرن الثامن عشر الميلادي. وتمطر السماء في بعض السنوات جليدًا قليلاً ولكن في سنوات أخرى ينزل الجليد بغزارة. ويعتقد بعض الناس؛ خَطَأً؛ أن كمية الجليد المتساقط حاليًا أقل مما حدث في السنين الماضية، ومع ذلك فهناك سجلات جديدة بتساقط الجليد سنويًا.
الجليد الصناعي. أنتج الفيزيائي الياباني يوكي شيرو ناكايا أول جليد صناعي في المعامل خلال الأربعينيات من القرن العشرين الميلادي. قام فنسنت شيفر وعدة علماء أمريكيين آخرين بتطوير عدة طرق لعمل الجليد الصناعي في الهواء الطلق. فقد بذرت السحب التي تحتوي على ماء مفرط البرودة بأنوية جليدية صناعية، مثل يوديد الفضة وبلورات معدنية جافة. وفي بعض الحالات تستخدم الكريات الجليدية أو البروبان السائل كعوامل بذرية. كما تستخدم آلات خاصة لإنتاج كميات محدودة من الجليد الصناعي من أجل منحدرات التزلج.
*****
المياه الجوفيّة Ground water المياه التي توجد تحت سطح الأرض. وهي مصدر مياه الآبار والعديد من الينابيع. وتوفر المياه الجوفية المياه العذبة في العديد من مناطق العالم.
وتتجمع المياه الجوفية أساسًا من الأمطار التي ترشح عبر التربة، كما تتجمع من المياه التي تتسرب إلى باطن الأرض من البُحيرات والبرك. وتستقر المياه في المسامات والشقوق بين الصخور في جوف الأرض، وفي الفراغات بين ذرات الرمل وقطع الحَصْباء. وتُسمى طبقة أو قاعدة مثل هذه المواد المسامية التي تُنتج مقادير مفيدة من المياه الجوفية الطبقة الصخرية المائية. ويتم حفر الآبار إلى الأسفل وصولاً إلى الطبقات الصخرية المائية لسحب المياه الجوفية إلى سطح الأرض.
وينخفض منسوب المياه الجوفية ويُسمى النطاق المائي (المستوى المائي) عندما يتم سحب مياه تزيد عما يمكن استبداله بصورة طبيعية. وفي بعض المناطق ذات الكثافة السكانية العالية أو الأمطار القليلة، ينبغي تغذية مخزون المياه الجوفية (تعبئته) صناعيًا. وكمثال، يمكن إعادة الماء إلى باطن الأرض عبر تغذية خاصة، أو يمكن إعداد حُفَر للسماح لفائض الماء بالتّسرب إلى باطن الأرض. غير أن العديد من مناطق العالم تَستخِدم المياه الجوفية بأسرع من إعادة تعبئة الطبقات الصخرية المائية. ويُسبب هذا الانخفاض في النطاق المائي مشكلات خاصة في المناطق الساحلية، لأن المياه المالحة من المحيطات تتسرب إلى أحواض المياه الجوفية.
ويُعد تلوّثُ المياه الجوفية معضلةً خطيرةً خاصة بالقرب من المدن والمناطق الصناعية. وتنجم الملوثات التي تتسرب إلى الأرض عن المياه السطحية الملوثة، والتسربات من أنابيب الصرف الصحي وأحواض التحليل والانسكاب النفطي والكيميائي. ويمكن أن تتلوث المياه الجوفية أيضًا بالأسمدة الكيميائية والنفايات المشعّة المدفونة.
****
البئر الارتوازية Artesian well بئر تقوم برفع المياه الجوفية إلى السطح دون استخدام مضخة بتوافر مقدار مناسب من الضغط. ويُطلق هذا المصطلح كذلك على آبار المياه بالغة العمق.
إذا لم يصل الماء إلى السطح تحت ضغطه الذاتي، ولكنه احتاج إلى الضخّ، فإنه يصنف على أنه ماء تحت الارتوازي. ويكون أكثر الماء ساخنًا عندما يصل إلى السطح بسبب ما امتصه من حرارة من باطن الأرض أثناء مدة اختزانه الطويلة تحت الأرض. في بعض الأماكن، يكون الماء في حالة غليان عندما يصل إلى السطح. وفي العادة يحتوي على أملاح معدنية. وبعضه يحتوي على قدر كبير من المواد المعدنية، بحيث لا يمكن استعماله لسقاية الماشية. ونادرًا ما تكون المياه الارتوازية متوافرة بكميات كافية لاستخدامها في ري الأرض.
تُسمى المناطق التي يمكن فيها حفر الآبار الارتوازية بالأحواض الارتوازية. تأتي كلمة ارتوازية من أرتوا، وهي مقاطعة بفرنسا، حيث تم لأول مرة حفر الآبار الارتوازية فيها في القرن الثاني عشر الميلادي.
الحوض الارتوازي الكبير Great Artesian Basin الحَوضُ الأرتوازيَّ الكبير أكبر الأحواض الأرتوازية في أستراليا. يقع أسفل مساحة كبيرة من كوينزلاند شمال نيوساوث ويلز، والرُّكن الشمالي من جنوب أستراليا. وضمن مساحته البالغة 1,5 مليون كم²، يوجد حوالي 1,500 ثقب تقدم إمدادًا منتظمًا من المياه للزراعة.
*****
كيف يقوم الماء بتشكيل سطح الأرض. يقوم الماء عند تحركه في دورته الطبيعية الكبيرة بتغيير وجه الأرض. يُعري الماء الجبال وينحت الوديان، ويشق الأخاديد، كما يقوم ببناء دلتا الأنهار ويسوي خطوط الشواطئ البحرية.
