أخبار الإنترنت
recent

الصفات

الصفات

القاعدة الأولى:
صفات الله تعالى كلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه.
كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك وقد دل على هذا السمع، والعقل، والفطرة.
أما السمع: فمنه قوله تعالى: لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60] والمثل الأعلى هو الوصف الأعلى.
وأما العقل: فوجهه أن كل موجود حقيقة، فلابد أن تكون له صفة إما صفة كمال، وإما صفة نقص والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة؛ ولهذا أظهر الله تعالى بطلان ألوهية الأصنام باتصافها بالنقص والعجز فقال تعالى: وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف:5] وقال تعالى: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:20 - 21] وقال عن إبراهيم وهو يحتج على أبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم:42] وعلى قومه: أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلا يَضُرُّكُمْ أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ [الأنبياء:66 - 67] ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفات كمال، وهي من الله تعالى، فمعطي الكمال أولى به وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة مفطورة على محبة الله وتعظيمه وعبادته، وهل تحب وتعظم وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟ وإذا كانت الصفة نقصاً لا كمال فيها فهي ممتنعة في حق الله تعالى كالموت والجهل، والنسيان، والعجز، والعمى، والصمم ونحوها؛ لقوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] وقوله عن موسى: فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى [طه:52] وقوله: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [فاطر:44] وقوله: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ [الزخرف:80] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الدجال ((إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)) (1) وقال: ((أيها الناس، اربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً)) (2) وقد عاقب الله تعالى الواصفين له بالنقص، كما في قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64] وقوله: لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ [آل عمران:181] ونزه نفسه عما يصفونه به من النقائص، فقال سبحانه: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات:180 - 182] وقال تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ [المؤمنون:91].
_________
إذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها، كقوله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] وقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15 - 16] وقوله: وَالَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف:182 - 183] وقوله: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء:142] وقوله: قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللهُ يَسْتَهْزِىءُ بِهِمْ [البقرة:14 - 15]، ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى: وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ فقال: فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال:71]، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقاً وبذا عرف أن قول بعض العوام: (خان الله من يخون) منكر فاحش، يجب النهي عنه القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص27


القاعدة الثانية:
باب الصفات أوسع من باب الأسماء
وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة ... ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله تعالى، وأفعاله لا منتهى لها، كما أن أقواله لا منتهى لها، قال الله تعالى: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِن شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِن بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَّا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27].
ومن أمثلة ذلك: أن من صفات الله تعالى المجيء، والإتيان، والأخذ والإمساك، والبطش، إلى غير ذلك من الصفات التي لا تحصى كما قال تعالى: وَجَاءَ رَبُّك [الفجر:22] وقال: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ [البقرة:210] وقال: فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ [آل عمران:11] وقال: وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الأَرْضِ إِلا بِإِذْنِهِ [الحج:65] وقال: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج:12] وقال: يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185] وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)) (1).
فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا نسميه بها، فلا نقول إن من أسمائه الجائي، والآتي، والآخذ، والممسك، والباطش، والمريد، والنازل، ونحو ذلك، وإن كنا نخبر بذلك عنه ونصفه به القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص30

القاعدة الثالثة:
صفات الله تعالى على قسمين: ثبوتية، وسلبية
فالثبوتية: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة والعلم، والقدرة، والاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والوجه، واليدين، ونحو ذلك فيجب إثباتها لله تعالى حقيقة على الوجه اللائق به بدليل السمع والعقل أما السمع: فمنه قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِيَ أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيدًا [النساء:136] فالإيمان بالله يتضمن: الإيمان بصفاته والإيمان بالكتاب الذي نزل على رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما جاء فيه من صفات الله وكون محمد صلى الله عليه وسلم رسوله يتضمن: الإيمان بكل ما أخبر به عن مرسله، وهو الله – عز وجل.
وأما العقل: فلأن الله تعالى أخبر بها عن نفسه، وهو أعلم بها من غيره، وأصدق قيلاً، وأحسن حديثاً من غيره، فوجب إثباتها له كما أخبر بها من غير تردد، فإن التردد في الخبر إنما يتأتى حين يكون الخبر صادراً ممن يجوز عليه الجهل، أو الكذب، أو العي بحيث لا يفصح بما يريد، وكل هذه العيوب الثلاثة ممتنعة في حق الله – عز وجل – فوجب قبول خبره على ما أخبر به وهكذا نقول فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الله تعالى، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بربه وأصدقهم خبراً وأنصحهم إرادة، وأفصحهم بياناً، فوجب قبول ما أخبر به على ما هو عليه والصفات السلبية: ما نفاها الله – سبحانه – عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات نقص في حقه كالموت، والنوم، والجهل، والنسيان، والعجز، والتعب فيجب نفيها عن الله تعالى – لما سبق – مع إثبات ضدها على الوجه الأكمل، وذلك لأن ما نفاه الله تعالى عن نفسه فالمراد به بيان انتفائه لثبوت كمال ضده، لا لمجرد نفيه؛ لأن النفي ليس بكمال، إلا أن يتضمن ما يدل على الكمال، وذلك لأن النفي عدم، والعدم ليس بشيء، فضلاً عن أن يكون كمالاً، ولأن النفي قد يكون لعدم قابلية المحل له، فلا يكون كمالاً كما لو قلت: الجدار لا يظلم وقد يكون للعجز عن القيام به فيكون نقصاً، كما في قول الشاعر:
قبيلة لا يغدرون بذمة ... ولا يظلمون الناس حبة خردل
وقول الآخر:
لكن قومي وإن كانوا ذوي حسب ... ليسوا من الشر في شيء وإن هانا
مثال ذلك: قوله تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58] فنفي الموت عنه يتضمن كمال حياته.
مثال آخر: قوله تعالى: وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا [الكهف:49] ونفي الظلم عنه يتضمن كمال عدله.
مثال ثالث: قوله تعالى: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ [فاطر:44] فنفي العجز عنه يتضمن كمال علمه وقدرته ولهذا قال بعده: إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا [فاطر:44] لأن العجز سببه إما الجهل بأسباب الإيجاد، وإما قصور القدرة عنه فلكمال علم الله تعالى وقدرته لم يكن ليعجزه شيء في السموات ولا في الأرض وبهذا المثال علمنا أن الصفة السلبية قد تتضمن أكثر من كمال القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص31

القاعدة الرابعة:
الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر.
ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر بكثير من الصفات السلبية، كما هو معلوم.
أما الصفات السلبية فلم تذكر غالباً إلا في الأحوال التالية:
الأولى: بيان عموم كماله كما في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4].
الثانية: نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون، كما في قوله: أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا [مريم:91 - 92].
الثالثة: دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر المعين، كما في قوله: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ [الأنبياء:16] وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ [ق:38] القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص33

القاعدة الخامسة:
الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية
فالذاتية: هي التي لم يزل ولا يزال متصفاً بها، كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والعلو، والعظمة، ومنها الصفات الخبرية، كالوجه، واليدين، والعينين والفعلية: هي التي تتعلق بمشيئته، إن شاء فعلها، وإن شاء لم يفعلها، كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية فعلية باعتبارين، كالكلام، فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله تعالى لم يزل ولا يزال متكلماً وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء كما في قوله تعالى: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82] وكل صفة تعلقت بمشيئته تعالى فإنها تابعة لحكمته وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها لكننا نعلم علم اليقين أنه – سبحانه – لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق للحكمة، كما يشير إليه قوله تعالى: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا [الإنسان:30]. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص34

القاعدة السادسة:
يلزم في إثبات الصفات التخلي عن محذورين عظيمين
أحدهما: التمثيل والثاني: التكييف فأما التمثيل: فهو اعتقاد المثبت أن ما أثبته من صفات الله تعالى مماثل لصفات المخلوقين، وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل أما السمع: فمنه قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وقوله: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل:17] وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] وقوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4] وأما العقل فمن وجوه: الأول: أنه قد علم بالضرورة أن بين الخالق والمخلوق تبياناً في الذات، وهذا يستلزم أن يكون بينهما تباين في الصفات؛ لأن صفة كل موصوف تليق به، كما هو ظاهر في صفات المخلوقات المتباينة في الذوات، فقوة البعير مثلاً غير قوة الذرة، فإذا ظهر التباين بين المخلوقات مع اشتراكها في الإمكان والحدوث، فظهور التباين بينها وبين الخالق أجلى وأقوى الثاني: أن يقال: كيف يكون الرب الخالق الكامل من جميع الوجوه مشابهاً في صفاته للمخلوق المربوب الناقص المفتقر إلى من يكمله، وهل اعتقاد ذلك إلا تنقص لحق الخالق؟! فإن تشبيه الكامل بالناقص يجعله ناقصاً الثالث: أننا نشاهد في المخلوقات ما يتفق في الأسماء ويختلف في الحقيقة والكيفية، فنشاهد أن للإنسان يداً ليست كيد الفيل، وله قوة ليست كقوة الجمل، مع الاتفاق في الاسم، فهذه يد وهذه يد، وهذه قوة وهذه قوة، وبينهما تباين في الكيفية والوصف، فعلم بذلك أن الاتفاق في الاسم لا يلزم منه الاتفاق في الحقيقة والتشبيه كالتمثيل، وقد يفرق بينهما بأن التمثيل التسوية في كل الصفات، والتشبيه التسوية في أكثر الصفات، لكن التعبير بنفي التمثيل أولى لموافقة القرآن: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] وأما التكييف: فهو أن يعتقد المثبت أن كيفية صفات الله تعالى كذا وكذا، من غير أن يقيدها بمماثل وهذا اعتقاد باطل بدليل السمع والعقل أما السمع: فمنه قوله تعالى: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110] وقوله: وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36] ومن المعلوم أنه لا علم لنا بكيفية صفات ربنا؛ لأنه تعالى أخبرنا عنها ولم يخبرنا عن كيفيتها، فيكون تكييفنا قفواً لما ليس لنا به علم، وقولاً بما لا يمكننا الإحاطة به وأما العقل: فلأن الشيء لا تعرف كيفية صفاته إلا بعد العلم بكيفية ذاته أو العلم بنظيره المساوي له، أو بالخبر الصادق عنه، وكل هذه الطرق منتفية في كيفية صفات الله – عز وجل – فوجب بطلان تكييفها وأيضاً فإننا نقول: أي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى؟ إن أي كيفية تقدرها في ذهنك، فالله أعظم وأجل من ذلك وأي كيفية تقدرها لصفات الله تعالى فإنك ستكون كاذباً فيها؛ لأنه لا علم لك بذلك وحينئذ يجب الكف عن التكييف تقديراً بالجنان، أو تقديراً باللسان، أو تحريراً بالبنان ولهذا لما سئل مالك – رحمه الله تعالى – عن قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ أطرق رحمه الله برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) ثم قال: "الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة" وروى عن شيخه ربيعة أيضاً: "الاستواء غير مجهول والكيف غير معقول" وقد مشى أهل العلم بعدهما على هذا الميزان وإذا كان الكيف غير معقول ولم يرد به الشرع فقد انتفى عنه الدليلان العقلي والشرعي فوجب الكف عنه فالحذر الحذر من التكييف أو محاولته، فإنك إن فعلت وقعت في مفاوز لا تستطيع الخلاص منها، وإن ألقاه الشيطان في قلبك فاعلم أنه من نزغاته، فالجأ إلى ربك فإنه معاذك، وافعل ما أمرك به فإنه طبيبك، قال الله تعالى: وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [فصلت:36]. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص35

القاعدة السابعة:
صفات الله تعالى توقيفية لا مجال للعقل فيها
فلا نثبت لله تعالى من الصفات إلا ما دل الكتاب والسنة على ثبوته، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: "لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه، أو وصفه به رسوله، لا يتجاوز القرآن والحديث" ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
الأول: التصريح بالصفة كالعزة، والقوة، والرحمة، والبطش، والوجه، واليدين ونحوها الثاني: تضمن الاسم لها مثل: الغفور متضمن للمغفرة، والسميع متضمن للسمع، ونحو ذلك.
الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، الدال عليها – على الترتيب – قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ينزل ربنا إلى السماء الدنيا)) الحديث (1) وقول الله تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22] وقوله: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22]. القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى لمحمد بن صالح بن عثيمين- ص38
_________
(1) رواه البخاري (1145)، ومسلم (758). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

القاعدة الثامنة
(التوقف في الألفاظ المجملة التي لم يرد إثباتها ولا نفيها، أما معناها؛ فَيُسْتفصل عنه، فإن أريد به باطل يُنَزَّه الله عنه؛ رُدَّ، وإن أريد به حق لا يمتنع على الله؛ قُبِلَ، مع بيان ما يدلُّ على المعنى الصواب من الألفاظ الشرعية، والدعوة إلى استعماله مكان هذا اللفظ المجمل الحادث) (1).
مثاله: لفظة (الجهة): نتوقف في إثباتها ونفيها، ونسأل قائلها: ماذا تعني بالجهة؟ فإن قال: أعني أنه في مكان يحويه قلنا: هذا معنى باطل يُنَزَّه الله عنه، ورددناه وإن قال: أعني جهة العلو المطلق؛ قُلْنا: هذا حق لا يمتنع على الله وقبلنا منه المعنى، وقلنا له: لكن الأولى أن تقول: هو في السماء، أو في العلو؛ كما وردت به الأدلة الصحيحة، وأما لفظة (جهة)؛ فهي مجملة حادثة، الأولى تركها.
_________
(1) (التدمرية/ 65)، (مجموع الفتاوى) (5/ 299 و6/ 36).

القاعدة التاسعة:
(كل صفة ثبتت بالنقل الصحيح؛ وافقت العقل الصريح، ولابد) (1)
_________
(1) (مختصر الصواعق المرسلة) (1/ 141، 253).

القاعدة العاشرة:
(صفات الله عَزَّ وجَلَّ يستعاذ بها ويُحلف بها) (1).
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك)) رواه مسلم (2)، ولذلك بوب البخاري في كتاب الأيمان والنذور: باب: الحلف بعزة الله وصفاته وكلماته.
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 143، 229) و (35/ 273)، وانظر: ((شرح السنة)) للبغوي (1/ 185 - 187)، وفَرَّق بعضهم بين الحلف بالصفة الفعليَّة والصفة الذاتِيَّة، وقالوا: لا يجوز الحلف بصفات الفعل.
(2) رواه مسلم (486).

القاعدة الحادية عشرة:
(الكلام في الصفات كالكلام في الذات) (1).
فكما أن ذاته حقيقية لا تشبه الذوات؛ فهي متصفة بصفات حقيقية لا تشبه الصفات، وكما أن إثبات الذات إثبات وجود لا إثبات كيفية، كذلك إثبات الصفات.
_________
(1) ((الكلام على الصفات)) للخطيب البغدادي (ص20)، ((الحجة في بيان المحجة)) لقوام السنة (1/ 174)، ((التدمرية)) (ص43)، ((مجموع الفتاوى)) (5/ 330، 6/ 355).

القاعدة الثانية عشرة:
(القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر) (1).
فمن أقر بصفات الله؛ كالسمع، والبصر، والإرادة، يلزمه أن يقر بمحبة الله، ورضاه، وغضبه، وكراهيته يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن فرق بين صفة وصفة، مع تساويهما في أسباب الحقيقة والمجاز؛ كان متناقضاً في قوله، متهافتاً في مذهبه، مشابهاً لمن آمن ببعض الكتاب وكفر ببعض.
_________
(1) ((التدمرية)) (ص31)، ((مجموع الفتاوى)) (5/ 212).

القاعدة الثالثة عشرة:
(ما أضيف إلى الله مما هو غير بائنٍ عنه؛ فهو صفة له غير مخلوقة، وكلُّ شيء أضيف إلى الله بائن عنه؛ فهو مخلوق؛ فليس كل ما أضيف إلى الله يستلزم أن يكون صفةً له) (1).
مثال الأول: سمعُ الله، وبصرُ الله، ورضاه، وسخطُه ومثال الثاني: بيت الله، وناقة الله.
القاعدة الرابعة عشرة:
(صفات الله عَزَّ وجَلَّ وسائر مسائل الاعتقاد تثبت بما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان حديثاً واحداً، وإن كان آحاداً) (2).
_________
(1) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (3/ 145)، ((مجموع الفتاوى)) (9/ 290) له أيضاً، ((مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين)) (1/ 166).
(2) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 332، 412، 433).

القاعدة الخامسة عشرة:
(ما جاء في الكتاب أو السنة، وجب على كل مؤمن القول بموجبه والإيمان به، وإن لم يفهم معناه) (1).
_________
(1) ((التدمرية)) (ص: 65)، ((مجموع الفتاوى)) (5/ 298)، ((دقائق التفسير)) (5/ 245).

القاعدة السادسة عشرة:
(باب الأخبار أوسع من باب الصفات، وما يطلق عليه من الأخبار؛ لا يجب أن يكون توقيفياً؛ كالقديم، والشيء، والموجود) (1).
_________
(1) ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (1/ 162).

القاعدة السابعة عشرة:
(صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا يقاس عليها) (1).
فلا يقاس السخاءُ على الجود، ولا الجَلَدُ على القوة، ولا الاستطاعةُ على القدرة، ولا الرقة على الرحمة والرأفة، ولا المعرفة على العلم وهكذا؛ لأن صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا يتجاوز فيها التوقيف.
القاعدة الثامنة عشرة:
(صفات الله عَزَّ وجَلَّ لا حصر لها؛ لأن كل اسم يتضمن صفة، ... وأسماء الله لا حصر لها، فمنها ما استأثر الله به في علم الغيب عنده) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص20
_________
(1) ((شأن الدعاء)) للخطابي (ص: 111).

المبحث الثاني: أنواع الصفات
• المطلب الأول: الصفات الثبوتية وضابطها.
• المطلب الثاني: الصفات المنفية وضابطها.


المطلب الأول: الصفات الثبوتية وضابطها
الصفات الثبوتية (المثبتة) هي: (الصفات التي تدل على معنى ثبوتي ووجودي) (1).
أو هي: ما أثبته الله تعالى لنفسه في كتابه, أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلها صفات كمال، لا نقص فيها بوجه من الوجوه (2).
وأمثلة هذه الصفات كثيرة عسير حصرها، فمن ذلك: العلم، والخلق، والحياة، والقدرة، والإرادة والسمع، والبصر، والكلام، والإحياء، والإماتة، والرضى، والغضب، والوجه، واليدين، والرجل، والعلو والاستواء، وغير ذلك.
فضابط الثبوتي: كل صفة ورد إثباتها لله عز وجل في كتابه, أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.
وهذا النوع من الصفات الثبوتية ينقسم بدوره إلى أقسام متعددة بحسب الاعتبارات التي يرجع إليها كل تقسيم.
- فتنقسم باعتبار تعلقها بذات الله عز وجل إلى:
1 - صفات ذاتية، وهي: التي لا تنفك عن الذات.
كالحياة، والعلم، والقدرة، والوجه، واليدين، ونحوها.
صفات فعلية، وهي: التي تتعلق بمشيئة الله وقدرته.
كالخلق، والرزق، والاستواء، والمجيء، ونحوها (3).
- وتنقسم باعتبار لزومها لذات الله عز وجل إلى:
1 - صفات لازمة، وهي: اللازمة للموصوف لا تفارقه إلا بعدم ذاته، وهي:
- إما ذاتية، وهي: ما لا يمكن تصور الذات مع تصور عدمها، كالوجه، واليدين، والقدم، والإصبع ونحوها.
- وإما معنوية، وهي: ما يمكن تصور الذات مع تصور عدمها، كالحياة، والعلم، والقدرة، ونحوها.
2 - صفات عارضة (اختيارية)، وهي: التي يمكن مفارقتها للموصوف مع بقاء الذات وهي:
- إما من باب الأفعال، كالاستواء، والمجيء، والنزول، ونحوها.
- إما من باب الأقوال، كالتكليم، والمناداة، والمناجاة، ونحوها.
- وإما من باب الأحوال، كالفرح، والضحك، والسخط، ونحوها (4).
وتنقسم باعتبار أدلة ثبوتها إلى:
1 - الصفات الشرعية العقلية، وهي: التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي السمعي، والدليل العقلي، والفطرة السليمة، كالعلم والسمع، والبصر، والعلو، والقدرة، ونحوها.
2 - الصفات الخبرية السمعية، وهي: التي لا سبيل إلى إثباتها إلا بطريق السمع، كالاستواء، واليد، والوجه، والإصبع، والنزول، ونحوها (5). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني - ص 101

المطلب الثاني: الصفات المنفية وضابطها
الصفات المنفية (السلبية) هي: (ما نفاه الله عز وجل عن نفسه في كتابه أو على لسان رسوله الله صلى الله عليه وسلم) (1).
أو هي: (الصفات التي تقع في سياق النفي، أي: التي تدخل عليها أداة النفي، مثل: (ما) و (لا) و (ليس)) (2).
وأمثلتها كثيرة، منها: الموت، والجهل، والعجز، والنوم، والظلم، واتخاذ الصاحبة, أو الولد, أو الشريك، ونحو ذلك.
ومنهم من ذكر تعريفاً آخر للصفات المنفية فقال: (المقصود بصفات السلوب هي: التي يكون السلب داخلاً في مفهومها، فمفهوم القدم عدم الأولية، ومفهوم الوحدة عدم الشركة ونحو ذلك) (3).
وهذا التعريف عليه بعض الاعتراضات، فهو وإن كان في أصله تعريفاً صحيحاً إلا أنه يؤاخذ عليه أمران، هما:
التعريف أولاً: غير جامع فيخرج منه الصفات التي سبقت بأدوات النفي، إذ المنفي فيها هي الصفة نفسها التي هي نقص أو عيب في حق الله عز وجل، لا أن السلب داخل في مفهومها، وهذه الصفات هي الأكثر وروداً في القرآن والسنة (4).
كما يؤاخذ عليه أيضاً: أنه أدخل في التمثيل بعض الصفات التي لم يرد ثبوتها في القرآن الكريم والسنة الصحيحة على أنها صفة، كالقدم، والقيام بالنفس, والمخالفة للحوادث مثلاً، فأهل السنة والجماعة لا يصفون الله عز وجل إلا بما وصف به نفسه, أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فباب الصفات عندهم توقيفي، وإن كان يجوز عندهم إطلاق وصف القدم, والقيام, بالنفس على الله عز وجل, وبأنه قديم وقائم بنفسه من باب الإخبار لا من باب الأسماء والصفات (5).
على أن بعض الصفات التي يذكر المتكلمون أنها صفات سلبية ورد إطلاقها في حق الله عز وجل أسماء: كالواحد، والباقي، والغني، لكن على سبيل الإثبات لا النفي، فإن الله عز وجل يسمى الواحد ويوصف بالوحدانية، ويسمى الباقي ويوصف بالبقاء، ويسمى الغني ويوصف بالغنى المطلق عن كل ما سواه. وإن كانت هذه الصفات تتضمن نفي أضدادها، من عدم الشريك وعدم الفناء وعدم الاحتياج إلى الغير، لكن هذا يقال في جميع الصفات المثبتة، أن إثباتها على الوجه الكامل يستلزم نفي ضدها من النقص، فلو جعل هذا ضابطاً في النفي، لم يبق عندنا إلا صفات منفية فقط.
والذي يجب أن يعلم أن ما من نفي ورد في القرآن والسنة – على قلته -، فإنه لم يرد إلا لإثبات كمال ضد الأمر المنفي؛ لأن النفي المحض ليس فيه مدح، ...
وضابط النفي في صفات الله عز وجل: (أن ينفى عن الله تعالى:
أولاً: كل صفة عيب؛ كالعمى، والصم، والخرس، والنوم، والموت .. ونحو ذلك.
ثانياً: كل نقص في كماله؛ كنقص حياته، أو علمه، أو قدرته، أو عزته، أو حكمته .. أو نحو ذلك.
ثالثا: مماثلة المخلوقين؛ كأن يجعل علمه كعلم المخلوق، أو وجهه كوجه المخلوق، أو استواؤه على عرشه كاستواء المخلوق .. ونحو ذلك.
فمن أدلة انتفاء الأول عنه: قوله تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، فإن ثبوت المثل الأعلى له – وهو الوصف الأعلى – يستلزم انتفاء كل صفة عيب.
ومن أدلة انتفاء الثاني: قوله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ [ق: 38].
ومن أدلة انتفاء الثالث قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] (6)). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص 103
_________
(1) ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)) (ص: 30). ((الصفات الإلهية، تعريفها وأقسامها)) (ص: 58).
(2) ((الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية)) (ص: 201).
(3) ((ابن تيمية السلفي لهراس)) (ص: 87).
(4) انظر: ((الصفات الإلهية في الكتاب والسنة النبوية)) (ص: 203).
(5) ((العقائد السلفية بأدلتها النقلية والعقلية)) (1/ 85).
(6) ((تقريب التدمرية)) (ص: 85).

تمهيد
أحصيت جميع الصفات الفعليَّة الخبرية؛ كالضحك، والبشبشة والغضب والحب والبغض والكيد والمكر وغيرها، وبعضاً من الصفات السمعية، أما بقية الصفات الفعليَّة – السمعية العقلية –؛ فهذه لا منتهى لها، وأنَّى لأحدٍ أن يحصيها، وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاء [إبراهيم:27] صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص16

- الأولية
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وذلك من اسمه (الأَوَّلُ)، الثابت في الكتاب والسنة، ومعناه: الذي ليس قبله شيء.
الدليل من الكتاب: قوله تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3].
الدليل من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((اللهم أنت الأوَّل؛ فليس قبلك شيء)) (1).
قال ابن القيم: فأوليَّةُ الله عَزَّ وجَلَّ سابقة على أوليَّةِ كل ما سواه، وآخريَّتُه ثابتةٌ بعد آخرِيَّةِ كل ما سواه، فأوليَّتُه سَبْقُه لكل شيء، وآخريَّتُه بقاؤه بعد كل شيء، وظاهريَّتُه سبحانه فوقيَّتُه وعلوه على كل شيء، ومعنى الظهور يقتضي العلو، وظاهر الشيء هو ما علا منه وأحاط بباطنه، وبطونه سبحانه إحاطته بكل شيء، بحيث يكون أقرب إليه من نفسه، وهذا قرب غير قرب المحب من حبيبه، هذا لون وهذا لون، فمدار هذه الأسماء الأربعة على الإحاطة، وهي إحاطتان: زمانيَّة، ومكانيَّة، فإحاطة أوليَّتِه وآخريَّتِه بالقَبْلِ والبَعْدِ، فكل سابق انتهى إلى أوليَّتِه، وكلُ آخرٍ انتهى إلى آخريَّتِه، فأحاطت أوليَّتُه وآخريَّتُه بالأوائل والأواخر، وأحاطت ظاهريَّتُه وباطنيَّتُه بكلِّ ظاهرٍ وباطن، فما من ظاهرٍ إلا والله فوقه، وما من باطن إلا والله دونه، وما من أولٍ إلا والله قبله، وما من آخرٍ إلا والله بعده، فالأوَّلُ قِدَمُه، والآخرُ دوامه وبقاؤه، والظاهر علوه وعظمته، والباطن قربه ودنوه، فسبق كلَّ شيء بأوليَّته، وبقي بعد كلُّ شيء بآخريَّتِه، وعلا على كل شيء بظهوره، ودنا من كل شيء ببطونه، فلا تواري منه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضاً، ولا يحجب عنه ظاهرٌ باطناً، بل الباطنُ له ظاهر، والغيبُ عنده شهادة، والبعيدُ منه قريب، والسرُّ عنده علانية، فهذه الأسماء الأربعة تشتمل على أركان التوحيد، فهو الأوَّل في آخريَّتِه، والآخر في أوليَّتِه، والظاهر في بطونه، والباطن في ظهوره، لم يزل أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً (2) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص38
_________
(1) رواه مسلم (2713).
(2) ((طريق الهجرتين)) (ص27).

- الإتيان والمجيء
صفتان فعليتان خبريَّتان ثابتتان بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
1 - قوله تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِّنَ الْغَمَامِ وَالْمَلآئِكَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ [البقرة:210]
2 - وقوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158]
3 - وقوله: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا [الفجر:22]
الدليل من السنة:
1 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((وإن تقرَّب إليَّ ذراعاً؛ تقرَّبت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي؛ أتيتُه هرولةً)) (1)
2 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية: ((قال: فيأتيهم الجبَّار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة، فيقول: أنا ربكم)) (2)
قال ابن جرير في تفسير الآية الأولى: اختُلِف في صفة إتيان الرب تبارك وتعالى الذي ذكره في قوله: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللهُ [البقرة: 210] فقال بعضهم: لا صفة لذلك غير الذي وصَف به نفسه عَزَّ وجَلَّ من المجيء والإتيان والنُّزُول، وغير جائز تكلف القول في ذلك لأحدٍ إلا بخبرٍ من الله جل جلاله أو من رسولٍ مرسل، فأما القول في صفات الله وأسمائه؛ فغير جائز لأحد من جهة الاستخراج؛ إلا بما ذكرنا وقال آخرون، ثم رجَّح القول الأوَّل
وقال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يجيء يوم القيامة والملك صفاً صفاً. اهـ (3)
وقال الشيخ محمد خليل الهرَّاس بعد أن ذكر شيخ الإسلام الآيات السابقة: في هذه الآيات إثبات صفتين من صفات الفعل، وهما صفتا الإتيان والمجيء، والذي عليه أهل السنة والجماعة الإيمان بذلك على حقيقته، والابتعاد عن التأويل الذي هو في الحقيقة إلحاد وتعطيل اهـ وانظر كلام البغوي في صفة (الأصابع) (4).
فائدة: لقد جاءت صفتا الإتيان والمجيء مقترنتين في حديثٍ واحدٍ، رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إذا تلقَّاني عبدي بشبرٍ؛ تلقَّيْته بذراع، وإذا تلقَّاني بذراع، تلقَّيْته بباع، وإذا تلقَّاني بباع، جئتُه أتيتُه بأسرع)) (5) قال النووي: (هكذا هو في أكثر النسخ: ((جئتُه أتيتُه))، وفي بعضها ((جئتُه بأسرع)) فقط، وفي بعضها: ((أتيتُه))، وهاتان ظاهرتان، والأوَّل صحيح أيضاً، والجمع بينهما للتوكيد، وهو حسن، لاسيما عند اختلاف اللفظ، والله أعلم) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص39
_________
(1) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(2) رواه البخاري (7439)، ومسلم (183).
(3) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص227).
(4) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص112).
(5) رواه مسلم (2675).

- الإجابة
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، والمجيب اسمٌ من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
1 - قوله تعالى: فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم [آل عمران: 195]
2 - وقوله: إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ [هود: 61].
3 - وقوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186].
الدليل من السنة:
1 - حديث: ((لا يزال يستجاب للعبد؛ ما لم يدعُ بإثم أو قطيعة رحم؛ ما لم يستعجل قيل: يا رسول الله! ما الاستعجال؟ قال: يقول: قد دعوتُ وقد دعوتُ فلم أر يستجيب لي، فيستحسِر عند ذلك، ويدع الدعاء)) (1).
2 - حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ((ألا وإني قد نهيت عن القراءة في الركوع والسجود فإذا ركعتم فعظموا ربكم وإذا سجدتم فاجتهدوا في الدعاء فإنه قَمِنٌ أن يستجاب لكم)) (2).
قال الحافظ ابن القيم (3):
وَهُوَ المجُيبُ يَقُوُلُ من يَدْعُو أُجِبْـ ... ـهُ أنا المجُيبُ لِكُلِّ مَنْ نَادَانِي
وَهُوَ المُجيبُ لِدَعْوَةِ المُضْطَّرِّ ... يَدْعُوهُ في سِرٍّ وفي إعْلانِ
قال الشيخ الهرَّاس في شرح هذه الأبيات: (ومن أسمائه سبحانه (المجيب) وهو اسم فاعل من الإجابة، وإجابته تعالى نوعان: إجابة عامة لكل من دعاه دعاء عبادة أو دعاء مسألة).
وقال الشيخ السعدي: ومن آثاره الإجابة للداعين والإنابة للعابدين؛ فهو المجيب إجابة عامة للداعين مهما كانوا، وعلى أي حال كانوا؛ كما وعدهم بهذا الوعد المطلق، وهو المجيب إجابة خاصة للمستجيبين له، المنقادين لشرعه، وهو المجيب أيضاً للمضطرين ومن انقطع رجاؤهم من المخلوقين وقويَ تعلقهم به طمعاً ورجاءً وخوفاً (4) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص41
_________
(1) رواه مسلم (2735).
(2) رواه النسائي (2/ 217). والحديث رواه بنحوه مسلم (479).
(3) ((النونية)) (2/ 87).
(4) ((تفسير السعدي)) (5/ 304).

- الأحد
يوصف الله جل وعلا بأنه الأحد، وهو اسمٌ له سبحانه وتعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص: 1].
الدليل من السنة:
1 - الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه: ((وأما شتمه إياي؛ فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفأً أحد)) (1).
2 - حديث بريدة رضي الله عنه؛ ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك أني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد)) (2).
معناه:
1 - الذي لا شبيه له ولا نظير قاله: البيهقي (3).
2 - الأحد: الفرد قاله: ابن الأثير (4).
3 - الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل، ولا يطلق هذا اللفظ على أحدٍ في الإثبات إلا على الله عَزَّ وجَلَّ؛ لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله قاله: ابن كثير في تفسير سورة الإخلاص. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص43
_________
(1) رواه البخاري (4974).
(2) رواه أبو داود (1493)، والترمذي (3475)، وابن ماجه (3857)، وأحمد (5/ 349) (23002)، والحاكم (1/ 683). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجة)): صحيح.
(3) ((الاعتقاد)) (ص67).
(4) ((جامع الأصول)) (4/ 180).

- الإحسان
صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، والإحسان يأتي بمعنيين:
1 - الإنعام على الغير، وهو زائد على العدل.
2 - الإتقان والإحكام.
والمحسن من أسماء الله تعالى
الدليل من الكتاب:
1 - قوله تعالى: الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنسَانِ مِن طِينٍ [السجدة: 7].
2 - وقوله: وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ [التغابن: 3].
3 - وقوله: قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا [الطلاق: 11].
4 - وقوله: وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص: 77].
الدليل من السنة:
1 - حديث أنس رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا حكمتم؛ فاعدلوا، وإذا قتلتم؛ فأحسنوا؛ فإن الله مُحْسِنٌ يحب الإحسان)) (1).
2 - حديث شداد بن أوس رضي الله عنه؛ قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتين؛ أنه قال: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ مُحْسِنٌ يحب الإحسان، فإذا قتلتم؛ فأحسنوا القتلة)) (2).
3 - حديث الحسن عن سمرة مرفوعاً: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ مُحْسِنٌ؛ فأحسنوا، فإذا قتل أحدكم فليكرم قاتله وإذا ذبح فليحد شفرته وليرح ذبيحته.)) (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص43
_________
(1) رواه ابن أبي عاصم في ((الدِّيَّات)) (ص94)، والطبراني في ((الأوسط)) (5735) واللفظ له، وابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (7/ 306)، وأبو نعيم في ((أخبار أصبهان)) (2/ 113). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 197):رواه الطبراني في ((الأوسط)) ورجاله ثقات. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (469): وهذا إسناد جيد رجاله ثقات. وقال في ((إرواء الغليل)) (7/ 293): سنده حسن.
(2) رواه عبدالرزاق (4/ 492)، ومن طريقه الطبراني (6/ 429)، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1824). والحديث رواه مسلم (1955) بدون لفظة: ((محسن)).
(3) رواه ابن عدي في ((الكامل في الضعفاء)) (8/ 175). والحسن اختلف في سماعه من سمرة. انظر لذلك: ((نصب الراية)) (1/ 92)، و ((التلخيص الحبير)) (2/ 67) (655). والحديث صححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (1823).

- الأخذ باليد
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب: قوله تعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ [الأعراف: 172].
الدليل من السنة:
1 - حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((يأخذ الله عَزَّ وجَلَّ سماواته وأراضيه بيديه، فيقول: أنا الله - ويقبض أصابعه ويبسطها - أنا الملك)) (1).
2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((وما تصدق أحد بصدقة من طيِّب، ولا يقبل الله إلا الطَّيِّب؛ إلا أخذها الرحمن بيمينه)) (2).
قال ابن فارس: الهمزة والخاء والذال أصل واحد تتفرع منه فروع متقاربة في المعنى أما (أخْذ)؛ فالأصل حَوْزُ الشيء وجَبْيه وجَمْعه، تقول أخذت الشيء آخذه أخذاً قال الخليل: هو خلاف العطاء، وهو التناول اهـ (3).
فالأخذ إمَّا أن يكون خلاف العطاء، وهو ما كان باليد كالعطاء، وإما أخذ قهر؛ كقوله تعالى: فَأَخَذَهُ اللهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى [النازعات:25]، وقوله تعالى: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى [هود:102]، ومنه أخذ الأرواح، وأخذ العهود والمواثيق، وهذا المعنى ظاهر، والمعنيُّ هنا المعنى الأوَّل، وكلاهما صفة لله تعالى.
قال ابن القيم: ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه، مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية؛ من الإمساك، والطي، والقبض، والبسط وأخذ الصدقة بيمينه وأنه يطوي السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى اهـ (4).
وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش إلى غير ذلك من الصفات فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص45
_________
(1) رواه مسلم (2788).
(2) رواه مسلم (1014).
(3) ((معجم مقاييس اللغة)) (1/ 68).
(4) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 171).
(5) ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)) (30).

- الأذن (بمعنى الاستماع)
صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالحديث الصحيح الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنَّى بالقرآن يجهر به)) (1).
قال أبو عبيد القاسم بن سلام بعد أن أورد حديث أبي هريرة رضي الله عنه بإسناده: أما قوله ((كأَذَنِه))؛ يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبيٍ يتغنى بالقرآن، حدثنا حجاج عن ابن جريج عن مجاهد في قوله تعالى: وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ [الانشقاق:2]؛ قال: سمِعَتْ أو قال: استمعت شكَّ أبو عبيد يُقال: أذنتُ للشيء آذَنُ له أذَناً: إذا استمعتُه اهـ (2) وقال البغوي: قوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه)) يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه، والله لا يشغله سمع عن سمع، يقال: أذِنْتُ للشيء آذَنُ أذَناً بفتح الذال: إذا سمعت له) (3) وقال الخطابي في: قوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن)) الألف والذال مفتوحتان، مصدر أذِنْتُ للشيء أذناً: إذا استمعت له، ومن قال: (كإذنه) فقد وهم. اهـ (4).
وقال ابن كثير بعد أن أورد حديث: ((لم يأذن الله لشيء ما أذن لنبي يتغنى بالقرآن)) قال: ومعناه أنَّ الله تعالى ما استمع لشيء كاستماعه لقراءة نبي يجهر بقراءته ويحسنها، وذلك أنه يجتمع في قراءة الأنبياء طيب الصوت لكمال خلقهم وتمام الخشية، وذلك هو الغاية في ذلك، وهو سبحانه وتعالى يسمع أصوات العباد كلهم برهم وفاجرهم، كما قالت عائشة رضي الله عنها: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات (5)، ولكن استماعه لقراءة عباده المؤمنين أعظم؛ كما قال تعالى: وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ [يونس: 61] الآية، ثم استماعه لقراءة أنبيائه أبلغ؛ كما دل عليه هذا الحديث العظيم، ومنهم من فسر الأذَن ها هنا بالأمر، والأوَّل أولى؛ لقوله: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن))؛ أي: يجهر به، والأذَن: الاستماع؛ لدلالة السياق عليه ولهذا جاء في حديث رواه ابن ماجة بسند جيد عن فضالة بن عبيد؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لله أشد أذَناً إلى الرجل الحسن الصوت بالقرآن من صاحب القَيْنةِ إلى قينتِه)) (6) اهـ.
قلت: حديث فضالة رُوي بإسنادين ضعيفين: الأوَّل: منقطع، من رواية إسماعيل بن عبيد الله عن فضالة بن عبيد، رواه أحمد في (المسند 6/ 19)، والحاكم في (المستدرك 1/ 571)، وقال: على شرط البخاري، قال الذهبي: قلت: بل هو منقطع.
والإسناد الثاني: موصول، رواه ابن ماجة (1340) من طريق إسماعيل بن عبيد الله عن ميسرة مولى فضالة عن فضالة به، وعلته ميسرة، قال عنه الذهبي في الميزان: ما حدَّث عنه سوى إسماعيل بن عبيد الله، وقال في (الكاشف): نكرة، وقال ابن حجر في (التقريب): مقبول.
قال الأزهري: وفي الحديث: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن))، قال أبو عبيد: يعني: ما استمع الله لشيء كاستماعه لنبي يتغنى بالقرآن يقال: أذِنْتُ للشيء آذنُ له: إذا استمعت له)) (7) وقال ابن منظور في (لسان العرب): قال ابن سيدة: وأذن إليه أذَنا ً: استمع، وفي الحديث: ((ما أذِنَ الله لشيءٍ كأَذَنِه لنبي يتغنى بالقرآن))، قال أبو عبيد ثم ذكر كلام أبي عبيدٍ السابق.
وقال ابن فارس: ويقال للرجل السامع من كلِّ أحدٍ: أُذُن، قال الله تعالى: وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ [التوبة: 61] والأذَن: الاستماع، وقيل: أذَنٌ؛ لأنه بالأذُن يكون اهـ (8) قلت: هذا في حق المخلوقين، أما الخالق سبحانه وتعالى؛ فشأنه أعظم، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]؛ فنحن نقول: إنَّ الله يأذن أذَناً؛ أي: يستمع استماعاً بلا كيف. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص47
_________
(1) رواه البخاري (5024)، ومسلم (793) واللفظ له.
(2) ((غريب الحديث)) (1/ 282).
(3) ((شرح السنة)) (4/ 484).
(4) ((غريب الحديث)) (3/ 256).
(5) رواه البخاري (7385). عن عائشة رضي الله عنها.
(6) ((فضائل القرآن)) (ص114 - 116).
(7) ((تهذيب اللغة)) (15/ 16).
(8) ((معجم مقاييس اللغة)) (1/ 76).

- الإرادة والمشيئة
صفتان ثابتتان بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا [الأنعام: 125].
وقوله: إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ [المائدة: 1].
وقوله: وَمَا تَشَاؤُونَ إِلا أَن يَشَاء اللَّهُ [الإنسان: 30].
وقوله: قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء [آل عمران: 26].
الدليل من السنة:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((وكَّل الله بالرحم ملكاً ... فإذا أراد الله أن يقضي خلقها؛ قال ... )) (1).
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إذا أراد الله بقوم عذاباً؛ أصاب العذاب من كان فيهم ثم بُعثوا على أعمالهم)) (2).
حديث ((إنك الجنة رحمتي أرحم بك من أشاء، وإنك النار عذابي أعذب بك من أشاء)) (3).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء)) (4).
قال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على إثبات حياة الله عَزَّ وجَلَّ، لم يزل بها حياً إلى أن قال: وإرادة لم يزل بها مريداً اهـ (5) وقال شيخ الإسلام - بعد أن سرد بعض الآيات السابقة وغيرها -: وكذلك وصف نفسه بالمشيئة، ووصف عبده بالمشيئة وكذلك وصف نفسه بالإرادة، ووصف عبده بالإرادة ومعلوم أنَّ مشيئة الله ليست مثل مشيئة العبد، ولا إرادته مثل إرادته00 اهـ (6) وله رحمه الله كلام طويل حول هذه الصفة في (دقائق التفسير) (7) وانظر كلام ابن كثير في صفة (السمع) ويجب إثبات صفة الإرادة بقسميها الكوني والشرعي؛ فالكونية بمعنى المشيئة، والشرعية بمعنى المحبة. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص49
_________
(1) رواه البخاري (6595)، ومسلم (2646).
(2) رواه مسلم (2879).
(3) رواه مسلم (2846).
(4) رواه مسلم (595).
(5) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص214).
(6) ((التدمرية)) (25).
(7) انظر: (5/ 184 - 193).

- استطابة الروائح
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنَّةِ الصحيحة، الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك)) (1) قال الحافظ ابن القيم: من المعلوم أنَّ أطيب ما عند الناس من الرائحة رائحة المسك فمثَّل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخلوف عند الله تعالى بطيب رائحة المسك عندنا وأعظم، ونسبة استطابة ذلك إليه سبحانه وتعالى كنسبة سائر صفاته وأفعاله إليه فإنها استطابة لا تماثل استطابة المخلوقين كما أنَّ رضاه وغضبه وفرحه وكراهيته وحبه وبغضه لا تماثل ما للمخلوق من ذلك كما أنَّ ذاته سبحانه وتعالى لا تشبه ذوات خلقه، وصفاته لا تشبه صفاتهم وأفعالهم، وهو سبحانه وتعالى يستطيب الكلم الطيب فيصعد إليه والعمل الصالح فيرفعه وليست هذه الاستطابة كاستطابتنا، ثم إنَّ تأويله لا يرفع الإشكال إذ ما استشكله هؤلاء من الاستطابة يلزم مثله في الرضا فإن قال: رضا ليس كرضا المخلوقين فقولوا: استطابة ليست كاستطابة المخلوقين وعلى هذا جميع ما يجيء من هذا الباب أهـ (2) وقال الشيخ علي الشبل: والذي قَرَّظه عددٌ من العلماء وفي مقدمتهم الإمام عبدالعزيز بن باز - رحمه الله -: والاستطابة لرائحة خلوف فم الصائم من جنس الصفات العُلى، يجب الإيمان بها مع عدم مماثلة صفات المخلوقين (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص51
_________
(1) رواه البخاري (5583)، ومسلم (1151).
(2) ((الوابل الصيب)) (1/ 52).
(3) ((التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري)) (ص36).

