المبحث الأول التعريف بالديوبندية:
الديوبندية هم طائفة من الحنفية في شبه القارة الهندية وغيرها، يسلكون مسلك جامعة "ديوبند" وينتمون إليها، وذلك تمييزاً لهم عن إخوانهم "البريلوية" إحدى طائفتي الحنفية، الذين ينتمون إلى إمام البدعة أحمد رضا خان البريلوي، الذي ولد بمدينة "بريلي" إحدى مدن ولاية أوترابراديش بالهند عام 1272 هـ ومات في 1340هـ. و"ديوبند" هي بلدة في ولاية أوترا براديش، اكتسبت شهرتها من أجل الجامعة الإسلامية الشهيرة "دار العلوم" التي تأسست فيها عام 1283هـ، ... وكان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره وإخضاع السنة النبوية وتطويعها للفقه الحنفي
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص21
المطلب الأول: النشأة
أسس جامعة ديوبند مجموعة من علماء الهند بعد أن قضى الإنجليز على الثورة الإسلامية في الهند عام 1857م فكان تأسيسها رد فعل قويٍّ، لوقف الزحف الغربي ومدنيته الماديَّة على شبه القارة الهندية لإنقاذ المسلمين من مخاطر هذه الظروف، خاصة وأن دلهي العاصمة قد خرِّبت بعد الثورة، وسيطر عليها الإنجليز سيطرة كاملة، وخاف العلماءُ أن يُبْتَلع دينُهم، فأخذ الشيخ إمداد الله المهاجر المكي وتلميذه الشيخ محمد قاسم النانوتوي وأصحابهم برسم الخطط للمحافظة على الإسلام وتعاليمه. فرأوا أن الحل بإقامة المدارس الدينية، والمراكز الإسلامية. وهكذا أسست المدرسة الإسلامية العربية بديوبند كمركز للدين والشريعة في الهند في عصر حكومة الإنجليز.
ـ وقد بدأت دار العلوم بمدرسة دينية صغيرة بقرية ديوبند تأسست في 15 محرم 1283هـ الموافق 30 أيار (مايو) 1866م، ثم أصبحت من أكبر المعاهد الدينية العربية في شبه القارة الهندية.
ـ وفي عام 1291هـ تم إنشاء البناء الخاص بالجامعة، بعد بقائها تسع سنوات بدون بناء وكانت الدروس في ساحة المسجد الصغير وفي الهواء الطلق.
Oالموسوعة الميسرة
المطلب الثاني: ملخص أفكار ومبادئ المدرسة الديوبندية
ـ المحافظة على التعاليم الإسلامية، والإبقاء على شوكة الإسلام وشعائره.
ـ نشر الإسلام ومقاومة المذاهب الهدَّامة والتبشيريّة.
ـ نشر الثقافة الإسلامية ومحاربة الثقافة الإنجليزية الغازية.
ـ الاهتمام بنشر اللغة العربية، لأنها وسيلة الاستفادة من منابع الشريعة الإسلامية.
ـ الجمع بين القلب والعقل وبين العلم والروحانية.
Oالموسوعة الميسرة
المطلب الثالث: مواقع النفوذ والانتشار
لم تمض سوى فترة قصيرة على تأسيس دار العلوم بديوبند حتى اشتهرت وتقاطرت إليها قوافل طلاب العلوم الإسلامية من أطراف القارة الهندية.
· وقد لعبت دارُ العلوم دوراً هاماً في نشر الثقافة الإسلامية خارج الهند، وقد انتشرت المدارس الشرعية التابعة لدار العلوم في أقطار عديدة منها الهند وباكستان.
· وقد أسس أحد خريجي دار العلوم المدرسة الصولتيَّة في مكة المكرمة في بداية هذا القرن. وهي المدرسة التي قدمت خدمة جليلة من نشر العلوم الشرعية، وكذلك المدرسة الشرعية في المدينة المنورة - بجوار الحرم المدني وقد أسستها أسرة الشيخ حسين أحمد المدني رئيس هيئة التدريس في دار العلوم سابقاً الذي ظل سبع عشرة سنة يدرس في الحرم النبوي بعد هجرته إلى المدينة أثناء الاضطرابات في الهند.
· ومعلومٌ أن أغلب رجال جماعة التبليغ المشهورة في الهند والعالم الإسلامي، هم من خريجي دار العلوم مثل الشيخ محمد يوسف مؤلف كتاب (حياة الصحابة) والشيخ محمد إلياس مؤسس الجماعة.
· بالنسبة لندوة العلماء في لكنهو بالهند فإنَّ أغلب علمائها من خريجي دار العلوم أيضاً، ومنهم رئيسها الحالي العلاّمة الداعية أبو الحسن الندوي.
Oالموسوعة الميسرة
المبحث الثالث أهم زعمائها:
· الشيخ محمد قاسم ولد بناتوته سنة 1248هـ ورحل إلى سهارنبور في صغر سنه وقرأ المختصرات على الشيخ محمد نواز الهارنبوري. ثم سافر إلى دلهي وقرأ على الشيخ مملوك على النانوتي سائر الكتب الدراسية، وأخذ الحديث على الشيخ عبد الغني بن أبي سعيد الدهلوي، وأخذ الطريقة عن الشيخ الحاج إمداد الله العمري التهانوي المهاجر المكي، وكان ممن قام ضد الاستعمار البريطاني في الثورة المشهورة سنة 1273هـ. وفي 15 محرم 1273هـ أسس مدرسة دار العلوم بديوبند وتحمل مسؤولية إدارتها وشاركت في تربية طلابها رفيقة الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي. وقد لخص هدفها في رده على اللورد ميكالي الإنجليزي بقوله: " إن غرضنا من التعليم هو إيجاد جيل يكون بلونه وعنصره هندياً، يتنور قلبه وعقله بنور الإسلام، وتموج نفسه بالعواطف الإسلامية، ثقافة وحضارة وسياسة ".
وذلك ردا على قول اللورد ميكالي " إن الفرصة من خطتنا التعليمية هو إنشاء جيل من الهند، يكون هندي النسل واللون، وأوربي الفكر والذهن ".
· الشيخ أحمد الكنكوهي: أحد أعلام الحنفية وأئمتهم في الفقه والتصوف قرأ على كبار مشايخ عصره حتى برع وفاق أقرانه في المنقول والمعقول واستفاد منه خلق كثير. وهو أحد الذين بايعوا الشيخ إمداد الله المهاجر المكي على الطريقة. وكان زميلاً للشيخ محمد قاسم الناناتوي. وله مؤلفات عديدة منها مجموعة فتاواه في عدة مجلدات، توفي عام 1323هـ.
· الشيخ حسين أحمد المدني والملقب بشيخ الإسلام: ولد في التاسع عشر من شوال سنة 1296هـ وتلقى مبادئ العلوم في تانده من مديرية فيض آباد الهند وطن آبائه. وفي سنة 1309هـ سافر إلى دار العلوم الديوبندية وفيها تعلم الحديث عن الشيخ محمود حسن الديوبندي الذي لازمه مدة طويلة وكذلك تلقى من الشيخ خليل أحمد السهارنفوري، وبايع على الطريقة على يد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي الذي أجازه على البيعة والإرشاد والتلقين. ولا شك أن هذا السلوك سلوك مبتدع لم يعرفه السلف الصالح.
ـ سافر إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة، بصحبة والده أيام الحرب العالمية فأسره ولاة الأمر ـ الشريف حسين بعد خروجهم على الدولة العثمانية ـ وتم ترحيله بصحبة شيخه محمد حسن الديوبندي إلى مصر ثم إلى مالطا أسرى لمدة ثلاثة سنين وشهرين. وفي عام 1338هـ أفرج عنه ثم عاد إلى الهند وقام بتدريس الحديث وإلقاء المحاضرات والخطب الحماسية ضد الاستعمار الإنجليزي فتم القبض عليه مرة أخرى في جمادى الآخرة 1361هـ وسجن لمدة سنتين وعدة أشهر في سجن مراد آباد وسجن إله آباد إلى أن أطلق سراحه في السادس من رمضان 1363هـ. استمر في جهاده بالتعليم ومناهضة الاستعمار إلى أن وافاه الأجل في الثالث عشر من جمادى الأولى سنة 1377هـ. ومن مؤلفاته: نقش حيات في مجلدين، وكتاب (الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب).
· محمد أنور شاه الكشميري: أحد كبار فقهاء الحنفية وأساطين مذهبهم تخرج في جامعة ديوبندي وولي التدريس في المدرسة الأمينية بدلهي، ثم شغل مشيخة الحديث في جامعة ديوبند. في عام 1346هـ تولى رئاسة التدريس وشياخة الحديث فيها إلى جامعة دابهيل كجرات وله مؤلفات عديدة. ويعد من أبرز علماء عصره في قوة الحفظ وسعة الاطلاع. وكان أحد الذين لعبوا دوراً هامًّا في القضاء على فتنة القاديانية في شبه القارة الهندية. توفي عام 1352هـ.
· ومن أعلام الديوبندية الحديثة:
. الشيخ أبو الحسن علي الحسني الندوي، رئيس جامعة ندوة العلماء في لكنهو ورئيس رابطة الأدب الإسلامي العالمية، وهو داعية مشهور.
· والشيخ حبيب الرحمن الأعظمي.
Oالموسوعة الميسرة
المبحث الرابع: فرق الديوبندية
وأما الديوبندية فلهم أغصان وأفنان وهم ضروب وألوان فمنهم من هو أقرب شيء إلى أهل السنة والتوحيد كالجماعة الفنجفيرية ومن على شاكلتهم فلهم مساع جميلة في محاربة كثير من البدع والشركيات- شكر الله مساعيهم- لولا ما عندهم من عقيدة ماتريدية والتعصب المذهبي المقيت وتحريف الأحاديث الصحيحة الصريحة نضالا عن مذهبهم الحنفي كالكوثرية.
أما غلاة الديوبندية فلهم شعبتان:
الأولى: شعبة التربية والتبليغ، وهي المعنية بجماعة التبليغ.
فجماعة التبليغ كما أنهم ديوبندية أقحاح كذلك ماتريدية أجلاد ويحملون أفكارا صوفية خطيرة وبدعا قبورية كثيرة مع فوائد علمية وفيرة وقد ألف الشيخ العلامة محمد زكريا رحمه الله كتبا كثيرة جدا تعد منهجا لجماعة التبليغ يسيرون عليه ويهتدون مع أن تلك الكتب مكتظة ببدع وخرافات وتبركات ما أنزل الله بها من سلطان فهذه الكتب دليل قاطع على أن هذه الجماعة مبتدعة تحمل أفكارا قبورية كثيرة خطيرة.
والثانية: شعبة التدريس والتعليم وغالب رجال هذه الشعبة أئمة في جميع مراجع العلوم النقلية والعقلية وقد أعطاهم الله أذهانا وقادة ومكانة مرموقة في الزهد لا أستطيع وصفها، وكثير منهم حاربوا كثيرا من البدع والشركيات وهم حرب على البريلوية وهذا من حسناتهم التي لا تنسى ولكنهم مع هذا صوفية أصلاب ماتريدية أجلاد يحملون بدعا قبورية خطيرة كثيرة تدل على غفلة شديدة عن حقيقة التوحيد وحقيقة ما يضاده من الشرك ووسائله وهم أعداء لأهل الحديث متعصبون كالكوثرية وهذا في الحقيقة وقوع في نوع من التناقض الواضح الفاضح.
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 302، 303
المبحث الأول: القول بوحدة الوجود
عقيدة وحدة الوجود من العقائد الصوفية القبورية التي تسربت إلى كبار مشايخ الديوبندية وأئمتهم الأجلة وأكابرهم.
وقد اعترف الشاه أنور الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) بأن مشايخنا مولعون بعقيدة وحدة الوجود ولكني لست بمتشدد فيها.
وقال الشيخ حكيم الملة (أمة الديوبندية) أشرف علي التانوي (1362هـ) أحد كبار أئمة الديوبندية وشيخهم الثالث في التصوف عن الشيخ إمداد الله إمام الديوبندية وشيخهم الأول في التصوف (1317هـ) أنه قال: (أعجبني بعض الأمور الطيبة في الحرمين).
منها أن عقيدة وحدة الوجود انتشرت كثيراً في الناس وارتكزت فيهم حتى الأطفال، فقد ذهبت مرة إلى مسجد قباء فسمعت شخصاً يقول: يا الله يا موجود فقال الآخر بل في كل الوجود.
فلما سمعت ذلك طرأ علي حال ثم رأيت الأطفال يلعبون فقال أحدهم: يا الله ليس غيرك. فطربت منه إلى حد زالت قواي؛ فقلت لهم: لم تذبحونني.
تنبيه: الذي يعتقد عقيدة وحدة الوجود يقال له: الموحد عند الصوفية الوجودية الاتحادية.
بناء على هذا الاصطلاح الوثني استمع أيها المسلم للقصة التالية:
قال حكيم أمة الديوبندية (1362هـ) عن الشيخ إمداد الله الشيخ الأول في التصوف للديوبندية (1317هـ):
(قيل لموحد: إذا كان الحلوى والخرء شيئاً واحداً فكل الحلوى والخرء جمعاً!!! فجعل هذا الموحد شكله شكل الخنزير، فأكل الخرء ثم حول نفسه من صورة الخنزير إلى صورة الآدمي فأكل الحلوى).
وقد علق على هذه الأسطورة الإلحادية الوثنية والوجودية الصوفية الشيخ أشرف علي الملقب بحكيم الأمة فقال: (إن هذا المعترض على هذا الموحد كان غبياً؛ ولذلك تكلف هذا الموحد هذا التصرف، وإلا فالجواب ظاهر وهو أن الحلوى والخرء متحدان في الحقيقة لا في الأحكام والآثار).
قلت أيها المسلم دقق النظر في هذه الأسطورة الإمدادية الديوبندية الصوفية الاتحادية، وهذا التعليق الأشرفي الحكيمي الديوبندي الصوفي الإلحادي يتبين لك فيها الطامات الآتية:
الأولى: تسمية هذا الاتحادي الصوفي الإلحادي موحداً.
فالصوفية الاتحادية والحلولية الإلحادية لا يسمون الشخص موحداً إلا إذا أنكر توحيد الأنبياء والمرسلين، واعتقد أن الله تعالى هو كل شيء وهو الاتحاد أو أنه تعالى هو كل شيء وهو الحلول.
وأما الجهمية الأولى فيسمون معطل الصفات والأسماء موحداً
وأما الماتريدية والأشعرية فيسمون معطل بعض الصفات موحداً.
وأما القبورية فيسمون المستغيث بالأموات موحداً.
الطامة الثانية:
أن هذا الولي الموحد الاتحادي الإلحادي الوثني قد وصل في القدرة والتصرف إلى حد كان قادراً على قلب الأعيان والحقائق حتى قلب نفسه خنزيراً ثم انقلب من الخنزير آدمياً بقدرة كن فيكون.
الطامة الثالثة: عقيدة وحدة الوجود:
وأن جميع ما في هذا الكون شيء واحد في الحقيقة وإنما الفرق في الأحكام والآثار، وأن الخالق والمخلوق شيء واحد في الحقيقة، فما ثم إلا هو وإنما الفرق بالاعتبار لا بالحقيقة.
الطامة الرابعة: تناول هذا الولي الموحد الإلحادي الاتحادي الوثني الخرء وأكله إياه بعدما انقلب خنزيراً أنجس الحيوانات في خلق الله تعالى، ويلزم هذا الخنزير أن يجامع أمه وأخته وبنته ومحارمه؛ لأن هذا الولي لما انقلب خنزيراً حل له أكل أغلظ النجاسات وهو الخرء، فيحل له وطء المحارم أيضاً لأن الخنزير غير مكلف فلا محارم له.
الطامة الخامسة: مناصرة ذلك الولي الاتحادي الإلحادي الوثني والدفاع عنه، والطعن فيمن ينكر على هؤلاء الملاحدة ممن لا يعتقد عقيدة وحدة الوجود بأنه غبي أحمق في الاعتراض على هذا الولي الموحد الإلحادي الاتحادي الوثني.
ولقد قال بعض الصوفية الملاحدة الاتحادية:
إنني قد سجدت لله حينما لم تكن ذات الله ولا صفاته.
فقال الشيخ أشرف على التهانوي عن شيخ الديوبندية إمداد الله: إن معناه: أنني عبدت الله حينما كان الله في مرتبة الأعيان، ولم يكن وقت الظهور العيني لذاته وصفاته.
قال الشيخ الأول في التصوف للديوبندية إمداد الله (1317هـ): إن معناه أن العالم قديم في مرتبة الأعيان لأن هذا النور والشعاع لصفات الله تعلى وصفاته قديمة.
وقد صرح شيخ الديوبندية إمداد الله بعقيدة وحدة الوجود في صدد الثناء على الله تعالى
كما صرح بأن عقيدة وحدة الوجود هي عقيدته وعقيدة جميع مشايخه وعقيدة مريديه وذكر فيهم الشيخ النانوتوي الإمام الأول للديوبندية والشيخ الجنجوهي الإمام الثاني للديوبندية.
ومن شعار الديوبندية في باب وحدة الوجود قولهم: (لا موجود إلا الله ولا مقصود إلا الله ولا محبوب إلا الله).
ومن شعارهم ما يرددون من قول الحلاج (309هـ): (سبحاني ما أعظم شأني) .....
وقد حكى الديوبندية عن شيخهم إمداد الله (1317هـ) أنه قال: ... لي انشراح الصدر في مسألة وحدة الوجود، وقالوا: إن الشيخ كان إذا تكلم في وحدة الوجود يطرأ على السامعين الاطمئنان والوجود.
قلت: هذا هو التصوف التقي النقي اللب الخالص من القشور كما تزعم الديوبندية؟ نعم تصوف الديوبندية نقي خالص، ولكن عن توحيد الأنبياء والمرسلين، وعن السلف الصالح أئمة هذا الدين.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 790 - 795
يقول شيخ مشايخ الديوبندية الحاج إمداد الله المهاجر المكي:
"القول بوحدة الوجود حق وصواب، وأول من خاض في المسألة هو الشيخ محيي الدين ابن عربي.
ورأي ابن عربي وعقيدته في هذه المسألة لا يحتاج إلى البيان والإيضاح، فإنه هو القائل:
"إن الوجود المخلوق هو الوجود الخالق"
وقال:
"وفي كل شيء له آية، تدل على أنه عينه، فما في الوجود إلا الله".
وقد حاول الشيخ إمداد الله إثبات هذه العقيدة الزائفة والاستدلال عليها بآية من القرآن الكريم، فقال:
"الرسول صلى الله عليه وسلم متصل بالحق سبحانه، فمن المسوغ أن نقول لعباد الله عباد الرسول، ولهذا قال الله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ [الزمر:53] وضمير المتكلم - المجرور بالإضافة - هو الرسول".
هذا، وقد تبعه في ذلك الشيخ أشرف على التانوي وزاد عليه قائلاً:
"والقرينة أيضاً تؤيد هذا المعنى، فإنه قال بعده: لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ [الزمر:53]، فلو كان الضمير راجعاً إلى لفظ الجلالة لكان النظم "لا تقنطوا من رحمتي"، حتى يتناسب مع قوله: يا عبادي ".
هكذا قال شيخ مشايخهم ومريده، وكأنهما تناسيا قول الله تعالى: مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللهِ [آل عمران:79].
ثم أنه لم يقف عند هذا الحد، بل أضاف عليه قائلاً:
"التفريق بين العبد والمعبود هو الشرك عينه".
ولذلك نادى أبويزيد البسطامي وقال:
"سبحاني ما أعظم شأني"
وجهر منصور الحلاج بقوله: "أنا الحق".
وهؤلاء كلهم من خواص هذه الطائفة، وهذه الأقوال كلها من هذا الباب (وحدة الوجود).
ولم يكتف الشيخ إمداد الله بحكاية أقوال الوجودية، بل أراد أن يضيف عليها فقال:"العبد قبل وجوده كان هو الرب باطناً، والرب هو العبد ظاهراً، وعليه يدل الحديث القدسي: ((كنت كنزاً مخفياً))، وما مثل الخالق مع خلقه إلا كمثل النواة مع الشجرة، فإن الشجرة بأوراقها وأغصانها وأزهارها كانت مكنونة في النواة، ولما أظهرت النواة ما في باطنها اختفت هي عن الأنظار، فالناظر يرى الشجرة ولا يرى النواة".
هكذا قال الشيخ إمداد الله ونسي ما صرح به القرآن في محكم آياته لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ [الإخلاص:3].
كما أنه لم ينتبه إلى النتائج المستلزمة لهذا القول بحيث تكون المخلوقات كلها مظاهر للخلّاق العظيم، بما فيها الكلاب والفئران والقطط وغيرها؛ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
ثم أضاف الشيخ إمداد الله قائلاً:
"من أراد أن يجلس مع الله فليجلس مع أهل التصوف".وقال مستدلاً بحديث ((من رآني فقد رأى الحق)) (1): "معناه من رآني فقد رأى الله تعالى".
وقال أيضاً:
"إن الصوت الذي سمعه موسى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ [طه:12] إنما كان من باطن موسى نفسه".
وقال الشيخ فضل حق الخير آبادي في كتابه:
"لو كلفت الرسل بالدعوة إلى وحدة الوجود لبطلت الحكمة التي من أجلها أرسلت الرسل، فأمروا أن يكلموا الناس على قدر عقولهم".
فيا للعجب! لو كانت عقيدة وحدة الوجود حقاً، وعرفها الأنبياء والرسل، أما كان عليهم أن يبينوها للناس ولا يكتمونها؟ والله سبحانه يقول يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة:67].وقالت عائشة رضي الله عنها: (من حدّثك أن محمداً كتم شيئا مما أنزل الله عليه فلقد كذب) (2). وقال الشيخ محمد أنور الكشميري في شرحه لحديث ((لا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل)) (3) الحديث، وهذا نصه:
"وهاهنا بحث للصوفية في فضل القرب بالنوافل، والقرب بالفرائض، فقالوا: إن العبد في القرب الأول يصير جارحة لله جل مجده، والله سبحانه نفسه يكون جارحة لعبده في القرب الثاني".
وقال في شرحه لقطعة: "فكنت سمعه الذي يسمع به":
"قلت: وهذا عدول عن حق الألفاظ، لأن قوله: كنت سمعه الذي بصيغة المتكلم يدل على أنه لم يبق من المتقرب بالنوافل إلا بجسده وشبهه، وصار المتصرف فيه الحضرة الإلهية، وهذا الذي عناه الصوفية بالفناء في الله تعالى، أي الانسلاخ عن دواعي نفسه حتى لا يكون المتصرف فيه إلا هو، (إلى أن قال) وفي الحديث لمحة إلى وحدة الوجود، وكان مشايخنا مولعون بتلك المسألة إلى زمن الشاه عبد العزيز، أما أنا فلست بمتشدد فيها".
وقال في شرحه لقول: فمن ذلك الجزء يتراحم الخلق" ما نصه: "وفيه رائحة من وحدة الوجود، لأنه يدل على أن تلك الرحمة عينها جعلت بين العباد، مع أنها كانت جزء من أجزاء رحمة الرب، فما كان للرب جل مجده صارت للعباد بعينها، وهل الوحدة المذكورة ممكنة أو لا؟ فالوجه أنها ممكنة، إلا أن الغلو فيها غلو".
وقال الشيخ محمد زكريا الكاندهلوي في كتابه:
_________
(1) رواه البخاري (6996) ومسلم (2267) من حديث أبي قتادة.
(2) رواه البخاري (6502).
(3) رواه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة.
"أريد أن أرسل هنا قصتين لأكابرنا كنموذج، إحداهما رسالة سامية لشيخ المشايخ قطب الإرشاد حضرة الكنكوهي، قدس سره، التي كتبها إلى شيخه شيخ العرب والعجم الحاج إمداد الله أعلى الله مرتبته، وهي مطبوعة في "مكاتيب رشيدية" أيضاً، يقول: "إن إطالة الكلام إساءة أدب، اللهم اغفر، فإنما كتب بأمر الشيخ، أنا كذاب، أنا لا شيء، لا ظل إلا ظلك، ولا وجود إلا وجودك، من أنا؟ لا شيء وما أنا هو أنت، وتفريق أنا وأنت هو شرح محض، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ولا حول ولا قوة إلى بالله".
ويقول في كتابه (تبليغي نصاب):
"إن الحق سبحان منبع في الواقع لكل حسن وجمال، والحق أنه لا يوجد في الكون جمال سواه".
وقال بيتاً في أبي منصور الحلاج المصلوب - الداعي المعروف إلى عقيدة وحدة الوجود - ما معناه:
"إنما صلب أبو منصور لتركه التأدب (مع الله)، فقوله "أنا الحق" كان حقاً، إلا أن فيه لفظ يؤدي على إساءة أدب".
هذا، وقد قال "صوفي إقبال" - وهو من أخص أصحاب الشيخ محمد زكريا - بيتاً يمدح به الشيخ محمد زكريا ويذكر منّه على طائفته، ما معناه:
"من الذي أوقفنا على سر الوحدة (وحدة الوجود) حيث بين لنا أن العشق والمعشوق والعاشق كلها شيء واحد".
وقال الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي:
"إن نسبة الشيخ (قاسم النانوتوي مؤسس دار العلوم بديوبند) كانت مورداً لتجلي الذات المحضة، يعني ذات الله سبحانه وتعالى".
ويقول الشيخ أشرف على التانوي وهو يشرح قصة لطرد الجن أيام الشاه عبدالعزيز، والذي طرده هو الشيخ الشاه عبدالقادر، يقول التانوي:
"هناك درجة للكاملين، هي درجة "أبو الوقت"، من وصل إليها يصبح قادراً على أن يورد على نفسه التجلي في أي وقت شاء، كذا سمعت مرشدي؛ فلا غرو أن يكون حضرة الشاه قد أورد على نفسه تجلياً من الجبار، فطرد الجن بالتوجه، لكون التجلي مظهراً لهذه الصفة".
ومن أكابر الديوبندية الشيخ ضامن علي الجلال آبادي، وفيما يلي نقدم إلى القارئ قصة تتعلق به، وهي غريقة في عقيدة وحدة الوجود، وهي أيضاً تمثل معتقدات علماء ديوبند في المسألة، يقول الراوي:
"ذات يوم سأل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري شيخه عن الحافظ لطافت علي، المعروف بالحافظ "ميندهو" شيخ بوري فقال: "كان كافراً بحتاً" - ثم تبسم وقال:
"وأما ضامن علي الجلال آبادي فكان غريقاً في التوحيد".
وقال مرة أخرى:
"إن عددا كبيراً من بغايا مدينة "سهارنفور" كُنّ من مريدي الشيخ ضامن علي، فنزل يوماً عند واحدة منهن فاجتمعن في بيتها كلهن غير واحدة منهن، فسأل الشيخ عن سبب غيابها، فقلن بأننا قد حاولنا إقناعها للحضور لزيارتكم الكريمة، ولكنها اعتذرت وقالت: أنا غريقة في المعاصي، مسودة الوجه، بأي وجه استقبل الشيخ، فألح الشيخ عليهن بإحضارها عنده، فلما جئن بها وحضرت بين يديه، سألها عن سبب غيابها، فقالت منعني الحياء أن أحضر في مجلسك الشريف وأنا عاصية مسودة الوجه، فقال الشيخ: لم تستحين؟ هل الفاعل والمفعول به إلا هو؟ فما أن سمعت البغي مقال الشيخ حتى اشتعلت غضباً وقالت: لا حول ولا قوة إلى بالله، أنا عاصية مسودة الوجه، ولكنني أتبرأ من مثل هذا الشيخ كل البراءة، وتولت مدبرة والشيخ جالس ناكس الرأس ندماً وحياء".
ويقول الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [النور:35] ما معناه:
"كل مخلوق حصل له نور الوجود من الله، فالقمر والشمس والكواكب والملائكة والأنبياء والأولياء أي نور فيهم ظاهري أو باطني فهو مستفاد من هذا المنبع النوري.
ويقول أيضاً:"كان عليه الصلاة والسلام يدعو ربه في ظلمات الليل ويقول: ((أنت نور السموات والأرض)) (1). ويسأله النور في سمعه وبصره وقلبه وجميع أعضائه، ويقول في آخر دعائه: ((واجعل لي نوراً)) (2). أو: ((وأعظم لي نوراً)) (3). أو: ((واجعلني نوراً)) (4).
ويقول في تفسيره لقوله تعالى: لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]. ما ترجمته:"يروى عند الصوفية حديث ((كنت كنزاً مخفياً فأحببت أن أعرف)) (5) فالحديث وإن لم يكن صحيحاً عند المحدثين ولكن مفهومه لعله مأخوذ ومستفاد من هذه الآية"
ويقول مؤلف كتاب (انكشاف):
"الكشف الأكبر يسمى الكشف الإلهي أيضاً، ويراد منه مشاهدة ذات الحق سبحانه ومعاينتها وارتفاع الحجابات والنسب جميعاً، وهذا الكشف هو غاية السالك الأصلية، فيرى الخلق عين الخالق بنور البصيرة، كما يرى الحق عين الخلق".
ويقول مؤلف كتاب (تعليم الإسلام):
"هناك مسألة في التصوف دقيقة جداً، وهي مسألة وحدة الوجود، وهي تعني أن الموجود كله الله، ووجود ما سواه وهم وخيال، كما يخيل الحباب ماء والثلج ماء، كما يقول الشيخ جامي: ليس في الكائنات غيرك شيء، أنت شمس الضحى وغيرك فيء، والفيء هو الظل".
ثم علق عليه المؤلف قائلاً:
"فعلم من ذلك أن قولهم "لا موجود إلا الله" كلام صحيح".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص29 - 42
_________
(1) رواه البخاري (1120) ومسلم (769) من حديث ابن عباس.
(2) رواه البخاري (6316) ومسلم (763) من حديث ابن عباس.
(3) (([14586] رواه مسلم (763).
(4) رواه مسلم (763).
(5) قال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (18/ 376): ليس هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يعرف له إسناد صحيح ولا ضعيف.
المبحث الثاني التأويل لصفات الله
إن العلامة المحدث الفقيه خليل أحمد السهارنفوري أحد كبار أئمة الديوبندية (1346هـ) ومؤلف (بذل المجهود شرح سنن أبي داود) قد ألف كتابا يعد أهم كتب الديوبندية في العقيدة على الإطلاق وعليه توقيعات وتقريظات لخمسة وستين عالما من كبار العلماء الديوبندية وغيرهم والكتاب مطبوع بعنوان (المهند على المفند) باللغة العربية وقد ترجم قريبا إلى اللغة الأردية أيضا .... ومما قال في هذا الكتاب إنا بحمد الله ومشايخنا وجميع طوائفنا ... متبعون لأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 304
سئل الشيخ السهارنفوري:
"ما قولكم في أمثال قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] هل تجوّزون إثبات جهة ومكان للباري تعالى أم كيف رأيكم فيه؟ ".
فأجاب عليه بقوله:
"قولنا في أمثال تلك الآيات أنّا نؤمن بها ولا يقال كيف، ونؤمن بالله سبحانه وتعالى متعال ومنزه عن صفات المخلوقين وعن سمات النقص والحدوث كما هو رأي قدمائنا، وأما ما قال المتأخرون من أئمتنا في تلك الآيات يأولونها بتأويلات صحيحة سائغة في اللغة والشرع أنه يمكن أن يكون المراد من الإستواء الاستيلاء ومن اليد القدرة إلى غير ذلك تقريباً إلى أفهام القاصرين فحق أيضاً عندنا، وأما الجهة والمكان فلا يجوز إثباتهما له تعالى ونقول إنه تعالى منزه ومتعال عنهما ومن جميع سمات الحدوث".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري ما نصه:
"الأسماء الحسنى عبارة عن الإضافات عند الأشاعرة أما عند الماتريدية فكلها مندرجة في صفة التكوين".
وهذه المسألة هي التي أشار إليها الشيخ حسين أحمد المدني بقوله:
- وهو يفترى على أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب بأسلوبه الخاص -
"إن الطائفة الوهابية تثبت الجهة والاستواء الظاهري في آية: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وغيرها من الآيات في هذا الموضوع، ما يؤدي إلى التجسيم، وأما أكابرنا الأجلاء ففي مثل هذه الآيات والأحاديث إما يتوقفون فيها عن التجسيم وسمات الحدوث كالسلف الصالح، وإما يؤولونها بتأويلات سائغة كالخلف".
ويقول ملا علي القاري الحنفي في شرح الفقه الأكبر:
"وأما علوه تعالى على خلقه المستفاد من نحو قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام:18] فعلو مكانة ومرتبة، لا علو مكان، كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة، بل وسائر طوائف الإسلام من المعتزلة والخوارج وسائر أهل البدعة إلا طائفة من المجسمة وجهلة من الحنابلة القائلين بالجهة، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ... "
هذا ويقول الشيخ محمود الحسن - الملقب بشيخ الهند لدى طائفته في ترجمته لقوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115] الآية، ما معناه:
"فأينما تولوا وجوهكم فالله متوجه هناك ... "
ويقول الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره للآية المذكورة ما ترجمته:
"هذا مما اختلف فيه اليهود والنصارى، فكان كل واحد منهما يفضّل قبلته على قبلة الآخر، فقال تعالى: إن الله ليس مختصّاً بجانب، وإنما هو منزّه من كل مكان ومن كل جهة، إلا أنه متوجه في أي مكان تولون وجوهكم نحوه بأمره تعالى، ويقبل منكم عبادتكم.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 241 - 243
المطلب الأول: الاستغاثة بأرواح الأحياء والأموات
عقيدة الاستغاثة والاستعانة بالأموات من أكبر عقائد الديوبندية. وإليكم نص ما قاله شبير أحمد العثماني (1369هـ)؛ قال في تفسير قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]
) علم من هذه الآية الشريفة: أنه لا يجوز الاستمداد في الحقيقة من غير الله، ولكن إذا جعل شخص مقبول واسطة لرحمة الله، وطلب منه العون على اعتقاد أنه غير مستقل في الإعانة، فهذا جائز؛ لأن هذه الاستعانة بهذا الولي في الحقيقة استعانة بالله تعالى (.
وقالوا إن الاستمداد من أرواح الأموات هو عقيدة جميع أهل السنة بدليل أن الله تعالى قد سخر الملائكة لإعانة خلقه ومددهم.
قلت: هذا الذي قاله هؤلاء الديوبندية هو اعتقاد جميع القبورية في استغاثتهم بالأموات. والاستعانة منهم عند إلمام الملمات فكلهم يقولون: إننا لا نستغيث بالأولياء على اعتقاد أنهم مستقلون بالنفع والضر؛ بل إن الله تعالى جعلهم وسيلة وواسطة بينه وبين عباده لقضاء حوائجهم.
وقالوا: لا يتحقق الشرك إلا إذا اعتقد أحد فيهم الاستقلال بالنفع والضر والقدرة دون العطاء من الله تعالى.
وقد أبطلت هذه العقيدة بكلام علماء الحنفية بحمد الله وبينت على لسان علماء الحنفية: أن المشركين السابقين أيضاً لم يعتقدوا في آلهتهم القدرة الذاتية والاستقلال بالنفع والضر وإنما كان شركهم شرك الشفاعة والواسطة والتوسل.
فكلام الديوبندية وغيرهم من القبورية لا يختلف عن كلام المشركين السابقين.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 787، 788
يقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني:
"فلسنا ننكر الاستغاثة بأرواح المشايخ".
وقال الشيخ نجم الدين الديوبندي:
"إن علماء ديوبند لا يقولون إن الإنسان لا يتصرف البتة في حياته أو بعد مماته".
وتزيد هذه العقيدة إيضاحاً القصة التالية:
"حكى الشيخ أشرف علي التانوي عن الشيخ نظام الدين عن الشيخ عبدالله هراتي قال حدثنا الولائتي وهو ثقة أن صديقاً له وكان من المبايعين على يد الشيخ إمداد الله المكي. سافر للحج راكباً في سفينة (باخرة). فاصطدمت بصخرة وكادت أن تغرق أو تصدم مرة أخرى فتنكسر قطعاً، فأيقن بالهلاك ويئس من النجاة وفي هذه الحالة توجه نحو الشيخ والتمس منه العون قائلاً: أية ساعة أحرى أن تغيثني فيها من هذه الساعة، والله سميع بصير ومدبر مطلق، فخرجت السفينة سالمة ونجا ركابها؛ هذا ما حصل في السفينة.
وأما ما حصل في بيت الشيخ، فإنه في اليوم التالي أمر خادمه أن يكبس ظهره لألم فيه شديد، فرفع الخادم قميص الشيخ وهو يكبس ظهره، فإذا فيه خداش وجلده منخرق من مواضع عديدة، فسأل الخادم عن سبب خداش ظهره وإصابة جلده فقال الشيخ: ليس بشيء، فأعاد عليه السؤال فلم يجب الشيخ، فقال الخادم: يا سيدي إنك لم تخرج من بيتك ولم تذهب إلى مكان فكيف خدش ظهرك؟.
فلما رآه ملحاً أجاب الشيخ قائلاً: إن باخرة كادت أن تغرق وفيها أخ لك في الدين والسلسلة وأقلقني تضرعه، فرفعت الباخرة على ظهري حتى جرت سالمة ونجا عباد الله، فلعل هذا الخداش من أثره، ولذلك أحس بالألم، ولكن لا تخبر بهذه القصة أحداً".
وهناك قصة أخرى في هذا الموضوع، قريبة من القصة المذكورة أعلاه، ما ملخصها:
"روى الشيخ أشرف على التانوي عن الحافظ عبدالقادر التانوي عن الشيخ محمد قدس سره - يقول: ركبنا في الباخرة إلى الحج، فجاءها الطوفان، واستمر أياماً، حتى وقعت الباخرة في الخطر، وكادت أن تغرق، فنادى القبطان بأعلى صوته: الآن وقت الدعاء، فليدعوا الله سبحانه - فجلست أنا في المراقبة، وطرأت عليّ كيفية خاصة، وعرفت أن الباخرة قد حمل إحدى جناحيها الحافظ محمد ضامن على كتفه والأخرى الحاج المكي على كتفه، حتى جعلاها مستوية على الماء، تجرى بالسلامة؛ وفرح الناس فرحاً شديداً. وأما أنا فقد سجلت في دفتري هذه القصة بالوقت واليوم والتاريخ والشهر، ولما رجعت من سفري هذا إلى قرية "تهانة" رأيت ما كنت قد سجلت في دفتري، وسالت بعض الناس، فأخبرني "قدرت علي الفنجابي" وكان من خدام الشيخ إمداد الله المكي، وقال: في ذلك الوقت أنا كنت حاضراً في خدمة الشيخ، إذ خرج الشيخ من حجرته ودفع إليّ إزاره، وهو مبتل، وقال: اغسله بماء البئر ونظفه؛ فلما شممته وجدت فيه رائحة ماء البحر ودسومته، ثم خرج الحافظ ضامن علي من حجرته ودفع إليّ إزاره، وفيه أيضاً أثر ماء البحر".