يسقط ماء المطر على الأراضي المرتفعة والجبال. وبفعل الجاذبية الأرضية يسيل الماء إلى أسفل التلال، وأثناء جريانه إلى المستويات المنخفضة يقوم بتعرية وجرف التربة والصخور، وهكذا. وبهذا الأسلوب تتآكل الجبال بعد آلاف السنين. ويشق ماء المطر أثناء جريانه على الأرض قنوات صغيرة لاتلبث أن تتجمع في قنوات أكبر فأكبر وتفرغ ماءها في جدول يجري إلى البحر. ويحمل الماء مواد التعرية إلى البحر.
***
منابع النهر قد تتألف من سلسلة من المجاري المائية التي ينساب كل منها في الآخر. وتوضح الصورة منابع نهر ميسوري في الولايات المتحدة.
النهــر River مسطح مائي ينساب على اليابسة في مجرى طويل. وتبدأ معظــم الأنهــار من أعــالي الجبال أو التـــلال، وقـــد يكون منبـــع النهر مثلجة، أو نهرًا جليديًا ينصهر، أو ينبوعًا، أو بحيرة تفيض مياهها. ويتلقى النهر ـ أثناء جريانه في مجـــراه ـ المزيد من المياه من الجداول، والأنهار الأخرى، ومياه الأمطار. ويقع مصب النهر في نهايته، حيث تصب مياهه في نهر أكبر، أو في بحيرة، أو في أحد المحيطات.
تختلف الأنهار فيما بينها اختلافا كبيرًا من حيث الحجم، فبعضها صغير جدًا حتى إنها تجف خلال فصول الجفاف. وأطول نهر في العالم نهر النيل في إفريقيا، الذي يبلغ طوله 6,671كم، ويليه من حيث الطول نهر الأمازون في أمريكا الجنوبية، الذي يبلغ طوله 6,437كم. إلا أن كمية المياه التي يحملها نهر الأمازون تفوق كمية المياه في أي نهر آخر، بل وتفوق كمية المياه في نهر النيل، ونهر المسيسيبي، ونهر يانجتسي مجـــتمعة.
وظلت للأنهار أهميتها بالنسبة للنقل والتجارة على مدى قرون عديدة، ولا يزال النظام النهري في العالم مفيدًا بالنسبة للتجارة حتى الوقت الحاضر. وقد اتخذ المكتشفون والرواد الأوائل في الأمريكتين الشمالية والجنوبية الأنهار طريقًا رئيسيًا لأسفارهم، وبنوا المستوطنات على ضفاف الأنهار الرئيسية، كما اعتمد المكتشفون ـ إلى حد كبير ـ في اكتشافهم للمناطق الداخلية من إفريقيا خلال القرن التاسع عــشر الميلادي على تتبع مجاري الأنهار الرئيسية في تلك القارة. وبالمثل، تتبع المكتشفون الأوائل لشرقي أستراليا ـ أيضًا ـ مجاري الأنهار، أثناء تتبعهم لتقاطع جبال بلو عام 1813م. وقد أرادوا بذلك أن يتحققوا مما إذا كانت شبكتا نهري دارلنج وموراي قد التقتا، أم أنهما تصبان في بحر داخل البلاد.
والأنهار مهمة أيضًا للزراعة، لأن أودية الأنهار وسهولها تعد ـ بصفة خاصة ـ تربة خصبة لزراعة المحاصيل. ويستخدم المزارعون في المناطق الجافة مياه الأنهار لري أراضيهم، فيحفرون القنوات لنقل الماء من النهر إلى مزارعهم.
وتعد الأنهار مصدرًا مهمًا للطاقة أيضًا؛ إذ يمكن استخدام قوة تدفق المياه على امتداد النهر، عند المساقط وغيرها من المناطق المنحدرة، لتشغيل الآلات، وتوليد الكهرباء، حيث تحول السواقي والدواليب المائية قوة المياه المتدفقة إلى طاقة. وكانت الطواحين، والورش، ومصانع النسيح تقام في الماضي بالقرب من الأنهار المنحدرة، وكانت تدار بوساطة قوة اندفاع المياه. وفي الوقت الحاضر، تنتج محطات القوة الكهرومائية ـ ذات التوربينات المائية ـ نحو ربع القوة الكـــهربائية التي يحتـــاجها العالم.
يؤدي هطول الأمطار الغزيرة، أو سرعة ذوبان ثلوج فصل الشتاء إلى فيضان الأنهار، وقد يجرف مثل هذا الفيضان كميات كبيرة من التربة الخصبة، ويهدم المباني، ويلحق الضرر أو الهلاك بالإنسان والحيوان.
======
الفَيَضان Flood مياه تطغى على الأراضي التي عادة ما تكون جافة. وغالبية الفيضانات ضارة، لأنها تتلف المنازل وبعــض الممتلكات، وقد تجرف الطبقة العليا للتربة، تاركة سطح الأرض عاريًا. وعندما لا يأخذ السكان حذرهم من الفيضانات، فإن الفيضانات العنيفة تجلب دمارًا هائلاً. وقد تفيض الأنهار والبحيرات والبحار على شواطئها. ويمكن أن تكون الفيضانات في بعض الأحيان مفيدة، فعلى سبيل المثال، ساعـدت فيضانـات نهـر النيل ـ في وقت مبكر ـ على بناء سهل خصب في السودان ومصر، وجعلت الفيضانات وادي النيل ـ من أخصب الأقاليم في العالم. فقد جلبت مياه نهر النيل التربة الخصبة من الجنوب، لترسبها مياه الفيضان على السهل الفيضي لهذا النهر.