- الاستهزاء بالكافرين
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ في كتابه العزيز الدليل: قوله تعالى: وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [البقرة: 14 - 15] قال ابن فارس: الهزء: السخرية، يُقال: هزيءَ به واستهزأ. أهـ وقال ابن جرير الطبري في تفسير الآية بعد أن ذكر الاختلاف في صفة الاستهزاء: والصواب في ذلك من القول والتأويل عندنا: أنَّ معنى الاستهزاء في كلام العرب: إظهار المستهزِيء للمستَهْزَأ به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وهو بذلك من قِيِله وفعلِه به مورثه مساءة باطناً، وكذلك معنى الخداع والسخرية والمكر ثم قال: وأما الذين زعموا أنَّ قول الله تعالى ذكره اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ إنما هو على وجه الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء ولا مكر ولا خديعة؛ فنافون عن الله عَزَّ وجَلَّ ما قد أثبته الله عَزَّ وجَلَّ لنفسه وأوجبه لها، وسواءٌ قال قائل: لم يكن من الله جل ذكره استهزاء ولا مكر ولا خديعة ولا سخرية بمن أخبر أنه يستهزئ ويسخر ويمكر به، أو قال: لم يخسف الله بمن أخبر أنه خسف به من الأمم ولم يغرق من أخبر أنه أغرقه منهم ويقال لقائل ذلك: إنَّ الله جل ثناؤه أخبرنا أنه مكر بقوم مضوا قبلنا لم نرهم، وأخبرنا عن آخرين أنه خسف بهم، وعن آخرين أنه أغرقهم، فصدقنا الله تعالى فيما ذكره فيما أخبرنا به من ذلك، ولم نفرق بين شيء منه؛ فما برهانك على تفريقك ما فرقت بينه بزعمك أنه قد أغرق وخسف بمن أخبر أنه أغرقه وخسف به، ولم يمكر بمن أخبر أنه قد مكر به؟! اهـ (1).
وقال قوَّام السنة الأصبهاني: وتولى الذب عنهم (أي: عن المؤمنين) حين قالوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، فقال: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وقال: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة:79]، وأجاب عنهم فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء [البقرة:13]؛ فأجل أقدارهم أن يوصفوا بصفة عيب، وتولى المجازاة لهم، فقال اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: 15] وقال سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة 79]؛ لأن هاتين الصفتين إذا كانتا من الله؛ لم تكن سفهاً؛ لأن الله حكيم، والحكيم لا يفعل السفه، بل ما يكون منه يكون صواباً وحكمة اهـ (2).
وقال شيخ الإسلام رداً على الذين يدَّعون أنَّ هناك مجازاً في القرآن: وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن كلفظ (المكر) و (الاستهزاء) و (السخرية) المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة؛ كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله؛ كانت عدلاً؛ كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76] فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا [يوسف:5]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15] وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل:50] وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] ولهذا كان الاستهزاء بهم فعلاً يستحق هذا الاسم؛ كما روى عن ابن عباس؛ أنه يفتح لهم باب من الجنة وهم في النار، فيسرعون إليه، فيغلق، ثم يفتح لهم باب آخر، فيسرعون إليه، فيغلق، فيضحك منهم المؤمنون قال تعالى فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُواْ مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ [المطففين:36] وعن الحسن البصري: إذا كان يوم القيامة؛ خمدت النار لهم كما تخمد الإهالة من القدر، فيمشون، فيخسف بهم وعن مقاتل: إذا ضرب بينهم وبين المؤمنين بسور له باب؛ باطنه فيه الرحمة، وظاهره من قبله العذاب، فيبقون في الظلمة، فيقال لهم: ارجعوا وراءكم فالتمسوا نوراً وقال بعضهم: استهزاؤه: استدراجه لهم وقيل: إيقاع استهزائهم ورد خداعهم ومكرهم عليهم وقيل: إنه يظهر لهم في الدنيا خلاف ما أبطن في الآخرة وقيل: هو تجهيلهم وتخطئتهم فيما فعلوه وهذا كله حق، وهو استهزاء بهم حقيقة)) اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص52
_________
(1) ((مجمل اللغة)) (904).
(2) ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 168).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (7/ 111). وانظر كلام ابن القيم في صفة (الخداع) في ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 34).

- الاستواء على العرش (1)
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه: 5].
وقوله: ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الأعراف: 54، يونس: 3، الرعد: 2، الفرقان: 59، السجدة: 4، الحديد: 4].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم أخذ بيده، فقال: ((يا أبا هريرة! إن الله خلق السماوات والأرضين وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش)) (2).
حديث قتادة بن النعمان رضي الله عنه؛ قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لما فرغ الله من خلقه؛ استوى على عرشه)) (3).
ومعنى الاستواء: العلو، والارتفاع، والاستقرار، والصعود؛ كما في نونية ابن القيم (4) قال رحمه الله:
فلهم عبارات عليها أربع قد ... حصلت للفارس الطعان
وهي استقر وقد علا وكذلك أر ... تفع الذي ما فيه من نكران
وكذاك قد صعد الذي هو أربع
وانظر أيضاً: صفة (العلو)، وكلام البغوي في صفة (الأصابع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص55
_________
(1) انظر: ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) للالكائي (3/ 387)، و ((رسالة في الاستواء والفوقية)) لأبي محمد الجويني، و ((دقائق التفسير)) لابن تيمية (5/ 237 - 244)، (6/ 436 - 439).
(2) رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 427). قال الذهبي في ((العلو)) (ص94): غريب. وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (71): جيد الإسناد.
(3) ذكره الذهبي في ((العلو)) (63)، وفي ((العرش)) (62)، وابن القيم في ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص51). قال الذهبي في ((العلو)): رواته ثقات رواه أبو بكر الخلال في كتاب السنة له، وقال في ((العرش)): إسناده صحيح على شرط الصحيحين. وقال ابن القيم - قبل أن يذكره -: روى الخلال في كتاب السنة بإسناد صحيح على شرط البخاري عن قتادة - ثم ذكره -.
(4) (1/ 215) تحقيق هرَّاس.

- الأسف (بمعنى الغَضَب)
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب العزيز الدليل:
قوله تعالى: فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ [الزخرف: 55] وقد استشهد بها شيخ الإسلام ابن تيمية في (العقيدة الواسطية)، وكل من شرحها بعد ذلك.
قال ابن قتيبة: فَلَمَّا آسَفُونَا؛ أي: أغضبونا، والأسف: الغضب، يُقال: أسِفت آسَف أسفاً؛ أي: غضبت اهـ ونقل هذا المعنى ابن جرير في التفسير بإسناده عن ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي وابن زيد (1) قال الهرَّاس: الأسف يُستعمل بمعنى شدة الحزن، وبمعنى شدة الغضب والسخط، وهو المراد في الآية اهـ (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص56
_________
(1) ((تفسير غريب القرآن)) (399).
(2) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص111). وانظر أيضاً: (تهذيب اللغة 13/ 96).

- الأصابع
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسُّنَّة الصحيحة الدليل:
1 - حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن)) (1).
2 - حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه؛ قال: ((جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أهل الكتاب، فقال: يا أبا القاسم! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع إلى أن قال: فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم ضحك حتى بدت نواجذه، ثم قرأ وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)) (2).
قال إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة: (باب إثبات الأصابع لله عَزَّ وجَلَّ)، وذكر بأسانيده ما يثبت ذلك (3).
وقال أبو بكر الآجري: (باب الإيمان بأن قلوب الخلائق بين إصبعين من أصابع الرب عَزَّ وجَلَّ، بلا كيف) (4) وقال البغوي بعد ذكر الحديث السابق: (والإصْبَع المذكورة في الحديث صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ، وكذلك كلُّ ما جاء به الكتاب أو السنَّة من هذا القبيل من صفات الله تعالى؛ كالنَّفس، والوجه، والعين، واليد، والرِّجل، والإتيان، والمجيء، والنُّزُول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك، والفرح) اهـ (5) وقال ابن قتيبة بعد أن ذكر حديث عبد الله بن عمرو السابق: ونحن نقول: إنَّ هذا الحديث صحيح، وإن الذي ذهبوا إليه في تأويل الإصبع لا يشبه الحديث؛ لأنه عليه السلام قال في دعائه: ((يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك فقالت له إحدى أزواجه: أوَ تخاف يا رسول الله على نفسك؟ فقال: إنَّ قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع الله عَزَّ وجَلَّ)) (6)، فإن كان القلب عندهم بين نعمتين من نعم الله تعالى؛ فهو محفوظ بتينك النعمتين؛ فلأي شيء دعا بالتثبيت؟ ولِمَ احتج على المرأة التي قالت له: أتخاف على نفسك؟ بما يؤكد قولها؟ وكان ينبغي أن لا يخاف إذا كان القلب محروساً بنعمتين فإن قال لنا: ما الإصبع عندك ها هنا؟
قلنا: هو مثل قوله في الحديث الآخر: ((يحمل الأرض على إصبع))، وكذا على إصبعين، ولا يجوز أن تكون الإصبع ها هنا نعمة، وكقوله تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67]، ولم يجز ذلك ولا نقول: إصبعٌ كأصابعنا، ولا يدٌ كأيدينا، ولا قبضةٌ كقبضاتنا؛ لأن كل شيء منه عَزَّ وجَلَّ لا يشبه شيئاً منا)) اهـ (7) فأهل السنة والجماعة يثبتون لله تعالى أصابع تليق به لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص57
_________
(1) رواه مسلم (2654).
(2) رواه البخاري (7415) ومسلم (2786).
(3) ((التوحيد)) (1/ 187).
(4) ((الشريعة)) (ص316).
(5) ((شرح السنة)) (1/ 168).
(6) بنفس اللفظ الذي ذكره ابن قتيبة غير موجود، ولكن رواه الترمذي من حديث أم سلمة رضي الله عنها وحسنه بلفظ مقارب في سننه (3522) وصححه الألباني، وأحمد من حديث عائشة رضي الله عنها (6/ 91) (24648) والطبراني في الأوسط (2/ 147) وقال الهيثمي: فيه العلاء بن الفضل قال ابن عدى في بعض ما يروية نكرة، وبقية رجاله وثقوا وفيهم خلاف.
(7) ((تأويل مختلف الحديث)) (ص245).

- الإلهية والألوهية
صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ من اسمه (الله) واسمه (الإله)، وهما اسمان ثابتان في مواضع عديدة من كتاب الله عَزَّ وجَلَّ وأصل كلمة (الله) إله كما رجَّحَه ابن القيم في (بدائع الفوائد)، وإله بمعنى مألوه؛ أي: معبود؛ ككتاب بمعنى مكتوب والإلهية أو الألوهية صفة مأخوذة من هذين الاسمين.
قال الحافظ ابن القيم عند الحديث عن أسماء الله تعالى (الله)، (الرب)، (الرحمن)؛ قال: فالدين والشرع والأمر والنهي مظهره وقيامه من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية، والجزاء والثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك (1).
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي في: الله: هو المألوه المعبود ذو الألوهية والعبودية على خلقه أجمعين لما اتصف به من صفات الألوهية التي هي صفات الكمال (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص59
_________
(1) ((مدارج السالكين)) (1/ 34).
(2) ((تفسير السعدي)) (5/ 298).

- الأمر
صفةٌ لله عَزَّ وجَلَّ؛ كما قال في محكم تَنْزِيله أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: 54]؛ إلا أنَّ هذا لا يعني أنه كلما ذكرت كلمة (الأمر) في الكتاب أو السنة مضافة إلى الله؛ مثل (أمر الله) أو (الأمر لله)؛ أنها صفة له لذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية مثبتاً لهذه الصفة ومنبهاً لهذه القاعدة بقوله: لفظة (الأمر)؛ فإن الله تعالى لما أخبر بقوله: إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]، وقال: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف:54]، واستدل طوائف من السلف على أنَّ الأمر غير مخلوق، بل هو كلامه، وصفة من صفاته بهذه الآية وغيرها؛ صار كثير من الناس يطرد ذلك في لفظ الأمر حيث ورد، فيجعله صفة، طرداً للدلالة، ويجعل دلالته على غير الصفة نقضاً لها، وليس الأمر كذلك؛ فبينت في بعض رسائلي أنَّ الأمر وغيره من الصفات يطلق على الصفة تارة وعلى متعلقها أخرى؛ فالرحمة صفة لله، ويسمى ما خلق رحمة، والقدرة من صفات الله تعالى، ويسمى المقدور قدرة، ويسمى تعلقها بالمقدور قدرة، والخلق من صفات الله تعالى، ويسمى (المخلوق) خلقاً، والعلم من صفات الله، ويسمى المعلوم أو المتعلِّق علماً؛ فتارة يراد الصفة، وتارة يراد متعلقها، وتارة يراد نفس التعلُّق اهـ وقال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على أنَّ أمره عَزَّ وجَلَّ وقوله غير محدث ولا مخلوق، وقد دلَّ الله تعالى على صحة ذلك بقوله تعالى: أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ اهـ (1). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص60
_________
(1) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص221).

- الإمساك
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه يمسك السماواتِ والأرضَ وغيرهما إمساكاً يليق بجلاله وعظمته، وهي صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب: قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ أَن تَزُولا [فاطر:41].
الدليل من السنة: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ((أنَّ يهودياً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد! إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر على إصبع، والخلائق على إصبع، ثم يقول: أنا الملك: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه، ثم قرأ: وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الأنعام:91] وفي رواية: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجباً وتصديقاً له)) (1) قال ابن خزيمة: (باب ذكر إمساك الله -تبارك وتعالى اسمه وجل ثناؤه- السماوات والأرض وما عليها على أصابعه) (2).
ثم أورد حديث ابن مسعود رضي الله عنه بإسناده من عدة طرق، ثم قال: أما خبر ابن مسعود؛ فمعناه: أنَّ الله جل وعلا يمسك ما ذكر في الخبر على أصابعه، على ما في الخبر سواء، قبل تبديل الله الأرض غير الأرض؛ لأن الإمساك على الأصابع غير القبض على الشيء، وهو مفهوم في اللغة التي خوطبنا بها اهـ (3) وقال أبو بكر الآجري: (باب الإيمان بأن الله عَزَّ وجَلَّ يمسك السماوات على إصبع والأرضين على إصبع) وقال ابن القيم في (مختصر الصواعق المرسلة 2/ 171): ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع، وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة؛ من: الإمساك، والطي، والقبض، والبسط أهـ (4) وانظر: صفة القبض والطي. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص61
_________
(1) رواه البخاري (7414) واللفظ له، ومسلم (2786).
(2) ((التوحيد)) (1/ 178).
(3) ((التوحيد)) (ص 185).
(4) ((الشريعة)) (ص318).

- الأنامل
صفةٌ ذاتيةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالحديث الصحيح الدليل: حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((فإذا أنا بربي عَزَّ وجَلَّ - يعني: في المنام، ورؤى الأنبياء حقٌ - في أحسن صورة، فقال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب! قال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب! قال: يا محمد! فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قلت: لا أدري رب! فرأيته وضع كفه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري)) (1) قال شيخ الإسلام: فقوله (أي: الرازي): وجدت برد أنامله؛ أي: معناه وجدت أثر تلك العناية يقال له: أثر تلك العناية كان حاصلاً على ظهره وفي فؤاده وصدره؛ فتخصيص أثر العناية لا يجوز؛ إذ عنده لم يوضع بين الكتفين شيء قط، وإنما المعنى أنه صرف الرب عنايته إليه، فكان يجب أن يبين أنَّ أثر تلك العناية متعلق بما يعم، أو بأشرف الأعضاء، وما بين الثديين كذلك؛ بخلاف ما إذا قرأ الحديث على وجهه؛ فإنه إذا وضعت الكف على ظهره؛ ثقل بردها إلى الناحية الأخرى، وهو الصدر، ومثل هذا يعلمه الناس بالإحساس وأيضاً فقول القائل: وضع يده بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين ثديي نصٌ لا يحتمل التأويل والتعبير بمثل هذا اللفظ عن مجرد الاعتناء، وهذا أمر يعلم بطلانه بالضرورة من اللغة العربية، وهو من غث كلام القرامطة والسوفسطائية. . ثم قال: الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم ذكر ثلاثة أشياء؛ حيث قال: ((فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها - وفي رواية - برد أنامله على صدري، فعلمت ما بين المشرق والمغرب)) (2)، فذكر وضع يده بين كتفيه، وذكر غاية ذلك أنه وجد برد أنامله بين ثدييه، وهذا معنى ثان، وهو وجود هذا البرد عن شيء مخصوص في محل مخصوص، وعقب ذلك بقوله: الوضع الموجود (كذا)، وكل هذا يبين أنَّ أحد هذه المعاني ليس هو الآخر اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص62
_________
(1) رواه الترمذي (3235)، وأحمد (5/ 243) (22162). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح؛ سألت محمد بن إسماعيل - البخاري - عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/ 73)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح. والحديث روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة وثوبان رضي الله عنهم جميعاً.
(2) رواه الترمذي (3233، 3234)، وأحمد (1/ 368) (3484)، وأبو يعلى (4/ 475)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (293) بلفظ: ((ثديي)) بدلاً من ((صدري)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (5/ 162): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(3) ((نقض أساس التقديس)) (ق524 - 526).

- الأنتقام من المجرمين
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه (ذو انتقام)، وأنه ينتقم من المجرمين؛ كما يليق به سبحانه، وهي صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، وليس (المنتقم) من أسماء الله تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [المائدة: 95]
وقوله: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة: 22]
الدليل من السنة:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وقوله عن قريش: (فكشف عنهم، فعادوا، فانتقم الله منهم يوم بدر؛ فذلك قوله تعالى: فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ إلى قوله جل ذكره إِنَّا مُنتَقِمُونَ) (1)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((فقال للنار: أنت عذابي، أنتقم بك ممَّن شئت، وقال للجنة: أنت رحمتي، أرحم بك من شئت)) (2) قال الأزهري في (تهذيب اللغة): قال أبو إسحاق: معنى (نقمت): بالغت في كراهة الشيء اهـ وقال الراغب في (المفردات): النقمة: العقوبة: قال الله تعالى: فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ [الأعراف:136]، فَانتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا [الروم:47] وقال الخطابي: الانتقام: افتعال من نقم ينقم: إذا بلغت به الكراهة حد السخط (3) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولا في أسمائه الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم اسم المنتقم، وإنما جاء المنتقم في القرآن مقيداً كقوله: إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22] وجاء معناه مضافاً إلى الله في قوله: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ [إبراهيم:47] اهـ (4) وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين: ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه: الثالث: التصريح بفعل أو وصف دال عليها؛ كالاستواء على العرش، والنُّزُول إلى السماء الدنيا، والمجيء للفصل بين العباد يوم القيامة، والانتقام من المجرمين، ثم استدل للصفة الأخيرة بقوله تعالى: إِنَّا مِنْ المُجْرِمِينَ مُنتَقِمُونَ [السجدة:22] اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص63
_________
(1) رواه البخاري (4822).
(2) رواه الترمذي (2561)، وأحمد (2/ 450) (9815). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ووافقه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)). والحديث في الصحيحين حيث رواه البخاري (4850)، ومسلم (2846) بلفظ ((أعذب)) بدلاً من ((أنتقم)).
(3) ((شأن الدعاء)) (ص90).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (17/ 95).
(5) ((القواعد المثلى)) (ص38).

- الإيجاب والتحليل والتحريم
صفاتٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب: قوله تعالى: وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة: 275]
الدليل من السنة:
1 - حديث أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: ((من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنَّا في المسجد، فقال الناس حرمت حرمت فبلغ ذاك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحلَّ الله لي ولكنها شجرة أكره ريحها)) (1).
2 - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا فقال رجل أكل عام يا رسول الله فسكت حتى قالها ثلاثا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قلت: نعم! لوجبت ولما استطعتم)) (2).
وقوله لوجبت أي: لأوجبها الله عزَّ وجلَّ قال شيخ الإسلام: الحلف بالنذر والطلاق ونحوهما هو حلفٌ بصفاتِ الله، فإنَّه إذا قال: إن فعلتُ كذا فعلي الحج فقد حلف بإيجاب الحج عليه وإيجاب الحج عليه حكمٌ من أحكام الله تعالى وهو من صفاته، وكذلك لو قال: فعلي تحريرُ رقبة، وإذا قال: فامرأتي طالقٌ وعبدي حرٌ فقد حلف بإزالة ملكه الذي هو تحريمه عليه والتحريم من صفات الله كما أنَّ الإيجاب من صفات الله اهـ (3) وانظر صفة: (التشريع). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص65
_________
(1) رواه مسلم (565).
(2) رواه مسلم (1337).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (35/ 273).

- البارئ
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه البارئ، وهو اسم له سبحانه وتعالى، وهذه الصفةُ ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ [الحشر: 24].
وقوله: فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ [البقرة: 54].
الدليل من السنة: حديث أبي جحيفة؛ قال: سألت علياً رضي الله عنه: هل عندكم شيء ما ليس في القرآن؟ فقال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة؛ ما عندنا إلا ما في القرآن؛ إلا فهماً (1).
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (البارئ)، ومعنى (البارئ): الخالق، يُقال: برأ الخلق يبرؤهم، والبريَّة: الخلق اهـ (2) وقال الزجاج: البرء: خلق على صفة، فكل مبروء مخلوق، وليس كل مخلوق مبروء (3) وقال ابن الأثير: البارئ: هو الذي خلق الخلق، لا عن مثال، إلا أنَّ لهذه اللفظة من الاختصاص بالحيوان ما ليس لها بغيره من المخلوقات، وقلما تستعمل في غير الحيوان، فيقال: برأ الله النسمة، وخلق السماوات والأرض (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص66
_________
(1) رواه البخاري (6903).
(2) ((تفسير غريب القرآن)) (ص15).
(3) ((تفسير الأسماء الحسنى)) (ص37).
(4) ((جامع الأصول)) (4/ 177).

- الباطن (الباطنية)
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الباطن، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] الدليل من السنة: حديث أبي هريرة: ((اللهم أنت الأوَّل؛ فليس قبلك شيء وأنت الباطن؛ فليس دونك شيء)) (1) والمعنى كما قال ابن جرير: هو الباطن لجميع الأشياء؛ فلا شيء أقرب إلى شيء منه؛ كما قال تعالى: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16] وقال ابن منده: الباطن: المحتجب عن ذوي الألباب كنه ذاته وكيفية صفاته عَزَّ وجَلَّ (2) وقال البغوي في (التفسير): الباطن: العالم بكل شيء وانظر: كلام ابن القيم في صفة (الأوَّليَّة). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص67
_________
(1) رواه مسلم (2713).
(2) ((التوحيد)) (2/ 82).

- بديع السموات والأرض
يُوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه بديع السماوات والأرض وما فيهن، وهي صفةٌ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
1 - قوله تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [البقرة: 117].
2 - وقوله: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام: 101].
الدليل من السنة: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: ((سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت وحدك، لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض، ذو الجلال والإكرام فقال: لقد سأل الله باسمه الأعظم، الذي إذا سُئِلَ به؛ أعطى، وإذا دُعِيَ به أجاب)) (1).
المعنى: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: بديع السماوات والأرض؛ أي: خالقهما ومبدعهما في غاية ما يكون من الحسن والخلق البديع والنظام العجيب المحكم (2) وقال ابن منظور في مادة (ب د ع): بديع السماوات والأرض، أي: خالقها ومبدعها؛ فهو سبحانه الخالق المخترع لا عن مثال سابق.
وعدَّ بعضُهم (البديع) من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ، وفي هذا نظر صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص68
_________
(1) رواه أبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (3/ 52)، وابن ماجه (3858) واللفظ له، وأحمد (3/ 120) (12226)، والحاكم (1/ 683). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث غريب. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح.
(2) ((التفسير)) (5/ 303).

- البر
صفةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (البَر) من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب: قوله تعالى: إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:28].
الدليل من السنة: حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ((إن من عباد الله تعالى من لو أقسم على الله لأبَرَّه)) (1).
ومعنى (البَر):
1 - اللطيف بعباده قاله ابن جرير في تفسير الآية السابقة
2 - العطوف على عباده ببره ولطفه قاله ابن الأثير (2)
3 - وقال ابن القيم (3):
والبِرُّ في أوصَافِهِ سُبْحَانَهُ ... هُوَ كثْرةُ الخَيراتِ والإحْسَانِ
وفي (لسان العرب): البَرُّ: الصادق، وفي التنزيل العزيز: إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور: 28] والبَرُّ من صفات الله تعالى وتَقَدَّس: العطوفُ الرحيمُ اللطيفُ الكريمُ، قال ابن الأثير: في أسماء الله تعالى البَرُّ دون البارُّ وهو العطوف على عباده ببرِّه ولُطْفِه. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص69
_________
(1) رواه البخاري (2703)، ومسلم (1675).
(2) ((جامع الأصول)) (4/ 182).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 99).

- البركة والتبارك
صفةٌ ذاتيةٌ وفعلية لله عَزَّ وجَلَّ، ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ [هود: 73]
وقوله: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك: 1].
ووردت لفظة (تبارك) في مواضع أخرى من القرآن الكريم: [الزخرف: 85]، [الرحمن: 78]، وفي ثلاث مواضع من سورة الفرقان.
الدليل من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((بينا أيوب عليه السلام يغتسل عرياناً فناداه ربه عَزَّ وجَلَّ: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عمَّا ترى؟ قال: بلى وعزتك، ولكن لا غنى بي عن بركتك)) (1).
ويكفي استدلالاً لذلك تحية الإسلام: (السلام عليكم ورحمة الله وبركاته).
المعنى: قال ابن القيم: وأما صفته تبارك؛ فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه (2) وقال: فتبارُكُه سبحانه صفة ذات له وصفة فعل (3) وقال السلمان: والنوع الثاني بركة: هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة، والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره كذلك، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ؛ فهو سبحانه المبارِك، وعبده ورسوله المبارَك؛ كما قال المسيح: وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً [مريم:31]، فمن بارك الله فيه؛ فهو المبارك، وأما صفته؛ فمختصة به؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى: تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ [الأعراف:54] (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص70
_________
(1) رواه البخاري (279).
(2) ((بدائع الفوائد)) (2/ 185).
(3) ((جلاء الأفهام)) (ص167).
(4) ((الكواشف الجلية)) (ص283).

- البسط والقبض
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بالبسط، وتوصف يده بالبسط، وهي صفةٌ فعلية خبريَّةٌ ٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (الباسط) اسم من أسمائه سبحانه وتعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245].
وقوله: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ (64) سورة المائدة [المائدة: 64].
وقوله: إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ [الإسراء: 30].
الدليل من السنة:
حديث أنس رضي الله عنه: ((إنَّ الله هو المُسَعِّر القابض الباسط الرازق، وإني لأرجو الله أن ألقى الله وليس أحد منكم يطالبني بمظلمة في دم ولا مال)) حديث صحيح (1).
حديث نزول الرب تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ثم يبسط يديه تبارك وتعالى؛ يقول: من يقرض غير عَدُومٍ ولا ظَلُوم)) (2).
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل)) (3).
قال ابن منده: ومن أسماء الله عَزَّ وجَلَّ: الباسط؛ صفة له اهـ (4) قال ابن جرير في تفسير الآية الأولى: يعني بقوله ((يقبض)): يقتِّر بقبضه الرزق عمَّن يشاء من خلقه، ويعني بقوله ((ويبسط)): يوسِّع ببسطه الرزق على من يشاء اهـ فالبسط: نقيض القبض، وبسط الشيء: نشره، ويد بسط؛ أي: مطلقة، والبسطة: الزيادة والسعة ومنه قوله تعالى: وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ [البقرة:247]، والباسط: هو الذي يبسط الرزق لعباده، ويوسعه عليهم بجوده ورحمته، ويبسط الأرواح في الأجساد عند الحياة انظر مادة (ب س ط) في (لسان العرب) قال شيخ الإسلام: ووصف نفسه (يعني: الله) ببسط اليدين، فقال بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ [المائدة:64]، ووصف بعض خلقه ببسط اليد في قوله تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَّحْسُورًا [الإسراء:29]، وليس اليد كاليد، ولا البسط كالبسط) (5) وانظر صفة: (القبض). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص71
_________
(1) رواه أبو داود (3451)، والترمذي (1314)، وابن ماجه (2200)، وأحمد (3/ 156) (12613). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (5/ 423): روي من وجوه صحيحة لا بأس بها. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 33): إسناده على شرط مسلم. وقال ابن حجر في ((التلخيص الحبير)) (1/ 93): إسناده على شرط مسلم. وقال ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (ص113)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجة)): صحيح.
(2) رواه مسلم (758).
(3) رواه مسلم (2759).
(4) ((التوحيد)) (2/ 93).
(5) ((التدمرية)) (ص29).

- البشبشة أو البشاشة
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالحديث الصحيح الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما توطن رجل مسلم المساجد للصلاة والذكر؛ إلا تبشبش الله له كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا قدم عليهم)) (1)
قال ابن قتيبة: قوله: يتبشبش، هو من البشاشة، وهو (يتفعَّل) اهـ (2) قال أبو يعلى الفراء تعقيباً على كلام ابن قتيبة: فحمل الخبر على ظاهره، ولم يتأوله وقال قبل ذلك بعد أن تكلم عن إثبات صفة الفرح لله تعالى: وكذلك القول في البشبشة؛ لأن معناه يقارب معنى الفرح، والعرب تقول: رأيت لفلان بشاشة وهشاشة وفرحاً، ويقولون: فلان هش بش فرح، إذا كان منطلقاً، فيجوز إطلاق ذلك كما جاز إطلاق الفرح اهـ (3) قال الإمام الدارمي: وبلغنا أنَّ بعض أصحاب المريسي قال له: كيف تصنع بهذه الأسانيد الجياد التي يحتجون بها علينا في رد مذاهبنا مما لا يمكن التكذيب بها؛ مثل: سفيان عن منصور عن الزهري، والزهري عن سالم، وأيوب بن عوف عن ابن سيرين، وعمرو بن دينار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم وما أشبهها؟ قال: فقال المريسي: لا تردوه تفتضحوا، ولكن؛ غالطوهم بالتأويل؛ فتكونوا قد رددتموها بلطف؛ إذ لم يمكنكم ردها بعنف؛ كما فعل هذا المعارض سواء.
وسننقل بعض ما روي في هذه الأبواب من الحب والبغض والسخط والكراهية وما أشبهه (ثم ذكر أحاديث في صفة الحب ثم البغض ثم السخط ثم الكره ثم العجب ثم الفرح، ثم حديث أبي هريرة السابق في البشاشة، ثم قال) وفي هذه الأبواب روايات كثيرة أكثر مما ذكر، لم نأت بها مخافة التطويل (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص73
_________
(1) رواه ابن ماجه (800)، واللفظ له، وأحمد (2/ 328) (8332)، والطيالسي (2334)، والحاكم (1/ 332). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/ 102): هذا إسناد صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجة)): صحيح.
(2) ((غريب الحديث)) (1/ 160).
(3) ((إبطال التأويلات)) (1/ 243).
(4) ((نقض الدارمي على المريسي)) (ص200).

- البصر
البصر صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الذاتية الثابتة بالكتاب والسنة و (البصير): اسم من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا [النساء: 58]
وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]
الدليل من السنة: حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً بَصيراً، إنَّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) (1) انظر صفة: (الرؤية) و (النظر) و (العين)؛ لله سبحانه وتعالى صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص74
_________
(1) رواه البخاري (6384).

- البطش
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب العزيز، ومعناه: الانتقام والأخذ القوي الشديد قد ورد البطش مضافاً إلى الله تعالى في ثلاث مواضع من القرآن الكريم.
قوله تعالى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنتَقِمُونَ [الدخان:16].
وقوله تعالى: وَلَقَدْ أَنذَرَهُم بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ [القمر: 36].
وقوله: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ [البروج: 12].
قال ابن القيم: قال تعالى في آلهة المشركين المعطلين أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ [الأعراف: 195]، فجعل سبحانه عدم البطش والمشي والسمع والبصر دليلا على عدم إلهية من عُدمت فيه هذه الصفات، فالبطش والمشي من أنواع الأفعال، والسمع والبصر من أنواع الصفات، وقد وصف نفسه سبحانه بضد صفة أربابهم وبضد ما وصفه به المعطلة والجهمية (1).
وقال: ثم ذكر سبحانه جزاء أوليائه المؤمنين ثم ذكر شدة بطشه وأنه لا يعجزه شيء، فإنه هو المبدئ المعيد، ومن كان كذلك فلا أشد من بطشه، وهو مع ذلك الغفور الودود، يغفر لمن تاب إليه ويوده ويحبه، فهو سبحانه الموصوف بشدة البطش ومع ذلك هو الغفور الودود المتودد إلى عباده بنعمه الذي يود من تاب إليه وأقبل عليه (2) قال الشيخ ابن عثيمين: من صفات الله تعالى المجيء والإتيان والأخذ والإمساك والبطش إلى غير ذلك من الصفات فنصف الله تعالى بهذه الصفات على الوجه الوارد (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص75
_________
(1) ((الصواعق المرسلة)) (3/ 915).
(2) ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص59).
(3) ((القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى)) (ص30).

- البغض
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالأحاديث الصحيحة الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إن الله تعالى إذا أحب عبداً وإذا أبغض عبداً؛ دعا جبريل، فيقول إني أبغض فلاناً؛ فأبغضه، فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء إنَّ الله يبغض فلاناً؛ فأبغضوه، فيبغضه أهل السماء، ثم توضع له البغضاء في الأرض)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) (2).
يقول ابن القيم: إن ما وصف الله سبحانه به نفسه من المحبة والرضى والفرح والغضب والبغض والسخط من أعظم صفات الكمال اهـ (3) وفي (تهذيب اللغة): وقال الليث: البغض: نقيض الحب (4) وانظر كلام ابن أبي العز في صفة (الغضب) وابن كثير في صفة (السمع). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص76
_________
(1) رواه مسلم (2637).
(2) رواه مسلم (671).
(3) في ((الصواعق المرسلة)) (4/ 1451).
(4) ((تهذيب اللغة)) (8/ 17).

- البقاء
صفةٌ ذاتيةٌ خاصةٌ بالله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكتاب العزيز الدليل: قوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن: 27].
وقد عَدَّ بعضهم (الباقي) من أسماء الله تعالى، ولا دليل معهم، منهم: ابن منده (1)، والزجاجي (2)، وقوَّام السنة الأصبهاني (3)، وغيرهم قال قَوَّامُ السُّنَّة: معنى الباقي: الدائم، الموصوف بالبقاء، الذي لا يستولي عليه الفناء، وليست صفة بقائه ودوامه كبقاء الجنة والنار ودوامهما، وذلك أنَّ بقاءه أبدي أزلي، وبقاء الجنة والنار أبدي غير أزلي، فالأزلي ما لم يزل، والأبدي ما لا يزال، والجنة والنار كائنتان بعد أن لم تكونا اهـ (4) وقال أبو بكر الباقلاني فيما نقله عنه شيخ الإسلام ابن تيمية وأقره عليه: صفات ذاته التي لم يزل ولا يزال موصوفاً بها هي: الحياة، والعلم والبقاء والوجه، والعينان (5).
وقال الحافظ ابن حجر: قوله (باب قول الرَّجُل لَعَمْرُ الله) أَيْ هَلْ يَكُون يَمِينًا, وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى تفسير (لَعَمْر) (6) وقال أَبُو القَاسِم الزَّجَّاج: العُمْر الحياة, فمن قال لَعَمْر الله كأنه حلف بِبَقَاءِ الله, واللام لِلتَّوْكِيدِ والخبر محذوف أَيْ مَا أُقسم به, ومِن ثَمَّ قَالَ المَالِكِيَّة وَالحَنَفِيَّة: تَنْعَقِد بِهَا اليَمِين; لأن بَقَاء الله مِنْ صِفَة ذَاته وقال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: البقاء من صفات الله، فإذا أسند إلى إنسان؛ فهو من الشرك اهـ (7) وانظر صفة (الحياة). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص77
_________
(1) ((التوحيد)) (2/ 86).
(2) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص200).
(3) ((الحجة)) (1/ 127).
(4) ((الحجة)) (1/ 128).
(5) ((الفتاوى)) (5/ 99).
(6) ((فتح الباري)) (11/ 547).
(7) ((الفتاوى والرسائل)) (1/ 207).

- التجلي
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة ومعناه الظهور للعيان، لا كما تقول الصوفية: التَّجَلِّي: ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب.
الدليل من الكتاب: قوله تعالى قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إلى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً [الأعراف: 143].
الدليل من السنة:
روى الإمام أحمد بإسناد صحيح: ((حدثنا أبو المثنى معاذ بن معاذ العنبري قال حدثنا حماد بن سلمة حدثنا ثابت البناني عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ [الأعراف:143] قال: قال هكذا يعني أنه أخرج طرف الخنصر قال أحمد أرانا معاذ قال: فقال له حميد الطويل: ما تريد إلى هذا يا أبا محمد قال فضرب صدره ضربة شديدة وقال من أنت يا حميد وما أنت يا حميد يحدثني به أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم فتقول أنت ما تريد إليه)) (1).
وعند الترمذي بإسناد صحيح أيضاً من حديث سليمان بن حرب حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه: ((أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً قال حماد هكذا وأمسك سليمان بطرف إبهامه على أنملة إصبعه اليمنى قال فساخ الجبل وخَرَّ موسى صعقاً)) (2).
حديث تجلِّي الله عز وجل لعباده يوم القيامة المشهور رواه البخاري (3) والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح (4)، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم رواياتٌ كثيرة مثل هذا ما يذكر فيه أمر الرؤية أنَّ الناس يرون ربهم وذِكر القدم وما أشبه هذه الأشياء، والمذهبُ في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تُروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تُروى هذه الأشياء كما جاءت ويُؤمَن بها ولا تُفَسَّر ولا تُتَوَهَّم ولا يقال كيف وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه ومعنى قوله في الحديث: ((فَيُعَرّفَهم نفسه)) يعني: يَتَجَلَّى لهم أهـ.
_________
(1) رواه أحمد (3/ 125) (12282)، والحاكم (2/ 351) وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ((ظلال الجنة)) (481): صحيح.
(2) رواه الترمذي (3074). وقال: حسن غريب صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(3) ((صحيح البخاري)) (7437).
(4) ((سنن الترمذي)) (2557).

وقال الإمام أحمد كما في (مجموع الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية: وهو الذي خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وهو الذي كَلَّم موسى تكليماً، وتَجَلَّى للجبل فجعله دكاً، ولا يماثله شيءٌ من الأشياء في شيءٍ من صفاته، فليس كَعِلمه علمُ أحدٍ، ولا كقدرته قدرةُ أحدٍ، ولا كرحمته رحمةُ أحدٍ، ولا كاستوائه استواء أحدٍ، ولا كسمعه وبصره سمع أحدٍ ولا بصره، ولا كتكليمه تكليم أحدٍ، ولا كَتَجَلِّيِهِ تَجَلِّي أحدٍ (1) قال ابن عبدالبر: وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يَنْزِل ربُّنَا إلى السماء الدنيا)) عندهم مثل قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ ومثل قوله: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً [الفجر:22] كلهم يقول يَنْزِل ويَتَجَلَّى ويجيء، بلا كيف، لا يقولون: كيف يجيء وكيف يَتَجَلَّى وكيف يَنْزِل، ولا من أين جاء ولا من أين تَجَلَّى ولا من أين يَنْزِل، لأنه ليس كشيءٍ من خلقه، وتعالى عن الأشياء، ولا شريك له، وفي قول الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ دلالةٌ واضحةٌ أنه لم يكن قبل ذلك متجلِّيَاً للجبل وفي ذلك ما يفسر معنى حديث التَنْزيل ومن أراد أن يقف على أقاويل العلماء في قوله عزَّ وجلَّ: فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ فلينظر في تفسير بقيُّ بن مخلد ومحمد بن جرير وليقف على ما ذكرا من ذاك ففيما ذكرا منه كفاية وبالله العصمة والتوفيق (2) وقال شيخ الإسلام: وطريقة الرسل هي ما جاء بها القرآن والله تعالى في القرآن يثبت الصفات على وجه التفصيل وينفي عنه - على طريق الإجمال - التشبيه والتمثيل فهو في القرآن يخبر أنه بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير وأنه عزيز حكيم غفور رحيم وأنه سميع بصير وأنه غفور ودود وأنه تعالى - على عظم ذاته - يحب المؤمنين ويرضى عنهم ويغضب على الكفار ويسخط عليهم وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش وأنه كلم موسى تكليما وأنه تَجَلَّى للجبل فجعله دكاً ; وأمثال ذلك (3) وقال في (مجموع الفتاوى): ثبت في الأحاديث الصحيحة: أنه إذا تَجَلَّى لهم يوم القيامة سجد له المؤمنون، ومن كان يسجد في الدنيا رياءً يصيُر ظهرُه مثل الطبق (4) وقال الحكمي: وقوله فتنظرون إليه وينظر إليكم فيه إثبات صفة التَجَلِّي لله عزَّ وجلَّ وإثبات النظر له واثبات رؤيته في الآخرة ونظر المؤمنين إليه أهـ (5) قال ابن منظور في (لسان العرب): قال الزجاج: تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي: ظهر وبان قال: وهذا قول أهل السنة والجماعة وقال الخليل بن أحمد الفراهيدي في كتاب (العين): قال الله عزَّ وجلَّ فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ أي ظهر وبان. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص78
_________
(1) (5/ 257).
(2) ((التمهيد)) (7/ 153).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 37).
(4) (23/ 76).
(5) ((معارج القبول)) (2/ 772).

- التدلي (إلى السماء الدنيا)
صفةٌ فِعْلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنة الصحيحة والتَّدَلِّي في اللغة: النُّزُولُ من عُلُوٍ انظر صفة: (النُّزُول). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص82

- التردد في قبض نفس المؤمن
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله تعالى على ما يليق به؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الدليل: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله قال: من عادى لي وليّاً؛ فقد آذنته بالحرب وما تردَّدت عن شيء أنا فاعله تردُّدي عن نفس المؤمن؛ يكره الموت، وأنا أكره مَسَاءَته)) (1).
سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟ فأجاب: هذا حديث شريف، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة، وقالوا: إنَّ الله لا يوصف بالتردد، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور، والله أعلم بالعواقب، وربما قال بعضهم: إنَّ الله يعامل معاملة المتردد والتحقيق: أنَّ كلام رسوله حق، وليس أحد أعلم بالله من رسوله، ولا أنصح للأمة منه، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه، فإذا كان كذلك؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً، بل يجب تأديبه وتعزيره، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة، ولكن المتردد منا، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا؛ فإن الله ليس كمثله شيء؛ لا في ذاته، ولا في صفاته، ولا في أفعاله، ثم هذا باطل؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة، ويكرهه لما فيه من المفسدة، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه؛ كما قيل:
الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ ... فأعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُ
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب، وفي الصحيح: ((حفت النار بالشهوات، وحفت الجنة بالمكاره)) (2)، وقال تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ [البقرة:216] الآية ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث؛ فإنه قال: ((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) (3)؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة؛ بحيث يحب ما يحبه، ويكره ما يكرهه محبوبه، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه، فلزم من هذا أن يكره الموت؛ ليزداد من محاب محبوبه، والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت، فكل ما قضى به؛ فهو يريده، ولا بد منه؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده، وهي المساءة التي تحصل له بالموت، فصار الموت مراداً للحق من وجه، مكروهاً له من وجه، وهذا حقيقة التردد، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين، كما ترجح إرادة الموت، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده، وليس أرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته ثم قال: والمقصود هنا: التنبيه على أنَّ الشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه، وأن هذا حقيقة التردد، وكما أنَّ هذا في الأفعال؛ فهو في الأشخاص، والله أعلم (4) وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: إثبات التردد لله عَزَّ وجَلَّ على وجه الإطلاق لا يجوز، لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة: ما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن أهـ (5) وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء، بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن، ولهذا قال في نفس الحديث: ((يكره الموت، وأكره إساءته، ولابد له منه)) (6) وهذا لا يعني أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد، إما لشكه في نتائجه ومصلحته، وإما لشكه في قدرته عليه: هل يقدر أو لا يقدر أما الرب عَزَّ وجَلَّ فلا. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص82
_________
(1) رواه البخاري (6502).
(2) رواه البخاري (6487) بلفظ (حجبت)، ورواه مسلم (2822) واللفظ له. من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (6502) بلفظ ((ما يزال)). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) ((مجموع الفتاوى)) (18/ 129، 135).
(5) ((لقاء الباب المفتوح)) (سؤال 1369).
(6) رواه البخاري (6502) دون ((ولا بد .. )). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

- الترك
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة: 17].
قوله تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ [فاطر: 45].
الدليل من السنة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري؛ تركته وشِركه)) (1).
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله -: وتركه سبحانه للشيء صفة من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته: قال الله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17] وقال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:99] وقال: وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً [العنكبوت:35] والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة، وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركوه في أصل المعنى، كما هو معلوم عند أهل السنة اهـ (2) وانظر صفة: (النسيان). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص85
_________
(1) رواه مسلم (2985). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) ((مجموع فتاوى ورسائل)) (2/ 56) (354).