ومما يتعلق بهذا الموضوع هو ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] الآية، ما معناه:
"علم من هذه الآية الشريفة أنه لا تجوز الاستعانة حقيقة إلا بذات الله سبحانه، إلا إذا كان العبد مقبولاً (مقرّباً) وجعلته واسطة محضة وغير مستقلة لحصول الرحمة الإلهية واستعنت به استعانة ظاهرة، فهذا جائز، لأنه في واقع الأمر هي استعانة بذات الحق سبحانه".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص69 - 72
يقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني ما معناه:
"إن رأي علماء ديوبند في الاستغاثة بأرواح الصالحين بعد مماتهم لا يختلف عن رأي عامة أهل السنة والجماعة، وذلك لأن الله تعالى يقيض ملائكته لنصر عباده، كما ورد في القرآن، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعانه موسى عليه السلام في تخفيف الصلاة، وبشره الأنبياء الآخرون، فما المانع من أن تستعمل القدرة الإلهية هذه الأرواح الطيبة وتقيضها لإغاثة المؤمن المضطرب، أيّةُ آية تنكر ذلك وأي حديث يرد عليه".
هذا وقد نقل مؤلف كتاب (انكشاف) قصصاً وعبارات من إحياء علوم الدين "للغزالي، ثم علق عليها قائلاً:
"فمن خلال هذه النقول يمكنك أن تصل إلى هذه النتيجة جيداًَ، بأن أرواح الصالحين مختارة بأمر من الله إلى حد كبير".
وقال في موضع آخر:
"إن ولاية الصالحين وكراماتهم باقية، ومستمرة بإذن الله حتى وبعد وفاتهم، وحسبك في هذا الصدد أن تعلم أن أرواح الصالحين متمكنة من العودة إلى الدنيا وإغاثة الآخرين بإذن الله".
ويقول الشيخ أخلاق حسين القاسمي:
"إن أرواح المؤمنين وخاصة أرواح الأولياء والصالحين قادرة على التصرف في هذا الكون بعد مفارقة الأجساد، ويحصل هذا التصرف تبعاً لسنن الله تعالى.
وفي الفتاوى الإمدادية:
"إن الاستعانة بأرواح المشايخ أمر ثابت عند صاحب كشف الأرواح".
وبعد هذه النقول نقدم أمام القارىء قصتين من القصص المذكورة في مؤلفات علماء هذه الطائفة، الموثوق بها لديهم، وبهاتين القصتين تزداد معتقدات هذه الطائفة وضوحاً وبياناً.
يقول مؤلف "سوائح قاسمي":
"اتفق عالم بريلوي وطالب ديوبندي على مناظرة بينهما. لم يوافق الطالب الديوبندي على المناظرة إلا خائفاً. واتفقا على موضوع المناظرة والمكان الذي تعقد فيه، فلما حان ميقاتها جاء عالم البريلوية وعلى رأسه عمامة كبيرة ومعه أحمال من الكتب وجماعة كبيرة من أعوانه ومريديه. وكان الطالب الديوبندي نحيف الجسد منحنى القامة، خفيف الصوت، والمسكنة بادية على مظهره وملبسه، حضر المجلس وهو خائف يرتعد. وجلس أمام المناظر البريلوي متوكلا على الله؛ وبقية القصة جديرة بأن نسمعها من صاحب القصة نفسه فلندعه يحدث بها، قال: جلست أمام عالم البريلوية ولم نخض في الكلام حتى أحسست بجنبي رجلاً لم أكن أعرفه فإذا هو يقول: ابدأ ولا تخف، فتقوى جأشي وجعل لساني ينطلق بكلمات لا أعرفها، حاول العالم البريلوي أن يرد على كلامي أول الأمر ثم لم يلبث حتى قام من مجلسه ووضع رأسه عند قدمي، انحلت عمامته فقال ودموعه تسيل على خديه، يا سيدي لم أكن أعرف علو كعبك وسمو مكانتك في العلم، سامحني لله، قولك هو الحق، وكنت على خطأ، واعترت الجماهير الحضور حيرة إذ فوجئوا بما لم يخطر ببالهم، ثم قال الديوبندي: إن الرجل القادم غاب فجأة كما كان ظهر فجأة، فلم أعرف الرجل ولم أعرف قصته، وعظمت منزلة الديوبندي عند أهل القرية ونال من التوقير والإكرام ما لم يكن ينال من قبل".
قال شيخ الهند (محمود الحسن الديوبندي) سألت ذاك المناظر الديوبندي عن هذا الذي أتاه فجأة وغاب فجأة، فوصفه فإذا هو يصف شيخنا وصفاً دقيقاً كأني أنظر إلى وجه الشيخ بأم عيني. فقلت له: إنه كان شيخنا النانوتوي (ظهر بإذن الله ليكون ظهيراً لك).
وذكر الخواجة عزيز الحسن المجذوب في كتابه (قصة وفاة محمد فريد) جد الشيخ أشرف علي التانوي، وأنه دخل بيته بعد وفاته وأعطى زوجته حلاوةّ، وإليك القصة بتمامها:
يقول المؤلف:
"خرج حضرته (أي محمد فريد) في موكب زواج، وبينما هم في الطريق إذ هجم عليهم طائفة من قطاع الطريق، وكان مع الشيخ قوس وسهام، فرماهم بها بكل شجاعة، ولكن قطاع الطريق كانوا كثيري العَدد والعُدد، وهؤلاء في قلة، فاستشهد المذكور في هذه المعركة.
وبعد استشهاده حدثت واقعة عجيبة، فإنه دخل بيته ليلاً، مثل الأحياء، وأعطى زوجته حلاوة وقال: أنا أزوركم كل يوم هكذا، إذا لم تظهري هذا على أحد، ولكن خشي أهل البيت أن يظن الناس بهم سوءاً حينما يرون الأولاد يأكلون الحلاوة، فأباحت بالسر، ولم يرجع الشيخ بعد ذلك اليوم، وهذه القصة مشتهرة بين أفراد هذه الأسرة".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 77 - 81
يقول الشيخ أشرف علي التانوي:
"أحلف بالله أنه ما ذهب أحد إلى قبره الشريف - صلى الله عليه وسلم- إلا جبر كسره، وتلافي نقصانه، وما لاذ به لائذ إلا رجع آمناً وما خاب رجاءه.
وما حضر عند قبره الشريف عائل فقير إلا قضيت حوائجه، وما دعاه محزون عند حادثة نزلت به إلى أجابه العون والتيسير منه صلى الله عليه وسلم".
ويقول الشيخ الحاج إمداد الله في قصيدة له يمدح بها شيخه، ما معناه:
"أنت يا سيدي؛ نور محمد - صلى الله عليه وسلم- وخاصته ونائبه في الهند، وأنت المعين، فلا ينبغي لإمداد الله أن يخاف شيئاً بعد هذا، وهذه الأحاديث المليئة بالحب، التي ترتجف لها الأطراف. ويا سيدي؛ نور محمد - صلى الله عليه وسلم- هذا أوان الإغاثة وليس في الدنيا من نعتمد عليه سواك، ولا من نلتجي إليه غيرك، وحتى يوم القيامة أقول على ملأ من الناس آخذاً بأذيالك: يا سيدي نور محمد - صلى الله عليه وسلم- هذا أوان إغاثتك إيانا"
هذا، وفي مقالات الكوثري:
"يجوز النداء للرسول صلى الله عليه وسلم بعد وفاته لتفريج الكربات، وأنه عمل متوارث بين الصحابة رضي الله عنهم". كما يجوز النداء له صلى الله عليه وسلم في غيبته.
ويقول الشيخ حسين أحمد المدني وهو يرد على أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب:
"الوهابية النجدية يعتقدون وينادون على مرأى ومسمع إن القول: "يا رسول الله" استعانة بغير الله وهذا شرك".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص121، 122
المطلب الثاني: المراقبة عند القبور
العكوف والمراقبة إلى القبور من سمات أكابر علماء الديوبندية.
فقد ذهب الشيخ خليل أحمد السهارنفوري (1346هـ) مؤلف (المهند على المفند)، و (بذل المجهود)، وأحد كبار أئمة الديوبندية بمرافقة الشيخ أشرف على التهانوي الملقب عند الديوبندية بحكيم الأمة الديوبندية (1362هـ) إلى ضريح الخواجة معين الدين الأجميري إمام الصوفية الجشتية (627هـ) وبمجرد وصوله إلى قبره جلس إلى القبر مراقباً، واستغرق في المراقبة إلى حد لم يشعر بما جرى وبما يجري، والناس كانوا يسجدون إلى القبر ويطوفون به ويرتكبون أنواعاً من الشرك.
قلت: مع هذا الشرك البواح لم تتمعر جباه هؤلاء الأئمة، ولم ينكروا على هؤلاء الوثنية الذين جعلوا هذا القبر وثناً يعبدونه من دون الله بكلمة واحدة؛ بل جلس هذا الإمام للمراقبة إلى القبر لأن هذا كان يهمه وقد فعل!
وقد صرح الشيخ رشيد أحمد الجنجوهي (1323هـ) الإمام الثاني للديوبندية بأن الشيخ الحاج (أظنه إمداد الله 1317هـ شيخ الديوبندية) قد جلس مراقباً إلى قبر الحضرة قلندر إلى آخر القصة التي فيها عبرة ونكال.
ومن العجب العجاب أن أئمة الديوبندية قد يذكرون هذه الأساطير الوثنية بدون أي إنكار على أنها وحي من السماء؟! بل يعدونها من أعظم المناقب وأكبر الكرامات سبحان قاسم العقول!!!
وكل هذا من آفة التصوف والجهل بحقيقة توحيد الأنبياء والمرسلين.
ومن ذلك كله يقول الديوبندية إن أئمتنا جمعوا بين الشريعة والطريقة وجعلوا الطريقة خادمة للشريعة، وأخذوا لب التصوف وتركوا قشره، ونظفوا التصوف من كل باطل وخرافة، وأخذوا التصوف النقي الطاهر
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 788 - 790
وذكر الشيخ محمد الثاني الحسني في كتابه (سيرة محمد يوسف):
"إن الشيخ محمد إلياس كان يجلس في أكثر الأحيان خلف قبر عبدالقدوس الكنكوهي - رئيس الطريقة الجشتية الصابرية- وكان يجلس في الخلوة قرب قبر نور سعيد البدايوني، ويصلي بالجماعة هناك".
كما ذكر محمد أسلم الباكستاني عن سردار محمد الباكستاني أنه قال:
"ضللت في جماعة التبليغ عشر سنوات تقريباً، وكثيراً ما ذهبت مع الشيخ محمد يوسف الدهلوي أمير جماعة التبليغ في ذلك الوقت قريباً من نصف الليل إلى قبر محمد إلياس في محلة نظام الدين مقر الجماعة بدهلي، فكنا نجلس حول قبره وقتاً طويلاً في حالة المراقبة، ساتري الرؤوس".
قال: "وكان الشيخ محمد يوسف يقول: إن صاحب هذا القبر شيخنا محمد إلياس يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به.
وكذلك كنا نجلس أيضاً على قبر الشيخ عبد الرحيم رأي فوري في هيئة المراقبة.
وكان الشيخ محمد يوسف يجلس مراقباً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم عدة ساعات خلال إقامته في المدينة المنورة".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص132، 133
المطلب الثالث: التبركات البدعية والشركية:
عند الديوبندية- ولا سيما أئمتهم وأكابرهم- عجائب وغرائب من التبركات البدعية، كل ذلك من ظواهر الصوفية ومظاهر القبورية.
وإليكم بعض النماذج من تلك التبركات البدعية
التبرك بختم كتاب (إحياء علوم الدين) للغزالي (505هـ).
قلت: هل يتبرك بكتاب صوفي قبوري خرافي؟!
وللقبورية الصوفية شغف عظيم بهذا الكتاب، وهو مصحف من مصاحف الصوفية والقبورية جميعاً.
وقد حكوا عن الإمام النووي رحمه الله تعالى (676) أنه قال: (كاد الإحياء أن يكون قرآناً).
قلت: لم يحققوا ثبوت هذه المقالة عن النووي وما أظنها إلا كذباً عليه.
التبرك بالمثنوي للرومي الحنفي (672هـ) إمام الصوفية المولوية.
للديوبندية شغف بهذا المصحف وختمه والاحتفال به. وقد تهافت عليه القبورية الرومية والتركية والإيرانية والأفغانية والهندية تهافت الفراش على النار.
وقد سماه القبورية: قرآناً بهلوياً (أي القرآن الفارسي).
وقال الرومي نفسه في الثناء على كتابه (المثنوي) مضاهئاً به القرآن: (بأيدي سفرة كرام بررة، يمنعون أن لا يمسه إلا المطهرون، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ... ).
التبركات بالحجرة النبوية والتبرك بالغلاف والتبرك بتمر المدينة النبوية والتبرك بنوى التمر والتبرك بتراب الحجرة الشريفة والتبرك بأقمشة المدينة وثيابها، بل التبرك بالزيت المحروق في الحجرة الشريفة والتبرك بإدخال الأطفال إلى الحجرة الشريفة.
التبرك بقبر النبي صلى الله عليه وسلم وموضع جلوسه، وما مسته يده الشريفة، وما مرت عليه قدمه صلى الله عليه وسلم وكذا المنبر.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 799 - 801
يقول الشيخ أشرف على التانوي في كتابه ما ترجمته:
"ذكر الشيخ معين الدين - أكبر أبناء الشيخ محمد يعقوب النانوتوي - كرامة ظهرت لأبيه بعد الوفاة، قال: انتشرت الحمى في قريتنا "نانوته" وجعل الناس يستشفون بتراب قبر الشيخ محمد يعقوب، فكل من أخذ شيئا من تربة قبره وعلقه بجسده اشتفى من الحمى، حتى ذهب الناس بالتراب كله، وقد قمت بإعادة التراب على القبر عدة مرات، وكلما أعدت التراب عليه أخذوه، حتى تعبت من كثرة إلقاء التراب على القبر، فذهبت إليه وقلت له: ما بال هذه الكرامة، جلبت علينا المشاكل، اسمع! إن اشتفى أحد بعد هذا فلن نعيد على قبرك تراباً وستبقى مستويا هكذا، يدوسك الناس بنعالهم، فلم يشتف أحد بعد ذلك اليوم، واشتهر هذا بين الناس كما كان قد اشتهر من قبل اشتفاء الناس به، فانتهى الناس من التقاط التراب من قبره".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص87، 88
المطلب الرابع: المغالاة في الرسول وأئمتهم والصالحين
الفرع الأول: المغالاة في رسول الله
أولا: اعتقاد أن نوره أول المخلوقات وخلق من أجله الأفلاكمشايخ الديوبندية يضاهئون قول البريلوية والقبورية، ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله سبحانه وتعالى وأنه أول الخلق، مستدلين على ذلك بروايات موضوعة، فقد أورد الشيخ أشرف على التانوي في كتابه حديثاً موضوعاً عن جابر رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي أنت وأمي أخبرني عن أول شيء خلقه الله تعالى قبل الأشياء قال: ((يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، وليس في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا أرض ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء، فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول حملة العرش ومن الثاني الكرسي ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الجزء الرابع إلى أربعة أجزاء، فخلق من الأول السموات ومن الثاني الأرضين والثالث الجنة والنار)) (1).
ثم قال الشيخ التانوي بعد ذكره لهذا الحديث الموضوع:
"ثبت بهذا الحديث أن النور المحمدي هو أول الخلق مطلقاً، وتحققت له الأولية الحقيقية".
ثم ذكر الشيخ التانوي رواية أخرى، ولعلها أوهى من الأولى، ونصها:"قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما أذنب آدم الذنب الذي أذنبه رفع رأسه إلى السماء فقال: أسألك بحق محمد إلا غفرت لي، فأوحى الله إليه ومن محمد، فقال: تبارك اسمك، لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك إذا فيه مكتوب لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنه ليس أحد أعظم عندك قدراً ممن جعلت اسمه مع اسمك، فأوحى الله إليه يا آدم إنه آخر النبيين من ذريتك، ولولا هو ما خلقتك)) (2).
وقال الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه:
"إن الوهابية يسيئون الأدب بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم ويقولون ليس له علينا إلا فضيلة قليلة وليس له علينا حق ولا إحسان ولا يفيدنا شيئاً بعد موته، وتقول أكابر الوهابية: إن عصاي هذا أنفع لنا منه صلى الله عليه وسلم أذود بها الكلاب، والنبي صلى الله عليه وسلم لا ينفع شيئا".
_________
(1) أورده العجلوني في ((كشف الخفاء)) (827) وعزاه إلى ((مصنف عبد الرزاق)) وليس الحديث في المصنف وزعم بعضهم أنه في القطعة المفقودة من المصنف وأنه وجدها وتبين كذبه وافتراؤه بما ليس هنا موضع بيانه، وعزاه أيضا اللكنوي في كتابه ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (1/ 42) للمصنف أيضا وذكر أيضا أن الحديث ذكره القسطلاني في ((المواهب اللدنية))، وقال السيوطي في ((الحاوي في الفتاوي)) (1 - 479) " ليس له إسناد يعتمد عليه"
(2) رواه الحاكم (2/ 672) والطبراني في ((الأوسط)) (6502) و ((الصغير)) (992)، والبيهقي في ((الدلائل)) (5/ 489) وابن عساكر (7/ 437) قال الحاكم صحيح الإسناد وتعقبه الذهبي فقال بل موضوع، وقال البيهقي: تفرد به عبد الرحمن بن أسلم من هذا الوجه عنه وهو ضعيف. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 256): فيه من لم أعرفهم. وقال ابن حجر في ((إتحاف المهرة)) (12/ 97): عبد الرحمن متفق على تضعيفه. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (12): موضوع.
ثم ذكر المدني حب علماء ديوبند لرسول الله صلى الله عليه وسلم واحترامهم له واعتراف فضله وإحسانه عليه الصلاة والسلام، ثم قال:"هذا هو معنى ((لولاك لما خلقت الأفلاك)) (1) و ((أول ما خلق الله نوري)) (2) و ((أنا نبي الأنبياء)) (3) وغيرها من الأحاديث".
فذكر المدني لهذه الروايات الواهية الموضوعة يدل على أنه يرى ما يراه الآخرون من طائفته بأن النور المحمدي هو أول الخلق وأن الدنيا ما خلقت إلا لأجله صلى الله عليه وسلم.
ومما يتعلق بعقيدة الديوبندية في خلق الرسول صلى الله عليه وسلم وأنه أول الخلق، هو ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ [الأنعام:163] وفيما يلي ترجمته:
"ذهب عامة المفسرين إلى أن المراد بهذه الآية هو أن الرسول صلى الله عليه وسلم أول المسلمين نظراً إلى الأمة المحمدية".
ثم قال:"ولكن لما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول الأنبياء كما جاء عند الترمذي: ((كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد)) (4) الحديث، فما الريب في كونه صلى الله عليه وسلم أول المسلمين؟ ".
وقال أيضا في تفسيره لقوله تعالى: وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا [الأحزاب:7]، ما يلي:
"قدّم الله تعالى ذكر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على بقية أولى العزم من الرسل، مع أنه آخر الأنبياء ظهوراً في عالم الشهادة، وذلك لأنه أول الأنبياء منزلة، كما أنه أقدمهم وجوداً في عالم الغيب، كما ثبت في الحديث".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 188 - 192
ثانيا: اعتقاد علمه الغيب
سئل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري:
"هل تقولون أن علم النبي عليه السلام مقتصر على أحكام الشريعة فقط أم أعطي علوماً متعلقة بالذات والصفات والأفعال للباري عز اسمه والأسرار الخفية والحكم الإلهية وغير ذلك مما لم يصل إلى سرادقات علمه أحد من الخلائق كائناً من كان"؟.
فأجاب عليه بقوله:
"نقول باللسان ونعتقد بالجنان أن سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق قاطبة بالعلوم المتعلقة بالذات والصفات والتشريعات من الأحكام العملية والحكم النظرية والحقائق الحقة والأسرار الخفية وغيرها من العلوم، ما لم يصل إلى سرادقات ساحته أحد من الخلائق، لا ملك مقرب ولا نبي مرسل ولقد أعطى علم الأولين والآخرين، وكان فضل الله عليه عظيماً".
ويقول الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه وهو يذم الوهابية ويطعن فيهم:
_________
(1) أورده الصغاني في ((موضوعاته)) (52) وكذلك الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (282) وقال موضوع، وقال اللكنوي في ((الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 44) قال علي القاري في ((تذكرة الموضوعات)) (2) حديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك). قال العسقلاني موضوع كذا في ((الخلاصة)).أ. هـ
(2) قال اللكنوي في ((الآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 43) لم يثبت بهذا المبنى ونقل عن السيوطي قوله عنه أنه لم يرد بهذا اللفظ وقال الألباني أنه باطل كما في ((السلسلة الصحيحة)) (1/ 820).
(3) لم نجده
(4) رواه أحمد (5/ 59) (20615) والحاكم (2/ 665) (4209) من حديث ميسرة الفجر ورواه الترمذي (3609) من حديث أبي هريرة. بلفظ (متى وجبت لك النبوة قال: .. ) وقال الحاكم صحيح الإسناد وقال الذهبي صحيح وقال الترمذي حسن صحيح غريب من حديث أبي هريرة لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (/ 1856)
"يعتقد الوهابية أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه مقتصر على أحكام الشريعة فقط، وليس له أي نصيب من العلوم الباطنية والأسرار الحقيقية، وأما أكابرنا فيرون أنه صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق قاطبة بعلوم الأحكام والشرائع وبالعلوم المتعلقة بالذات والصفات والأفعال للباري عز اسمه، وبالأسرار الكونية الحقة وغيرها من العلوم، بحيث لم يصل إلى سرادقات ساحته أحد من الخلائق، ولقد أعطي علوم الأولين والآخرين، لا يساويه في ذلك أحد، لا بشر ولا ملك مقرب فضلاً عن أن يكون أفضل منه ... ".
وقال الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] الآية، ما معناه:
" ... وكما جاء في الأحاديث أن الكفار من الأمم السابقة حينما يكذبون رسلهم ويقولون بأنه ما جاءنا في الدنيا رسول يهدينا إلى الصراط المستقيم، فحينئذ تقوم أمة محمد صلى الله عليه وسلم وتشهد على صدق الأنبياء، ويكون الرسول صلى الله عليه وسلم شهيداً على صدق أمته وعدالتهم، الذي هو مطلع على أحوال أمته جميعاً ... ".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 165 - 167
ثالثا: اعتقاد أنه حي حياة دنيوية في قبره
عامة الديوبندية يعتقدون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية بجسده العنصري لا حياة برزخية وأنه صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره بأذان وإقامة وأن خروجه صلى الله عليه وسلم من الدنيا انعزال كانعزال المعتكف أربعين يوما مثلا ولذلك لا يجوز لأحد نكاح أزواجه صلى الله عليه وسلم
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 305
يعتقد علماء ديوبند في هذه المسألة ما يخالف معتقد أهل السنة، حيث يرون أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة دنيوية، ويذكرون في هذا الصدد بعض القصص التي حصلت لأكابرهم عن طريق الكشف والكرامة.
قال القاضي مظهر حسين الديوبندي:
"إن الأنبياء عليهم السلام أحياء في قبورهم، يسمعون تسليم الزوّار، ولا يحول التراب والجدران دون السماع، وقد أجمعت الأمة على هذه العقيدة".
وقال الشيخ خليل أحمد السهارنفوري وهو يجيب على سؤال في موضوع حياة النبي صلى الله عليه وسلم في قبره، وفيما يلي نصه:
"عندنا وعند مشائخنا حضرة الرسالة صلى الله عليه وسلم حي في قبره الشريف وحياته صلى الله عليه وسلم دنيوية من غير تكليف وهي مختصة به صلى الله عليه وسلم وبجميع الأنبياء صلوات الله عليهم والشهداء، لا برزخية، كما هي حاصلة لسائر المؤمنين بل لجميع الناس، كما نص عليه العلامة السيوطي في رسالته أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء حيث قال قال الشيخ تقي الدين السبكي حياة الأنبياء والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى عليه السلام في قبره، فإن الصلاة تستدعي جسداً حيًّا إلى آخر ما قال، فثبت بهذا أن حياته دنيوية برزخية لكونها في عالم البرزخ، ولشيخنا شمس الإسلام والدين محمد قاسم العلوم على المستفيدين قدس الله سره العزيز في هذا المبحث رسالة مستقلة دقيقة المأخذ بديعة المسلك لم ير مثلها، قد طبعت وشاعت في الناس واسمها "آب حيات" أي ماء الحياة".
وقال أيضاً:
"الرسول صلى الله عليه وسلم حي في قبره، يسمع تسليم من يسلم عليه من داخل المسجد، مهما خفض به صوته".
وقال الشيخ أشرف على التانوي:
"أما كون الرسول صلى الله عليه وسلم يسمع سلام المسلِّم من قريب، وإبلاغ الملائكة إياه من بعيد، بصفة دائمة مستمرة، فهو أمر ثابت".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري:"الأنبياء أحياء، وإن كثيراً من الأعمال قد ثبتت في القبور، كالأذان عند الدارمي، وقراءة القرآن عند الترمذي (1) ".
وقال أيضاً:"والأحاديث في سماع الأموات قد بلغت مبلغ التواتر وفي حديث صححه أبو عمر أن أحداً إذا سلم على الميت فإنه يرد عليه ويعرفه إن كان يعرفه في الدنيا (2)، .. (إلى أن قال) ولذا قلت بالسماع في الجملة، بقي القرآن فأمره صعب، قال تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80] وقال: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] وهو بظاهره يدل على النفي مطلقاً، فقيل بالفرق بين السماع والإسماع، والمنفي هو الثاني دون الأول، والمطلوب هو الأول دون الثاني".
وفي موضوع آخر فقد صرح الشيخ أنور شاه الكشميري والشيخ شبير أحمد العثماني بأن النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في قبره بأذان وإقامة".
كما احتج الشيخ محمد قاسم النانوتوي والشيخ رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ أشرف علي التانوي لإثبات هذه العقيدة الباطلة بأن تركة النبي صلى الله عليه وسلم لا تورث، وأن أزواجه لا يحللن لأحد بعده، فهذا دليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة عنصرية، لكنه انعزل عن الناس كما ينعزل المعتكف أربعين يوماً مثلاً ... ".
هذا، وقد ذكر الشيخ أحمد حسين الديوبندي قصة 3 لشيخ حسين أحمد المدني فقال:
"جلس الشيخ المدني يدرس في المسجد النبوي عند باب الرحمة، مستقبلاً بوجهه إلى الشبابيك، وكان في الطلاب من يشك في حياة النبي صلى الله عليه وسلم فرفع هذا الطالب بصره نحو الحجرة الشريفة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، ولا قبة هناك ولا شبابيك، فأراد الطالب أن يلفّت أنظار زملائه إليه فمنعه الشيخ من ذلك، ثم رفع الطالب بصره مرة أخرى نحو الحجرة فإذا كل شيء قد رجع إلى حاله".
كما ذكر الشيخ محمد زكريا - شيخ جماعة التبليغ - القصة التالية:
"إن الشيخ أحمد الرفاعي لما جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قام مقابل القبر الأطهر وأنشد هذين البيتين:
وفي حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت ... فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من قبره فقبّلها الرفاعي، وقد شاهد هذه القصة جمعاً يقارب (90000) شخص، ومنهم المحبوب السبحاني القطب الرباني الشيخ عبدالقادر الجيلاني، وكلهم شرفوا بزيارة يده صلى الله عليه وسلم".
_________
(1) الترمذي (2890) من حديث ابن عباس ولفظه: قال: ضرب بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم خباءه على قبر وهو لا يحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الذي بيده الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر فإذا فيه إنسان يقرأ سورة تبارك الملك حتى ختمها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (6/ 36): صحيح. وقال الألباني في ((ضعيف الترمذي)): ضعيف، وإنما صح منه قوله هي المانعة
(2) رواه ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (1/ 185) عن ابن عباس مرفوعا (ما من أحد مر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام) قال الأشبيلي في ((الأحكام الصغرى)) (345): إسناده صحيح. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/ 305): صحيح. ورواه البيهقي في ((الشعب)) (8857) من حديث أبي هريرة وقد ضعفه الألباني بالطريقين في الضعيفة (4493) وقال ابن رجب في ((أهوال القبور)) (فصل: معرفة الموتى بمن يزورهم ويسلم عليهم) غريب بل منكر
ولم يقف علماء ديوبند عند هذا الحد، بل ذهبوا إلى أن الشهداء أيضاً أحياء حياة دنيوية في قبورهم، فقد حكى الشيخ أشرف على التانوي قصة ما ملخصها:
"إ‘ن رجلاً من أصحاب القبر زار قبر الحافظ، فلما انتهى من قراءة الفاتحة عليه، قال: إن في صاحب القبر مداعبة، فإني لما بدأت في قراءة الفاتحة عليه قال لي: لماذا جئت تقرأ الفاتحة على الأحياء، اذهب وأقرأها على ميت من الأموات، فسأل الناس عن صاحب هذا القبر فأخبروه أنه مات شهيداً في سبيل الله".
هذه نبذة مما يحكيه مشايخ الديوبندية وعلماؤها، ويعتقد به عامتهم اعتقاداً لا يترك لهم مجالاًُ حتى يسألوا مشايخهم كيف علم المقبور بمجيء أحد إلى قبره للزيارة وقراءة الفاتحة عليه، والقرآن يقول: أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:21].
ملحوظة مهمة:
ولا يخفى على القارئ أن مسألة حياة النبي صلى الله عليه وسلم من أهم المسائل التي اختلف عليها علماء أهل الحديث وعلماء الطائفة الديوبندية في شبه القارة الهندية قديماً وحديثاً، وهي التي أشار إليها الشيخ حسين أحمد المدني الملقب بشيخ الإسلام لدى طائفته، بقوله:
"يعتقد النجدي وأتباعه أن حياة الأنبياء عليهم السلام كانت فقط إلى العصر الذي عاشوه في الدنيا، وأما بعد مماتهم فهم وعامة المؤمنين سواء في الموت، وأنه ليس لهم حياة بعد الموت إلا الحياة البرزخية التي ثبتت لجميع أفراد الأمة، ويرى البعض منهم سلامة جسد النبي دون بقاء علاقته بالروح، كما نسمع منهم كلمات شنيعة في حياة النبي عليه السلام لا يجوز أن ننقل هذه الكلمات بلساننا، وكتبوا ذلك في كتبهم ورسائلهم، وأما أكابرنا فإن رسائلهم ومعتقداتهم تخالف كل ذلك، فقد ألف حضرة الشيخ النانوتوي كتاباً ضخماً في هذا الموضوع، والكتاب معروف لدى جميع الناس، أثبت فيه حياة النبي وذكر أدلة قوية لمذهب أهل الكنكوهي، قدس الله سره، أيضاً أيد ذلك وصرح به في كتابه (هداية الشيعة) و (رسالة الحج) وغيرها ومن أراد الإطلاع على هذه المسألة فليراجع (آب حيات) و (هدية الشيعة) و (أجوبة أربعين) و (اللطائف القاسمية) و (زبدة المناسك) وغيرها من الرسائل، وهذه مسألة خاصة خالفت الوهابية فيها علماء الحرمين، مما أدى الأمر عدة مرات إلى الجدل والنزاع".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 199 - 205
رابعا: اعتقاد أن زيارة قبره من أعظم القربات
علماء ديوبند يرون زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم من أعظم القربات وقريبة من الواجب.
يقول الشيخ خليل أحمد السهارنفوري في كتابه إجابةً على أسئلة وجهت إليه، وإليك نص السؤال والجواب: " (1) ما قولكم في شد الرحال إلى زيارة سيد الكائنات عليه أفضل الصلوات والتحيات وعلى آله وصحبه (2) أي الأمرين أحب إليكم وأفضل لدى أكابركم للزائر هو ينوي وقت الارتحال للزيارة زيارته عليه السلام أو ينوي المسجد أيضاً وقد قال الوهابية إن المسافر إلى المدينة لا ينوي إلا المسجد النبوي؟ ".
وأجاب عليه الشيخ السهارنفوري بما يلي:"عندنا وعند مشايخنا زيارة قبر سيد المرسلين (روحي فداه) من أعظم القربات وأهم المثوبات، وأنجح لنيل الدرجات بل قريبة من الواجبات، وإن كان حصوله بشد الرحال وبذل المهج والأموال، وينوي وقت الارتحال زيارته عليه ألف الف تحية وسلام وينوي معها زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم وغيره من البقاع والمشاهد الشريفة بل الأولى ما قاله العلامة الهمام ابن الهمام أن يجرد النية لزيارة قبره عليه الصلاة والسلام ثم يحصل له إذا قدم زيارة المسجد لأن في ذلك زيادة تعظيمه وإجلاله صلى الله عليه وسلم ويوافقه قوله صلى الله عليه وسلم: ((من جاءني زائراً لا تحمله حاجة إلا زيارتي كان حقاً عليَّ أن أكون شفيعاً له يوم القيامة)) (1) وكذا نقل عن العارف السامي الملا جامي أنه أفرد الزيارة عن الحج وهو أقرب لمذهب المحبين، وأما ما قالت الوهابية من أن المسافر إلى المدينة المنورة على ساكنها ألف ألف تحية لا ينوي إلا المسجد الشريف استدلالاً بقوله عليه الصلاة والسلام: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (2) فمردود لأن الحديث لا يدل على المنع أصلاً بل لو تأمله ذو فهم ثاقب لعلم أنه بدلالة النص يدل على الجواز، فإن العلة التي استثنى بها المساجد الثلاثة من عموم المساجد والبقاع هو فضلها المختص بها، وهو مع الزيادة موجود في البقعة الشريفة، فإن البقعة الشريفة والرحبة المنيفة التي تضم أعضائه صلى الله عليه وسلم أفضل مطلقاً حتى من الكعبة ومن العرش والكرسي، كما صرح به فقهاؤنا رضي الله عنهم، لما استثنى المساجد لذلك الفضل الخاص فأولى ثم أولى أن يستثنى البقعة المباركة لذلك الفضل العام، وقد صرح بالمسألة كما ذكرناه بل بالبسط منها شيخنا العلامة شمس العاملين مولانا رشيد أحمد الكنكوهي قدس الله سره العزيز في رسالته "زبدة المناسك" في فضل زيارة المدينة المنورة وقد طبعت مراراً وأيضاً في هذا المبحث الشريف رسالة لشيخ مشائخنا مولانا المفتي صدر الدين الدهلوي قدس الله سره العزيز، أقام الطامة الكبرى على الوهابية ومن وافقهم وأتى ببراهين قاطعة وحجج ساطعة سماها (أحسن المقال في شرح حديث لا تشد الرحال)، طبعت واشتهرت، فليرجع إليها والله تعالى أعلم".
_________
(1) رواه الطبراني (13149) وفي ((الأوسط)) (4546) قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (4/ 5): فيه مسلمة بن سالم وهو ضعيف. وقال ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (93): ضعيف الإسناد، منكر المتن. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (5732): ضعيف جدا.
(2) (([14598] رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
ويقول الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لصحيح البخاري حول حديث ((لا تشد الرحال)) ما نصه."قوله: ((لا تشد الرحال .. )) الخ وقد افتتن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى لأجل هذا الحديث في الشام مرتين فحبس مرة مع تلميذه ابن القيم رحمه الله تعالى وأخرى وحده حتى توفي فيه، وكان من مذهبه أن السفر إلى المدينة لا يجوز بنية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لأجل هذا الحديث، نعم يستحب له بنية زيارة المسجد النبوي وهي من أعظم القربات، ثم إذا بلغ المدينة يستحب له زيارة قبره صلى الله عليه وسلم أيضاً لأنه يصير حينئذ من حوالي البلدة وزيارة قبورها مستحبة عنده، وناظره في تلك المسألة سراج الدين الهندي الحنفي وكان حسن التقرير فلما شرع في المناظرة جعل الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى يقطع كلام الهندي فقال له: ما أنت يا ابن تيمية إلا كالعصفور إلخ، وقال الشيخ ابن الهمام رحمه الله تعالى: إن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم مستحبة وقريب من الواجب، ولعله قال قريباً من الواجب نظراً إلى هذا النوع، وهو الحق عندي فإن آلاف الألوف من السلف كانوا يشدون رحالهم لزيارة النبي ويزعمونها من أعظم القربات، وتجريد نياتهم أنها كانت للمسجد دون الروضة المباركة باطل، بل كانوا ينوون زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم قطعاً، وأحسن الأجوبة عندي أن الحديث لم يرد مسألة القبور، لما في المسند لأحمد رحمه الله تعالى ((لا تشد الرحال إلى مسجد ليصلى فيه إلا إلى ثلاثة مساجد)) (1)، فدل على أن نهي شد الرحال يقتصر على المساجد فقط ولا تعلق له بمسألة زيارة القبور، فجره إلى المقابر مع كونه في المساجد ليس بسديد، قال الشافعي (كذا) رحمه الله تعالى: بلغني أن الحافظ ابن تيمية رحمه الله تعالى كان ينهى عن شد الرحال لها أما لو ذهب بدون الشد جاز، قلت: مذهبه النهي عن السفر مطلقا سواء كان بشد الرحال أو بدونه".
_________
(1) لم أجده بهذا اللفظ وإنما رواه أحمد (6/ 397) (27273) بسنده عن أبي بصرة الغفاري قال: لقيت أبا هريرة وهو يسير إلى مسجد الطور ليصلي فيه قال فقلت له لو أدركتك قبل أن ترتحل ما ارتحلت قال فقال ولم قال فقلت إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي قال الألباني في ((الإرواء)) (4/ 142): إسناده حسن. وقال الأرنؤوط: صحيح.
ويقول الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه وهو يقارن بين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وبين علماء ديوبند في المعتقدات:"وتعتقد هذه الطائفة - أي الوهابية - بأن زيارة الرسول صلى الله عليه وسلم والحضور عند ضريحه الشريف ومشاهدة روضته المطهرة بدعة محرمة، وأن السفر إليها بهذه النية محظور، ويستدلون على ذلك بـ (حديث) ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) (1)، وحتى يعتقد بعضهم- والعياذ بالله- أن سفر الزيارة بمنزلة الزنا. وإذا جاء هؤلاء إلى المسجد النبوي فلا يصلون ولا يسلمون على صاحب النبوة عليه الصلاة والسلام، ولا يدعون متوجهين إليه، وأما أكابرنا (أي أكابر ديوبند) فيخالفون هذه الطائفة الباغية في هذه المسألة من كل ناحية، ودائماً يسافرون لزيارته صلى الله عليه وسلم، خائفين من (حديث) ((من حج، ولم يزرني ... )) (2) وعاملين بـ (حديث) ((من رآني ... )).