الفيضانات النهرية
الفيضان يحدث عندما يرتفع الماء في نهر فوق مستواه العادي، ويفيض الماء على ضفتيه، وتبنى عادة السدود على امتداد بعض الأنهار لكي تحجز المياه عند ارتفاعها، ولكن قد يفيض النهر حتى فوق مثل هذه الحواجز، ومياه الفيضان بصورة عامة تغطي فقط السّهل الفيضي للنهر أي الأرض المنخفضة القريبة، غير أنه في الفيضانات البالغة العنف قد تفيض مياه النهر لتغطي مساحات واسعة.
الفيضان النهري. تفيض مياه معظم الأنهار عن مجراها مرة واحدة كل سنتين تقريبا. فإذا طغت مياه نهر ما على منطقة يعيش فيها السكان فإنها تسبب فيضانًا، أما إذا فاضت مياه نهر ما على أراض لا يعيش فيها سكان عندئذ يقال إنه في حالة فيضان.
يُعدُّ تزامــن هطول الأمطار، مع ذوبان الثلوج والجليد، من أكثر الأسباب المتعارف عليها لحدوث الفيضانات. ويمكن تحت هذه الظروف، أن تصل مياه النهر إلى عشرة أضعاف المياه التــي تجري عادة في مجراه. وتنتج الفيضانات الوامضة عن الأمطار الفجائية الغزيرة، حين تسبب هذه الأمطار ظهور نهيرات أو جداول، تعمل على رفع مستوى مياه النهر بصورة فجائية، فتتجاوز مياه النهر ضفافه إلى المناطق المجاورة. فعلى سبيل المثال، هطل عام 1952 م ما يقارب 230 ملم خلال 24 ساعة على المنابع العليا لنهر لِنْ الغربي ونهر لِنْ الشرقي في ديفون بإنجلتـــرا، حيث فاضت مياه نهر لِنْ الغربي فاغرقت ضفتيه، وتغلغل سيل جارف داخل بلدة لِنْ ماوث، فقتل 23 شخصًا، وترك 1,000 شخص بدون مأوى. وغالبًا ما تحدث الفيضانات الوامضة في المناطق الجبلية والصحاري، عندما تُحّول العواصـــف الرعدية النادرة والعنيفة الأودية الجافة إلى سيول هائجة.
تشتهر غالبية الأنهار الكبيرة بفيضاناتها العنيفة، إذ يطلق الصينيون على نهر هوانج هي حزن الصين لما يسببه من دمار. حيث لقي نحو مليون صيني حتفهم في أسوأ فيضان للنهر عام 1887م. كما حدثت كوارث الفيضانات، على طول نهر المسيسيبي وروافده، في الولايات المتحدة. فعلى سبيل المثال، اجتاحت وادي أوهايو ووادي المسيسيبي وروافدهما فيضانات عنيفة قتلت أكثر من 135 شخصًا، وشردت ما يقارب المليون نسمة. وحدث دمار هائل بسبب فيضان مياه الأنهار في ولايتي نيويورك وبنسلفانيا عام 1972م بعد هطول أمطار غزيرة، فسبَّبت خسائر تعادل ثلاثة بلايين دولار، بالإضافة إلى بقاء 15 ألف شخص بدون مأوى. وشهد عام 1993م فيضان نهري الميسوري والمسيسيبي في الوسط الغربي الأمريكي أدى إلى خسائر مادية بلغت 10 بلايين دولار وبقي 74 ألف شخص بدون مأوى.
وفي الــهند، حــدث أسوأ فيضان في تاريخها عام 1840م، عندما ضربت هزة أرضية أعالي وادي السند، فحدث تصدع أرضي، شكلت بموجبه صخرة ضخمة سداً طبيعيًا في ذلك الوادي، فتكوّنت بحيرةُُ خلف هذا السد بطول 60كم وبعمق 300م. وما أن اندثر السد حتى اندفع سيل جارف أسفل الوادي، فاضت مياهه على الأراضي المجاورة فأودت بحياة الآلاف من السكان.
أما في أستراليا، فقد حدث أسوأ فيضان من حيث الضحايا عام 1852م. عندما غرق 89 شخصاً من بين 250 نسمة يقطنون غنداجاي في ولاية نيوساوث ويلز. وفي عام 1916م طغى فيضان عنيف على المناطق المنخفضة في كليرمونت بولاية كوينزلاند فأغرق 61 شخصًا. وفي خريف عام 1975م سببت عواصف وأمطار غزيرة متواصلة فيضانًا في ولايتي نيوساوث ويلز وفكتوريا، تبعه بعد سنة أعنف فيضان على مدى خمسين سنة بوادي نهر موراي.
وفي السودان ومصر يبدأ فيضان النيل عادة في منتصف شهر يوليو من كل عام ويبلغ ذروته في منتصف سبتمبر، وينتهي بنهاية سبتمبر، وحدثت أسوأ الفيضانات في القرن العشرين عامي 1946م و 1988م حيث غطت المياه الكثير من المزارع والقرى ونفق الكثير من الحيوانات.
فيضانات السواحل. تحدث بسبب الأعاصير الممطرة وغيرها من الأعاصير العنيفة، حيث تدفع المياه قباله الخلجان فتتجاوز الأمواج شواطىء البحار متوغلة في اليابسة. في عام 1970م، أدى إعصار عنيف إلى ارتفاع الأمواج ومنسوب المياه في خليج البنغال، مما أدى إلى حدوث أكبر كارثة ناتجة عن الفيضانات الساحلية في التاريخ. فقد ضربت أمواج ضخمة ساحل بنغلادش أغرقت 266 ألف شخص، كما نفقت أعداد كبيرة من قطعان الماشية، وأتلف الفيضان المحاصيل ودمر ملايين المنازل.