- التشريع
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، من خصائص ربوبِيَّتِه، من نازعه فيها فقد كفر، والله هو (الشارع) وهو (المُشَرِّع) وليسا هما من أسمائه سبحانه الدليل من الكتاب: قوله تعالى: شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ [الشورى: 13] الآية.
الدليل من السنة:
حديث عَبْدِ اللهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى) (1).
وقد كثر في أقوال العلماء إضافة التشريع لله سبحانه وتعالى ومن ذلك:
1 - قول العلامة محمد الأمين الشنقيطي: والعجب ممن يحكِّم غير تشريع الله ثم يدعي الإسلام (2).
2 - وقوله: وبهذه النصوص السماوية التي ذكرنا يظهر غاية الظهور: أنَّ الذين يتبعون القوانين الوضعية التي شرعها الشيطان على ألسنة أوليائه مخالفة لما شرعه الله جل وعلا على ألسنة رسله صلى الله عليهم وسلم، أنه لا يشك في كفرهم وشركهم إلا من طمس الله بصيرته وأعماه عن نور الوحي مثلهم (3).
3 - وقوله: ولما كان التشريع وجميع الأحكام، شرعية كانت أو كونية قدرية، من خصائص الربوبية، كما دلت عليه الآيات المذكورة كان كل من اتبع تشريعاً غير تشريع الله قد اتخذ ذلك المشرِّع رباً، وأشركه مع الله (4).
4 - وقوله: اعلموا أيها الإخوان: أنَّ الإشراك بالله في حكمه والإشراك به في عبادته كلها بمعنى واحد لا فرق بينهما البتة فالذي يتبع نظاماً غير نظام الله وتشريعاً غير تشريع الله - أو غير ما شرعه الله - وقانوناً مخالفاً لشرع الله من وضع البشر مُعْرِضَاً عن نور السماء الذي أنزله الله على لسان رسوله من كان يفعل هذا هو ومن كان يعبد الصنم ويسجد للوثن لا فرق بينهما البتة بوجه من الوجوه، فهما واحد، كلاهما مشرك بالله، هذا أشرك به في عبادته، وهذا أشرك به في حكمه، كلهما سواء (5).
5 - قول اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والدعوة والإرشاد: الشرك الأكبر أن يجعل الإنسان لله نداً إما في أسمائه وصفاته، وإما أن يجعل له نداً في العبادة وإما أن يجعل لله نداً في التشريع بأن يتخذ مشرِّعاً له سوى الله أو شريكاً لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقرباً وقضاءً وفصلاً في الخصومات أو يستحله وإن لم يُرِدْهُ ديناً كما كثر إطلاقهم لكلمة (الشارع) و (المُشَرِّع) على الله عَزَّ وجَلَّ من باب الصفة (6) وانظر صفات: (الإيجاب والتحريم والتحليل). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص86
_________
(1) رواه مسلم (654).
(2) ((أضواء البيان)) (3/ 400).
(3) ((أضواء البيان)) (4/ 83).
(4) ((أضواء البيان)) (7/ 169).
(5) من شريط مسجل نقلاً عن كتاب ((الحاكمية في تفسير أضواء البيان)) لعبد الرحمن السديس (ص52).
(6) (1/ 516).

- التعجب
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة انظر صفة: (العَجَب). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص88

- التقديم والتأخير
صفتان من صفات الذات والأفعال لله عَزَّ وجَلَّ ثابتتان بالكتاب والسنة، والمقدِّم والمؤخِّر اسمان لله تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا [المنافقون:11].
وقوله: إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ [إبراهيم:41].
الدليل من السنة:
حديث: ((أنت المقدِّم، وأنت المؤخِّر، لا إله إلا أنت)) (1).
حديث: ((أعذر الله إلى امرئ أخَّر أجله حتى بلغه ستين سنة)) (2).
حديث: ((لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله)) (3).
قال ابن القيم (4):
وهُوَ المُقَدِّمُ والمُؤخِّرُ ذَانِكَ الـ ... صِّفَتَانِ للأفْعَالِ تَابِعَتَانِ
وهُمَا صِفَاتُ الذَّاتِ أيضاً إذْ هُمَا ... بالذَّاتِ لا بِالغَيْرِ قَائِمَتَانِ
قال الشيخ محمد خليل الهرَّاس في شرحه للأبيات: والتقديم والتأخير صفتان من صفات الأفعال التابعة لمشيئته تعالى وحكمته، وهما أيضاً صفتان للذات؛ إذا قيامهما بالذات لا بغيرها، وهكذا كل صفات الأفعال هي من هذا الوجه صفات ذات، حيث إنَّ الذات متصفة بها، ومن حيث تعلقها بما ينشأ عنها من الأقوال والأفعال تسمى صفات أفعال صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص88
_________
(1) رواه البخاري (1120)، من حديث ابن عباس رضي الله عنه. ومسلم (771). من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (6419). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (438). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(4) ((النونية)) (2/ 109)

- التقرب والقرب والدنو
التقرب أو القرب والدُّنو من صفات الله الفعلية الاختيارية، ثابتة له بالكتاب والسنة و (القريب) اسم من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِ [البقرة: 186]
وقوله تعالى: فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيب [هود: 61]
الدليل من السنة:
حديث: ((من تقرَّب مني شبراً؛ تقرَّبتُ منه ذراعاً، ومن تقرَّب مني ذراعاً؛ تقرَّبتُ منه باعاً)) (1).
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، إنكم لا تدعون أصمَّ ولا غائباً، ولكن تدعون سميعاً قريباً، إنَّ الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) (2).
حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة)) (3).
اعلم أنَّ أهل السنة والجماعة من السلف وأهل الحديث يعتقدون أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ قريب من عباده حقيقة كما يليق بجلاله وعظمته، وهو مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، وأنه يتقرَّب إليهم حقيقة، ويدنو منهم حقيقة، ولكنهم لا يفسرون كلَّ قربٍ وَرَدَ لفظه في القرآن أو السنة بالقرب الحقيقي؛ فقد يكون القرب قرب الملائكة، وذلك حسب سياق اللفظ يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: وأما دنوه وتقربه من بعض عباده؛ فهذا يثبته من يثبت قيام الأفعال الاختيارية بنفسه، ومجيئه يوم القيامة، ونزوله، واستواءه على العرش، وهذا مذهب أئمة السلف وأئمة الإسلام المشهورين وأهل الحديث، والنقل عنهم بذلك متواتر اهـ (4) ويقول في موضعٍ آخر: ولا يلزم من جواز القرب عليه أن يكون كل موضع ذكر فيه قربه يراد به قربه بنفسه، بل يبقى هذا من الأمور الجائزة، وينظر في النص الوارد، فإن دل على هذا؛ حُمل عليه، وإن دل على هذا؛ حُمل عليه، وهذا كما تقدم في لفظ الإتيان والمجيء اهـ (5) وقد أطال الكلام رحمه الله على هذه المسألة بما لا مزيد عليه (6) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص89
_________
(1) رواه مسلم (2687) من حديث أبي ذر رضي الله عنه. والحديث روي بلفظٍ متقاربٍ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(2) رواه البخاري (4205)، ومسلم (2704). كلاهما بلفظ ((وهو معكم)) بدلاً من ((إن الذي تدعون ... )).
(3) رواه مسلم (1348).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 466).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 14).
(6) انظر إن شئت المواضع التالية: (5/ 232 - 237، 240 - 241، 247 - 248، 459 - 467، 494 - 514)، (6/ 5، 8، 12 - 14، 19 - 25، 30 - 32، 76)، وانظر: ((القواعد المثلى)) للشيخ ابن عثيمين (المثال الحادي عشر والثاني عشر).

- التوب
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (التَّوَّاب) من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّاب الرَّحِيمُ [البقرة: 37].
وقوله: وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ [النساء: 27]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها؛ تابَ الله عليه)) (1).
حديث أنس رضي الله عنه: ((لو أنَّ لابن آدم وادياً من ذهب؛ أحب أن يكون له واديان، ولن يملأ فاه إلا التراب، ويتوبُ الله على من تاب)) (2).
يقول ابن القيم (3):
وَكَذَلِكَ التَّوَّاب مِنْ أوصَافِهِ ... والتَّوْبُ في أوصَافِهِ نَوْعَانِ
إذْنٌ بِتَوْبَةِ عَبْدهِ وقَبُولُهَا ... بَعْدَ المَتَابِ بِمِنَّةِ المنَّانِ
قال الشيخ الهرَّاس في شرح هذين البيتين: وأما التَّوَّاب؛ فهو الكثير التَّوْب؛ بمعنى: الرجوع على عبده بالمغفرة وقبول التوبة وتوبته سبحانه على عبده نوعان: أحدهما: أنه يلهم عبده التوبة إليه، ويوفقه لتحصيل شروطها من الندم والاستغفار والإقلاع عن المعصية والعزم على عدم العود إليها واستبدالها بعمل الصالحات والثاني: توبته على عبده بقبولها وإجابتها ومحو الذنوب بها؛ فإنَّ التوبة النصوح تجب ما قبلها صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص91
_________
(1) رواه مسلم (2703).
(2) رواه البخاري (6439)، ومسلم (1048).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 92).

- الجبروت
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، من اسمه (الجَبَّار)، وهي ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب: قوله تعالى: العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ [الحشر: 23]
الدليل من السنة:
حديث عوف بن مالك رضي الله عنه؛ قال: قمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة، فلما ركع؛ مكث قدر سورة البقرة يقول في ركوعه: ((سبحانه ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) (1).
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في الرؤية: ((& hellip; قال: فيأتيهم الجبَّارُ في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة & hellip;)) (2) .
قال ابن قتيبة في: (جبروته): تجبُّره، أي: تعظمه اهـ (3).
وقال ابن القيم (4):
Normal
0
false
false
false
EN-US
X-NONE
AR-SA
MicrosoftInternetExplorer4
وكَذلكَ الجَبَّارُ في أَوْصافِهِ
والجَبْرُ في أَوْصَافِه نَوْعَانِ
جَبْرُ الضَّعِيفِ وكُلُّ قَلْبٍ قد غَدَاَ
ذَا كَسْرَةٍ فَالجَبْرُ مِنْهُ دَانِ
والثَّاني جَبْرُ القَهْرِ بِالعِزِّ الَّذي
لا يَنْبَغِي لِسِوَاهُ مِنْ إِنْسَانِ
ولَهُ مُسَمَّىً ثَالِثٌ وَهُوَ العُلُـ
ـوَ فَلَيْسَ يَدْنُو مِنْهُ مِنْ إِنْسَانِ
مِنْ قولهم جَبَّارةٌ للنَّخْلَةِ العُلْيَا
التي فاتَتْ لِكُلِّ بَنَانِ
قال الهرَّاس في شرحه لهذه الأبيات: وقد ذكر المؤلف هنا لاسمه (الجبار) ثلاثة معان، كلها داخلة فيه، بحيث يصح إرادتها منه: أحدها: أنه الذي يجبر ضعف الضعفاء من عباده، ويجبر كسر القلوب المنكسرة من أجله، الخاضعة لعظمته وجلاله؛ فكم جبر سبحانه من كسير، وأغنى من فقير، وأعز من ذليل، وأزال من شدة، ويسر من عسير؟ وكم جبر من مصاب، فوفقه للثبات والصبر، وأعاضه من مصابه أعظم الأجر؟ فحقيقة هذا الجبر هو إصلاح حال العبد بتخليصه من شدته ودفع المكاره عنه المعنى الثاني: أنه القهار، دانَ كلُّ شيء لعظمته، وخضع كل مخلوق لجبروته وعزته؛ فهو يجبر عباده على ما أراد مما اقتضته حكمته ومشيئته؛ فلا يستطيعون الفكاك منه والثالث: أنه العلي بذاته فوق جميع خلقه؛ فلا يستطيع أحد منهم أنَّ يدنو منه اهـ وقد ذكر العلامة الشيخ السعدي -رحمه الله- أنَّ له معنى رابعاً، وهو أنه المتكبر عن كل سوء ونقص، وعن مماثلة أحد، وعن أنَّ يكون له كفوٌ أو ضدٌ أو سميٌ أو شريكٌ في خصائصه وحقوقه اهـ صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص92
_________
(1) رواه أبو داود (873) والنسائي (2/ 191)، وأحمد (6/ 24) (24026). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال النووي في ((الأذكار)) (81): صحيح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/ 74): حسن. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/ 375): رجال إسناده ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) رواه البخاري (7439).
(3) ((تفسير غريب القرآن)) (ص19).
(4) ((القصيدة النونية)) (2/ 95).

- الجلال
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (الجليل) ليس من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام [الرحمن:27].
وقوله: تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالإكْرَامِ [الرحمن: 78].
الدليل من السنة:
حديث أنس بن مالك رضي الله عنه: ((فيقول: وعزَّتي وجلالي وكبريائي وعظمتي؛ لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) (2) والجلال بمعنى العظمة
قال ابن القيم (3):
وَهُوَ الجَلِيلُ فَكُلُّ أوْصَافِ الجَلا ... لِ لهُ مُحَقَّقَةٌ بِلا بُطْلانِ
قال الهرَّاس: (وأوصاف الجلال الثابتة له سبحانه؛ مثل العزة والقهر والكبرياء والعظمة والسعة والمجد؛ كلها ثابتةٌ له على التحقيق، لا يفوته منها شيء) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص94
_________
(1) رواه البخاري (7510) واللفظ له، ومسلم (193).
(2) رواه مسلم (2566).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 64).

- الجمال
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، من اسمه (الجميل)، الثابت في السنة الصحيحة الدليل: حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه مرفوعا: ((إنَّ الله جميل يحب الجمال)) (1).
قال الحافظ قَوَّام السنة أبو القاسم الأصبهاني: قال بعض أهل النظر وقال: لا يجوز أنَّ يوصف الله بـ (الجميل) ولا وجهَ لإنكار هذا الاسم أيضاً؛ لأنه إذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ فلا معنى للمعارضة، وقد صح أنه قال صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله جميل يحب الجمال)) (2)؛ فالوجه إنما هو التسليم والإيمان اهـ (3)
وقال ابن القيم (4):
وَهُوَ الجَمِيلُ عَلَى الحَقِيقَةِ كَيْفَ لا ... وجمَالُ سَائِرِ هذهِ الأكْوَانِ
مِنْ بَعْض آثَارِ الجَمِيلِ فَرَبُّهَا ... أَوْلْى وَأجْدرُ عِنْدَ ذِي العِرْفَانِ
فَجَمَالُهُ بِالذَّاتِ والأوصَافِ وَالـ ... ـأفعَالِ وَالأسماء بالبُرهَانِ
لا شَيءَ يُشْبِهُ ذَاتَهُ وصِفَاتِهِ ... سُبْحَانَهُ عَنْ إفْكِ ذِي بُهْتَانِ
وقال الهرَّاس في (الشرح): وأما الجميل؛ فهو اسم له سبحانه من الجمال، وهو الحسن الكثير، والثابت له سبحانه من هذا الوصف هو الجمال المطلق، الذي هو الجمال على الحقيقة؛ فإنَّ جمال هذه الموجودات على كثرة ألوانه وتعدد فنونه هو من بعض آثار جماله، فيكون هو سبحانه أولى بذلك الوصف من كل جميل؛ فإنَّ واهب الجمال للموجودات لابدَّ أنَّ يكون بالغاً من هذا الوصف أعلى الغايات، وهو سبحانه الجميل بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله أما جمال الذات؛ فهو ما لا يمكن لمخلوق أنَّ يعبر عن شيء منه أو يبلغ بعض كنهه، وحسبك أنَّ أهل الجنة مع ما هم فيه من النعيم المقيم وأفانين اللذات والسرور التي لا يقدر قدرها، إذا رأوا ربهم، وتمتعوا بجماله؛ نسوا كل ما هم فيه، واضمحل عندهم هذا النعيم، وودوا لو تدوم لهم هذه الحال، ولم يكن شيء أحب إليهم من الاستغراق في شهود هذا الجمال، واكتسبوا من جماله ونوره سبحانه جمالاً إلى جمالهم، وبقوا في شوق دائم إلى رؤيته، حتى إنهم يفرحون بيوم المزيد فرحاً تكاد تطير له القلوب وأما جمال الأسماء؛ فإنها كلها حسنى، بل هي أحسن الأسماء وأجملها على الإطلاق؛ فكلها دالة على كمال الحمد والمجد والجمال والجلال، ليس فيها أبداً ما ليس بحسن ولا جميل وأما جمال الصفات؛ فإنَّ صفاته كلها صفات كمال ومجد، ونعوت ثناء وحمد، بل هي أوسع الصفات وأعمها، وأكملها آثاراً وتعلقات، لاسيما صفات الرحمة والبر والكرم والجود والإحسان والإنعام وأما جمال الأفعال؛ فإنها دائرة بين أفعال البر والإحسان التي يحمد عليها ويشكر، وبين أفعال العدل التي يحمد عليها لموافقتها للحكمة والحمد؛ فليس في أفعاله عبث ولا سفه ولا جور ولا ظلم، بل كلها خير ورحمة ورشد وهدى وعدل وحكمة، قال تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [هود:56]، ولأنَّ كمال الأفعال تابع لكمال الذات والصفات؛ فإنَّ الأفعال أثر الصفات، وصفاته كما قلنا أكمل الصفات؛ فلا غرو أنَّ تكون أفعاله أكمل الأفعال. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص94
_________
(1) رواه مسلم (91).
(2) رواه مسلم (91).
(3) ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 456).
(4) ((القصيدة النونية)) (2/ 64).

- الجنب
جعل بعضهم (الجنب) صفةً من صفات الله الذاتية، وهذا خطأ، والسلف على خلاف ذلك، ومن هؤلاء الذين أثبتوا هذه الصفة صديق حسن خان في كتابه (قطف الثمر) (1)، والذين أثبتوا هذه الصفة يستدلون بقوله تعالى: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ [الزمر: 56] يقول ابن جرير عند تفسير هذه الآية: وقوله: عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه؛ يقول: على ما ضيعت من العمل بما أمرني الله به، وقصرت في الدنيا في طاعة الله أهـ وقال الدارمي: وادعى المعارض أيضاً زوراً على قوم أنهم يقولون في تفسير قول الله: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ؛ قال: يعنون بذلك الجنب الذي هو العضو، وليس على ما يتوهمونه فيقال لهذا المعارض: ما أرخص الكذب عندك، وأخفه على لسانك، فإن كنت صادقاً في دعواك؛ فأشر بها إلى أحد من بني آدم قاله، وإلا؛ فلم تشنع بالكذب على قوم هم أعلم بهذا التفسير منك، وأبصر بتأويل كتاب الله منك ومن إمامك؟! إنما تفسيرها عندهم: تحسر الكفار على ما فرطوا في الإيمان والفضائل التي تدعو إلى ذات الله تعالى، واختاروا عليها الكفر والسخرية بأولياء الله، فسماهم الساخرين، فهذا تفسير (الجنب) عندهم، فمن أنبأك أنهم قالوا: جنب من الجنوب؟! فإنه لا يجهل هذا المعنى كثير من عوام المسلمين، فضلاً عن علمائهم أهـ (2) ويقول شيخ الإسلام: لا يُعرف عالم مشهور عند المسلمين، ولا طائفة مشهورة من طوائف المسلمين، أثبتوا لله جنباً نظير جنب الإنسان، وهذا اللفظ جاء في القرآن في قوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ [الزمر:56] فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أنَّ يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق؛ كقوله تعالى: (بَيْت الله)، ناقَة الله [الأعراف:73]، وعِبَاد الله [الصافات:40]، بل وكذلك (رُوح الله) (3) عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره؛ مثل كلام الله، وعلم الله، ويد الله، ونحو ذلك؛ كان صفة له وفي القرآن ما يبين أنه ليس المراد بالجنب ما هو نظير جنب الإنسان؛ فإنه قال: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ، والتفريط ليس في شيء من صفات الله عَزَّ وجَلَّ، والإنسان إذ قال: فلان قد فرط في جنب فلان أو جانبه؛ لا يريد به أنَّ التفريط وقع في شيء من نفس ذلك الشخص، بل يريد به أنه فرط في جهته وفي حقه فإذا كان هذا اللفظ إذا أضيف إلى المخلوق لا يكون ظاهره أنَّ التفريط في نفس جنب الإنسان المتصل بأضلاعه، بل ذلك التفريط لم يلاصقه؛ فكيف يظن أنَّ ظاهره في حق الله أنَّ التفريط كان في ذاته؟ اهـ (4) ويقول ابن القيم: فهذا إخبار عما تقوله هذه النفس الموصوفة بما وصفت به، وعامة هذه النفوس لا تعلم أنَّ لله جنباً، ولا تقر بذلك؛ كما هو الموجود منها في الدنيا؛ فكيف يكون ظاهر القرآن أنَّ الله أخبر عنهم بذلك، وقد قال عنهم: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ [الزمر: 56]، والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله؛ لا في جنب ولا في غيره، بل يكون منفصلاً عن الله، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، وظاهر القرآن يدل على أنَّ قول القائل: يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ؛ ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله وأبعاضه اهـ (5)
قلت: لا يصح إضافة الأبعاض إلى الله تعالى وذكر ابن الجوزي في (زاد المسير) عند تفسير الآية السابقة خمسة أقوال لجنب الله: طاعة الله، وحق الله، وأمر الله، وذكر الله، وقرب الله. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص97
_________
(1) ((قطف الثمر)) (ص67).
(2) ((نقض الدارمي على المريسي)) (ص184).
(3) ليس في القرآن بيت الله بل فيه بيتي [الحج:26] وفيه روح الله [يوسف:87] بفتح الراء لا بضمها وفيه روحي [الحجر:29]
(4) ((الجواب الصحيح)) (3/ 145، 146).
(5) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 250).

- الجهة
لم يرد لفظ (الجهة)؛ لا إثباتاً ولا نفياً، لا في الكتاب ولا في السنة، ولذلك؛ فالحق فيها التفصيل، ويغني عنه العلو والفوقية، وأنه سبحانه وتعالى في السماء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في (الرسالة التدمرية) (القاعدة الثانية): فلفظ الجهة قد يراد به شيء موجود غير الله؛ فيكون مخلوقاً، كما إذا أريد بالجهة نفس العرش أو نفس السماوات، وقد يراد به ما ليس بموجود غير الله تعالى؛ كما إذا أريد بالجهة ما فوق العالم ومعلوم أنه ليس في النص إثبات لفظ الجهة ولا نفيه؛ كما فيه إثبات العلو، والاستواء، والفوقية، والعروج إليه ونحو ذلك، وقد علم أنَّ ما ثم موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق سبحانه وتعالى مباين للمخلوق، ليس في مخلوقاته شيء من ذاته، ولا في ذاته شيء من مخلوقاته فيقال لمن نفى الجهة: أتريد بالجهة أنها شيء موجود مخلوق؟ فالله ليس داخلاً في المخلوقات، أم تريد بالجهة ما وراء العالم؟ فلا ريب أنَّ الله فوق العالم مباين للمخلوقات وكذلك يقال لمن قال: الله في جهة، أتريد بذلك أنَّ الله فوق العالم؟ أو تريد به أنَّ الله داخلٌ في شيء من المخلوقات؟ فإن أردت الأول؛ فهو حق، وإن أردت الثاني؛ فهو باطل اهـ ويقول في (مجموع الفتاوى): فإذا قال القائل: هو في جهة أو ليس في جهة؟ قيل له: الجهة أمر موجود أو معدوم، فإن كان أمراً موجوداً، ولا موجود إلا الخالق والمخلوق، والخالق بائن عن المخلوق؛ لم يكن الرب في جهة موجودة مخلوقة، وإن كانت الجهة أمراً معدوماً؛ بأنَّ يسمى ما وراء العالم جهة، فإذا كان الخالق مبايناً العالم، وكان ما وراء العالم جهة مسماة، وليس هو شيئاً موجوداً؛ كان الله في جهة معدومة بهذا الاعتبار لكن؛ لا فرق بين قول القائل: هو في معدوم، وقوله: ليس في شيء غيره؛ فإنَّ المعدوم ليس شيئاً باتفاق العقلاء.
ولا ريب أنَّ لفظ الجهة يريدون به تارة معنى موجوداً، وتارة معنى معدوماً، بل المتكلم الواحد يجمع في كلامه بين هذا وهذا، فإذا أزيل الاحتمال؛ ظهر حقيقة الأمر فإذا قال القائل: لو كان في جهة؛ لكانت قديمة معه قيل له: هذا إذا أريد بالجهة أمرٌ موجود سواه؛ فالله ليس في جهة بهذا الاعتبار.
وإذا قال: لو رُئي؛ لكان في جهة، وذلك محال قيل له: إن أردت بذلك: لكان في جهة موجودة؛ فذلك محال؛ فإنَّ الموجود يمكن رؤيته، وإن لم يكن في موجود غيره؛ كالعالم، فإنه يمكن رؤية سطحه وليس هو في عالم آخر وإن قال: أردت أنه لابدَّ أنَّ يكون فيما يسمى جهة، ولو معدوماً؛ فإنه إذا كان مبايناً للعالم؛ سمي ما وراء العالم جهة قيل له: فلم قلت: إنه إذا كان في جهة بهذا الاعتبار كان ممتنعاً؟ فإذا قال: لأنَّ ما باين العالم ورُئي لا يكون إلا جسماً أو متحيزاً؛ عاد القول إلى لفظ الجسم والمتحيز كما عاد إلى لفظ الجهة فيقال له: المتحيز يراد به ما حازه غيره ويراد به ما بان عن غيره فكان متحيزاً عنه، فإن أردت بالمتحيز الأول؛ لم يكن سبحانه متحيزاً؛ لأنه بائن عن المخلوقات، لا يحوزه غيره، وإن أردت الثاني؛ فهو سبحانه بائن عن المخلوقات، منفصل عنها، ليس هو حالاً فيها، ولا متحداً بها؛ فبهذا التفصيل يزول الاشتباه والتضليل اهـ (1) وقال الشيخ العثيمين -رحمه الله-: وممَّا لم يرد إثباته ولا نَفْيه لفظ (الجهة)، فلو سأل سائل: هل نُثْبِت لله تعالى جهة؟ قلنا له: لفظ الجهة لم يرد في الكتاب والسنة إثباتاً ولا نفياً، ويُغني عنه ما ثبت فيهما من أنَّ الله تعالى في السَّماء، وأما معناه؛ فإمَّا أنَّ يراد به: جهةُ سُفْلٍ أو جهةُ عُلُوٍ تحيط بالله أو جهةُ عُلُوٍ لا تحيط به فالأول باطل؛ لمنافاته لعلو الله تعالى الثابت بالكتاب والسنة والعقل والفطرة والإجماع والثاني باطلٌ أيضاً، لأنَّ الله تعالى أعظم من أنَّ يحِيط به شيء من مخلوقاته والثالث حقٌّ؛ لأنَّ الله تعالى العليّ فوق خلْقه ولا يحيط به شيء من مخلوقاته اهـ (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص99
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 39 - 40).
(2) ((القواعد المثلى)) (ص40).

- الحاكم والحكم
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الحاكم والحكم، و (الحكم) اسم له ثابتٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: أَفَغَيْرَ اللهِ أَبْتَغِي حَكَمَاً [الأنعام: 114].
قوله تعالى: فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ بَيْنَنَا وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ [الأعراف: 87].
الدليل من السنة: حديث هانئ بن يزيد رضي الله عنه؛ أنه لما وفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع قومه؛ سمعهم يكنونه بأبي الحكم، فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إنَّ الله هو الحَكَم، وإليه الحُكم، فلِمَ تكنى أبا الحكم؟ (1) والحَكَم والحاكم بمعنى واحد؛ إلا أنَّ الحَكَم أبلغ من الحاكم، وهو الذي إليه الحُكْم، وأصل الحُكم منع الفساد والظلم ونشر العدل والخير. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص103
_________
(1) رواه أبو داود (4955)، والنسائي (8/ 226)، والحاكم (1/ 75). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.

- الحب والمحبة
صفاتٌ لله عَزَّ وجَلَّ فِعْلِيَّةٌ اختيارِيَّةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة: 195].
وقوله: فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة: 54].
الدليل من السنة:
حديث سهل بن سعد رضي الله عنه: ((لأعطين الراية غداً رجلاً يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله)) (1).
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((إنَّ الله يحب العبد التقي، الغني، الخفي)) (2).
فأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الحب والمحبة لله عَزَّ وجَلَّ، ويقولون: هي صفة حقيقية لله عَزَّ وجَلَّ، على ما يليق به، وليس هي إرادة الثواب؛ كما يقول المؤولة كما يثبت أهل السنة لازم المحبة وأثرها، وهو إرادة الثواب وإكرام من يحبه سبحانه قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى 2/ 354): إنَّ الكتاب والسنة وإجماع المسلمين أثبتت محبة الله لعباده المؤمنين ومحبتهم له، كقوله تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ [البقرة:165] وقوله: يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54] وقوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِه [التوبة:24] وقد أجمع سلف الأمة وأئمتها على إثبات محبة الله تعالى لعباده المؤمنين ومحبتهم له وهذا أصل دين الخليل إمام الحنفاء عليه السلام اهـ صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص103
_________
(1) رواه البخاري (3009)، ومسلم (2406).
(2) رواه مسلم (2965).

- الحثو
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنة الصحيحة الدليل:
حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه مرفوعاً: ((وعدني ربي أنَّ يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً لا حساب عليهم ولا عذاب، مع كل ألف سبعون ألفاً، وثلاث حثيات من حثيات ربي)) (1).
حديث عامر بن زيد البكالي عن عتبة بن عبدٍ السُّلَمي رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ ربي وعدني أنَّ يدخل من أمتي الجنة سبعين ألفاً بغير حساب، ثم يتبع كل ألف سبعين ألفاً، ثم يحثي بكفه ثلاث حثيات، فكبَّر عمر)) (2) الحديث.
3 - حديث أبي سعيد الأنماري الخير رضي الله عنه مرفوعاً: ((إنَّ ربي وعدني أنَّ يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفاً بغير حساب، ويشفع لكل ألف سبعين ألفاً، ثم يحثي ربي ثلاث حثيات بكفيه)) (3).
وقد أورد الدارمي في حديث عتبة وأبي سعيد في موطن (النقض على المريسي) في طعنه إثبات صفة اليد والكف لله عَزَّ وجَلَّ.
وقال المباركفوري عند شرحه لحديث أبي أمامة المتقدم: (ثلاث حثيات)؛ بفتح الحاء والمثلثة، جمع حثية، والحثية والحثوة يستعمل فيما يعطيه الإنسان بكفيه دفعة واحدة من غير وزن وتقدير. اهـ (4) وقال ابن القيم: ورد لفظ اليد في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط والمصافحة والحثيات اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص104
_________
(1) رواه الترمذي (2437)، وابن ماجه (4286)، وأحمد (5/ 268) (22357). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (8/ 93): رواه ابن ماجه والترمذي وحسنه. وقال الذهبي في ((سير أعلام النبلاء)) (16/ 460): إسناده قوي. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2) رواه ابن حبان (16/ 231)، والطبراني في ((الكبير)) (17/ 126)، وفي ((الأوسط)) (1/ 126). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 414): رواه الطبراني في ((الأوسط)) ... وفى ((الكبير)) وأحمد باختصار عنهما، وفيه عامر بن زيد البكالى وقد ذكره ابن أبى حاتم ولم يجرحه ولم يوثقه، وبقية رجاله ثقات. اهـ. والدارمي في ((نقضه على المريسي)) (1/ 276)، والفسوي في ((المعرفة والتاريخ)) (2/ 341)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (11/ 418): سنده جيد ... وأخرجه الحافظ الضياء وقال: لا أعلم له علة. قلت: علته الاختلاف في سنده. اهـ .. وأبو عامر البكالي: ذكره أيضاً البخاري في ((التاريخ الكبير)) ولم يجرحه أو يوثقه، وذكره ابن حبان في ((الثقات)) (5/ 191) وقال: يروي عن عتبة بن عبدٍ، روى عنه أبو سلام ويحيى بن أبي كثير، عداده في أهل الشام. اهـ. وأبو سلام قال عنه ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) (6879): ممطور الأسود الحبشي أبو سلام ثقة يرسل. اهـ. ويحيى بن أبي كثير قال عنه ابن حجر في ((تقريب التهذيب)) (7632): يحيى بن أبي كثير الطائي مولاهم أبو نصر اليمامي ثقة ثبت لكنه يدلس ويرسل. اهـ. وبقية رجال الحديث ثقات، ويشهد له حديث أبي أمامة رضي الله عنه السابق.
(3) رواه الطبراني في ((الكبير)) (22/ 304)، و ((الأوسط)) (1/ 128). وقال: لا يروى هذا الحديث عن أبي سعيد الأنماري إلا بهذا الإسناد تفرد به معاوية بن سلام. ورواه الدارمي في ((نقضه على المريسي)) (1/ 280)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (814)، قال البوصيري في ((إتحاف الخيرة المهرة)) (8/ 94): رواه الطبراني في ((الأوسط))، وأبوأحمد الحاكم في ((الكنى)) وسياقه أتم. وقال ابن حجر في ((الإصابة)) (7/ 177): سنده صحيح وكلهم من رجال الصحيح إلا قيس بن حجر وهو شامي ثقة ولكن أخرجه الحاكم أبو أحمد أيضا من طريق أبي توبة عن معاوية بن سلام فقال إن قيس بن حجر الكندي حدث الوليد بن عبد الملك أن أبا سعيد الخير حدثه وأخرجه الطبراني من طريق أبي توبة عن معاوية فقال إن أبا سعيد الأنماري وقيل قيس بن الحارث وأخرجه أيضا من وجه آخر عن الزبيدي عن عبد الله بن عامر فقال: عن قيس بن الحارث إن أبا سعيد الخير الأنصاري حدثه فذكر طرفا منه فمن هذا الاختلاف يتوقف في الجزم بصحة هذا السند. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 409): رواه الطبراني في ((الأوسط)) و ((الكبير)) ... ورجاله ثقات. وقال الألباني في ((ظلال الجنة)) (814): ضعيف. والحديث يشهد له حديث أبي أمامة رضي الله عنه السابق.
(4) ((تحفة الأحوذي)) (7/ 129).
(5) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 171).

- الحجزة والحقو
صفتان ذاتيان خبريَّتان ثابتتان بالسنة الصحيحة الدليل:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((إنَّ الرحم شَجْنَةٌ آخذةٌ بحُجزة الرحمن؛ يصل من وصلها، ويقطع من قطعها)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((خلق الله الخلق، فلما فرغ منه؛ قامت الرحم، فأخذت بحقو الرحمن، فقال: مه! قالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة)) (2).
والحقو والحُجْزة: موضع عقد الإزار وشده قال الحافظ أبو موسى المديني: وفي الحديث: ((إنَّ الرحم أخذت بحجزة الرحمن)) - ثم ذكر تفسيرين للحديث- ثم قال: وإجراؤه على ظاهره أولى اهـ (3).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في (شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري) ناقلاً من (نقض التأسيس) لشيخ الإسلام، ومن (إبطال التأويلات) لأبي يعلى الفراء، ومعلقاً: قال شيخ الإسلام رحمه الله في رده على الرازي في زعمه أنَّ هذا الحديث: (يعني: حديث أبي هريرة المتقدم) يجب تأويله: قال: فيقال له: بل هذا من الأخبار التي يقرها من يقر نظيره، والنِّزاع فيه كالنِّزاع في نظيره؛ فدعواك أنه لا بدَّ فيه من التأويل بلا حجة تخصه؛ لا تصح وقال: وهذا الحديث في الجملة من أحاديث الصفات، التي نص الأئمة على أنه يمر كما جاء، وردوا على من نفى موجبه، وما ذكره الخطابي وغيره أنَّ هذا الحديث مما يتأول بالاتفاق؛ فهذا بحسب علمه، حيث لم يبلغه فيه عن أحد من العلماء أنه جعله من أحاديث الصفات التي تمر كما جاءت قال ابن حامد: ومما يجب التصديق به: أنَّ لله حَقْواً قال المروزي: قرأت على أبي عبد الله كتاباً، فَمَرَّ فيه ذكر حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله خلق الرحم، حتى إذا فرغ منها؛ أخذت بحقو الرحمن)) فرفع المحدث رأسه، وقال: أخاف أنَّ تكون كفرت قال أبو عبد الله: هذا جهمي وقال أبو طالب: سمعت أبا عبد الله يسأل عن حديث هشام بن عمار؛ أنه قريء عليه حديث الرحم: (تجيء يوم القيامة فتعلق بالرحمن تعالى)، فقال: أخاف أنَّ تكون قد كفرت فقال: هذا شامي؛ ما له ولهذا؟ قلت: فما تقول؟ قال: يمضي كل حديث على ما جاء.
وقال القاضي أبو يعلى: اعلم أنه غير ممتنع حمل هذا الخبر على ظاهره، وأنَّ (الحقو) و (الحجزة) صفة ذات، لا على وجه الجارحة والبعض، وأنَّ الرحم آخذة بها، لا على وجه الاتصال والمماسة، بل نطلق ذلك تسمية كما أطلقها الشرع، وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله - رحمه الله - هذا الحديث في كتابه، وأخذ بظاهره، وهو ظاهر كلام أحمد.
قلت: قوله: (لا على وجه الجارحة والبعض)، وقوله: (لا على وجه الاتصال والمماسة)؛ قول غير سديد، وهو من أقوال أهل البدع التي أفسدت عقولَ كثير من الناس؛ فمثل هذا الكلام المجمل لا يجوز نفيه مطلقاً، ولا إثباته مطلقاً؛ لأنه يحتمل حقاً وباطلاً، فلا بدَّ من التفصيل في ذلك، والإعراض عنه أولى؛ لأنَّ كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم خال منه، وليس هو بحاجة إليه؛ فهو واضح، وليس ظاهر هذا الحديث أنَّ لله إزاراً ورداءً من جنس الأزر والأردية التي يلبسها الناس، مما يصنع من الجلود والكتان والقطن وغيره، بل هذا الحديث نص في نفي هذا المعنى الفاسد؛ فإنه لو قيل عن بعض العباد: إنَّ العظمة إزاره والكبرياء رداؤه؛ لكان إخباره بذلك عن العظمة والكبرياء اللذين ليسا من جنس ما يلبس من الثياب فإذا كان هذا المعنى الفاسد لا يظهر من وصف المخلوق؛ لأنَّ تركيب اللفظ يمنع ذلك، وبين المعنى المراد؛ فكيف يدّعى أنَّ هذا المعنى ظاهر اللفظ في حق الله تعالى، فإنَّ كل من يفهم الخطاب ويعرف اللغة؛ يعلم أنَّ الرسول صلى الله عليه وسلم لم يخبر عن ربه بلبس الأكسية والثياب، ولا أحد ممن يفهم الخطاب يدعي في قوله صلى الله عليه وسلم في خالد بن الوليد إنه سيف الله؛ أنَّ خالداً حديد، ولا في قوله صلى الله عليه وسلم في الفرس: ((إنا وجدناه بحراً)) (4)؛ أنَّ ظاهره أنَّ الفرس ماء كثير ونحو ذلك اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص106
_________
(1) رواه أحمد (1/ 321) (2956)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (538)، والطبراني (10/ 327)، قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 150): رواه أحمد والبزار والطبراني بنحوه وفيه صالح مولى التوأمة وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (4/ 344): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1602): وهذا إسناد حسن، رجاله كلهم ثقات رجال الشيخين غير صالح مولى التوأمة ففيه كلام.
(2) رواه البخاري (4830).
(3) ((المجموع المغيث)) (1/ 405).
(4) رواه البخاري (2820)، ومسلم (2307) بدون (إنا) وفي لفظٍ لهما أيضاً: ((إن وجدناه لبحرا)).
(5) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 383).

- الحركة
لم يرد هذا اللفظ في الكتاب والسنة، ويغني عنه إثبات النُّزول والإتيان والمجيء ونحو ذلك قال شيخ الإسلام في شرح حديث النُّزول: لفظ (الحركة)؛ هل يوصف الله بها أم يجب نفيه عنه؟ اختلف فيه المسلمون وغيرهم من أهل الملل وغير أهل الملل من أهل الحديث وأهل الكلام وأهل الفلسفة وغيرهم على ثلاثة أقوال، وهذه الثلاثة موجودة في أصحاب الأئمة الأربعة من أصحاب الإمام أحمد وغيرهم ثم شرع رحمه الله في ذكر معنى الحركة عند المتكلمين والفلاسفة وأصحاب أرسطو وأنواع الحركة (1) إلى أنْ قال: والمقصود هنا أنَّ الناس متنازعون في جنس الحركة العامة التي تتناول ما يقوم بذات الموصوف من الأمور الاختيارية؛ كالغضب والرضى والفرح، وكالدنو والقرب والاستواء والنُّزول، بل والأفعال المتعدية كالخلق والإحسان وغير ذلك على ثلاثة أقوال: أحدها: قول من ينفي ذلك مطلقاً وبكل معنى وهذا أول من عرف به هم الجهمية والمعتزلة والقول الثاني: إثبات ذلك، وهو قول الهشامية والكرامية وغيرهم من طوائف أهل الكلام الذين صرحوا بلفظ الحركة.
وذكر عثمان بن سعيد الدارمي إثبات لفظ الحركة في كتاب نقضه على بشر المريسي، ونصره على أنه قول أهل السنة والحديث، وذكره حرب بن إسماعيل الكرماني - لما ذكر مذهب أهل السنة والأثر - عن أهل السنة والحديث قاطبة، وذكر ممن لقي منهم على ذلك: أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه، وعبد الله بن الزبير الحميدي، وسعيد بن منصور، وهو قول أبي عبد الله بن حامد وغيره.
وكثيرٌ من أهل الحديث والسنة يقول: المعنى صحيح، لكن؛ لا يطلق هذا اللفظ؛ لعدم مجيء الأثر به؛ كما ذكر ذلك أبو عمر بن عبد البر وغيره في كلامهم على حديث النُّزول والقول المشهور عن السلف عند أهل السنة والحديث: هو الإقرار بما ورد به الكتاب والسنة؛ من أنه يأتي وينْزل وغير ذلك من الأفعال اللازمة قال أبو عمرو الطَّلْمَنْكِيُّ: أجمعوا (يعني: أهل السنة والجماعة) على أنَّ الله يأتي يوم القيامة والملائكة صفَّاً صفَّاً لحساب الأمم وعرضها كما يشاء وكيف يشاء؛ قال تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلا أَنْ يَأْتِيَهُمْ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنْ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الأمْرُ [البقرة:210]، وقال تعالى: وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفَّاً صَفَّاً [الفجر:22] قال: وأجمعوا على أنَّ الله يَنْزل كل ليلة إلى سماء الدنيا على ما أتت به الآثار كيف شاء، لا يحدون في ذلك شيئا ثم روى بإسناده عن محمد بن وضاح؛ قال: وسألت يحيى بن معين عن النُّزول؟ فقال: نعم؛ أقر به، ولا أحِدُّ فيه حَدَّاً (2) والقول الثالث: الإمساك عن النفي والإثبات، وهو اختيار كثيرٌ من أهل الحديث والفقهاء والصوفية؛ كابن بطة وغيره، وهؤلاء فيهم من يعرض بقلبه عن تقدير أحد الأمرين، ومنهم من يميل بقلبه إلى أحدهما، ولكن؛ لا يتكلم لا بنفي ولا بإثبات والذي يجب القطع به أنَّ الله ليس كمثله شيء في جميع ما يصف به نفسه، فمن وصفه بمثل صفات المخلوقين في شيء من الأشياء؛ فهو مخطئ قطعاً؛ كمن قال: إنه ينْزل فيتحرك وينتقل كما يَنْزل الإنسان من السطح إلى أسفل الدار؛ كقول من يقول: إنه يخلو منه العرش! فيكون نزوله تفريغاً لمكان وشغلاً لآخر؛ فهذا باطل يجب تنْزِيه الرب عنه كما تقدم اهـ (3).
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 565).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 577).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 577) وانظر كلامه رحمه الله في ((الاستقامة)) (1/ 70 - 78).

وقال الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: النصوص في إثبات الفعل والمجيء والاستواء والنُّزول إلى السماء الدنيا إن كانت تستلزم الحركة لله؛ فالحركة له حق ثابت بمقتضى هذه النصوص ولازمها، وإن كنا لا نعقل كيفية هذه الحركة وإن كانت هذه النصوص لا تستلزم الحركة لله تعالى؛ لم يكن لنا إثبات الحركة له بهذه النصوص، وليس لنا أيضاً أنَّ ننفيها عنه بمقتضى استبعاد عقولنا لها، أو توهمنا أنها تستلزم إثبات النقص، وذلك أنَّ صفات الله تعالى توقيفية، يتوقف إثباتها ونفيها على ما جاء به الكتاب والسنة؛ لامتناع القياس في حقه تعالى؛ فإنه لا مثل له ولا ند، وليس في الكتاب والسنَّة إثبات لفظ الحركة أو نفيه؛ فالقول بإثبات نفيه أو لفظه قول على الله بلا علم وقد تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كثير من رسائله في الصفات على مسألة الحركة، وبيَّن أقوال الناس فيها، وما هو الحق من ذلك، وأنَّ من الناس من جزم بإثباتها، ومنهم من توقف، ومنهم من جزم بنفيها، والصواب في ذلك أنَّ ما دل عليه الكتاب والسنة من أفعال الله تعالى ولوازمها؛ فهو حق ثابت يجب الإيمان به، وليس فيه نقص ولا مشابهة للخلق؛ فعليك بهذا الأصل؛ فإنه يفيدك، وأعرض عما كان عليه أهل الكلام من الأقيسة الفاسدة التي يحاولون صرف نصوص الكتاب والسنة إليها؛ ليحرفوا بها الكلم عن مواضعه، سواء عن نية صالحة أو سيئة اهـ (1). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص109
_________
(1) ((إزالة الستار عن الجواب المختار)) (ص32).