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 213 - 218
يعاكسون سلف هذه الأمة وأئمة السنة في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيقولون: الزائر ينوي زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ويجرد النية لزيارة قبره صلى الله عليه وسلم وتكون زيارة مسجده صلى الله عليه وسلم تبعا؛ لأن في ذلك زيادة تعظيم وإجلال له صلى الله عليه وسلم وأما ما قالته الوهابية من أن الزائر ينوي زيارة المسجد وتكون زيارة القبور تبعا فمردود والمختار أن يستقبل الزائر قبره صلى الله عليه وسلم في الدعاء
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 305
خامسا: التوسل به وبالأنبياء والصالحين
التوسل بالصالحين أحياء وأمواتاً، بل التوسل بأمثال ابن عربي الاتحادي الملحد الوجودي (638هـ) والشعراني الوثني (973هـ) من أعظم عقائد الديوبندية.
وقد جعلوا مسلك التوسل بالأحياء والأموات من المسائل التي امتازت الديوبندية بها عن الوهابية.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 803
علماء ديوبند يرون جواز التوسل في الدعوات بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، وحتى بالأنبياء والصالحين بعد مماتهم.
فيقول الشيخ خليل أحمد السهارنفوري في كتابه إجابة على بعض الأسئلة، وفيما يلي نص الأسئلة والأجوبة:
"هل للرجل أن يتوسل في دعواته بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد الوفاة أم لا؟ ".
"أيجوز التوسل عندكم بالسلف الصالحين من الأنبياء والصديقين والشهداء وأولياء رب العالمين أم لا".
وأجاب عليه الشيخ السهارنفوري بقوله:
"عندنا وعند مشائخنا يجوز التوسل في الدعوات بالأنبياء والصالحين من الأولياء والشهداء والصديقين في حياتهم وبعد وفاتهم بأن يقول في دعائه اللهم إني أتوسل إليك بفلان أن تجيب دعوتي وتقضى حاجتي إلى غير ذلك، كما صرح به شيخنا ومولانا الشاه محمد إسحاق الدهلوي ثم المهاجر المكي، ثم بينه في فتاواه شيخنا ومولانا رشيد أحمد الكنكوهي رحمة الله عليهما، وفي هذا الزمان شائعة مستفيضة بأيدي الناس، وهذا المسألة مذكورة على صفحة 93 من المجلد الأول منها فليرجع إليها من شاء".
وقال محمد زاهد الكوثري، وهو يحرف ما ورد من نصوص التوسل والوسيلة في الكتاب والسنة إلى ما يلي:
_________
(1) (([14600] رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
(2) أخرجه ابن حبان في المجروحين (3/ 73) وابن عدي (7/ 14). قال الدارقطني في ((تعليقات على المجروحين)) (272) غير محفوظ عن النعمان بن شبل إلا من رواية ابن ابنه عنه، والطعن فيه عليه. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (27/ 29): كذب. وقال الذهبي في ((ترتيب الموضوعات)) (185): وضع على مالك.
"إن التوسل لغة وشرعاً هو التوسل بذات الولي وشخصه في حضوره وغيبته وبعد موته، وبذلك جرت الأمة طبقة فطبقة، رغم كل مفترّ أفّاك".
ويوضح معتقد هذه الطائفة في هذه المسألة أيضاً ما قاله الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لأثر "وإنا نتوسل إليك بعم نبينا" ونصه:"قوله: (وإنا نتوسل إليك بعم نبينا، فاسقنا فيسقون) (1). قلت: وهذا توسل فعلي، لأنه كان يقول له بعد ذلك: قم يا عباس فاستسق، فكان يستسقي لهم، فلم يثبت منه التوسل القولي، أي الاستسقاء بأسماء الصالحين فقط، بدون شركتهم. أقول: وعند الترمذي ((أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أعرابياً هذه الكلمات، وكان أعمى، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة ... ، إلى قوله: اللهم فشفعه في)) (2)، فثبت منه التوسل القولي أيضاً، وحينئذ إنكار الحافظ ابن تيمية تطاول.
وهذه المسألة هي التي أشار إليها الشيخ حسين أحمد المدني في كتاب (الشهاب الثاقب) بقوله:
"إن أكابرنا يتوسلون دائماً بالأنبياء الكرام والأولياء العظام، ويأمرون أتباعهم بذلك، والذي يحرّمه الوهابية كالشرك، وقد كتب الشيخ النانوتوي - رحمة الله عليه- قصيدة طويلة في توسل مشايخ السلسلة الجشتية الصابرية، وهي مطبوعة ضمن كتاب (إمداد السلوك) وغيره من الرسائل الأخرى".
ثم ذكر الشيخ المدني أبياتاً من هذه القصيدة، وقال:
"هل الوهابية يرون استعمال هذه الكلمات؟ ويتبين للذي يتمعن في هذه القصيدة أن هؤلاء الأكابر يخالفون ويعارضون عقائد الوهابية أشد المعارضة، فالوهابية لا يجوز عندهم التوسل بالأنبياء فضلاً عن الأولياء، ومن ثم فإن استعمال كلمة "بحق فلان" أكره عندهم من ذلك، بل لا يجوز عندهم مثل هذا المدح والثناء".
وقال أيضاً:
"وقد طبعت الوهابية عدة رسائل في هذا الموضوع، صرحوا فيها بمنع التوسل بالرسول عليه السلام وبالأولياء الكرام، ومن أراد أن يتأكد من ذلك فله أن يتأكد".
كما سئل الشيخ السهارنفوري:
"هل للداعي في المسجد النبوي أن يجعل وجهه إلى القبر المنيف ويسأل من المولى الجليل متوسلاً بنبيه الفخيم النبيل"؟.
فأجاب عليه بقوله:
"المختار أن يستقبل وقت الزيارة مما يلي وجهه الشريف صلى الله عليه وسلم، وهو المأخوذ به عندنا وعليه عملنا وعمل مشائخنا، وهكذا الحكم في الدعاء، كما روى عن مالك رحمه الله تعالى لما سأله بعض الخلفاء، وقد صرح به مولانا الكنكوهي في رسالته زبدة المناسك، وأما مسائلة التوسل فقد مرت في نمرة نمبر 3، 4".
ويقول الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [النور:14] الآية، ما معناه:
"أي إن الله تعالى نجّى هذه الأمة من عذاب الدنيا بطفيل الرسول عليه الصلاة والسلام، وإلا لكان هذا الأمر يستحق العذاب".
ويقول في تفسيره لقوله تعالى: قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُورًا [الإسراء:100] الآية، ما يلي:
" ... إن الخزائن الحاصلة بطفيل محمد صلى الله عليه وسلم لأتباعه لتحصل لهم وليجود بها الرسول وأتباعه على البشر، ولا يبخلون بها".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 223 - 228
_________
(1) رواه البخاري (1010) من حديث عمر.
(2) رواه الترمذي (3578) وابن ماجه (1385) من حديث عثمان بن حنيف، قال الترمذي: حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث أبي جعفر وهو الخطمي. وقال ابن تيمية في ((مجموعة الرسائل والمسائل)) (1/ 18) صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الترمذي)).
الفرع الثاني: المغالاة في أئمتهم والصالحين
أولا: اعتقاد تصرفهم في الكون
1 - اعتقاد طي الزمان والمكان لأئمتهم
طائفة الديوبندية ترى وتعتقد في مشايخهم أنهم كانوا يطوون مسافات بعيدة خلال لحظات، وكانوا يزورون المسجد الحرام كل يوم، حال كونهم مقيمين بالهند، أو بأي مكان آخر بعيد من مكة المكرمة.
حكى مؤلف "تذكرة الرشيد" عن الشيخ محمود حسن النكينوي قال:
"أخبرتني حماتي (أي أمّ زوجتي) وقد أقامت بمكة اثنا عشر عاماً مع أبيها، وكانت تقية عابدة صالحة، وكانت تحفظ مئات الأحاديث عن ظهر القلب، فقالت: إن الشيخ الكنكوهي تلاميذه كثرٌ، ولكنه للأسف أنهم لم يعرفوه على كثرتهم، ففي الأيام التي أقمت بمكة كنت أرى الشيخ الكنكوهي يصلي الفجر كل يوم في الحرم الشريف، وأيضاً سمعت الناس يقولون: هذا الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي، يأتي كل يوم من قرية "كنكوه" (في الهند) ".
وهناك قصة أخرى رواها الشيخ أشرف على التانوي عن الشيخ محمد إسماعيل عن الشيخ أحمد حسين قال:
"وصلت إلى بيت الله، فلقيت رجلاً حكى لي عن نفسه فقال: ذهبت إلى المدينة وأقمت بها أياماً، فرأيت محمداً صلى الله عليه وسلم في الطواف، وأمرني أن أبايع على أيدي الأسرة الصابرية، فرجعت إلى مكة المكرمة وبايعت أحد المشايخ، امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وكنتُ أحضر إلى حضرة الحاج رضي الله عنه، فقلت له يوماً، سمعت من بعض المشايخ أن هناك طريقاً لو سلكه أحد بعد صلاة الظهر يصلي العصر بالمدينة الطيبة، ثم يعود ويصلي المغرب بمكة، فقال الشيخ إمداد الله: أما أنا فلا أعرف هذا الطريق، فقلت له: إن كنت لا تعرف ذلك فما حاجة البقاء في مكة؟، ثم رجعت، وبعد أيام قال لي حضرة الحاج رضي الله عنه: هيا بنا نخرج للتنزه، وأخذ بيدي في يده المباركة، وصعد بي فوق جبل ونزلنا منه فإذا نحن بالمدينة، فصلينا هناك، ثم رجعنا وصلينا الصلاة الثالثة في مكة المكرمة".
وسوف تتضح هذه المسألة أكثر بعد الإطلاع على ما قاله الشيخ أنور شاه الكشميري في شرحه لصحيح البخاري وهو يفسر قوله تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:55] وإليك النص بكامله، فلعلك تجد فيه بعض العجائب الأخرى:
"باب "قوله: وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا [الإسراء:55] "- قوله: (فكان يقرأ قبل أن يفرغ) أي معجزة، وفي رواية: أنه كان يفرغ من قراءته فيما بين أن يضع قدميه في الركابين، وذكر السيوطي عن بعض الأولياء أنه كان يختم القرآن تسع مرات في يوم وليلة، وكان الشيخ السهروردي يفعله ستين مرة في يوم، ويحكى عن ثقة أن الشاه إسماعيل ختمه بعد العصر إلى الغروب مع ترتيل، وهو بين أيدي الناس، وعند الترمذي: ص183 في"كتاب الدعوات" أن عمر بن هانئ كان يصلي ألف سجدة كل يوم، ويسبح مائة ألف تسبيحة، وصنف ابن كثير رسالة في متعلقات القرآن، ووضع فيها فصلاً جمع فيه أسماء الذين ختموا القرآن في يوم وليلة، أو دونه، فالحكاية في مثله قد تواترت، بحيث لا يسوغ منها الإنكار، ولكن من يحرم عن الخير يجعل رزقه أنه يكذب بالكرامات، والبركات، ويزعمه مستحيلاً، ثم هذه المسألة تسمى عند الصوفية بطي الزمان، أما طي المكان، فهو مسلَّم بلا نكير، ففي "الفتوحات" أن الجوهري أجنب مرة، فذهب إلى نهر ليغتسل، فنعس فيه، فإذا هو يرى في المنام أنه دخل بغداد، وتزوج فيها امرأة، وولدت منه أولاداً، فإذا هب من نومه، رجع إلى بيته، ولم يمض بعد ذلك مدة، إذ جاءته امرأة من بغداد، تدعي إنه نكحها، وهؤلاء صبيان منه، ومر عليه العارف الجامي في "النفخات"، وأغمض عنه، وأنكره الشيخ المجدد، قلت: لا استحالة فيه، فهو من باب طيّ الزمان عندي".
والعجب أن الشيخ الكشميري يحمل سفره صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج على ما عرف عند الصوفية بـ"طي الزمان" كما ذكر ذلك تلميذه فقال معلقاً على كلمة "طي الزمان" ما نصه:
"وعليه حمل الشيخ سفره صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج.
فيقول في قصيدته في الإسراء:
أبدى له طي الزمان فعاقه رويدا عن الأحوال حتاه ما أجرى
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 102 - 105
2 - اعتقاد تصرف أئمتهم في الكون بالإحياء والإماته وغيرهما
عقيدة الديوبندية في تصرف الأموات وتجسد الأرواح وتدمير الأعداء ونصر الأولياء:
قال القاضي ثناء الله الباني بتي أحد كبار أعاظم أئمة الديوبندية الملقب عندهم ببيهقي الوقت (1225هـ) في تفسير قوله تعالى: بَلْ أَحْيَاء [البقرة:154]: (يعني أن الله يعطي لأرواحهم قوة الأجساد، فيذهبون من الأرض والسماء والجنة حيث يشاؤون؛ وينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم).
قلت: تدبر أيها المسلم إلى هذه الوثنية السافرة.
ولقد استدل بكلام هذا القاضي ونقله الداجوي الديوبندي، وغيره.
واحتج البريلوية على عقيدة الديوبندية بكلام إمامهم هذا إتماماً للحجة عليهم.
هكذا عقيدة تصرف الأرواح وإتيانها إلى أبواب بيوتهم، وتصرفها في الإنسان الحي وغيره، من أوضح عقائد الديوبندية.
تنبيه: لقد شن الفنجفيرية الغارة على هذا الداجوي لأجل هذه الخرافات.
والفنجفيرية في ذلك على حق .. ولكن هذا الداجوي إنما تبع أئمته الديوبندية، فما بال الفنجفيرية يعظمون الباني بتي ويحكمون على الداجوي بأنه مشرك
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 783، 784
أسطورة الكلب والولي صاحب الكرامة: قال الشيخ حكيم أمة الديوبندية عن شيخ الديوبندية إمداد الله (1317هـ) أنه قال: (كان الحضرة الجنيد البغدادي جالساً فمر كلب أمامه فوقع نظره عليه فصار الكلب صاحب الكمال إلى حد تبعته كلاب تلك المدينة، ثم جلس ذلك الكلب في مكان وجلست تلك الكلاب حوله كالحلقة وانشغلت كلها في المراقبة).
قلت هذه حالة الكلب في الكمال والولاية والكرامة لأجل نظرة وقعت عليه من نظرات الجنيد، فما ظنك بإنسان وقعت عليه نظرة من نظراته؟
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 797
قول الديوبندية في قدرة الأولياء أحياء وأمواتاً ومددهم لزوارهم:
قال الشيخ نصير الدين الغورغشتوي إمام الديوبندية في مناطق بشاور وأفغانستان (1388هـ): (إن للأولياء مدداً ظاهراً بالغًا لزوارهم بحسب أدبهم).
قالوا إن للأولياء قدرة من الله تعالى إلى حد يستطيعون أن يقدروا على السهم المتدفق المرسل من القوس، فيردوه إلى القوس قبل أن يصل إلى الهدف، ويستطيعون أن يجعلوا قل (أي كن) بدل لا (لا تقل) (أي لا تكن) وأن هذا من الكرامات الحسية.
قالوا إن شخصاً صاحب الكشف أراد زيارة قبر الحافظ محمد ضامن رحمة الله عليه ليقرأ عليه سورة الفاتحة فلما ذهب إلى قبره وقرأ عليه سورة الفاتحة قال لرفقته: إن هذا الولي مزَّاح عجيب إلى الغاية لأنني حينما كنت أقرأ عليه سورة الفاتحة قال لي: اذهب إلى ميت فاقرأ عليه الفاتحة ماذا تصنع ههنا؟ جئت لتقرأ الفاتحة على الأحياء!
يعني: أن هذا الولي يقول: أنا حي لا حاجة لي أن تقرأ علي الفاتحة، اذهب إلى ميت فاقرأ عليه؟!
قلت: انظر أيها المسلم إلى قدرة هذا الولي المقبور الحي في قبره؛ حيث إنه سمع سورة الفاتحة وعلم بالزائر ثم كلمه ذلك الكلام الذي فيه سخرية ومزاح، وإخباره بأنه حي لا يحتاج إلى الفاتحة، وأن الفاتحة لا تقرأ إلا علي ميت؟!
ثم انظر إلى صاحب هذا الكشف الزائر وقدرته على سماع كلام المقبور مع أنه لم يرد السفر إلى زيارة القبور؛ كما أنه لم يرد قراءة الفاتحة عليها.
ولكن كل ذلك من شؤم التصوف القبوري الذي يزعمون أنه نقي وتقي ولب خالص عن القشور.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 797 - 799
فيما يلي بعض القصص لأكابر ومشايخ ديوبند، والتي تدل - زعماً منهم- على أنهم كانوا يملكون الموت والحياة عن طريق الكرامة أو باستخدام قوة التصوف التي يملكونها.
ذكر الخواجة عزيز الحسن المجذوب في كتابه:
"إن الشيخ أحمد حسين- أحد تلاميذ الشيخ التانوي- دعا على رجل، فمات ذلك المدعو عليه من فوره، فلم يفرح أحمد حسين بهذه الكرامة، بل فزع للأمر، وكتب إلى شيخه التانوي يسأله هل عليَّ من إثم في ذلك؟ فأجابه الشيخ التانوي بقوله: إن كنت تملك قوة التصوف، واستخدمت هذه القوة في الدعاء على الشخص المذكور، كنت آثماً".
وهناك قصة أخرى قريبة من القصة المذكورة حصلت من الشيخ محمد قاسم النانوتوي. وقد ذكرها الشيخ مناظر أحسن الكيلاني في كتابه حيث قال:
"عُقد للشيخ محمد قاسم مجلس للوعظ في مدينة لكناؤ، فتآمر الروافض لإفشال هذا المجلس، ودعوا أربعة من مجتهديهم، ورتبوا لكل واحد منهم عشرة أسئلة، يوردونها على الشيخ واحداً تلو الآخر، وأجلسوهم في الزوايا الأربعة في المجلس، كل واحد في زاوية، فأجاب الشيخ محمد قاسم النانوتوي على جميع أسئلتهم مرتبة قبل أن يعرضوها عليه، فبهت الروافض وندموا على خيبة مؤامرتهم، ثم دبروا مكيدة أخرى للاستهزاء بالشيخ والضحك عليه، -يقول راوي القصة- فجاءت الروافض يطلبون من الشيخ أن يصلي على شاب منهم مات، فاعتذر الشيخ وقال: نحن من أهل السنة، وأنتم الشيعة، والخلاف قائم بيننا في الأصول والفروع، فكيف تجوّزن الاقتداء بمثلي؟ قالوا: نحن نحترمك ونرجو من حضرتك أن تصلي عليه، وكانوا قد دبروا مكيدة، والجنازة كانت مزورة، وكانوا قد قرروا فيما بينهم أن الشاب المتماوت سوف يقوم بعد التكبيرة الثانية، حتى يضحكوا على الشيخ، فذهب الشيخ إلى المصلى، وقام يُرى عليه آثار الغضب، فتقدم وكبّر ثم كبّر، ولما لم يتحرك الشاب بعد التكبيرة الثانية، كما قرروا فيما بينهم، قلقوا عليه، ونادوه ولكنه لم يكن ليقوم، فأتم الشيخ أربع تكبيرات وسلّم، ثم قال: إنه لن يقوم إلا يوم القيامة، فكشفوا عنه، فإذا هو قد مات، فجعلت الروافض يبكون ويدعون بالويلات ويضربون صدورهم ندماً وحسرة".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري وهو يبين معتقده في إحياء الميت من الولي هل يمكن ذلك أم لا؟ ونصه:
"وهل يمكن إحياء الميت من الولي أو لا؟ فكنت متردداً في ذلك حتى رأيت حكاية نقلها الشيخ عبدالغني النابلسي عن العارف الجامي رحمه الله تعالى أن رجلاً من الأغنياء اتخذ له طعاماً وطبخ دجاجة ميتة اختياراً له، ثم دعاه فجاء العارف الجامي وقال قم بإذن الله، فكان كما قال، إلا أني لا أعرف سنه، وهكذا نقل الشنطوفي ووثقه المحدثون عن الشيخ عبدالقادر حبلى رحمه الله أنه كان يذكر الناس إذ جاءت حدياً تصيح حتى شوشت على الشيخ كلامه فدعا عليها وقال: مالك قطع الله عنقك، فسقطت على الأرض ميتة من ساعتها، ثم إذا فرغ الشيخ عن الوعظ قام ورآها ميتة في فناء المسجد فسأل عنها فأخبر بها فقال بها قم بإذن الله فطارت، وهكذا جاء رجل في "بجنور فقطع عنق طائر حتى فصلها بين أعين الناس ثم ضمها فكانت كما كانت قبله".
ويقول الشيخ بدر عالم الميرتي - تلميذ الشيخ الكشميري- في تعليقه على "فيض الباري" بصدد القصة التي نقلها الكشميري عن الشنطوفي عن الشيخ عبدالقادر، وفيما يلي نصه:
"وسمعت من حضرة صاحب هذه الأمالي رحمه الله حكاية لطيفة أخرى أيضاً في هذا الصدد، وهي أن صبياً كان يشتغل بالاستفادة والتعلم عند بعض العرفاء، فزارته يوما أمه وبيده خبز شعير يأكله، ودخلت على الشيخ فرأت عنده دجاجة مشوية، فشكت إليه وقالت: تطعم ابني خبز الشعير وأنت تأكل هذه، فأشار الشيخ إلى الدجاج وقال قم بإذن الله، فقام حياً فتحيرت، فقال الشيخ، إذا وصل ابنك إلى هذه المنزلة فيأكل الدجاج، وأنا أيضاً كنت قبل ذلك أكل خبز الشعير كما هو يأكله الآن" ......
ويذكر مؤلف (البصائر) في كتابه:
"وقد تواتر عن كثير من الأولياء أنهم ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم".
ومما يتعلق بمعتقدات الديوبندية في موضوع التصوف هو ما قاله الشيخ شبير أحمد العثماني في "بلعم بن باعوراء" وذلك تفسيراً لقوله تعالى: وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا [الأعراف:175]
حيث قال:
"ذهب معظم المفسرين إلى أن هذه الآيات نزلت في بلعم بن باعوراء الذي كان رجلاً عالماً درويشاً صاحب التصرف، ثم انسلخ من آيات الله ... إلخ".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص107 - 112
3 - اعتقاد قدرتهم على شفاء المرضى والمصابين
يقول الشيخ محمد قاسم النانوتوي - مؤسس جامعة ديوبند-:
"إن خواجة أحمد جامح كان مشهوراً مستجاب الدعوات، فجاءته امرأة بابن لها أعمى فقالت: امسح بوجهه وردَّ عليه بصره. قالت ذلك ثلاث مرات أو أربعاً.
وكان هذا الولي يقول لها: "أنا لست أهلاً لذلك". فلما ألحت المرأة وأصرّت على طلبها - قام هذا الولي من مجلسه قائلاً: إن هذا الفعل يليق بعيسى عليه السلام، ولست أهلاً لذلك.
فجاءه إلهام من الله وقال الله تعالى له:
"من أنت؟ ومن عيسى؟ ومن موسى؟ ارجع وامسح وجه ابن هذه المرأة".
وقال الله تعالى له أيضاً باللغة الفارسية: "ما ميكنم" فلما سمع هذا الولي قول الله تعالى: "ما ميكنم". بالفارسية حرف وصوت. رجع قائلاً: "ما ميكنم، ما ميكنم" ويكرره، ومسح على وجه ابن تلك المرأة فبرأ ورجع بصره!! ".
ثم علق الشيخ النانوتوي على هذه القصة بما يلي:
"إن الحمقى من الناس يزعمون أن كلمة "ما ميكنم" كلام هذا الولي نفسه، كلا بل هو قول الحق تعالى، فكان هذا الولي يردد قول الحق تعالى مراراً وتكراراً بلذة هذا الإلهام. كما أن أحداً من الناس يردد شعر أحد من الشعراء يتلذذ به".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص116، 117
قلت: معاذ الله من خيال صوفي وقياس فلسفي انظر أيها المسلم كيف جعل هذا الإلهام وقوله بالفارسية: ما مينكم. كلام الله مباشرة مع أن الماتريدية يعتقدون أن القرآن مخلوق وأنه ليس كلام الله حقيقة بل هو دال على كلام الله لأن كلام الله ليس بحرف وصوت ولم يسمع كلام الله أحد من خلقه لا محمد صلى الله عليه وسلم ولا موسى عليه السلام ولا جبريل عليه السلام أما هذا الولي فقد سمع هذه الجملة الفارسية ما مينكم من الله مباشرة وهذا كلام الله على الحقيقة وإنما الولي ردده على لسانه كما يردد أحدنا شعرا لأحد الشعراء مع أن هذا من حجج أهل السنة لإثبات صفة الكلام
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات3/ 311
ويحكى الشيخ نجيب الديوبندي القصة التالية:
" ... وكان الشيخ النانوتوي أيضاً قد أصابته رصاصة في إحدى صدغيه، التي هي من أشد الأعضاء خطراً، حتى أن شعرات من لحيته كانت قد احترقت بسبب هذه الرصاصة، وظن الناس أنه قد استشهد، ولكنه قام بجرأة ومسح يده على وجهه فكأنه لم يصبه شيء".
ونفس هذه القصة يذكرها الشيخ عاشق إلهي فيقول:
"أنه ذات مرة جلس الشيخ قاسم العلوم ممسكاً رأسه بيده، وقد شاهد بعض الناس أنه أصابته رصاصة في إحدى صدغيه وخرجت من الجانب الآخر مروراً بالدماغ، فأقبل عليه حضرة الشيخ الكنكوهي وقال له: ما بك؟ ثم وضع عمامته على رأسه ونظر إلى الرأس فما كان هناك أثر للرصاصة، والعجب أن الملابس كلها كانت مبللة بالدم".
وهذه القصة نفسها يحكيها الشيخ محمد يعقوب فيقول:
"إن الشيخ النانوتوي لما أصابته الرصاصة قال له: ما بك؟ فقال: أصابتني رصاصة، فوضع العمامة عن رأسه ونظر إليه فما كان هناك أثر للرصاصة، والعجب أن الملابس كلها كانت مبللَّة بالدم".
فهذه الروايات الثلاثة للقصة المذكورة متفقة على أن الرصاصة أصابت في رأس الشيخ النانوتوي، وأنه ما كان هناك أي أثر للرصاصة في رأسه، وأن ملابسه كلها كانت مبللة بالدم.
يقول الشيخ مناظر أحسن الكيلاني في توجيهه لهذه القصة متعددة الروايات:
"فالحاصل أنه ما كان هناك أثر للرصاصة، كان لابد من عادة أثر إصابة الرصاصة، كما شاهد الناس ذلك، سواء قلنا في توجيهه أنه كان نتيجة التصرف الباطني لسيدنا الإمام الكبير كما يبدو ذلك من رواية الشيخ محمد طيب، أم قلنا أنه كان ذلك بسبب تدخل توجه الشيخ الكنكوهي نفسه، كما أشار إلي ذلك الشيخ عاشق إلهي".
ثم يقول الكيلاني:
"ولو أرادوا لفعلوا مثل ذلك بالحافظ الشهيد".
هذا، ويقول الشيخ محمد طيب معلقاً على القصة المذكورة:
"يبدو من كلام المصنف الإمام يعقوب أن عدم تأثير الرصاصة كانت كرامة لحضرة الشيخ نفسه".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 117 - 119
4 - اعتقاد أن أرواحهم تتمثل في الأجساد
عقيدة إتيان الموتى في أجسادهم العنصرية البشرية المادية للقضاء والفصل يقظة من أعظم عقائد كبار أئمة الديوبندية، ولهم في هذا الباب أساطير عجيبة غريبة.
ومنها إتيان إمام الديوبندية ومؤسس مدرستهم: الشيخ النانوتوي (1297هـ) لفصل القضاء على المخاصمة التي وقعت في مدرسة ديوبند.
وللشيخ أشرف علي التهانوي الملقب بحكيم الأمة عند الديوبندية (1363هـ) عجائب في التعليق على هذه القصة، فزاد الطين بلة والمريض علة.
وللديوبندية أعاجيب في الدفاع عن هذه الأساطير.
وقد احتجت البريلوية على الديوبندية بهذه الأساطير الوثنية. وفي ذلك عبرة ونكال فهل من مدكر؟!؟!
قصة أخرى: في إتيان إمام الديوبندية بعد موته لمناظرة عالم ديوبندي في مناظرته لرجل بريلوي، ولم يكن لهذا الديوبندي المسكين بمناظرة هذا البريلوي القوي أي قِبَل وقوة، وكاد أن ينهزم لولا إتيان الناتوتي لمناصرته؟!؟!
أسطورة ثالثة: في إتيان الخواجة الأجميري الجشتي إمام الصوفية الجشتية (627هـ) لمناصرة الشيخ إمداد الله إمام أئمة الديوبندية في التصوف والبيعة (1317هـ) وذلك يقظة دون منام وبجسده العنصري البشري الدنيوي، والقصة طويلة، ولكنها وثنية محضة
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 784،785
قال الشيخ أشرف على التانوي في كتابه:
"إن أهل التصرف يقدرون على العناصر، فيركّبون الأجساد ويتشكلون في الأشكال، وذلك لأن الروح ذات انبساط، فيوقفون بينها وبين عدد من الأجساد، مما يسهّل عليهم التشكل في أشكال مختلفة".
وقال الشيخ القاري محمد طيب:
"إنه حصل نزاع بين كبار المدرسين في دار العلوم، ودخل في هذا النزاع مدير الدار الشيخ رفيع الدين رئيس المدرسين والشيخ محمود الحسن، وطال النزاع، وبينما هم كذلك إذ طلب الشيخ رفيع الدين من الشيخ محمود الحسن أن يحضر إلى حجرته - الواقعة في دار العلوم- وذلك بعد صلاة الفجر صباحاً، فذهب الشيخ محمود الحسن ودخل عليه في حجرته، وكان الجو بارداً جداً آنذاك، فقال له الشيخ رفيع الدين: انظر أولاً إلى شعاري وهو من القطن، فرأه الشيخ محمود الحسن فإذا هو مبلل يقطر، فقال الشيخ رفيع الدين: لقد جاءني الشيخ النانوتوي، رحمة الله عليه، بجسده العنصري آنفاً، مما عرقتُ له عرقاً شديداً، وأمرني أن أخبرك بأن لا تقع في هذا النزاع، وما دعوتك إلا لأبلغك هذا فقال الشيخ محمود الحسن: أتوب على يديك مما كان مني، وأتعاهد بأنني لن أتكلم في هذا الأمر بشيء".
هذا، وقد صدّق الشيخ أشرف على التانوي هذه القصة ووجّهها قائلاً:
"إن هذه الواقعة فيها تمثل للروح، وله صورتان: الأولى: أن هذا الجسد كان مثالياً شبيهاً بالجسد العنصري. والثانية أن الروح تصرفت في العناصر وهيأت لها جسداً عنصرياً".
هذا، وقد ذكر الشيخ مسعود الدين العثماني في كتابه أن بعض الديوبندية يقولون: إن مدرسة ديوبند أسسها النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان يأتي إلى هذه الدار أحياناً مع أصحابه وخلفائه لتدقيق حساب المدرسة".
كما ذكر الشيخ أشرف على التانوي في كتابه القصة التالية:
"يقول ديوان محمد ياسين - وكان من خدام الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه - كنت مشغولاً بالذكر تحت القبة الشمالية في مسجد "جَهتّة" وكان الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه، مراقباً في صحن المسجد في الجهة الشمالية نفسها، وكان متوجهاً إلى قلبي، إذ طرأت عليّ حالة خاصة، ورأيت وأنا في حالة الذكر، أن غاب سقف المسجد وقبته، مع بقاء جدرانه، وأن نوراً عظيماً في القضاء ممتد إلى السماء، إذ رأيت عرشاً ينزل من السماء، وعليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة على الزوايا الأربعة، نزل العرش حتى استقر قريباً مني في المسجد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد خلفائه: اذهب وائت بالشيخ محمد قاسم، فذهب وأتى به، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيخ محمد قاسم حساب المدرسة، فقدم الشيخ حساب المدرسة بكل دقة، ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا فرحا شديداً وأذن له بالذهاب، ثم صعد العرش إلى السماء وغاب عن الأنظار".
ثم قال الشيخ التانوي معلقاً على هذه القصة:
"إن هذه الواقعة كانت نوعاً من الكشف، والذي يحتمل أن يكون قد حصل بتوجه الشيخ، ولعل تعبير هذه الواقعة هو أن يرى صاحبها ما رأى فيها من تدقيقه صلى الله عليه وسلم لحساب المدرسة، حتى يطمئن الذين كان في قلوبهم شك حول ذلك، وأما المعاندون فمن دأبهم التشكيك حتى في الوحي".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 95 - 97
ثانيا: اعتقاد معرفتهم بالأمور الغيبية:
تمهيد
علماء ديوبند يدّعون في أكابرهم ومشايخهم علمهم بالمغيبات، ويذكرون عنهم قصصاً نذكر بعضاً منها في السطور القادمة، إن شاء الله تعالى.
يقول الشيخ إمداد الله المهاجر المكي:
"وقد زعم بعض الناس أن الأنبياء والأولياء لا يعلمون الغيب، وأما أنا فأقول إنه بإمكان أهل الحق أن يبصروا المغيبات ويدركوها إذا ما التفتوا إليها".وجاء في حاشية "فيض الباري" للشيخ أنور شاه الكشميري بصدد شرح حديث ((إلا أخبرتكم في مقامي هذا)) (1) ما نصه:
_________
(1) رواه البخاري (540) ومسلم (2359) من حديث أنس.
"قلت ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم عالماً للغيب مطلقاً ظاهراً عليه بمفاتيحه كما فهمه بعض الجهلاء، لما كان لهذا التقييد معنى، بل هو من نحو تجلي عليه إذ ذاك على نحو ما يطرأ على الأولياء من بعض تلك الأحوال، فتارة يخبرون عن العرض وأخرى يغفلون عن الفرش، وأحوال الأنبياء أرفع ... ".
وجاء أيضاً في حاشية "فيض الباري" ما نصه:
" ... أن الأولياء يرون في كشوفهم أشياء بعين الباصرة لا نراها، كذلك الأنبياء عليهم السلام يرون المغيبات بعين الباصرة في اليقظة ... ".
ويقول الشيخ نجم الدين الديوبندي في كتابه:
"إن علماء ديوبند لا يقولون أبداً أنه لا يطلع أحدٌ غير الله على شيء من الغيب، كما أنهم لا يقولون إن الإنسان لا يستطيع التصرف البتة، في حياته أو بعد مماته".
وقال أيضاً:
"بل إنهم ذهبوا إلى أن من المغيبات ما يعلمها عامة الناس، بل الأصفياء من الأولياء والأنبياء المقربين".
وقال:
"ثم وجد في كل زمان وفي كل عصر مَن منَّ الله عليه وأطلعه على كثير من الغيب".
وقال صاحب "انكشاف":
"أما اطلاع أولياء الله وخاصته على بعض المغيبات فليس من علم الغيب في شيء، ومن حمله على العلم بالغيب فهو جاهل لا يعقل".
وقال الشيخ محمد يسين الديوبندي:
"لا يخبر الشيخ إلا بما شاهده وعاينه".
وقال الشيخ أنوار الحسن الهاشمي - أحد دعاة دار العلوم بديوبند:
"إن أولياء الله الكاملين الذين قضوا معظم حياتهم في تزكية النفوس وترويضها تحصل لهم ملكة راسخة تكشف عليهم في المنام واليقظة أموراً خفيت على عامة الناس".
وقال الشيخ المفتي عزيز الرحمن الديوبندي:
"قد حدث عدة مرات أن الليلة التي قرأ فيها الشيخ حسين أحمد المدني سورة القدر في صلاة الوتر من شهر رمضان، كانت هي ليلة القدر، كما جربنا عليه مراراً أنه كان يستعد للعيد منذ الصباح قبل ليلة الهلال، ويختم القرآن قبلها بيوم، حتى ولو كان الشهر ناقصاً (تسعاً وعشرين يوماً) وبناءً على عادته فقد كان يعرف كل من في "الخانقاه" بأن الليلة ليلة العيد".
وقال مؤلف "أرواح ثلاثة":
"إن الشاه عبدالقادر كان يعرف تمام شهر رمضان ونقصانه عند مستهله، فإذا عرف تمامه وأنه لا يرى هلال العيد إلا بعد ثلاثين قرأ في صلاة التراويح في الليلة الأولى جزءاً واحداً، وإذا كان الشهر ناقصاً قرأ جزءين،
وبما أن هذا الأمر كان قد أصبح مجرّباً فكان الشاه عبدالعزيز يبعث شخصاً يستعلم عن القدر الذي قرأه الشاه عبدالقادر. فإن أخبره بأنه قرأ جزءين قال الشاه عبدالعزيز لأصحابه: ما يكون الشهر إلا ناقصاً".
هذا، وقد علق عليه شيخ الديوبندية الشيخ محمود حسن فقال:
"وقد اشتهر هذا الأمر في دلهي بحيث أصبح التجار وأصحاب السوق يعتمدون عليه في مواعيدهم".
كما ذكر المؤلف قصة أخرى فقال:
"كان الطيب "خادم علي" جالساً في مسجد في رمضان، وجاء وقت الإفطار فأفطر، إذ دخل عليه نفر من الروافض وقالوا: قسماً بالحسين، أفطرت ولم تغرب الشمس؛ قال خادم على: كذبتم، ما أفطرت إلا بعد غروبها؛ فألحوا على اعتراضهم، فقال خادم علي: إن قلوبنا عامرة بالإيمان والدين، فهي لا تخطئ في الشهادة، وإن كنتم في شك مما أقول فاحبسوني في غرفة وأغلقوا عليّ الأبواب، وراقبوا الشمس، ولسوف أخبركم عند غروبها، وسوف تصدّقوني، وقد استغربت الروافض هذه الدعوى، وعزموا على تجربتها، ففي اليوم التالي حبسوه في غرفة، وصعدوا فوق السطح ينتظرون غروب الشمس، فلما غربت ناداهم "خادم علي" من الغرفة بأن الشمس قد غربت، فعرفوا صدق دعواه".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 168 - 172
اعتقاد كشفهم لما في القبور والقلوب
إن مسألة كشف القبور ومخاطبة الأرواح من المسائل المهمة لدى الصوفية، والتي تميّز الديوبندية عن غيرها، فهم يؤمنون بها إيماناً لا يترك لهم مجال الشك فيها.