وتُحْدِثُ المنخفضات الجوية الفيضانات على السواحل الغربية للقارة الأوروبية. فأحيانًا، عندما تكون المنخفضات الجوية فوق بحر الشـــمال، يتزامن هبوب رياح قوية وظهور مد مرتفع، مما يســـبب ارتفـــاع ميـــاه البحر، فيحدث مدّ هائج على امتداد السواحل الغربية. ففي عام 1953م، أدت هذه الأعاصير إلى ارتفاع الأمواج التي أدت بدورها إلى تحطيم الحواجز على السواحل الهولندية فأغرقت أكثر من 4% من مساحة الدولة. كما تحدث الفيضانات الساحلية المدمرة على الساحل الشرقي لإنجلترا بما فيها منطقة لندن. ونظرًا لهبوط سطح هذا الإقلـيم بما يعادل 30 سم كل 100 عام، حسب تقديرات الجيولوجيين، بالإضافة إلى إمكانية ارتفاع درجة حرارة سطح الارض (ظاهرة البيوت المحمية)، فإن لندن مهددة بحدوث حالات المد الهائج.
وتسبب الزلازل والبراكين أمواجا متلاطمة، ينتج عنها فيضانات ساحلية. ويُدعى هذا النوع من الأمواج الموجة البحرية الزلزالية ومثال ذلك، عندما ثار بركان كراكاتاو في مضيق سوندا غربي جزيرة جاوه عام 1883م، أحدث أمواجًا بحرية زلزالية وصل علوها إلى 30م، فقتلت ما يقرب من 30,000 شخص، وقذفت بإحدى السفن 2,5 كم فوق اليابسة.
الفيضانات الأخرى. تُحدث الأعاصير والرياح العاتية، فيضانات ساحليةً على امتداد شواطئ البحيرات. فقد تحدث مثل هذه الفيضانات، عندما تتحرك المياه بصورة فجائية من جانب إلى آخر وبصـورة منتظمة. وتســـمى مثل هذه الحركة السيش.
ينتج أيضًا عن انهيار بعض المنشآت كالسدود فيضانات مدمرة. ففي عام 1963م انهار سد فايونت في إيطاليا، فأحدث فيضانًا أودى بحياة ما لايقل عن 1,800 شخص.
التحكم في الفيضانات يتم بصورة مؤقتة بوضع أكياس معبأة بالرمال، كما يبدو في الصورة، حيث يقوم العمال برص الأكياس الرملية على امتداد ساحل بحيرة أونتاريو لمنع تدفق المياه الذي يرتفع منسوبه باطراد. كما تُستخدم هذه الطريقة للتحكم في فيضان البحيرات الناتج عن الأعاصير والرياح الشديدة.
التحكم في الفيضان. أدت الأنشطة البشرية في بعض المناطق إلى زيادة فداحة الفيضانات، وبخاصة عندما أزيلت الغابات واستُنزفت الأراضي الزراعية. فبدلاً من أن تمتص التربة والنباتات الطبيعية مياه الأمطار، فإن مياه الأمطار في المناطق الجرداء تنساب مباشرة على سطح الأرض العارية نحو الأنهار، فإذا كانت هذه المياه بكميات كبيرة، فإنها تسبب الفيضانات الوامضة. وتتجمع التربة المنجرفة في قيعان الأودية رافعة بذلك منسوب المياه الجارية. وللحد من خطر هذه الفيضانات، يتطلب الأمر إقامة السدود وزراعة الأشجار على السفوح المكشوفة. وينبغي أيضا التنظيف الدائــم لمجرى الوادي، وتقوية الضفاف الطبيعية للأنهار بحواجز مرتفعة.
يقـــوم المهندسون ببناء الحواجز على السواحل البحرية، والسدود الترابية لدرء خطر الفيضانات النهرية، وحواجز الإعصار الممطر للإبقاء على مياه البحر بعيدًا عن اليابسة. فعلى سبيل المثال، أقام الهولنديون نظامًا ضخمًا من الحواجز المائية، لدرء مياه البحر التي تهدد أراضيهم الساحلية، إذ إن خمسي مساحتها يقع تحت مستوى سطح البحر.
تقوم أيضًا بعض المدن الساحلية بعمل جدران حجرية تمنع ولوج مياه المد العالي إلى اليابسة. كما يلجأ بعضها إلى إقامة حواجز مصنوعة من الخـشب لمنع انجراف الـــشواطىء. وتزرع الكثبان الرملية في بعض المناطق بالأشجار، فتعمل على تثبيت الرمال وتجميعها لتشكل حواجز تصد فيضان المدُّ المرتفع.
تحمي الحواجز المتحركة بعض المعابر النهرية التي تعاني خطر مياه المدّ المرتفع. فعند وولويتش بلندن، أقيمت سلسلة من البوابات الفولاذية المتحركة، لتشكل حواجز للفيضانات الساحلية على طول نهر التايمز، حيث تدور هذه البوابات حول دعامات إسمنتية، وتُغمر تحت الماء في بطن النهر عند عدم الحاجة إليها بصورة لا تعطل حركة الملاحة في النهر. وعند اقتراب حدوث مد مرتفع، تقوم الجهات المعنية بإصدار تحذير، تُُرفع بموجبه تلك البوابات، لتمنع المياه من اجتياح مدينة لندن، وقد اكتمل بناء هذا المشروع عام 1982م.