- الحسيب
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الحسيب، وهو اسم له ثابتٌ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً [النساء: 86].
وقوله: وَكَفَى بِاللهِ حَسِيباً [النساء: 6 والأحزاب: 39].
الدليل من السنة:
حديث أبي بكرة رضي الله عنه: ((إن كان أحدكم مادحاً لا محالة؛ فليقل: أحسب كذا وكذا - إن كان يرى أنه كذلك -، وحسيبه الله، ولا يُزكَّى على الله أحد)) (1).
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (فمن أظهر لنا خيراً؛ أمَّناه وقرَّبناه، وليس لنا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته) (2).
ومعنى الحسيب؛ أي: الحفيظ، والكافي، والشهيد، والمحاسب انظر: تفسير الآية 6و86 من سورة النساء في (تفسير ابن جرير) وابن الجوزي في (زاد المسير). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص113
_________
(1) رواه البخاري (6061)، ومسلم (3000).
(2) رواه البخاري (2641).

- الحفظ
صفةٌ من صفاته تعالى الثابتة بالكتاب والسنة من اسميه (الحافظ) و (الحفيظ)
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ [هود: 57].
وقوله: فَاللهُ خَيْرٌ حافِظاً وَهُوَ أرْحَمُ الرَّاحِمينَ [يوسف: 64].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما المشهور: ((احفظ الله يحفظك)) (1).
يقول ابن القيم (2):
وَهُوَ الحَفِيظُ عَلَيْهِمُ وَهُوَ الكَفِيـ ... لُ بِحِفْظِهِمْ مِنْ كُلِّ أمْرٍ عانِ
يقول الهرَّاس في الشرح (باختصار): ومن أسمائه سبحانه: الحفيظ، وله معنيان: أحدهما: أنه يحفظ على العباد ما عملوه من خير وشر، وعرف ونكر، وطاعة ومعصية والمعنى الثاني من معنيي الحفيظ: أنه تعالى الحافظ لعباده من جميع ما يكرهون وحفظه لخلقه نوعان: عام وخاص فالعام هو حفظه لجميع المخلوقات والنوع الثاني حفظه الخاص لأوليائه حفظاً زائداً على ما تقدم؛ يحفظهم عما يضر إيمانهم ويزلزل يقينهم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص113
_________
(1) رواه الترمذي (2516)، وأحمد (1/ 293) (2669)، والحاكم (3/ 623). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن الشيخين رضي الله عنهما لم يخرجا لشهاب بن خراش ولا القداح في الصحيحين وقد روي الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا. وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 495): حسن جيد. وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 327): حسن. وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (188): حسن وله شاهد. وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (4/ 267): إسناده حسن. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (4/ 233): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(2) ((القصيدة النونية)) (2/ 83).

- الحفي
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه حفيٌّ، وهذا ثابت بالكتاب العزيز.
الدليل:
قوله تعالى: قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيَّاً [مريم: 47]
ومعنى الحفيِّ؛ أي: البَر اللطيف قاله الراغب في (المفردات).
وقال ابن قتيبة في (تفسير غريب القرآن): أي: بارَّاً عوَّدني منه الإجابة إذا دعوته. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص114

- الحق
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الحق سبحانه وتعالى، وهو اسمٌ له ثابتٌ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الحج: 6].
وقوله تعالى: فَتَعَالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ [المؤمنون: 116].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((أنت الحق وقولك الحق)) (1).
قال قَوَّام السنة: ومن أسمائه تعالى: الحق، وهو المتحقق كونه ووجوده، وكل شيء صح وجوده وكونه فهو حق اهـ (2).
وبنحوه قال ابن الأثير (3)، وقال السعدي: الحق؛ في ذاته وصفاته؛ فهو واجب الوجود، كامل الصفات والنعوت، وجوده من لوازم ذاته، ولا وجود لشيء من الأشياء إلاَّ به، فهو الذي لم يزل ولا يزال بالجلال والجمال والكمال موصوفاً، ولم يزل ولا يزال بالإحسان معروفاً، فقوله حق، وفعله حق، ولقاؤه حق، ورسله حق، وكتبه حق، ودينه هو الحق، وعبادته وحده لا شريك له هي الحق، وكل شيء ينسب إليه فهو حق، ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]، وَقُل الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29]، فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلالُ [يونس:32] 00 اهـ (4).
قلت: قوله: وكل شيء ينسب إليه فهو حق؛ أي: كل شيء ينسب إليه بحق، فهو حق صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص115
_________
(1) رواه البخاري (7385).
(2) ((الحجة)) (1/ 135).
(3) ((جامع الأصول)) (4/ 179).
(4) ((تفسير السعدي)) (5/ 305).

- الحكمة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، و (الحكيم) من أسمائه تعالى، وهو ثابتٌ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 18].
وقوله: وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 228].
الدليل من السنة:
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((وسبحان الله رب العالمين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم)) (1).
قال ابن القيم (2):
وهو الحكيمُ وذَاكَ من أوْصَافِه حُكْمٌ وإحْكَامٌ فَكُلٌّ مِنْهُمَا ... نَوْعَانِ أيْضاَ مَا هُمَا عَدَمَانِ نَوْعَانِ أيْضاً ثَابِتا البُرْهَانِ
قال الهرَّاس: ومن أسمائه الحسنى سبحانه: (الحكيم)، وهو إما فعيل بمعنى فاعل؛ أي: ذو الحكم، وهو القضاء على الشيء بأنه كذا أو ليس كذا، أو فعيل بمعنى مفعل، وهو الذي يُحكِم الأشياء ويتقنها، وقيل: الحكيم ذو الحكمة، وهي معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص116
_________
(1) رواه مسلم (2696).
(2) ((القصيدة النونية)) (2/ 75).

- الحلم
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بالحِلم، وهي صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة، و (الحليم) اسم من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ [البقرة: 263].
وقوله: إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا [فاطر: 41].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم)) (1).
قال ابن القيم (2):
وَهُوَ الحليمُ فَلاَ يُعاجِلُ عَبْدهُ وَهُوَ العَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الوَرَى ... بعُقُوبَةٍ لِيَتُوبَ منْ عِصْيَانِ لَوْلاَهُ غَارَ الأرْضُ بِالسُّكَّانِ
وقال الهرَّاس في (الشرح): ومن أسمائه سبحانه (الحليم) و (العفو)؛ فالحليم الذي له الحلم الكامل الذي وسع أهل الكفر والفسوق والعصيان، حيث أمهلهم ولم يعاجلهم بالعقوبة؛ رجاء أنَّ يتوبوا، ولو شاء؛ لأخذهم بذنوبهم فور صدورها منهم؛ فإن الذنوب تقتضي ترتب آثارها عليها من العقوبات العاجلة المتنوعة، ولكن حلمه سبحانه هو الذي اقتضى إمهالهم؛ كما قال تعالى: وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيرًا [فاطر:45]. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص117
_________
(1) رواه البخاري (6345)، ومسلم (2730).
(2) ((القصيدة النونية)) (2/ 81).

- الحميد
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الحميد، وهو صفةٌ ذاتيةٌ له، و (الحميد) اسم من أسمائه، ثابتٌ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
1 - قوله تعالى: وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ [البقرة: 267].
2 - وقوله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُم الْفُقَرَاءُ إلى اللهِ وَاللهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].
الدليل من السنة:
حديث كعبٍ بن عُجرة رضي الله عنه في التشهد: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) (1).
المعنى:
قال ابن منظور في (اللسان): الحميد من صفاته سبحانه وتعالى، بمعنى المحمود على كل حال، وهو فعيل بمعنى مفعول.
وقال ابن الأثير: الحميد: المحمود، الذي استحق الحمد بفعله، وهو فعيل بمعنى مفعول (2) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص118
_________
(1) رواه البخاري (3370)، ومسلم (406).
(2) ((جامع الأصول)) (4/ 180).

- الحنان (بمعنى الرحمة)
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيَّاً [مريم: 12 - 13]
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: ((يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان ثم يشفع الأنبياء في كل من كان يشهد أنَّ لا إله إلا الله مخلصاً، فيخرجونهم منها، قال: ثم يتحنَّن الله برحمته على مَن فيها، فما يترك فيها عبداً في قلبه مثقال حبة من إيمان إلا أخرجه منها)) (1).
قال ابن جرير: قوله: وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا: يقول تعالى ذكره: ورحمة منا ومحبة له آتيناه الحكم صبيّاً، وقد اختلف أهل التأويل في معنى الحنان، فقال بعضهم: معناه: الرحمة اهـ، ثم نسب ذلك بإسناده إلى ابن عباس وعكرمة والضحاك وقتادة، ثم قال: وقال آخرون: معنى ذلك: وتعطُّفاً من عندنا عليه فعلنا ذلك، ونسب ذلك بإسناده إلى مجاهد، ثم قال: وقال آخرون: بل معنى الحنان: المحبة، ووجهوا معنى الكلام إلى: ومحبة من عندنا فعلنا ذلك، ثم نسب ذلك بإسناده إلى عكرمة وابن زيد، ثم قال: وقال آخرون: معناه تعظيماً منَّا له، ونسب ذلك بإسناده إلى عطاء بن أبي رباح ثم قال: وأصل ذلك - أعني: الحنان- من قول القائل: حنَّ فلان إلى كذا، وذلك إذا ارتاح إليه واشتاق، ثم يقال: تحنَّن فلان على فلان: إذا وصف بالتعطُّف عليه والرقة به والرحمة له؛ كما قال الشاعر:
تَحَنَّنْ عليَّ هَداك المليكُ ... فإنَّ لِكُلِّ مَقامٍ مَقالاً
بمعنى: تعطَّف عليَّ؛ فالحنان: مصدر من قول القائل: حنَّ فلانٌ على فلانٍ، يقال منه: حننتُ عليه؛ فأنا أحِنُّ عليه، وحناناً اهـ (2).
وقال الفراء: وقوله: وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا الحنان: الرحمة، ونصب حناناً؛ أي: وفعلنا ذلك رحمة لأبويه اهـ (3).
وبنحوه قال ابن قتيبة، ونسب البيت السابق للحطيئة يخاطب فيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه (4).
وروى أبو عبيد القاسم بن سلاَّم عن أبي معاوية (الضرير) عن هشام بن عروة عن أبيه؛ أنه كان يقول في تلبيته: لبيك ربنا وحنانيك (5) وهذا إسناد صحيح، وعروة بن الزبير تابعي ثقة، أحد الفقهاء السبعة بالمدينة قال أبو عبيد: قوله: حنانيك؛ يريد: رحمتك، والعرب تقول: حنانك يا رب، وحنانيك يا رب؛ بمعنى واحد اهـ (6).
_________
(1) رواه ابن المبارك في ((الزهد)) (ص448)، وابن أبي شيبة (7/ 58)، وأحمد (3/ 11) (11096)، وابن ماجه - عن ابن أبي شيبة- مختصراً (4280)، والطبري في تفسيره (18/ 235)، والخلال - عن أحمد - في ((السنة)) (5/ 51)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (2/ 766) بإثبات لفظة (يتجلى) في المطبوع بدلا من (يتحنن) التي في النسخة الألمانية، والحاكم (4/ 628). وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه، وسكت عنه الذهبي. وقال البوصيري في ((إتحاف الخيرة)) (8/ 62): رواه أحمد بن منيع، ورواته ثقات، وأبوبكر بن أبي شيبة مختصرًا وعنه ابن ماجه. وقال السفارييني في ((لوائح الأنوار)) (2/ 238): وأخرج الحاكم بسندٍ صحيح - ثم ذكر الحديث -. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح. وقال الوادعي في ((الشفاعة)) (ص159): والحديث بهذا السند - أي سند أحمد - حسن. والحديث أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما.
(2) ((تفسير الطبري)) (16/ 55).
(3) ((معاني القرآن)) (2/ 163).
(4) ((تفسير غريب القرآن)) (ص273).
(5) ((غريب الحديث)) (2/ 405).
(6) ((غريب الحديث)) (2/ 405).

وقال أبو موسى المديني: في حديث زيد بن عمرو: ((حنانيك؛ أي: ارحمني رحمة بعد رحمة)) اهـ (1).
وقال الأزهري: روى أبو العباس عن ابن الأعرابي؛ أنه قال: الحنَّان: من أسماء الله؛ بتشديد النون؛ بمعنى: الرحيم قال: والحنَان؛ بالتخفيف: الرحمة قال: والحنان: الرزق، والحنان: البركة، والحنان: الهيبة، والحنان: الوقار ثم قال الأزهري: وقال الليث: الحنان: الرحمة، والفعل التحنُّن قال: والله الحنَّان المنَّان الرحيم بعباده، ومنه قوله تعالى: وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا؛ أي: رحمة من لدنا قلت (أي: الأزهري): والحنَّان من أسماء الله تعالى، جاء على فعَّال بتشديد النون صحيح، وكان بعض مشايخنا أنكر التشديد فيه؛ لأنه ذهب به إلى الحنين، فاستوحش أنَّ يكون الحنين من صفات الله تعالى، وإنما معنى الحنَّان: الرحيم، من الحنان، وهو الرحمة ثم قال: قال أبو إسحاق: الحنَّان في صفة الله: ذو الرحمة والتعطف اهـ كلام الأزهري (2)
وقال أبو سليمان الخطابي: الحنَّان: ذو الرحمة والعطف، والحنان – مخفف - الرحمة (3).
وقال ابن تيمية: وقال (يعني: الجوهري): الحنين: الشوق، وتوقان النفس وقال: حنَّ إليه يحنُّ حنيناً فهو حانٌّ، والحنان: الرحمة، يقال: حنَّ عليه يحنُّ حناناً، ومنه قوله تعالى: وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا وزكاةً، والحنَّان بالتشديد: ذو الرحمة، وتحننَّ عليه: ترحَّم، والعرب تقول: حنانيك يا رب! وحنانك! بمعنى واحد؛ أي: رحمتك وهذا كلام الجوهري، وفي الأثر في تفسير الحنَّان المنَّان: أنَّ الحنان هو الذي يقبل على من أعرض عنه، والمنَّان الذي يبدأ بالنوال قبل السؤال، وهذا باب واسع اهـ كلام ابن تيمية (4).
وقال ابن القيم (5) راداً على الجهمية نفاة الصفات:
قالوا وليس لربِّنَا سَمْعٌ ولا بَصَرٌ ... ولا وَجْهٌ فكيفَ يَدَانِ
وكذاك ليس لربِّنَا من قُدْ ... رَةٍ وإرادةٍ أو رحمةٍ وحَنَانِ
كلا ولا وَصْفٌ يَقُومُ بِه ... سِوى ذاتٌ مجردةٌ بِغَيْرِ مَعَانِ
تنبيهات:
الأول: فَسَّرَ بعض المفسرين، ومنهم ابن كثير: وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيَّاً وَحَنَانَاً مِنْ لَدُنَّا؛ أي آتيناه الحكم وحناناً وزكاةً؛ أي: جعلناه ذا حنان وزكاة، فيكون الحنان صفة ليحيى عليه الصلاة والسلام.
الثاني: روى ابن أبي شيبة، وأحمد، وابن ماجه؛ من طريق وكيع عن أبي خزيمة عن أنس بن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه؛ قال: ((سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت، وحدك، لا شريك لك، المنان، بديع السماوات والأرض)) (6) وهذا إسناد صحيح.
ورواه أحمد، والنسائي، وأبو داود، والطبراني، والبغوي، والحاكم؛ من طريق خلف بن خليفة عن حفص بن عمر أخي أنس بن مالك لأمه؛ بلفظ: ((المنَّان)) (7).
وأخرجه أحمد من طريق خلف بن خليفة به بلفظ: ((الحنَّان)) (8).
_________
(1) ((المجموع المغيث)) (1/ 514).
(2) ((تهذيب اللغة)) (3/ 446).
(3) ((شأنَّ الدعاء)) (ص 105).
(4) ((شرح حديث النُّزول)) (184).
(5) ((القصيدة النونية)) (1/ 50).
(6) رواه ابن أبي شيبة (6/ 47)، وأحمد (3/ 120) (12226)، وابن ماجه (3858). قال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح.
(7) رواه أبو داود (1495)، والنسائي (3/ 52)، أحمد (3/ 245) (13595)، والطبراني في ((الدعاء)) (116)، والبغوي في ((شرح السنة)) (1258)، والحاكم (1/ 683). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال الشيخ الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(8) رواه أحمد (3/ 158) (12632). وقال شعيب الأرناؤوط في ((مسند أحمد)): حديث صحيح، وهذا إسناد قوي.

وأخرجه ابن حبان من طريق خلف بن خليفة به بلفظ: ((الحنَّان المنَّان)) (1).
وخلف بن خليفة: قال عنه الحافظ في (التقريب): صدوق، اختلط في الآخر، وادَّعى أنه رأى عمرو بن حريث الصحابي، فأنكر عليه ذلك ابن عيينة وأحمد اهـ (2).
الثالث: روى الإمام أحمد وغيره حديث: ((أنَّ عبداً في جهنم لينادي ألف سنة يا حنَّان يا منَّان)) (3) وإسناده ضعيف
الرابع: روى الحاكم من طريق عبد العزيز بن الحصين بن الترجمان حديث: ((إنَّ لله تعالى تسعةً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة)) فذكرها وعدَّ منها: ((الحنَّان)) (4)، وعبد العزيز هذا ضعيف، قال عنه الحافظ: متفق على ضعفه، وهَّاه البخاري ومسلم وابن معين، وقال البيهقي: ضعيف عند أهل النقل اهـ (5).
قال الخطابي: ومما يدعو به الناس خاصُّهم وعامُّهم، وإن لم تثبت به الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: الحنَّان اهـ (6)
هذا حسب النسخة المغربية كما أفاده الأستاذ أحمد يوسف الدقاق محقق الكتاب، وفي النسخة التيمورية زيادة: ((المنَّان))، وأظنها خطأ من الناسخ، وعلى أية حال فقد تقدم إثبات أنَّ ((المنَّان)) من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ
والخلاصة: أنَّ عدَّ بعضهم (الحنَّان) من أسماء الله تعالى فيه نظر؛ لعدم ثبوته والله أعلم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص119
_________
(1) رواه ابن حبان (3/ 175). وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (2/ 430) - كما أشار في مقدمته -، وقال الألباني في ((مشكاة المصابيح)) (2230): إسناده صحيح.
(2) ((تقريب التهذيب)) (1731).
(3) رواه أحمد (3/ 230) (13435)، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 387): رواه أحمد وأبو يعلى ورجالهما رجال الصحيح غير أبي ظلال وضعفه الجمهور ووثقه ابن حبان. وقال العراقي في ((المغني)) (4/ 9): أخرجه أحمد وأبو يعلى من رواية أبي ظلال القسملي عن أنس وأبو ظلال ضعيف واسمه هلال بن ميمون. وقال ابن حجر في ((القول المسدد)) (ص34 - 35):أورده ابن الجوزي في ((الموضوعات)) من طريق ((المسند)) أيضاً وقال: هذا حديث ليس بصحيح. قال ابن معين: أبو ظلال ليس بشيء. وقال ابن حبان: كان مغفلا يروي عن أنس ما ليس من حديثه لا يجوز الاحتجاج به بحال. قلت: قد أخرج له الترمذي وحسّن له بعض حديثه، وعلق له البخاري حديثاً، وأخرج هذا الحديث ابن خزيمة في كتاب ((التوحيد)) من صحيحه إلا أنه ساقه بطريقة له تدل على أنه ليس على شرطه في الصحة، وفي الجملة ليس هو موضوعاً وأخرجه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) له من وجه آخر عن سلام بن مسكين. وأبو ظلال قد قال فيه البخاري: إنه مقارب. وقال أبو بكر الآجري: في أواخر طريق حديث الإفك له: حدثنا عبد الله بن عبد الحميد ثنا زياد بن أيوب ثنا مروان بن معاوية ثنا مالك بن أبي الحسن عن الحسن قال: يخرج رجل من النار بعد ألف عام فقال الحسن: ليتني كنت ذلك الرجل انتهى. فهذا شاهد لبعض حديث أنس. اهـ. قال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (1249): ضعيف جداً.
(4) رواه الحاكم (1/ 63).
(5) ((تلخيص الحبير)) (4/ 172 - 173).
(6) ((شأنَّ الدعاء)) (ص105).

- الحياء والاستحياء
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، و (الحيي) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة: 26]
قوله تعالى: وَاللهُ لا يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ [الأحزاب: 53]
الدليل من السنة:
حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه مرفوعاً: ((وأما الآخر؛ فاستحيا، فاستحيا الله منه، وأما الآخر؛ فأعرض، فأعرض الله عنه)) (1).
حديث سلمان رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ ربكم حيي كريم، يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أنَّ يردهما صفراً خائبتين)) (2) رواه الترمذي واللفظ له، وأبو داود، وأحمد، والحاكم انظر: (جامع الأصول 2118)، و (صحيح الجامع 1757
ومِمَّن أثبت صفة الاستحياء من السلف الإمام أبو الحسن محمد بن عبدالملك الكرجي، فيما نقله عنه شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى 4/ 181)؛ موافقاً له
وقال ابن القيم (3):
وهو الحييُّ فليسَ يفضحُ عبده ... عندَ التجاهُرِ منهُ بالعصيانِ
لكنَّهُ يُلقِي عليه سِترهُ ... فَهُو السِّتِّيرُ وصاحب الغفرانِ
قال الهرَّاس: وحياؤه تعالى وصف يليق به، ليس كحياء المخلوقين، الذي هو تغير وانكسار يعتري الشخص عند خوف ما يعاب أو يذم، بل هو ترك ما ليس يتناسب مع سعة رحمته وكمال جوده وكرمه وعظيم عفوه وحلمه؛ فالعبد يجاهره بالمعصية مع أنه أفقر شيء إليه وأضعفه لديه، ويستعين بنعمه على معصيته، ولكن الرب سبحانه مع كمال غناه وتمام قدرته عليه يستحي من هتك ستره وفضيحته، فيستره بما يهيؤه له من أسباب الستر، ثم بعد ذلك يعفو عنه ويغفر اهـ.
قال الأزهري: وقال الليث: الحياء من الاستحياء؛ ممدود قلت: وللعرب في هذا الحرف لغتان: يُقال: استحى فلان يستحي؛ بياء واحدة، واستحيا فلان يستحْيِي؛ بياءين، والقرآن نزل باللغة التامَّة؛ (يعني الثانية) اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص125
_________
(1) رواه البخاري (66)، ومسلم (2176).
(2) رواه أبو داود (1488)، والترمذي (3556)، وابن ماجه (3865)، وأحمد (5/ 438) (23765)، والحاكم (1/ 718). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب، ورواه بعضهم ولم يرفعه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (3/ 159): هذا حديث حسن غريب. وقال الذهبي في ((العلو)) (63): مشهور. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (2/ 413) - كما أشار في مقدمته -.وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(3) ((النونية)) (2/ 80).
(4) ((تهذيب اللغة)) (5/ 288).

- الحياة
صفة من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الذاتية الثابتة بالكتاب والسنة، و (الحي) اسم من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ [آل عمران: 2].
وقوله: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوت [الفرقان: 58].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((اللهم لك أسلمت، وبك آمنت أنت الحي الذي لا يموت، والجن والإنس يموتون)) (1).
قال شيخ الإسلام: كلامه وحياته من صفات الله كعلمه وقدرته.
وقال: لم يعبر أحد من الأنبياء عن حياة الله بأنها روح الله فمن حمل كلامَ أحدٍ من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله فقد كذب (2).
وقال الهرَّاس في (شرحه للنونية) (3): ومعنى الحي: الموصوف بالحياة الكاملة الأبدية، التي لا يلحقها موت ولا فناء، لأنها ذاتية له سبحانه، وكما أنَّ قيوميته مستلزمة لسائر صفات الكمال الفعلية؛ فكذلك حياته مستلزمة لسائر صفات الكمال الذاتية من العلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والعزة والكبرياء والعظمة ونحوها اهـ.
فائدة:
في حديث الإفك عند البخاري ومسلم: ((قال سعد بن معاذ رضي الله عنه: يا رسول الله! أنا والله أعذرك منه، إن كان من الأوس؛ ضربنا عنقه، وإن كان من إخواننا من الخزرج؛ أمرتنا، ففعلنا فيه أمرك فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه: كذبت لعمر الله؛ لا تقتله، ولا تقدر على ذلك فقام أسيد بن الحضير رضي الله عنه، فقال: كذبت لعمر الله؛ لنقتلنَّه)) (4).
قال الحافظ: العَمْر؛ بفتح العين المهملة: هو البقاء، وهو العُمُر بضمها، لكن لا يستعمل في القسم إلا بالفتح (5).
وقال القاضي عياض: وقوله: ((لعمر الله))؛ أي: بقاء الله (6).
وقال البيهقي: فحلف كلُّ واحد منهما بحياة الله وببقائه والنبي صلى الله عليه وسلم يسمع (7). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص127
_________
(1) رواه مسلم (2717).
(2) ((دقائق التفسير)) (2/ 102)، ((الجواب الصحيح)) (4/ 50).
(3) ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 103)
(4) رواه البخاري (2661)، ومسلم (2770). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(5) ((الفتح)) (8/ 472).
(6) ((مشارق الأنوار)) (2/ 87).
(7) ((الاعتقاد)) (83). وانظر: ((الأسماء والصفات)) (1/ 292).

- الخبير
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، وذلك من اسمه (الخبير)
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ [التحريم: 3]
وقوله: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 73]
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها؛ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال لها في قصة تتبعها له إلى البقيع: ((ما لك يا عائش حشياً رابية؟)) قالت: قلت: لا شيء قال: ((لتخبريني أو ليخبرني اللطيف الخبير)) (1).
معنى (الخبير):
1 - العالم بما كان وما يكون: قاله ابن منظور في ((اللسان)).
2 - وقال الخطابي: هو العالم بكنه الشيء، المطلع على حقيقته (2).
3 - وقال أبو هلال العسكري: الفرق بين العلم والخَبْر: أنَّ الخَبْر هو العلم بكنه المعلومات على حقائقها؛ ففيه معنى زائد على العلم (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص129
_________
(1) رواه مسلم (974).
(2) ((شأنَّ الدعاء)) (ص63).
(3) ((الفروق)) (ص74)

- الخداع لمن خادعه
الخداعُ صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب والسنة، ولكنه لا يوصف بها على سبيل الإطلاق، إنما يوصف بها حين تكون مَدْحاً.
الدليل من الكتاب:
قول الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142].
الدليل من السنة:
حديث الزبير بن العوام رضي الله عنه، ((أنَّ أم كلثوم بنت عقبة كانت عنده، فقالت له وهي حامل: طيِّب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة، ثم خرج إلى الصلاة، فرجع وقد وضعت، فقال: ما لها خدعتني خدعها الله؟! ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سبق الكتاب أجله، اخطبها إلى نفسها)) (1).
قال ابن القيم في (إعلام الموقعين) بعد أنَّ ذكر آيات في صفة (الكيد) و (المكر): قيل: إنَّ تسمية ذلك مكراً وكيداً واستهزاءً وخداعاً من باب الاستعارة ومجاز المقابلة؛ نحو: وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا [الشورى:40]، ونحو قوله: فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]، وقيل -وهو أصوب-: بل تسميته بذلك حقيقة على بابه؛ فإنَّ المكر إيصال الشيء إلى الغير بطريق خفي، وكذلك الكيد والمخادعة اهـ (2).
قلت: قوله عن القول الثاني: وهو أصوب: قد يوهم أنَّ الأول صواب، والحق أنَّ القول الأول باطل مخالف لطريقة السلف في الصفات، وانظر كلامه رحمه الله في (مختصر الصواعق المرسلة) (3).
وقال الشيخ عبد العزيز بن بار معقباً على الحافظ ابن حجر لَمَّا تأوَّل صفةً من صفات الله: هذا خطأ لا يليق من الشارح، والصواب إثبات وصف الله بذلك حقيقة على الوجه اللائق به سبحانه كسائر الصفات، وهو سبحانه يجازي العامل بمثل عمله، فمن مكر؛ مكر الله به، ومن خادع؛ خادعه، وهكذا من أوعى؛ أوعى الله عليه، وهذا قول أهل السنة والجماعة؛ فالزمه؛ تفز بالنجاة والسلامة، والله الموفق اهـ (4).
وسئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- في (المجموع الثمين): هل يوصف الله بالخيانة والخداع كما قال الله تعالى: يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ فأجاب بقوله: أما الخيانة؛ فلا يوصف الله بها أبداً؛ لأنها ذم بكل حال؛ إذ إنها مكر في موضع الائتمان، وهو مذموم؛ قال الله تعالى: وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ [الأنفال: 71]، ولم يقل: فخانهم وأما الخداع؛ فهو كالمكر، يوصف الله تعالى به حين يكون مدحاً، ولا يوصف به على سبيل الإطلاق؛ قال الله تعالى: إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ [النساء: 142] اهـ (5)
وانظر كلام ابن جرير الطبري في صفة (الاستهزاء)؛ فإنه مهم، وكلام الشيخ محمد بن إبراهيم في صفة (الملل). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص129
_________
(1) رواه ابن ماجه (2026)، والبيهقي (7/ 421). قال البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/ 124): هذا إسنادٌ رجاله ثقات إلا أنه منقطع، ميمون بن مهران أبو أيوب روايته عن الزبير مرسلة قاله المزي في ((التهذيب)). قال الشوكاني في ((الدراري المضية)) (235): رجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2) ((إعلام الموقعين)) (3/ 229)
(3) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 33 - 34).
(4) ((فتح الباري)) (3/ 300).
(5) ((المجموع الثمين)) (2/ 66).

- الخلق
صفةٌ من صفات الله الفعلية الثابتة بالكتاب والسنة، وهي مأخوذة أيضاً من اسميه (الخالق) و (الخلاَّق)، وهي من صفات الذات وصفات الفعل معاً.
الدليل من الكتاب:
وردت هذه الصفة في القرآن مرات عديدة، تارة بالفعل (خَلَقَ)، أو بمصدره، وتارة باسمه (الخالق) أو (الخلاَّق)، ومن ذلك:
قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ واَلأمْرُ [الأعراف: 54].
وقوله: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاقُ الْعَلِيمُ [الحجر: 86].
وقوله: وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ [ق: 16].
وقوله: هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِيءُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر: 24].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((قال الله تعالى: ومن أظلم ممن ذهب يخلق كَخَلْقي؛ فليخلقوا ذرَّة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها في التصاوير: ((أشد الناس عذاباً عند الله يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله)) (2).
قال الأزهري: ومن صفات الله: الخالق والخلاق، ولا تجوز هذه الصفة بالألف واللام لغير الله جل وعز.
والخلق في كلام العرب ابتداع الشيء على مثال لم يسبق إليه.
وقال أبو بكر بن الأنباري: الخلق في كلام العرب على ضربين: أحدهما:
الإنشاء على مثال أبدعه والآخر: التقدير.
وقال في قول الله جَلَّ وعَزَّ: فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [المؤمنون:14]: معناه: أحسن المقدرين اهـ (3).
وقال ابن تيمية: وأما قولنا: هو موصوف في الأزل بالصفات الفعلية من الخلق والكرم والمغفرة؛ فهذا إخبار عن أنَّ وصفه بذلك متقدم؛ لأن الوصف هو الكلام الذي يخبر به عنه، وهذا مما تدخله الحقيقة والمجاز، وهو حقيقة عند أصحابنا، وأما اتصافه بذلك؛ فسواء كان صفةً ثبوتِيَّةً وراء القدرة أو إضافية؛ فيه من الكلام ما تقدم (4).
وقال في موضع آخر: والله تعالى لا يوصف بشيء من مخلوقاته، بل صفاته قائمة بذاته، وهذا مطرد على أصول السلف وجمهور المسلمين من أهل السنة وغيرهم، ويقولون: إنَّ خلق الله للسماوات والأرض ليس هو نفس السماوات والأرض، بل الخلق غير المخلوق، لاسيما مذهب السلف والأئمة وأهل السنة الذين وافقوهم على إثبات صفات الله وأفعاله (5).
وقال في موضع ثالث: ولهذا كان مذهب جماهير أهل السنة والمعرفة - وهو المشهور عند أصحاب الإمام أحمد وأبي حنيفة وغيرهم من المالكية والشافعية والصوفية وأهل الحديث وطوائف من أهل الكلام من الكرامية وغيرهم - أنَّ كون الله سبحانه وتعالى خالقاً ورازقاً ومحيياً ومميتاً وباعثاً ووارثاً وغير ذلك من صفات فعله، وهو من صفات ذاته؛ ليس من يخلق كمن لا يخلق ومذهب الجمهور أنَّ الخلق غير المخلوق؛ فالخلق فعل الله القائم به، والمخلوق هو المخلوقات المنفصلة عنه (6).
وقد نقل رحمه الله في (مجموع الفتاوى) قول أبي يعلى الصغير الحنبلي: فالخلق صفة قائمة بذاته، والمخلوق الموجود المخترَع، وهذا بناء على أصلنا، وأن الصفات الناشئة عن الأفعال موصوف بها في القدم، وإن كانت المفعولات محدثة قال: وهذا هو الصحيح (7). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص131
_________
(1) رواه البخاري (5953)، ومسلم (2111).
(2) رواه البخاري (5954)، ومسلم (2107).
(3) ((تهذيب اللغة)) (7/ 26).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 272).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (8/ 126).
(6) ((مجموع الفتاوى)) (12/ 435 - 436).
(7) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 149).

- الخلة
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، فالله عَزَّ وجَلَّ يحبُ ويخالِلُ من يشاء ويكرهُ ويبغضُ من يشاء.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً [النساء: 125].
الدليل من السنة:
حديث: ((ولقد اتخذ الله صاحبكم خَلِيلاً))؛ يعني نفسه صلى الله عليه وسلم (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم، فقالوا: ليس عن هذا نسألك، قال: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله؛)) (2).
قال البغوي في تفسير آية النساء: وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً؛ صفيَّاً، والخُلَّةُ: صفاء المودة، ثم قال: قال الزجاج: معنى الخليل الذي ليس في محبته خلل، والخُلَّة: الصداقة، فسمي خليلاً لأن الله أحبه واصطفاه.
وقال ابن كثير في تفسير الآية نفسها: وإنما سمي خليل الله لشدة محبة ربه عَزَّ وجَلَّ له؛ لما قام له من الطاعة التي يحبها ويرضاها.
ونقل ابن تيمية من كلام أبي عبد الله محمد بن خفيف من كتابه (اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات) قوله: والخُلَّة والمحبة صفتان لله، هو موصوف بهما، ولا تدخل أوصافه تحت التكييف والتشبيه، وصفات الخلق من المحبة والخُلَّة جائز عليها الكيف (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص134
_________
(1) رواه مسلم (2383) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (3353)، ومسلم (2378).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 80). وانظر أيضاً: (5/ 71).

- الدلالة أو الدليل
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الدليل يدُلُّ عباده ويهديهم طريق الرشاد وليس الدليل من أسمائه والدليل: الهادي، والدِّلالة (بفتح الدال وكسرها): الهداية.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ [الصف: 10].
الدليل من السنة:
حديث أبيِّ بن كعب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله - وأيام الله: نعماؤه وبلاؤه - إذ قال: ما أعلم في الأرض رجلاً خيراً وأعلم مني، قال: فأوحى الله إليه إني أعلم بالخير منه، أو عند من هو، إنَّ في الأرض رجلاً هو أعلم منك قال: يا رب فَدُلَّنِي عليه)) (1).
قال شيخ الإسلام: وهدايتُه ودلالتُه من مقتضى اسمه الهادي وفي الأثر المنقول عن أحمد بن حنبل أنه أمر رجلا أنْ يقول يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين (2).
وقال: وفي الدعاء الذي علَّمه الإمام أحمد لبعض أصحابه: (يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) ولهذا كان عامة أهل السنة من أصحابنا وغيرهم على أنَّ الله يسمى دليلاً، ومنع ابن عقيل وكثيرٌ من أصحاب الأشعري أن يسمى دليلاً لاعتقادهم أنَّ الدليل هو ما يستدل به وأن الله هو الدالُّ، وهذا الذي قالوه بحسب ما غلب في عرف استعمالهم من الفرق بين الدال والدليل، وجوابه من وجهين؛ أحدهما: أنَّ الدليل معدول عن الدال وهو ما يؤكد فيه صفة الدلالة فكلُّ دليلٍ دالٌ وليس كلُّ دالٍ دليلاً، وليس هو من أسماء الآلات التي يفعل بها فإن فَعِيل ليس من أبنية الآلات كمِفْعَل ومِفْعَال، وإنما سُمِّي ما يستدل به من الأقوال والأفعال والأجسام أدلة باعتبار أنها تدل من يستدل بها، كما يخبر عنها بأنها تَهْدِي وَتُرْشِدُ وَتَعْرِفُ وَتَعْلَمُ وَتَقُولُ وَتُجِيبُ وَتَحْكُمُ وَتُفْتِي وَتَقُصُّ وَتَشْهَدُ وإن لم يكن لها في ذلك قصد وإرادة ولا حس وإدراك كما هو مشهورٌ في الكلام العربي وغيره، فما ذكروه من الفرق والتخصيص لا أصل له في كلام العرب، الثاني: أنه لو كان الدليل من أسماء الآلات التي يفعل بها فقد قال الله تعالى فيما روى عنه نبيه في عبده المحبوب: فبي يسمع، وبي يبصر، وبي يعقل، وبي ينطق، وبي يبطش، وبي يسعى، والمسلم يقول: استعنت بالله، واعتصمت به، وإذا كان ما سوى الله من الموجودات الأعيان والصفات يستدل بها سواء كانت حية أو لم تكن بل ويستدل بالمعدوم، فلأن يستدل بالحي القيوم أولى وأحرى، على أنَّ الذي في الدعاء المأثور: (يا دليل الحيارى دُلَّنِي على طريق الصادقين واجعلني من عبادك الصالحين) يقتضي أنَّ تسميته دليلاً باعتبار أنه دالٌ لعباده لا بمجرد أنه يستدل به كما قد يستدل بما لا يقصد الدلالة والهداية من الأعيان والأقوال والأفعال اهـ (3).
قلت: أسماء الله توقيفية وليس منها (الدليل) وتوجيه كلام شيخ الإسلام في ردِّه على ابن عقيل وكثيرٍ من الأشاعرة أنهم لا يُوصِفُون الله بالدليل ويقولون هو دالٌ وليس دليلاً، فردَّ عليهم مُثبتاً صفةَ الدَّلالة لله عَزَّ وجَلَّ بما سبق نقله ومنه قوله: (الدليل معدولٌ عن الدالِّ وهو ما يؤكد فيه صفةَ الدِّلالة فكلُّ دليلٍ دالٌ وليس كلُّ دالٍ دليلاً)؛ أما دعاء الإمام أحمد –إن صحَّ عنه- فليس فيه تسمية الله بـ (الدليل) إنما فيه مناداة الله عَزَّ وجَلَّ بصفة من صفاته وهذا جائز كقولك: يا فارج الهم ويا كاشف الغم، ويا دليل الحيارى ونحو ذلك، وليس الفارج والكاشف من أسمائه تعالى، والله أعلم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص135
_________
(1) رواه مسلم (2380).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (1/ 207).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 17).

- الديان
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الدَيَّان الذي يجازي عباده بعملهم، وهو اسم له ثابتٌ بالسنة.
الدليل:
حديث عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يحشر الناس يوم القيامة أو قال العباد عراة غرلاً بُهْمَاً قال قلنا وما بهما قال ليس معهم شيء ثم يناديهم بصوت يسمعه من قرب أنا الملك أنا الدَيَّان ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحد من أهل الجنة حق حتى أقصه)) (1).
وممن أثبت هذا الاسم لله عَزَّ وجَلَّ الإمام ابن القيم في قصيدته النونية المشهورة المسماة (الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية) (2) في أكثر من موضع من ذلك قوله:
جَهْمُ بنُ صَفْوَانٍ وشِيِعَتِهِ الأُلَى ... جَحَدُوا صِفَاِت الخَاِلقِ الدَيَّان
وفي (مختار الصحاح): وقوله تعالى أَئِنَّا لَمَدِينُونَ [الصافات:53] أي: لمجزيون محاسبون ومنه الدَيَّان في صفة الله تعالى.
وفي (لسان العرب): الدَيَّان من أسماء الله عَزَّ وجَلَّ معناه: الحكم القاضي وسئل بعض السلف عن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال: كان ديان هذه الأمة بعد نبيها أي قاضيها وحاكمها، والدَيَّان: القهار وهو فعال من دان الناس أي قهرهم على الطاعة يقال دنتهم فدانوا أي قهرتهم فأطاعوا. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص138
_________
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة التمريض بعد حديث (7480) كتاب: التوحيد، باب: قول الله تعالى: ولا تنفع الشفاعة ... ، ورواه موصولاً أحمد (3/ 495) (16085)، وابن أبي عاصم (514)، والطبراني في ((الأوسط)) (8/ 265)، والحاكم (2/ 475). وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في ((التلخيص)): صحيح. وقال ابن القيم في ((الصواعق المرسلة)) (ص489): هذا حديث حسن جليل. وقال الهيتمي المكي في ((الزواجر)) (2/ 243): إسناده صحيح. وقال العراقي في ((المغني)) (4/ 233): رواه أحمد بإسناد حسن. وقال ابن ناصر الدمشقي في ((حديث جابر)) (34): حسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 133): رواه أحمد والطبراني في ((الكبير)) وعبد الله بن محمد: ضعيف. وقال في (10/ 345 - 346): رواه أحمد ورجاله وثقوا ورواه الطبراني في ((الأوسط)) بنحوه إلا أنه قال بمصر. وقال الألباني في ((ظلال الجنة)) (514): صحيح. وانظر كلام ابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/ 355) ففيه حظ.
(2) ((القصيدة النونية)) (1/ 44).

- الذات
يصح إضافة لفظة (الذات) إلى الله عَزَّ وجَلَّ؛ كقولنا: ذات الله، أو: الذات الإلهية، لكن لا على أنَّ (ذات) صفة له، بل ذات الشيء بمعنى نفسه أو حقيقته.
وقد وردت كلمة (ذات) في السنة أكثر من مرة، ومن ذلك:
ما رواه البخاري، ومسلم؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إنَّ إبراهيم لم يكذب إلا ثلاث كذبات، اثنتين في ذات الله)) (1).
وما رواه البخاري (2) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة مقتل خبيب الأنصاري رضي الله عنه، وقوله:
ولَسْتُ أبالي حَيْنَ أُقْتَلُ مسلماً ... على أي شِقٍّ كان لله مصْرعِي
وذلكَ في ذاتِ الإلهِ وإنْ يَشأْ ... يُبَارِكْ على أوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
وقد أفرد قَوَّام السُّنَّة في (الحجة في بيان المحجة) فصلاً في الذات، فقال: فصل في بيان ذكر الذات، ثم قال: قال قوم من أهل العلم: ذات الله حقيقته وقال بعضهم: انقطع العلم دونها وقيل: استغرقت العقول والأوهام في معرفة ذاته وقيل: ذات الله موصوفة بالعلم غير مدركة بالإحاطة ولا مرئية بالأبصار في دار الدنيا، وهو موجود بحقائق الإيمان على الإيقان بلا إحاطة إدراك، بل هو أعلم بذاته، وهو موصوف غير مجهول، وموجود غير مدرك، ومرئي غير محاط به؛ لقربه، كأنك تراه، يسمع ويرى، وهو العلي الأعلى، وعلى العرش استوى تبارك وتعالى، ظاهرٌ في ملكه وقدرته، قد حجب عن الخلق كنه ذاته، ودلهم عليه بآياته؛ فالقلوب تعرفه، والعقول لا تكيفه، وهو بكل شيء محيط، وعلى كل شيء قدير اهـ (3) وقال شيخ الإسلام: اسم (الله) إذا قيل: الحمد لله، أو قيل: بسم الله؛ يتناول ذاته وصفاته، لا يتناول ذاتاً مجردة عن الصفات، ولا صفات مجردة عن الذات، وقد نص أئمة السنة كأحمد وغيره على أنَّ صفاته داخلة في مسمى أسمائه، فلا يقال: إنَّ علم الله وقدرته زائدة عليه، لكن من أهل الإثبات من قال: إنها زائدة على الذات وهذا إذا أريد به أنها زائدة على ما أثبته أهل النفي من الذات المجردة؛ فهو صحيح؛ فإن أولئك قصروا في الإثبات، فزاد هذا عليهم، وقال: الرب له صفات زائدة على ما علمتموه وإن أراد أنها زائدة على الذات الموجودة في نفس الأمر؛ فهو كلام متناقض؛ لأنه ليس في نفس الأمر ذات مجردة حتى يقال: إنَّ الصفات زائدة عليها، بل لا يمكن وجود الذات إلا بما به تصير ذاتاً من الصفات، ولا يمكن وجود الصفات إلا بما به تصير صفات من الذات، فتخيل وجود أحدهما دون الآخر، ثم زيادة الآخر عليه تخيل باطل اهـ (4).
وقال في أيضاً: ويفرق بين دعائه والإخبار عنه؛ فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه؛ فلا يكون باسم سيء، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه؛ مثل اسم: شيء، وذات، وموجود اهـ (5).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: وبعض الناس يظن أنَّ إطلاق الذات على الله تعالى كإطلاق الصفات؛ أي أنه وصف له، فينكر ذلك بناء على هذا الظن، ويقول: هذا ما ورد، وليس الأمر كذلك، وإنما المراد التفرقة بين الصفة والموصوف، وقد تبين مراد الذين يطلقون هذا اللفظ؛ أنهم يريدون نفس الموصوف وحقيقته فلا إنكار عليهم في ذلك؛ كما وضحه كلام شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم (6). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص139
_________
(1) رواه البخاري (3358)، ومسلم (2371).
(2) رواه البخاري (3045).
(3) ((الحجة)) (1/ 171).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 206).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 142). وانظر كلامه رحمه الله عن (الذات) في ((مجموع الفتاوى)) (5/ 330، 338).
(6) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 245).