قال "الله يار" الديوبندي:
"كان شيخنا قد أعطي حظاً وافراً من كشف القلوب وكشف القبور".
وقال الشيخ نجم الدين الديوبندي:
"وهل قال أحد من علماء ديوبند أنه لا ترتفع الحجب أمام الصالحين".
وقال مؤلف "انكشاف"
"أولئك الصالحون يشاهدون عالم المثال والأنوار والتجليات بأعينهم، لصفاء قلوبهم".
ولنقرأ فيما يلي قصة تزيد هذه العقيدة أيضاحاً:
ذكر الشيح حسين أحمد المدني في كتابه:
"إن شيخاً نقشبنديًّا زار قرية ديوبند أيام حركة الخلافة، وقام مراقباً على قبر الشيخ النانوتوي، وأطرق طويلاً، ثم رفع رأسه وقال: عرضتُ على الشيخ ما نعاني من الحكام الإنجليز، فأشار إلى الشيخ محمود الحسن وقال: هذا آخذ بقائمة العرش يناشد ربه أن يطرد الإنجليز من الهند".
ويقول مؤلف "انكشاف" عن هذه القصة:
"هذا ما حكاه الشيخ حسين أحمد المدني، ويدل على عدة أمور، منها مخاطبة الأرواح، وكشف القبور، وكون الأرواح موجودة في القبور، وأنها خبيرة بأحوال الدنيا، وأنها تدعو لأهل الدنيا أو عليهم، والاستفادة من الأرواح".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 141، 142
إن عقيدة الديوبندية في كشف القلوب لا تختلف كثيراً عن عقيدتهم في مسألة علم الغيب والعلم بما في الصدور، كما يتضح ذلك من خلاص النقول التالية:
قال الشيخ أخلاق حسين القاسمي:
"إن الشيخ المدني أحس بما خطر على قلب الحاج، بقوة إيمانه، وهذا ما يسمى في اصطلاح الصوفية بكشف القلوب".
ولما اعترض أحد البريلوية على مثل هذه القصة أجابه مؤلف "انكشاف" قائلاً:
"لو سلمنا أن الشيخ المدني اطلع على ما تخفي القلوب، بواسطة الكرامة، فأي غرابة في ذلك".
وقال في موضع آخر:
"والذي لا يفرق بين الكشف وبين علم الغيب، ويجعلها شيئاً واحداً، فهو جاهل لا يعرف لطائف الشريعة الإسلامية".
وذكر الشيخ عبدالماجد الدريا آبادي فقال:
"شهد قلبي أن شيخي متنور القلب، وتظهر عليه خفايا الأمور، ولا يسبقه أحد في الكشف والكرامة، فما قمت من مجلسي ذلك حتى أيقنت أن للشيخ قدماً راسخة في علم الغيب وكشف القلوب".
وقال الشيخ حبيب الرحمن:
"إن "ديوان جي" - وكان من أخص خدام الشيخ النانوتوي- كان قد بلغ أمره في الكشف بحيث أنه كان يبصر المارين على الشارع من عقر داره، ولا تحول الجدران دون ذلك عند اشتغاله بالذكر".
وذكر مؤلف "أرواح ثلاثة":
"كان الشيخ "فضل حق" يقرأ الحديث على الشاه عبدالقادر، وكان الشاه عبدالقادر من كبار أصحاب الكشف، حتى فاق جميع أسرته في هذه الصفة، فكان يعرف عن طريق الكشف هل جاء فضل حق يحمل كتبه بنفسه أو حملها خادمه، فكان لا يدرّسه إلا إذا جاء يحمل كتبه بنفسه".
وقال الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: وَيَا قَوْمِ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنَادِ [غافر:32]. الآية:
"ذهب عامة المفسرين على أن المراد بيوم التناد هو يوم القيامة، ولكن ذهب حضرة الشاه إلى أن المراد بيوم التناد هو اليوم الذي جاء فيه العذاب إلى قوم فرعون - إلى أن قال- فلعل هذا الرجل المؤمن علم عن طريق الكشف أو عن طريق القياس أنه هكذا يأتي العذاب على كل قوم".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 143 - 145
اعتقاد علمهم بما في الصدور
إن العلم بما في الصدور من الأمور الغيبية التي استأثر الله تعالى بعلمها، وقد دلت على ذلك نصوص من الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ [غافر:19]. وقوله تعالى: وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النحل:19] وقوله تعالى: رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ [الإسراء:25].وفي الحديث: ((إن الله تعالى يقول لعبده يوم القيامة سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم)) (1).
وبعد هذه النصوص الصريحة نقرأ فيما يلي أقوالاً وقصصاً لعلماء ديوبند حتى نعرف معتقدهم في هذه المسألة.
ذكر مؤلف "تذكرة الرشيد" قصة حصلت لـ"ولي محمد" مع شيخه الكنكوهي، ثم قال "ولي محمد".
"أنا أخاف كثيراً من مقابلة الشيخ - أي الكنكوهي- فإنه يطلع على وساوس القلب، ونحن لا نملك دفعها".
وقال الشيخ نذر محمد، وكان من أصحاب الشيخ الكنكوهي:
"كنت شديد الغيرة وكنت لا أسمح لزوجتي أن تخرج من البيت أو أن يسمع صوتها أحد ليس بمحرم لها، فلما خرجت لمبايعة الشيخ خطر ببالي أن الشيخ ليسمع صوتها، فاطلع الشيخ عن طريق الكرامة على ما وسوست به نفسي، وأمرني أن أجلسها في الغرفة وأغلق عليها الباب".
وقال الشيخ أشرف على التانوي:
"إن قلب الشاه عبدالرحيم الرايفوري كان نورانيًّا جدًّا فكنت أخاف أن أجلس عنده خشية أن تنكشف عيوبي".
وقال الشيخ محمد قاسم النانوتوي في الشيخ محمد يعقوب الديوبندي:
"إن الشيخ جدُّ خبير بخفايا النفس وأسرارها الدقيقة".
وقال مؤلف "انكشاف":
"حسبك أن تطلع على ما قاله سلطان الأولياء محيي الدين ابن عربي في الفتوحات المكية، مما يسهل لك الحكم في مسألة إمكان الإطلاع على هواجس النفس وخطرات القلب عن طريق الكرامة، فإنه قال فيه: الكرامة على نوعين؛ حسية ومعنوية، فالعامة لا تعرف إلا الحسية كالإطلاع على ما تخفي الصدور، والإخبار عن المغيبات وإعلام الناس بالأخبار الحالية والمستقبلية".
ثم قال:
"فعلى القارئ المنصف أن يحكم دون أن يتعصب لرأي هل في ذلك ما يخالف الشرع، ولكن قبل الإجابة بنفي أو إثبات لابد من أن تجعل نصوص شيخ الإسلام العلامة ابن عربي صاحب الفتوحات المكية أمامك".وفي هذا المقام يجدر بنا أن نشير إلى نقطة مهمة، وهي أن الكشف من معجزات الرسول صلى الله عليه وسلم، فرفع له بيت المقدس وهو في مكة (2)، كما أنه رأى ما كان يجري في "مؤتة" وهو بالمدينة (3)، ولكنه لم يكن ذلك بصفة دائمة مستمرة، فلم يطلع صلى الله عليه وسلم على عقد ضاع لعائشة رضي الله عنها في موقعة بني المصطلق (4)، كما هو معروف في كتب التاريخ والسير والتفسير والحديث.
وبعد معرفة هذه الحقيقة نقرأ ما قاله مؤلف "انكشاف" في علماء الصوفية والديوبندية:
"الكشف هو الاطلاع على الأسرار والأخبار الخفية، وهو على نوعين: الأصغر والأكبر، فالأصغر، ويقال له الكشف الكوني أيضاً، ويطلع به السالك على أحوال الملائكة والأرواح والعرش والكرسي واللوح المحفوظ وما يحدث في السموات والأرض، وينكشف له أحوال أهل القبور، وأما الكشف الأكبر فهو مشاهدة الذات الإلهية، فعلماء ديوبند الكبار هدفهم الأول هو الكشف الأكبر، وأما الكشف الأصغر فيرونه مفيداً ومساعداً في السلوك".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 151 - 154
اعتقاد علمهم بالآجال
_________
(1) رواه البخاري (2441) ومسلم (2768) من حديث ابن عمر
(2) ينظر ((صحيح البخاري)) (3886) و ((دلائل النبوة)) للبيهقي (2/ 390 - 396).
(3) ينظر ((صحيح البخاري)) (2798).
(4) ينظر ((صحيح البخاري)) (334) ومسلم (367).
إن العلم بالآجال من الأشياء التي استأثر الله بعلمها، قال تعالى: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ [لقمان:34].
ولكن الديوبندية تزعم أنه ليس من خصائص الله سبحانه وتعالى بل يمكن الاطلاع عليه من خلال الكشف والمراقبة، كما أن مؤلفي هذه الطائفة يحكون قصصاً وروايات تدل على ما ذكرناه، وهذه القصص كثيرة وكثيرة، نكتفي على ذكر بعض منها دون أي تعليق عليها.
ذكر مؤلف "أرواح ثلاثة":
"إنه خرج الشيخ مظفر حسين حاجاً إلى مكة في 23 جمادى الثانية عام 1282هـ، وأصيب بمرض الإسهال قبل وصوله إلى مكة، وذات مرة قال للشيخ إمداد الله وهو في مكة: أتمنى أن أموت بالمدينة المنورة ولكنه يبدو أن أجلي قد قرُب، فلو راقبت، فراقب الشيخ، ثم رفع رأسه وقال: لا، وسوف تصل إلى المدينة، وبعد أيام برئ مظفر حسين من مرضه، وتوجه إلى المدينة في اليوم التالي، ولما كان على مسافة يوم من المدينة عاد مرضه، فمات بالمدينة في 10 محرم عام 1283هـ ودفن بالبقيع قريباً من قبر عثمان رضي الله عنه".
وذكر الشيخ رياض أحمد - رئيس جمعية علماء ميوات- لقاءه الأخير مع الشيخ حسين أحمد المدني، قال:
"قلت للشيخ: يا سيدي! سوف أحضر إليكم في نهاية هذه السنة، إن شاء الله. فقال الشيخ المدني: لن نجتمع في هذه الدنيا مرة أخرى، بل نلتقي يوم القيامة، إن شاء الله، فذرفت عيون الحاضرين في المجلس".
هذا، وقد اعترض أحد البريلوية على هذه القصة المذكورة فأجابه مؤلف "انكشاف" قائلاً:
"لو سلمنا أن الشيخ المدني علم بموعد وفاته قبل أوانه فأي غرابة في ذلك؟ فإن مثل هذا لا يستبعد من ذكاء وفراسة الصالحين".
وقال مؤلف "تذكرة الرشيد" ما ملخّصه:
"مرض النواب "تشاري" مرضاً شديداً، يئس الناس من حياته، فأرسلوا رجلاً إلى الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي يطلب منه الدعاء للمريض المذكور، فقال الشيخ لمن معه في المجلس: ادعوا لفلان، فحزن الناس بذلك، حيث أن الشيخ ما وعد له بالدعاء، فطلبوا منه الدعاء له مرة أخرى، فقال: إن الأمر قد قدٍّر، وأنه لم يبق إلا أيام قليلة من حياته، فلما سمعوا منه ذلك لم يكن لهم مجال للكلام فيه، ويئسوا من حياة النواب، ولكن الرسول طلب منه وقال: ادع الله له أن يفيق ويصحو من غمته، حتى يوصى ويقول ما شاء في أمور الدولة، فقال الشيخ: لا حرج في ذلك، فدعا له وقال: سيفيق من مرضه، إن شاء الله؛ فكان الأمر كما أخبر به الشيخ، وأفاق النواب من مرضه إفاقه طارت الأصوات بخبر صحته وشفاءه إلى الأماكن البعيدة، ... وفجاءة اشتد به المرض وانتقل إلى عالم الآخرة".
وهذا غيض من فيض وقليل من كثير، ومن أراد المزيد فعليه أن يرجع إلى مؤلفات أكابر هذه الطائفة، يجد فيها الكثير والكثير من مثل هذه القصص والحكايات.
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 147 - 149
اعتقاد معرفتهم بزمن نزول المطر وقدرتهم على حبسه
ذكرت مجلة "نقيب" قصة من مذكرات السيدة "ثامنة خاتون" تقول:
"لما أردنا بناء المنزل بدأنا بالمرحاض نظراً لأمر الوالد الكريم بذلك، وكانت الأيام أيام مطر، إلا أنه ما كان ينزل المطر في تلك الأيام، وكان الفلاحون في قلق شديد، فقلت للوالد: ادع الله أن يسقي الناس، فقال: كيف ينزل المطر ومرحاضنا لم يكتمل بناءه بعد؛ قلت: ومتى سيكتمل بناءه؟ قال: قد اكتملت الجدران ولم يبق إلى السقف، وسوف يتم الليلة.
تقول السيدة المذكورة:
وبعد يومين نزل مطر غزير، فسألت الوالد وكان في البيت: ألا يضر المطر مرحاضنا؟ قال: لا، بل يشيده، فقلت: هل كان المطر حبس من أجل مرحاضنا؟ فلم يرد على أن تبسم ولم يقل شيئاً".
يا للعجب؛ هل بلغ من نفوذ هؤلاء من قضاء الله وقدره إلى هذا الحد، فيحبس المطر عن عامة الناس لمصلحة شخصية تافهة، والأرض تحترق والحقول تتجفف، وصاحب المرحاض يقول لابنته في تدلل وعدم مبالاة: كيف يمكن أن ينزل المطر ومرحاضنا لم يكتمل بناؤه بعد.
هذا، وقد حكى الشيخ جميل الرحمن قصة عن مؤتمر لحزب الكانغرس الذي كان الشيخ حسين أحمد المدني موجوداً فيه، يقول:
"قبل بدء المؤتمر بقليل تغيمت السماء فجأة، وتحير المسئولون عن عقد المؤتمر، إذ جاءني شخص مجذوب الهيئة غير معروف، وذهب بي إلى مكان منعزل وقال: أخبر الشيخ حسين أحمد بأنني خادم هذه المنطقة، فإن كان يريد أن يحبس المطر فهذا يكون عن طريقي وتوسطي، فتوجهت إلى المخيم الذي كان فيه حضرة الشيخ، فلما سمع ذلك مني قال في لهجة عجيبة وقورة، وهو على سريره: قل له: إن المطر لا ينزل، فخرجت من عنده لأبلغ هذا الجواب ذلك الرجل، وبحثت عنه كثيراً فلم أجده؛ وبعد قليل بدأ يزول الغمام، وصحت السماء خلال دقائق معدودة، وما نزل المطر حتى انتهينا من المؤتمر".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 155، 156
اعتقاد علمهم بما في الأرحام
إن الديوبندية تزعم أن هناك من يعلم ما في الأرحام، غير الله سبحانه وتعالى، كما أن هذه الطائفة تحكي عن أكابرها ومشايخها روايات وقصصاً تدل على أنهم كانوا يعرفون المولود قبل ولادته هل هو ذكر أم أنثى، نكتفي على ذكر بعض منها:
قال مؤلف "أرواح ثلاثة":
"كان من قبيلة راجبوت رجل يسمى عبدالله خان، وكان من أخص أصحاب الشاه عبدالرحيم الولائتي، وكان قد بلغ من أمره أنه كلما جاءه أحد يطلب منه التعويذ لزوجته الحامل، كتب له التعويذ وأخبره بما تضعه زوجته من ذكر أو أنثى، وفعلاً فكانت المرأة تضع حسبما أخبر به".
وذكر المؤلف أيضاً قصة أخرى فقال:
"ذكر الشيخ حبيب الرحمن أن "راؤ عبدالرحمن" خليفة الشاه عبدالعزيز - كان من أصحاب الكشف، وكان قد بلغ من كشفه أنه كلما جاءه من يطلب منه التعويذ للولد، قال له دون أن يتردد: اذهب، وأخبره بما ستضعه زوجته من ذكر أو أنثى؛ فقيل له: كيف تخبر بهذا؟ فقال: ماذا أفعل، يعرض عليّ المولود فأراه ولا أشك".
وقال الشيخ نجم الدين الديوبندي، وقد اعترض على الديوبندية أحد البريلوية بقوله: إنكم تكفّروننا وتبدعوننا لمثل هذه المعتقدات مع أنكم تعتقدون في مشايخكم وكبار علمائكم مثل عقائدنا؟ فأجابه نجم الدين الديوبندي قائلاً:
"إنه لم يقل أحد من علمائنا قط أن الحجب لا ترفع أمام الصلحاء والأولياء".
وقال أيضاً وهو يردّ على مثل الاعتراض السابق:
"إنه كان القاضي عبد الغني - مرشد والد الشيخ سعيد أحمد الأكبر آبادي- قد اطلع بإلهام من الله على أنه سيولد لوالد الشيخ سعيد الأكبر آبادي ولد ذكر، وذلك قبل ميلاده، فأية غرابة في ذلك".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 157 - 159
اعتقاد اطلاعهم على اللوح المحفوظ
عقيدة الديوبندية في اطلاع الأولياء على اللوح المحفوظ:
قال القاضي الباني بتي (1255هـ) شيخ الديوبندية والملقب عندهم ببيهقي الوقت، وتبعه الشيخ صفدر الديوبندي، واللفظ للأول:
(ومن هذا القبيل ما قيل إنه قد ينكشف على بعض الأولياء بعض الأحيان اللوح المحفوظ: فينظرون فيه القضاء المبرم والمعلق)
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 804، 805
ثالثا: تنزيل أئمتهم منزلة الألوهية والرسالة (أشرف علي رسول الله)
الديوبندية يعتقدون في الشيخ عبد القادر الجيلاني (561هـ) أنه الغوث الأعظم، وغوث الثقلين كما قالوا في إمام النقشبندية: إنه غوث الورى السبحاني. وهذه جريمة قبورية ووثنية سافرة.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 775
خلع إمام الديوبندية على الجيلاني خلعة الألوهية.
فقد وقفت على كفر بواح وشرك صراح لم أره عند الأولين ولا عند الآخرين من قبورية هذا الأمة الإسلامية إلا عند مشركي الجاهلية.
وهو أن إمداد الله إمام الديوبندية قد نص على أن الجيلاني فاز بمرتبة الألوهية حيث قال: (لقد تناظر رجلان فقال أحدهما: إن الشيخ معين الدين الجشتي رحمة الله عليه أفضل من الحضرة الغوث الأعظم الجيلاني قدس سره.
وقال الآخر: إن الحضرة الغوث المطهر الجيلاني أفضل من الشيخ الجشتي.
فقلت لا ينبغي لنا أن نفضل بعض الأولياء على بعض، وإن كان الله تعالى قال: فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ [البقرة:253]
فقال مفضل الجيلاني على الجشتي: لما قال الحضرة الغوث المطهر الجيلاني: قدمي على رقاب أولياء الله
قال الحضرة معين الدين الجشتي: بل على عيني.
فثبت أفضلية الغوث الجيلاني على الجشتي.
قال إمداد الله إمام الديوبندية: فقلت: هذا يدل على أفضلية الحضرة معين الدين الجشتي على الحضرة الغوث الجيلاني؛ لأن الحضرة الغوث الجيلاني في ذلك الوقت كان في مرتبة الألوهية وكان الحضرة الشيخ الجشتي في مرتبة العبودية.
قلت: سبحانه وتعالى على أن يكون معه أحد في مرتبة الألوهية والغوثية؟؟؟
وأقول: ما كنت أظن أن الديوبندية قد وصلوا في خرافاتهم القبورية الصوفية إلى حد التنصيص على ألوهية الجيلاني.
ولكن تبين أن الديوبندية كمن قيل فيه:
وكنت أرى زيداً كما قيل سيداً إذا إنه عبد القفا واللهازم
وأقول أيضاً: قد كنت أسمع أن كتب الديوبندية مكتظة بالخرافات القبورية الصوفية، ولكن كنت أستنكر تلك الأخبار، وأستكبرها وأستكثرها عليهم، وكنت أقول: لعلها كذب عليهم؛ لما عندهم من العلوم الجمة وتظاهرهم بالسنة؛ ثم لما أمعنت النظر في كتبهم وجدت عندهم من الطامات القبورية والخزعبلات الصوفية ما لا يخطر بالبال فكان الأمر كما قيل:
وأستنكر الأخبار قبل لقائه فلما التقينا صدّق الخبرَ الخبرُ
هذه عدة أمثلة كقطرة من البحر أو كحبة من الصبرة ذكرتها لبيان أن الديوبندية قبورية إلا من شاء الله منهم.
فهل يشك أحد في قبوريتهم؟ وقد رأيتم تصوفهم النقي فما ظنكم بغير النقي؟؟
فحسبكم هذا التفاوت بيننا وكل إناء بالذي فيه ينضح
وللتفصيل موضع آخر.
ولو كان هذا موضع القول لاشتفى به القلب لكن للمقال مواضع.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 805 - 807
ذكر أحد مريدي الشيخ أشرف علي التانوي قصة حصلت له حيث كتب إلى شيخه التانوي:
"إني رأيت نفسي في المنام أني كلما أحاول أن أنطق كلمة الشهادة على وجهها الصحيح يجري على لساني بعد لا إله إلا الله: أشرف علي رسول الله"
وقد أجاب الشيخ التانوي على ذلك فقال:
"إنك تحبني على غاية الدرجة، وهذا ثمرة هذا الحب ونتيجته".
وقد حكى هذا المريد في خطاب له وجّهه إلى مرشده التانوي هذه القصة، فقال بعد ذكر الرؤيا:
"فاستيقظت من الرؤيا، فلما خطر ببالي خطأ كلمة الشهادة أردت أن أطرح هذا من قلبي، فجلست ثم اضطجعت على الشق الآخر وبدأت أقول: الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأتدارك هذا الخطأ، ولكني أقول: اللهم صلِّ على سيدنا ونبينا ومولانا أشرف علي والحال أنني مستيقظ ولست في رؤيا، لكني مع هذا أنا مضطر ومجبور ولا أقدر على لساني".
فأجاب الشيخ التانوي على ذلك بقوله:
"في هذا تسلية لك بأن الشخص الذي ترجع إليه هو بعون الله تعالى متبع للسنة".
وذكر مؤلف تذكرة الرشيد:
"إنه سمع من الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي عدة مرات يقول: "اسمعوا؛ الحق هو الذي يقوله رشيد أحمد وأقسم بالله أني لست بشيء إلا أن الهداية والنجاة موقوفة على اتباعي في هذا الزمن".
وذكر الأستاذ محمد أسلم نقلاً عن بعض مؤلفات التبليغيين:
"أنه لما توفي الحاج إمداد الله، كان الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي - وهو من تلاميذ الحاج إمداد الله - يذكره دائماً ويقول: آه رحمه للعالمين، آه رحمه للعالمين".
وقال الشيخ مناظر أحسن الكيلاني:
"إن الشيخ محمد قاسم النانوتوي شكا إلى مرشده حاجي إمداد الله، فقال: كلما وضعت السبحة في يدي؛ ابتليت بمصيبة، وبلغ الثقل بحيث كأنه وضع عليَّ أحد صخرات، كأن وزن كل صخرة مئات منِّ، ووقف اللسان والقلب؟ فقال الحاج إمداد الله: إن هذا فيضان النبوة على قلبك، وهذا هو الثقل الذي كان يحسه النبي صلى الله عليه وسلم وقت الوحي، فيستخدمك الله لعمل كان يفعله الأنبياء".
وذكر الأستاذ محمد أسلم عن الخواجة معين الدين الجشتي:
"أن رجلاً جاءه للمبايعة، وقبّل رجليه، فأجلسه الشيخ، فقال: إني جئت لأكون مريدكم. فقال الخواجة معين الدين الجشتي: هل تفعل ما آمرك؟ فإن تقبل هذا الشرط؛ أجعلك مريدي. قال الرجل: أنا أعمل بكل ما تقول. فقال الخواجة: قد تعودت على قراءة كلمة الإسلام (لا إله إلا الله محمد رسول الله)؛ فاقرأ مرة هكذا: (لا إله إلا الله، جشتي رسول الله) ولأجل أنه كان راسخاً في عقيدته؛ قرأ كما أمره الشيخ، فبايعه الخواجة، وأعطاه الخلعة، وأنعم عليه، ثم قال: إنما اختبرتك لأعرف مدى حبّي وتقديري في قلبك، ما كنت قاصداً منك قراءة كلمة الإسلام بهذا الطريق، فيظهر من هذا صدق اعتقادك بي، وصرت الآن مريداً لي صادقاً، هكذا ينبغي للمريد أن يكون صادقاً في جناب شيخه".
وذكر الشيخ محمد الثاني الحسني في كتابه (سيرة محمد يوسف) (ص196) ما يلي:
"إن الشيخ زكريا حرر شهادة الإجازة للخلافة التي أعطاها الشيخ إلياس لولده الشيخ محمد يوسف، فقال فيه: أنا أجيز هؤلاء للبيعة، فأضاف فيها الشيخ محمد إلياس وأملي: وأنا أجيزها نيابة عن الرسول صلى الله عليه وسلم".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 181 - 185
رابعا: اعتقادهم أن أئمتهم قد يفوقون الأنبياء في العمل وغيره
ذهبوا إلى أن الأئمة يتفوقون على الأنبياء في العمل، كما قال الشيخ محمد قاسم النانوتوي - مؤسس دار العلوم بديوبند - في كتابه (تحذير الناس) (ص5):
"إن الأنبياء يمتازون بين أمتهم بعلمهم، وأما الأعمال ففي بعض الأحيان يساويهم أتباعهم في الظاهر بل يتفوقون عليهم في العمل".
كما ذكر أيضاً عن الشيخ محمد إلياء - مؤسس جماعة التبليغ - أنه كتب في خطاب أرسله إلى أعضاء جماعته:
"إذا لم يرد الله أن يقوم أحد بعمل فلا يمكن حتى للأنبياء أن يبذلوا جهودهم فيقوموا بشيء، وإذا أراد الله شيئاً، يقوم أمثالكم الضعفاء بالعمل الذي لم يستطع الأنبياء".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص186، 187
خرافة عجيبة غريبة ذكرها حكيم الأمة عن شيخ الديوبندية إمداد الله: أنه قال: (لما عرج برسول الله صلى الله عليه وسلم والتقى بموسى عليه السلام استفسره موسى عليه السلام وقال إنك قلت: ((علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل)) (1) كيف يصح هذا؟!
فحضر حجة الإسلام الغزالي وسلم بإضافة: وبركاته ومغفرته)
فقال له موسى عليه السلام: ما هذا الطول أمام الأكابر؟!
_________
(1) قال السخاوي في ((المقاصد)) (459) قال شيخنا ومن قبله الدميري والزركشي إنه لا أصل له، ومثله قال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (466)
فقال له الغزالي: إن الله تعالى قال لك: وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى [طه:17] فلم طولت في الجواب قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى [طه:18]؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: للغزالي: أدب يا غزالي).
وقد علق على هذه الأسطورة حكيم أمة الديوبندية فقال: (قوله: أدب يا غزالي يمكن أنه كشف لأحد الأكابر، وأن هذه المكالمة بين الغزالي وبين موسى في المعراج أيضاً كشفت له لأن هناك اجتماع الأرواح وليس المراد المعراج الجسدي).
أقول: تفكر أيها القارئ طالب الحق في هذه الأسطورة كم فيها من الطامات:
الطامة الأولى: نسبة حديث علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أنه حديث لا أصل له موضوع باطل مختلق مصنوع.
الطامة الثانية: تصرف روح الغزالي وقدرته إلى أن وصل إلى مجلس الأنبياء والمرسلين في السموات العلى.
الطامة الثالثة: انهزام موسى عليه السلام في المناظرة أمام الغزالي وغلبة الغزالي على موسى عليه السلام.
الطامة الرابعة: نسبة قول: أدب يا غزالي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع أنه ليس بكلام عربي فصيح بل هو كلام ركيك عربية ونحوية، والعبارة الفصيحة أن يقال: الأدب أيها الغزالي.
قلت: هذا كله من آفات التصوف النقي اللب الخالص من القشور الذي يدعيه الديوبندية.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 795 - 797
تمهيد
إن العلامة المحدث الفقيه خليل أحمد السهارنفوري أحد كبار أئمة الديوبندية (1346هـ) ومؤلف (بذل المجهود شرح سنن أبي داود) قد ألف كتابا يعد أهم كتب الديوبندية في العقيدة على الإطلاق وعليه توقيعات وتقريظات لخمسة وستين عالما من كبار العلماء الديوبندية وغيرهم والكتاب مطبوع بعنوان (المهند على المفند) باللغة العربية وقد ترجم قريبا إلى اللغة الأردية أيضا .... ومما قال في هذا الكتاب: إنا بحمد الله ومشايخنا وجميع طوائفنا .... منتسبون إلى الطرق الأربعة الصوفية العلية
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 304
تنتسب من طرق الصوفية إلى طرق النقشبندية الجشتية والقادرية السهروردية طريقاً وسلوكاً.
Oالموسوعة الميسرة
الديوبندية كلهم جميعاً صوفية نقشبندية أصحاب بيعة، حتى الفنجفيرية الرادين على القبورية منهم.
أقول: لا تنس أيها القارئ الكريم اعتراف الشيخ عامر العثماني أحد كتاب الديوبندية: بأن سبب انخراط مشايخنا الديوبندية في الخرافات القبورية إنما هو التصوف.
والديوبندية الفنجفيرية يوصون تلاميذهم أن يكونوا صوفية وأن تكون الطرق الأربع الصوفية عندهم كالمذاهب الأربعة الفقهية.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 782
لقد قام أحد الكتاب الأدباء البريلوية وهو أرشد القادري فألف كتابا في الرد على الديوبندية سماه (الزلزلة) ذكر فيه شيئا كثيرا من الخرافات والشركيات عن كتب الديوبندية والحقيقة والحق - والحق يقال- أن هذا الرجل زلزل الديوبندية جميعا بهذا الكتاب حيث لم تقدر الديوبندية بجواب صحيح عن هذا الكتاب حتى الآن وهذا المؤلف البريلوي يطلب الإنصاف من الديوبندية ويقول لهم مرارا وتكرارا إن تلك العقائد التي كفرتمونا لأجلها موجودة في كتب أئمتكم فلم تكفروننا. وقد اعترف بهذه الحقيقة أحد كتاب الديوبندية وأدبائهم ألا وهو الشيخ عامر العثماني مدير مجلة التجلي بديوبند وصرح بأن كل ما نقله أرشد القادري البريلوي عن كتب مشايخنا الديوبندية من الخرافات والشركيات فهو موجود في كتب مشايخنا بلا شك وصرح أيضا بأن كل بدعة دخلت على مشايخنا الديوبندية إنما دخلت عليهم من باب التصوف.
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 314
وقال الشيخ محمد يوسف البنوري وهو يشرح طريقة الديوبندية ومذهبهم:
"وطريقة الديوبندية التي كان عليها كبار علمائهم هو الإقرار بإمامة فقيه الأمة الإمام أبي حنيفة مراعاة لما للفقه والاجتهاد من مكانة عليا في الشريعة الغراء بعد الحديث النبوي الشريف.
وإنه لابد من علوم الصوفية وعلوم تزكية القلوب المتناقلة عن أصحابها، ولابد من مزجها مع علوم الشريعة مزجاً صحيحاً.
ويعترف لابن تيمية بجلالة شأنه وفي الوقت نفسه يعترف للشيخ الأكبر محيي الدين ابن عربي بكمالاته فأجمع لدينا تقليد الإمام أبي حنيفة وأتباع الأحاديث النبوية مع علوم الصوفية وتكوّن من هذا المزيج (الثلاثي) مذهب رائع ألا وهو مذهب الطائفة الديوبندية.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 25، 26
المبحث الأول: تصور الشيخ
إن عقيدة "تصور الشيخ" من أخطر معتقدات مشايخ ديوبند، وهي عملية صوفية بحتة، حيث يتصور السالك شيخه الغائب أو الميت، ويحاول رسم صورته على قلبه، حتى ترتسم فيه، فإذا ارتسمت تكلم شيخه بواسطة هذه الصورة واستشاره في الأمور التي يريدها، وفي هذه العقيدة ما فيها، وسوف تتضح هذه العقيدة وما فيها من الانحراف بقراءة القصة التالية:
قال مؤلف "أرواح ثلاثة":
"جرى نقاش في مجلس الشيخ الكنكوهي حول مسألة تصور الشيخ، وكان الشيخ متحمساً فقال: أأقول؟ قالوا: قل، ثم قال: أأقول؟ قالوا: قل، ثم أعاد ثلاثاً وقال: أأقول: قالوا: قل، فقال: لقد بقيت صورة الشيخ إمداد الله ثابتة في قلبي ثلاث سنوات كاملة، وما عملت عملاً إلا بإذن منه، ثم أخذه الحماس مرة أخرى فقال: أأقول؟ قالوا: قل، فقال: مضت عليّ سنوات ورسول الله صلى الله عليه وسلم في قلبي، ولم أعمل خلال هذه المدة عملاً بدون سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه، ثم ازداد تحمساً وقال أأقول؟ قالوا: قل، فسكت، ولما ألحّوا عليه قال: دعوني؛ وفي اليوم التالي لما ألحّوا عليه إلحاحاً شديداً أخبر بأنه ارتقى إلى مرتبة الإحسان".
هذا، وقد علق الشيخ أشرف علي التانوي على هذه القصة وقال:
"إن استحضار الصورة واستشارتها يحصل بملكة التخيل في أغلب الأحيان، وقد تتمثل الروح جسداً خرقاً للعادة، وكلتا الحالتين لا يلزمهما الدوام".
ثم أخبر عن حاله وقال:
"كنت على صلة وارتباط مع الشيخ إمداد الله، وكان هو في مكة وأنا في الهند، فما قمت ولا قعدت إلا بإذن منه، ثم كنت على صلة مثلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم".
ويقول الشيخ شبير أحمد العثماني في تفسيره لقوله تعالى: مَن كَانَ يَظُنُّ أَن لَّن يَنصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاء ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ [الحج:15]، ما ترجمته:
"إن ضمير المفعول في "لن ينصره" راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الذي تصوره موجود دائماً في قلب كل تالٍ للقرآن، لأنه صلى الله عليه وسلم أول المخاطبين بالقرآن" ولا شك أن هذا التفسير مبني على عقيدة تصور الشيخ لدى الصوفية حيث يعتقدون أن المريد حينما يأخذ الورد من الشيخ فهو عند الذكر باللسان يتصور شيخه في القلب وبما أننا أخذنا القرآن من الرسول صلى الله عليه وسلم فلا بد أن يكون تصوره موجودا في قلب كل تال للقرآن كلما قرأ القرآن.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص49 - 51
المبحث الثاني: أشغال الصوفية والفيوضات الباطنية
عقيدة الاستمداد من أهل القبور وروحانية المشايخ وحصول الفيض من قبورهم وصدورهم من أعظم عقائد أكابر الديوبندية.
وقد صرح الشيخ أنور شاه الملقب عندهم بإمام العصر (1352هـ) بأن الاستفاضة من أهل القبور تجوز لكونها ثابتة عند أرباب الحقائق الصوفية.
قلت: هذه ظاهرة وثنية قبورية؟!
وللديوبندية في ذلك عجائب واهتمام بالغ واعتناء كامل.
وقد احتجت البريلوية بهذه النصوص الوثنية على الديوبندية وقالوا للديوبندية: أنتم إذاً تجوزون الاستمداد من الأموات إلى هذا الحد فلم تنكرون علينا
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 786 - 787
وقال السهارنفوري في المهند: ويستحب مبايعة شيخ راسخ القدم ويضع يده في يده ويحبس نظره في نظره ويشتغل بأشغال الصوفية من الذكر والفكر والفناء الكلي ويصح الاستفادة من روحانية المشايخ ووصول الفيوض الباطنية من صدورهم وقبورهم على الطريقة المعروفة عندهم لا بما هو شائع عند العوام.
O الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 304، 305
جمهرة الديوبندية على جواز حصول الفيض من القبور وأهلها بعد موتهم مع أنهم يعترفون أن الاستفاضة من أهل القبور ليست من طريقة السلف ولكن قالوا تجوز لأنها ثابتة عند أرباب الحقائق يعنون الصوفية الخرافية فأرباب الحقائق مصدر جديد لتلقي العقيدة
O الماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 306
وقال الشيخ حسين أحمد المدني وهو يقارن بين أكابره وبين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب في العقائد:
"إن الوهابية يعدون الأشغال الباطنية وأعمال الصوفية كالمراقبة والذكر والفكر والإرادة وربط القلب بالشيخ والفناء والبقاء والخلوة وغيرها بدعة وضلالة، ويرون أقوال هؤلاء الأكابر وأفعالهم شركاً في الرسالة. كما أنهم يرون الدخول في السلاسل الصوفية، مكروهاً بل أقبح من ذلك، كما لا يخفى ذلك على من سافر إلى الديار النجدية وخالطهم، وأما الفيوض الروحية فهي لا اعتبار لها عندهم، وأما أكابرنا الأجلاء فيسلكون الطرق الصوفية الباطنية، شعارهم الرياضة والفكر والذكر".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص58، 59
المبحث الثالث: الاشتغال بقراءة البردة ودلائل الخيرات وغيرهما
اهتمام الديوبندية بدلائل الخيرات للجزولي الخرافي (863هـ أو 870هـ) درساً وقراءة ورواية وإجازة، وهذه آية القبورية الواضحة الفاضحة.
المثال الثامن والعشرون: شغف الديوبندية بقصيدة البردة للبوصيري (696هـ) الخرافي القبوري الصوفي درساً وقراءة ورواية وإجازة وهي متوراثة عندهم.
وللقبورية عامة إعظام وإجلال لها وتبرك بها.
وقال الشيخ حسين أحمد أحد كبار أئمة الديوبندية (1377هـ) في المقارنة بين أهل التوحيد الذين يسمونهم الوهابية وبين الديوبندية: (إن الوهابية الخبيثة تستقبح جداً قراءة دلائل الخيرات، والقصيدة البردية، والقصيدة الهمزية ويجعلون بعض أبيات قصيدة البردة من قبيل الشرك كقول البوصيري:
يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم
مع أن أئمتنا وأكابرنا كانوا يأمرون مريدهم بقراءة مثل هذه الكتب ويجيزونها، والشيخ محمد قاسم النانوتوي والشيخ الكنكوهي رحمهما الله أجازا قراءتها لآلاف من الناس وكانا يقرآنها. وقد أنشد الشيخ محمد قاسم النانوتوي مثل هذا البيت الذي في قصيدة البردة فقال:
انصر أيها الكريم الأحمدي لأنه ليس لقاسم أحد سواك فإذا أنت لم تسأل عن حالنا فمن يسأل، ومن يكون معيناً لنا غيرك؟؟؟
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 801 - 803
سئل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري:
"ما قولكم في تكثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وقراءة دلائل الخيرات والأوراد".