الفيضانات يمكن أن تسبب أضرارًا فادحة، فغالبًا ما تسبب دمارًا في التجمعات السكانية خاصة عندما تترافق مياه الأمطار الغزيرة مع ذوبان الثلوج، حيث يرتفع منسوب المياه في الأنهار فوق مستوى ضفافها.
الحد من خسائر الفيضان. لا يقوم المهندسون فقط بمحاولة الحد من الفيضانات، وإنما يقومون أيضا بمحاولات أخرى للتقليل من خسائرها، إذ تشمل محاولاتهم بعض الترتيبات الخاصة لإقامة مراقبة دائمة في السهول الفيضية وجعل الأبنية مقاومة للماء، كما تشمل بعض البرامج خططًا لمساعدة ضحايا الفيضانات مثل : تقديم وسائل للتحذير والإجلاء والتأمين على حياتهم وإغاثتهم في الوقت المناسب.
باستطاعة العلماء تحديد المناطق المعرَّضة لخطر الفيضانات. ففي الولايات المتحدة، أبقت الحكومة على شريط ضيق من الأرض، على امتداد المجاري المائية بدون استخدام. وتسمى هذه الأشرطة بمسارب الفيضان، كما حددت بعض التجمعات السكانية مناطق شاسعة، حول المجاري المائية، لاستعمالها مواقف للسيارات أو للزراعة.
ويمكن إقامة مبانٍ دائمة ضمن السهول الفيضية، إذا صممت لتقاوم الفيضانات. ويطلق على التقنية التي تبقى المياه ُ بموجبها خارج المباني مانع الفيضان وتتضمن هذه التقنية رفع الأبنية عن الأرض، أو استعمال مواد إنشــائية مقاومة للماء.
يؤدي الرصد الجوي دورًا كبيرًا في التقليل من خسائر الفيضان، عندما يصدر تحذيرات تتــعلق بالأعاصير والفيضانات، فهو يأمل بذلك التقليل بشكل كبير من إزهاق الأرواح والحد من الخسائر في الممتلكات. وعلى أية حال، ستستمر المآسي في حالة حدوث فيضان، وستصبح الإغاثات الدولية ضرورية جدًا لمساعدة ضحاياه.
*******
السـد Dam بناء يشيد عبر النهر ليحجز المياه. وتتفاوت أحجام السدود ما بين ترابية أو حجرية صغيرة، أو سدود شاهقة من الخرسانة بعلو ناطحات السحاب. وقد اُضطر الناس إلى تخزين المياه خلال مواسم الأمطار بكميات وفيرة تفي بحاجتهم وحاجة حيواناتهم وزروعهم في فترات الجفاف. وثمة أطلال لسدود أثرية في كل من وديان نهر دجلة ونهر النيل. كما أن بعض السدود التي شيدها قدماء الرومان بإيطاليا وأسبانيا وشمال إفريقيا ما زالت تعمل إلى الآن.
وفي كل الحقب التاريخية كان الحصول على مصادر كافية للمياه هو أول اهتمامات المجموعات البشرية عندما تستقر. وقد تمتلئ مجاري المياه في كثير من الأقاليم في وقت ما، لكنها لا تلبث أن تنضب في فترات الجفاف حينما تزداد الحاجة إليها أكثر من أي وقت آخر. واعتاد الناس في البداية إقامة سدود صغيرة من جذوع الأشجار والتراب والحجارة تفي بتخزين حاجتهم العابرة للمياه. غير أن الفيضانات كانت كثيرًا ما تتسبب في هدم هذه السدود الصغيرة وإزالتها. وعندما اتسعت المجتمعات العمرانية وازدادت أعداد ساكنيها، عرفوا كيف يشيدون سدودًا أضخم، توفر لهم مخزونًا كبيرًا ودائما من الماء. وأصبح بمقدور هذه السدود تخزين ما يفي بحاجة الناس خلال الفترات الموسمية التي يقل فيها الماء، بالإضافة إلى فترات الجفاف التي قد تمتد لسنين عديدة. وتعلم الناس لاحقًا كيف يسخِّرون مساقط المياه المندفعة من السدود لتوليد الطاقة الكهربائية التي يحتاجونها في البيوت والمصانع.
سد وادي نجران من أكبر السدود المائية المقامة في المملكة العربية السعودية. تبلغ طاقته التخزينية 85 مليون متر مكعب، ويبلغ طول السد 260م وارتفاعه 60م. افتتح عام 1402هـ، 1982م.
عمل السد
يحبس السد الماء في المجاري والأنهار التي يشيَّد عليها، بحيث تتكون خلفه بحيرة أو مخزون كبير من الماء قد يعلو منسوبه إلى ارتفاع السد نفسه، فتغطي هذه المياه الكثير من الاحتياجات. وعندما يرتفع منسوبها خلف السد عن منسوب النهر، يصبح توجيه انسيابها على الأراضي المجاورة أمرًا ميسورًا بدفع الجاذبية. كما تتدفق كميات من المياه المخزونة من خلال توربينات مائية ـ هيدروليكية ـ فتتولد الطاقة الكهربائية المستخدمة في البيوت والصناعات. وتوفر هذه المياه، التي يتم صرفها بمعدلات ثابتة في مجرى النهر، أسفل السد الماء للأسماك والأحياء البرية، وتحافظ على مجاري الأنهار من الجفاف. كما تيسر كمياتها الكبيرة حركة الملاحة النهرية طوال العام. وتساعد السدود بكفاءتها التخزينية العالية في احتواء مياه الفيضانات وتصريفها بالتدريج خلال فترات زمنية طويلة مما يحد من إغراقها ضفاف الأنهار.