- الرأفة
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وذلك من اسمه (الرؤوف)، وهو ثابت بالكتاب العزيز.
الدليل:
قوله تعالى: وَلَوْلا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [النور: 20].
قوله تعالى: وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر: 10].
والرأفة أشد وأبلغ من الرحمة.
قال ابن جرير في تفسير الآية 65 من سورة الحج إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ: إنَّ الله بجميع عباده ذو رأفة، والرأفة أعلى معاني الرحمة، وهي عامة لجميع الخلق في الدنيا ولبعضهم في الآخرة.
وقال الخطابي: الرَّؤوف: هو الرحيم العاطف برأفته على عباده، وقال بعضهم: الرأفة أبلغ الرحمة وأرقها، ويقال: إنَّ الرأفة أخص والرحمة أعم، وقد تكون الرحمة في الكراهة للمصلحة، ولا تكاد الرأفة تكون في الكراهة؛ فهذا موضع الفرق بينهما (1).
وقال الأزهري: ومن صفات الله عَزَّ وجَلَّ: الرؤوف، وهو الرحيم، والرأفة أخص من الرحمة وأرقّ (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص141
_________
(1) ((شأن الدعاء)) (ص91). وانظر: ((جامع الأصول)) (4/ 182).
(2) ((تهذيب اللغة)) (15/ 238).

- الرؤي
الرؤية - كالبصر والنظر- صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46]
وقوله: أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى [العلق: 14]
الدليل من السنة:
حديث جبريل المشهور وفيه: ((قال: ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه؛ فإنه يراك)) رواه البخاري، ومسلم؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه (1) ورواه مسلم أيضاً من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه (2).
قول أنس بن النضر رضي الله عنه في غزوة أحد: ((لئن الله أشهدني قتال المشركين؛ لَيرَيَنَّ الله ما أصنع)) (3).
قال قَوَّامُ السُّنَّة الأصبهاني: قال الله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود:37]، وقال: تَجْري بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]، وقال: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، وقال: وَاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور:48]؛ فواجب على كل مؤمن أن يثبت من صفات الله عَزَّ وجَلَّ ما أثبته الله لنفسه، وليس بمؤمن من ينفي عن الله ما أثبته الله لنفسه في كتابه؛ فرؤية الخالق لا تكون كرؤية المخلوق، وسمع الخالق لا يكون كسمع المخلوق، قال الله تعالى: فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ [التوبة:105]، وليس رؤية الله تعالى أعمال بني آدم كرؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، وإن كان اسم الرؤية يقع على الجميع، وقال تعالى: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ [مريم:42]، جل وتعالى عن أن يشبه صفة شيء من خلقه صفته، أو فعل أحد من خلقه فعله؛ فالله تعالى يرى ما تحت الثرى، وما تحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى، لا يغيب عن بصره شيء من ذلك ولا يخفي؛ يرى ما في جوف البحار ولججها كما يرى ما في السموات، وبنو آدم يرون ما قرب من أبصارهم، ولا تدرك أبصارهم ما يبعد منهم، لا يدرك بصر أحد من الآدميين ما يكون بينه وبينه حجاب، وقد تتفق الأسامي وتختلف المعاني اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص142
_________
(1) رواه البخاري (50)، ومسلم (9).
(2) رواه مسلم (8).
(3) رواه البخاري (2805)، ورواه مسلم (1903) بلفظ: ((ليراني الله)).
(4) ((الحجة)) (1/ 181).

- رؤيته سبحانه وتعالى
أهل السنة والجماعة يؤمنون أنَّ المؤمنين يرون ربهم عياناً يوم القيامة، وهذا ثابت بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة: 22 - 23]
الدليل من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((إنكم سترون ربكم عياناً كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته)) (1).
حديث صهيب رضي الله عنه مرفوعاً: ((إذا دخل أهل الجنة الجنة؛ يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئاً أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة وتنجنا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب، فما أعطوا شيئاً أحبّ إليهم من النظر إلى ربهم عَزَّ وجَلَّ، ثم تلا هذه الآية: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحسنَى وَزِيَادَةٌ)) (2).
قال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على أنَّ المؤمنين يرون الله عَزَّ وجَلَّ يوم القيامة بأعين وجوههم، على ما أخبر به تعالى، في قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ، وقد بيَّن معنى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ودفع إشكاله فيه؛ بقوله للمؤمنين: ((ترون ربكم عياناً))، وقوله: ((ترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر؛ لا تُضامون في رؤيته))، فبيَّن أنَّ رؤيته تعالى بأعين الوجوه اهـ (3).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: والأحاديث في رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة كثيرة جدّاً، وقد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتلقاها أتباعه بكل قبول وارتياح وانشراح لها، وكلهم يرجو ربه ويسأله أن يكون ممن يراه في جنات عدن يوم يلقاه (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص144
_________
(1) رواه البخاري (554)، ومسلم (633). من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (181).
(3) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص237).
(4) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 8). وانظر الكلام عن (صفة الرؤية) في: كتاب (الرؤية) للدارقطني، و (الرد على الجهمية 87) و (الشريعة /251) للآجري، و (التصديق بالنظر إلى الله تعالى في الآخرة) له أيضاً، وكتاب (رؤية الله تعالى وتحقيق الكلام فيها) للدكتور أحمد بن ناصر آل حمد، وكتاب (دلالة القرآن والأثر على رؤية الله تعالى بالبصر) للأستاذ عبد العزيز الرومي.

- الربوبية
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وذلك من اسمه (الرب) الثابت بالكتاب والسنة في مواضع عديدة؛ تارة وحده (الرب)، وتارة مضافاً؛ مثل: (رب العالمين)، و (رب المشرقين).
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الفاتحة: 2].
وقوله: رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ [الرحمن: 17].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنه مرفوعاً: ((ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً وساجداً، فأما الركوع؛ فعظموا فيه الرب عَزَّ وجَلَّ)) (1).
حديث عمرو بن عبسة مرفوعاً: ((أقرب ما يكون الرَّبُّ من العبد في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة؛ فكن)) (2).
ومعنى الرَّب: المالك والمتصرف والمدبر والسيد والمربي
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (الرب)، والرب المالك، يُقال: هذا رب الدار ورب الضيعة ورب الغلام؛ أي: مالكه، قال الله سبحانه: ارْجعْ إلى رَبِّك؛ أي: إلى سيدك ولا يُقال لمخلوق: هذا الرَّبُّ؛ معرفاً بالألف واللام؛ كما يُقال لله، إنما يُقال: هذا رب كذا، فيُعرَّف بالإضافة؛ لأن الله مالك كل شيء فإذا قيل: الرَّبُّ؛ دلَّت الألف واللام على معنى العموم، وإذا قيل لمخلوق: ربُّ كذا وربُّ كذا؛ نُسب إلى شيء خاص؛ لأنه لا يملك شيئاً غيره اهـ (3).
وقال ابن القيم: وتأمل ارتباط الخلق والأمر بهذه الأسماء الثلاثة، وهي (الله)، و (الرب)، و (الرحمن)؛ كيف نشأ عنها الخلق والأمر والثواب والعقاب، وكيف جمعت الخلق وفرقتهم؛ فلها الجمع، ولها الفرق.
فاسم (الرب) له الجمع الجامع لجميع المخلوقات؛ فهو رب كل شيء وخالقه والقادر عليه، لا يخرج شيء عن ربوبيته، وكل من في السماوات والأرض عبد له في قبضته وتحت قهره، فاجتمعوا بصفة الربوبية، وافترقوا بصفة الإلهية، فألَّهه وحده السعداء، وأقروا له طوعاً بأنه الله الذي لا إله إلا هو، الذي لا تنبغي العبادة والتوكل والرجاء والخوف والحب والإنابة والإخبات والخشية والتذلل والخضوع إلاَّ له، وهنا افترق الناس، وصاروا فريقين: فريقاً مشركين في السعير، وفريقاً موحدين في الجنة؛ فالإلهية هي التي فرقتهم كما أنَّ الربوبية هي التي جمعتهم؛ فالدين والشرع، والأمر والنهي –مظهره وقيامه- من صفة الإلهية، والخلق والإيجاد والتدبير والفعل من صفة الربوبية، والجزاء بالثواب والعقاب والجنة والنار من صفة الملك، وهو ملك يوم الدين، فأمرهم بإلهيته، وأعانهم ووفقهم وهداهم وأضلهم بربوبيته، وأثابهم وعاقبهم بملكه وعدله، وكل واحدة من هذه الأمور لا تنفك عن الأخرى إلخ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص146
_________
(1) رواه مسلم (479).
(2) رواه أبو داود (1277)، والترمذي (3579)، والنسائي (1/ 279)، وابن ماجه (1364)، وأحمد (4/ 113) (17067)، والحاكم (1/ 453). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. وقال البيهقي في ((السنن الصغير)) (1/ 326): صحيح. وقال ابن عبد البر في ((التمهيد)) (4/ 15، 23): صحيح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/ 248): صحيح. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (3/ 69): رجال إسناده رجال الصحيح. وقال الألباني في ((صحيح الترمذي)): صحيح.
(3) ((غريب القرآن)) (ص9).
(4) ((مدارج السالكين)) (1/ 34).

- الرجل والقدمان
صفةٌ ذاتيةٌ خبريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بصحيح السنة
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في تحاجج الجنة والنار، وفيه: ((فأما النار؛ فلا تمتلئ حتى يضع الله تبارك وتعالى رجله، فتقول: قط قط)) (1).
ورواه البخاري من حديث أنس رضي الله عنه بنحوه (2).
أثر ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: (الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر أحد قدره) (3).
أثر أبي موسى الأشعري رضي الله عنه؛ قال: (الكرسي موضع القدمين، وله أطيطٌ كأطيطِ الرَّحْل) (4).
وبهذه الأحاديث والآثار الصحيحة نثبت لله عَزَّ وجَلَّ صفة القَدَم والرِّجل، وأن لله عَزَّ وجَلَّ قدمين – كما في أثر ابن عباس وأبي موسى رضي الله عنهما – تليقان به وبعظمته، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
قال الشيخ عبد الله الغنيمان في (شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري) بعد ذكر روايات صفة القدم والرجل: (ففي مجموع هذه الروايات البيان الواضح بأن القدم والرجل – وكلاهما عبارة عن شيء واحد – صفة لله تعالى حقيقة على ما يليق بعظمته) اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص148
_________
(1) رواه البخاري (4850)، ومسلم (2846) (36). وثبت عندهما أيضاً بلفظ ((قدمه)) من حديث أبي هريرة وأنس بن مالك رضي الله عنهما.
(2) ((صحيح البخاري)) رقم (4848).
(3) رواه ابن أبي شيبة في (العرش) (ص79)، والدارمي في ((نقضه على المريسي)) (1/ 399 - 400)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/ 301)، وابن أبي حاتم في تفسيره (2/ 491)، والطبراني (12/ 39)، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (2/ 582)، وابن بطة في ((الإبانة)) (3/ 339)، وابن منده في ((الرد على الجهمية)) (ص21)، والحاكم (2/ 310)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 196) (758). قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الذهبي في ((العلو)) (76): رواته ثقات. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (1/ 11): محفوظ والصواب موقوف. قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (6/ 323): رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (75): صحيح موقوف.
(4) رواه ابن أبي شيبة في (العرش) (ص67)، وعبد الله بن أحمد في ((السنة)) (1/ 302)، والطبري في تفسيره (5/ 398)، وأبو الشيخ في ((العظمة)) (2/ 627)، وابن منده في ((الرد على الجهمية)) (ص21)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 296) (859)، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (8/ 47): إسناده صحيح، وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (75): صحيح.
(5) ((شرح كتاب التوحيد)) (1/ 156). وانظر عن صفة (الرجل والقدمين): كتاب ((التوحيد)) (1/ 202) لابن خزيمة، ((نقض الدارمي على المريسي)) (67 - 70)، ((إبطال التأويلات)) للفراء (ص192)، و ((الجواب الصحيح)) لابن تيمية (3/ 151). وانظر كلام ابن كثير في صفة (الأصابع).

- الرحمة
صفةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (الرحمن) و (الرحيم) من أسمائه تعالى تكررا في الكتاب والسنة مراتٍ عديدة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [الفاتحة: 1 - 2].
قوله تعالى: أُوْلَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَةَ اللهِ وَاللهُ غَفُورٌ رَحيمٌ [البقرة: 218].
الدليل من السنة:
تحية الإسلام: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وقد وردت في أحاديث صحيحة كثيرة (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لما خلق الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إنَّ رحمتي تغلب غضبي)) (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص149
_________
(1) منها ما رواه البخاري (1822)، ومسلم (1196). من حديث أبي قتادة رضي الله عنه قال: (( ... يا رسول الله إن أصحابك أرسلوا يقرءون عليك السلام ورحمة الله وبركاته ... )).
(2) رواه البخاري (7404)، ومسلم (2751).

- الرزق
صفةٌ فعليةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، و (الرزَّاق) و (الرَّازق) من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ حَلالاً طَيِّبَاً [النحل: 114].
وقوله تعالى: لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللهُ رِزْقَاً حَسَنَاً وَإِنَّ اللهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [الحج: 58].
وقوله تعالى: إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58].
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ((لو أنَّ أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رَزَقْتَنَا)) (1).
حديث أنس رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله هو المسعِّر القابض الباسط الرَّازق)) (2).
قال ابن القيم في (النونية شرح الهرَّاس):
وكذلك الرزَّاقُ من أسمائه ... والرَّزْقُ من أفعالهِ نوعانِ
قال الهرَّاس: ومن أسمائه سبحانه (الرزَّاقُ)، وهو مبالغة من (رازق)؛ للدلالة على الكثرة، مأخوذ من الرَّزْق – بفتح الراء – الذي هو المصدر، وأما الرِّزق – بكسرها –؛ فهو لعباده الذين لا تنقطع عنهم أمداده وفواضله طرفة عين، والرزق كالخلق، اسم لنفس الشيء الذي يرزق الله به العبد؛ فمعنى الرزَّاق: الكثير الرزق، صفةٌ من صفات الفعل، وهو شأن من شؤون ربوبيته عَزَّ وجَلَّ، لا يصح أن ينسب إلى غيره، فلا يسمى غيره رازقاً كما لا يسمى خالقاً، قال تعالى: اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ [الروم:40]؛ فالأرْزاق كلها بيد الله وحده، فهو خالق الأرزاق والمرتزقة، وموصلها إليهم، وخالق أسباب التمتع بها؛ فالواجب نسبتها إليه وحده وشكره عليها فهو مولاها وواهبها اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص150
_________
(1) رواه البخاري (141)، ومسلم (1434).
(2) رواه أبو داود (3451)، والترمذي (1314) بلفظ: (الرزاق) بدلا من (الرازق)، وابن ماجه (2200)، وأحمد (3/ 156) (12613). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن عبد البر في ((الاستذكار)) (5/ 423): روي من وجوه صحيحة لا بأس بها. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (2/ 33): إسناده على شرط مسلم. وقال ابن حجر في ((تسديد القوس)) (1/ 93): أصله في مسلم. وقال ابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (ص113)، والألباني في ((صحيح أبي داود)): صحيح.
(3) ((شرح القصيدة النونية)) للهراس (2/ 101).

- الرشد
صفةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وقد ثبت أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الإمام ضامن، والمؤذن مؤتمن، اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين)) (1).
قال الخطابي: الرشيد: هو الذي أرشد الخلق إلى مصالحهم، فعيل بمعنى مُفْعِل، ويكون بمعنى الحكيم ذي الرُّشد؛ لاستقامة تدبيره، وإصابته في أفعاله (2)
قال ابن القيم (3):
وَهُوَ الرَّشيدُ فقوله وفِعَالُهُ ... رُشْدٌ ورَبُّكَ مُرْشِدُ الحَيْرَانِ
وكِلاهُما حقٌ فهذا وصْفهُ ... والفعلُ للإرشادِ ذاك الثَّاني
وقال الهرَّاس: قال العلامة السعدي رحمه الله في شرحه لهذا الاسم الكريم: يعني أنَّ (الرشيد) هو الذي قوله رُشد وفعله كله رُشد، وهو مُرشد الحيران الضال، فيهديه إلى الصراط المستقيم بياناً وتعليماً وتوفيقاً فالرُّشد الدال عليه اسمه (الرشيد) وصفه تعالى، والإرشاد لعباده فعله اهـ.
قلت: وتسمية الله بـ (الرشيد) يفتقر إلى دليل. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص152
_________
(1) رواه أبو داود (517)، والترمذي (207)، وأحمد (2/ 232) (7169). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 92): صحيح متفق عليه. وقال الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (11/ 304): محفوظ. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (50): حسن. وقال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (2/ 653): حسن صحيح من حديث أبي صالح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/ 338): حسن. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (12/ 155): إسناده صحيح. قال الألباني في ((صحيح أبي داود)): صحيح. والحديث روي عن عائشة، وابن عمر، وأبي أمامة، ووائلة، وأبي محذورة رضي الله عنهم أجمعين بألفاظ متقاربة.
(2) ((شأن الدعاء)) (ص97).
(3) ((النونية)) (2/ 97).

- الرضى
صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: رَضيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ [المائدة: 119].
وقوله تعالى: لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18].
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك)) (1).
حديث: ((إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويكره لكم ثلاثاً)) (2).
قال أبو إسماعيل الصابوني: وكذلك يقولون (أي: الإثبات) في جميع الصفات التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح؛ من: السمع، والبصر، والعين والرضى، والسخط، والحياة اهـ (3).
وقد استشهد شيخ الإسلام ابن تيمية في (الواسطية) (4)، و (التدمرية) (5) ببعض ما مضى على إثبات صفة الرضى لله تعالى على ما يليق به.
وانظر: صفة (الغضب) وكلام ابن كثير في صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص152
_________
(1) رواه مسلم (486).
(2) رواه مسلم (1715).
(3) ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص5).
(4) (ص108).
(5) (ص26).

- الرفق
من الصفات الفعلية الخبريَّة الثابتة لله عَزَّ وجَلَّ، و (الرفيق) اسم من أسمائه تعالى
الدليل:
حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((يا عائشة! إنَّ الله رفيق، يحب الرفق في الأمر كله)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها مرفوعاً: ((اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً، فَشَقَّ عليهم، فاشقُقْ عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً، فرفق بهم، فارفق به)) (2).
قال أبو يعلى الفراء اعلم أنه غير ممتنع وصفه بالرفق لأنه ليس في ذلك ما يحيل على صفاته، وذلك أنَّ الرفق هو الإحسان والإنعام وهو موصوف بذلك لما فيها من المدح، ولأن ذلك إجماع الأمة اهـ (3).
وقال ابن القيم (4):
وهُوَ الرَّفِيقُ يُحبُّ أهل الرِّفْقِ بَلْ ... يُعطيهمُ بالرِّفقِ فَوْق أمَانِي
قال الهرَّاس: ومن أسمائه (الرفيق)، وهو مأخوذ من الرفق الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها، وضده العنف الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال اهـ.
وفي (تهذيب اللغة): قال الليث: الرفق: لين الجانب، ولطافة الفعل، وصاحبه رفيق (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص153
_________
(1) رواه البخاري (6927)، ومسلم (2165).
(2) رواه مسلم (1828).
(3) ((إبطال التأويلات)) (ص467).
(4) ((القصيدة النونية)) (2/ 86).
(5) (9/ 109).

- الرقيب
يُوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الرقيب، وهو من صفات الذات، و (الرقيب) اسمٌ من أسماء الله الثابتة بالكتاب.
الدليل:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً [النساء:1].
وقوله تعالى: وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ [المائدة: 117].
قال ابن منظور في (اللسان): الرقيب: فعيل بمعنى فاعل، وهو الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء.
وقال ابن الأثير: الحافظ الذي لا يغيب عنه شيء (1).
وقال السعدي: الرقيب: المطلع على ما أكنَّته الصدور، القائم على كل نفس بما كسبت، الذي حفظ المخلوقات وأجراها على أحسن نظام وأكمل تدبير (2).
قال القرطبي: رقيب؛ بمعنى: رَاقِب، فهو من صفات ذاته، راجعة إلى العلم والسمع والبصر؛ فإن الله تعالى رقيب على الأشياء بعلمه المقدس عن مباشرة النسيان، ورقيب للمبصَرات ببصره الذي لا تأخذه سنة ولا نوم، ورقيب للمسموعات بسمعه المُدرِكِ لكل حركة وكلام؛ فهو سبحانه رقيب عليها بهذه الصفات، تحت رِقبته الكليات والجزئيات وجميع الخفيات في الأرضين والسماوات، ولا خفي عنده، بل جميع الموجودات كلها على نمطٍ واحدٍ، في أنها تحت رِقبته التي هي من صفته اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص154
_________
(1) ((جامع الأصول)) (4/ 179).
(2) ((التفسير)) (5/ 301).
(3) ((الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى)) (1/ 401).

- الرَّوْحُ
الرَّوح؛ بفتح الراء وسكون الواو؛ بمعنى: الرحمة، ونسيم الريح، والراحة (انظر: (لسان العرب)، وعلى المعنى الأول تكون صفة لله عزَّ وجلَّ.
ورود (رَوْح) بمعنى (رحمة) في القرآن الكريم: في قوله تعالى: وََلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ [يوسف: 87].
قال ابن جرير: إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ؛ يقول: لا يقنط من فرجه ورحمته ويقطع رجاءه منه، ثم نقل بسنده عن قتادة قوله: وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ؛ أي: من رحمته اهـ (1).
وقال البغوي: مِنْ رَوْحِ اللهِ؛ أي: من رحمة الله، وقيل: من فَرَجِه.
وقال السعدي في تفسير الآية أيضاً: وََلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه، والإياس يوجب له التثاقل والتباطؤ، وأولى ما رجا العباد فضل الله وإحسانه ورحمته وروْحه إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ، فإنهم لكفرهم يستَبعدون رحمته، ورحمته بعيدة منهم، فلا تتشبَّهوا بالكافرين، ودلَّ هذا على أنه بحسب إيمان العبد يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه (2).
ورود لفظة (رَوْح) في السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً ((الريح من رَوْح اللهِ)) (3).
و (رَوْح) هنا إما بمعنى رحمة أو هي نسيم الريح، وعلى الأول تكون صفة، وعلى الثاني تكون من إضافة المخلوق لله عزَّ وجلَّ.
قال ابن الأثير: وفيه: (الريح من روح الله)؛ أي: من رحمته بعباده (4).
وقال النووي: (من روح الله)؛ هو بفتح الراء، قال العلماء: أي: من رحمة الله بعباده (5).
وقال شمس الحق العظيم آبادي: (الريح من روح الله)؛ بفتح الراء؛ بمعنى الرحمة؛ كما في قوله تعالى: وََلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ (6).
وقال أحمد شاكر: وقوله: (من روح الله)؛ بفتح الراء وسكون الواو؛ أي: من رحمته بعباده اهـ (7).
وبنحوه قال الألباني - رحمه الله - في (الكلم الطيب) (8).
ولشيخ الإسلام تفسير آخر للحديث، سيأتي ذكره قريباً في لفظة (رُوح)؛ بالضم، وكأنه جعل لفظ الحديث: ((الريح من رُوحِ الله)). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص156
_________
(1) ((تفسير الطبري)) (16/ 232 – شاكر).
(2) ((تفسير السعدي)) (4/ 27).
(3) رواه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، وأحمد (2/ 267) (7619). والحديث سكت عنه أبو داود. قال النووي في ((الأذكار)) (232): إسناده حسن. قال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 272):حسن صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا ثابت بن قيس. وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(4) النهاية (2/ 272)
(5) في (الأذكار/ 232)
(6) ((عون المعبود)) (14/ 3).
(7) ((شرح المسند)) (13/ 144).
(8) (153)

- الرُّوُحُ
الرُّوح؛ بالضم: خلقٌ من مخلوقات الله عَزَّ وجَلَّ، أضيفت إلى الله إضافة ملكٍ وتشريفٍ لا إضافة وصف؛ فهو خالقها ومالكها، يقبضها متى شاء ويرسلها متى شاء سبحانه، وقد وردت في الكتاب والسنة مضافة إلى الله عَزَّ وجَلَّ في عدة مواضع.
ذكرها في الكتاب:
قوله تعالى: وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ [النساء: 171].
وقوله: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي [الحجر: 29،ص: 72].
وقوله: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيَّاً [مريم: 17].
وقوله: ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ [السجدة: 9].
ذكرها في السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في استفتاح الجنة، وفيه: ((فيأتون آدم ثم موسى عليهما السلام، فيقول: اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحه)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الشفاعة، وفيه: ((يا آدم! أنت أبو البشر، خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه فيأتون عيسى، فيقولون: يا عيسى! أنت رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه)) (2).
أقوال العلماء في (الرُّوح) المضافة إلى الله تعالى:
1 - قال ابن تيمية: فليس في مجرد الإضافة ما يستلزم أن يكون المضاف إلى الله صفة له، بل قد يضاف إليه من الأعيان المخلوقة وصفاتها القائمة بها ما ليس بصفة له باتفاق الخلق؛ كقوله تعالى: (بيت الله)، وناقة الله، وعباد الله، بل وكذلك (روح الله) (3) عند سلف المسلمين وأئمتهم وجمهورهم، ولكن؛ إذا أضيف إليه ما هو صفة له وليس بصفة لغيره؛ مثل كلام الله، وعلم الله، ويد الله ونحو ذلك؛ كان صفة له (4).
وقال في (مجموع الفتاوى): وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الريح من روح الله)) (5)؛ أي: من الروح التي خلقها الله، فإضافة الروح إلى الله إضافة ملك، لا إضافة وصف؛ إذ كل ما يضاف إلى الله إن كان عيناً قائمة بنفسها فهو ملك له، وإن كان صفة قائمة بغيرها ليس لها محل تقوم به؛ فهو صفة لله؛ فالأول كقوله نَاقَةَ اللهِ وَسُقْيَاهَا [الشمس:13]، وقوله: فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا [مريم:17]، وهو جبريل، فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلامًا زَكِيًّا [مريم:17 - 19]، وقال: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا [التحريم:12]، وقال عن آدم: فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ [الحجر:29] (6).
_________
(1) رواه مسلم (195). والحديث رواه البخاري (4476) عن أنس رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (4712)، ومسلم (194).
(3) ليس في القرآن بيت الله بل فيه بيتي [الحج:26] وفيه روح الله [يوسف:87] بفتح الراء لا بضمها وفيه روحي [الحجر:29].
(4) ((الجواب الصحيح)) (3/ 145).
(5) رواه أبو داود (5097)، وابن ماجه (3727)، وأحمد (2/ 267) (7619). والحديث سكت عنه أبو داود. قال النووي في ((الأذكار)) (232): إسناده حسن. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 272): حسن صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا ثابت بن قيس. وصححه الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(6) ((مجموع الفتاوى)) (9/ 290)

2 - وقال ابن القيم: فصل: وأما المسألة السابعة عشرة، وهي: هل الروح قديمة أم محدثة مخلوقة؟ وإذا كانت محدثة مخلوقة، وهي من أمر الله؛ فكيف يكون أمر الله محدثاً مخلوقاً؟ وقد أخبر سبحانه أنه نفخ في آدم من روحه؛ فهذه الإضافة إليه هل تدل على أنها قديمة أم لا؟ وما حقيقة هذه الإضافة؛ فقد أخبر عن آدم أنه خلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، فأضاف اليد والروح إليه إضافة واحدة؟.
فهذه مسألة زلَّ فيها عالم، وضل فيها طوائف من بني آدم، وهدى الله أتباع رسوله فيها للحق المبين والصواب المستبين، فأجمعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم على أنها محدثة مخلوقة مصنوعة مربوبة مدبرة، هذا معلوم بالاضطرار من دين الرسل صلوات الله وسلامه عليهم؛ كما يُعلم بالاضطرار من دينهم أنَّ العالم حادث، وأن معاد الأبدان واقع، وأن الله وحده الخالق، وكل ما سواه مخلوق له، وقد انطوى عصر الصحابة والتابعين وتابعيهم - وهم القرون المفضلة - على ذلك من غير اختلاف بينهم في حدوثها وأنها مخلوقة، حتى نبغت نابغة ممَّن قصر فهمه في الكتاب والسنة، فزعم أنها قديمة غير مخلوقة، واحتج بأنها من أمر الله، وأمره غير مخلوق، وبأن الله تعالى أضافها إليه كما أضاف إليه علمه وكتابه وقدرته وسمعه وبصره ويده، وتوقف آخرون فقالوا: لا نقول مخلوقة ولا غير مخلوقة.
ثم نقل كلام الحافظ أبي عبد الله بن منده والحافظ محمد بن نصر المروزي، وهما ممن يقولان بأنها مخلوقة، ثم قال: ولا خلاف بين المسلمين أنَّ الأرواح التي في آدم وبنيه وعيسى ومَن سواه من بني آدم كلها مخلوقة لله، خلقها وأنشأها وكوَّنها واخترعها، ثم أضافها إلى نفسه كما أضاف إليه سائر خلقه، قال تعالى: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية: 13] اهـ (1).
3 - وقال ابن كثير في (التفسير): فقوله في الآية والحديث: وَرُوحٌ مِنْهُ؛ كقوله: وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ [الجاثية:13]؛ أي: من خلقه ومن عنده، وليست (من) للتبعيض؛ كما تقول النصارى عليهم لعائن الله المتتابعة، بل هي لابتداء الغاية، وقد قال مجاهد في قوله:: وَرُوحٌ مِنْهُ، أي ورسول منه، وقال غيره: ومحبة منه، والأظهر الأول؛ أنه مخلوق من روح مخلوقة، وأضيفت الروح إلى الله على وجه التشريف؛ كما أضيفت الناقة والبيت إلى الله اهـ.
لكن روى الإمام أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ((حتى لا يبقى في الأرضين إلا شرار أهلها، وتلفظهم أرضوهم، وتقذرهم رُوح الرحمن عزَّ وجلَّ)) (2) قال الشيخ أحمد شاكر: إسناده ضعيف، ولكن الغريب أنه علق على الحديث بقوله: روح الرحمن من الصفات التي يجب الإيمان بها دون تأويل أو إنكار، من غير تشبيه ولا تمثيل، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، سبحانه وتعالى!
قلت: هذا مردود بما سبق، والحديث ضعيف.
نقل أبو موسى المديني في (المجموع المغيث) كلاماً نافعاً جداً لأبي إسحاق إبراهيم الحربي عن الاختلاف في قراءة وتفسير (الرَّوْح)؛ فراجعه إن شئت (3).
فائدة:
قال شيخ الإسلام: لم يعبر أحدٌ من الأنبياء عن حياة الله بأنها رُوُحُ الله فمن حمل كلام أحدٍ من الأنبياء بلفظ الروح أنه يراد به حياة الله فقد كذب اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص158
_________
(1) ((الروح)) (ص501).
(2) رواه أحمد (2/ 84) (5562). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (5/ 254): رواه أحمد في حديث طويل في قتال أهل البغي وفيه أبو جناب الكلبي وهو ضعيف. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (7/ 268): ضعيف.
(3) ((المجموع المغيث)) (1/ 812 - 814).
(4) ((الجواب الصحيح)) (4/ 50).

- الزارع
يُوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الزَّارِع، ولكنه ليس اسماً من أسمائه.
وقد وردت هذه الصفة في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة: 64].
قال القرطبي في تفسير هذه الآية: أضاف الحرث إليهم والزَّرعَ إليه تعالى؛ لأن الحرث فعلهم، ويجري على اختيارهم، والزرع من فعل الله تعالى، وينبت على اختياره، لا على اختيارهم اهـ.
وقال الشيخ محمد العثيمين - رحمه الله - في جواب له عن سؤال: لماذا كان التسمي بعبد الحارث من الشرك مع أنَّ الله هو الحارث؟
قال: أما قول السائل في سؤاله (مع أنَّ الله هو الحارث)؛ فلا أعلم اسماً لله تعالى بهذا اللفظ، وإنما يوصف عَزَّ وجَلَّ بأنه الزَّارِع، ولا يسمى به؛ كما في قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ [الواقعة:64] اهـ (1). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص162
_________
(1) ((فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين)) (1/ 25).

- الساق
صفةٌ من صفات الذات الخبريَّة، ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب وصريحِ السنة الصحيحة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم: 42].
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((فيكشف عن ساقه، فيسجد له كل مؤمن)) (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: الوجه السادس: أنه من أين في ظاهر القرآن أنَّ لله ساقاً وليس معه إلا قوله: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، والصحابة قد تنازعوا في تفسير الآية؛ هل المراد به الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد به أنه يكشف الرب عن ساقه؟ ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما يذكر من آياتِ الصفات إلا في هذه الآية؛ بخلاف قوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ [الرحمن:27] ونحو ذلك؛ فإنه لم يتنازع فيها الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أنَّ ذلك صفة لله تعالى؛ لأنه قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، ولم يقل: عن ساق الله، ولا قال: يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقاً نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في (الصحيحين)، الذي قال فيه ((فيكشف الرب عن ساقه))، وقد يقال: إنَّ ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا لله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه وأيضاً فحمل ذلك على الشِّدَّة لا يصح، لأن المستعمل في الشِّدَّة أن يقال: كشف الله الشِّدَّة، أي: أزالها، كما قال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف:50]، وقال: فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلَى أَجَلٍ هُم بَالِغُوهُ [الأعراف:135]، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ [المؤمنون:75]، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أن يقال: كشف الشِّدَّة؛ أي: أزالها؛ فلفظ الآية: يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ، وهذا يراد به الإظهار والإبانة؛ كما قال: كَشَفْنَا عَنْهُمُ وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة لا يزيلها، فلا يكشف الشِّدَّة يوم القيامة، لكن هذا الظاهر ليس ظاهراً من مجرد لفظة سَاقٍ، بل بالتركيب والسياق وتدبر المعنى المقصود اهـ (2).
ولتلميذه ابن القيم في (الصواعق المرسلة) كلام شبيه بهذا، قال رحمه الله: الثامن: أن نقول من أين في ظاهر القرآن أنَّ لله ساقاً؟ وليس معك إلا قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ [القلم: 42]، والصحابة متنازعون في تفسير الآية؛ هل المراد الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد بها أنَّ الرب تعالى يكشف عن ساقه؟ ولا يحفظ عن الصحابة والتابعين نزاع فيما يذكر أنه من الصفات أم لا في غير هذا الموضع، وليس في ظاهر القرآن ما يدل على أنَّ ذلك صفة الله؛ لأنه سبحانه لم يضف الساق إليه، وإنما ذكره مجرداً عن الإضافة منكراً، والذين أثبتوا ذلك صفة كاليدين والإصبع لم يأخذوا ذلك من ظاهر القرآن، وإنما أثبتوه بحديث أبي سعيد الخدري المتفق على صحته، وهو حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((فيكشف الرب عن ساقه، فيخرون له سُجَّداً))، ومن حمل الآية على ذلك؛ قال: قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إلى السُّجُودِ [القلم: 42]: مطابق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((فيكشف عن ساقه، فيخرون له سجداً)) وتنكيره للتعظيم والتفخيم، كأنه قال: يكشف عن ساق عظيمة؛ جلت عظمتها، وتعالى شأنها أن يكون لها نظير أو مثيل أو شبيه قالوا: وحمل الآية على الشِّدَّة لا يصح بوجه، فإن لغة القوم في مثل ذلك أن يقال: كُشِفَتِ الشِّدَّة عن القوم، لا كُشِف عنها، كما قال الله تعالى: فَلَمَّا كشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ [الزخرف: 50]، وقال: وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ [المؤمنون: 75]؛ فالعذاب والشِّدَّة هو المكشوف لا المكشوف عنه، وأيضاً فهناك تحدث الشِّدَّة وتشتد ولا تزال إلا بدخول الجنة، وهناك لا يدعون إلى السجود، وإنما يدعون إليه أشد ما كانت الشِّدَّة اهـ (3)
قلتُ: ليس مقصود الإمامين الجليلين أنَّ الصحابة اختلفوا في إثبات صفة السَّاق لله عَزَّ وجَلَّ مع ورودها صراحةً في حديث أبي سعيد المتقدم، بل مقصودهما أنهم اختلفوا في تفسير الآية؛ هل المراد بها الكشف عن الشِّدَّة، أو المراد الكشف عن ساق الله؟ والله أعلم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص163
_________
(1) رواه البخاري (7439) واللفظ له، ومسلم (183).
(2) ((نقض أساس التقديس)) (ق/261).
(3) (1/ 252).

- السبوح
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه السُبُّوح، وهذا ثابت بالسنة الصحيحة، والسُبُّوح من أسماء الله تعالى، أثبته ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) (1)، والشيخ العثيمين -رحمه الله- في (القواعد المثلى).
الدليل:
حديث عائشة رضي الله عنها؛ قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه وسجوده: ((سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح)) (2).
المعنى:
قال الفيروزأبادي في (القاموس المحيط): سُبُّوح قُدُّوس-ويفتحان- من صفاته تعالى؛ لأنه يُسَبَّحُ ويُقَدَّس.
وقال ابن قتيبة: ومن صفاته: (سُبُّوح)، وهو حرف مبني على (فُعُّول)، من (سبَّح الله): إذا نَزَّهه وبرَّأه من كل عيب، ومنه قيل: سبحان الله؛ أي: تَنْزيهاً لله، وتبرئة له من ذلك اهـ (3).
(قال أبو إسحاق الزجاج: السبوح: الذي ينزه عن كل سوء، وقال الحليمي: السبوح معناه: المنزه عن المعائب، والصفات التي تعتري المحدثين من ناحية الحدث، والتسبيح: التنزيه) وقال النووي في شرحه لـ (صحيح مسلم) في الحديث المتقدم: قوله: ((سُبُّوح قُدُّوس)): هما بضم السين والقاف وبفتحهما، والضم أفصح وأكثر قال الجوهري في (فصل: ذرح): كان سيبويه يقولهما بالفتح وقال الجوهري في (فصل: سبح): سُبُّوح من صفات الله تعالى قال ثعلب: كل اسم على فعول؛ فهو مفتوح الأول؛ إلا السُبُّوح والقُدُّوس؛ فإن الضم فيهما أكثر، وكذلك الذروح، وهي دويبة حمراء منقطة بسواد تطير، وهي من ذوات السموم وقال ابن فارس والزبيدي وغيرهما: سُبُّوح هو الله عَزَّ وجَلَّ؛ فالمراد بالسُبُّوح القُدُّوس المسَبَّح المقدَّس؛ فكأنه قال: مُسَبَّحٌ مُقَدَّسٌ رب الملائكة والروح، ومعنى سُبُّوح: المبرأ من النقائص والشريك وكل ما لا يليق بالإلهية، وقُدُّوس: المطهر من كل ما لا يليق بالخالق، وقال الهروي: قيل: القُدُّوس المبارك قال القاضي عياض: وقيل فيه: سُبُّوحاً قُدُّوساً على تقدير: أسبح سُبُّوحاً أو أذكر أو أعظم أو أعبد.
وقوله: ((رب الملائكة والرُّوح))؛ قيل: الرُّوح ملك عظيم وقيل: يحتمل أن يكون جبريل عليه السلام وقيل: خلق لا تراهم الملائكة كما لا نرى نحن الملائكة، والله سبحانه وتعالى أعلم. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص166
_________
(1) (22/ 485).
(2) رواه مسلم (487).
(3) ((تفسير غريب القرآن)) (ص8).

- الستر
صفةٌ فعليةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالسنة الصحيحة، و (السِّتِّير) من أسمائه تعالى
الدليل:
حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ حليم، حيي، سِتِّير، يحب الحياء والستر، فإذا اغتسل أحدكم؛ ليستتر)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا يستر الله على عبد في الدنيا، إلا ستره الله يوم القيامة)) (2).
قال ابن القيم (3):
وهو الحَيِيُّ فليسَ يفضحُ عبدَه ... عند التَّجاهُرِِ منهُ بالعصيانِ
لكنَّه يُلْقِي عليه سِتْرَهُ ... فَهُوَ السِّتِّير وصاحِبُ الغُفرَانِ
وستِّير؛ أي: يحب الستر لعباده المؤمنين؛ ستر عوراتهم، وستر ذنوبهم، فيأمرهم أن يستروا عوراتهم، وأن لا يجاهروا بمعاصيهم في الدنيا، وهو يسترها عليهم في الآخرة.
فائدة: اعلم أنَّ (السَّتَّار) ليس من أسمائه تعالى، ولم يرد ما يدل على ذلك؛ خلاف ما هو شائع عند عوام الناس. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص167
_________
(1) رواه أبو داود (4012) من غير لفظة ((حليم))، والنسائي (1/ 200)، وأحمد (4/ 224). من حديث يعلى بن أمية رضي الله عنه. والحديث سكت عنه أبو داود. وقال النووي في ((الخلاصة)) (1/ 204)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) رواه مسلم (2590).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 80).

- السخرية بالكافرين
من الصفات الفعليَّة الخبريَّة الثابتة لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [التوبة: 79]
الدليل من السنة:
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في آخر أهل النار خروجاً منها وآخر أهل الجنة دخولاً فيها، وفيه أنه قال يخاطب الله عَزَّ وجَلَّ: ((أتسخر بي؟ أو تضحك بي وأنت الملك)) (1).
قال الأزهري: يُقال: سَخِرَ منه وبه: إذا تَهَزَّأ به (2).
قال قَوَّام السنة: وتولى الذب عنهم (يعني: المؤمنين) حين قالوا: إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ، فقال: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة:14 - 15]، وقال: فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ، وأجاب عنهم، فقال: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ [البقرة:13]، فأجل أقدارهم أن يوصفوا بصفة عيب، وتولى المجازاة لهم، فقال: اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ، وقال: سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ؛ لأن هاتين الصفتين إذا كانت من الله؛ لم تكن سفهاً، لأن الله حكيم، والحكيم لا يفعل السفه، بل ما يكون منه يكون صواباً وحكمة (3).
وقال شيخ الإسلام في (مجموع الفتاوى) عند الرد على من زعم أنَّ هناك مجازاً في القرآن: وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن؛ كلفظ (المكر) و (الاستهزاء) و (السخرية) المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة؛ كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله؛ كانت عدلاً؛ كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76]، فكاد له كما كادت إخوته لما قاله له أبوه: لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا [يوسف:5]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق:15]، وقال تعالى: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ [النمل:51]، وقال تعالى: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ [التوبة:79] اهـ (4).
فأهل السنة والجماعة يثبتون صفة السخرية لله عَزَّ وجَلَّ كما أثبتها لنفسه، كما يثبتون صفة الكيد والمكر، ولا يخوضون في كيفيتها، ولا يشبهونها بسخرية المخلوق؛ فالله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
وانظر كلام ابن جرير الطبري في صفة (الاستهزاء)، فإنه مهم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص168
_________
(1) رواه البخاري (6571)، ومسلم (186).
(2) ((تهذيب اللغة)) (7/ 167).
(3) ((الحجة)) (1/ 168).
(4) (7/ 111).

- السَّخَطُ أو السُّخْطُ
صفةٌ من صفات الله الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللهُ عَلَيْهِمْ [المائدة: 80].
قوله تعالى: ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ [محمد: 28].
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك وسعديك (إلى أن قال فيه:) فيقول: ألا أعطيكم أفضل من ذلك؟ فيقولون: وأي شيء أفضل من ذلك؟ فيقول: أحل عليكم رضواني؛ فلا أسخط عليكم بعده أبداً)) (1).
حديث بريدة رضي الله عنه: ((لا تقولوا للمنافق سيد، فإن يك سيداً؛ فقد أسخطتم ربكم عزَّ وجلَّ)) (2).
قال أبو إسماعيل الصابوني: وكذلك يقولون في جميع الصفات (يعني: الإثبات) التي نزل بها القرآن ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والرضى والسخط اهـ (3).
وقال الشيخ محمد خليل الهرَّاس في (شرحه للواسطية) تعليقاً على بعض الآيات التي أوردها شيخ الإسلام ابن تيمية فيها بعض صفات الله عَزَّ وجَلَّ الفعلية: تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل؛ من الرضى لله، والغضب، واللعن، والكره، والسخط، والمقت، والأسف، وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عَزَّ وجَلَّ، على ما يليق به، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق (4).
وانظر كلام ابن كثير في: صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص170
_________
(1) رواه البخاري (6549)، ومسلم (2829).
(2) رواه أبو داود (4977)، وأحمد (5/ 346) (22989). وسكت عنه أبو داود، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (4/ 44): إسناده صحيح. وقال النووي في ((الأذكار)) (ص449): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((سنن أبي داود)): صحيح.
(3) ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص5)
(4) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص108).