فأجاب على هذا السؤال بقوله:
"يستحب عندنا تكثير الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أرجى الطاعات وأحب المندوبات سواء كان ذلك بقراءة الدلائل والأوراد الصلواتية المؤلفة في ذلك أو بغيرها، وكان شيخنا العلامة الكنكوهي يقرأ الدلائل وكذلك المشائخ الأخر من ساداتنا، وقد كتب في إرشاداته مولانا ومرشدنا قطب العالم حضرة الحاج إمداد الله قدس سره العزيز وأمر أصحابه بأن يجربوه، وكانوا يروون الدلائل رواية وكان يجيز أصحابه بالدلائل مولانا الكنكوهي رحمة الله عليه"
وقال الشيخ حسين أحمد المدني في كتابه:
"إن الوهابية الخبيثة ترى أن الإكثار من الصلاة والسلام على النبي عليه السلام، وقراءة دلائل الخيرات وقصيدة البردة والقصيدة الهمزية وغيرها، وجعلها ورداً أمر قبيح جداً، كما أنهم يعدون بعض أبيات قصيدة "البردة" شركاً، كبيت:
يا أشرف الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
وأما مشايخنا الأجلاء فكانوا يمنحون أتباعهم وثائق لقراءة "دلائل الخيرات" وغيرها، ويأمرونهم بالإكثار من قراءتها ومن الصلاة والسلام على النبي عليه السلام، وقد كان الشيخ الكنكوهي والشيخ النانوتوي رحمة الله عليهما يقرآن دلائل الخيرات كما أنهما منحا الإجازة لقراءتها لآلاف أتباعهما".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص63 - 65
المبحث الرابع: اعتقاد رؤية الرسول في اليقظة
عقيدة رؤية النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً في هذه الحياة الدنيا من أبرز العقائد الديوبندية. والديوبندية قد ادعوا وقوع ذلك ولهم في ذلك أساطير.
وقد ادعى ذلك قبلهم كثير من الصوفية؛ منهم التفتازاني فيلسوف الماتريدية والقبورية (792) حيث إنه ادعى رؤيته النبي صلى الله عليه وسلم وأنه تفل في فيه فتضلع علماً ونوراً.
وقد صدقه في هذا الإفك البواح كله بعض الديوبندية.
وللسيوطي في ذلك رسالة خرافية، سماها: (تنوير الحلك في إمكانية رؤية النبي والملك).
فالديوبندية قد ورثت ميراث الخرافة من سلفهم أهل الخرافة؟! ولا يخفى مفاسدها.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 785،786
وقد ذكر شيخ جماعة التبليغ "شيخ الحديث محمد زكريا" رحمه الله وسامحه قصة خرافية قبورية أخرى وهي أن الشيخ أحمد الرفاعي لما جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم قام مقابل القبر الأظهر وأنشد هذين البيتين
في حالة البعد روحي كنت أرسلها تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت فامدد يمينك كى تحظى بها شفتي فمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يده من قبره فقبلها الرفاعي وقد شاهد هذه القصة جمع يقارب 90000 شخص ومنهم المحبوب السبحاني القطب الرباني الشيخ عبد القادر الجيلاني وكلهم شرفوا بزيارة يده صلى الله عليه وسلم
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 308، 309
يرى علماء ديوبند أنه يمكن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم ورؤيته في اليقظة رأي العين، ويذكرون في هذا الصدد قصصاً ووقائع حصلت لأكابرهم ومشايخهم، ونقدم فيما يلي بعضاً منها:
يقول الحاج إمداد الله المكي:
"كان الشيخ قلندر يتشرف بزيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم كل يوم، إذ لطم ولداً كان من الأشراف، فانقطعت عنه هذه الزيارة، فراجع مشايخ المدينة، فأحالوه إلى امرأة من المجاذيب وكانت من أولياء الله، فلما دخلت هذه المرأة في المسجد النبوي وعرض عليها الشيخ قصته تحمست وأخذت بيده وقالت: شف هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأى الشيخ قلندر رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة رأى العين ... ".
ويقول الشيخ أشرف علي التانوي في كتابه:
"تحدى الروافض مرة الشيخ النانوتوي وقالوا: لئن أريتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة، وشهد لك الرسول صلى الله عليه وسلم بالصدق، اعتنقنا عقيدة أهل السنة والجماعة، فقال الشيخ: أعطوني موثقاً من الله، ولأرينكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليقظة، فتردد الروافض".
ثم قال الشيخ التانوي معلقاً على هذه القصة:"قال الشيخ ذلك إما لكونه متمكناً من مثل هذا التصرف، وإما لثقته بقوله عليه السلام ((لو أقسم على الله لأبره)) (1).
وذكر الشيخ التانوي أيضاً في كتابه قال:
_________
(1) رواه البخاري (2703) ومسلم (1675) من حديث أنس.
"يقول ديوان محمد ياسين - وكان من خدام الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه- كنت مشغولاً بالذكر تحت القبة الشمالية في مسجد "جهته" وكان الشيخ النانوتوي رحمة الله عليه، مراقباً في صحن المسجد في الجهة الشمالية نفسها، وكان متوجهاً إلى قلبي، إذ طرأت عليّ حالة خاصة، ورأيت وأنا في حالة الذكر، أن غاب سقف المسجد وقبته، مع بقاء جدرانه، وأن نوراً عظيماً في الفضاء ممتد إلى السماء، إذ رأيت عرشاً ينزل من السماء، وعليه الرسول صلى الله عليه وسلم، والخلفاء الأربعة على الزوايا الأربعة، نزل العرش حتى استقر قريباً مني في المسجد، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد خلفاءه: اذهب وأت بالشيخ محمد قاسم، فذهب وأتى به، فطلب الرسول صلى الله عليه وسلم من الشيخ محمد قاسم حساب المدرسة، فقدم الشيخ حساب المدرسة بكل دقة، ففرح الرسول صلى الله عليه وسلم بهذا فرحاً شديداً وأذن له بالذهاب، ثم صعد العرش إلى السماء وغاب عن الأنظار".
ثم يقول الشيخ التانوي معلقاً على هذه القصة:
"إن هذه الواقعة كانت نوعاً من الكشف، والذي يحتمل أن يكون قد حصل بتوجه الشيخ، ولعل تعبير هذه الواقعة هو أن يرى صاحبها ما رأى فيها من تدقيقه صلى الله عليه وسلم لحساب المدرسة حتى يطمئن الذين كان في قلوبهم شك حول ذلك، وأما المعاندون فمن دأبهم التشكيك حتى في الوحي".
ويقول الشيخ عاشق إلهي الميرتي في تذكرة حياة الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي ما معناه:
"إن رجلاً بايع الشيخ (رشيد أحمد الكنكوهي) عن طريق الرسالة واشتغل بالذكر، وخلال أيام حصل له اللقاء مع أرواح الأنبياء الطيبة - عليهم السلام- وبالتدرج بدأ يشعر كأن سائر أعضاء جسده حتى عروقه وشعراته مرتبطة بتلك الأرواح، إذ طرأ عليه حال السكر، التي انكشفت له فيها المغيبات، وتشرف بحراسة مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم".
هذا، وقد ذكر الخواجه عزيز الحسن المجذوب في تذكرة حياة الشيخ أشرف علي التانوي ما معناه:
"كان في مدينة "كانفور" درويشاً شهيراً ومعتمداً عليه، يدعى بـ"حضرت شاه غلام رسول"، ويلقب بـ"رسول نما"، لأنه بتصرفه كان يزور بالناس لرسول صلى الله عليه وسلم وفي اليقظة".
والقصص في هذا الموضوع كثيرة، رواها علماء ديوبند عن كبارهم ومشايخهم، ومن أراد المزيد فعليه أن يراجع كتبهم ومؤلفاتهم، مثلاً "شمائم إمدادية" و"أرواح ثلاثة" وغيرهما.
ثم إن الشيخ أنور شاه الكشميري قد فصّل في هذا الموضوع، وصرح بإمكان رؤيته صلى الله عليه وسلم في اليقظة، وأنها رؤية متحققة، وإنكارها جهل، وجاء لذلك بروايات وحكايات وتأويلات غريبة، وفيما يلي النص بكامله:"ثم التحقيق أن رؤيته صلى الله عليه وسلم لا يتعين في رؤية عين الذات المباركة فإن الأحوال في رؤية الشخص مختلفة فربما نرى شخصاً من الأحياء ولا يكون له علم برؤيتنا ولو كان في المنام عين ما في الخارج لكان عنده شعور بها، فالمرئي إذا والله تعالى أعلم قد يكون صورة مخلوقة لله تعالى على مثال تلك الصورة أي أنه تعالى يخلق حقيقة على مثال صورته وروحانيته أرانا إياها وأوقع في نفسنا مخاطبتها إياها، وقد تكون روحه المباركة بنفسها مع البدن الثاني. ثم قد تكون يقظة أيضاً كما أنها قد تكون مناماً، ويمكن عندي رؤيته صلى الله عليه وسلم يقظة لمن رزقه الله سبحانه كما نقل عن السيوطي رحمه الله تعالى (وكان زاهداً متشدداً في الكلام على بعض معاصريه ممن له شأن) أنه رآه صلى الله عليه وسلم اثنين وعشرين مرة وسأله عن أحاديث ثم صححها بعد تصحيحه صلى الله عليه وسلم، وكتب إليه الشاذلي يستشفع به ببعض حاجته إلى سلطان الوقت وكان يوقرّه فأبى السيوطي رحمه الله تعالى أن يشفع له وقال إني لا أفعل وذلك لأن فيه ضرر نفسي وضرر الأمة لأني زرته صلى الله عليه وسلم غير مرة ولا أعرف في نفسي أمراً غير أني لا أذهب إلى باب الملوك فلو فعلت أمكن أن أحرم من زيارته المباركة فأنا أرضى بضررك اليسير من ضرر الأمة الكثير. والشعراني رحمه الله تعالى أيضاً كتب أنه رآه صلى الله عليه وسلم وقرأ عليه البخاري في ثمانية رفقة معه ثم سماهم وكان واحد منهم حنفياً وكتب الدعاء الذي قرأه عند ختمه. فالرؤية يقظة متحققة وإنكارها جهل. ثم عند مسلم في لفظ آخر ((فسيراني في اليقظة)) (1) ولعله حديث آخر ومضمون آخر يقتصر على حياته صلى الله عليه وسلم وفيه تبشير بالصحابية لمن كان رآه في المنام ولكن الراوي شك فيه وقال أو فكأنما رآني، فوقع التردد في أنهما حديثان أو واحد. ونقل العيني رحمه الله تعالى فيه زيادة أخرى "فإني أرى في كل صورة" وهي تضر الطائفة الأولى فإنها تشعر بالتعميم وأن لا تخصيص بحلية دون حلية. أقول وظاهر حديث البخاري يومئذ الطائفة الأولى سيما إذا كان من لفظه ((فإن الشيطان لا يتكونني)) (2)، وحينئذ صرف هذه الزيادة عن ظاهرها أولى فإنها لا توازي حديث البخاري وشرحها عندي دفع استبعاد: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان في المنام هو ولم يتمكن الشيطان من تمثله فكيف تكون رؤيته في زمان واحد لأشخاص عديدة في أمكنة كذلك، والجواب أنه ممكن لأنه يرى في كل صورة أما أن تكل صورة مثالية أو عينه صلى الله عليه وسلم فهو تابع لمنامه قد تكون كذا وقد تكون كذا.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 233 - 238
_________
(1) رواه البخاري (6993) ومسلم (2266) من حديث أبي هريرة.
(2) رواه البخاري (6997) من حديث أبي سعيد.
الفصل الرابع: موقفهم من أهل السنة
قد بالغت الديوبندية وأفرطت في نصب العداء لأهل التوحيد الذين يسمونهم (الوهابية) ولهم في شتمهم وسبهم عجائب يستحي منها من عنده حياء، ولا يرتكب مثل هذه الأفعال إلا من لا يخاف الله رب العالمين. وقد تقدم نماذج من ذلك.
ولذا أتمثل قول الشاعر:
عجبت لشيخ يأمر الناس بالتقى وما راقب الرحمن يوماً وما اتقى
المثال الثالث: أنه قد ألف الشيخ خليل أحمد السهارنوفوري (1346هـ) كتابه المعروف (المهند على المفند) والشيخ حسين أحمد المدني (1377) كتابه المشهور (الشهاب الثاقب) وكلاهما في البراءة من عقائد أهل التوحيد الذين يسمونهم (الوهابية).
وهما من أعظم أكابر الأئمة الديوبندية، وهذان الكتابان مكتظان بالخرافات القبورية والخزعبلات الصوفية، وكلاهما من أقدس كتب الديوبندية المعول عليها، ولا سيما (المهند على المفند) باللغة العربية، وقد ترجم قريباً إلى اللغة الأردية، وطبعت الترجمة مع الأصل، وسميت الترجمة (ماضي الشفرتين على خادع أهل الحرمين) وكم أضلت هذه الترجمة من خلائق لا يحصون.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 775
عداوتهم الرهيبة للإمام محمد بن عبد الوهاب التميمي رحمه الله تعالى خاصة والسلفيين عامة ويذكرونهم حسب عادة أهل الأغراض والأمراض بلقب الوهابية ثم يقولون الوهابية الخبيثة الخبثاء وينبزونهم بالفرقة الزائغة ويرمونهم بالتشكيكات والتلبيسات والجهل والضلال وأن ابن القيم هو الأب لهذه الفرقة ويقولون إن محمد بن عبد الوهاب والوهابية من الخوارج واستباحوا قتل أهل السنة ويستحلون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم ويقولون: فأيم الله لم نر طائفة يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية إلا هذه الطائفة المنكرة لتقليد السلف الذامة لأهلها ويقولون كان محمد بن عبد الوهاب رجلا بليدا قليل العلم فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر وقالوا إن محمد بن عبد الوهاب كان يحمل خيالات باطلة وعقائد فاسدة حارب أهل السنة وقتلهم واغتنم أموالهم وكان يسيء الأدب في حق السلف الصالحين ولذلك يبغضه العرب بغضا أشد من بغضهم لليهود والنصارى والمجوس الحاصل أنه كان ظالما باغيا سفاكا فاسقا.
أقول إنا لله وإنا إليه راجعون سبحانك هذا بهتان عظيم
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 312،314
المثال السابع: أنه قد ظهر كتاب جديد بعنوان (إمام الزنادقة ابن تيمية) لمجموعة من علماء الديوبندية في مناطق بشاور وردان وسوات ودير من مناطق باكستان.
وفي هذا الكتاب عجب العجاب من الوثنيات والشتائم والسباب.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 777
المثال الثامن: أنه من ذا الذي لم يعرف الكوثري؟ فالكوثري إمام القبورية والجهمية وشيخ عصبة التعصب في آن واحد، وشتائمه لأئمة السنة وولوغه في علماء الأمة، ولا سيما ابن تيمية (728هـ) وابن القيم (751هـ) ومجدد الدعوة الهمام (1206هـ) مما لا يخفى على من يهتم بالتوحيد ويعرف البدعة وأهلها.
ومن أخبث كتب الكوثري على الإطلاق كتب ثلاثة (تبديد الظلام) (الرد على النونية) و (المقالات) وهذه الكتب كلها معظمة عند الديوبندية.
وإن كنت في شك من ذلك فعليك بمقدمة البنوري الكوثري أحد أئمة الديوبندية (1397هـ) التي كتبها في إجلال هذه الكتب الثلاثة وفي الكتابين الأولين عجائب من الوثنيات السافرة والقبوريات الماكرة الفاجرة.
الحاصل: أن للكوثري موقعاً عظيماً في قلوب الديوبندية ومن الإعظام له ولكتبه ومقالاته الوثنية الجهمية والإجلال مالا يخطر بالبال
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 777، 778
المثال العاشر: أن الشيخ غلام الله الديوبندي الباكستاني (1980م) رحمه الله قد ألف كتاباً في التفسير سماه (جواهر القرآن) أجاد فيه الرد على القبورية وبين وثنيتهم فجزاه الله عن التوحيد وأهله خير الجزاء.
ولما كان شاذًّا عن عقائد الديوبندية عند جمهور الديوبندية تصدى له الشيخ عبد الشكور المذكور وكيل الديوبندية فألف في الرد عليه كتاباً سماه (هداية الحيران في جواهر القرآن) حقق فيه أنه قد شذ عن الديوبندية وخرج على عقائدهم. وكتابه (هداية الحيران) أيضاً دعوة إلى القبورية، وقد شحن فيه نصوصاً من كتب كبار أعلام الديوبندية لمناصرته والرد على مؤلف جواهر القرآن.
المثال الحادي عشر: أن الشيخ محمد طاهر بن آصف الفنجفيري الملقب عند الحنفية بشيخ القرآن (1407هـ) من معاصري الديوبندية الباكستانية رحمه الله تعالى قد وفقه الله تعالى لمطالعة كتب أئمة الإسلام ولا سيما شيخ الإسلام (728هـ) وابن القيم الهمام (751هـ) ومجدد الدعوة الإمام (1206هـ) فتجرد للرد على القبورية وشن الغارة عليهم فنفع الله به خلقاً كثيراً، وانتشر تلاميذه في مناطق بشاور والقبائل الحرة وأفغانستان (مع ما عنده من العقائد الماتريدية والأفكار الصوفية النقشبندية وطامات الديوبندية والتعصب للمذهب الحنفي كالكوثري) ولكن الديوبندية عارضوه وصاروا ضده وعليه يداً واحدة ورموه عن قوس واحدة وحاربوه وشنوا عليه الغارات زعماً منهم أنه شذ عن جماعة الديوبندية والتحق بالوهابية.
قلت: كان رحمه الله حنفيا متعصباً ماتريديا جلداً نقشبنديا صوفيا بحتاً، ولكن كان ذنبه عند الديوبندية أنه كان حرباً شعواء على القبورية فرحمه الله رحمة واسعة إيانا، وسامحه وغفر لنا وله.
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 779،780
إجلال الديوبندية للملاحدة الزنادقة الوجودية الإلحادية الاتحادية الحلولية من الصوفية القبورية الوثنية.
فقد قال الشيخ حسن أحمد صدر المدرسين بدار العلوم ديوبند وأحد كبار أئمة الديوبندية (1377هـ) في المقارنة بين أهل التوحيد الذين يسمونهم الوهابية وبين الديوبندية:
(إن الوهابية يطعنون في أئمة الطريقة أمثال الخواجة بهاء الدين نقشبند، والخواجة معين الدين الجشتي، وغوث الثقلين عبد القاهر الجيلاني، والشيخ عبد الوهاب الشعراني، وغيرهم قدس الله أسرارهم أجمعين، ويسيئون الأدب في حقهم.
لكن أئمة الديوبندية يحبون هؤلاء ويعظمونهم، ويرون أن التوسل بمحبتهم وتعظيمهم مفيد إلى الغاية القصوى وباعث للبركات وموجب لرضا الله سبحانه وتعالى.
الحاصل: أنه لا علاقة لعقائد الوهابية بأكابر الديوبندية)
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 803
سئل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري:
"قد كان محمد بن عبد الوهاب النجدي يستحل دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم، وكان ينسب الناس كلهم إلى الشرك ويسب السلف، فكيف ترون ذلك، وهل تجوّزون تكفير السلف والمسلمين وأهل القبلة أم كيف مشربكم؟ ".
وأجاب عليه السهارنفوري قائلاً:
"الحكم عندنا فيهم ما قال صاحب الدر المختار، خوارج هم قوم لهم منعة خرجوا عليه بتأويل، يرون أنه على باطل كفراً ومعصية، توجب قتاله، بتأويلهم يستحلون دماءنا وأموالنا ويسبون نساءنا إلى أن قال وحكمهم حكم البغاة، ثم قال: وإنما لم نكفرهم لكونه عن تأويل وإن كان باطلاً، وقال الشامي في حاشيته، كما وقع في زماننا في أتباع عبدالوهاب الذين خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله شوكتهم. ثم أقول ليس هو ولا أحد من أتباعه وشيعته من مشائخنا في سلسلة من سلاسل العلم من الفقه والحديث والتفسير والتصوف، وأما استحلال دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم فإما أن يكون بغير حق أو بحق، فإن كان بغير حق فإما أن يكون من غير تأويل فكفر وخروج عن الإسلام، وإن كان بتأويل لا يسوغ في الشرع ففسق، أما إن كان بحق فجائز بل واجب. وأما تكفير السلف من المسلمين فحاشا أن نكفر أحداً منهم، بل هو عندنا رفض وابتداع في الدين؛ وتكفير أهل القبلة من المبتدعين فلا نكفرهم ما لم ينكروا حكماً ضرورياً من ضروريات الدين، فإذا ثبت إنكار أمر ضروري من الدين نكفرهم ونحتاط فيه، وهذا دأبنا ودأب مشايخنا، رحمهم الله تعالى".
وقال في موضع آخر:
"إن أحمد رضا خان البريلوي يكفر علماء الأمة كما كفّرهم الوهابية أتباع محمد بن عبدالوهاب، خذله الله تعالى كما خذلهم".
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري:
"أما محمد بن عبدالوهاب النجدي فإنه كان رجلاً بليداً قليل العلم، فكان يتسارع إلى الحكم بالكفر،، ولا ينبغي أن يقتحم في هذا الوادي إلا من يكون متيقظاً متقناً عارفاً بوجوه الكفر وأسبابه".وقال الشيخ محمد التانوي في تعليقه على سنن النسائي في شرح حديث أبي سعيد الخدري عن ظهور الخوارج، والذي جاء فيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن من ضئضئي هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية، لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد)) (1) الحديث.
فقال الشيخ التانوي- شرحاً لهذا الحديث- ما يلي نصه:
" ... ثم ليعلم أن الذين يدينون دين ابن عبد الوهاب النجدي ويسلكون مسالكه في الأصول والفروع، ويدعون في بلادنا باسم الوهابيين وغير المقلدين، ويزعمون أن تقليد أحد الأئمة الأربعة رضوان الله عليهم شرك، وأن من خالفهم هم المشركون، ويستبيحون قتلنا أهل السنة وسبي نسائنا، وغير ذلك من العقائد الشنيعة التي وصلت إلينا منهم بواسطة الثقات وسمعناها بعضاً منهم أيضاً، هم فرقة من الخوارج، وقد صرح به العلامة الشامي في كتابه (رد المحتار) عند قول صاحب "الدر المختار": ويكفرون أصحاب نبينا صلى الله عليه وسلم، في كتاب البغاة، حيث قال: قد علمت أن هذا غير شرط في مسمى الخوارج، بل هو بيان لمن خرجوا على سيدنا علي رضي الله عنه، وإلا فيكفي فيهم اعتقاد كفر من خرجوا عليه، كما وقع في زماننا في أتباع ابن عبد الوهاب الذي خرجوا من نجد وتغلبوا على الحرمين، وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون، وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف".
وقال الشيخ حسين أحمد المدني:
_________
(1) رواه البخاري (3344) ومسلم (1064).
"إن محمد بن عبد الوهاب النجدي ظهر في بداية القرن الثالث عشر من نجد العرب، وبما أنه كان يحمل معه أفكاراً باطلة وعقائد فاسدة فقتل وقاتل أهل السنة والجماعة، وما زال يكرههم على معتقداته ويستحل أموالهم، وعدّ قتلهم موجباً للأجر والرحمة، وآذى أهل الحجاز وبخاصة سكان الحرمين إيذاء شديداً، كما تفوه في شأن السلف الصالح وأتباعهم بكلمات هي في غاية الشناعة والوقاحة، حتى اضطر الكثير منهم إلى مغادرة مكة والمدينة فراراً من إيذائه، واستشهد على يده وأيدي جيوشه آلاف من الرجال المسلمين. والحاصل أنه كان رجلاً ظالماً عاصياً فاسقاً سفاكاً، ومن أجل ذلك مازالت للعرب ولا تزال عداوة قلبية معه ومع أتباعه بحيث لا يبغضون اليهود ولا النصارى ولا الهندوس كما يبغضون الوهابيين".
وزاد قائلاً:
"وكان محمد بن عبد الوهاب يعتقد بأن كافة أهل العالم وجميع مسلمي بلاد العرب كافرون ومشركون، وأن قتلهم وقتالهم ونهب أموالهم جائز بل واجب".
هذا، وقد وجّه إليه الشيخ رياض أحمد القاسمي- من سكان مدينة لاهور- أسئلة، أولها ما يلي:
"هل كتاب (الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب) ضد الوهابية والبريلوية من مؤلفاتك؟ ".
وأجاب الشيخ المدني عن هذا السؤال قائلاً:
"إن كتاب (الشهاب الثاقب على المسترق الكاذب) من مؤلفاتي، وهو أول كتاب صنفته رداً على مولانا أحمد رضا خان البريلوي، وأوردت فيه ذكر الوهابية تبعاً، وغرضي بذلك هو إظهار أن علماءنا ليسوا على الإفراط ولا على التفريط، وإنما يسلكون مسلكاً وسطاً، وأن أهل السنة والجماعة هم الأتباع الصادقون للأسلاف الكرام".
والسؤال الثاني الذي وجهه السائل إلى المدني هو ما يلي:
"هل اليوم أيضاً أنت على نفس الموقف الذي أبديته في ذلك الكتاب أم رجعت عنه؟ وهل ترى المرحوم محمد بن عبدالوهاب خارجياً أم عالماً متبعاً للسنة؟ كما ذكره شيخك مولانا رشيد أحمد الكنكوهي - رحمة الله عليه- في فتاواه ... ".
فأجاب عنه الشيخ المدني قائلاً:
"نعم، اليوم أيضاً أنا على نفس الموقف الذي ذكرته في ذلك الكتاب (الشهاب الثاقب) وهو موقف أسلافي الكرام، ولست أنا أول من كتبت ذلك في محمد بن عبدالوهاب وجماعته، بل وقد صرح به العلامة الشامي - رحمه الله- على صفحة (339) من الجزء الثالث من كتابه (رد المحتار حاشية الدر المختار)، وهو كتاب يستند إليه ويفتى به في الفقه الحنفي.
ولما كان صاحب (رد المحتار) العلامة الشامي - رحمه الله- من سكان تلك المنطقة ومن معاصري ذلك الزمن، وكان قد سافر حاجاً إلى مكة المعظمة أيام سيطرة جماعة محمد بن عبد الوهاب على الحجاز عام 1233هـ، كما صرح بذلك على صفحة (674) من الجزء الأول من كتابه، فهو أعلم بأحوال محمد بن عبد الوهاب وجماعته أكثر ممن كان بعيداً منهم أو متأخراً عن عصرهم؛ وأما مولانا الكنكوهي - قدس سره العزيز- فإنه من أبعد المتأخرين عنهم ومن سكان الهند، فليس له إلمام تام بأحوال هذه الجماعة. كما صرح بذلك على صفحة (64) من فتاواه المعروفة بفتاوى رشيدية.
وأما ما كتب على صفحة (8) من فتاواه في تحسين محمد بن عبد الوهاب وجماعته، فإن مداره على الأقوال المسموعة الشائعة فقط. وقد كان مولانا الكنكوهي يعتمد كثيراً على كتاب الشامي هذا، بل ومعظم فتاواه مأخوذة منه".
كما أن هناك مكتوب آخر للشيخ المدني، صرح فيه بأن أتباع محمد بن عبد الوهاب أراقوا دماء المسلمين أنهاراً في الحرمين الشريفين خلال فترة 1220هـ-1233هـ؛ حيث قال تعليقاً على تعليمات الأستاذ المودودي وأنها جاءت بنتائج سيئة:
"ألم يكن من نتائج مثل هذه التعليمات، ما ظهر من الخوارج في النهروان وغيرها من سفك دماء المسلمين، وأتباع عليّ ومعاوية رضي الله عنهما، وما أحدثه أتباع محمد بن عبد الوهاب النجدي من سفك دماء المسلمين أنهاراً في الحجاز، مكة المعظمة والمدينة المنورة خلال فترة 1220 - 1233هـ. ففي رد المحتار حاشية الدر المختار الشامي (3 - 339): كما وقع في زماننا من أتباع محمد بن عبدالوهاب الذين خرجوا من نجد (وتغلبوا على الحرمين) وكانوا ينتحلون مذهب الحنابلة، لكنهم اعتقدوا أنهم هم المسلمون وأن من خالف اعتقادهم مشركون، واستباحوا بذلك قتل أهل السنة وقتل علمائهم، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام ثلاث وثلاثين ومائتين وألف" أهـ.
وما ظهر من "الغطغط" و"الدخنة" في صورة قتل المسلمين ونهب أموالهم أيام سيطرة ابن سعود، حتى عجز ابن سعود من هذه القبائل وقوض قواتهم، فكان كل ذلك نتائج لمثل هذه التعليمات التي يقوم بها اليوم أتباع الأستاذ المودودي".
نماذج أخرى من طعونات المدني:
ومن افتراءات الشيخ المدني وطعوناته في إمام الدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأتباعه ما يلي:
قال الشيخ المدني وهو يقارن بين علمائه وبين أتباع الشيخ محمد بن عبدالوهاب ما معناه:
"إن الشيخ الكنكوهي- قدس الله سره العزيز- وأتباعه يسلكون مسلك الاحتياط الشديد في تكفير المسلمين ويتحمسون لأتباع السلف الصالح، بخلاف الوهابية، حيث أنهم يكفرون المسلمين بأدنى شبهة وهمية، ويستحلون أموالهم وغيرها".
وقال:
"إن هؤلاء- علماء ديوبند- يثبتون شفاعة الرسول المقبول عليه السلام، بخلاف الوهابية، فإنهم يأتون في هذه المسألة بآلاف التأويلات، وبحيث يصلون قريباً من منزلة إنكار الشفاعة".
هذا، وقد فصّل المدني كلامه في بيان تعظيم علمائه وأكابره للحرمين الشريفين، وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعهم لآثاره وسننه، ثم قال في كلمات صريحة بأن الوهابية ليسوا كعلماء ديوبند في جميع هذه الأمور المذكورة، ولا يعتقدون مثل اعتقادهم، بل يسيئون إلى شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم ولا يعظمونه ولا يحترمون الحرمين الشريفين، وتوطيداً لدعواه فقد نقل المدني أبياتاً لعلمائه تتعلق بحب الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم قارن بينهم وبين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب- رحمه الله- قائلاً:
"أهذه هي حال الوهابية الخبثاء؟ أمثل هذه الكلمات تخرج من ألسنتهم النتنة؟ أمثل هذه العبارات الخلابة تصدر من أقلامهم النجسة؟ كلا، إن هؤلاء الخبثاء يرون مثل هذا الكلام شركاً، ويعدون هذا الموضوع - أي موضوع مدح الرسول صلى الله عليه وسلم- نوعاً من أنواع الخرافات".
ملحوظة:
لقد حاول بعض علماء ديوبند في العصر المتأخر أن يبرؤوا علماءهم عما كتبوه في الشيخ محمد بن عبد الوهاب وأتباعه وأن يثبتوا رجوعهم عن كل ذلك، ولكنه وللأسف الشديد أن جميع هذه المحاولات غير أمينة، فإنها دعايات لا تتجاوز القول بالأفواه، بل مجرد لبس يهدف إلى أغراض وغايات، فإنهم يتظاهرون بها في مكان دون آخر، وبين شخصيات دون أخرى، فالكتب التي أفردوها بالتأليف رداً على الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته، والتي تحتوي على الافتراءات والمطاعن والأقاويل المكذوبة على الدعوة وأتباعها، كلها مازالت مروجة عندهم طبعاً ونشراً وتصديراً، تحظى بالإعجاب والقبول لدى علمائهم وعامتها. ولمزيد من الاطلاع على هذا الموضوع يمكن الرجوع إلى كتاب (دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في شبه القارة الهندية).
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 247 - 259
المبحث الأول: وجوب التقليد
غلو الديوبندية في التقليد الأعمى إلى حد اعترفوا بأن الحق في مسألة كذا مذهب الشافعي. ولكننا مقلدون يجب علينا تقليد إمامنا أبي حنيفة.
وقالوا: المتنقل من مذهب إلى مذهب يستوجب التعزير ولو باجتهاد وبرهان.
قلت: وهذا الغلو في التقليد هو في الحقيقة نوع من أنواع الشرك إذ هو من اتخاذ الأئمة أرباباً من دون الله. وهذا النوع من الطاعة المطلقة لغير الله شرك بالله عز وجل
ومن هذا القبيل عدم تجويز إمام الفنجفيرية الانتقال من مذهب إلى آخر
Oجهود علماء الحنفية في إبطال عقائد القبورية لشمس الدين السلفي الأفغاني-2/ 804
إن العلامة المحدث الفقيه خليل أحمد السهارنفوري أحد كبار أئمة الديوبندية (1346هـ) ومؤلف (بذل المجهود شرح سنن أبي داود) قد ألف كتابا يعد أهم كتب الديوبندية في العقيدة على الإطلاق وعليه توقيعات وتقريظات لخمسة وستين عالما من كبار العلماء الديوبندية وغيرهم والكتاب مطبوع بعنوان (المهند على المفند) باللغة العربية وقد ترجم قريبا إلى اللغة الأردية أيضا .... ومما قال في هذا الكتاب إنا بحمد الله ومشايخنا وجميع طوائفنا مقلدون للإمام أبي حنيفة في الفروع
Oالماتريدية وموقفهم من توحيد الأسماء والصفات للشمس السلفي الأفغاني- 3/ 304
الجامعة الإسلامية الشهيرة "دار العلوم" .... كان الهدف الأساسي من إنشاء هذه الجامعة هو تأييد المذهب الحنفي ونشره وإخضاع السنة النبوية وتطويعها للفقه الحنفي، وهذه حقيقة لا مبالغة فيها، وقد اعترف بها عدد من كبار علمائهم، كما ذكر المفتي الشيخ محمد شفيع أنه ذات يوم دخل على شيخه العلامة الشيخ محمد أنور الكشميري في حجرته قبيل صلاة الفجر، فسمعه يقول ويردد هذه الفقرة: "يا للأسف قد ضيّعت حياتي كلها".
فلما سمع الشيخ محمد شفيع شيخه الكشميري يردد هذه الفقرة عدة مرات قال له: يا شيخنا! لقد قضيت حياتك كلها في تدريس القرآن والحديث، فإذا كانت هذه المهنة تضييعاً للحياة فما رأيك في أولئك الذين انشغلوا بهذه المهنة؟
فأجاب عليه الشيخ الكشميري بقوله:
"إن الإسلام مهجوم عليه في جميع أنحاء العالم، ونحن مشغولون بتأييد الإمام أبي حنيفة وتوثيقه، وردِّ العلماء المخالفين له ونقدهم، بدلاً من أن نواجه الهجمات الحقيقية ضد الإسلام، فما هذا إن لمن يكن تضييعاً للحياة؟ "
[ويقول الشيخ عبد الشكور الحنفي في مقال له بعنوان "بركات ديوبند" وهو يتبرأ من الوهابية ويشكو ممن يسمون الديوبندية بالوهابية أو النجدية، ما معناه:]
"لقد رفع الحساد المتأخرون أصواتهم (ضد علماء ديوبند) إلى حد إمكانياتهم، فرموهم بأنهم وهابيون نجديون، وأمطروا عليهم قنابل فتوى الكفر، وحاولوا استئصالهم ما بين دار الكفر إلى دار الإسلام، ولكنهم في عاقبة الأمر فشلوا كما فشلت الفتنة اللهابية في عصر النبوة - على صاحبها الصلاة والسلام -، إلى أن قال: إن المدرسة العالية بديوبند بركاتها هي نفس بركات أسرة ولي الله الدهلوي علماً وعملاً وصدقاً وإخلاصاً، وأما من أراد أن يقول شيئاً في علمائنا حسداً من عند نفسه فليقل في بيته ما شاء أن يقول وهابياً أو نجدياً أو ملحداً أو كافراً أو مرتداً، ولكن الحقيقة أن مدرسة ديوبند هي المدرسة الوحيدة التي تحمل راية خدمة الإسلام الصحيح وتأييد المذهب الحنفي الخالص".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 21 - 23
سئل الشيخ خليل أحمد السهارنفوري:
"هل يصح لرجل يقلد أحداً من الأئمة الأربعة في جميع الأصول والفروع أم لا، وعلى تقدير الصحة هل هو مستحب أم واجب، ومن تقلدون من الأئمة فروعاً وأصولاً؟ "
فأجاب عليه بقوله:
"لابد للرجل في هذا الزمان أن يقلد أحداً من الأئمة الأربعة رضي الله تعالى عنهم بل يجب، فإنا جربنا كثيراً ممن ترك تقليد الأئمة واتبع رأي نفسه وهواها فسقط في حفرة الإلحاد والزندقة، أعاذنا الله منه، ولأجل ذلك نحن ومشائخنا مقلدون في الأصول والفروع لإمام المسلمين أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه، أماتنا الله عليه وحشرنا في زمرته، ولمشايخنا في ذلك تصانيف عديدة شاعت واشتهرت في الآفاق".
وقال الشيخ حسن أحمد المدني وهو يذكر الفرق الشاسع بين أكابر ومشايخ ديوبند وبين أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب:
"إن الوهابية يرون تقليد إمام معين شركاً في الرسالة. ويذكرون الأئمة الأربعة ومقلديهم بكلمات واهية خبيثة، ومن أجل ذلك يخالفون أهل السنة والجماعة، وغير المقلدين بالهند أتباع لهذه الطائفة الشنيعة وإن وهابية نجد العرب مع ادعائهم أنهم حنابلة، إلا أنهم لا يعملون بمذهب الإمام أحمد بن حنبل - رحمة الله عليه- في جميع المسائل، بل يتركون الفقه الحنبلي إذا عارضه حديث على فهمهم، وهم أيضاً متعودون على استخدام الكلمات البذيئة والسيئة في أكابر الأمة، مثل إخوانهم غير المقلدين، وأما أكابرنا فهم مخالفون لهذه الطائفة في جميع هذه الأمور، فهم مقلدون للإمام الأعظم أبي حنيفة رحمة الله عليه، في الأصول والفروع، ويرون وجوب تقليد إمام من الأئمة الأربعة كما فصّل في ذلك الشيخ النانوتوي في كتابه (لطائف قاسمية) والشيخ الكنكوهي في (سبيل الرشاد)، بل أن الشيخ الكنكوهي ألف رسالة مستقلة في وجوب التقليد الشخصي، حيث أنه قد ألف عدة رسائل في الرد على الوهابية ... ".