وتوفر البحيرات والمستودعات المائية التي تتكون خلف السدود مرافق ترفيهية كرياضات الماء وهوايات صيد السمك، كما تصبح مراتع للحيوانات البرية. وتحفظ كذلك التربة الزراعية من الانجراف الذي يسببه اندفاع الماء فوق القشرة العلوية الخصبة.
أنواع السدود
أقام الناس أنواعًا كثيرة من السدود، خضع كل واحد منها للظروف الخاصة بالموقع المقام عليه، ونوع المواد المتاحة لتشييده. ففي الأماكن التي تتوفر فيها الصخور، يصبح بناء سدود ذات حشوة صخرية أو سدود حجرية، ذا جدوى اقتصادية مجزية. كذلك تبنى السدود الخشبية، حيث تتوافر جذوع الأشجار. ويكثر استخدام الخرسانة في بناء السدود، إلا أن نقل موادها كالحصباء والرمل والإسمنت غير المتوافرة في موقع البناء يشكل عبئًا ماليًا ضخمًا. وقد برهنت السدود الترابية التي شيدت في أماكن كثيرة على مزايا اقتصادية كبيرة. كما أن بناء السدود المفرغة في بعض المواقع يوفر مواد البناء. وتبدو جدوى تشييد السدود المعقودة الضيقة في الوديان الصخرية محدودة الاتساع، بينما يحتم اتساع وديان مجاري الأنهار بناء سدود ممتدة بعرض المجرى، من النوع متعدد العقود، أو من ذوات السطح المستوى، أو الأنواع الترابية، أو المصنوعة من الفولاذ أو الخشب ـ وهي كلها اقتصادية التكلفة.
السدود البنائية. تشمل أنواعًا عديدة من السدود تشترك جميعها في أنها مشيدة من مواد مصمتة، سواء كانت من الأحجار المقطوعة بأحجام محددة، أو من خرسانة تم صبها في كتل إسمنتية متراصة، أو شُدْفات قطاعية. ومنها السد الثقالي المشيد من الخرسانة أو الكتل الصخرية التي ترص بعضها فوق بعض، والذي يستمد متانته من ثقل المواد المستخدمة في إنشائه.
وقد أجرى المهندسون تعديلات على تصميم السدود الثقالية للمحافظة على مواد التشييد ولضمان رسوخ الهيكل الإنشائي للسد مع استخدام الحد الأدنى من المواد. وتشمل السدود المفرغة على تجويف مفرغ بداخل جسمها الرئيسي. ويسمى السد الذي تدعم واجهته جدران ساندة أو أكتاف السد ذا الأكتاف. أما ما يعرف بالسد المسطح فهو مشيد من بلاطة خرسانية ممتدة بطول المجرى يسندها من الأمام عدد من الدعامات المائلة بزاوية 45°. ويتم تصميمها بطريقة تقوم فيها المياه بتوفير الثقل اللازم لاستقرار الحاجز الخرساني الذي يتم تشييده أحيانًا في شكل عقود، كل واحد منها يتوسط دعامتين تسندانه، ويسمى السد متعدد العقود.
سد فورت بيك أحد أكبر سدود الحشوات الترابية في العالم. يمتد لحوالي 6 كم عبر نهر ميسوري في شمال شرقي ولاية مونتانا بالولايات المتحدة. ويتحكم في الفيضانات، ويوفر مياه الري والطاقة الكهربائية للمناطق المحيطة.
السدود الجسرية. أكثر أنواع السدود انتشارًا هي السدود الترابية. ويتم تشييدها بردم عينات منتقاة من التربة في حيز معين وضغطها طبقة فوق طبقة حتى تصير كتلة مصمتة لا يتسرب منها الماء. وتُفرز مواد الردم التي تشيد منها هذه السدود، بحيث توجد المواد الناعمة في المركز تليها المواد الخشنة التي تُغطى بطبقة من حجارة صخرية تسمى الدكة. وتوفر هذه الحجارة المكسرة حماية من التعرية التي تسببها أمواج المياه المخزنة والرياح والمطر والثلوج. ومن المعتاد الاستعانة بجدران خرسانية في منتصف السد لتكون سواتر مانعة لتدفق المياه. وقد تستخدم بدلاً منها ألواح معدنية في شكل خوازيق يتم دقها إلى عمق أدني من منسوب الأساسات. كما يحقن، من حين لآخر إسمنت مائع تحت ضغط كثيف إلى الأساسات، لترميم التصدعات والشقوق، مما يزيد من كفاءة السواتر الجدارية، ومقاومة الأساسات للماء.
خزان سد فورت بيك
السدود ذات الحشوات شبه الهيدروليكية والحشوات الهيدروليكية. أنواع حديثة من السدود الجسرية تشيد بضخ مواد سائلة ناعمة في الأجزاء الوسطى من السد مع نزح المياه من هذه الأجزاء. عند توفر الصخور يكون البناء بطريقة السد ذي الحشوة الصخرية أكثر اقتصادًا. تبنى معظم السدود من هذا النوع باستخدام الجلمود الغليظ والحجارة الثقيلة والصخور الضخمة. وهي مواد يستلزم تنوع أحجامها وأشكالها المواءمة والتدرج بغية الحصول على كتلة بنائية على قدر واف من المتانة. ولزيادة كفاءتها في حجز الماء تغطى بطبقات من الخرسانة أو الفولاذ أو الصلصال أو الأسفلت على جانبها الملاصق للمخزون المائي منعًا لتسريب المياه. وثمة نوع من السدود يعرف باسم سدود الحشوات الترابية الصخرية، يتم في بنائه الجمع بين الحجارة الصخرية والتراب. كما يدخل في بناء بعض السدود الجسرية كذلك المواد المعروفة باسم خبث المناجم وهو الركام المتبقي من عمليات التنقيب.