- السرعة
صفةٌ فعليَّةٌ اختياريةٌ ثابتة لله تعالى بالكتاب والسنة الصحيحة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ [البقرة: 202، النور: 39].
وقوله: إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ [الأنعام: 165].
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها، قالت: ((كنت أغار على اللاتي وهبن أنفسهن لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأقول: أتهب المرأة نفسها؟! فلما أنزل الله تعالى: تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ وَمَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكَ؛ قلت: ما أرى ربَّك إلا يسارع في هواك)) (1).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله قال: إذا تلقَّاني عبدي بشبر؛ تلقيته بذراع، وإذا تلقاني بذراع؛ تلقيته بباع، وإذا تلقاني بباع؛ جئته أتيته بأسرع)) (2).
قال ابن جرير في تفسير الآية 202 من سورة البقرة: وإنما وصف جَلَّ ثناؤه نفسه بسرعة الحساب لأنه جَلَّ ذكره يحصي ما يحصي من أعمال عباده بغير عقد أصابع، ولا فكرٍ، ولا روية، فِعْلَ العجزةِ الضَّعَفة من الخلق، ولكنه لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يعزُب عنه مثقالُ ذرة فيهما، ثم هو مجازٍ عباده على كلِّ ذلك، فلذلك جَلَّ ذكره أُمْتُدِحَ بسرعة الحساب.
وقال أيضاً: القولُ في تأويل قوله تعالى: الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [غافر: 17] إن الله ذو سرعة في محاسبة عباده يومئذٍ على أعمالهم التي عملوها في الدنيا.
وقال الشوكاني في (فتح القدير) في تفسير آية البقرة السابقة: والمعنى أن حسابه لعباده في يوم القيامة سريعٌ مجيئه فبادروا ذلك بأعمال الخير، أو أنه وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم، وأنه لا يشغله شأنٌ عن شأنٍ فيحاسبهم في حالة واحدة.
وقال أيضاً في تفسير قوله تعالى وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ [الرعد: 41]: وهو سريع الحساب فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته على السرعة.
وقد عدَّ الحافظ أبو عبد الله بن منده رحمه الله (السريع) من أسماء الله في كتابه، مستشهداً بحديث أبي هريرة السابق، ووافقه عليه محقق الكتاب (3)، وفي ذلك نظرٌ كبيرٌ، ولكن عدُّهما له اسماً يتضمن أنه صفة عندهما.
فالله عَزَّ وجَلَّ سريعٌ في حسابه، سريعٌ عقابه، سريعٌ في إتيانه ومجيئه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ سبحانه. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص171
_________
(1) رواه البخاري (4788)، ومسلم (1464).
(2) رواه مسلم (2675) (3).
(3) ((التوحيد)) (2/ 137).

- السكوت
يُوصف ربنا عَزَّ وجَلَّ بالسُّكوت كما يليق به سبحانه، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ وهذا ثابتٌ بالسنة الصحيحة، وهي صفةٌ فعليَّةٌ اختيارية متعلقة بمشيئته سبحانه وتعالى.
الدليل:
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: ((ما أحلَّ الله في كتابه فهو الحلال، وما حَرَّم فهو الحرام، وما سكت عنه فهو عَفْوٌ، فاقبلوا من الله عافيته)) الحديث (1).
حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه: الحلال ما أحلَّ الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه؛ فهو مما عفا لكم (2).
قال شيخ الإسلام: قال شيخ الإسلام (يعني: أبا إسماعيل الأنصاري): فطار لتلك الفتنة (يعني: التي وقعت بين الإمام أبي بكر بن خزيمة وأصحابه) ذاك الإمام أبو بكر، فلم يزل يصيح بتشويهها، ويصنف في ردها، كأنه منذر جيش، حتى دون في الدفاتر، وتمكن في السرائر، ولقن في الكتاتيب، ونقش في المحاريب: إنَّ الله متكلم، إن شاء تكلم، وإن شاء سكت؛ فجزى الله ذاك الإمام وأولئك النفر الغر عن نصرة دينه، وتوقير نبيه خيراً، قلت: في حديث سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((الحلال ما أحل الله في كتابه، والحرام ما حرَّم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما عفا عنه)) (3) رواه أبو داود ويقول الفقهاء في دلالة المنطوق والمسكوت، وهو ما نطق به الشارع - وهو الله ورسوله - وما سكت عنه: تارة تكون دلالة السكوت أولى بالحكم من المنطوق، وهو مفهوم الموافقة، وتارة تخالفه، وهو مفهوم المخالفة، وتارة تشبهه، وهو القياس المحض فثبت بالسنة والإجماع أنَّ الله يوصف بالسكوت، لكن السكوت يكون تارة عن التكلم وتارة عن إظهار الكلام وإعلامه اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص173
_________
(1) رواه الطبراني في ((مسند الشاميين)) (6/ 249)، والحاكم (2/ 406). قال البزار في ((البحر الزخار)) (10/ 27): إسناده صالح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وقال الذهبي في ((التلخيص)): صحيح. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (1/ 171): رواه البزار والطبراني في ((الكبير)) وإسناده حسن ورجاله موثقون. وقال الألباني في ((التعليقات الرضية)) (3/ 24): صحيح.
(2) رواه الترمذي (1726)، وابن ماجه (3367)، والحاكم (4/ 129). قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مفسر في الباب وسيف بن هارون لم يخرجا له. ووافقه الذهبي. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 185): معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (35/ 216): محفوظ عن سلمان الفارسي موقوفاً عليه أو مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (1/ 222): إسناده جيد مرفوع. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن.
(3) رواه الترمذي (1726)، وابن ماجه (3367)، والحاكم (4/ 129). من حديث سلمان رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مفسر في الباب وسيف بن هارون لم يخرجا له. ووافقه الذهبي. وقال ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (4/ 185): معنى هذا الحديث ثابت في الصحيح. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (35/ 216): محفوظ عن سلمان الفارسي موقوفاً عليه أو مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن القيم في ((إعلام الموقعين)) (1/ 222): إسناده جيد مرفوع. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن. ورواه بنحوه أبو داود (3800) موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنهما وسكت عنه وقال النووي في ((المجموع شرح المهذب)) (9/ 25): إسناده حسن. وقال ابن كثير في ((إرشاد الفقيه)) (1/ 367): إسناده صحيح، وصححه الألباني في ((غاية المرام)) (ص34).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 178).

- السلام
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه السلام، وهو اسم له ثابت بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23].
الدليل من السنة:
حديث ثوبان رضي الله عنه: ((اللهم أنت السلام، ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام)) (1).
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (السلام)؛ قال: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِن، ومنه سمي الرجل: عبد السلام؛ كما يُقال: عبد الله، ويرى أهل النظر من أصحاب اللغة أنَّ السلام بمعنى السلامة؛ كما يُقال: الرَّضاع والرَّضاعة، واللَّذاذ واللَّذاذة؛ قال الشاعر:
تُحَيِّي بالسلامةِ أُمَّ بَكْرٍ ... فَهَلْ لَكَ بَعْدَ قَوْمِكَ مِنْ سَلامِ
فسمى نفسه جلَّ ثناؤه سلاماً لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء والموت اهـ (2).
وقال الخطابي: السلام في صفة الله سبحانه هو الذي سلم من كل عيب، وبريء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين؛ وقيل: الذي سلم الخلق من ظلمه (3).
وقال ابن كثير في تفسير الآية السابقة: السلام؛ أي: من جميع العيوب والنقائص؛ لكماله في ذاته وصفاته وأفعاله.
وقال ابن الأثير: السلام: ذو السلام؛ أي: الذي سلم من كل عيب وبريء من كل آفة (4).
وقال السعدي: القُدُّوس السَّلام؛ أي: المعظم المنَزَّه عن صفات النقص كلها، وأن يماثله أحد من الخلق؛ فهو المتنَزِّه عن جميع العيوب، والمتنَزِّه عن أن يقاربه أو يماثله أحدٌ في شيء من الكمال (5).
وقال البيهقي: السلام: هو الذي سلم من كل عيب، وبريء من كلِّ آفة، وهذه صفة يستحقها بذاته (6). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص175
_________
(1) رواه مسلم (591).
(2) ((تفسير غريب القرآن)) (ص: 6).
(3) ((شأن الدعاء)) (ص: 41).
(4) ((جامع الأصول)) (4/ 176).
(5) ((تفسير السعدي)) (5/ 300).
(6) ((الاعتقاد)) (ص: 55).

- السلطان
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه (ذو سلطان)، والسُّلطان صفةٌ من صفاته يستعيذ الإنسان بها كما يستعيذ بالله وبسائر صفاته، وهذا ثابتٌ في الحديث الصحيح.
الدليل:
حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، ((عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان إذا دخل المسجد يقول: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)) (1).
قال الأزهري: وقال الليث: السُّلطان: قدرة الملك وقدرة من جعل ذلك له، وإن لم يكن ملكاً (2).
قال أبو محمد الجويني: نصفه بما وصف به نفسه من الصفات التي توجب عظمته وقدسه ذو الوجه الكريم، والسمع السميع، والبصر البصير والقدرة والسُّلطان والعظمة (3).
قال الحافظ ابن القيم (4):
والرُّوُحُ والأمْلاكُ تَصْعَدُ في مَعَا رِجِهِ إليْهِ جَلَّ ذُو السُّلْطَانِ صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص176
_________
(1) رواه أبو داود (466). وسكت عنه. وقال النووي في ((الأذكار)) (ص46): حديث حسن رواه أبو داود بإسناد جيد. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) ((تهذيب اللغة)) (12/ 336).
(3) ((رسالة إثبات الاستواء والفوقية)) (ص175).
(4) ((القصيدة النونية)) (1/ 415).

- السمع
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة، و (السميع) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه: 46]
وقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]
وقوله: قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إلى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة: 1]
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها في قصة المجادلة وقولها: ((الحمد لله الذي وسع سمعُه الأصوات)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: هل أتى عليك يوم أشد عليك من يوم أحد؟ فقال: ((لقد لقيت من قومك، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة (وفي الحديث:) فناداني ملك الجبال، فسلم علي، ثم قال: يا محمد! إن الله قد سمع قول قومك، وأنا ملك الجبال)) (2).
فأهل السنة والجماعة يقولون: إن الله سميع بسمع يليق بجلاله وعظمته، كما أنه بصير ببصر، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
قال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يسمع ويرى (3).
قال الحافظ ابن القيم: وهو سميعٌ بصيرٌ له السَّمْعُ والبصر، يسمع ويبصر وليس كمثله شيءٌ في سمعه وبصره (4).
وقال الحافظ ابن كثير في رسالته (العقائد): فإذا نطق الكتاب العزيز، ووردت الأخبار الصحيحة، بإثبات السمع والبصر والعين والوجه والعلم والقوة والقدرة والعظمة والمشيئة والإرادة والقول والكلام والرضى والسخط والحب والبغض والفرح والضحك؛ وجب اعتقاد حقيقته؛ من غير تشبيهٍ بشيء من ذلك بصفات المربوبين المخلوقين، والانتهاء إلى ما قاله الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم؛ ولا زيادة عليه، ولا تكييف له، ولا تشبيه، ولا تحريف، ولا تبديل، ولا تغيير، وإزالة لفظ عما تعرفه العرب وتصرفه عليه، والإمساك عما سوى ذلك
انظر: (علاقة الإثبات والتفويض) لرضا نعسان معطي (5).
وقال الهرَّاس: أمَّا السَّمْعُ فقد عبَّرت عنه الآيات بكل صيغ الاشتقاق، وهي: سَمِعَ، ويَسْمَعُ، وسَمِيعٌ، وأسْمَعُ، فهو صفة حقيقية لله، يدرك بها الأصوات (6). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص177
_________
(1) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بعد حديث (7385)، ورواه موصولاً النسائي (6/ 168)، وابن ماجه (188)، وأحمد (6/ 46) (24241). قال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/ 163)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/ 339)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2) رواه البخاري (3231)، ومسلم (1795).
(3) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص225).
(4) ((الصواعق المرسلة)) (3/ 1020).
(5) (ص51).
(6) ((شرحه للواسطية)) (120).

- السيد
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه السَّيِّدُ، وهو اسمٌ ثابتٌ له بالسنة الصحيحة.
الدليل:
حديث عبد الله بن الشخير رضي الله عنه؛ قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلنا: أنت سيدنا فقال: ((السَّيِّد الله تبارك وتعالى)) (1).
قال ابن القيم (2):
وهوَ الإلهُ السَّيِّدُ الصَّمدُ الذي ... صَمَدَتْ إليهِ الخلقُ بالإذْعَانِ
الكَامِلُ الأوْصَافِ منْ كُلِّ الوجُوه ... كَمالُهُ ما فيهِ مِنْ نُقْصَانِ
ومن معاني الصمد - كما سيأتي في بابه -: السَّيِّد الذي كَمُل في سؤدَدِه.
وقال في (تحفة المودود): وأمَّا وصفُ الربِّ تعالى بأنه السَّيِّد فذلك وصفٌ لربه على الإطلاق، فإن سَيَّد الخلق هو مالك أمرهم الذي إليه يرجعون، وبأمره يعملون، وعن قوله يصدرون، فإذا كانت الملائكة والإنس والجن خلقاً له سبحانه وتعالى وملكاً له ليس لهم غنى عنه طرفة عين، وكل رغباتهم إليه، وكل حوائجهم إليه، كان هو سبحانه وتعالى السَّيِّد على الحقيقة (3).
وقال في (بدائع الفوائد): السَّيِّد إذا أطلق عليه تعالى فهو بمعنى: المالك، والمولى، والرب، لا بالمعنى الذي يُطلق على المخلوق والله سبحانه وتعالى أعلم اهـ (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص179
_________
(1) رواه أبو داود (4806)، وأحمد (4/ 24) () وسكت عنه. وحسنه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (4/ 403):- كما أشار لذلك في المقدمة-. وقال الشوكاني في ((الفتح الرباني)) (5646): إسناده جيد. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) ((القصيدة النونية)) (2/ 94).
(3) (ص80).
(4) (3/ 730).

- الشافي
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الشَّافي، الذي يشفي عباده من الأسقام، و (الشَّافي) اسم من أسمائه تعالى الثابتة بالسنة الصحيحة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ((وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)) [الشعراء: 80].
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنهما مرفوعاً: ((اللهم رب الناس! أذهب البأس، واشف أنت الشَّافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقماً)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها – في سِحْرِ النبي صلى الله عليه وسلم-مرفوعاً: ((أمَّا أنا فقد شفاني الله وخشيت أن يثير ذلك على الناس شراً)) (2). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص180
_________
(1) البخاري (5743)، ومسلم (2191).
(2) رواه البخاري (3268).

- الشخص
يجوز إطلاق لفظة (شخص) على الله عَزَّ وجَلَّ، وقد وردت هذه اللفظة في صحيح السنة.
من ذلك ما رواه مسلم من حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه؛ قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي؛ لضربته بالسيف غير مصفح عنه فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ((أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير منه، والله أغير مني، من أجل غيرة الله حَرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخص أغير من الله، ولا شخص أحب إليه العذر من الله، من أجل ذلك؛ بعث الله المرسلين مبشرين ومنذرين، ولا شخص أحب إليه المدحة من الله، من أجل ذلك؛ وعد الله الجنة)) (1) ورواه البخاري (7416) بلفظ: ((لا أحد))، لكنه قال: (وقال عبيد الله بن عمرو بن عبد الملك (أحد رواة الحديث): ((لا شخص أغير من الله)) (2).
وقال البخاري: باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شخص أغير من الله)) (3).
وقال ابن أبي عاصم في (السنة): باب: ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك (4).
وقال أبو يعلى الفراء في فصل عنونه المحقق بقوله: (إثبات صفة الشخص والغيرة لربنا جل شأنه)؛ قال بعد ذكر حديث مسلم السابق: اعلم أنَّ الكلام في هذا الخبر في فصلين: أحدهما: إطلاق صفة الغيرة عليه والثاني: في إطلاق الشخص أما الغيرة وأما لفظ الشخص فرأيت بعض أصحاب الحديث يذهب إلى جواز إطلاقه، ووجهه أنَّ قوله: ((لا شخص)) نفي من إثبات، وذلك يقتضي الجنس؛ كقولك: لا رجل أكرم من زيد؛ يقتضي أنَّ زيداً يقع عليه اسم رجل، كذلك قوله: ((لا شخص أغير من الله))؛ يقتضي أنه سبحانه يقع عليه هذا الاسم اهـ (5)
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان حفظه الله في (شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري): قال (أي: البخاري): باب: قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شخص أغير من الله)) الغيرة بفتح الغين والشخص: هو ما شخص وبان عن غيره، ومقصد البخاري أنَّ هذين الاسمين يطلقان على الله تعالى وصفاً له؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أثبتهما لله، وهو أعلم الخلق بالله تعالى اهـ (6).
وتعقيباً على قول عبيد الله القواريري: ليس حديثٌ أشدَّ على الجهمية من هذا الحديث (يعني: حديث مسلم)؛ قال حفظه الله (7): وبهذا يتبين خطأ ابن بطال في قوله: أجمعت الأمة على أنَّ الله تعالى لا يجوز أن يوصف بأنه شخص؛ لأن التوقيف لم يرد به اهـ ذكره الحافظ وهذه مجازفة، ودعوى عارية من الدليل؛ فأين هذا الإجماع المزعوم؟! ومن قاله سوى المتأثرين ببدع أهل الكلام؛ كالخطاب، وابن فورك، وابن بطال؛ عفا الله عنا وعنهم؟!
وقوله: لأن التوقيف لم يرد به: يبطله ما تقدم من ذكر ثبوت هذا اللفظ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بطرق صحيحة لا مطعن فيها، وإذا صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وجب العمل به والقول بموجبه، سواء كان في مسائل الاعتقاد أو في العمليات، وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم إطلاق هذا الاسم - أعني: الشخص - على الله تعالى، فيجب اتباعه في ذلك على من يؤمن بأنه رسول الله، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم بربه وبما يجب له وما يمتنع عليه تعالى من غيره من سائر البشر.
وتقدم أنَّ الشخص في اللغة: ما شخص وارتفع وظهر؛ قال في (اللسان): الشخص كل جسم له ارتفاع وظهور، والله تعالى أظهر من كل شيء وأعظم وأكبر، وليس في إطلاق الشخص عليه محذورٌ على أصل أهل السنة الذين يتقيدون بما قاله الله ورسوله اهـ. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص181
_________
(1) رواه مسلم (1499).
(2) رواه البخاري (7416).
(3) قبل حديث (7416).
(4) (1/ 225).
(5) (1/ 225).
(6) (1/ 335).
(7) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 338).

- الشدة (بمعنى القوَّة)
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد: 13].
وقوله تعالى: قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا [القصص: 35].
وقوله تعالى: نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ [الإنسان: 28].
الدليل من السنة:
حديث: ((اللهم اشْدُدْ وطأتك على مضر)) (1).
قال الزجاجي: (الشديد في صفات الله عَزَّ وجَلَّ على ضربين:
أحدهما: أنْ يُرَادَ بالشديد: القويُّ؛ لأنه قد يقال للقوي من الآدميين: شديدٌ، وكأنه في صفات الآدميين، يذهب به إلى معنى شدة البدن وصلابته وجلده، وذلك في صفات الله عَزَّ وجَلَّ غير سائغ، بل يكون الشديد في صفاته بمعنى القوي حسب، والشديد: خلاف الضعيف.
والآخَرُ: أنْ يُراد بالشديدِ في صفاته عَزَّ وجَلَّ: أنه شديد العقاب، فيرجع المعنى في ذلك في الحقيقة إلى أنَّ عذابَهُ شديدٌ؛ كما قال: إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7]، ألا ترى أنا إذا قُلنا: زيدٌ كثيرٌ العيال؛ أنَّ المعنى إنما هو وصف عيالهِ بالكثرة، وكذلك إذا قلنا: زيدٌ كثيرٌ المالِ؛ فإنَّما وصفنا مالهُ بالكَثْرةِ، وإنْ كان الخبر قد جَرى عليه لفظاً، وكذلك إذا قلنا: زيدٌ شديد العقاب؛ فإنما وَصَفنا عقابه بالشدَّة، فكذلك مجراه في قولنا: اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196]: شَدِيدُ الْعَذَابِ [البقرة:165] اهـ (2).
وقد عدَّ الزجاجي وابن منده في (كتاب التوحيد) ووافقه محققه (الشَّدِيدَ) من أسماء الله تعالى، ولا يُوافَقُونَ على ذلك. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص184
_________
(1) رواه البخاري (2932) ومسلم (675).
(2) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص192).

- الشكر
صفةٌ فعليةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، و (الشاكر) و (الشكور) من أسمائه تعالى، وكل ذلك ثابت بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ [البقرة: 158].
وقوله: وَاللهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ [التغابن: 17].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة ساقي الكلب ماءً، وفيه: ((فنَزل البئر، فملأ خفه ماءً، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب، فشكر الله له، فغفر له)) (1).
قال ابن منظور في (لسان العرب): والشكور: من صفات الله جل اسمه، معناه: أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد، فيضاعف لهم الجزاء، وشكره لعباده: مغفرة لهم.
وقال أبو القاسم الزجاجي (2): وقد تأتي الصِّفة بالفعل لله عَزَّ وجَلَّ ولعبده، فيقال: (العبد شكور لله)؛ أي: يشكر نعمته، والله عَزَّ وجَلَّ شكورٌ للعبد؛ أي: يشكر له عمله؛ أي: يجازيه على عمله، والعبد توابٌ إلى الله من ذنبه، والله توابٌ عليه؛ أي: يقبل توبته ويعفو عنه.
قلت: تفسير شكر الله لعباده بالمغفرة والمجازاة قد يُفهم منه صرفه عن الحقيقة وهذا غير صحيح.
قال ابن القيم (3): وأما شكر الرب تعالى؛ فله شأن آخر؛ كشأن صبره، فهو أولى بصفة الشكر من كل شكور، بل هو الشكور على الحقيقة؛ فإنه يعطي العبد، ويوفقه لما يشكره عليه إلى آخر كلامه رحمه الله، وهو نفيس جداً. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص185
_________
(1) رواه البخاري (2363)، ومسلم (2244).
(2) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص152).
(3) ((عدة الصابرين)) (414).

- الشهيد
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه (شهيد)، والشهيد اسم من أسمائه تعالى، وهذه الصفة ثابتة بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [آل عمران: 18].
قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: 19].
الدليل من السنة:
حديث حجة الوداع، وفيه: ((اللهم اشهد! فليبلغ الشاهد الغائب)) (1).
المعنى:
قال ابن الأثير: الشهيد: هو الذي لا يغيب عنه شيء، يقال: شاهد وشهيد؛ كعالم وعليم؛ أي أنه حاضر يشاهد الأشياء ويراها (2).
وقال الشيخ السعدي: الشهيد؛ أي: المطلع على جميع الأشياء، سمع جميع الأصوات خفيها وجليها، وأبصر جميع الموجودات دقيقها وجليلها، صغيرها وكبيرها، وأحاط علمه بكل شيء، الذي شهد لعباده وعلى عباده بما عملوه اهـ (3).
و (شهد الله)؛ بمعنى: علم، وكتب، وقضى، وأظهر، وبيَّن انظر: (تهذيب اللغة). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص187
_________
(1) رواه البخاري (1741)، ومسلم (1679) (31).
(2) ((جامع الأصول)) (4/ 179).
(3) ((تفسير السعدي)) (5/ 303).

- شيء
يصح إطلاق لفظة (شيء) على الله عَزَّ وجَلَّ أو على صفة من صفاته، لكن لا يقال: (الشيء) اسم من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ [الأنعام: 19]
وقوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص: 88] والوجه صفةٌ ذاتيةٌ لله تعالى
وقوله: أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ [الأنعام: 93]، والقرآن كلام الله، وهو صفةٌ من صفاته، والقول في الصفة كالقول في الذات.
الدليل من السنة:
حديث سهل بن سعد رضي الله عنه؛ قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل: ((أمعك من القرآن شيْءٌ؟ قال: نعم سورة كذا وسورة كذا؛ لسُوَرٍ سمَّاها)) (1).
قال البخاري في كتاب التوحيد من (صحيحه): باب: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلْ اللهُ، فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبي صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفةٌ من صفات الله، وقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ (ثم أورد حديثَ سهلٍ السابق).
قال الشيخ عبد الله الغنيمان: يريد بهذا أنه يطلق على الله تعالى أنه شيء، وكذلك صفاته، وليس معنى ذلك أن الشيء من أسماء الله الحسنى، ولكن يخبر عنه تعالى بأنه شيء، وكذا يخبر عن صفاته بأنها شيء؛ لأن كل موجود يصح أن يقال: إنه شيء اهـ (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويفرق بين دعائه والإخبار عنه؛ فلا يدعى إلاَّ بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه؛ فلا يكون باسم سيء، لكن قد يكون باسم حسن، أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه؛ مثل اسم شيء، وذات، وموجود (3).
وقال ابن القيم: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيَّاً؛ كالقديم، والشيء، والموجود (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص188
_________
(1) رواه البخاري (7417).
(2) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 343).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 142). وانظر أيضاً: (9/ 300 - 301).
(4) ((بدائع الفوائد)) (1/ 162).

- الصبرُ
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بصفة الصبر؛ كما هو ثابت في السنة الصحيحة، أما (الصبور)؛ ففي إثبات أنه اسم لله تعالى نظر؛ لعدم ثبوته.
الدليل:
حديث أبي موسى رضي الله عنه: ((ما أحدٌ أصبر على أذى سمعه من الله؛ يدَّعون له الولد، ثم يعافيهم ويرزقهم)) (1).
قال الخطابي: معنى الصبور في صفة الله سبحانه قريب من معنى الحليم؛ إلا أن الفرق بين الأمرين أنهم لا يأمنون العقوبة في صفة الصبور كما يسلمون منها في صفة الحليم، والله أعلم بالصواب (2).
قال قَوَّام السنة الأصبهاني: قال بعض أهل النظر: لا يوصف الله بالصبر، ولا يقال: صبور، وقال: الصبر تحمل الشيء، ولا وجه لإنكار هذا الاسم؛ لأن الحديث قد ورد به؛ ولولا التوقيف؛ لم نقله اهـ (3).
قلت: وصف الله عَزَّ وجَلَّ بالصبر ثابت؛ كما مرَّ في حديث أبي موسى رضي الله عنه، أما اسم الصبور؛ فلعله يعني بالحديث حديث سرد الأسماء عند الترمذي، وهو ضعيف، ولا أعرفُ آيةً أو حديثاً صحيحاً يثبت هذا الاسم له سبحانه وتعالى
وقال الحافظ ابن القيم: وصبره تعالى يفارق صبر المخلوق ولا يماثله من وجوه متعددة، والفرق بين الصبرِ والحلمِ: أنَّ الصبر ثمرة الحلم وموجبه، فعلى قدر حلم العبد يكون صبره، فالحلم في صفات الرب تعالى أوسع من الصبر وكونه حليماً من لوازم ذاته سبحانه، وأمَّا صبرُه سبحانه فمتعلقٌ بكفرِ العباد وشركهم ومسبتهم له سبحانه وأنواع معاصيهم وفجورهم اهـ (4).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في (شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري) تعليقاً على كلام المازري الذي نقله النووي في شرح حديث أبي موسى رضي الله عنه؛ حيث قال المازري: حقيقة الصبر: منع النفس من الانتقام أو غيره؛ فالصبر نتيجة الامتناع، فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى؛ قال الغنيمان: قلت: قوله: فأطلق اسم الصبر على الامتناع في حق الله تعالى؛ فيه نظر، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أطلق على ربه الصبر، وأنه ما أحد أصبر منه، وهو صلى الله عليه وسلم أعلم الخلق بالله تعالى، وأخشاهم له، وأقدرهم على البيان عن الحق، وأنصحهم للخلق؛ فلا استدراك عليه، فيجب أن يبقى ما أطلقه صلى الله عليه وسلم على الله تعالى بدون تأويل؛ إلا إذا كان يريد بذلك تفسير معنى الصبر، ولكن الأولى أن يبقى كما قال؛ لأنه واضح، ليس بحاجة إلى تفسير (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص189
_________
(1) رواه البخاري (7378)، ومسلم (2804).
(2) ((شأن الدعاء)) (98).
(3) ((الحجة)) (2/ 456).
(4) ((عدة الصابرين)) (408).
(5) (1/ 93).

- الصدق
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ صَدَقَ اللهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا [آل عمران:95].
قوله تعالى: قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ [الأحزاب: 22].
الدليل من السنة:
حديث: ((صَدَقَ الله وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده)) (1).
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((صَدَقَ الله وكذب بطن أخيك)) (2).
قال أبو القاسم الزجاجي: الصادق في خبره: الذي لا تكذيب له؛ فالله عَزَّ وجَلَّ الصادق في جميع ما أخبر به عباده قال الفراء: الصدق: قوة الخبر، والكذب: ضعف الخبر (ثم قال أبو القاسم:) والصادق أيضاً: الصادق في وعده، الوافي به، يقال: وفي بعهده ووعده وأوفي به فالله عَزَّ وجَلَّ الصادق في جميع ما وعد به عباده، وهذه الصفة من صفاته مستنبطة من سورة مريم، من قوله: إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيَّاً؛ أي: آتياً، مفعول بمعنى فاعل، وإذا كان وعده آتياً؛ فهو الصادق فيه، وكل شيء وعد الله عَزَّ وجَلَّ عباده به؛ فهو كائن كما وعد به عَزَّ وجَلَّ لا محالة اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص191
_________
(1) رواه البخاري (1797)، ومسلم (1344). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(2) رواه البخاري (5684)، ومسلم (2217).
(3) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص168).

- الصفة
يجوز إطلاق هذه اللفظة وإضافتها إلى الله تعالى، فتقول: صفة الله، وصفة الرحمن، ومن صفاته وأوصافه كذا ونحو ذلك، وهذا ثابت بمفهوم القرآن ومنطوق السنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون [الصافات:180].
وسيأتي توجيه ابن حجر للآية.
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها؛ ((أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته، فيختم بـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ، فلما رجعوا؛ ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم، فقال: سلوه: لأي شيء يصنع ذلك؟ فسألوه، فقال: لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله يحبه)) (1).
وقد بوَّب البخاري رحمه الله في كتاب التوحيد من (صحيحه): باب: قول الله تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ، ومن حلف بعزة الله وصفاته.
وقال: باب: قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللهُ؛ فسمى الله تعالى نفسه شيئاً، وسمى النبيُّ صلى الله عليه وسلم القرآن شيئاً، وهو صفةٌ من صفاته اهـ.
ومن طالع كتب السلف رحمهم الله؛ كـ (كتاب التوحيد) لابن خزيمة، و (كتاب التوحيد) لابن منده، و (رد الدارمي على المريسي)، وغيرهم؛ وجد أنهم يستخدمون ذلك كثيراً.
وأنكر ابن حزم إطلاق الصفة، ورد عليه الحافظ فقال: وفي حديث الباب حجة لمن أثبت أن لله صفةً، وهو قول الجمهور، وشذَّ ابن حزم، فقال: هذه لفظة اصطلح عليها أهل الكلام من المعتزلة ومن تبعهم، ولم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحدٍ من أصحابه، فإن اعترضوا بحديث الباب؛ فهو من أفراد سعيد بن أبي هلال، وفيه ضعف قال: وعلى تقدير صحته؛ فـ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ صفة الرحمن كما جاء في هذا الحديث، ولا يزاد عليه؛ بخلاف الصفة التي يطلقونها؛ فإنها في لغة العرب لا تطلق إلا على جوهرٍ أو عَرَضٍ كذا قال! وسعيد متفق على الاحتجاج به؛ فلا يلتفت إليه في تضعيفه، وكلامه الأخير مردود باتفاق الجميع على إثبات الأسماء الحسنى، قال الله تعالى: وَلِلَّهِ الأسماء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180] وقال بعد أن ذكر منها عدة أسماء في آخر سورة الحشر: لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى [الحشر:24]، والأسماء المذكورة فيها بلغة العرب صفات، ففي إثبات أسمائه إثبات صفاته؛ لأنه إذا ثبت أنه حي مثلاً؛ فقد وُصف بصفة زائدة على الذات، وهي صفة الحياة، ولولا ذلك؛ لوجب الاقتصار على ما ينبئ عن وجود الذات فقط، وقد قال سبحانه وتعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون، فنَزَّه نفسه عما يصفونه به من صفة النقص، ومفهومه أن وصفه بصفة الكمال مشروع اهـ (2).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في (شرحه لكتاب التوحيد من صحيح البخاري) (3) بعد إيراده جملة من آيات وأحاديث الصفات، منها حديث عائشة؛ قال: وقال الله تعالى: سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون [الصافات:180]، وهذا من إضافة الموصوف إلى صفته، فثبت بهذه النصوص وغيرها كثير أن لله صفات، وأن كل اسم تسمى الله به يدل على الصفة؛ لأن الأسماء مشتقة من الصفات وانظر: (النعت). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص192
_________
(1) رواه البخاري (7375)، ومسلم (813).
(2) ((فتح الباري)) (13/ 356).
(3) (1/ 63).

- الصمد
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وهو اسمٌ له ثابتٌ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى في سورة الإخلاص: قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ، ولم يَرِد هذا الاسم إلا في هذه السورة.
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه القدسي: ((كذبني ابن آدم وأما شتمه إياي؛ فقوله: اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد، لم ألد ولم أولد، ولم يكن لي كفواً أحد)) (1).
معنى الصمد:
اختلفوا في معنى الصمد على أقوال كثيرة؛ منها - كما في (تفسير ابن جرير) -:
1 - المصمت الذي لا جوف له.
2 - الذي لا يأكل ولا يشرب.
3 - الذي لا يخرج منه شيء، لم يلد ولم يولد.
4 - السيِّد الذي انتهى سؤدده.
5 - الباقي الذي لا يفنى. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص195
_________
(1) رواه البخاري (4974).

- الصنع
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه صانعُ كلِّ شيء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وليس (الصانع) من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ [النمل: 88].
الدليل من السنة:
حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله يصنع صنع كل صانع وصنعته)) (1).
قال قَوَّام السنة الأصبهاني: ومن أسماء الله تعالى: الصانع، قال الله عَزَّ وجَلَّ: صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وروي عن حذيفة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله عَزَّ وجَلَّ صنع كل صانع وصنعته))؛ قيل: الصنع: الاختراع والتركيب اهـ (2).
وقال البيهقي في (الأسماء والصفات): ومنها (أي: أسماء الله عزَّ وجلَّ): الصانع، ومعناه: المركب والمهيئ قال الله عَزَّ وجَلَّ: صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ، وقد يكون الصانع الفاعل، فيدخل فيه الاختراع والتركيب معاً اهـ.
وممَّن عدَّ (الصانع) من أسماء الله تعالى أيضاً ابن منده في (التوحيد) (3)، وفي هذا نظرٌ كبير.
قال أبو موسى المديني: قوله: صُنْعَ اللهِ أي: قوله وفعله والصُّنْع والصَّنع والصَّنْعَةُ واحد (4).
وقال ابن الجوزي في (زاد المسير) في تفسير آية النمل: قوله تعالى: صُنْعَ اللهِ: قال الزجاج: هو منصوب على المصدر؛ لأن قوله: وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً [النمل:88]؛ دليل على الصنعة، فكأنه قال: صنع الله ذلك صنعاً، ويجوز الرفع على معنى: ذلك صنعُ الله اهـ.
قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [البقرة: 21].
(وقال آخرون: من تأمل هذه السموات في ارتفاعها واتساعها وما فيها من الكواكب وما ذرأ في الأرض من الحيوانات المتنوعة والنبات المختلف الطعوم والأراييج والأشكال والألوان مع اتحاد طبيعة التربة والماء؛ استدل على وجود الصانع وقدرته العظيمة وحكمته ورحمته بخلقه ولطفه بهم وإحسانه إليهم وبره بهم لا إله غيره ولا رب سواه عليه توكلت وإليه أنيب؛ والآيات في القرآن الدالة على هذا المقام كثيرة جداً).
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين كما في (الكنز الثمين) (5) عن جواز إطلاق كلمة الصانع على الله عَزَّ وجَلَّ فقال: هذه تجوز على وجه الصفة، فنعتقد أن الله الصانع، بمعنى أنه المبدع للكون، وهو الذي صنع الكون بذاته وأبدعه، فلذلك يُكْثَرُ من إطلاقها في الكتب؛ كما ذكر ذلك ابن كثير في تفسير الآية الكريمة: اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة: 21] وأطلق ذلك شيخ الإسلام في عدة مواضع في الجزء الثاني من مجموع الفتاوى، ونحو ذلك فإطلاق الصانع معناه: بأنه وصفٌ لله أنه مبدع للكون. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص196
_________
(1) رواه البخاري في ((خلق أفعال العباد)) (117)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (357و358)، وابن منده في ((التوحيد)) (115)، والحاكم في (المستدرك)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (1/ 75).وعند بعضهم بلفظ (خلق)؛ بدل (صنع). قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي، وقال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/ 114)، وابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 498) والألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1637): صحيح.
(2) ((الحجة)) (1/ 159).
(3) (1/ 143).
(4) ((المجموع المغيث)) (2/ 295).
(5) (173).

- الصورة
صفةٌ ذاتيةٌ خبريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالأحاديث الصحيحة.
الدليل:
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الطويل في رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وفيه: ((فيأتيهم الجبار في صورته التي رأوه فيها أوَّلَ مرة، فيقول: أنا ربكم، فيقولون: أنت ربنا)) (1).
حديث: ((رأيت ربي في أحسن صورة)) (2).
قال أبو محمد ابن قتيبة في (تأويل مختلف الحديث/ 261): والذي عندي – والله تعالى أعلم – أن الصُّورة ليست بأعجب من اليدين والأصابع والعين، وإنما وقع الإلف لتلك لمجيئها في القرآن، ووقعت الوحشة من هذه لأنها لم تأت في القرآن، ونحن نؤمن بالجميع، ولا نقول في شيء منه بكيفية ولا حدٍّ (3).
وقال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) في التعليق على حديث: ((رأيت ربي في أحسن صورة))؛ قال: اعلم أن الكلام في هذا الخبر يتعلق به فصول: أحدها جواز إطلاق الصُّورة عليه (4).
وقال شيخ الإسلام في (نقض تأسيس الرازي): والوجه الخامس: أن الأحاديث مع آيات القرآن أخبرت بأنه يأتي عباده يوم القيامة على الوجه الذي وصف، وعند هؤلاء هو كل آتٍ، وما في الدنيا والآخرة، وأما أهل الإلحاد والحلول الخاص، كالذين يقولون بالاتحاد أو الحلول في المسيح أو علي أو بعض المشايخ أو بعض الملوك أو غير ذلك مما قد بسطنا القول عليهم في غير هذا الموضع؛ فقد يتأولون أيضاً هذا الحديث كما تأوله أهل الاتحاد والحلول المطلق؛ لكونه قال: فيأتيهم الله في صورة، لكن يقال لهم: لفظ (الصُّورة) في الحديث (يعني رحمه الله: حديث أبي سعيد) كسائر ما ورد من الأسماء والصفات التي قد يسمى المخلوق بها على وجه التقييد، وإذا أطلقت على الله مختصة به؛ مثل العليم والقدير والرحيم والسميع والبصير، ومثل خلقه بيديه واستوائه على العرش ونحو ذلك اهـ (5)
وبهذا يتضح أن الصُّورةَ صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ الذاتية كسائر الصفات الثابتة بالأحاديث الصحيحة.
أما حديث: ((خلق الله آدم على صورته))؛ فلم أورده في الأدلة؛ للاختلاف القائم بين أهل العلم: هل الضمير في (صورته) عائد على آدم أم على الله، وإن كان كثيرٌ من السلف ومن تبعهم من الخلف يجعلونه عائداً على الله عزَّ وجلَّ.
راجع لذلك: كتاب (نقض أساس التقديس) لابن تيمية، وكتاب الشيخ حمود التويجري رحمه الله (عقيدة أهل الإيمان في خلق آدم على صورة الرحمن)، وكتاب (شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري) للشيخ عبد الله الغنيمان (6). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص198
_________
(1) رواه البخاري (7439)، ومسلم (183).
(2) رواه الترمذي (3235)، وأحمد (5/ 243) (22162). من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح؛ سألت محمد بن إسماعيل - البخاري - عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/ 73)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح. والحديث روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة وثوبان رضي الله عنهم جميعاً.
(3) ((تأويل مختلف الحديث)) (261).
(4) (1/ 126).
(5) (ورقة 455).
(6) (2/ 32 - 68).

- الضحك
صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالأحاديث الصحيحة.
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر، كلاهما يدخل الجنة)) (1).
حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عند البخاري ومسلم، وقد تقدم في صفة السخرية (2).
اعلم أنَّ أهل السنة والجماعة يثبتون هذه الصفة وغيرها من صفات الله عَزَّ وجلَّ الثابتة له بالكتاب أو السنة الصحيحة؛ من غير تمثيل ولا تكييف، ويسلمون بذلك، ويقولون: كلٌ من عند ربنا.
قال الإمام ابن خزيمة في كتاب (التوحيد) (3): باب: ذكر إثبات ضحك ربنا عَزَّ وجلَّ: بلا صفةٍ تصفُ ضحكه جلَّ ثناؤه، لا ولا يشبَّه ضَحِكُه بضحك المخلوقين، وضحكهم كذلك، بل نؤمن بأنه يضحك؛ كما أعلم النبي صلى الله عليه وسلم، ونسكت عن صفة ضحكه جلَّ وعلا، إذ الله عَزَّ وجلَّ استأثر بصفة ضحكه، لم يطلعنا على ذلك؛ فنحن قائلون بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، مصَدِّقون بذلك، بقلوبنا منصتون عمَّا لم يبين لنا مما استأثر الله بعلمه.
ومعنى قوله: بلا صفةٍ تصفُ ضحكه، أي بلا تكييف لضحكه.
وقال أبو بكر الآجري في (الشريعة): باب الإيمان بأن الله عَزَّ وجلَّ يضحك: اعلموا - وفقنا الله وإياكم للرشاد من القول والعمل - أنَّ أهل الحق يصفون الله عَزَّ وجلَّ بما وصف به نفسه عَزَّ وجلَّ، وبما وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، وبما وصفه به الصحابة رضي الله عنهم وهذا مذهب العلماء مِمَّن اتّبع ولم يبتدع، ولا يقال فيه: كيف؟ بل التسليم له، والإيمان به؛ أنَّ الله عَزَّ وجلَّ يضحك، كذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن صحابته رضي الله عنهم؛ فلا ينكر هذا إلا من لا يحمد حاله عند أهل الحق اهـ (4).
وقال أبو عبيد القاسم بن سلام لما قيل له: هذه الأحاديث التي تروى؛ في: الرؤية، والكرسي موضع القدمين، وضحك ربنا من قنوط عباده، وإن جهنم لتمتلئ وأشباه هذه الأحاديث؟ قال رحمه الله: هذه الأحاديث حقٌ لا شك فيها رواها الثقات بعضهم عن بعض (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص200
_________
(1) رواه البخاري (2826)، ومسلم (1890).
(2) رواه البخاري (6571)، ومسلم (186). وفيه أنه قال يخاطب الله عَزَّ وجَلَّ: ((أتسخر بي؟ أو تضحك بي وأنت الملك000)).
(3) (2/ 563).
(4) ((الشريعة)) (ص277).
(5) انظر: ((التمهيد)) (7/ 149 - 150). راجع عن صفة الضحك: كتاب ((الحجة في بيان المحجة)) لقوَّام السُّنَّة الأصبهاني (1/ 429، 2/ 456)، ((المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد في العقيدة)) (1/ 315)، ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (6/ 121)، ((شرح الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 104). وانظر: كلام البغوي في صفة (الأصابع)، وكلام ابن كثير في صفة (السمع).

- الطبيب
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه (الطَّبيب)، وهذا ثابت بالحديث الصحيح.
الدليل:
حديث أبي رمثة رضي الله عنه؛ أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرني هذا الذي بظهرك؛ فإني رجل طبيب قال: ((الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق، طبيبها الذي خلقها)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها: قالت: ((ثم مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعت يدي على صدره فقلت: أذهب البأس، رب الناس، أنت الطبيب، وأنت الشافي، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ألحقني بالرفيق الأعلى وألحقني بالرفيق الأعلى)) (2).
قال ابن فارس: الطِّبُّ: هو العلم بالشيء، يقال: رجل طَب وطبيبٌ؛ أي: عالمٌ حاذق (3).
وقال الأزهري في (تهذيب اللغة) (4) بعد أن أورد حديث أبي رمثة رضي الله عنه: ((طبيبها الذي خلقها)): معناه: العالم بها خالقها الذي خلقها لا أنت.
وقال شمس الدين الحق أبادي: الله الطبيب، بل أنت رجل رفيق؛ أي: أنت ترفق بالمريض، وتتلطفه، والله هو يبرئه ويعافيه اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص202
_________
(1) رواه أبو داود (4207)، وأحمد (4/ 163) (17527). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال ابن العربي في ((القبس شرح الموطأ)) (3/ 1127): صحيح. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (12/ 67): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) رواه أحمد (6/ 108) (24818)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (4/ 364)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (1/ 217). قال شعيب الأرناؤوط في ((مسند أحمد)): إسناده صحيح على شرط البخاري.
(3) ((معجم مقاييس اللغة)) (3/ 407).
(4) (13/ 304).
(5) ((عون المعبود)) (11/ 262).