وقال الشيخ محمود الحسن الديوبندي الملقب بشيخ الهند (1339هـ) وهو يوجب تقليد الإمام أبي حنيفة، حتى ولو كان رأيه مخالفاً للحق الصريح، حيث قال:
"فالحاصل: أن مسألة الخيار من مهمات المسائل، وخالف أبو حنيفة فيه الجمهور وكثيراً من الناس المتقدمين والمتأخرين، وصنفوا رسائل في ترديد مذهبه في هذه المسألة، ورجّح مولانا الشاه ولي الله المحدث الدهلوي قدس سره في رسالته مذهب الشافعي من جهة الأحاديث والنصوص، وكذلك قال شيخنا مدّ ظله بترجيح مذهبه، وقال: الحق والإنصاف أن الترجيح للشافعي في هذه المسألة. ونحن مقلدون يجب علينا تقليد إمامنا أبي حنيفة".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 261 - 263
المبحث الثاني: تحريف نصوص الكتاب والسنة لنصرة مذهبهم
إن التحريف في نصوص الكتاب والسنة من الأمور الخطيرة التي تقشعر جلود المسلم من تصورها، حيث أنه تقوّل وافتراء على الله سبحانه، وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وزيادة في كتاب الله وفي حديث نبيه صلى الله عليه وسلم، إلا أن علماء ديوبند لم يبالوا بذلك وحرفوا نصوصاً من القرآن الكريم ومن أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، وذلك ترجيحاً لمذهبهم وتأييداً لمسائلهم الفقهية، فإلى الله المشتكى.
يقول الشيخ محمود الحسن الديوبندي في كتابه (إيضاح الأدلة) حماية للتقليد وتأييداً للمذهب الحنفي ما ترجمته:
"كما أن طاعة النائبين بمنزلة طاعة الحكام، كذلك طاعة الأنبياء عليهم السلام وجميع أولي الأمر طاعة لله تعالى بعينها، فمن رأى أن طاعة أتباع الأنبياء وطاعة أولي الأمر ليست داخلة في طاعة الله تعالى فهو كما يظن بعض قليلي الفهم أن طاعة النائبين ليست داخلة في طاعة الحكام. ولذلك قال تعالى: أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59]. ومعلوم أن المراد من أولى الأمر في هذه الآية هم غير الأنبياء عليهم السلام، فظهر من الآية أن الأنبياء عليهم السلام وجميع أولى الأمر واجب اتباعهم، فأنتم (خطاب لأهل الحديث) قد رأيتم الآية فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء:59] ولكن ما علمتم إلى الآن أن القرآن الذي نقلتم منه هذه الآية موجودة فيه أيضاً تلك الآية التي نقلتها أنا، ولا عجب أنكم تفتون بنسخ إحداهما للأخرى ظنّاً منكم حسب عادتكم أنهما متعارضتان".
والجدير بالذكر أنه بعد مرور ثلاثين عاماً على طبع هذا الكتاب، ثم طبعه للمرة الثانية في عام 1330هـ ولكنه وللأسف الشديد أن علماء ديوبند لم يحذفوا منه هذه العبارة التي تشتمل على التحريف الواضح البين، ولم يعلقوا عليها شيئاً في الهامش، مع أن علماء أهل الحديث ردوا على مؤلفه وأنكروا على ما جاء به في كتابه من التحريف، بعد طبع الكتاب للمرة الأولى، وكان من الذي ردوا على مؤلف الكتاب المذكور الشيخ محمد بن إبراهيم الجوناكري وذلك في جريدته (أخبار محمدي) التي كانت تصدر في دلهي عاصمة الهند، ثم ذكر ذلك كله في هامش كتابه (طلاق محمدي).
ومن الذين حرّفوا في كتاب الله الشيخ شبلي النعماني (المتوفى 1332هـ) الملقب عند الحنفية بحجة الملك والدين وبشمس العلماء، ألّف كتابه (سيرة النعمان) وذكر فيه أحوال الإمام أبي حنيفة - رحمه الله- وسعى جاهداً فيه لترجيح مذهبه على المذاهب الفقهية الأخرى في المسائل المعروفة التي لازالت مختلفاً فيها، ومنها هل الأعمال داخلة في الإيمان أم لا، وجاء بدلائل قاطعة - ظناً منه- على أن الأعمال ليست بداخلة في الإيمان، ومن هذه الأدلة ذكر آية محرفة من عنده فقال:
"والآيات التي استدل بها الإمام يثبت بها بداهة أن الأمرين منفصلان، لأن في جميع الآيات عطف العمل على الإيمان، وظاهر أن الجزء لا يمكن عطفه على الكل "من يؤمن بالله فيعمل صالحاً: فيه حرف التعقيب، الذي يحصل به فصل قطعي في هذا البحث".
هذه الآية في سورة التغابن، وفيها وَيَعْمَلْ صَالِحًا [التغابن:9]، ولكن حرّف فيها النعماني ليثبت أن العمل ذكر متعقباً بالفاء ومؤخراً، أي بعد الإيمان مما يدل على أن الإيمان يكتمل دون العمل.
والجدير بالذكر أن علماء أهل الحديث قد ردوا على مؤلف "سيرة النعمان" في ما جاء به في تحريف النص في كتابه وأنكروا عليه ذلك، ومنهم العلامة المحدث عبد العزيز الرحيم آبادي وذلك في كتابه (حسن البيان في ما في سيرة النعمان) وطبع هذا الكتاب في دلهي عام 1346هـ، ولكنه بعد طبع كتاب (حسن البيان) بسنوات طبع كتاب النعماني للمرة الثانية، ولم يغيروا شيئاً من كتابه ولم يعلقوا على مكان التحريف رداً ولا إصلاحاً.
وفي العصر القريب ظهرت رسالة باسم "تحقيق مسألة رفع اليدين" لمؤلفها مولانا أبو معاوية صفدر جالندري، ونشرها "أبو حنيفة أكيدمي" بيهاولفور، حاول مؤلفها فيها أن يجمع كل ما وجد من الأدلة على عدم رفع اليدين في الصلاة غير تكبيرة الإحرام، وادعى أن عدم رفع اليدين ثابت من القرآن الكريم، وقال إنه ورد في القرآن الأمر بالسكوت في الصلاة، ثم ذكر ثلاث آيات في ذلك وقال في الثالثة: يقول الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ [النساء: 77]
ثم ترجم هذه العبارة باللغة الأردية محرّفاً فيها، فقال ما ترجمته بالعربية:
"يا أيها الذين آمنوا كفوا أيديكم إذا صليتم".
ثم قال:
"وقد استدل بعض الناس بهذه الآية أيضاً على منع رفع اليدين في الصلاة".
وقد ارتكب غلاة الحنفية الديوبندية التحريف أيضاً في نصوص حديث الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، وما يمنعهم من ذلك، وقد ارتكبوا ما هو أعظم وأكبر من ذلك، وهو التحريف في كلام الله تعالى، ومن الذين حرفوا في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الشيخ محمود الحسن - الملقب بشيخ الهند لدى طائفته- فقد أخرج الإمام أبو داود في سننه بسنده عن الحسن أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- (جمع الناس على أبي بن كعب، فكان يصلي لهم عشرين ليلة، ولا يقنت بهم إلا في النصف الباقي).
هكذا نص الحديث في جميع نسخ السنن لأبي داود وشرحها المطبوعة إلى عام 1318هـ. ثم بدأ غلاة الحنفية الديوبندية يحرفون فيه مرحلة بعد مرحلة، حيث طبع هذا الكتاب- (السنن) - بحاشية الشيخ محمود الحسن، فجعلوا في صلب الحديث لفظ "ليلة" وأشاروا في الهامش إلى أن في بعض النسخ "ركعة"، ثم طبع الكتاب - (السنن) - بحاشية الشيخ فخر الحسن الديوبندي فجعلوا في الصلب لفظ "ركعة" وفي الهامش "ليلة" وما ذلك كله إلا لإيهام الناس بأن النسخ مختلفة.
وبناءُ هذا الاختلاف المزعوم المختلق هو أن هذا الحديث موجود في سنن أبي داود مع شرحه "بذل المجهود" للشيخ خليل أحمد السهارنفوري، في باب "قنوت الوتر" بلفظ "عشرين ليلة"، ومكتوب في الحاشية "في نسخة "ركعة"، كذا في نسخة مقروءة على الشيخ مولانا محمد إسحاق رحمه الله تعالى". ولكنه لم يُذكر من القائل لهذا القول؟ ومن الذي رأى تلك النسخة المقروءة على الشيخ محمد إسحاق؟ وأين هذه النسخة القيمة؟ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى [النجم:23]
وهذه نبذة يسيرة مما ارتكبه الديوبندية في كتاب الله وحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام، من تحريف وتأويل، تأييداً لمذهبهم الفقهي، وردّاً على غيرهم في المسائل الفرعية. ومن الصعب جداً أن نذكر في هذه العجالة كل ما اطلعنا عليه من مثل هذه التحريفات، ومن أراد المزيد على ما ذكرناه فليراجع الكتب والمؤلفات الأخرى في هذا الموضوع.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 265 - 270
المبحث الأول: الرد على عقيدة وحدة الوجود
لقد وجه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال حول حديث ((كنت سمعه الذي يسمع به .... )) الذي يستدل به الصوفية على موقفهم الخاطئ، وفيما يلي نص السؤال والجواب: السؤال: ما معنى قوله تعالى في الحديث القدسي: ((فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها)) (1)؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
الجواب: إذا أدى المسلم ما فرض عليه ثم اجتهد في التقرب إلى الله تعالى بنوافل الطاعات واستمر على ذلك وسعه أحبه الله تعالى، وكان عونا له في كل ما يأتي ويذر، فإذا سمعه كان مسدداً من الله في سمعه فلا يستمع إلا الخير ولا يقبل إلا الحق وينزاح عنه الباطل، وإذا أبصر بعينه أو قلبه أبصر بنور من الله فكان في ذلك على هدى من الله وبصيرة نافذة بتأييد الله وتوفيقه، فيرى الحق حقاً والباطل باطلاً، وإذا بطش بشيء بطش بقوة من الله فكان بطشه من بطش الله نصرة للحق، وإذا مشى فكان مشيه في طاعة الله طلباً للعلم وجهاداً في سبيل الله، وبالجملة كان عمله بجوارحه الظاهرة والباطنة بهداية من الله وقوة منه سبحانه. وبهذا يتبين أنه ليس في الحديث دليل على حلول الله في خلقه أو اتحاده بأحد منهم، ويرشد إلى ذلك ما جاء في آخر الحديث من قوله تعالى: ((ولئن استعاذ بي لأعيذنه)) وما جاء في بعض الروايات من قوله: "فبي يسمع وبي يبصر .. إلخ" فإن ذلك إرشاد إلى المراد في أول الحديث وتصريح بسائل ومسؤول ومستعيذ ومعيذ ومستعين ومعين، وهذا الحديث نظير الحديث القدسي الآخر، يقول الله تعالى: ((عبدي مرضت فلم تعدني .. الخ)) (2) فكل منهما يشرح آخره أوله، لكن أرباب الهوى يتبعون ما تشابه من النصوص ويعرضون عن المحكم منها فضلوا سواء السبيل".
هذا، وجاء في فتاوى ابن العثيمين:"المثال التاسع: ذكر فضيلتكم قوله - تعالى - في الحديث القدسي ((ولا يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشى بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)) (3)
وهذا حديث صحيح خرجه البخاري في (صحيحه) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله، صلى الله عليه وسلم إن الله قال: ((من عادي لي ولياً فقد آذنته بالحرب)) وذكر تمام الحديث.
ولا ريب أنه لا يراد من الحديث أن يكون الله - تعالى وتقدس - عين سمع الولي، وبصره، ويده، ورجله، ولا يمكن أن يقال إن هذا ظاهر الحديث لمن تدبره تدبراً جيداً حتى يقال إنه يحتاج إلى التأويل بصرفه عن ظاهره، فإن في سياق الحديث ما يمنع القول بهذا، وذلك أن الله - تعالى - قال فيه: ((وما يزال عبدي يتقرب إلىّ بالنوافل حتى أحبه)). وقال: ((ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه)). فأثبت عبداً ومعبوداً. ومتقرباً ومتقرباً إليه. ومحباً ومحبوباً، وسائلاً ومسئولاً. ومعطياً ومعطى. ومستعيذاً ومستعاذاً به. ومعيذا ومعاذاً. فسياق الحديث يدل على اثنين متباينين، كل واحد منهما غير الآخر. وعلى هذا فيمتنع أحدهما أن يكون وصفاً في الآخر، أو جزءاً من أجزائه، ولا يمكن لأحد أن يفهم هذا الفهم من مثل هذا السياق أبداً. اللهم إلا أن يكون بليد الفكر، أو معرضاً عن التدبر، أو ذا هوى أعماه.
_________
(1) رواه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة.
(2) رواه مسلم (2569) من حديث أبي هريرة.
(3) رواه البخاري (6502) من حديث أبي هريرة
ولا يفهم أحد من مثل هذا السياق - إذا تدبره وكان ذا فكر سليم - إلا أن المراد به تسديد الله - تعالى - للعبد إدراكاً وعملاً، بحيث يكون إدراكه بسمعه وبصره بالله ولله وفي الله، وكذلك عمله بجوارحه فيتم له بذلك كمال الاستعانة والإخلاص، والمتابعة غاية التوفيق. وهذا ما فسره به السلف وهو تفسير مطابق للفظ متعين بالسياق، وليس فيه تأويل ولا صرف للكلام عن ظاهره ولله الحمد والمنة".
وجاء فيه أيضاً والشيخ يذكر ثلاثة أقسام للفناء:
"القسم الثاني: صوفي بدعي وهو: الفناء عن شهود السوي أي عن شهود ما سوى الله تعالى، وذلك أنه بما ورد على قلبه من التعلق بالله عز وجل وضعفه عن تحمل هذا الوارد ومقاومته، غاب عن قلبه كل ما سوى الله عز وجل ففني بهذه الغيبوبة عن شهود ما سواه، ففني بالمعبود عن العبادة وبالمذكور عن الذكر، حتى صار لا يدري أهو في عبادة وذكر أم لا، لأنه غائب عن ذلك بالمعبود والمذكور لقوة سيطرة الوارد على قلبه.
وهذا فناء يحصل لبعض أرباب السلوك، وهو فناء ناقص من وجوده:
الأول: أنه دليل على ضعف قلب الفاني، وأنه لم يستطع الجمع بين شهود المعبود والعبادة، والأمر والمأمور به، وأعتقد أنه إذا شاهد العبادة والأمر اشتغل به عن المعبود والآمر، بل إذا ذكر العبادة والذكر كان ذلك اشتغالاً عن المعبود والمذكور.
الثاني: أنه يصل بصاحبه إلى حال تشبه حال المجانين والسكارى حتى إنه ليصدر عنه من الشطحات القولية والفعلية المخالفة للشرع ما يعلم هو وغيره غلطه فيها، كقول بعضهم في هذه الحال: "سبحاني .. سبحاني أنا الله. ما في الجبة إلا الله أنصب خيمتي على جهنم" ونحو ذلك من الهذيان والشطح.
الثالث: أن هذا الفناء لم يقع من المخلصين الكمل من عباد الله، فلم يحصل للرسل، ولا للأنبياء، ولا للصديقين والشهداء. فهذا رسول الله، صلى الله عليه وسلم، رأى ليلة المعراج من آيات الله اليقينية ما لم يقع لأحد من البشر وفي هذه الحال كان، صلى الله عليه وسلم، على غاية من الثبات في قواه الظاهرة والباطنة كما قال الله تعالى عن قواه الظاهرة: مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى [النجم:17]. وقال عن قواه الباطنة: مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى [النجم:11] وهاهم الخلفاء الراشدون أبو بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم أفضل البشر بعد الأنبياء وسادات أوليائهم لم يقع لهم مثل هذا الفناء، وهاهم سائر الصحابة مع علو مقامهم وكمال أحوالهم لم يقع لهم مثل هذا الفناء.
وإنما حدث هذا في عصر التابعين فوقع منه من بعض العباد والنساك ما وقع، فكان منهم من يصرخ، ومنهم من يصعق، ومنهم من يموت وعرف هذا كثيراً في بعض مشايخ الصوفية.
ومن جعل هذا نهاية السالكين فقد ضل ضلالاً مبيناً، ومن جعله من لوازم السير إلى الله فقد أخطأ.
وحقيقته: أنه من العوارض التي تعرض لبعض السالكين لقوة الوارد على قلوبهم وضعفها عن مقاومته، وعن الجمع بين شهود العبادة والمعبود ونحو ذلك.
القسم الثالث: فناء إلحادي كفري وهو: الفناء عن وجود السوي، أي عن وجود ما سوى الله عز وجل، بحيث يرى أن الخالق عين المخلوق، وأن الموجود عين الموجد، وليس ثمة رب ومربوب، وخالق ومخلوق، وعابد ومعبود وآمر ومأمور، بل الكل شيء واحد وعين واحدة.
وهذا فناء أهل الإلحاد القائلين بوحدة الوجود كابن عربي، والتلمساني وابن سبعين، والقونوي ونحوهم ... وهؤلاء أكفر من النصارى من وجهين:
أحدهما: أن هؤلاء جعلوا الرب الخالق عين المربوب المخلوق وأولئك النصارى جعلوا الرب متحداً بعبده الذي اصطفاه بعد أن كانا غير متحدين.
الثاني: أن هؤلاء جعلوا اتحاد الرب سارياً في كل شيء، في الكلاب والخنازير والأقذار والأوساخ. وأولئك النصارى خصوه بمن عظموه كالمسيح، وتصور هذا القول كاف في رده، إذ مقتضاه: أن الرب والعبد شيء واحد، والآكل والمأكول شيء واحد، والناكح والمنكوح شيء واحد، والخصم والقاضي شيء واحد، والمشهود له وعليه والشاهد شيء واحد، وهذا غاية ما يكون من السفه والضلال.
قال الشيخ رحمه الله: ويذكر عن بعضهم أنه كان يأتي ابنه ويدعي أنه الله رب العالمين: فقبح الله طائفة يكون إلهها الذي تعبده هو موطوءها الذي تفترشه.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 43 - 48
المبحث الثاني: الرد على عقيدة تصور المشايخ:
يقول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري - رحمه الله - رداً على ما قاله الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي:
"قلت: ما ذكر في هذه الجملة من الهوس فإنما هو من تضليل الشيطان له، وتمكنه من إغوائه، بحيث كان الشيطان يخيل إليه أن وجه الشيخ إمداد الله كان في قلبه ثلاث سنوات كاملة، وأنه ما فعل شيئاً بغير إذنه، وكان الشيطان يخيل إليه أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في قلبه هذه السنوات التي زعم أنها كانت له مع شيخه إمداد الله، وأنه ما فعل شيئاً بدون سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عنه!! ولا يخفى ما في هذا الكلام من مخالفة العقل الصحيح.
وعلى هذا؛ فإنه ينبغي أن تضم هذه الجملة إلى أخبار الحمقى والمجانين".
كما حكى العلامة الدكتور محمد تقي الدين الهلالي عن نفسه قبل أن يعتنق بمذهب السلف، فقال:
" ... وهذا النوع من الشرك مشهور عند المتصوفة أصحاب الطرائق القِدَدِ. وأنا بنفسي حين طلبت الورد من الشيخ عبدالكريم المنصوري لأبايعه على الدخول في الطريقة التجانية لقّنني الأذكار وهي "لا إله إلا الله" مائة مرة، "أستغفر الله" مائة مرة، الصلاة على النبي بصلاة الفاتح مائة مرة، قال لي "وإذا شرعت في الذكر فلتكن مستقبل القبلة، جالساً كجلوسك للتشهد، مغمض العينين، لا تتكلم مع أحد ما دمت تذكر، وتصور بقلبك صورة شيخك الشيخ أحمد التجاني، وجهه أبيض، مشرب بحمرة، وله لحية بيضاء، على رأسه عمامة، فكنت أفعل ذلك، وهو شرك وكفر، ولكن التجانيين لا يؤمرون بذلك في الصلاة، فهؤلاء زادوا على شركهم فنعوذ بالله من الضلال، فإن من ترك الكتاب والسنة واستبدلهما بأوهام المتصوفة لم يبق له دين ولا عقل، كما قال الشافعي رحمه الله: "لو أن رجلاً صاحب الصوفية من الصبح إلى الظهر لذهب عقله". قال محمد تقي الدين: وكذلك دينه وماله يذهبان أيضا ذلك وهو الإفلاس العظيم".
وقد ذكر الدكتور الهلالي نفس هذه القصة - قصة أخذ الورد من الشيخ عبدالكريم المنصوري - في موضع آخر في كتابه بشيء من التفصيل، وذلك رداً على الشيح حسين أحمد المدني فقال:
مقصوده بأذكار الأولياء الأوراد التي يعطيها شيوخ التصوف أتباعهم ويسمونها أوراداً، وهي حبال يربطون بها أتباعهم، وقد أخذت أحد هذه الأوراد وهو ورد الطريقة التيجانية وبقيت فيه تسع سنين، وفي السنة الأخيرة صرت مقدما، وبعد انقضاء تسع سنين سافرت من وجدة إلى فاس لزيارة قبر الشيخ أحمد التيجاني واعتكفت عنده ثلاثة أيام وأنشدته ثلاث قصائد، طلبت منه فيها خير الدنيا والآخرة، وكان ذلك في أوائل ربيع الأول سنة 1338هـ. وبعد ذلك جمعني الله تعالى بأستاذي شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي الذي أخرجني الله بدعوته من ظلمات الشرك إلى نور التوحيد والسنة، فإن قلت: وهل أخذ الورد يسمى شركاً؟ فالجواب: سأحكي لك كيف أخذت الورد وتول أنت الحكم. كان عمري حين أخذت الورد عشرين سنة فتوجهت إلى الشيخ عبدالكريم المنصوري وقلت له أريد أن تعطيني ورد الطريقة التيجانية فذهب بي إلى مكان بعيد من السوق وجلسنا على الأرض وقال لي: أبشر بخير فإن هذا الورد فيه فضائل كبيرة، منها: أن صاحبه إذا داوم عليه إلى الموت يدخل الجنة بلا حساب ولا عقاب، هو ووالده وأولاده وأزواجه، والحفدة، وهنالك فضائل أخرى ستجدها في كتب الطريقة، فقال لي: إذا جلست لذكر الورد يجب أن تكون على طهارة تامة. طهارة الحدث، وطهارة الخبث، وأن تجلس كجلوسك للتشهد، مستقبل القبلة، ولا تتكلم في أثناء الذكر، وإن غمضت عينيك فهو أحسن، وتصور أمامك صورة الشيخ أحمد التيجاني، ووجهه، أبيض مشرب بحمرة، ولحيته بيضاء، وعلى رأسه عمامة، وتصور أن عمودا من النور يخرج هن قلبه ويدخل قلبك، وهذا يسمونه الاستمداد، وهذا العمود الذي زعم أنه يخرج من قلب الشيخ ويدخل في قلبي ينور القلب ويشرح الصدر، ويثبت الإيمان وهذا كفر، لأن من اعتقد أن هداية القلوب يقدر عليها ملك، أو نبي، أو صالح، فهو كافر. ومن المعلوم أن أبا طالب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم كان يحسن إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة الأب من حين كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين إلى أن صار عمره خمسين سنة، وتحمل الشدائد والآلام والجوع والمقاطعة في نصرة النبي صلى الله عليه وسلم، ومع ذلك حين حضرته الوفاة ذهب إليه النبي صلى الله عليه وسلم ووجد عنده أبا جهل بن هشام وعبدالله بن أبي أمية، فدنا منه وقال له يا عم: قل: "لا إله إلا الله كلمة أحاج له بها عند الله". فقال له الرجلان المذكوران وهما من شرار كفار مكة: أترغب عن دين عبدالمطلب؟ يعنيان: كيف تترك دين أبيك وأسلافك وتدخل في دين جديد وأنت سيد قريش؟ فكلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم ((يا عم: قل: لا إله إلا الله)) أعادا عليه مقالهما. فكان آخر كلامه هو أن قال: هو على دين عبدالمطلب. فمات كافراً. فحزن عليه النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مات كافراً، فأنزل الله تعالى عليه قوله إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ [القصص:56]. وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك)) فاستغفر له حتى أنزل الله تعالى عليه من سورة التوبة: مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُواْ أُوْلِي قُرْبَى مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ [التوبة:113] فترك النبي صلى الله عليه وسلم الاستغفار لعمه (1).
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يدخل الهداية في قلب عمه الذي هو صنو أبيه، كيف يستطيع شيخ الطريقة أن ينوّر بذلك العمود المكذوب قلب المريد؟ فمن زعم أن غير الله تعالى- وإن كان ملكا أو نبيًّا- يقدر على هداية القلوب فهو كافر، مشرك".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص51 - 55
_________
(1) رواه البخاري (1360) ومسلم (24) من حديث المسيب بن حزن.
المبحث الثالث: الرد على ما ابتدعوه من أوراد وأشغال صوفية
لقد وجه إلى اللجنة الدائمة سؤال عن حكم الطرق والأوراد الصوفية، وفيما يلي نصه وجواب اللجنة عليه:
السؤال: حكم الطرق الصوفية والأوراد التي نظموها ورتبوها قبل صلاة الفجر وبعد صلاة المغرب، وحكم من زعم أنه رأى النبي يقظة وسلم عليه بقوله: السلام عليك يا عين العيون وروح الأرواح؟.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه ... وبعد:
الجواب: الطرق والأوراد التي ذكرتها طرق وأوراد محدثة مبتدعة، ومن جملتها طريقة التيجانية والكتانية، ولا يشرع من أورادهم إلا ما وافق الكتاب والسنة الصحيحة.
كلام الشيخ حسين أحمد المدني المذكور سابقاً:
"مقصوده أن يعيب على أهل السنة إنكارهم لبدعة المولد المأخوذة من النصارى في أواسط القرن الرابع الهجري، أخذها منهم أبو القاسم العزفي من أهل سبتة، ولم يأخذها من بعيد؛ فإن سبتة مجاورة للأندلس، وأهلها نصارى.
فيقال له: هذا المولد المقتبس من النصارى؛ من أحدثه؟ هل هو سنة أو بدعة؟ هل فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعون أو الأئمة المجتهدون أو أهل الحديث، كالسفيانين وعبد الله بن المبارك ومالك وأحمد والبخاري ومسلم؟ حاشاهم من ذلك".
وأما قول حسين أحمد: "وقياساً على هذا يرون أذكار الأولياء أمراً قبيحاً".
فقد قال الهلالي في الرد عليه: مقصوده بأذكار الأولياء الأوراد التي يعطيها شيوخ التصوف أتباعهم ويسمونها أوراداً، وهي حال يربطون بها أتباعهم".
إلى أن قال: "ثم قال لحسين أحمد مطية الاستعمار الهندي: هذه الأذكار التي نسبتها لأوليائك - أولياء الشيطان -: هل جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم وعلمها أمته وورثها إياهم، أم هي وحي أنزل على أولئك الأولياء لا يعرفه النبي صلى الله عليه وسلم؟
فإن قال: هي مما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وورثها أمته؛ صار أخذ الإذن فيها بدعة، وإنما يعلم أهل العلم ألفاظها ومعانيها، ولا تحتاج إلى إذن؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أعطاها أمته وأذن لها فيها.
ومن ضلالات المتصوفة أنهم يقولون: إن الذكر إذا أخذ بالإذن من الشيخ يكون أجره أعظم، وإذا لم يؤخذ الإذن من الشيخ يكون أجره أقل.
فمن ذلك قول التجانيين عن شيخهم - بزعمهم -: إن صلاة الفاتح لما أغلق إذا أخذت بالإذن من الشيخ أو ممن أذن له الشيخ؛ تعدل ستة آلاف ختمة من القرآن، وإذا ذكرت بغير إذن؛ فهي كسائر الصلوات، لا فضل لها على غيرها!
فإذا أنكر الموحدون أوراد شيوخ التصوف؛ فإنما أنكروا البدع المحدثة، فمتى أعطى أبو بكر الصديق ورداً؟! ومتى أعطى عمر ورداً؟! وكذلك يقال في عثمان وعلي وسائر الصحابة؟! وهل كانت في الصحابة طرق: طريقة بكرية، وطريقة عمرية، وطريقة عثمانية، وطريقة علوية، وطريقة جابرية، وطريقة مسعودية؟! سبحانك هذا بهتان عظيم.
فحسين أحمد يعيب الموحدين لمحافظتهم على سنة النبي صلى الله عليه وسلم ومحاربتهم البدع، فإذا عبرنا بمحبة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وترك البدع؛ فقد مدحنا من حيث يريد ذمّنا".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص60 - 62
المبحث الرابع: الرد على ما جاء في دلائل الخيرات والبردة والهمزية
يقول الشيخ حمود بن عبد الله التويجري رداً على كلام الشيخ حسين أحمد المدني السابق ما نصه:
"وأما قراءة "دلائل الخيرات" وقصيدتي "البردة" و"الهمزية"، وجعلها ورداً؛ فهو أمر قبيح جدًّا؛ لما في هذه الثلاث من الغلو والإطراء الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عنه ويشدد فيه، بل إن قصيدتي "البردة" و"الهمزية" قد اشتملتا على الشرك الأكبر، الذي هو أعظم الظلم وأقبح المنكرات وأشد المحرمات تحريماً، فلا يجعل هاتين القصيدتين و"دلائل الخيرات" ورداً إلا من هو مفتون بالشرك والبدع والغلو والإطراء.
وقد قال الدكتور محمد تقي الدين الهلالي في الرد على حسين أحمد: "أما دلائل الجهالات والضلالات الذي سميته "دلائل الخيرات"؛ ففيه ضلالات كثيرة:
منها قوله في ثلاثة مواضع: "اللهم صل على سيدنا محمد عدد معلوماتك وأضعاف ذلك".
وقوله: "اللهم صل على سيدنا محمد حتى لا يبقى من الصلاة شيء".
وقوله: "اللهم ارحم سيدنا محمداً حتى لا يبقى من الرحمة شيء، اللهم بارك على سيدنا محمد حتى لا يبقى من البركة شيء".
فجعل معلومات الله معلومات محدودة، وعدل عن الصلاة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم جميع المسلمين، واقتصر عليها أصحابه والتابعون لهم بإحسان، وأحدث بدعة، وألف كتاباً يتلى كما يتلى القرآن، وابتدع زيادة: "سيدنا".
ولله درُّ الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني إذ يقول في مدح شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب:
وحرق عمدا للدلائل دفتراً ... أصاب ففيها ما يجل عن العد
علو نهى عنه الرسول وفرية ... بلا مرة فاتركه إن كنت تستهدي
أحاديث لا تغزي إلى عالم فلا ... تساوي فليسا إن رجعت إلى النقد
وصيرها الجهال للذكر ضرة ... ترى درسها أزكى لديهم من الحمد
لقد سرني ما جاءني من طريقه ... وكنت أرى هذي الطريقة لي وحدي
قال الهلالي: "وأما "البردة" و"الهمزية"؛ ففيها من الشرك والضلال ما لا يرتضيه إلا كل مشرك دجال؛ فمنها قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
وقوله:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
فماذا بقي لله تعالى؟! قاتل الله الغلاة المشركين.
وفي "الهمزية" قوله:
يا رحيما بالمؤمنين إذا ما ... ذهلت عن أبنائها الرحماء
يا شفيعا في المذنبين إذا أشفـ ... ـق من خوف ذنبه البرآء
جد لعاص وما سواي هو الـ ... ـعاصي ولكن تنكري استحياء
وتداركه بالعناية ما دام له ... بالذمام منك ذماء
وهذا شرك صريح وبهتان قبيح، لا يستسيغه إلا كل قلب مريض؛ مثل قلب حسين أحمد نصير الشرك والوثنية" انتهى.
وقال الشيخ عبدالرحمن بن حسن ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد): "وقد اشتهر في نظم البوصيري قوله:
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به ... سواك عند حلول الحادث العمم
وما بعده من الأبيات التي مضمونها إخلاص الدعاء واللياذ والرجاء والاعتماد في أضيق الحالات وأعظم الاضطرار لغير الله، فناقضوا الرسول صلى الله عليه وسلم بارتكاب ما نهى عنه أعظم مناقضة، وشاقوا الله ورسوله أعظم مشاقة، وذلك أن الشيطان أظهر لهم هذا الشرك العظيم في قالب محبة النبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، وأظهر لهم التوحيد والإخلاص الذي بعثه الله به في قالب تنقيصه، وهؤلاء المشركون هم المتنقصون الناقصون، أفرطوا في تعظيمه بما نهاهم عنه أشد النهي، وفرطوا في متابعته فلم يعبؤوا بأقواله وأفعاله، ولا رضوا بحكمه، ولا سلموا له، وإنما يحصل تعظيم الرسول صلى الله عليه وسلم؛ بتعظيم أمره ونهيه، والاهتداء بهديه، واتباع سنته والدعوة إلى دينه الذي دعا إليه، ونصرته، وموالاة من عمل به، ومعاداة من خالفه، فعكس أولئك المشركون ما أراد الله ورسوله علماً وعملاً، وارتكبوا ما نهى الله عنه ورسوله؛ فالله المستعان" انتهى كلامه رحمه الله.
وذكر الشيخ سليمان بن عبدالله ابن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب في كتابه (تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد) قول البوصيري:
إن من جودك الدنيا وضرتها ... ومن علومك علم اللوح والقلم
ثم قال "فجعل الدنيا والآخرة من جوده، وجزم بأنه يعلم ما في اللوح المحفوظ، وكل ذلك كفر صريح!
ومن العجب أن الشيطان أظهر لهم ذلك في صورة محبته عليه السلام وتعظيمه ومتابعته، وهذا شأن اللعين، لابد أن يمزج الحق بالباطل؛ ليروج على أشباه الأنعام، أتباع كل ناعق، الذين لم يستضيئوا بنور العلم، ولم يلجؤوا إلى ركن وثيق".
إلى أن قال: "وبالجملة؛ فالتعظيم النافع هو: التصديق بما أخبر، وطاعته فيما أمر، والانتهاء عما عنه نهى وزجر، والموالاة والمعاداة والحب والبغض لأجله، وتحكيمه وحده، والرضى بحكمه، وأن لا يتخذ من دونه طاغوت يكون التحاكم إلى أقواله، فما وافقها من قوله صلى الله عليه وسلم؛ قبله، وما خالفها؛ رده، أو تأوله، أو أعرض عنه" انتهى.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 65 - 68
المبحث الخامس: الرد على اعتقادهم جواز الاستغاثة بغير الله
لقد وجّه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، سؤال في هذا الموضوع، وفيما يلي نص السؤال والجواب:
السؤال: هل يمكن أن يعين ولي من أولياء الله أحداً من بعيد، مثلاً يسكن رجل في الهند ويسكن ولي في السعودية، فهل يمكن أن يعين السعودي الهندي إعانة بدنية مع أن السعودي موجود في السعودية والهندي موجود في الهند؟
الجواب: يمكن أن يعين الأحياء من الأولياء وغير الأولياء من استعان بهم في حدود الأسباب العادية، ببذل المال أو شفاعة عند ذوي سلطان مثلاً أو إنقاذ من مكروه ونحو ذلك من الوسائل التي هي في طاقة البشر، حسب ما هو معتاد ومعروف بينهم.
أما ما كان فوق قوى البشر من الأسباب غير العادية، كالمثال الذي ذكره السائل، فليس ذلك إلى العباد، بل هو إلى الله وحده لا شريك له، فهو القادر على كل شيء، وهو الذي إليه السنن الكونية، يمضي منها ما شاء أو يخرق منها ما شاء، ولهذا كانت له دعوة الحق وإليه الملجأ وحده وبه العون دون سواه، فإنه وحده الذي أحاط بكل شيء علماً ووسع كل شيء حكمة ورحمة. ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير. قال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف:5 - 6]. وقال تعالى: إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:14]. وعلمنا في سورة الفاتحة أن نقول: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]. كما أمرنا النبي، صلى الله عليه وسلم، ألا نسأل إلا الله ولا نستعين إلا به بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله)) (1).
وجاء أيضاً في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي:
"الاستعانة بالحي الحاضر القادر فيما يقدر عليه جائزة، كمن استعان بشخص فطلب منه أن يقرضه نقوداً أو استعان به في يده أو جاهه عند سلطان لجلب حق أو دفع ظلم.
والاستعانة بالميت شرك وكذلك الاستعانة بالحي الغائب شرك؛ لأنهم لا يقدرون على تحقيق ما طلب منهم لعموم قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وقوله سبحانه: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ [يونس:106] وقوله عز وجل: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13 - 14]. والآيات في هذا المعنى كثيرة والله المستعان.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 74 - 76
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - عمن يزور القبور ويدعو الأموات وينذر لهم ويستغيث بهم ويستعين بهم، لأنهم كما يزعم أولياء لله، فما نصيحتكم لهم؟
فأجاب بقوله: "نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره، فهذه القبور التي يُزعم أن فيها أولياء تحتاج:
_________
(1) رواه الترمذي (2516) وقال: صحيح. وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 459): حسن جيد
أولا: إلى إثبات أنها قبور إذ قد يوضع شيء يشبه القبر ويقال هذا قبر فلان، كما حدث ذلك مع أنه ليس بقبر.
ثانياً: إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله لأننا لا نعلم هل هم أولياء لله أم أولياء للشيطان.
ثالثاً: إذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم، أو دعائهم، أو الاستغاثة بهم، والاستعانة بهم، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للعبرة والدعاء لهم فقط، على أنه إن كان في زيارتهم فتنة أو خوف فتنة بالغلو فيهم، فإنه لا تجوز زيارتهم دفعاً للمحظور ودرءاً للمفسدة.
فأنت أيها الإنسان حكم عقلك، فهذه الأمور الثلاثة التي سبق ذكرها لابد أن تتحقق وهي:
أ- ثبوت القبر.
ب- ثبوت أنه ولي.
ج- الزيارة لأجل الدعاء لهم. فهم في حاجة إلى الدعاء مهما كانوا، فهم لا ينفعون ولا يضرون، ثم إننا قلنا إن زيارتهم من أجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محظوراً.
أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة، يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار".
كما سئل فضيلته عن حكم دعاء أصحاب القبور، فأجاب بقوله: "الدعاء ينقسم إلى قسمين.