سد يشغل يدويًا يمكن استخدامه لخزن مياه الري. يقع هذا السد على قناة ميدي جنوبي فرنسا.
أنواع أخرى من السدود. تشيد السدود الخشبية في مناطق قطع الأخشاب. وهي سدود صغيرة نسبيًا، تستخدم فيها الصخور لتثبيت جذوع الخشب، كما تستخدم الألواح الخشبية أو غيرها من المواد المانعة لتسرب الماء كساءً خارجيًا لجدار السد. وتغطى السدود المعدنية بمواد مانعة لتسرب الماء وتدعم بدعامات من الفولاذ.
تزود الجسور ببوابات متحركة في الأحوال التي تغلب فيها الحاجة إلى التخلص من كميات كبيرة من المياه أو الثلوج أو الأخشاب الطافية. وثمة نوع يسمى السد الدوار له أسطوانات دوارة أفقية بين أعمدة فتحاته، يمكن رفعها وخفضها للتخلص من الثلوج دون أن يتأثر منسوب المياه المختزنة. وتكثر أنواع البوابات والمحابس المستخدمة في هذه السدود، إلا أن أكثرها شيوعًا الأنواع المعروفة باسم سد تينترجيت، وسد بيرتراب وسد وِكِت جيت.
أكملت فرنسا في عام 1966م، بناء أول سد في العالم تقام به محطة لتوليد الطاقة من حركة المد والجزر على نهر رانس عند بلدة سانت مالو التي تشتهر بأعلى معدلات المد والجزر على مستوى العالم، إذ يبلغ متوسط ارتفاع الموج 11م، وأقصى ما يبلغه 13م، مما يجعله يتدفق خلف السد عندما يعلو، ثم يندفع خارجًا من خلال التوربينات عندما ينخفض.
كيف يتم بناء السدود
يسبق بناء السدود تجميع الكثير من المعلومات لدراستها وتمحيصها لمعرفة صلاحية الموقع، وطبيعة التربة التي تقام عليها الأساسات وما يتوافر من مواد البناء. كما يجب إجراء تحليل دقيق لمعرفة خصائص التيارات المائية للمجرى، مع تحديد المساحة التي سيغطيها المسطح المائي، على ضوء الارتفاع المقترح للسد، في الموقع الذي يتم اختياره. يلي ذلك تجهيز خرائط تضاريسية مفصلة، ودراسات جيولوجية، مع ضرورة الحصول على عينات من الطبقات السفلى من التربة بطرق التثقيب الآلي للتعرف على الحالة العامة للتربة ونوعيتها وموضع التكوين الصخري أسفل موقع السد.
ويجب حيازة الممتلكات العقارية الواقعة على جانب الخزان المائي بالشراء، أو إخلاؤها وترحيلها. وقد يشمل الترحيل طرقًا أو مدنًا بأكملها، أو خطوطًا للسكك الحديدية ومرافق أخرى. ويكلف المهندسون بتقدير كميات الطين والطمي والأنقاض التي سيحتجزها السد، والتي يحسب على ضوئها المدى الزمني الفعال للسد إذ يفقد كفاءته التخزينية عند امتلائه بهذه الأنقاض. وإذا كان الغرض من بناء السد توليد الطاقة يجب أن توصل فتحاته بأجهزة توليد الكهرباء. أما إذا كان إنشاؤه لري الأراضي، أو لخدمات الشؤون البلدية، فيجب أن يجهز بفتحات متصلة بقنوات وجداول للصرف، مزودة بمحابس التحكم اللازمة.
ينصب الاهتمام، بعد اختيار موقع السد، على إيجاد الحلول لتحويل المجرى الأصلى للنهر تحويلاً مؤقتًا ريثما يتم حفر الأساسات ووضع القواعد الخرسانية أو الترابية أو الصخرية بها. ومن المألوف تحويل مجرى النهر مؤقتًا من المنطقة بالحفر في نصف المجرى وترك النصف الآخر من المجرى لسريان المياه. وثمة طريقة أقل تكلفة يتم بها حفر نفق في سفح أحد الوديان المجاورة يستوعب كل مياه النهر وتحوير مجراها حول موقع البناء. ولتحقيق هذا التحوير، يتم استخدام سدود الإنضاب وهي سدود صغيرة تقام مؤقتًا بأعلى مجرى النهر لتحويل مياهه إلى النفق. وبعد إتمام بناء السد يغلق نفق الإنضاب ببوابات ويتم سده نهائيًا. وللسد رصيف إنزال منحدر لتمرير المياه عندما يمتلئ الخزان.
للحصول على الماء من خلف السد عندما يكون الخزان غير ممتلئ، تتم الاستعانة بفتحات في حيز التخزين لها صمامات ذات تصميم خاص، تفتح وتقفل بتأثير الضغط العالي للمياه. تعرف هذه الأنواع من الصمامات بأسماء الصمامات الإبرية؛ الصمامات البوابية؛ الصمامات المنزلقة؛ البوابات الأسطوانية.
بعض السدود المهمة
سد تنجابهادرا في جنوبي الهند، يتحكم في تصريف مياه أمطار الرياح الموسمية التي تستخدم في ري ما يقارب 8,000 كم² من أراضي المحاصيل الزراعية، بالإضافة إلى إنتاج الطاقة الكهربائية. اكتمل بناؤه في عام 1957م.