- الطيب
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه طَّيِّب، وهو اسم له، ثابت بالسنة الصحيحة.
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أيها الناس! إنَّ الله طَيَّبٌ لا يقبل إلا طَيَّباً)) (1).
قال النووي في (شرح صحيح مسلم): قال القاضي: الطيب في صفة الله تعالى بمعنى المنَزَّه عن النقائص، وهو بمعنى القدوس، وأصل الطيب الزكاة والطهارة والسلامة من الخبث.
وقال ابن القيم في (الصواعق المرسلة) (2): إنه سبحانه يحب صفاته؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اللهم إنك عفوٌّ تحبُّ العفو)) (3)، وقال: ((إن الله جميل يحب الجمال)) (4)، و ((إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً)) (5).
وقال المباركفوري: قال القاضي رحمه الله: الطيب ضد الخبيث، فإذا وصفه به تعالى أُريد به أنه مُنَزَّهٌ عن النقائص، مُقَدَّسٌ عن الآفات، وإذا وصف به العبد مطلقاً أُريد به أنه المتعري عن رذائل الأخلاق وقبائح الأعمال والمتحلي بأضداد ذلك، وإذا وصف به الأموال أُريد به كونه حلالا من خيار الأموال (6). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص204
_________
(1) ((صحيح مسلم)) (1015).
(2) (4/ 1458).
(3) رواه الترمذي (3513)، وابن ماجه (3850)، وأحمد (6/ 171) (25423)، والحاكم (1/ 712). من حديث عائشة رضي الله عنها. قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(4) رواه مسلم (91). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(5) ((صحيح مسلم)) (1015).
(6) ((تحفة الأحوذي)) (8/ 334).

- الظاهرية
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجلَّ، من اسمه (الظاهر) الثابت بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3].
الدليل من السنة:
ما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وفيه: ((اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء)) (1).
المعنى:
فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظاهر بقوله: ((ليس فوقك شيء))، وليس بعد تفسيره تفسير، وقد نظرت في أغلب من فسَّرها فوجدتُهم كلَّهم يرجعون إلى تفسير النبي صلى الله عليه وسلم؛ فيا سبحان من أعطاه جوامع الكلم!
قال البيهقي في (الاعتقاد) بعد تفسير الظاهر والباطن: هما من صفات الذات (2) وانظر كلام ابن القيم في صفة (الأوليَّة) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص204
_________
(1) ((صحيح مسلم)) (2713).
(2) ((الاعتقاد)) (64).

- الظل
اعلم رحمني الله وإياك أنَّ الظل جاء تارة مضافاً إلى الله تعالى، وتارة مضافاً إلى العرش.
فقد روى: البخاري، ومسلم؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) (1) وروى مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أين المتحابون بجلالي؟ اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي)) (2).
وروى مسلم أيضاً من حديث أبي اليسر رضي الله عنه مرفوعاً: ((من أنظر معسراً أو وضع عنه؛ أظله الله في ظله)) (3) وستأتي الإضافة مفسرة بـ (ظل العرش) في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الإمام أحمد والترمذي.
وروى الإمام أحمد، والحاكم، والطبراني، وابن حبان من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((المتحابون في الله في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله)) (4) وروى الإمام أحمد، وابن أبي الدنيا؛ من حديث عبادة بن الصامت: ((حقت محبتي للمتحابين فيَّ والمتحابون في الله على منابر من نور في ظل العرش يوم لا ظل إلا ظله)) (5) وقال الألباني في (صحيح الجامع): (صحيح) (6) وروى الإمام أحمد، والدارمي، والبغوي؛ من حديث أبي قتادة رضي الله عنه: ((من نَفَّسَ عن غريمه أو محا عنه؛ كان في ظل العرش يوم القيامة)) (7) وصححه الألباني في (صحيح الجامع) (8) وروى الإمام أحمد في (المسند 8696 - شاكر)، والترمذي (صحيح سنن الترمذي 1052) واللفظ له؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((من أنظر معسراً، أو وضع له؛ أظلَّه الله يوم القيامة تحت ظل عرشه، يوم لا ظلَّ إلا ظِلُّه)) (9) وأورده الشيخ مقبل الوادعي في (الصحيح المسند مما ليس في الصحيحين) (10).
_________
(1) رواه البخاري (660)، ومسلم (1031).
(2) صحيح مسلم (2566).
(3) صحيح مسلم (3006).
(4) رواه أحمد في (5/ 328) (22834)، وابن حبان في (2/ 338)، والطبراني (20/ 79)، والحاكم في (4/ 187). وقال: هذا إسناد صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقال الألباني في ((صحيح الجامع)): صحيح.
(5) رواه أحمد في (5/ 236) (22117)، وابن أبي الدنيا في ((الأخوان)) (ص9).
(6) ((صحيح الجامع)) (4320).
(7) رواه أحمد (5/ 300) (22612)، والدارمي (2/ 340)، والبغوي في ((شرح السنة)) (4/ 349) وقال: هذا حديث حسن. وصححه الألباني كما سيأتي.
(8) ((صحيح الجامع)) (6576).
(9) رواه الترمذي (1306)، وأحمد (2/ 359). وقال الترمذي: حديث أبي هريرة حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(10) ((الصحيح المسند)) (1307) قال الوادعي بعد أن أورد حديث أحمد: هذا حديث صحيح رجاله رجال الصحيح. و (1461) قال الوادعي بعد أن أورد حديث الترمذي: هو صحيح على شرط مسلم.

معنى (الظل) الوارد في الأحاديث: قال الحافظ أبو عبد الله بن منده: بيان آخر يدل على أن العرش ظل يستظل فيه من يشاء الله من عباده، ثم ذكر بسنده إلى أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظل عرشي يوم لا ظل إلا ظلي)) (1)، ثم أورد حديث: ((سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) (2)، وكأنه رحمه الله يشير إلى أنَّ الظل في حديث السبعة هو ظل العرش الوارد في حديث المتحابين في الله وقال ابن عبد البر في (التمهيد) بعد أو أورد حديث ((سبعة في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله)): والظل في هذا الحديث يراد به الرحمة، والله أعلم، ومن رحمة الله الجنة، قال الله عَزَّ وجلَّ: أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا [الرعد:35]، وقال: وَظِلٍّ مَمْدُودٍ [الواقعة:30]، وقال: فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ [المرسلات:41] اهـ وقال البغوي في (شرح السنة 2/ 355) في شرح حديث السبعة: قيل: في قوله: ((يظلهم الله في ظله))؛ معناه: إدخاله إياهم في رحمته ورعايته، وقيل: المراد منه ظل العرش اهـ (3).
وقال الشيخ حافظ الحكمي في (معارج القبول) عند كلامه على عُلُو الله فوق عرشه ووصف العرش؛ قال: ومن ذلك النصوص الواردة في ذكر العرش وصفته، وإضافته غالباً إلى خالقه تبارك وتعالى فوقه، ثم ذكر بعض الآيات والأحاديث، إلى أن قال: وفيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((سبعة يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله)) اهـ (4) فأنت ترى أنَّ سياق الكلام يدل على أنَّ الظل عنده من صفات العرش وقال الحافظ ابن حجر في (الفتح) عند شرح حديث السبعة: قوله: ((في ظله))؛ قال عياض: إضافة الظل إلى الله إضافة ملك، وكل ظل؛ فهو ملكه كذا قال، وكان حقه أن يقول: إضافة تشريف؛ ليحصل امتياز هذا على غيره؛ كما قيل للكعبة: بيت الله، مع أنَّ المساجد كلها ملكه وقيل: المراد بظله: كرامته وحمايته؛ كما يقال: فلان في ظل الملك وهو قول عيسى بن دينار، وقوَّاه عياض وقيل: المراد ظل عرشه ويدل عليه حديث سلمان عند سعيد بن منصور بإسناد حسن: سبعة يظلهم الله في ظل عرشه (فذكر الحديث)، وإذا كان المراد ظل العرش؛ استلزم ما ذكر من كونهم في كنف الله وكرامته من غير عكس؛ فهو أرجح، وبه جزم القرطبي، ويؤيده أيضاً تقييد ذلك بيوم القيامة؛ كما صرح به ابن المبارك في روايته عن عبيد الله بن عمر، وهو عند المصنف في كتاب الحدود، وبهذا يندفع قول من قال: المراد ظل طوبى أو ظل الجنة؛ لأن ظلهما إنما يحصل لهم بعد الاستقرار في الجنة، ثم إنَّ ذلك مشترك لجميع من يدخلها، والسياق يدل على امتياز أصحاب الخصال المذكورة، فيرجح أنَّ المراد ظل العرش اهـ (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص205
_________
(1) ((التوحيد)) (3/ 190).
(2) رواه البخاري (660)، ومسلم (1031).
(3) ((التمهيد)) (2/ 282).
(4) ((معارج القبول)) (1/ 170).
(5) ((فتح الباري)) (2/ 144).

- العتاب أو العتب
صفةٌ فعليَّةٌ اختياريَّةٌ ثابتةٌ بالسنة الصحيحة كما يليق بربنا جلَّ وعلا.
الدليل:
حديث أبي بن كعب رضي الله عنه: ((قام موسى خطيباً في بني إسرائيل، فَسُئِل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم فَعَتَبَ الله عليه إذ لم يردَّ العلم إليه)) (1).
قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو يقص ما جرى بين النبي صلى الله عليه وسلم وزوجاته: ((فاعتزل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل ذلك الحديث حين أفشته حفصة إلى عائشة، وكان قد قال: ما أنا بداخل عليهن شهراً؛ من شدة موجدته عليهن حين عاتبه الله)) (2).
وفي (القاموس): يطلق العتاب على الموجِدَة والسخط والغضب واللوم.
قال أبو موسى المديني: وفي حديث أبيٍّ في ذكر موسى حين سئل: أي الناس أعلم؟ قال: أنا (فعتب الله عليه) العتبُ: أدنى الغضب اهـ (3) وهذا منه رحمه الله إثباتٌ لهذه الصفة بمعناها، وهو أدنى الغضب. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص209
_________
(1) رواه البخاري (122)، ومسلم (2380).
(2) رواه البخاري (2468)، ومسلم (1479).
(3) ((المجموع المغيث)) (2/ 400).

- العجب
صفةٌ من صفاتِ الله عَزَّ وجلَّ الفعليَّة الخبريَّة الثابتة له بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات: 12].
قال ابن جرير في (التفسير): قوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ؛ اختلفت القرَّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامة قرَّاء الكوفة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ بضم التاء من عَجِبْتَ؛ بمعنى: بل عظم عندي وكبر اتخاذهم لي شريكاً وتكذيبهم تَنْزيلي وهم يسخرون، وقرأ ذلك عامة قرَّاء المدينة والبصرة وبعض قرَّاء الكوفة عَجِبْتَ؛ بفتح التاء؛ بمعنى: بل عجبت أنت يا محمد ويسخرون من هذا القرآن.
والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان مشهورتان في قرَّاء الأمصار، فبأيتهما قرأ القارئ؛ فمصيب.
فإن قال قائل: وكيف يكون مصيباً القارئ بهما مع اختلاف معنييهما؟! قيل: إنهما وإن اختلف معنياهما؛ فكل واحد من معنييه صحيح، قد عجب محمد مما أعطاه الله من الفضل، وسخر منه أهل الشرك بالله، وقد عجِب ربنا من عظيم ما قاله المشركون في الله، وسَخِر المشركونَ مما قالوه اهـ.
وقال أبو زرعة عبدالرحمن بن زنجلة في كتابه (حجة القراءات): قرأ حمزة والكسائي: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ بضم التاء، وقرأ الباقون بفتح التاء، ثم قال: قال أبو عبيد: قوله: بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ؛ بالنصب: بل عجِبت يا محمد من جهلهم وتكذيبهم وهم يسخرون منك، ومن قرأ: عَجِبْتُ؛ فهو إخبار عن الله عَزَّ وجلَّ اهـ (1).
وقد صحت القراءة بالضم عن ابن مسعود رضي الله عنه كما سيأتي.
وقوله تعالى: وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ [الرعد: 5].
نقل ابن جرير في (تفسير) هذه الآية بإسناده إلى قتادة قوله: قوله: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ: إن عجِبت يا محمد؛ فعََجَبٌ قَوْلُهُمْ أَءذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ: عجِب الرحمن تبارك وتعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.
قال ابن زنجلة في (حجة القراءات) بعد ذكر قراءة بَلْ عَجِبْتُ بالضم: قال أبو عبيد: والشاهد لها مع هذه الأخبار قوله تعالى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ، فأخبر جل جلاله أنه عجيب (2).
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لقد عَجِبَ الله عَزَّ وجلَّ (أو: ضحك) من فلان وفلانة)) (3).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((عَجِبَ الله من قوم يدخلون الجنة في السلاسل)) (4).
روى الحاكم في (المستدرك)، ومن طريقه البيهقي في (الأسماء والصفات)؛ بسند صحيح عن الأعمش عن أبي وائل شقيق بن سلمة؛ قال: قرأ عبد الله (يعني: ابن مسعود) رضي الله عنه: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ قال شريح: إنَّ الله لا يعجب من شيء، إنما يعجب من لا يعلم قال الأعمش: فذكرت لإبراهيم، فقال: إنَّ شريحاً كان يعجبه رأيه، إنَّ عبدالله كان أعلم من شريح، وكان عبد الله يقرأها: بَلْ عَجِبْتُ (5) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.
قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد أن ذكر ثلاثة أحاديث في إثبات صفة العَجَب: اعلم أنَّ الكلام في هذا الحديث (يعني: الثالث) كالكلام في الذي قبله، وأنه لا يمتنع إطلاق ذلك عليه وحمله على ظاهره؛ إذ ليس في ذلك ما يحيل صفاته، ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأنا لا نثبت عَجَبَاً هو تعظيم لأمر دَهَمَه استعظمه لم يكن عالماً به؛ لأنه مما لا يليق بصفاته، بل نثبت ذلك صفة كما أثبتنا غيرها من صفاته (6).
وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: وقال قوم: لا يوصف الله بأنه يَعْجَبُ؛ لأن العَجَب ممَّن يعلم ما لم يكن يعلم، واحتج مثبت هذه الصفة بالحديث، وبقراءة أهل الكوفة: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ؛ على أنه إخبار من الله عَزَّ وجلَّ عن نفسه (7).
وقال ابن أبي عاصم في (السنة): باب: في تَعَجُّبِ ربنا من بعض ما يصنع عباده مما يتقرب به إليه، ثم سرد جملة من الأحاديث التي تثبت هذه الصفة لله عَزَّ وجلَّ (8).
وانظر إن شئت: (مجموع الفتاوى) لشيخ الإسلام ابن تيمية (9). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص210
_________
(1) ((حجة القراءات)) (ص: 606).
(2) ((حجة القراءت)) (ص: 607).
(3) رواه البخاري (4889)، ومسلم (2054) بلفظ: ((قد عَجِب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة)).
(4) رواه البخاري (3010).
(5) رواه الحاكم (2/ 466)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 415).
(6) ((إبطال التأويلات)) (ص245).
(7) ((الحجة)) (2/ 457).
(8) ((السنة)) (1/ 249).
(9) ((مجموع الفتاوى)) (4/ 181، 6/ 123و124).

- العدل
صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالأحاديث الصحيحة.
الدليل:
ما رواه البخاري، ومسلم؛ من حديث ابن مسعود رضي الله عنه، وقوله صلى الله عليه وسلم للذي قال: والله؛ إنَّ هذه قسمة ما عدل فيها قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فمَن يعدل إذا لم يَعْدِل الله ورسوله)) (1).
قال ابن القيم (2):
والعَدْلُ مِنْ أوْصَافِهِ فِي فِعْلِهِ ... وَمَقَالِهِ وَالحُكْمِ فِي المِيزانِ
قال الهرَّاس: وهو سبحانه موصوف بالعدل في فعله، فأفعاله كلها جارية على سنن العدل والاستقامة، ليس فيها شائبة جور أصلاً؛ فهي دائرة كلها بين الفضل والرحمة، وبين العدل والحكمة اهـ.
وقد عدَّ بعضهم (العدل) من أسماء الله تعالى، وليس معهم في ذلك دليل، والصواب أنه ليس اسماً له، بل هو صفة. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص213
_________
(1) رواه البخاري (3150)، ومسلم (1062).
(2) ((القصيدة النونية)) (2/ 98).

- العز والعزة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله تعالى بالكتاب والسنة، و (العزيز) و (الأعز) من أسماء الله عَزَّ وجلَّ
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [البقرة: 129].
وقوله: وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ [آل عمران: 26].
وقوله: فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [النساء: 139]، إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا [يونس: 65]، فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر: 10]، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون: 8]
الدليل من السنة:
حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((العز إزاره والكبرياء رداؤه فمن ينازعني عذبته)) (1).
حديث ابن عباس رضي الله عنه: ((اللهم أعوذ بعِزَّتك)) (2).
حديث أنس رضي الله عنه: ((لا تزال جهنم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع رب العِزَّة فيها قدمه، فتقول: قط قط وعِزَّتك، ويزوي بعضها إلى بعض)) (3).
أثر عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنهما كانا يقولان في السعي بين الصفا والمروة: (رب اغفر وارحم، وتجاوز عمَّا تعلم؛ إنك أنت الأعزُّ الأكرم) (4).
قلت: فثبت بذلك أنَّ (الأعز) من أسماء الله الثابتة بالسنة؛ فهذا مما لا يقال بالرأي، و (الأكرم) ثابت بالكتاب والسنة انظر صفة (الكرم).
المعنى:
بوب البخاري الباب الثاني عشر من كتاب الأيمان والنذور بقوله: باب الحلف بعِزَّة الله وصفاته وكلماته، وفي كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ، سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ، ومن حلف بعِزَّة الله وصفاته.
فأنت ترى أنه يثبت صفة العِزَّة لله عَزَّ وجلَّ، ولذلك قال الحافظ: والذي يظهر أنَّ مراد البخاري بالترجمة إثبات العِزَّة لله، رادّاً على من قال: إنه عزيز بلا عِزَّة؛ كما قالوا: العليم بلا علم (5).
قال الشيخ الغنيمان حفظه الله تعقيباً: قلت: لا يقصد إثبات العِزَّة بخصوصها، بل مع سائر الصفات؛ كما هو ظاهر (6).
وقال الغنيمان أيضاً: والعِزَّة من صفات ذاته تعالى التي لا تنفك عنه، فغلب بعِزَّته، وقهر بها كل شيء، وكل عِزَّة حصلت لخلقه؛ فهي منه اهـ (7).
ومعنى (العِزَّة)؛ أي: المنعة والغلبة، ومنه قوله تعالى: وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ؛ أي: غَلَبني وقهرني، ومن أمثال العرب: (من عزَّ بزَّ)؛ أي: من غلب استلب (8). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص214
_________
(1) رواه مسلم (2620).
(2) رواه البخاري (7383)، ومسلم (2717).
(3) رواه البخاري (6661)، ومسلم (2848).
(4) رواه ابن أبي شيبة (3/ 420)، والطبراني في ((الدعاء)) (870)، والبيهقي (5/ 95). موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه. وقال العراقي في ((المغني)) (1/ 424): إسناده صحيح. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 401 - 402): موقوف صحيح الإسناد. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 420) موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الألباني - رحمه الله - في ((مناسك الحج والعمرة)) (ص28): رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما بإسنادين صحيحين. والحديث رواه الطبراني في ((الأوسط)) (3/ 147) مرفوعاً بسند ضعيف من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. انظر: ((مجمع الزوائد)) (3/ 248)، و ((تلخيص الحبير)) (2/ 251).
(5) ((فتح الباري)) (13/ 370).
(6) ((شرح كتاب التوحيد)) (1/ 150).
(7) ((شرح كتاب التوحيد)) (1/ 149).
(8) انظر: ((معاني القرآن الكريم)) للنحاس (2/ 219).

- العزم
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالسنة الصحيحة
الدليل:
حديث أم سلمة رضي الله عنه في (صحيح مسلم)؛ قالت: ((فلما توفي أبو سلمة؛ قلت: من خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم عَزَمَ الله لي، فقلتها قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم)) (1).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وهل يجوز وصفه بالعَزْم؟ فيه قولان: أحدهما: المنع؛ كقول القاضي أبي بكر والقاضي أبي يعلى، والثاني: الجواز، وهو أصح؛ فقد قرأ جماعة من السلف: فَإِذَا عَزَمْتُ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ [آل عمران:159]؛ بالضم، وفي الحديث الصحيح من حديث أم سلمة: (ثم عَزَمَ الله لي)، وكذلك في خطبة مسلم: (فعَزَمَ لي) اهـ (2).
يعني ابن تيمية بخطبة الإمام مسلم قوله في المقدمة: وللذي سألتَ أكرمك الله حين رجعتُ إلى تدبره وما تؤول به الحال إن شاء الله عاقبةٌ محمودةٌ، ومنفعةٌ موجودةٌ، وظننتُ حين سألتني تجشُّم ذلك أن لو عُزِم لي، عليه وقُضِي لي تمامُه، كان أوَّلُ من يصيبه نفعُ ذلك إياي خاصةً قبل غيري من الناس لأسباب كثيرة يطول بذكرها الوصف اهـ ­­فقوله: (لو عُزِم لي) أي لو عَزَمَ الله لي.
قلت: والعَزْمُ في حق المخلوقين عقد القلب على إمضاء الأمر، ولا نقول في حق الله: كيف؟ بل نثبته على وجه يليق بجلاله وعظمته، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ومعناه في اللغة: الجد وإرادة الفعل. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص216
_________
(1) رواه مسلم (918) (5).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (16/ 303).

- العطاء والمنع
صفتان فعليتان لله عَزَّ وجلَّ ثابتتان بالكتاب والسنة، و (المعطي) من أسماء الله عَزَّ وجلَّ.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ [الكوثر: 1].
وقوله: قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [طه: 50].
الدليل من السنة:
حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: ((من يرد الله به خيراً؛ يفقهه في الدين، وإنما أنا قاسم، ويعطي الله)) (1).
وفي رواية عند البخاري: ((والله المعطي وأنا القاسم)) (2).
الحديث المشهور: ((اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت)) (3).
قال ابن منظور في (لسان العرب): المانع: من صفات الله تعالى له معنيان:
أحدهما: ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((اللهم لا مانع لما أعطيت ولا مُعْطي لما منعت)) (4)، فكان عَزَّ وجلَّ يُعطي من استحق العطاء، ويمنع من لم يستحق إلا المنع، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، وهو العادل في جميع ذلك.
والمعنى الثاني: أنه تبارك وتعالى يمنع أهل دينه؛ أي: يَحُوطُهم وينصرهم وقيل: يمنع من يريد من خلقه ما يريد، ويعطيه ما يريد ومن هذا يقال: فلان في مَنَعَةٍ؛ أي: في قوم يمنعونه ويحمونه، وهذا المعنى في صفة الله جل جلاله بالغ؛ إذ لا منعة لمن لم يمنعه الله، ولا يمتنع من لم يكن الله له مانعاً. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص217
_________
(1) رواه البخاري (7312)، ومسلم (1037) (100).
(2) رواه البخاري (3116).
(3) رواه البخاري (844)، ومسلم (593). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(4) رواه البخاري (844)، ومسلم (593). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

- العظمة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، والعظيم اسم من أسمائه.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].
وقوله: فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة: 96، الحاقة: 52].
وقوله: إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة: 33].
الدليل من السنة:
حديث أنس رضي الله عنه في الشفاعة، وفيه: ((فيقال لي: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع لك، واشفع تشفع فأقول: يا رب! فيمن قال: لا إله إلا الله والله أكبر فيقول: وعزتي وجلالي وعظمتي؛ لأخرجن منها من قال: لا إله إلا الله)) (1).
حديث ابن عباس رضي الله عنه في دعاء الكرب: ((لا إله إلا الله العظيم الحليم)) (2).
قال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: ومن أسمائه تعالى العظيم: العَظَمَة صفة من صفات الله، لا يقوم لها خلق، والله تعالى خلق بين الخلق عظمة يعظم بها بعضهم بعضاً، فمن الناس من يعظم لمال، ومنهم من يعظم لفضل، ومنهم من يعظم لعلم، ومنهم من يعظم لسلطان، ومنهم من يعظم لجاه، وكل واحد من الخلق إنما يعظم لمعنى دون معنى، والله عَزَّ وجلَّ يعظم في الأحوال كلها (3).
وقال الأزهري: ومن صفات الله عَزَّ وجلَّ: العلي العظيم وعظمة الله لا تُكيَّف ولا تُحدُّ ولا تُمثَّل بشيء، ويجب على العباد أن يعلموا أنه عظيم كما وصف نفسه، وفوق ذلك؛ بلا كيفية ولا تحديد اهـ (4).
وانظر كلام ابن كثير في صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص219
_________
(1) رواه البخاري (7510)، ومسلم (193).
(2) رواه البخاري (7431)، ومسلم (2730).
(3) ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 130).
(4) ((تهذيب اللغة)) (2/ 303).

- العفو والمعافاة
صفةٌ فعليَّةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ له بالكتاب والسنة، ومعناها الصفح عن الذنوب، و (العَفُوُّ) اسم لله تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الله كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء: 43].
وقوله: عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهمْ [التوبة: 43].
الدليل من السنة:
حديث الدعاء على الجنازة: ((اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه واعف عنه)) (1).
حديث عائشة رضي الله عنها: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك)) (2) ولا يستعاذ إلا بالله أو بصفة من صفاته.
قال الأزهري: قال أبو بكر بن الأنباري: الأصل في قوله جلَّ وعزَّ: عَفَا الله عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهمْ: محا الله عنك؛ مأخوذ من قولهم: عفت الرياح الآثار: إذا درستها ومحتها (3).
وقال ابن القيم (4):
وَهُوَ العَفُوُّ فَعَفْوُهُ وَسِعَ الوَرَى ... لَوْلاَهُ غَارَ الأرْضُ بِالسُّكَّانِ
وقال السعدي: العفو، الغفور، الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً (5). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص220
_________
(1) رواه مسلم (963). من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (486).
(3) ((تهذيب اللغة)) (3/ 222).
(4) ((القصيدة النونية)) (2/ 81).
(5) ((التفسير)) (5/ 300).

- العلم
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، ومن أسمائه (العليم).
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ [الأنعام: 73، الرعد: 9، التغابن: 18].
وقوله: وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ [البقرة: 255].
وقوله: وَأَنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَليمٌ [المائدة: 97].
وقوله: إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 116].
الدليل من السنة:
حديث الاستخارة: ((اللهم إني أستخيرك بعلمك)) (1).
حديث أبي بن كعب رضي الله عنه وقول الخضِر لموسى عليهما السلام: ((إنك على علمٍ من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علمٍ من علم الله علمنيه لا تعلمه)) (2).
والأدلة لإثبات هذه الصفة كثيرة جداً.
قال البخاري في (صحيحه) كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا، وإِنَّ الله عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ، وأَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ، وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ، إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ.
قال الشيخ الغنيمان: أراد البخاري رحمه الله بيان ثبوت علم الله تعالى، وعلمه تعالى من لوازم نفسه المقدسة، وبراهين علمه تعالى ظاهرة مشاهدة في خلقه وشرعه، ومعلوم عند كل عاقل أنَّ الخلق يستلزم الإرادة، ولا بدَّ للإرادة من علم بالمراد؛ كما قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ، ثم قال: والأدلة على وصف الله بالعلم كثيرة، ولا ينكرها إلا ضال أو معاند مكابر اهـ (3).
قال الإمام أحمد: إذا قال الرجل: العلم مخلوق؛ فهو كافر، لأنه يزعم أنَّ الله لم يكن له علم حتى خلقه.
وقال: وهو يعلم ما في السماوات السبع، والأرضين السبع، وما بينهما، وما تحت الثرى، وما في قعر البحار، ومنبت كل شعرة وكل شجرة وكل زرع وكل نبات، ومسقط كل ورقة، وعدد ذلك، وعدد الحصى والرمل والتراب، ومثاقيل الجبال، وأعمال العباد وآثارهم، وكلامهم، وأنفاسهم، ويعلم كل شيء، لا يخفى عليه من ذلك شيء، وهو على العرش فوق السماء السابعة (4). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص221
_________
(1) رواه البخاري (1162).
(2) رواه البخاري (122)، ومسلم (2380).
(3) ((شرح كتاب التوحيد)) (1/ 103).
(4) انظر: ((المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد بن حنبل في العقيدة)) (1/ 283، 284).

- العلو والفوقية
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، ومن أسمائه (العلي) و (الأعلى) و (المتعال).
والعُلُوُ ثلاثة أقسام:
1 - عُلُوُ شأن انظر صفة: (العَظَمَة) و (الجلال).
2 - عُلُوُ قهر انظر صفة (القهر).
3 - عُلُوُ فَوْقِيَّة (عُلُوُ ذات).
وأهل السنة والجماعة يعتقدون أنَّ الله فوق جميع مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، في سمائه، عالياً على خلقه، بائناً منهم، يعلم أعمالهم ويسمع أقوالهم ويرى حركاتهم وسكناتهم لا تخفى عليه خافية.
الدليل من الكتاب:
الأدلة من الكتاب كثيرة جداً ومن ذلك:
قوله تعالى: وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة: 255].
وقوله: سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى: 1].
وقوله: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9].
وقوله: وَهوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18].
وقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل: 50]
وقوله: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ [الملك:16].
الدليل من السنة:
والأدلة من السنة أيضاً كثيرة جداً منها:
حديث: ((ألا تأمنوني وأنا أمين مَن في السماء؟!)) (1).
حديث النزول إلى السماء الدنيا كل ليلة (2).
حديث: ((أين الله)) قالت: في السماء قال: ((من أنا؟)) قالت: أنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أعتقها فإنها مؤمنة)) (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص223
الدليل من أقوال الصحابة والتابعين والعلماء:
عن مجاهد قال: (قيل لابن عباس إن ناسا يقولون في القدر قال: يكذبون بالكتاب لئن أخذت بشعر أحدهم لأنصونه إن الله كان على عرشه قبل أن يخلق شيئا فخلق الخلق فكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه) (4).
عن ابن عباس قال: (الكرسي موضع القدمين والعرش لا يقدر أحد قدره).
عن قيس قال: (لما قدم عمر رضي الله عنه الشام استقبله الناس وهو على بعيره فقالوا: يا أمير المؤمنين لو ركبت برذونا يلقاك عظماء الناس ووجوههم؟ فقال عمر رضي الله عنه: ألا أريكم ههنا إنما الأمر من ههنا فأشار بيده إلى السماء) (5).
عائشة رضي الله عنها قالت: (وايم الله إني لأخشى لو كنت أحب قتله لقتلت - يعني عثمان رضي الله عنه - ولكن علم الله فوق عرشه أني لم أحب قتله) (6). مختصر العلو لمحمد بن ناصر الدين الألباني- ص95 فما بعدها
_________
(1) رواه البخاري (4351)، ومسلم (1064). من حديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (1145)، ومسلم (758). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (537).
(4) رواه ابن بطة في ((الإبانة)) (كتاب القدر) (1/ 338)، والذهبي في ((العلو)) (57)، وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (ص29): صحيح.
(5) رواه ابن أبي شيبة (5/ 9)، والخلال في ((السنة)) (2/ 317)، والذهبي في ((العلو)) (ص77) وقال: إسناده كالشمس. وقال الألباني في ((مختصر العلو)) (ص46): إسناده صحيح على شرط الشيخين.
(6) رواه عبد الرزاق في ((المصنف)) (11/ 447)، والبخاري في ((خلق أفعال العباد)) (148)، والدارمي في ((الرد على الجهمية)) (83). قال الألباني في ((مختصر العلو)) (ص52): صحيح.

- العمل والفعل
وهما صفتان ثابتتان لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَيَفْعَلُ الله مَا يَشَاءُ [إبراهيم: 27].
وقوله تعالى: إِنَّ الله يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ [الحج: 14].
وقوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [يس: 17].
الدليل من السنة:
حديث أم رومان وهي أم عائشة رضي الله عنهما قالت: ((بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت فَعَلَ الله بفلان وفعل)) (1).
قال ابن منظور في لسان العرب: الفعل كنايةٌ عن كل عَمَلٍ مُتَعَدٍ أو غير مُتَعَدٍ.
قال البخاري في (خلق أفعال العباد): واختلف الناس في الفاعل والمفعول والفعل فقالت القدرية الأفاعيل كلها من البشر ليست من الله، وقالت الجبرية الأفاعيل كلها من الله، وقالت الجهمية الفعل والمفعول واحد لذلك قالوا لكن مخلوق، وقال أهل العلم التخليق فعل الله وأفاعيلنا مخلوقة لقوله تعالى: وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَق يعني السِّرَّ والجهرَ من القول ففعل الله صفة الله والمفعول غيره (2).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ووصف نفسه بالعمل فقال أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [يس:71] ووصف عبده بالعمل فقال جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [السجدة:17] وليس العمل كالعمل اهـ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص224
_________
(1) رواه البخاري (4143).
(2) ((خلق أفعال العباد)) (1/ 114).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 14).

- العين
صفةٌ ذاتيةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، وأهل السنة والجماعة يعتقدون أنَّ الله يبصر بعين، كما يعتقدون أن، الله عَزَّ وجلَّ له عينان تليقان به؛ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا [هود: 37].
وقوله: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه: 39].
وقوله: وَاصْبِرْ لِحُكمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا [الطور: 48].
الدليل من السنة:
روى أبو داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ هذه الآية إِنَّ الله كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا، فَوَضَعَ إبْهَامَهُ عَلَى أذنه، والتي تليها على عينيه)) (1).
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ((إنَّ الله لا يخفى عليكم إنَّ الله ليس بأعور (وأشار إلى عينيه)، وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، كأن عينه عنبة طافية)) (2).
قال ابن خزيمة في (كتاب التوحيد) بعد أن ذكر جملة من الآيات تثبت صفة العين: فواجب على كل مؤمن أن يثبت لخالقه وبارئه ما ثبَّت الخالق البارئ لنفسه من العين، وغير مؤمن من ينفي عن الله تبارك وتعالى ما قد ثبَّته الله في محكم تَنْزيله ببيان النبي صلى الله عليه الذي جعله الله مبيِّناً عنه عَزَّ وجلَّ في قوله: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن لله عينين فكان بيانه موافقاً لبيان محكم التَنْزيل، الذي هو مسطور بين الدفتين، مقروء في المحاريب والكتاتيب (3).
وقال: نحن نقول: لربنا الخالق عينان يبصر بهما ما تحت الثرى وتحت الأرض السابعة السفلى، وما في السماوات العلى اهـ (4).
وبوَّب الَّلالَكَائي في (أصول الاعتقاد) بقوله: سياق ما دل من كتاب الله عَزَّ وجلَّ وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على أن صفات الله عَزَّ وجلَّ الوجه والعينين واليدين اهـ (5).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: قوله: ((إن الله ليس بأعور)): هذه الجملة هي المقصودة من الحديث في هذا الباب؛ فهذا يدل على أن لله عينين حقيقة؛ لأن العور فقدُ أحد العينين أو ذهاب نورها اهـ (6).
وقال الشيخ ابن عثيمين: وأجمع أهل السنة على أن العينين اثنتان، ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وسلم في الدجَّال: ((إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور)) اهـ (7).
وله - رحمه الله - إجابة مطولة حول هذه الصفة، وإثبات أن لله عينين في (مجموع الفتاوى) (8)؛ فلتراجع.
وانظر كلام البغوي في صفة (الأصابع)، وكلام ابن كثير في صفة (السمع). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص226
_________
(1) رواه أبو داود (4728). وسكت عنه، وقال ابن حجر في ((فتح الباري)) (13/ 385): إسناده قوي على شرط مسلم. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): إسناده صحيح.
(2) رواه البخاري (7407).
(3) ((التوحيد)) (1/ 97).
(4) ((التوحيد)) (1/ 114).
(5) ((أصول الاعتقاد)) (3/ 412).
(6) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 285).
(7) ((عقيدة أهل السنة والجماعة)) (ص12).
(8) (3/ 41 - 50) الطبعة الأولى.

- الغضب
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنْ الصَّادِقِينَ [النور: 9].
وقوله: كلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَلا تَطْغَوْا فِيهِ فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي وَمَنْ يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَى [طه: 81].
وقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ الله عَلَيْهِمْ [الممتحنة: 13].
الدليل من السنة:
حديث: ((إنَّ رحمتي غلبت غضبي)) (1).
حديث الشفاعة الطويل، وفيه: ((إن ربي قد غضب اليوم غضباً لم يغضب قبله مثله، ولن يغضب بعده مثله)) (2).
وأهل السنة والجماعة يثبتون صفة الغضب لله عَزَّ وجلَّ بوجه يليق بجلاله وعظمته، لا يكيفون ولا يشبهون ولا يؤولون؛ كمن يقول: الغضب إرادة العقاب، ولا يعطلون، بل يقولون: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ.
قال الطحاوي في (عقيدته) المشهورة: والله يغضب ويرضى لا كأحدٍ من الورى.
قال الشارح ابن أبي العز الحنفي: ومذهب السلف وسائر الأئمة إثبات صفة الغضب والرضى والعداوة والولاية والحب والبغض ونحو ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب والسنة اهـ.
وقال قوَّام السُّنَّة الأصبهاني: قال علماؤنا: يوصف الله بالغضب، ولا يوصف بالغيظ (3). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص228
_________
(1) رواه البخاري (3194) واللفظ له، ومسلم (2751). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (3340)، ومسلم (194). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) ((الحجة في بيان المحجة)) (2/ 457).

- الغلبة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة؛ فالله غالب على أمره، ولا غالب له
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: كَتَبَ الله لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي [المجادلة: 21].
وقوله: وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ [يوسف: 21].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: ((لا إله إلا الله وحده، أعَزَّ جنده، ونصر عبده، وغلب الأحزاب وحده؛ فلا شيء بعده)) (1).
والغلبة بمعنى القهر؛ كما في (القاموس)، والله سبحانه وتعالى يتصف بالقهر، ومن أسمائه (القاهر) و (القهار)؛ كما سيأتي.
ومعنى: لأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي؛ أي: لأنتصرن أنا ورسلي.
وَالله غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ؛ قال السعدي: أي: أمره تعالى نافذ؛ لا يبطله مبطل، ولا يغلبه مغالب اهـ.
(غلب الأحزاب وحده)؛ أي: قهرهم وهزمهم وحده.
وقد عدَّ بعضُ العلماء (الغالب) من أسماء الله تعالى، وفيه نظر. صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص229
_________
(1) رواه البخاري (4114)، ومسلم (2724).

- الغنى
صفةٌ ذاتيَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، و (الغني) من أسماء الله تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَالله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ [فاطر: 15].
وقوله: وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ [التوبة: 28].
وقوله: وَوَجَدَكَ عَائِلاً فَأَغْنَى [الضحى: 8].
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((بينا أيوب عليه السلام يغتسل عرياناً فناداه ربه عَزَّ وجلَّ: يا أيوب! ألم أكن أغنيتك عما ترى؟ قال: بلى وعِزَّتِكَ)) (1).
حديث: ((ومن يستعفف؛ يعفه الله، ومن يستغن؛ يغنه الله)) (2).
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((قال الله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك)) (3).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - كما في طريق الهجرتين لابن القيم (4) -:
والفَقْرُ لِي وَصْفُ ذَاتٍ لاَزِمٌ أبَداً ... كَمَا أَنَّ الغِنى أَبداً وَصْفٌ لَهُ ذَاتِي
وقال ابن القيم في (النونية) (5):
وَهُوَ الغَنِيُّ بِذَاتِهِ فَغِنَاهُ ذَا ... تِيٌّ لَهُ كَالجُود وَالإحْسَانِ
قال الشيخ الهرَّاس في (الشرح): ومن أسمائه الحسنى (الغني)؛ فله سبحانه الغنى التام المطلق من كل وجه؛ بحيث لا تشوبه شائبة فقر وحاجة أصلاً، وذلك لأن غناه وصف لازم له، لا ينفك عنه؛ لأنه مقتضى ذاته، وما بالذات لا يمكن أن يزول؛ فيمتنع أن يكون إلا غنيَّاً كما يمتنع أن يكون إلا جواداً محسناً برَّاً رحيماً كريماً اهـ وانظر كلام الزجاجي في: صفة (الواسع). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص230
_________
(1) رواه البخاري (279).
(2) رواه البخاري (1469)، ومسلم (1053).
(3) رواه مسلم (2985).
(4) ((طرق الهجرتين)) (6).
(5) ((القصيدة النونية)) (2/ 74).

- الغيرة
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بالغَيْرة، وهي صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ تليق بجلاله وعظمته، لا تشبه غَيْرَةَ المخلوق، ولا ندري كيف: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إن الله تعالى يغار، وغيرة الله تعالى أن يأتي المرء ما حرَّم الله عليه)) (1).
حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه: ((أتعجبون من غيرة سعد؟ فوالله لأنا أغير، واللهُ أغير مني، من أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا شخصٌ أغير من الله)) (2) رواه البخاري ومسلم.
قال البخاري في (صحيحه) كتاب التوحيد، باب 20: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا شخص أغير من الله)).
قال الشيخ الغنيمان في (الشرح): وغيرة الله تعالى من جنس صفاته التي يختص بها؛ فهي ليست مماثلة لغيرة المخلوق، بل هي صفة تليق بعظمته؛ مثل الغضب والرضى ونحو ذلك من خصائصه التي لا يشاركه الخلق فيها.
وقال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد ذكر الحديثين السابقين: اعلم أن الكلام في هذا الخبر في فصلين:
أحدهما: إطلاق صفة الغَيْرة عليه.
والثاني: في إطلاق الشخص.
أما الغيرة؛ فغير ممتنع إطلاقها عليه سبحانه؛ لأنه ليس في ذلك ما يحيل صفاته ولا يخرجها عما تستحقه؛ لأن الغيرة هي الكراهية للشيء، وذلك جائز في صفاته قال تعالى: وَلَكِن كَرِهَ اللهُ انبِعَاثَهُمْ [التوبة: 46] اهـ (3).
وقال الحافظ ابن القيم: إنَّ الغيرة تتضمن البغض والكراهة، فأخبر أنَّه لا أحد أغير منه، وأنَّ من غَيْرته حرَّم الفواحش، ولا أحد أحب إليه المدحة منه، والغيرةُ عند المعطلة النفاة من الكيفيات النفسية، كالحياء والفرح والغضب والسخط والمقت والكراهية، فيستحيل وصفه عندهم بذلك، ومعلومٌ أنَّ هذه الصفات من صفات الكمال المحمودة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً، وأضدادها مذمومة عقلاً وشرعاً وعرفاً وفطرةً، فإنَّ الذي لا يغار بل تستوي عنده الفاحشةُ وتركها؛ مذمومٌ غايةَ الذمِّ مستحقٌ للذمِّ القبيح اهـ (4).
وانظر: (مجموع الفتاوى) لابن تيمية (5) حيث نقل كلام شيخ الحرمين الكرجي في إثبات جملة من صفات الله عَزَّ وجلَّ، منها صفة (الغَيْرة). صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص232
_________
(1) رواه البخاري (5223)، ومسلم (2761).
(2) رواه البخاري (7416)، ومسلم واللفظ له (1499).
(3) ((إبطال التأويلات)) (1/ 165).
(4) ((الصواعق المرسلة)) (4/ 1497).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (4/ 181)، (6/ 119 - 120).

- الفتح
صفةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (الفتاح) اسم من أسمائه تعالى.
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ [سبأ: 26]
وقوله: رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ [الأعراف: 89]
قوله: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا [فاطر:2]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((اللهم احبسها علينا (يعني: الشمس)، فحبست حتى فتح الله عليه)) (1)
حديث سهل بن سعد - رضي الله عنه - سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول يوم خيبر: ((لأعطين الراية رجلا يفتح الله على يديه)) (2)
قال ابن القيم (3):
وكذلك الفتَّاح مِنْ أسْمَائِهِ ... والفَتْحُ فِي أوْصَافِهِ أمْرَانِ
فتحٌ بحُكْمٍ وهو شرعُ إلهِنَا ... والفتحُ بالأقْدارِ فَتْحٌ ثانِ
والرَّبُ فَتَّاحٌ بِذين كليْهِمَا ... عدْلاً وإحْسَاناً مِنَ الرَّحْمنِ
والفتح بمعنى الحكم والقضاء كما في الآية الثانية، والفتح ضد الغلق كما في الآية الثالثة، والفتح بمعنى النصر كما في الحديثين السابقين صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص233
_________
(1) رواه البخاري (3124)، ومسلم (1747).
(2) رواه البخاري (2942)، ومسلم (2406).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 100).

- الفرح
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالأحاديث الصحيحة
الدليل:
حديث: ((لله أفرح بتوبة عبده - وفي لفظٍ - أشد فرحاً)) (1)
قال أبو إسماعيل الصابوني: وكذلك يقولون في جميع الصفات (أي: الإثبات) التي نزل بذكرها القرآن، ووردت بها الأخبار الصحاح من السمع والبصر والعين والفرح والضحك وغيرها اهـ (2)
وقال الشيخ محمد خليل الهرَّاس في شرحه للعقيدة الواسطية عند شرحه لهذا الحديث: وفي هذا الحديث إثبات صفة الفرح لله عَزَّ وجلَّ، والكلام فيه كالكلام في غيره من الصفات؛ أنه صفة حقيقية لله عَزَّ وجلَّ، على ما يليق به، وهو من صفات الفعل التابعة لمشيئته تعالى وقدرته، فيحْدُث له هذا المعنى المعبَّر عنه بالفرح عندما يُحدِثُ عبدُهُ التوبةَ والإنابَةَ إليه، وهو مستلزمٌ لرضاه عن عبده التائب، وقبوله توبته وإذا كان الفرح في المخلوق على أنواع؛ فقد يكون فرح خفة وسرور وطرب وقد يكون فرح أشر وبطرٍ؛ فالله عَزَّ وجلَّ مُنَزَّه عن ذلك كله، ففرحهُ لا يشبه فرح أحد من خلقه؛ لا في ذاته، ولا في أسبابه، ولا في غاياته؛ فسببه كمال رحمته وإحسانه التي يحب من عباده أن يتعرَّضوا لها، وغايته إتمام نعمته على التائبين المنيبين وأما تفسير الفرح بلازمه، وهو الرضى، وتفسير الرضى بإرادة الثواب؛ فكل ذلك نفيُ وتعطيلٌ لفرحه ورضاه سبحانه، أوجبه سوءُ ظنِّ هؤلاء المعطِّلة بربهم، حيث توهَّموا أن هذه المعاني تكون فيه كما هي في المخلوق، تعالى الله عن تشبيههم وتعطيلهم اهـ (3)
وممَّن أثبت صفة (الفرح) من السلف: الدارمي، وابن قتيبة، وأبو يعلى الفراء انظر: صفة (البشبشة)
وانظر كلام البغوي في صفة (الأصابع) وكلام ابن كثير في صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص234
_________
(1) رواه البخاري (6308)، ومسلم (2744) بلفظ: ((لله أشد فرحا)). من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. والحديث روي بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة، وأنس بن مالك، والبراء بن عازب، والنعمان بن بشير رضي الله عنهم أجمعين.
(2) ((عقيدة السلف أصحاب الحديث)) (ص5).
(3) ((شرح العقيدة الواسطية)) (166).