القسم الأول: دعاء عبادة، ومثاله الصلاة، والصوم وغير ذلك من العبادات، فإذا صلى الإنسان، أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له، وأن يجيره من عذابه، وأن يعطيه من نواله، ويدل لهذا قوله - تعالى -: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]. فجعل الدعاء عبادة، فمن صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفراً مخرجاً عن الملة، فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركاً خارجاً عن الإسلام، ولهذا منع النبي، صلى الله عليه وسلم، من الانحناء عند الملاقاة سدّاً لذريعة الشرك، فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له؟ قال: "لا". وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه.
القسم الثاني: دعاء المسألة، وهذا ليس كله شركاً بل فيه تفصيل: أولاً: إن كان المدعو حيّاً قادراً على ذلك فليس بشرك، كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك، قال، صلى الله عليه وسلم: ((من دعاكم فأجيبوه)) (1). قال الله - تعالى -: وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُوْلُواْ الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ [النساء:8] فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي: أعطني فهو جائز كما قال - تعالى -: فَارْزُقُوهُم مِّنْهُ [النساء:8].
ثانيا: إن كان المدعو ميتاً فإن دعاءه شرك مخرج عن الملة.
ومع الأسف أن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلاناً المقبور الذي بقي جثة أو أكلته الأرض ينفع أو يضر، أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له، وهذا - والعياذ بالله - شرك أكبر مخرج عن الملة، وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر، والزنا، واللواط؛ لأنه إقرار على كفر، وليس إقراراً على فسوق فقط، فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين".
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة ما يلي:
_________
(1) رواه أبو داود (1672) وأحمد (2/ 68) (5365). والحاكم (1/ 572) (1502) والحديث سكت عنه أبو داود, وقد قال في ((رسالته لأهل مكة)) كل ما سكت عنه فهو صالح. وقال الحاكم صحيح على شرط الشيخين وقال النووي في ((الأذكار)) (458): صحيح. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (5/ 250): صحيح.
السؤال: رجل يعيش في جماعة تستغيث بغير الله، هل يجوز له الصلاة خلفهم وهل تجب الهجرة عنهم وهل شركهم شرك غليظ وهل موالاتهم كموالاة الكفار الحقيقيين؟ الجواب: إذا كانت حال من تعيش بينهم كما ذكرت من استغاثتهم بغير الله، كالاستغاثة بالأموات والغائبين عنهم من الأحياء أو بالأشجار أو الأحجار أو الكواكب ونحو ذلك فهم مشركون شركاً أكبر يخرج من ملة الإسلام، لا تجوز موالاتهم كما لا تجوز موالاة الكفار، ولا تصح الصلاة خلفهم ولا تجوز عشرتهم ولا الإقامة بين أظهرهم إلا لمن يدعوهم إلى الحق على بينة، ويرجو أن يستجيبوا له وأن تصلح حالهم دينياً على يديه، وإلا وجب عليه هجرهم والانضمام إلى جماعة أخرى يتعاون معها على القيام بأصول الإسلام وفروعه وإحياء سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فإن لم يجد اعتزل الفرق كلها ولو أصابته شدة، لما ثبت عن حذيفة، رضي الله عنه، أنه قال: ((كان الناس يسألون رسول الله، صلى الله عليه وسلم، عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه. فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. فقلت: فهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي ويهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. فقلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم دعاة على أبواب جنهم من أجابهم إليها قذفوه فيها. فقلت: يا رسول الله صفهم لنا. قال: نعم هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: يا رسول الله فما تأمرني إن أدركني ذلك. قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. فقلت: فإن لم تكن لهم جماعة ولا إمام. قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض على أصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) (1).متفق على صحته. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص82 - 86
لقد وجه إلى اللجنة الدائمة سؤال، فيما يلي نصه وجواب اللجنة الدائمة:
السؤال: نداء ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم في كل حاجة والاستعانة به في المصائب والنوائب من قريب أعني عند قبره الشريف أو من بعيد أشركٌ قبيح أم لا؟
الجواب: دعاء النبي صلى الله عليه وسلم ونداؤه والاستعانة به بعد موته في قضاء الحاجات وكشف الكربات شرك أكبر يخرج من ملة الإسلام سواء كان ذلك عند قبره أم بعيداً عنه، كأن يقول يا رسول الله اشفني أو رد غائبي أو نحو ذلك، لعموم قوله تعالى: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وقوله عز وجل: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117] وقوله عز وجلّ: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر:13 - 14].
كما قالت اللجنة إجابة على سؤال آخر وجّه إليها:
_________
(1) رواه البخاري (3606) ومسلم (1847).
"نداء الإنسان رسول الله صلى الله عليه وسلم أو غيره كعبد القادر الجيلاني أو أحمد التيجاني عند القيام أو القعود والاستعانة بهم في ذلك أو نحوه لجلب نفع أو دفع ضر نوع من أنواع الشرك الأكبر الذي كان منتشراً في الجاهلية الأولى، وبعث الله رسله عليهم الصلاة والسلام ليقضوا عليه وينقذوا الناس منه ويرشدوهم إلى توحيد الله سبحانه وإفراده بالعبادة والدعاء، وذلك أن الاستعانة فيما وراء الأسباب العادية لا تكون إلا بالله تعالى؛ لأنها عبادة فمن صرفها لغيره تعالى فهو مشرك، وقد أرشد الله عباده إلى ذلك فعلّمهم أن يقولوا: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18]. وبين لهم أنه وحده بيده دفع الضر وكشفه وإسباغ النعمة وإفاضة الخير على عباده وحفظ ذلك عليهم، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا راد لما قضى وهو على كل شيء قدير، قال تعالى: وَلاَ تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لاَ يَنفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يونس:106 - 107]
وقال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين وهو يجيب على سؤال وجّه إليه:"ومن استغاث برسول الله صلى الله عليه وسلم، معتقداً أنه يملك النفع والضر فهو كافر مكذب لله تعالى مشرك به لقوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60] وقوله تعالى: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:21 - 22]. وقوله، صلى الله عليه وسلم، لأقاربه: ((لا أغني عنكم من الله شيئاً)) (1) كما قال ذلك لفاطمة وصفية عمة رسول الله، صلى الله عليه وسلم.
ولا تجوز الصلاة خلف هذا الرجل ومن كان على شاكلته ولا تصح الصلاة خلفه ولا يحل أن يجعل إماما للمسلمين".
وقال فضيلته إجابة على سؤال وجّه إليه، وهو يذكر أقسام المديح للنبي صلى الله عليه وسلم:"والقسم الثاني: من مديح الرسول، صلى الله عليه وسلم، قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي، صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله)) (2). فمن مدح النبي، صلى الله عليه وسلم، بأنه غياث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين، وأنه مالك الدنيا والآخرة، وأنه يعلم الغيب وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة، فلا يجوز أن يمدح الرسول، عليه الصلاة والسلام، بما يصل إلى درجة الغلو لنهي النبي، صلى الله عليه وسلم، عن ذلك.
كما سئل فضيلته عن أنواع الشرك فقال:
" ... والشرك نوعان: شرك أكبر مخرج عن الملة، وشرك دون ذلك.
_________
(1) رواه البخاري (2753) ومسلم (206).
(2) رواه البخاري (3445) من حديث عمر.
النوع الأول: الشرك الأكبر وهو: "كل شرك أطلقه الشارع وهو يتضمن خروج الإنسان عن دينه" مثل أن يصرف شيئاً من أنواع العبادة لله - عز وجل - لغير الله، كأن يصلي لغير الله، أو يصوم لغير الله، أو يذبح لغير الله، وكذلك من الشرك الأكبر أن يدعو غير الله - عز وجلّ - مثل أن يدعو صاحب قبر، أو يدعو غائباً ليغيثه من أمر لا يقدر عليه إلا الله - عز وجل- وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم".
ومن إجابته- حفظه الله- عن حكم البناء على القبور:
"البناء على القبور محرَّم وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لما فيه من تعظيم أهل القبور وكونه وسيلة وذريعة إلى أن تعبد هذه القبور وتتخذ آلهة مع الله كما هو الشأن في كثير من الأبنية التي بنيت على القبور فأصبح الناس يشركون بأصحاب هذه القبور، ويدعونها مع الله - تعالى- ودعاء أصحاب القبور والاستغاثة بهم لكشف الكربات شرك أكبر وردّة عن الإسلام. والله المستعان".
وقال فضيلته فيمن يزور القبور ويدعو الأموات ويستغيث بهم ويستعين بهم:
" ... أما من زارهم ونذر لهم وذبح لهم أو استغاث بهم، فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة يكون صاحبه به كافراً مخلداً في النار".
كما سئل فضيلته عما يقوله الناس عند الشدة: "يا محمد، أو يا علي، أو يا جيلاني" فأجاب بقوله:
"إذا كان يريد دعاء هؤلاء والاستغاثة بهم فهو مشرك شركاً أكبر مخرجاً عن الملة، فعليه أن يتوب إلى الله - عز وجل- وأن يدعو الله وحده، كما قال - تعالى-: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ [النمل:62]، وهو مع كونه مشركاً سفيه مضيع لنفسه، قال الله - تعالى-: وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:130] وقال وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5].
وسئل أيضاً عن رجل محافظ على الصلاة والصيام، وظاهر حاله الاستقامة، إلا أن له حلقات يدعو فيها الرسول صلى الله عليه وسلم، وعبد القادر، فما حكم عمله هذا؟ فأجاب بقوله:
"ما ذكره السائل يحزن القلب، فإن هذا الرجل الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، والصيام، وأن ظاهر حاله الاستقامة قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله - عز وجل- شرك أكبر مخرج عن الملة، سواء دعا الرسول، عليه الصلاة والسلام، أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأناً وأقل منه وجاهة عند الله - عز وجل- فإذا كان دعاء رسول الله، صلى الله عليه وسلم، شركاً فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر أو غير عبد القادر، والرسول عليه الصلاة والسلام، نفسه لا يملك لأحد نفعاً ولا ضرًّا قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا [الجن:21]. وقال آمراً له: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50]، وقال تعالى آمراً له: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف:188]. بل قال الله تعالى آمراً له: قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن:22]. فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟! فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله عز وجل إلا بتوبة من العبد لقوله تعالى: إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48] وصاحبه في النار لقوله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله من هذا الأمر المحبط للعمل فإن الشرك يحبط العمل قال الله تعالى: وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الزمر:65]. فليتُب إلى الله من هذا، وليتعبد لله بما شرع من الأذكار والعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه الأمور الشركية وليتفكر دائماً في قوله تعالى: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن – ص 123 - 130
المبحث السادس: الرد على تبركاتهم البدعية والشركية
يقول الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين - رحمه الله تعالى - ما نصه:
"وليعلم أن الله - عزّ وجلّ - قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور فقد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله - عزّ وجلّ - ولهذا الرجل، لأننا نعلم أن هذا القبر لا يجيب الدعاء وأن هذا التراب لا يكون سبباً لزوال ضرر أو جلب نفع، نعلم ذلك لقول الله - تعالى -: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاء وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ [الأحقاف: 5 - 6]. وقال تعالى-: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:20 - 21]. والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دُعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي، ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحانا، ونقول: إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء - أي عند دعاء هذا الذي دُعي من دون الله - لا بدعائه، وفرق بين حصول الشيء بالشيء، وبين حصول الشيء عند الشيء، فإننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سبباً لجلب النفع أو دفع الضرر بالآيات الكثيرة التي ذكرها الله - عزّ وجلّ- في كتابه ولكن قد يحصل الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحانا، والله - تعالى- قد يبتلي الإنسان بأسباب المعصية ليعلم - سبحانه وتعالى- من كان عبداً لله ومن كان عبداً لهواه، ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله - عزّ وجلّ- فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي، فطال عليهم الأمد، وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا نجعل شبكة ونضعها يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد، فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله قردة خاسئين، قال الله - تعالى-: واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ [الأعراف:163]. وقال - عزّ وجلّ-: وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَواْ مِنكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ [سورة البقرة: 65 - 66]. فانظر كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي مُنعوا من صيدها فيه ولكنهم - والعياذ بالله - لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله.
ثم انظر إلى ما حصل لأصحاب النبي، صلى الله عليه وسلم حيث ابتلاهم الله - تعالى - وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم - رضي الله عنهم - لم يجرؤوا على شيء منها قال الله - تعالى-: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ [المائدة:94]. كانت الصيود في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جداً، ولكنهم- رضي الله عنهم- خافوا الله عزّ وجلّ فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود.
وهكذا يجب على المرء إذا هيئت له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله عزّ وجلّ وأن لا يقدم على فعل هذا المحرم وأن يعلم أن تيسير أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين".
هذا، وقد سئل الشيخ- حفظه الله تعالى- عن حكم النذر والتبرك بالقبور والأضرحة، فأجاب بقوله:
"النذر عبادة لا يجوز إلا لله - عزّ وجلّ- وكل من صرف شيئاً من أنواع العبادة لغير الله فإنه مشرك كافر، قد حرّم الله عليه الجنة، ومأواه النار، قال الله - تعالى-: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ. [المائدة:72].
وأما التبرك بها: فإن كان يعتقد أنها تنفع من دون الله - عزّ وجلّ- فهذا شرك في الربوبية مخرج عن الملّة، وإن كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضالّ غير مصيب، وما اعتقده فإنه من الشرك الأصغر، فعلى من ابتلي بمثل هذه المسائل أن يتوب إلى الله - سبحانه وتعالى- وأن يقلع عن ذلك قبل أن يفاجئه الموت، فينتقل من الدنيا على أسوأ حال، وليعلم أن الذي يملك الضر والنفع هو الله سبحانه وتعالى وأنه هو ملجأ كل أحد، كما قال الله تعالى: أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62]. وبدلاً من أن يتعب نفسه في الالتجاء إلى قبر فلان وفلان، ممن يعتقدونهم أولياء، ليلتفت إلى ربه -عزّ وجلّ- وليسأله جلب النفع ودفع الضرّ، فإن الله - سبحانه وتعالى- هو الذي يملك هذا".
كما سئل فضيلته عن حكم التبرك بالقبور والطواف حولها بقصد قضاء حاجة أو تقرب، وعن حكم الحلف بغير الله، فقال:
"التبرك بالقبور حرام ونوع من الشرك وذلك لأنه إثبات تأثير شيء لم ينزل الله به سلطانا ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك، فيكون من هذه الناحية بدعة أيضاً، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيراً أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك شركاً أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة. وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود أو ذبح تقرباً له وتعظيماً له، قال الله تعالى: وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِندَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [المؤمنون:117]. وقال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا [الكهف:110]. والمشرك شركاً أكبر كافر مخلد في النار والجنة عليه حرام لقوله تعالى: إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة:72].
ويجب الإنكار على من تبرك بالقبور أو دعا المقبور أو حلف بغير الله وأن يبين له أنه لن ينجيه من عذاب الله قوله: هذا شيء أخذنا عليه، فإن هذه الحجة هي حجة المشركين الذين كذبوا الرسل وقالوا: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ [الزخرف:23] فقال لهم الرسول: أَوَلَوْ جِئْتُكُم بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَاءكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ [الزخرف:24] قال الله تعالى: فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [الزخرف:25].
ولا يحل لأحد أن يحتج لباطله بكونه وجد عليه آباءه، أو بكونه عادة له ونحو ذلك، ولو احتج بهذا فحجته داحضة عند الله تعالى لا تنفعه ولا تغني عنه شيئاً. وعلى الذين ابتلوا بمثل هذا أن يتوبوا إلى الله وأن يتبعوا الحق أينما كان وممن كان ومتى كان، وأن لا يمنعهم من قبوله عادات قومهم أو لوم عوامهم، فإن المؤمن حقاً هو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم ولا يصده عن دين الله عائق".
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 88 - 94
المبحث السابع: الرد على اعتقادهم تمثل أرواح أئمتهم والصالحين بالأجساد
يقول الشيخ حمود التويجري ردا على ما قاله التبليغيون من مجيء الرسول صلى الله عليه وسلم إلى دار العلوم بديوبند لتدقيق حساب المدرسة:"قلت: ما جاء في هذه القصة الخرافية فهو من أعظم الافتراء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى خلفائه وأصحابه، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من كذب عليَّ متعمداً؛ فليتبوأ مقعده من النار)) (1).
فلا يأمن الذين افتروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى خلفائه وأصحابه أن يكون لهم نصيب وافر من هذا الوعيد الشديد، وكذلك الذين يعتقدون صحة هذه الخرافة من التبلغيين وغيرهم لا يأمنوا أن يكون لهم نصيب وافر من الجزاء على هذه الفرية العظيمة.
كما يقول الدكتور تقي الدين الهلالي بعد ذكره لهذه القصة معلقاً عليها أخطاءهم:
"اقرؤوا أيها الناس، واعجبوا كيف يؤسس النبي صلى الله عليه وسلم مدرسة تحارب سنته وتنبذ هديه، فهي ماتريدية في العقائد، حنفية في المذهب، أسست على معصية الرسول والتفرق في الدين، لا يرضاها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون المهديون ولا أبو حنيفة رحمه الله. لأن عقيدة أبي حنيفة التي رواها عنه الثقات بعيدة كل البعد من الماتريدية والتقليد والتفرق، ولكن؛ إذا لم تستح؛ فاصنع ما شئت، وقل ما شئت".
وقال أيضا:
ولماذا يحضر النبي صلى الله عليه وسلم لتدقيق الحساب؟! هل نزلوا بالنبي صلى الله عليه وسلم حتى جعلوه حاسباً لهم نفقات المدرسة؟! وكفى بهذا سوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله ماذا يبلغ الجهل والتقليد والتعصب بأهله؟؛".
ولا شك أن القول بتمثل الأرواح في الأجساد من خرافات المتصوفة التي ابتليت به الأمة، فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم لا يخرج من قبره قبل يوم القيامة ولا يتحرك في قبره بمدِّ يَدٍ أو غيرها، فكيف بمن هو دونه، وكيف يمكن لهؤلاء الصوفية - أصحاب ديوبند - أن يتشكلوا في الأشكال بعد مماتهم ويأتوا إلى الدنيا لحل نزاع أصحابهم؟
يقول علماء اللجنة الدائمة:
"الأصل في الميت نبيًّا أو غيره أنه لا يتحرك في قبره بمد يد أو غيرها، فما قيل من أن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج يده لبعض من سلَّم عليه غير صحيح بل هو وهم وخيال لا أساس له من الصحة".
وجاء أيضاً في فتاوى اللجنة الدائمة إجابة على سؤالٍ حول رد الأرواح إلى الأجساد:
" ... ثانياً: رد روح شخص معين إلى جسده بعد قبض الله لها ممكن بقدرة الله عز وجل لكن إثبات وقوعه يحتاج إلى دليل.
ثالثاً: ورد في القرآن أدلة تدل على رد أرواح بعض المخلوقات لحكم أرادها الله تعالى، ومن ذلك ما جاء في قصة قتيل بني إسرائيل، قال تعالى: وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى [البقرة:72 - 73] الآية، ومن ذلك رد روح عزير وحماره بعد مائة سنة، قال تعالى: كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259]. ومن ذلك رده جلّ وعلا أرواح الطير في قوله تعالى: وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة:260].
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 98 - 100
_________
(1) رواه البخاري (110) ومسلم (3) من حديث أبي هريرة.
المبحث الثامن: الرد على اعتقاد تصرف أئمتهم في الكون
لقد وجّه إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء سؤال ما يلي نصه، مع إجابة اللجنة عليه:
السؤال: إنني أسمع وأرى بعيني يقولون بأن الأولياء عندهم التصرف في الدنيا في العبد ويقولون بأنهم عندهم أربعين وجهاً تراه رجلاً وتراه ثعباناً وأسداً وغير ذلك، ويذهبون عند المقابر وينامون هناك ويدلجون هناك، ويقولون بأنه يقف عندهم في المنام ويقول لهم اذهبوا فإنك شفيت فهل هذا الكلام صحيح أم لا؟
الجواب: ليس للأولياء تصرف في أحد، وما آتاهم الله من الأسباب العادية التي يؤتيها الله لغيرهم من البشر، فلا يملكون خرق العادات، ولا يمكنهم أن يتمثلوا في غير صور البشر من ثعابين أو أسود أو قرود أو نحو ذلك من الحيوان، إنما ذلك أعطاه الله للملائكة والجن وخصهم به، ويشرع الذهاب إلى القبور لزيارتها والدعاء بالمغفرة والرحمة لأهلها ولا يجوز الذهاب إليها لطلب البركة والشفاء من أهلها والاستغاثة بهم في تفريج الكربات وقضاء الحاجات، بل هذا شرك أكبر، كما أن الذبح لغير الله شرك أكبر سواء كان عند قبور الأولياء أم غيرهم، فما حكيته عنهم مخالف للشرع بل من البدع المنكرة والعقائد الشركية وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هذا، ومما قال سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز- رحمه الله- إجابة على سؤال وجّه إليه:
"وأما دعاؤهم غير الله، واستغاثتهم بغير الله، أو زعمهم أن آباءهم وأسلافهم يتصرفون في الكون، أو يشفون المرضى أو يجيبون الدعاء مع موتهم أو غيبتهم، فهذا كله من الكفر بالله عز وجلّ، وكله من أعمال المشركين".
كما وجه إلى اللجنة الدائمة سؤال يقول: ما معنى قول المنتسبين للتصوف: إن فلاناً صاحب الوقت وإنه من أهل التعريف ... الخ".
فأجابت اللجنة عليه بما يلي:
"معنى أن فلاناً صاحب الوقت ... الخ: أن هناك من إليه شؤون الخلق من البشر، ولديه قدرة على التصرف في أمورهم، يفرج شدتهم ويفكهم ويخلصهم مما أحاط بهم من البلاء، ويسوق إليهم ما شاء من الخيرات في نظرهم، ومن اعتقد ذلك فهو مشرك مع الله غيره في الربوبية وتدبير شؤون الخلق، ولا تصح الصلاة وراءه، ولا يجوز توليته أمر المسلمين ولا أن يجعل إماما لهم في الصلاة لكفره الصريح وشركه البين وهو أشر من شرك الجاهلية الأولى، قال الله تعالى: قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ [يونس:31 - 32]. إلى غير ذلك من الآيات.
Oالديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن- ص 112 - 114
المبحث التاسع: الرد على التزامهم المراقبة عند القبور
لمعرفة الغرض من المراقبة عند القبور والمرابطة عليها ومعرفة مدى خطورة هذه العقيدة نقرأ ما كتبه العلامة تقي الدين الهلالي رداً على ما قاله الشيخ محمد يوسف، يقول الدكتور الهلالي:
"قول محمد يوسف: "إن صاحب هذا القبر- يعني: أباه محمد إلياس- يوزع النور الذي ينزل من السماء في قبره بين مريديه حسب قوة الارتباط والتعلق به": هذا يسمى في اصطلاح غيرهم من أهل طرائق التصوف استمداداً.
وقد تقدم أن الشيخ عبد الكريم المنصوري السلجماسي لما أعطاني الطريقة التجانية؛ أمرني إذا جلست لذكر الله تعالى أن أتصور صورة الشيخ أحمد التجاني أمامي وعمود من نور يخرج من قلبه ويدخل في قلبي؛ يعني أنه ينور قلبي ويشرح صدري ويؤهِّله للفيوض.
وهذا كفر صريح.
وقد أخبرني الثقات أن عليًّا أبا الحسن الندوي كان يجلس في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلاً الحجرة الشريفة في غاية الخشوع، لا يتكلم ساعتين وأكثر، فاستغربت هذا الأمر، وفهمت أنه استمداد، ولم أكن أعلم أن هذا شائع عندهم في طريقتهم، إلى أن كشفه محمد أسلم جزاه الله خيراً.
فهذا شرك بالله تعالى، واتخاذ وسائط بين العبد وبين ربِّه، وقد رأيت في كتاب (كشّاف القناع في شرح الإقناع) - من أشهر كتب فقه الحنابلة- ما نصه:
قال الشيخ رحمه الله: من اتخذ وسائط بينه وبين الله؛ كفر إجماعاً. والمراد بالشيخ هنا هو شيخ الإسلام أحمد بن تيمية.
ومن المعلوم أن الله تعالى هو الذي يمد عباده بالأرزاق الحسية كالطعام والشراب وقوة البدن، وبالأرزاق المعنوية؛ كهداية القلوب وتنويرها وشرح الصدور والتجليات لها، ولكن الله تعالى لا يحتاج إلى واسطة يتوسط بينه وبين خلقه في منحهم تلك الأرزاق؛ لا من الملائكة، ولا من الأنبياء، ولا من الصالحين.
فالملائكة يستغفرون للمؤمنين، ويسألون الله لهم الرحمة، ولا يستطيعون أن يعطوهم مثقال ذرة من ذلك ولا أقل.
والأنبياء يعلمون أممهم، ويبلغونهم رسالة ربهم، ولا يستطيعون أن يعطوا أحداً منهم مثقال ذرة من الهداية ولا أقل من ذلك؛ لأن الهداية بيد الله وحده. قال الله تعالى لسيد الأنبياء: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء [القصص:56].
وطرائق المتصوفة يشبه بعضها بعضاً في ضلالاتها وشركها، وقول محمد يوسف: إن أباه محمد إلياس يوزع النور الذي ينزل عليه من الله تعالى على حسب ارتباط المريدين به وقوة إخلاصهم واستمدادهم أدهى وأمرّ مما تقدَّم وزيادة وضوح لهذا النوع من الكفر".
ويقول الشيخ حمود التويجري في كتابه:
"ومن الشركيات التي ذكرت عن بعض مشايخ التبليغيين أنهم كانوا يرابطون على القبور، وينتظرون الكشف والكرامات والفيوض الروحية من أهل القبور، ويقرون بمسألة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وحياة الأولياء حياة دنيوية لا برزخية".
وقال:
"وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر على الرجل الذي أشركه مع الله في المشيئة؛ فكيف بمن صرف للنبي صلى الله عليه وسلم أشياء كثيرة من خصائص الألوهية، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم معتمداً له في الاضطرار، وملجأ ومستغاثاً من الضر والشدائد، وسنداً ومدداً وملتحداً وساتراً للذنوب والفند، وعافياً ومقيلاً للعثار؟! ".
وقال أيضاً:
"فلينتبه المفتونون بالقبور والتمائم والتعاويذ الشركية والشعوذة والأحوال الشيطانية من التبليغيين وغيرهم لهذا الوعيد الشديد لمن أشرك بالله، ولا يستهينوا به، ولا يأمن الواقعون في أي نوع من الشرك أن يكون لهم نصيب وافر من الوعيد الشديد للمشركين".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 133 - 136
المبحث العاشر: الرد على اعتقاد علم أئمتهم بما في الأرحام
لاشك أن مسالة العلم بما في الأرحام من الأمور الغيبية التي لا يعلمها أحد إلا الله سبحانه وتعالى. ونكتفي في هذا الباب على تقديم فتوى اللجنة الدائمة إلى القارئ، وفيما يلي نص السؤال والجواب:
السؤال: في عدد العربي 205 ص45 التاريخ ديسمبر 1975م في سؤال وجواب أثبت أن الرجل هو الذي يحدد نوع الجنين فما موقف الدين من هذا؟ وهل يعلم الغيب أحد غير الله؟.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
الجواب: أولاً: إن الله سبحانه وتعالى هو وحده الذي يصور الحمل في الأرحام كيف يشاء فيجعله ذكراً أو أنثى كاملاً أو ناقصاً، إلى غير ذلك من أحوال الجنين، وليس ذلك إلى أحد سوى الله سبحانه؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [آل عمران:6]، وقال تعالى: لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاء يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاء عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ [الشورى:49 - 50] فأخبر سبحانه أنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض، وأنه الذي يخلق ما يشاء فيصور الحمل في الأرحام كيف يشاء من ذكورة أو أنوثة، وعلى أي حال شاء من نقصان أو تمام ومن حسن وجمال أو قبح ودمامة إلى غير ذلك من أحوال الجنين ليس ذلك إلى غيره ولا إلى شريك معه، ودعوى أن زوجاً أو دكتوراً أو فيلسوفاً يقوى على أن يحدد نوع الجنين دعوى كاذبة، وليس إلى الزوج ومن في حكمه أكثر من أن يتحرى بجماعه زمن الإخصاب رجاء الحمل، وقد يتم له ما أراد بتقدير الله وقد يتخلف ما أراد، إما لنقص في السبب أو لوجود مانع من صديد أو عقم أو ابتلاء من الله لعبده، وذلك أن الأسباب لا تؤثر بنفسها وإنما تؤثر بتقدير الله أن يرتب عليها مسبباتها، والتلقيح أمر كوني ليس إلى المكلف منه أكثر من فعله بإذن الله، وأما تصريفه وتكييفه وتسخيره وتدبيره بترتيب المسببات عليه فهو إلى الله وحده لا شريك له، ومن تدبر أحوال الناس وأقوالهم وأعمالهم تبين منهم المبالغة في الدعاوى والكذب والافتراء في الأقوال والأفعال جهلاً وغلواً في اعتبار العلوم الحديثة وتجاوزاً للحد في الاعتداد بالأسباب، ومن قدر الأمور قدرها ميز بينما هو من اختصاص الله منها وما جعله الله إلى المخلوق بتقدير منه لذلك سبحانه".
وجاء أيضاً في "فتاوى اللجنة الدائمة" السؤال والجواب التالي:
السؤال: يقول الله تعالى في كتابه العزيز: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34]، من ضمن الآية الكريمة أن الله يقول: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [لقمان:34]. لقد صار بيني وبين أحد الأصدقاء نقاش كبير حول هذه الآية، فلقد قال لي إن العلم الحديث والأطباء قد توصلوا لمعرفة ما في رحم المرأة هل هو ذكر أم أنثى بواسطة الأشعة، وقلت له: الله سبحانه يقول: وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [لقمان:34]، هل معنى الآية أن العلم لم يكتشف ما في الأرحام أم أن الآية تفسيرها غير ذلك؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد: الجواب: ثبت في الأحاديث الصحيحة أن مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، وأنها المذكورة في الآية المسؤول عنها، من ذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفاتيح الغيب خمسة لا يعلمهن إلا الله إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34])) (1) وفي رواية له عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مفاتح الغيب خمس ثم قرأ: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ [لقمان: 34])) (2) رواه الإمام أحمد عنه (3) وعن ابن مسعود بمعناه (4)، وروي من طرق أخرى تؤيد ما دلت عليه الآية، ومعنى الآية أن الله تعالى استأثر بعلم الساعة فلا يجليها لوقتها إلا هو، فلا يعلمها لميقاتها ملك مقرب ولا نبي مرسل، وقد أعلمهم الله بأماراتها ولا يعلم متى ينزل الغيث ولا في أي مكان ينزل إلا الله، وقد يعرف ذلك أهل الخبرة عند وجود الأمارات وانعقاد الأسباب علماً تقريبياً إجمالياً يشوبه شيء من التخمين وقد يتخلف، واختص سبحانه أيضاً بعلم ما في الأرحام تفصيلاً من جهة تخلقه وعدم تخلقه ونموه وبقائه لتمام مدته وسقوطه قبلها حياً أو ميتاً وسلامته وما قد يطرأ عليه من آفات دون أن يكسب علمه بذلك من غيره أو يتوقف على أسباب أو تجارب بل يعلم ما سيكون عليه قبل أن يكون وقبل أن تكون الأسباب، فإن مقدر الأسباب وموجودها عليم لا يتخلف ولا يختلف عنه الواقع وهو الله سبحانه، وقد يطلع المخلوق على شيء من أحوال ما في الأرحام من ذكورة أو أنوثة أو سلامة أو إصابته بآفة أو قرب ولادة أو توقع سقوط الحمل قبل التمام، لكن ذلك بتوفيق من الله إلى أسباب ذلك من كشف بأشعة لا من نفسه ولا بدون أسباب وذلك بعد ما يأمر الله الملك بتصوير الجنين، ولا يكون شاملاً لكل أحوال ما في الرحم بل إجمالاً في بعضه مع احتمال الخطأ أحياناً، ولا تدري نفس ماذا تكسب غداً من شؤون دينها ودنياها، فهذا أيضاً مما استأثر الله بعلمه تفصيلاً، وقد يتوقع الناس كسباً أو خسارة على وجه الإجمال مما يبعث فيهم أملاً وإقداماً على السعي أو خوفاً وإحجاماً بناء على أمارات وظروف محيطة بهم فكل هذا لا يسمى علماً، وكذا لا تدري نفس بأي أرض تموت في بر أو بحر في بلدها أو بلد آخر إنما يعلم تفصيل ذلك الله وحده فإنه سبحانه له كمال العلم والإحاطة بجميع الشؤون علنها وغيبها، ظاهرها وباطنها.
وجملة القول: إن علم الله من نفسه غير مكتسب من غيره ولا متوقف على أسباب وتجارب وأنه يعلم ما كان وما سيكون، وأنه لا يشوب علمه غموض ولا يتخلف وأنه عام شامل لجميع الكائنات تفصيلاً جليلها ودقيقها بخلاف غيره سبحانه والله المستعان".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 159 - 164
_________
(1) رواه الطبري (20/ 161) وبنحوه رواه البخاري (4627)
(2) رواه البخاري (4778).
(3) ((المسند)) (2/ 24) (4766).
(4) رواه أحمد (1/ 438) (4167) وأبو يعلى (5028). قال الهيثمي في ((المجمع)) (8/ 266): رجاله رجال الصحيح. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (6/ 100): إسناده صحيح.
المبحث الحادي عشر: الرد على اعتقاد علم النبي والأولياء للغيب
يقول فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين إجابة على سؤال وجه إليه، وإليك نص السؤال والجواب:
سئل فضيلة الشيخ: عن حكم من يدّعي علم الغيب؟
"فأجاب بقوله: الحكم فيمن يدعي علم الغيب أنه كافر؛ لأنه مكذّب لله عزّ وجلّ -قال الله- تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، وإذا كان الله - عز وجل- يأمر نبيه محمداً، صلى الله عليه وسلم، أن يعلن للملأ أنه لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله، فإن من ادعى علم الغيب فقد كذب الله - عز وجل- في هذا الخبر. ونقول لهؤلاء كيف يمكن أن تعلموا الغيب والنبي، صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب؟؛ هل أنتم أشرف أم الرسول، صلى الله عليه وسلم؟! فإن قالوا نحن أشرف من الرسول. كفروا بهذا القول، وإن قالوا هو أشرف فنقول لماذا يحجب عنه الغيب وأنتم تعلمونه؟! وقد قال الله عز وجل عن نفسه: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27]. وهذه آية ثانية تدل على كفر من ادعى علم الغيب، وقد أمر الله - تعالى- نبيه، صلى الله عليه وسلم، أن يعلن للملأ بقوله: قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ [الأنعام:50].
هذا، وسئل فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين- حفظه الله- عن حكم من ادعى الغيب، وما هي أنواع الغيب، التي يتشوق الإنسان إلى معرفتها؟
فأجاب:
"من ادعى علم الغيب فهو كاهن أو ساحر أو طاغوت، فإن الغيب لا يعلمه إلا الله، لقوله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59] والمراد بالغيب علم ما يكون في الأزمنة القادمة وعلم الآجال والأعمار، ونحو ذلك".
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة الأسئلة والأجوبة التالية:
السؤال: هل النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر "أي يعلم الغيب فالحاضر عنده والغائب سواء"؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد: الجواب: الأصل في الأمور الغيبية اختصاص الله بعلمها، قال الله تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام:59]، وقال تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النمل:65]، لكن الله تعالى يطلع من ارتضى من رسله على شيء من الغيب قال الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27] وقال تعالى: قُلْ مَا كُنتُ بِدْعًا مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ [الأحقاف:9]، وثبت في حديث طويل من طريق أم العلاء أنها قالت: "لما توفي عثمان بن مظعون أدرجناه في أثوابه فدخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: رحمة الله عليك أبا السائب شهادتي عليك لقد أكرمك الله عز وجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما يدريك أن الله أكرمه فقلت لا أدرى بأبي أنت وأمي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما هو فقد جاءه اليقين من ربه، وإني لأرجو له الخير، والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي فقلت: والله لا أزكي بعده أحداً أبداً)) رواه أحمد (1) وأخرجه البخاري في كتاب الجنائز من صحيحه (2)، وفي رواية له ((ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل به)) (3) وقد ثبت في أحاديث كثيرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلمه الله بعواقب بعض أصحابه فبشرهم بالجنة، وفي حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه عند البخاري ومسلم أن جبريل سأل النبي عليه الصلاة والسلام عن الساعة فقال: ((ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) (4). ثم لم يزد على أن أخبره بأماراتها فدل على أنه علم من الغيب ما أعلمه الله به دونما سواه من المغيبات وأخبر به عند الحاجة".
ومما جاء في فتاوى اللجنة:
_________
(1) رواه أحمد في ((المسند)) (6/ 436) (27497)
(2) رواه البخاري (1243).
(3) رواه البخاري (7004).
(4) رواه البخاري (50) ومسلم (9) من حديث أبي هريرة، وهو عند مسلم (8) من حديث عمر.
"السؤال: أقسام الغيب، وهل كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب، وهل كان علمه له كلياً أو جزئياً. الجواب: من الغيب ما استأثر الله بعلمه فلم يطلع عليه ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً كتحديد الوقت الذي يقوم فيه الخلق لله رب العالمين للحساب، فإنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله، قال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف:187]، وقال تعالى: يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا [الأحزاب:63]، وقال تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا إِلَى رَبِّكَ مُنتَهَاهَا إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا [النازعات:42 - 45]، وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما الحديث الطويل المشهور أن جبريل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ((متى الساعة؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل)) (1) ثم أخبره بأماراتها.
ومن الغيب ما أعلمه الله بعض عباده كالأمور المستقبلية التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت معجزة له وآية من آيات الله خص الله بها رسوله وهي داخلة في قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ [الجن:27]، وفي قوله: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاء [عمران:179]، وبهذا يتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم الغيب علماً كلياً وإنما كان يعلمه علماً جزئياً في حدود ما أطلعه الله عليه، شأنه في ذلك شأن إخوانه النبيين، والمقصود الإيضاح بالمثال لا للاستقصاء".
وجاء في الفتاوى أيضاً:
"السؤال: إذا قلنا لإخواننا هنا إن علم الغيب خاص بالله تعالى فلا يعلم الغيب رسول ولا ملك قالوا لنا إن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب وهذا القرآن الذي جاء به هو غيب و ... و ... و ... ويستدلون أيضاً بقوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27] والرسول ممن ارتضاه الله يعلم الغيب. فما رد فضيلتكم في هذا وهل يجوز القول بأن الرسول يعلم الغيب استناداً إلى هذه الآية. الرجاء من معاليكم الرد على هذا السؤال.