تستخدم بلدان كالهند وأستراليا وجنوب إفريقيا ذات معدلات الأمطار المتدنية، غير المستقرة، سدودًا ذات كفاءة تخزينية عالية لتوفير مياه الري لمشاريعها الزراعية. وتكتفي البلدان التي ينتظم فيها سقوط الأمطار، كبريطانيا ونيوزيلندا إلى سدود صغيرة للتخزين تفي بحاجتها لإمدادات المياه وتوليد الطاقة الكهربائية.
للهند اثنان من أعلى عشرة سدود في العالم هما: تهري (261م) وكيشاو (253م) يتوقع اكتمالهما خلال التسعينيات من القرن العشرين. وتشمل السدود الكبيرة الأخرى بالهند سد بهاكرا (226م) ولاكهوار (204م). وأعلى سدود الولايات المتحدة ارتفاعًا سد أوروفيل بكاليفورنيا، إذ يبلغ ارتفاعه 235 مترًا. وكذلك سد هوفر الذي اكتمل عام 1936م، وبلغ ارتفاعه 226 مترًا ـ وهو يحتل المرتبة رقم 20 على مستوى العالم.
أعلى سدود أستراليا سد دارتماوث بارتفاع 180م على نهر ميتا ميتا بمقاطعة فكتوريا، وسد تالبينجو 162م على نهر تيومَتْ في مشروع جبال الثلوج. أعلى سدود نيوزيلندا سد بنمور (118م) على نهر ويتاكي. وأعلى سدود جنوب إفريقيا سد بي. كيه. لي روكس على نهر الأورانج بارتفاع 107م . أما أعلى سدود بريطانيا فهو سد لين براين في ويلز، بارتفاع 91م.
أكبر سدود الهند سعة تخزين هو سد ويجانجا العليا وتبلغ سعته 50,7 كم§ وسد جوردون في تسمانيا هو أكبر سدود أستراليا وتبلغ سعته 11,3كم§. ويبلغ استيعاب سد بوكاكي العالي بنيوزيلندا 5,8 كم§ وسد هنرديك فيرورد بجنوب إفريقيا 5,9كم§.
وقد قارب بناء بعض أضخم مشروعات توليد الطاقة من السدود على الاكتمال وتشمل سد توروخانسك بروسيا ، الذي يقدر إنتاجه حسب الخطة الموضوعة بمقدار 20,000 ميجاواط. كما تتم زيادة الطاقة الإنتاجية لكل من سدي إيتايبو المشترك بين البرازيل وباراجواي، اكتمل العمل به عام 1992م، وجراندكولي بالولايات المتحدة ـ لتبلغ 12,600 ميجاواط للأول و 10,830 ميجاواط للأخير . وأكبر محطات توليد القدرة الكهرومائية بالهند هي محطة تهري وتبلغ طاقتها 1,800 ميجاواط، ويبلغ إنتاج محطة داينورويك بمقاطعة سنودونيا بإقليم ويلز 1,800 ميجاواط. كما تبلغ الطاقة الإنتاجية لتالبينجو بأستراليا 1,500 ميجاواط. ويتميز مشروع جبال الثلوج بأستراليا بتوفير مياه الري، وتوليد الكهرباء، وذلك بسبب احتوائه على سدود بطاقة تخزينية عالية في كل من أعالي النهر وأجزائه السفلى لتشغيل محطات توليد الطاقة.
********
منبع النهر. يتكون ماء النهر من مياه الأمطار والبحيرات والينابيع، والثَّلْج والجليد الذائبين. وتسمى المجاري المائية التي تنساب من المنبع منابع النهر. وهناك يبلغ النهر أقصى ارتفاع له. وفي البداية تنساب منابع النهر هذه في مجاري ضيقة بالغة الصغر تسُمى جداول، وتمتلئ هذه المجاري بالماء أثناء العواصف الممطرة فقط، وتلتقي هذه الجداول أثناء انحدارها من فوق التلال، مكونة مجاري مائية أوسع وأعمق، يسمى كل منها غديرًا، وتتحد هذه الغُدْران بدورها لتكون مجاري أوسع يسُمى كل منها نُهيْرًا، وتتحد هذه الأنهار بدورها ـ لتكون الأنهار. وتسُمى جميع الغُدْران والأنهار ـ التي تحمل المياه إلى النهر روافد. ويشكل النهر وروافده ما يسُمى: النظام النهري، وتشمل بعض النـــظم النهرية عدة أنهار صغيرة تتجمع في نهر كبير واحد.
تشكل مياه الأمطار معظم مياه الأنهار؛ إذ تنساب مياه بعض الأمطار على اليابسة إلى مياه النظام النهري، حيث تصل في النهاية إلى أكبر نهر في ذلك النظام عن طريق الجداول والغُدْران والأنهار، والأنهار الصغرى. أما بقية مياه الأمطار فترتوي بها الأرض، وتتجمع على هيئة مياه جوفية. وتتسرب بعض هذه المياه الجوفية إلى النظام النهري، فتظل المياه تجري في معظم الأنهار حتى خلال فترات الجفاف، وعلى الرغم من ذلك، فإن المناطق الحارة الجافة لا تتوافر فيها ـ بصفة دائمة ـ المياه السطحية أو الجوفية الكافية لجريان المياه في بعض الأنهار على مدار العام، ولذا تجف هذه الأنهار من حين لآخر، وتسُمى أنهارًا متقطعة، وبعضها يتلاشى في الصحاري الرملية أو البحيرات المالحة في قلب القارة. وعلى العكس من ذلك تهطل على كل من تسمانيا ونيوزيلندا أمطار غزيرة، ولذا فأنهارهما أنهار دائمة ـ أي تنساب بصفة دائمة. ويختلف جريان جميع الأنهار بناء على التغيرات التي تطرأ على كل من الطقس والمناخ.