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
_________
(1) رواه البخاري (4777) ومسلم (10) من حديث أبي هريرة.
الجواب: علم الغيب خاص بالله تعالى لقوله تعالى: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] وقوله: قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ [الأعراف:188] لكنه سبحانه يطلع من يشاء من عباده كالملائكة والأنبياء والمرسلين على ما شاء من غيبه لقوله تعالى:: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27] ومن ذلك ما أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم من الوحي ومنه القرآن، وكذلك شأن الله مع أنبيائه ورسله السابقين غير أن علمهم ذلك ليس لهم من أنفسهم بل بإعلام الله إياهم ثم إن هذه النصوص لا تدل على أن الله تعالى علمهم كل غيب وإنما تدل على أنه علمهم ما شاء منه".
وجاء أيضاً:
"السؤال: ما حكم زيارة المرابطين الذين يزعمون علم الغيب ما حكم الشرع فيهم ومن سكت عنهم ومن زارهم؟
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه .. وبعد:
الجواب: علم الغيب من اختصاص الله جل وعلا، ومن ادعى علم الغيب من الناس فقد ادعى لنفسه ما هو من اختصاص الله جل وعلا وجعل نفسه شريكاً له في ذلك وقد يظهر الله ما شاء من الغيب لمن ارتضاه من رسله، قال تعالى: وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام:59] وقال تعالى قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] وقال تعالى:: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27] فقد دلت هذه الآيات على أنه جل وعلا منفرد بالغيب دون خلقه ثم استثنى من ارتضاه من الرسل فأودعهم ما شاء من غيبه بطريق الوحي إليهم وجعله لهم ودلالة صادقة على ثبوتهم، وليس المنجم ومن ضاهاه ممن يضرب الحصى وينظر في الكتب ويزجر الطير ويدعي علم الغيب ممن ارتضاه من الرسل فيطلعه على ما يشاء من غيبه بل هو كافر بالله مفتر عليه بحدسه وتخمينه وكذبه.
وبهذا يعلم أن زيارتهم محرمة وأنهم كفار ولا يجوز السكوت عنهم ولا عمن زارهم بل الواجب بيان الحق للكل أداء للأمانة وبراءة للذمة ونصحاً للأمة".
وجاء أيضاً في الفتاوى إجابة على سؤال ما يلي:
"إن الله سبحانه حكم بأن علم الأمور الغيبية خاص به فقال: قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل:65] ولم يستثن من ذلك إلا من ارتضى من رسله فيظهره على ما شاء من الغيب قال تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا [الجن:26 - 27].
فمن ادعى من أمم الأنبياء والمرسلين أنه يعلم الغيب فهو كاذب، ومن زعم أن أحداً من الأولياء والصالحين أتباع الرسل عقيدة وعملاً يعلم الغيب فهو مخطئ كاذب لمخالفته ما نزل من آيات القرآن وما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأحاديث الدالة على اختصاص الله تعالى بعلم المغيبات".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 172 - 180
المبحث الثاني عشر: الرد على اعتقاد أن النبي مخلوق من نور وأنه أول خلق الله
لقد وجهت إلى كبار علماء السنة وإلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عدة أسئلة حول موضوع خلق الرسول صلى الله عليه وسلم هل هو بشر أم خلق من النور؟ وهل هو أول الخلق؟ وما إلى ذلك من الأسئلة، نقدم فيما يلي بعضاً منها مع ذكر إجابة العلماء عليها.
السؤال: "إذا مات الشخص وهو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ببشر وأنه يعلم الغيب وأن التوسل بالأولياء والأموات والأحياء قربة إلى الله عز وجل فهل يدخل النار ويعتبر مشركاً؟ علماً أنه لا يعلم غير هذا الاعتقاد وأنه عاش في منطقة علماؤها وأهلها كلهم يقرون بذلك، فما حكمه، وما حكم التصدق عنه والإحسان إليه بعد موته؟ ".
وأجاب عليه سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله- بقوله:
"من مات على هذا الاعتقاد بأن يعتقد أن محمداً صلى الله عليه وسلم ليس ببشر أي ليس من بني آدم أو يعتقد أنه يعلم الغيب فهذا اعتقاد كفري يعتبر صاحبه كافراً كفراً أكبر، وهكذا إذا كان يدعوه ويستغيث به أو ينذر له أو لغيره من الأنبياء والصالحين أو الجن أو الملائكة أو الأصنام؛ لأن هذا من جنس عمل المشركين الأولين كأبي جهل وأشباهه، وهو شرك أكبر".
كما أجاب فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين على مثل هذا السؤال بقوله:"من اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم نور من الله وليس ببشر وأنه يعلم الغيب فهو كافر بالله ورسوله وهو من أعداء الله ورسوله، وليس من أولياء الله ورسوله، لأن قوله هذا تكذيب لله ورسوله، ومن كذب الله ورسوله فهو كافر، والدليل على أن قوله هذا تكذيب لله ورسوله قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [الكهف:110] وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني)) (1).
هذا وقد وجِّه إلى اللجنة الدائمة السؤال التالي:
"هل النبي صلى الله عليه وسلم نور من نور الله كما يقول بعض الناس، وهل هو نور عرش الله سبحانه وتعالى"؟
فأجابت اللجنة عليه بما يلي:
"النبي صلى الله عليه وسلم نور هدى ورشاد كما قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا [الأحزاب:45 - 46]. وليس بدنه نوراً وليس هو من نور الله الذي هو وصفه بل هو لحم وعظم وما خالطهما خلق من أب وأم كغيره كما مضت بذلك سنة الله تعالى في البشر وكان يأكل ويشرب ويقضي من شأنه وله ظل إذا مشى في شمس أو نحوها، وأما قوله تعالى: قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ [المائدة:15 - 16] الآية، فالمراد بالنور في ذلك ما يبعثه الله به من الوحي، من عطف الخاص على العام ولم يثبت في القرآن ولا في السنة الصحيحة أنه نور عرش الله فمن زعم ذلك فهو كاذب. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
_________
(1) رواه البخاري (401) ومسلم (572) من حديث ابن مسعود
كما وجّه إلى اللجنة السؤال التالي:"إن جل الناس يعتقدون أن الأشياء خلقت من نور محمد صلى الله عليه وسلم وأن نوره خلق من نور الله ويروون ((أنا نور الله وكل شيء من نوري)) (1) ويروون أيضاً ((أول ما خلق الله نور محمد صلى الله عليه وسلم)) (2) فهل لذلك من أصل؟ ويروون ((أنا عرب بلا عين أي رب، أنا أحمد بلا ميم أي أحد)) (3) فهل لذلك من أصل؟
وأجابت اللجنة عليه بما يلي:
"سبق منا جواب مفصل بالفتوى رقم 2871 هذا نصها: "وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله إن أريد به أنه نور ذاتي من نور الله فهو مخالف للقرآن الدال على بشريته، وإن أريد بأنه نور باعتبار ما جاء به من الوحي الذي صار سبباً لهداية من شاء من الخلق فهذا صحيح وقد صدر من اللجنة فتوى في ذلك هذا نصها: للنبي صلى الله عليه وسلم نور هو نور الرسالة والهداية التي هدى الله بها بصائر من شاء من عباده، ولا شك أن نور الرسالة والهداية من الله قال تعالى وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ [الشورى:51 - 53]. وليس هذا النور مكتسباً من خاتم الأولياء كما يزعمه بعض الملاحدة، أما جسمه صلى الله عليه وسلم فهو دم ولحم وعظم .. إلخ، خلق من أب وأم ولم يسبق له خلق قبل ولادته وما يروى أن أول ما خلق الله نور النبي صلى الله عليه وسلم أو أن الله قبض قبضة من نور وجهه وأن هذه القبضة هي محمد صلى الله عليه وسلم ونظر إليها فتقاطرت فيها قطرات فخلق من كل قطرة نبياً أو خلق الخلق كلهم من نوره صلى الله عليه وسلم فهذا وأمثاله لم يصح منه شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خلال الفتوى السابقة يظهر أنه اعتقاد باطل. وأما ما يروى: أنا عرب بلا عين فلا أساس له من الصحة وهكذا أنا أحمد بلا ميم، وصفة الربوبية والانفراد من الصفات المختصة بالله سبحانه وتعالى فلا يجوز أن يوصف أحد من الخلق بأنه الرب ولا أنه أحد على الإطلاق، فهذه الصفات من اختصاص الله سبحانه ولا يوصف بها الرسل ولا غيرهم من البشر. كما وجّه إلى اللجنة الدائمة سؤال حول ((لولاك ما خلقت الأفلاك)) (4) أهذا حديث موضوع أو ضعيف"؟ فأجابت اللجنة عليه بما يلي:
"ذكره العجلوني في "كشف الخفا ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" وقال: قال الصغاني إنه موضوع، ثم قال: وأقول: لكنه معناه صحيح وإن لم يكن حديثاً. نقول بل هو باطل لفظاً ومعنى؛ فإن الله تعالى إنما خلق الخلق ليعبدوه كما قال سبحانه: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56] ولم يثبت حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل على أن الخلق خلقوا من أجله لا الأفلاك ولا غيرها من المخلوقات في الأحاديث الموضوعة وقال: قال الصغاني موضوع. ومما يدل على ذلك قوله تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
كما وجه إلى اللجنة السؤال: هل سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أول خلق الله أم سيدنا آدم"؟
فأجابت اللجنة عليه بما يلي:
"أول خلق الله من البشر آدم عليه الصلاة والسلام بإجماع المسلمين وبصريح القرآن، ونبينا عليه الصلاة والسلام بشر من سلالة آدم، وأما قول بعض الجهلة، إن نبينا أول خلق الله أو أنه مخلوق من نور الله أو من نور العرش فقوله باطل لا أساس له من الصحة".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 192 - 198
_________
(1) بهذا اللفظ لم نجده
(2) قال اللكنوي في ((الآثار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 43) لم يثبت بهذا المبنى ونقل عن السيوطي قوله عنه أنه لم يرد بهذا اللفظ. وقال الألباني أنه باطل، كما في ((السلسلة الصحيحة)) (1/ 820)
(3) لم نجده
(4) أورده الصغاني في ((موضوعاته)) (52) وكذلك الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (282) وقال موضوع، وقال اللكنوي في ((الأسرار المرفوعة في الأحاديث الموضوعة)) (1/ 44) قال علي القاري في ((تذكرة الموضوعات)) (2) حديث: (لولاك لما خلقت الأفلاك). قال العسقلاني موضوع كذا في ((الخلاصة)).أ. هـ
المبحث الثالث عشر: الرد على اعتقادهم حياة النبي في قبره حياة دنيوية
وجهت إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء أسئلة عن حياة النبي صلى الله عليه وسلم وعن سماعه كل دعاء ونداء، فأجاب عليها كبار العلماء، وفيما يلي نص الأسئلة والأجوبة: السؤال: في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أكان النبي صلى الله عليه وسلم حياً في قبره الشريف بإعادة الروح في الجسد والبدن (العنصرية) بحياة دنيوية حسية أو حياً في أعلى عليين بحياة أخروية برزخية بلا تكليف كما قال النبي صلى الله عليه وسلم حين حضره الموت: ((اللهم بالرفيق الأعلى)) (1) وجسده المنور الآن كما وضع في قبر بلا روح والروح في أعلى عليين، واتصال الروح بالبدن والجسد المعطر عند يوم القيامة كما قال الله تعالى: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7]
الجواب: إن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم حي في قبره حياة برزخية يحصل بها التنعيم في قبره بما أعده الله له من النعيم جزاء له على أعماله العظيمة الطيبة التي قام بها في دنياه، عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام، ولم تعد إليه روحه ليصير حياً كما كان في دنياه ولم تتصل به وهو في قبره اتصالاً يجعله حياً كحياته يوم القيامة بل هي حياة برزخية وسط بين حياته في الدنيا وحياته في الآخرة، وبذلك يعلم أنه قد مات كما مات غيره ممن سبقه من الأنبياء وغيرهم، قال الله تعالى: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] وقال: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ [الرحمن:26 - 27] وقال: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30] إلى أمثال ذلك من الآيات الدالة على أن الله قد توفاه إليه؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد غسلوه وكفنوه وصلوا عليه ودفنوه، ولو كان حياً حياته الدنيوية ما فعلو به ما يفعل بغيره من الأموات. ولأن فاطمة رضي الله عنها قد طلبت إرثها من أبيها صلى الله عليه وسلم لاعتقادها بموته ولم يخالفها في ذلك أحد من الصحابة، بل أجابها أبو بكر رضي الله عنه بأن الأنبياء لا يورثون (2).
ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد اجتمعوا لاختيار خليفة للمسلمين يخلفه وتم ذلك بعقد الخلافة لأبي بكر رضي الله عنه، ولو كان حياً كحياته في دنياه لما فعلوا ذلك فهو إجماع منهم على موته.
ولأن الفتن والمشاكل لما كثرت في عهد عثمان وعلي رضي الله عنهما وقبل ذلك وبعده لم يذهبوا إلى قبره لاستشارته أو سؤاله في المخرج من تلك الفتن والمشاكل وطريقة حلها، ولو كان حياً كحياته في دنياه لما أهملوا ذلك وهم في ضرورة إلى من ينقذهم مما أحاط بهم من البلاء.
أما روحه فهي في أعلى عليين لكونه أفضل الخلق، وأعطاه الله الوسيلة وهي أعلى منزلة في الجنة عليه الصلاة والسلام.
_________
(1) رواه البخاري (4463) ومسلم (2444).
(2) رواه البخاري (4240) ومسلم (1759) من حديث عائشة.
ومن تلك الأسئلة أيضاً: السؤال: هل يسمع النبي صلى الله عليه وسلم كل دعاء ونداء عند قبره الشريف أو صلوات خاصة حين يصلى عليه كما في الحديث ((من صلى عليّ عند قبري سمعته ... )) (1) إلى آخر الحديث أهذا الحديث صحيح أو ضعيف أو موضوع على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ الجواب: الأصل أن الأموات عموماً لا يسمعون نداء الأحياء من بني آدم ولا دعاءهم كما قال تعالى: وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر:22] ولم يثبت في الكتاب ولا في السنة الصحيحة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم يسمع كل دعاء أو نداء من البشر حتى يكون ذلك خصوصية له وإنما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه يبلغه صلاة وسلام من يصلي ويسلم عليه فقط سواء كان من يصلي عليه عند قبره أو بعيداً عنه كلاهما سواء في ذلك، لما ثبت عن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم أنه رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فنهاه وقال: ألا أحدثكم حديثاً سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم)) (2).أما حديث: ((من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى علي بعيداً بلغته)) (3) فهو حديث ضعيف عند أهل العلم، وأما ما رواه أبو داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام)) (4).
_________
(1) رواه البيهقي في ((حياة الأنبياء)) (46) وفي ((الشعب)) (3/ 140) و ((الكامل في الضعفاء)) في ترجمة محمد بن مروان السدي وقال عن الحديث لا أصل له من حديث الأعمش وليس بمحفوظ ولا يتابعه إلا من هو دونه وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2/ 38) قال البيهقي: (فيه) أبو عبد الرحمن هذا هو محمد بن مروان السدي فيما أرى وفيه نظر. وقال ابن الجوزي: لا يصح. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (37/ 116): في إسناده لين لكن له شواهد ثابتة وقال الألباني موضوع كما في ((ضعيف الجامع)) (12445)
(2) رواه أبو داود (2042) وابن أبي شيبة (2/ 150) وأحمد (2/ 376) (8790) بلفظ: (صلاتكم بدل تسليمكم)، وأبو يعلى (469). قال البزار في ((البحر الزخار)) (2/ 148): روي بهذا الإسناد أحاديث صالحة فيها مناكير، وهذا غير منكر. وقال الهيثمي في ((المجمع)) (3/ 4) فيه حفص بن ابراهيم الجعفري ذكره ابن أبى حاتم ولم يذكر فيه جرحا وبقية رجاله ثقات وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 440): إسناده صحيح. وقال ابن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (323): جيد وصححه الألباني.
(3) رواه البيهقي في ((حياة الأنبياء)) (46) وفي ((الشعب)) (3/ 140) و ((الكامل في الضعفاء)) في ترجمة محمد بن مروان السدي وقال عن الحديث لا أصل له من حديث الأعمش وليس بمحفوظ ولا يتابعه إلا من هو دونه وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (2/ 38) قال البيهقي: (فيه) أبو عبد الرحمن هذا هو محمد بن مروان السدي فيما أرى وفيه نظر. وقال ابن الجوزي: لا يصح. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (37/ 116): في إسناده لين لكن له شواهد ثابتة وقال الألباني موضوع كما في ((ضعيف الجامع)) (12445)
(4) رواه أبو داود (2041) وأحمد (2/ 527) (10827) والبيهقي (5/ 245). والحديث سكت عنه أبو داود , وقد قال في ((رسالته لأهل مكة)) كل ما سكت عنه فهو صالح. وقال النووي في ((الأذكار)) (154): إسناده صحيح. وقال ابن تيمية في ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (2/ 173): على شرط مسلم. وحسنه الألباني
فليس بصريح أنه يسمع سلام المسلم بل يحتمل أنه يرد عليه إذا بلغته الملائكة ذلك لو فرضنا سماعه سلام المسلم لم يلزم منه أن يلحق به غيره من الدعاء والنداء.
هذا، ويقول الشيخ حمود التويجري ردًّا على كلام حسين أحمد السابق:
"قلت: يلزم على قول حسين أحمد: "إن الأنبياء أحياء حياة حقيقية غير برزخية" لوازم باطلة:
منها: أن يكون الأنبياء يمشون على الأرض مثل غيرهم من الأحياء، ويأكلون ويشربون، ويحتاجون إلى قضاء الحاجة مثل غيرهم من الأحياء، وأن يكونوا ظاهرين بين الناس يراهم الناس ويجالسونهم ويتعلمون منهم، وكل من هذه الأمور باطل معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل، والقول بها أو بشيء منها هوس وهذيان لا يصدر من أحد له أدنى شيء من العقل.
ومن اللوازم الباطلة التي تلزم على قول حسين أحمد أيضاً: أن يكون قبر النبي صلى الله عليه وسلم خالياً من جسده الشريف، وكذلك قبور سائر الأنبياء، وهذا معلوم البطلان بالضرورة عند كل عاقل، ولا يقول به إلا من هو مصاب في عقله.
ومن اللوازم الباطلة أيضاً ما يترتب على هذا القول الباطل من تكذيب النصوص الدالة على موت النبي صلى الله عليه وسلم وموت سائر البشر، كقوله تعالى في سورة الزمر: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30].
وقوله تعالى وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ [آل عمران:144]
وقوله تعالى في سورة الأنبياء: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ الأنبياء:34 - 35 [.]
وقوله تعالى في سورة العنكبوت: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ [العنكبوت:57]
وقوله تعالى في سورة آل عمران: كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران:185]
وقوله تعالى في سورة الرحمن:: كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ الرحمن:26 - 27 [] فإذا كان حسين أحمد وغيره من مشايخ جماعة التبليغ المخرفين يرون أن الأنبياء أحياء حياة حقيقية، وأن لجماعتهم وأكابرهم حظ وصول في مجالس النبي صلى الله عليه وسلم يقظة لا مناماً، ويرون بطلان ما يعتقده شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من أن حياة الأنبياء كانت في المدّةِ التي قضوها في الدنيا، بعد ذلك هم وأتباعهم سواء في الموت؛ فماذا يجيبون به عن هذه النصوص الدالة على أن الموت عام للأنبياء وغيرهم من سائر البشر؟! وماذا يجيبون به عن الأحاديث الكثيرة التي جاءت في موت النبي صلى الله عليه وسلم ودفنه؟! وما ثبت عنه أنه قال: ((أنا أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة)) (1)؟!.
وإذا لم يكن لهم جواب صحيح عن الآيات التي تقدم ذكرها، وعن الأحاديث الدالة على موت النبي صلى الله عليه وسلم ومكثه في قبره إلى يوم القيامة؛ فالواجب عليهم الرجوع إلى الحق الذي يدل عليه الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وهو اعتقاد موت الأنبياء وغيرهم من سائر البشر، واعتقاد أن الأنبياء وغيرهم من الأموات لا يزالون في قبورهم إلى يوم القيامة، وأن أول من ينشق عنه القبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا هو الاعتقاد الصحيح، وما خالفه، فهو من العقائد الفاسدة التي زينها الشيطان لأوليائه من الصوفية والتبليغيين.
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 206 - 212
_________
(1) رواه الترمذي (3148) وابن ماجه (4308) وأحمد3/ 2 (11000) من حديث أبي سعيد. قال الترمذي: حسن صحيح. وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 326): في إسناده علي بن يزيد بن جدعان. وقال الألباني في ((صحيح الترمذي)) (3615): صحيح. ورواه البخاري (2412) بلفظ: (فأكون أول من تنشق عنه الأرض).
المبحث الرابع عشر: الرد على اعتقاد جواز شد الرحال إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم وأنه من أعظم القربات
يقول سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز - رحمه الله- في جوابه لسؤال: ما حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم وغيره من قبور الأولياء والصالحين وغيرهم؟ "لا يجوز السفر بقصد زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، أو قبر غيره من الناس في أصح قولي العلماء، لقول النبي، صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)). متفق عليه (1).
والمشروع لمن أراد زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، وهو بعيد عن المدينة أن يقصد بالسفر زيارة المسجد النبوي فتدخل زيارة القبر الشريف وقبرَيْ أبي بكر وعمر والشهداء وأهل البقيع تبعاً لذلك. وإن نواهما جاز لأنه يجوز تبعاً ما لا يجوز استقلالاً، أما نية القبر بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً بالزيارة فقط فلا تجوز مع شد الرحال، أما إذا كان قريباً لا يحتاج إلى شد الرحال ولا يسمى ذهابه إلى القبر سفراً فلا حرج في ذلك، لأن زيارة قبره صلى الله عليه وسلم، وقبر صاحبيه من دون شد رحل سنة وقربة، وهكذا زيارة قبور الشهداء وأهل البقيع وهكذا زيارة قبور المسلمين في كل مكان سنة وقربة لكن بدون شد الرحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)). أخرجه مسلم في صحيحه (2). وكان صلى الله عليه وسلم، يُعلِّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: ((السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)) أخرجه مسلم أيضاً في صحيحه (3) ".
كما سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن حكم السفر لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم، فأجاب بقوله:
"شد الرحال إلى زيارة القبور لا يجوز، لأن النبي، صلى الله عليه وسلم، يقول: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) والمقصود بهذا أنه لا تشد الرحال إلى أي مكان في الأرض لقصد العبادة بها الشد، لأن الأمكنة التي تخصص بشد الرحال هي المساجد الثلاثة فقط وما عداها من الأمكنة لا تشد إليها الرحال، فقبر النبي، صلى الله عليه وسلم، لا تشد الرحال إليه وإنما تشد الرحال إلى مسجده فإذا وصل المسجد فإن الرجال يسن لهم زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم وأما النساء فلا يسن لهم زيارة قبر النبي، صلى الله عليه وسلم، والله الموفق".
هذا، وقد وجّهت إلى اللجنة الدائمة عدة أسئلة في هذا الموضوع، ومما أجابت اللجنة على تلك الأسئلة:"لا يجوز شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين، وغيرهم بل هو بدعة، والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) وقال صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (4). وأما زيارتهم دون شد رحال فسنة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة)). أخرجه مسلم في صحيحه".
"السفر لزيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز، والمشروع زيارة مسجده، والصلاة فيه، وليست بواجبة، ومن زار مسجده صلى الله عليه وسلم شرع له أن يسلم عليه وعلى صاحبيه رضي الله عنهما.
_________
(1) رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة
(2) رواه ابن ماجه (1569) ورواه مسلم (976) بلفظ الموت بدل الآخرة.
(3) رواه مسلم (975).
(4) رواه مسلم (1718) والبخاري معلقا.
وطاعته صلى الله عليه وسلم وملازمة سنته وهديه ابتغاء ثواب الله في أي زمان أو مكان من أسباب السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة. وبالله التوفيق"."لا يلزم الحجاج رجالاً ونساء زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ولا البقيع، بل يحرم شد الرحال إلى زيارة القبور مطلقاً ويحرم ذلك على النساء ولو بلا شد رحال، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام ومسجدي هذا والمسجد الأقصى)) (1) ((ولأنه صلى الله عليه وسلم لعن زائرات القبور)) (2) ويكفي النساء أن يصلين في المسجد النبوي ويكثرن من الصلاة والسلام على الرسول صلى الله عليه وسلم في المسجد وغيره. وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
"شد الرحال لا يجوز إلا إلى المساجد الثلاثة لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) وهذا قول ابن القيم رحمه الله وشيخه شيخ الإسلام ابن تيمية وجمع كثير من أهل العلم عملاً بالحديث المذكور وبذلك تعلم أنه لا يجوز في أصح قولي العلماء شد الرحال لقبر الخليل ولا غيره من القبور للحديث المذكور".
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 218 - 222
_________
(1) رواه البخاري (1189) ومسلم (1397) من حديث أبي هريرة.
(2) رواه أبو داود (3236) والترمذي (320) والنسائي (2043). والحديث سكت عنه أبو داود , وقد قال في ((رسالته لأهل مكة)) كل ما سكت عنه فهو صالح. وقال الترمذي: حسن. وحسنه البغوي في ((شرح السنة)) (2/ 150).
المبحث الخامس عشر: الرد على اعتقاد جواز التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم
يقول سماحة الشيخ ابن باز - رحمه الله- في جوابه على سؤال وجّه إليه في حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم، ما نصه:
"التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم فيه تفصيل، فإن كان ذلك باتباعه ومحبته وطاعة أوامره وترك نواهية والإخلاص لله في العبادة فهذا هو الإسلام وهو دين الله الذي بعث به أنبياءه، وهو الواجب على كل مكلف .. وهو الوسيلة للسعادة في الدنيا والآخرة، أما التوسل بدعائه والاستغاثة به وطلبه النصر على الأعداء والشفاء للمرضى - فهذا هو الشرك الأكبر وهو دين أبي جهل وأشباهه من عبدة الأوثان، وهكذا فعل ذلك مع غيره من الأنبياء والأولياء أو الجن أو الملائكة أو الأشجار أو الأحجار أو الأصنام. وهناك نوع ثالث يسمى التوسل وهو التوسل بجاهه صلى الله عليه وسلم أو بحقه أو بذاته مثل أن يقول الإنسان: أسألك يا الله بنبيك أو جاه نبيك أو حق نبيك أو جاه الأنبياء أو حق الأنبياء أو جاه الأولياء أو الصالحين وأمثال ذلك فهذا بدعة ومن وسائل الشرك ولا يجوز فعله معه صلى الله عليه وسلم ولا مع غيره؛ لأن الله سبحانه وتعالى لم يشرع ذلك، والعبادات توقيفية لا يجوز منها إلا ما دل عليه الشرع المطهر، وأما توسل الأعمى به في حياته صلى الله عليه وسلم فهو توسل به صلى الله عليه وسلم ليدعو له ويشفع له إلى الله في إعادة بصره إليه، وليس توسلاً بالذات أو الجاه أو الحق كما يعلم ذلك من سياق الحديث وكما أوضح ذلك علماء السنة في شرح الحديث.
وقد بسط الكلام في ذلك شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله في كتبه الكثيرة المفيدة، ومنها كتابه المسمى: (القاعدة الجليلة في التوسل والوسيلة) وهو كتاب مفيد جدير بالاطلاع عليه والاستفادة منه.
وهذا حكم جائز مع غيره صلى الله عليه وسلم من الأحياء كأن تقول لأخيك أو أبيك أو من تظن فيه الخير: ادع الله لي أن يشفيني من مرضي أو يرد عليّ بصري أو يرزقني الذرية الصالحة أو نحو ذلك بإجماع أهل العلم. والله ولي التوفيق".
وقال الشيخ ابن عثيمين في جوابه على سؤال وجّه إليه:
"واعلم أن المقصود بالزيارة أمران:
أحدهما: انتفاع الزائر بتذكر الآخرة والاعتبار والاتعاظ، فإن هؤلاء القوم الذين هم الآن في بطن الأرض، كانوا بالأمس على ظهرها، وسيجري لهذا الزائر ما جرى لهم، فيعتبر ويغتنم الأوقات والفرص، ويعمل لهذا اليوم الذي سيكون في هذا المثوى الذي كان عليه هؤلاء. وثانيهما: الدعاء لأهل القبور بما كان الرسول، صلى الله عليه وسلم يدعو به من السلام وسؤال الرحمة، وأما أن يسأل الأموات ويتوسل بهم فإن هذا محرم ومن الشرك؛ ولا فرق في هذا بين قبر النبي، صلى الله عليه وسلم وقبر غيره، فإنه لا يجوز أن يتوسل أحد بقبر النبي عليه الصلاة والسلام، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم بعد موته، فإن هذا من الشرك لأنه لو كان هذا حقاً لكان أسبق الناس إليه الصحابة- رضي الله عنهم- ومع ذلك فإنهم لا يتوسلون به بعد موته فقد استسقى عمر- رضي الله عنه- ذات يوم فقال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا) ثم قام العباس- رضي الله عنه- فدعا (1)، وهذا دليل على أنه لا يتوسل بالميت مهما كانت درجته ومنزلته عند الله - تعالى- وإنما يتوسل بدعاء الحي الذي ترجى إجابة دعوته؛ لصلاحه واستقامته في دين الله - عزّ وجلّ- فإذا كان الرجل ممن عرف بالدين والاستقامة وتوسل بدعائه، فإن هذا لا بأس به كما فعل أمير المؤمنين عمر - رضي الله عنه-، وأما الأموات فلا يتوسل بهم أبداً، ودعاؤهم شرك أكبر مخرج من الملة، قال الله - تعالى-: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ [غافر:60]
وقال أيضاً:
"أما التوسل الممنوع فهو أن يتوسل الإنسان بالمخلوق، فإن هذا لا يجوز، فالتوسل بالمخلوق حرام، يعني لا بدعائه ولكن بذاته، مثل أن تقول (اللهم إني أسألك بمحمد صلى الله عليه وسلم كذا وكذا) فإن هذا لا يجوز، وكذلك لو سألت بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم فإنه لا يجوز، لأن هذا المسبب لم يجعله الله ورسوله سبباً".
هذا، وقد وجهت إلى اللجنة الدائمة أسئلة في هذا الموضوع ومما أجابت اللجنة عليها:
"التوسل إلى الله في الدعاء بجاه الرسول صلى الله عليه وسلم أو ذاته أو منزلته غير مشروع لأنه ذريعة إلى الشرك، فكان البحث فيه لبيان ما هو الحق من مباحث العقيدة، وأما التوسل إلى الله بأسمائه جل شأنه وبصفاته وباتباع رسوله والعمل بما جاء به من عقيدة وأحكام فهذا مشروع. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم".
"أولاً: التوسل على الله ببركة القرآن مشروع وليس شركاً. ثانياً: التوسل ببركة بعض المخلوقين مثل النبي صلى الله عليه وسلم من البدع المنكرة، لأن التوسل من العبادات التوقيفية ولم يثبت في الشرع المطهر ما يدل على جوازه في المخلوقين أو حقهم أو جاههم أو بركتهم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) (2).
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 228 - 232
_________
(1) رواه البخاري (1010) من حديث عمر.
(2) رواه مسلم (1718) والبخاري معلقا
المبحث السادس عشر: الرد على قولهم بجواز رؤية النبي يقظة
جواب اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء على سؤال وجه إليها وفيما يلي نص السؤال والجواب:
السؤال: هل صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم يمكن أن يُرى في اليقظة كما يزعم الصوفية في أنهم يرونه يقظة؟
الجواب: الرسول صلى الله عليه وسلم توفي، وهو حي في قبره حياة برزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله جل وعلا، وأما دعوى أنه يرى يقظة فهذا ليس بصحيح لعدم الدليل الدال عليه، ولأنه ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة، فدل ذلك على أنه لا يخرج من قبره يوم القيامة، ويدل على ذلك في حقه وحق غيره: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30] وقوله عز وجل: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ [المؤمنون:15 - 16] فدل على أنه ليس هناك خروج من القبور قبل يوم القيامة.
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 238، 239
المبحث السابع عشر: الرد على تأويلهم صفة العلو
سئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين عن قول بعض الناس إذا سئل "أين الله" قال: "الله في كل مكان" أو "موجود" فهل هذه الإجابة صحيحة على إطلاقها؟ فأجاب بقوله:"هذه إجابة باطلة لا على إطلاقها ولا تقييدها فإذا سئل أين الله؟ فليقل: "في السماء"، كما أجابت بذلك المرأة التي سألها النبي، صلى الله عليه وسلم، ((أين الله؟ " قالت: في السماء)) (1).
وأما من قال: "موجود" فقط. فهذا حيدة عن الجواب ومراوغة منه.
وأما من قال: "إن الله في كل مكان" وأراد بذاته فهذا كفر لأنه تكذيب لما دلت عليه النصوص، بل الأدلة السمعية، والعقلية، والفطرية، من أن الله - تعالى- عليٌّ على كل شيء وأنه فوق السموات مستوٍ على عرشه".
كما سئل فضيلته عن تفسير استواء الله - عز وجل- على عرشه بأنه علوه -تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله؟ فأجاب بقوله:
"تفسير استواء الله تعالى على عرشه بأنه علوه- تعالى- على عرشه على ما يليق بجلاله هو تفسير السلف الصالح. قال ابن جرير إمام المفسرين في تفسيره "من معاني الاستواء: العلو والارتفاع كقول القائل: استوى فلان على سريره يعني علوه عليه".
وقال في تفسير قوله - تعالى-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] "يقول جل ذكره: الرحمن على عرشه ارتفع وعلا". أ. هـ. ولم ينقل عن السلف ما يخالفه.
ووجهه: أن الاستواء في اللغة يستعمل على وجوه:
الأول: أن يكون مطلقاً غير مقيد فيكون معناه الكمال كقوله - تعالى-: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى [القصص:14].
الثاني: أن يكون مقروناً بالواو فيكون بمعنى التساوي. كقولهم: استوى الماء والعتبة.
الثالث: أن يكون مقروناً بإلى فيكون بمعنى القصد كقوله - تعالى-: ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء [فصلت:11].
الرابع: أن يكون مقروناً بعلى فيكون بمعنى العلو والارتفاع كقوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5].
وذهب بعض السلف إلى أن الاستواء المقرون بإلى كالمقرون بعلى، فيكون معناه الارتفاع والعلو، كما ذهب بعضهم إلى أن الاستواء المقرون بعلى بمعنى الصعود والاستقرار.
وأما تفسيره بالجلوس فقد نقل ابن القيم في (الصواعق) (4/ 1303) عن خارجة بن مصعب في قوله - تعالى-: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] قوله: "وهل يكون الاستواء إلا الجلوس". أ. هـ. وقد ورد ذكر الجلوس في حديث أخرجه الإمام أحمد عن ابن عباس - رضي الله عنهما- مرفوعاً. والله أعلم.
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 243 - 246
_________
(1) رواه مسلم (537).
المبحث الثامن عشر: الرد على إيجابهم اتباع أبي حنيفة
قال فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - حفظه الله- إجابة على سؤال وجّه إليه:
" ... ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها، فإن إجماعهم على حكم مسألة من المسائل ليس إجماعاً للأمة، والأئمة أنفسهم رحمهم الله ما جعلهم الله أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلاً للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم، وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقاً لطاعة النبي، صلى الله عليه وسلم، وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة، ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة، ومذهب الإمام أحمد، ومذهب الإمام الشافعي، ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلة لأن تكون خطأ وصواباً، فإن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله، صلى الله عليه وسلم ... ".
وجاء أيضاً في فتاواه:
" ... وهو جائز لمن لا يصل إلى العلم بنفسه لقوله: فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:43].
والمذاهب المشهورة أربعة، وهناك مذاهب أخرى كمذهب الظاهرية، والزيدية، والسفيانية، وغيرهم، وكل يؤخذ من قوله ما كان صواباً، ويترك من قوله ما كان خطأ، ولا عصمة إلا في كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
O الديوبندية لأبي أسامة سيد طالب الرحمن - ص 263، 264
مراجع للتوسع:
مراجع الديوبندية:
ـ جامعة ديوبند رسالتها وإنجازاتها لعدد من العلماء.
ـ جامعة دار العلوم بديوبند تاريخها وخدماتها.
ـ مائة وسبعة عشر عاماً للجامعة الإسلامية ـ دار العلوم بديوبند ـ الهند ـ في ضوء خدماتها العلمية والدعوية والاجتماعية.
ـ (هذه المطبوعات من نشر مكتب الاحتفال المئوي للجامعة الإسلامية ـ دار العلوم ـ ديوبند ـ الهند).
ـ أرواح ثلاثة "أردو" نجم الدين حقاني مطبعة كتب خانه مظهري كراجي.
ـ الشهاب الثاقب "أردو" حسين أحمد مدني ـ مطبعة مكتبة مدينة لاهور.
ـ عقائد وكمالات ديوبند "أردو" مولانا الله بار ـ مطبعة مكتبة رشيدية لاهور.
ـ نقش حيات "أردو" حسين أحمد مدني ـ مطبعة الأشاعت كراجي.
ـ مقدمة مسلك علماء ديوبند "أردو" مولانا يوسف بنوري ـ مطبعة الأشاعت كراجي.
ـ سوانح قاسمي ـ مناظر أحمد كيلاني، مكتبة رحمانية لاهور.
ـ شمائل إمدادية حاج إمداد الله المهاجر المكي.
ـ مقالات حكمت، أشرف علي تهانوي ـ إدارة التأليف.
ـ المهند على المفند ـ أحمد سهارنفوري ـ مكتبة المدينة لاهور.
ـ نشر الطيب، أشرف علي تهانوي.
ـ كرامات إمدادية ـ أشرف تهانوني.
ـ جريدة الداعي من إصدار الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند الهند العدد 17 ـ 18 السنة 16 العدد 10 السنة 17.
كتب ورسائل لغير الديوبنديين:
ـ دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية وأثرها على الحركات الإسلامية المعاصرة ـ صلاح الدين مقبول أحمد.
ـ دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب ـ أبو المكارم بن عبد الجليل في شبه القارة الهندية بين مؤيديها ومعانديها ـ مكتبة دار السلام ـ الرياض.
ـ الديوبندية ـ سيد طالب الرحمن ـ نازكوبرنترز راولبندي "باكستان".