- الفطر
من صفات أفعاله تعالى أنه فَطَرَ الخلق، وهو فاطر السماوات والأرض، وهذا ثابت بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَولَ مَرَّةٍ [الإسراء: 51]
وقوله: فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ [الروم: 30]
وقوله: الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [فاطر: 1]
وقوله: إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف: 27]
الدليل من السنة:
حديث: ((اللهم رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض)) (1)
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً)) (2)
المعنى:
فَطَرَ؛ أي: شَقَّ، والفَطْر: الابتداء والاختراع، فطركم أول مرة؛ أي: ابتدأ خلقكم، فطر السماوات والأرض؛ أي: شقهما وفتقهما بعد أن كانتا رتقاً، وهو مبدعها ومبتدئها وخالقها انظر كتب التفسير، و (النهاية) لابن الأثير صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص236
_________
(1) رواه مسلم (770).
(2) رواه مسلم (771).

- القبض والطي
صفتان فعليتان خبريَّتان لله عَزَّ وجلَّ، ثابتتان بالكتاب والسنة، و (القابض) من أسماء الله تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَالله يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة: 245]
قوله تعالى: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه)) (1)
قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) بعد ذكر حديث: ((إن الله خلق آدم من قبضة قبضها)): اعلم أنه غير ممتنع إطلاق القبض عليه سبحانه، وإضافتها إلى الصفة التي هي اليد التي خلق بها آدم؛ لأنه مخلوق باليد من هذه القبضة، فدلَّ على أنها قبضةٌ باليد، وفي جواز إطلاق ذلك أنه ليس في ذلك ما يُحيل صفاته ولا يُخرجها عما تستحقه اهـ (2)
وقال ابن القيم: ورد لفظ (اليد) في القرآن والسنة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مائة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقة من الإمساك والطي والقبض والبسط (3)
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: قوله: ((يقبض الله الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه)): القبض: هو أخذ الشيء باليد وجمعه، والطي: هو ملاقاة الشيء بعضه على بعض وجمعه، وهو قريب من القبض وهذا من صفات الله تعالى الاختيارية، التي تتعلق بمشيئته وإرادته، وهي ثابتةٌ بآيات كثيرة وأحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي مما يجب الإيمان به؛ لأن ذلك داخل في الإيمان بالله تعالى، ويحرم تأويلها المخرج لمعانيها عن ظاهرها، وقد دلَّ على ثبوتها لله تعالى العقل أيضاً؛ فإنه لا يمكن لمن نفاها إثبات أن الله هو الخالق لهذا الكون المشاهد؛ لأن الفعل لابد له من فاعل، والفاعل لابدَّ له من فعل، وليس هناك فعل معقول إلا ما قام بالفاعل، سواءً كان لازماً كالنُّزُول والمجيء، أو متعديَّاً كالقبض والطي؛ فحدوث ما يحدثه تعالى من المخلوقات تابع لما يفعله من أفعاله الاختيارية القائمة به تعالى؛ وهو تعالى حيٌ قيُّوم، فعَّال لما يريد، فمن أنكر قيام الأفعال الاختيارية به تعالى فإن معنى ذلك أنه ينكر خلقه لهذا العالم المشاهد وغير المشاهد، وينكر قوله: إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؛ فالعقل دل على ما جاء به الشرع وما صرح به في هذا الحديث من القبض والطي، قد جاء صريحاً أيضاً في كتاب الله تعالى؛ كما قال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]، والأحاديث والآثار عن السلف في صريح الآية والحديث المذكور في الباب كثيرة وظاهرة جلية لا تحتمل تأويلاً ولا تحتاج إلى تفسير، ولهذا صار تأويلها تحريفاً وإلحاداً فيها اهـ (4) وانظر: صفة (البسط) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص237
_________
(1) رواه البخاري (4812)، ومسلم (2787) واللفظ له.
(2) ((إبطال التأويلات)) (ص168).
(3) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 171).
(4) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 140).

- القدرة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، ومن أسمائه تعالى: (القادر) و (القدير) و (المقتدر)
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20] وغيرها
وقوله: قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عذَاباً [الأنعام: 65]
وقوله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 54 - 55]
الدليل من السنة:
حديث عثمان بن أبي العاص رضي الله عنه مرفوعاً: ((أعوذ بعِزَّة الله وقدرته من شر ما أجدُ وأحاذِرُ)) (1)
حديث أبي مسعود البدري رضي الله عنه، لما ضرب غلامه؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((اعلم أبا مسعود! أن الله أقدرُ عليك منك على هذا الغلام)) (2)
قال الخطابي: ووصف الله نفسه بأنه قادرٌ على كلِّ شيء أراده، لا يعترضه عجز ولا فتور، وقد يكون القادر بمعنى المقدِّر للشيء، يقال: قَدَّرت الشيءَ وقدَرْتُه؛ بمعنى واحد (3) وانظر كلام ابن كثير في صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص240
_________
(1) رواه مسلم (2202).
(2) رواه مسلم (1659).
(3) ((شأن الدعاء)) (ص85).

- الْقِدَمُ
يُخْبَرُ عن الله عَزَّ وجلَّ بأنه قديم، لا صفةً له، والقديم ليس اسماً له
قال الحافظ ابن القيم: ((ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيَّاَ؛ كالقديم، والشيء، والموجود، والقائم بنفسه)) اهـ (1)
قال قوَّام السُّنَّة: فبيَّن (أي: النبي صلى الله عليه وسلم) مراد الله تعالى فيما أخبر عن نفسه، وبيَّن أن نفسه قديم غير فانٍ، وأن ذاته لا يوصف إلا بما وصف، ووصفه النبي صلى الله عليه وسلم اهـ (2)
وفي الحديث الصحيح: ((أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم، وسلطانه القديم؛ من الشيطان الرجيم)) (3)
وفيه وصف سلطان الله عَزَّ وجلَّ بالقِدَم
وقد وصف شيخ الإسلام ابن تيمية عِلْمَ الله بالقِدَم في (الواسطية)، فقال: والإيمان بالقدر على درجتين، كل درجة تتضمن شيئين، فالدرجة الأولى: الإيمان بأن الله عليمٌ بالخلق وهم عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوفٌ به أزلاً وأبداً (4)
وقال في (مجموع الفتاوى): والناس متنازعون؛ هل يسمى الله بما صح معناه في اللغة والعقل والشرع، وإن لم يرد بإطلاقه نصٌ ولا إجماعٌ، أم لا يطلق إلا ما أطلق نص أو إجماع؟ على قولين مشهورين، وعامة النظار يطلقون ما لا نص في إطلاقه ولا إجماع؛ كلفظ (القديم) و (الذات) ونحو ذلك، ومن الناس من يفصل بين الأسماء التي يدعى بها، وبين ما يخبر به عند الحاجة؛ فهو سبحانه إنما يدعى بالأسماء الحسنى؛ كما قال: وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى، وأما إذا احتيج إلى الإخبار عنه؛ مثل أن يُقال: ليس هو بقديم، ولا موجود، ولا ذات قائمة بنفسها ونحو ذلك؛ فقيل في تحقيق الإثبات: بل هو سبحانه قديم، موجود، وهو ذات قائمة بنفسها، وقيل: ليس بشيء، فقيل: بل هو شيء؛ فهذا سائغ اهـ (5)
وقال البيهقي: القديم هو الموجود لم يزل، وهذه صفة يستحقها بذاته (6)
وقد عَدَّه السفاريني في (لوامع الأنوار) صفة لله تعالى، بل اسماً له، وعلق عليه الشيخ عبد الله بابطين بقوله: قوله: إن القديم اسم من أسمائه تعالى: فيه نظر من وجهين، إلى أن قال: وبذلك لا يصح إطلاق القديم على الله باعتبار أنه من أسمائه، وإن كان يصح الإخبار به عنه؛ كما قلنا: إنَّ باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء، والله أعلم (7) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص241
_________
(1) ((بدائع الفوائد)) (1/ 162).
(2) ((الحجة)) (1/ 93).
(3) رواه أبو داود (466). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما. قال النووي في ((الأذكار)) (ص86): حديث حسن رواه أبو داود بإسنادٍ جيد. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (1/ 277): هذا حديث حسن غريب، ورجاله موثقون، وهم من رجال الصحيح إلا إسماعيل وعقبة. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(4) ((العقيدة الواسطية)) (ص20).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (9/ 300و301).
(6) ((الاعتقاد)) (ص68).
(7) ((لوامع الأنوار)) (1/ 38).

- االقدوس
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه سبحانه القُدُّوس، وهي صفةٌ ذاتيةٌ، والقُدُّوس اسم له، ثابت بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ [الحشر: 23]
الدليل من السنة:
حديث عائشة رضي الله عنها- وقد تقدم -: ((سُبُّوح قُدُّوس رب الملائكة والروح)) (1)
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (قُدُّوس)، وهو حرفٌ مبنيٌّ على (فُعُّول)، من (القدس)، وهو الطهارة (2)
وانظر: صفة (السُّبُّوح) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص243
_________
(1) رواه مسلم (487).
(2) ((تفسير غريب القرآن)) (ص8).

- القرآن
صفةٌ من صفات الله عَزَّ وجَلَّ وهو كلام الله
بَوَّبَ البخاري في كتاب التوحيد من صحيحه: باب قل أيُّ شيء أكبر شهادة قل الله فسمى نفسه شيئاً وسمى النبيُّ القرآنَ شيئاً وهو صفة من صفات الله
وقال اللالكائي: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم مما يدل على أن القرآن من صفات الله القديمة ثم ساق حديث محاجَّة آدم لعيسى – عليهما السلام -المشهور (1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: القرآنُ صفةٌ من صفات الله وصف بها نفسه (2)
وقال في مجموع الفتاوى: أهل السنة متفقون على أن القرآن كلام الله غير مخلوق وأن كلامه من صفاته القائمة بنفسه ليس من مخلوقاته (3)
تنبيه: القرآن كلام الله وهو صفة من صفاته، أمَّا ما في المصحف من ورقٍ ومِداد فهو مخلوق وانظر: صفة (الكلام) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص243
_________
(1) ((شرح اعتقاد أهل السنة)) (2/ 224).
(2) ((بيان تلبيس الجهمية)) (2/ 165).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (17/ 77).

- القهر
صفةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ بالكتاب، ويوصف الله بأنه القاهر، والقَهَّار، وهما اسمان لله تعالى
الدليل:
قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ [الأنعام: 18، 61]
قوله تعالى: وَهُوَ الْوَاحدُ الْقَهَّارُ [الرعد: 16]
ولم يرد في القرآن (القَهَّار) إلا مسبوقاً بـ (الواحد) وذلك في ستة مواضع
قال ابن القيم (1):
وَكذلِكَ القّهَّار مِنْ أوْصَافِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ حَيّاً عَزِيزاً قَادِراً ... فَالخَلْقُ مَقْهُورُونَ بِالسُّلْطَانِ مَا كَانَ مِنْ قَهْرٍ وَمِنْ سُلْطانِ
والقهر بمعنى الغلبة والأخذ من فوق
قال ابن جرير عند تفسير قوله تعالى: وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ: وإنما قال: فَوْقَ عِبَادِهِ؛ لأنه وصف نفسه تعالى بقهره إياهم، ومن صفةِ كلِّ قاهرٍ شيئاً أن يكون مستعلياً عليه، فمعنى الكلام إذاً: والله الغالب عباده المذلل لهم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص244
_________
(1) ((القصيدة النونية)) (2/ 94).

- القول
صفةٌ ذاتيةٌ فعليَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، وهو والكلام شيء واحد
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا [البقرة: 38]
وقوله: وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ [الأحزاب: 4]
وقوله: وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً [البقرة: 30]
الدليل من السنة:
أما السنة، فإن أغلب الأحاديث القدسية مبدوءة بـ (قال الله)، أو (يقول الله) وانظر: صفة (الكلام) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص245

- القوة
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجلَّ ثابتةٌ بالكتاب العزيز و (القوي) من أسماء الله تعالى
الدليل:
قوله تعالى: وَهُوَ الْقَوِيُّ العَزِيزُ [الشورى: 19]
قوله تعالى: إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58]
قال البخاري في (صحيحه) في كتاب التوحيد: باب قول الله تعالى: إِنَّ الله هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ
قال الشيخ الغنيمان: وهذه الآية ونظائرها تدل بوضوح على أن الله تعالى موصوف بالصفات العليا، كما أنه مسمى بالأسماء الحسنى؛ فالقوة صفته، والرزاق اسمه، وتقدم أن كل اسم لابدَّ أن يتضمن الصفة، وبذلك وغيره يرد على المنكرين للصفات، كما سبقت الإشارة إليه، والله أعلم (1) وانظر كلام ابن كثير في صفة (السمع)
صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص246
_________
(1) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 93).

- القيوم
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه القَيُّوم والقَيِّم والقَيَّام، وهو وصفٌ ذاتيٌ ثابت لله بالكتاب والسنة، و (القَيُّوم) اسم من أسمائه تبارك وتعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّوم [البقرة: 255، آل عمران: 2]
وقوله: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّوم [طه: 111]
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم في تهجده: ((لك الحمد؛ أنت قَيِّم السماوات والأرض ومن فيهن)) (1)
قال العلماء: من صفاته القيَّام والقيِّم، والقَيُّوم بنص القرآن وقائم، ومنه قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ؛ قال الهروي: ويقال: قَوَّام قال ابن عباس: القَيُّوم الذي لا يزول وقال غيره: هو القائم على كل شيء ومعناه مدبر أمر خلقه، وهما سائغان في تفسير الآية والحديث اهـ
قال ابن جرير في تفسير الآية الأولى من سورة آل عمران: ((القَيُّوم)): القَيِّم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص، ثم ذكر قولين في معنى القَيُّوم، ثم قال: وأولى التأويلين بالصواب ما قال مجاهد والربيع، وأن ذلك وصفٌ من الله - تعالى ذكره- نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء؛ في رزقه، والدفع عنه، وكلاءته، وتدبيره، وصرفه في قدرته
وقال ابن قتيبة: ومن صفاته: (القَيُّوم) و (القيَّام)، وقرئ بهما جميعاً، وهما (فيعول) و (فيعال)، من قمت بالشيء: إذا وليته، كأنه القيِّم بكل شيء، ومثله في التقدير: دَيُّور وديَّار اهـ (2)
وقال الزجاجي: القَيُّوم: فيعول من قام يقوم، وهو من أوصاف المبالغة في الفعل اهـ (3)
وقال ابن القيم (4):
هذا وَمِنْ أوصافِهِ القَيُّوم ... وَالقَيُّوم في أوصافه أمْرَانِ
إِحْدَاهُما القَيُّوم قَامَ بِنَفْسِهِ ... والكَوْنُ قَامَ بهِ هُمَا الأمرَانِ
فالأوَّلُ اسْتِغْنَاؤُهُ عَنْ غَيْرهِ ... والفَقْرُ مِنْ كُلٍّ إليهِ الثَّانِيِ
والوَصْفُ بِالقَيُّوم ذُو شَأْنٍ كذا ... مَوْصُوفُهُ أيْضاً عَظيمُ الشَّانِ
صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص247
_________
(1) رواه البخاري (1120)، ومسلم (769) ورواه أيضاً بلفظ: ((قيّام)).
(2) ((تفسير غريب القرآن)) (ص7).
(3) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص105).
(4) ((القصيدة النونية)) (2/ 102).

- الكافي
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه كافٍ عباده ما يحتاجون إليه، وهي صفةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمْ الله وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: 137]
وقوله: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر: 95]
وقوله: أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ [الزمر: 36]
الدليل من السنة:
حديث أنس رضي الله عنه؛ ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه؛ قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا؛ فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي)) (1)
قصة الغلام مع الساحر والراهب في (صحيح مسلم) من حديث أنس رضي الله عنه، وفيه أنه كلما ذهبوا به إلى مكان لقتله؛ قال: ((اللهم اكفنيهم بما شئت)) (2)
المعنى: قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الكافي عباده جميع ما يحتاجون ويضطرون إليه، الكافي كفاية خاصة من آمن به وتوكل عليه واستمد منه حوائج دينه ودنياه (3) قال الراغب الأصفهاني في (المفردات): الكفاية ما فيه سد الخلة وبلوغ المراد في الأمر وقد عدَّ بعض العلماء (الكافي) من أسماء الله تعالى وفي هذا نظر صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص248
_________
(1) رواه مسلم (2715).
(2) رواه مسلم (3005).
(3) ((تفسير السعدي)) (5/ 304).

- الكبر والكبرياء
صفةٌ ذاتيةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، و (المُتَكَبِّر) من أسماء الله تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ [الحشر: 23]
وقوله: وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجاثية: 37]
الدليل من السنة:
حديث عبد الله بن قيس رضي الله عنه مرفوعاً: ((جنتان من فضَّة آنيتهما وما فيهما، وجنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)) (1)
حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله عنهما: ((العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني؛ عذبته)) (2) وأبو داود بلفظ: ((الكبرياء ردائي، والعَظَمَة إزاري)) (3)
قال ابن قتيبة: وكبرياء الله: شرفه، وهو من (تكبَّر): إذا أعلى نفسه اهـ (4)
وقال قوَّام السُّنَّة: أثبت الله العِزَّة والعَظَمَة والقدرة والكِبر والقوة لنفسه في كتابه (5) وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: ((وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن)): ومن المعلوم أن الكبرياء من صفات الله تعالى، ولا يجوز للعباد أن يتصفوا بها؛ فقد توعد الله المتكبر بجهنم؛ كما قال تعالى: قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ [الزمر:72] ثم قال: ووصف الله تعالى بأن العَظَمَة إزاره والكبرياء رداؤه؛ كسائر صفاته؛ تثبت على ما يليق به، ويجب أن يؤمن بها على ما أفاده النص؛ دون تحريف ولا تعطيل (6)
صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص250
_________
(1) رواه البخاري (4878)، ومسلم (180).
(2) رواه مسلم (2620).
(3) رواه أبو داود (4090). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وسكت عنه. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(4) ((تفسير غريب القرآن)) (ص18).
(5) ((الحجة)) (2/ 186).
(6) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 161).

- الكبير
يوصف الله عَزَّ وجلَّ بأنه الكبير، وهو أكبر من كل شيء، وهي صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، و (الكبير) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 9]
وقوله تعالى: وَأَنَّ الله هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [لقمان: 30]
الدليل من السنة: إن الأحاديث الصحيحة والأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي فيها وصف الله عَزَّ وجلَّ بالكِبَر، وأنه أكبر من كل شيء كثيرة جدَّاً، منها تكبيرات الأذان والصلاة ((الله أكبر)) (1)، ومنها: ((الله أكبر كبيراً)) (2)، ومنها: ((فمن كبر الله وحمد الله)) (3)، ومنها: ((يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك)) (4) وغيرها كثير ومعنى الكبير؛ أي: العظيم الذي كل شيء دونه، وهو أعظم من كل شيء قال ابن منظور في (لسان العرب): والكبير في صفة الله تعالى: العظيم الجليل صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص251
_________
(1) منها في الأذان: ما رواه البخاري (914) من حديث معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما. ومسلم (379) من حديث أبي محذورة رضي الله عنه. ومنها في الصلاة: ما رواه البخاري (795) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (601). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(3) رواه مسلم (1007). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(4) رواه البخاري (6408)، ومسلم (2689). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

- الكتابة والخط
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، فهو سبحانه يكتب ما شاء متى شاء، كما يليق بعظيم شأنه، لا ككتابة المخلوقين، والتي تليق بصغر شأنهم الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ [آل عمران: 181]
وقوله تعالى: وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً [الأعراف: 145]
وقوله: وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ [الأنبياء: 105]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لما قضى الله الخلق؛ كتب في كتابه؛ فهو عنده فوق عرشه: إنَّ رحمتي تغلب غضبي)) (1)، ورواه الترمذي، وابن ماجه؛ بلفظ: (( .. لما خلق الخلق؛ كتب بيده على نفسه ... )) (2)
حديث احتجاج موسى وآدم عليهما السلام، وفيه قول آدم لموسى: ((أنت موسى الذي اصطفاك الله برسالته وبكلامه، وأعطاك الألواح فيها تبيان كل شيء، وقربك نجيّاً؛ فبكم وجدت الله كتب التوراة قبل أن أخلق؟)) (3) رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652) وفي رواية: ((وخط لك التوراة بيده)) (4)
قال أبو بكر الآجري في (الشريعة): باب الإيمان بأن الله عَزَّ وجلَّ خلق آدم عليه السلام بيده، وخَطَّ التوراة لموسى عليه السلام بيده (5)
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان: قوله: ((كتب في كتابه)): يجوز أن يكون المعنى: أمر القلم أن يكتب؛ كما قال الحافظ، ويجوز أن يكون على ظاهره؛ بأن كتب تعالى بدون واسطة، ويجوز أن يكون قال: كن؛ فكانت الكتابة، ولا محذور في ذلك كله، وقد ثبت في (سنن الترمذي) و (ابن ماجه) في هذا الحديث: ((أن الله عَزَّ وجلَّ لما خلق الخلق؛ كتب بيده على نفسه: إنَّ رحمتي سبقت غضبي)) (6)
قلت: أما حديث الترمذي وابن ماجه؛ فلا يصح إلا على أن الكتابة كانت بدون واسطة، وأنها كانت بيده سبحانه وتعالى صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص254
_________
(1) رواه البخاري (3194)، ومسلم (2751).
(2) رواه الترمذي (3543)، وابن ماجه (4295). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. والحديث صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح عند ابن خزيمة - كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
(3) رواه البخاري (4738)، ومسلم (2652) (15) واللفظ له.
(4) رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652) (13).
(5) ((الشريعة)) (ص323).
(6) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 260).

- الكرم
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة، ومن أسمائه: (الكريم) و (الأكرم)
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار: 6]
وقوله: فَأَمَّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ [الفجر: 15]
وقوله: اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ [العلق: 3]
الدليل من السنة:
حديث عوف بن مالك رضي الله عنه في الدعاء على الجنازة: ((اللهم اغفر له، وارحمه، وعافه، واعف عنه، وأكرم نُزُلَه، ووسع مدخله)) (1)
حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وقول الأعرابي للنبي صلى الله عليه وسلم ((والذي أكرمك؛ لا أتطوع شيئاً)) (2)
حديث غيرة سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقوله للنبي صلى الله عليه وسلم: ((بلى؛ والذي أكرمك بالحق)) (3)
أثر عبد الله بن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما: (رب اغفر وارحم، وتجاوز عما تعلم، إنك أنت الأعز الأكرم) (4)
قال ابن منظور في (لسان العرب): الكريم من صفات الله وأسمائه، وهو الكثير الخير، الجواد المعطي، الذي لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق
قال الشيخ السعدي: الرحمن الرحيم والبر الكريم الجواد الرؤوف الوهاب؛ هذه الأسماء تتقارب معانيها، وتدل كلها على اتصاف الرب بالرحمة والبر والجود والكرم، وعلى سعة رحمته ومواهبه التي عم بها جميع الوجود بحسب ما تقتضيه حكمته، وخص المؤمنين منها بالنصيب الأغر والحظ الأكمل اهـ (5)
وقال أبو هلال العسكري: الفرق بين الكرم والجود أن الجود هو الذي ذكرناه (يعني: كثرة العطاء من غير سؤال)، والكرم يتصرف على وجوه، فيقال لله تعالى: كريم، ومعناه أنه عزيز، وهو من صفات ذاته، ومنه قوله تعالى: مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6]؛ أي: العزيز الذي لا يغلب، ويكون بمعنى الجواد المفضال، فيكون من صفات فعله (6) وذكر معانيَ وأقوالاً أخرى
وقال الزجاجي: الكريم: الجواد، والكريم: العزيز، والكريم: الصَّفوح هذه ثلاثة أوجه للكريم في كلام العرب، كلها جائز وصف الله عَزَّ وجلَّ بها، فإذا أريد بالكريم الجواد أو الصفوح؛ تعلق بالمفعول به؛ لأنه لا بدَّ من مُتكرم عليه ومصفوح عنه موجود، وإذا أريد به العزيز؛ كان غير مقتض مفعولاً اهـ (7) يعني رحمه الله: إذا أريد به الجواد والصفوح؛ فهي صفةُ فعلٍ، وإذا أريد به العزيز؛ فهي صفةُ ذاتٍ والله أعلم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص254
_________
(1) رواه مسلم (963).
(2) رواه البخاري (1891).
(3) رواه مسلم (1498).
(4) رواه ابن أبي شيبة (3/ 420)، والطبراني في ((الدعاء)) (870)، والبيهقي (5/ 95). موقوفاً على ابن مسعود رضي الله عنه. وقال العراقي في ((المغني)) (1/ 424): إسناده صحيح. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (4/ 401 - 402): موقوف صحيح الإسناد. ورواه ابن أبي شيبة (3/ 420) موقوفاً على ابن عمر رضي الله عنهما. وقال الألباني - رحمه الله - في ((مناسك الحج والعمرة)) (ص28): رواه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهما بإسنادين صحيحين. والحديث رواه الطبراني في ((الأوسط)) (3/ 147) مرفوعاً بسند ضعيف من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه. انظر: ((مجمع الزوائد)) (3/ 248)، و ((تلخيص الحبير)) (2/ 251).
(5) ((تفسير السعدي)) (5/ 299).
(6) ((الفروق)) (ص143).
(7) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص176).

- الكره
صفةٌ فعليَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجلَّ بالكتاب والسنة الدليل من الكتاب: قوله تعالى: وَلَكِنْ كَرِهَ الله انْبِعَاثَهُمْ [التوبة: 46]
الدليل من السنة:
حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن الله حَرَّم عليكم: عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكَرِهَ لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال)) (1)
حديث عائشة رضي الله عنها: ((وإن الكافر إذا بُشِّر بعذاب الله وسَخَطِه؛ كَرِهَ لقاء الله وكَرِهَ الله لقاءه)) (2)
وانظر: صفة (السَّخْط) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص256
_________
(1) رواه البخاري (2408)، ومسلم (593).
(2) رواه مسلم (2684). والحديث رواه البخاري معلقاً بعد حديث (6507).

- الكف
صفةٌ ذاتيةٌ خبريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ما تصدق أحد بصدقة من طيِّب، ولا يقبل الله إلا الطيب؛ إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كفِّ الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل، كما يربيِّ أحدكم فَلُوَّه أو فصيله)) (1)
حديث: ((رأيت ربي في أحسن صورة - وفيه - فرأيته وضع كَفَّه بين كتفي، حتى وجدت برد أنامله في صدري)) (2)
قال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) مثبتاً الكف ورادّاً على من أول الصورة والكف في حديث الصورة بقوله: الثالث: أنه وصفه بالصورة، ووضع الكف بين كتفيه، وهذه الصفة لا تتصف بها الأفعال والمَلَك (3) وقال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني في (الحجة) بعد سرده لجملة من أحاديث الصفات: وقوله: ((إنَّ أحدكم يأتي بصدقته فيضعها في كف الرحمن)) (4)، وقوله: ((يضع السماوات على إصبع والأرضين على إصبع)) (5) وأمثال هذه الأحاديث، فإذا تدبَّره متدبر، ولم يتعصب؛ بان له صحة ذلك، وأنَّ الإيمان به واجب، وأنَّ البحث عن كيفية ذلك باطل اهـ ثم قال: وللقدم معان، وللكف معان، وليس يحتمل الحديث شيئاً من ذلك؛ إلا ما هو معروف في كلام العرب؛ فهو معلوم بالحديث، مجهول الكيفية وقال صديق حسن خان في (قطف الثمر/ 66): ومن صفاته سبحانه: اليد، واليمين، والكف، والإصبع (6) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص256
_________
(1) رواه البخاري (1410)، ومسلم (1014).
(2) رواه الترمذي (3235)، وأحمد (5/ 243) (22162). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح؛ سألت محمد بن إسماعيل - البخاري - عن هذا الحديث فقال: هذا حديث حسن صحيح. وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (4/ 73)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح. والحديث روي عن ابن عباس وابن عمر وجابر بن سمرة وثوبان رضي الله عنهم جميعاً.
(3) ((إبطال التأويلات)) (1/ 131).
(4) رواه أحمد (2/ 418) (9413) بلفظ مقارب. من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال شعيب الأرناؤوط: صحيح.
(5) رواه البخاري (7451) عن عبد الله بن مسعود بلفظ: جاء حبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يضع السماء على إصبع، والأرض على إصبع، والجبال على إصبع، والشجر والأنهار على إصبع، وسائر الخلق على إصبع، ثم يقول بيده: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: ((وَمَا قَدَرُواْ اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ)).
(6) ((الحجة)) (2/ 259، 262).

- الكفيل
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الكفيل، الذي يكفل ويحفظ عباده، وهي صفةٌ ثابتةٌ له بالكتاب والسُّنَّة الدليل من الكتاب: قوله تعالى: وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً [النحل: 91] الدليل من السُّنَّة: قصة الرجل من بني إسرائيل، الذي أسلفَ آخَرَ ألفَ دينار، وفيه أنه قال: ((اللهم إنك تعلم أني كنت تبلغت فلاناً ألف دينار، فسألني كفيلاً، فقلت: كفى بالله كفيلاً، فرضي بك)) (1)
والكفيل بمعنى الوكيل والحفيظ والشهيد والعائل والضامن قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: وَقَدْ جَعَلْتُمْ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً: وقد جعلتم الله بالوفاء بما تعاقدتم عليه على أنفسكم راعياً، يرعى الموفي منكم بعهد الله الذي عاهد على الوفاء به والناقض قال الراغب الأصفهاني في (المفردات): كفل: الكفالة الضمان والكفيل الحظ الذي فيه الكفاية، كأنه تكفل بأمره وقد عدَّ بعضهم الكفيل من أسماء الله تعالى صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص258
_________
(1) رواه البخاري (2291).

- الكلام والقول والحديث والنداء والصوت
يعتقد أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يتكلم ويقول ويتحدث وينادي، وأنَّ كلامه بصوت وحرف، وأنَّ القرآن كلامه، مُنَزَّلٌ غير مخلوق، وكلام الله صفةٌ ذاتيةٌ فعليةٌ (ذاتيةٌ باعتبار أصله وفعليةٌ باعتبار آحاده)
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء: 164]
وقوله: فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي مِنْ شَاطِئِ الْوَادِي الأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنْ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [القصص: 30] (نداء بصوت مسموع)
وقوله: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109] (كلام مكتوب)
وقوله: وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة: 6] (كلام يُسمع)
وقوله: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء: 87]
الدليل من السُّنَّة:
حديث احتجاج آدم وموسى وفيه: ((قال له آدم: يا موسى! اصطفاك الله بكلامه)) (1)
حديث قصة الإفك وقول عائشة رضي الله عنها: ((ولَشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيَّ بأمرٍ يتلى)) (2)
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إنَّ الله يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك فيقول: هل رضيتم؟)) (3)
حديث ابن عباس رضي الله عنه: ((بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهنَّ لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما؛ إلا أعطيته)) (4)
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: ((يقول الله: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك، فينادى بصوت: إنَّ الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار)) (5)
ومن أقوال العلماء في ذلك:
1 - قال الإمام البخاري: وإنَّ الله عَزَّ وجَلَّ ينادي بصوتٍ يسمعه من بَعُد كما يسمعه من قَرُب، فليس هذا لغير الله جل ذكره، وفي هذا (يعني: حديث عبد الله بن أنيس ذكره بعد كلامه هذا) دليل أنَّ صوت الله لا يشبه أصوات الخلق؛ لأنَّ صوت الله جل ذكره يسمع من بعد كما يسمع من قرب، وأنَّ الملائكة يصعقون من صوته؛ فإذا تنادى الملائكة؛ لم يصعقوا (6)
2 - وقال أبو بكر الخلال: أخبرني علي بن عيسى أنَّ حنبلاً حدثهم؛ قال: قلت لأبي عبد الله: الله يكلم عبده يوم القيامة؟ قال: نعم؛ فمن يقضي بين الخلائق إلا الله عَزَّ وجَلَّ؟! يكلم عبده ويسأله، الله متكلم، لم يزل الله متكلماً؛ يأمر بما يشاء، ويحكم بما يشاء، وليس له عدل ولا مثل، كيف شاء وأين شاء (7)
3 - وقال عبد الله ابن الإمام أحمد رحمهما الله: سألت أبي رحمه الله عن قوم يقولون: لما كلم الله عَزَّ وجَلَّ موسى؛ لم يتكلم بصوت، فقال أبي: بلى؛ إن ربك عَزَّ وجَلَّ تكلم بصوت، هذه الأحاديث نرويها كما جاءت (8).
4 - وقال ابن أبي عاصم في (السُّنَّة): باب: ذكر الكلام والصوت والشخص وغير ذلك (9)
5 - وقال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على إثبات حياة الله عَزَّ وجَلَّ، لم يزل بها حيّاً وكلاماً لم يزل به متكلماً اهـ (10)
_________
(1) رواه البخاري (6614)، ومسلم (2652).
(2) رواه البخاري (4141)، ومسلم (2770).
(3) رواه البخاري (6549)، ومسلم (2829).
(4) رواه مسلم (806).
(5) رواه البخاري (7483).
(6) ((خلق أفعال العباد)) (ص149).
(7) انظر: ((المسائل والرسالة المروية عن الإمام أحمد)) (1/ 288).
(8) ((المسائل والرسالة المروية عن الإمام أحمد)) (1/ 302).
(9) ((السنة)) (1/ 225).
(10) ((رسالة إلى أهل الثغر)) (ص214).

6 - وقال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني: وخاطر أبو بكر رضي الله عنه (أي: راهن قوماً من أهل مكة)، فقرأ عليهم القرآن، فقالوا: هذا من كلام صاحبك فقال: ليس بكلامي ولا كلام صاحبي، ولكنه كلام الله تعالى، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر: (إنَّ هذا القرآن كلام الله)
فهو إجماع الصحابة وإجماع التابعين بعدهم، مثل: سعيد بن المسيب، وسعيد بن جبير، والحسن، والشعبي, وغيرهم ممَّن يطول ذكرهم، أشاروا إلى أنَّ كلام الله هو المتلو في المحاريب والمصاحف
وذكر: صالح بن أحمد بن حنبل، وحنبل؛ أنَّ أحمد رحمه الله؛ قال: جبريل سمعه من الله تعالى، والنبي صلى الله عليه وسلم سمعه من جبريل، والصحابة سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم وفي قول أبي بكر رضي الله عنه: (ليس بكلامي، ولا كلام صاحبي، إنما هو كلام الله تعالى): إثبات الحرف والصوت؛ لأنه إنما تلا عليهم القرآن بالحرف والصوت اهـ (1)
7 - وبوب رحمه الله في (الحجة) (فصل في إثبات النداء صفة لله عَزَّ وجَلَّ) ثم سرد جملة من الآيات والأحاديث (2)
8 - وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: واستفاضت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة السُّنَّة؛ أنه سبحانه ينادي بصوت؛ نادى موسى، وينادي عباده يوم القيامة بصوت، ويتكلم بالوحي بصوت، ولم ينقل عن أحد من السلف أنه قال: إنَّ الله يتكلم بلا صوت أو بلا حرف، ولا أنَه أنكر أن يتكلم الله بصوت أو بحرف (3)
9 - وقال ابن القيم (4) على لسان مُعَطِّلٍ يعترض على ما يثبته سني:
وزَعَمْتَ أنَّ الله كَلَّمَ عَبْدَهُ أَفَتَسْمَعُ الآذَانُ غَيرَ الحَرْفِ وَالصَّـ وَكَذا النِّداءُ فَإنَّهُ صَوْتٌ بِإجْمـ لَكنَّهُ صَوْتٌ رَفِيعٌ وَهُوَ ضِـ ... مُوسَى فَأسْمَعَهُ نِدَا الرَّحْمنِ ـوْتِ الَّذي خُصَّتْ بِهِ الأذُنانِ ـمَاعِ النُّحَاةِ وأهْلِ كُلِّ لِسَانِ ـدٌّ للنِّجَاءِ كِلاهُمَا صَوْتَانِ
ولمزيد شرح فيما يتعلق بصفة الكلام انظر: (شرح الشيخ عبد الله الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري) (2/ 307 - 316)، وكتاب (العقيدة السلفية في كلام رب البرية) للأخ عبد الله بن يوسف الجديع، وهي نافعة جدَّاً صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص259
_________
(1) ((الحجة)) (1/ 331و332).
(2) ((الحجة)) (1/ 269).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (12/ 304). وانظر أيضاً: (6/ 513 - 545).
(4) ((القصيدة النونية)) (1/ 80).

- الكنف
صفةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالحديث الصحيح، والكَنَف في اللغة: السِّتر والحِرز والجانب والنَّاحية
الدليل: ما رواه البخاري ومسلم؛ من حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كَنَفَه عليه فيقول)) (1) قال البخاري: قال عبد الله بن المبارك: كَنَفَه؛ يعني: ستره (2)
وقال الأزهري في (تهذيب اللغة) بعد أن نقل كلام ابن المبارك هذا: وقال ابن شميل: يضع الله عليه كَنَفَه؛ أي: رحمته وبرَّه (3) وقال شيخ الإسلام في (نقض التأسيس)؛ كما ذكر الغنيمان في (شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري): قال الخلال في (كتاب السُّنَّة) باب: يضع كَنَفَه على عبده، تبارك وتعالى: أخبرني محمد بن أبي هارون ومحمد بن جعفر؛ أنَّ أبا الحارث حدثهم؛ قال: قلت لأبي عبد الله: ما معنى قوله: (إنَّ الله يدني العبد يوم القيامة؛ فيضع عليه كَنَفَه؟) قال: هكذا نقول: يدنيه ويضع كَنَفَه عليه؛ كما قال؛ يقول له: أتعرف ذنب كذا قال الخلال: أنبأنا إبراهيم الحربي؛ قال: قوله: ((فيضع عليه كَنَفَه))؛ يقول: ناحيته قال إبراهيم: أخبرني أبو نصر عن الأصمعي؛ يقال: نزل في كَنَفِ بني فلان؛ أي: في ناحيتهم. اهـ (4)
قال الحافظ أبو موسى المديني في (المجموع المغيث): في الحديث: ((يُدني المؤمن من ربه عَزَّ وجَلَّ حتى يضع عليه كَنَفَه)) (5)؛ أي: يستره، وقيل: يرحمه، وقال الإمام إسماعيل: لم أر أحداً فسَّرَه؛ إلا إن كان معناه: يستره من الخلق، وقيل في رواية: يستره بيده وكنفا الإنسان: ناحيتاه، ومن الطائر: جناحاه (6)
وقال الشيخ الغنيمان في المصدر السابق: قوله: ((حتى يضع كَنَفَه عليه)): جاء الكَنَفُ مفسراً في الحديث بأنه السِّتر، والمعنى: أنه تعالى يستر عبده عن رؤية الخلق له؛ لئلا يفتضح أمامهم فيخزى؛ لأنه حين السؤال والتقرير بذنوبه تتغير حاله، ويظهر على وجهه الخوف الشديد، ويتبين فيه الكرب والشدة (7) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص263
_________
(1) رواه البخاري (6070)، ومسلم (2768).
(2) انظر: ((خلق أفعال العباد)) (ص103).
(3) ((تهذيب اللغة)) (10/ 274).
(4) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 423)
(5) رواه البخاري (4685). من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.
(6) ((المجموع المغيث)) (3/ 78).
(7) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (2/ 423).

- الكيد لأعدائه
صفةٌ فعلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتة لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب، ولا يوصف به إلا مقيداً في مقابلة كَيْدِ المخلوق الدليل:
قوله تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف: 76]
وقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا [الطارق: 16]
وقوله: وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ [الأعراف: 183، القلم: 45]
قال أبو إسحاق الحربي: (الكيد من الله خلافه من الناس، كما أنَّ المَكْر منه خلافه من الناس) اهـ (1) وهذا إثباتٌ منه لصفة الكيد والمَكْر على حقيقتهما وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى) رادَّاً على من زعم أنَّ في القرآن مجازاً: وكذلك ما ادعوا أنه مجاز في القرآن؛ كلفظ: (المَكْر) و (الاستهزاء)، و (السخرية)؛ المضاف إلى الله، وزعموا أنه مسمى باسم ما يقابله على طريق المجاز، وليس كذلك، بل مسميات هذه الأسماء إذا فعلت بمن لا يستحق العقوبة؛ كانت ظلماً له، وأما إذا فعلت بمن فعلها بالمجني عليه عقوبة له بمثل فعله؛ كانت عدلاً؛ كما قال تعالى: كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ [يوسف:76]، فكاد له كما كادت إخوته لما قال له أبوه: لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً [يوسف:5]، وقال تعالى: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:15] اهـ (2) وقال في (التدمرية): وهكذا وصف نفسه بالمَكْر والكيد، كما وصف عبده بذلك، فقال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ [الأنفال:30]، وقال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:16]، وليس المَكْر كالمَكْر ولا الكيد كالكيد (3) وانظر كلام ابن القيم في (مدارج السالكين) (4)، و (مختصر الصواعق المرسلة) (5) وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس في (شرح العقيدة الواسطية) عند قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ، وقوله: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً، قال رحمه الله: تضمنت هذه الآيات إثبات صفتي المَكْر والكيد، وهما من صفات الفعل الاختيارية، ولكن لا ينبغي أن يشتق له من هاتين الصفتين اسم، فيقال: ماكر، وكائد، بل يوقف عند ما ورد به النص من أنه خير الماكرين، وأنه يكيد لأعدائه الكافرين اهـ (6) وانظر: صفة (الخِدَاع) و (المَكْر) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص265
_________
(1) ((غريب الحديث)) (1/ 94).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (7/ 111).
(3) ((التدمرية)) (ص26).
(4) (3/ 415).
(5) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 32 - 34).).
(6) ((شرح العقيدة الواسطية)) (ص123).

- اللطف
صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسُّنَّة، و (اللطيف) من أسمائه سبحانه
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ [الأنعام: 103]
وقوله: اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ [الشورى: 19]
الدليل من السُّنَّة: حديث عائشة رضي الله عنها في تتبعها للنبي صلى الله عليه وسلم لما خرج من عندها خفية لزيارة البقيع، وفيه قال صلى الله عليه وسلم: ((ما لك يا عائش حشياً رابية؟ قالت: قلت: لا شيء قال: لتخبرني أو ليخبرني اللطيف الخبير)) (1)
قال ابن القيم في (النونية 2/ 85):
وَهُوَ اللَّطيفُ بِعَبْدهِ وَلِعَبْدِهِ ... واللُّطفُ في أوصَافِهِ نِوْعَانِ
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: اللطيف: الذي أحاط علمه بالسرائر والخفايا، وأدرك الخبايا والبواطن والأمور الدقيقة، اللطيف بعباده المؤمنين، الموصل إليهم مصالحهم بلطفه وإحسانه من طرق لا يشعرون بها، فهو بمعنى الخبير وبمعنى الرؤوف (2)
وقال ابن منظور في (لسان العرب): اللُّطف واللَّطف: البر والتكرمة والتَّحفِّي اللطيف: صفة من صفات الله، واسم من أسمائه، ومعناه والله أعلم: الرفيق بعباده صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص266
_________
(1) رواه مسلم (974).
(2) ((تفسير السعدي)) (5/ 301).

- اللعن
صفةٌ فعلِيَّةٌ اختياريةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسُّنَّة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء: 93]
وقوله: إِنَّ اللهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب: 64]
وقوله: لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ [الأعراف: 44]، [هود:18]
الدليل من السُّنَّة:
حديث: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة)) (1)
حديث: ((لعن الله السارق يَسْرِقُ البيضة)) (2)
حديث: ((المدينة حرم ما بين عير إلى ثور، فمن أحدث فيها حدثاً، أو أوى محدثاً؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)) (3)
وقد استشهد شيخ الإسلام ابن تيمية في (الواسطية) بقوله تعالى: وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ [النساء:93]؛ بإثبات صفة الغضب واللعن (4) وقال الشيخ خليل الهرَّاس عن هذه الآية وآيات معها: تضمنت هذه الآيات إثبات بعض صفات الفعل؛ من الرضى لله، والغضب، واللعن، والكره، ثم قال: واللعن: هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله، واللعين والملعون: من حقت عليه اللعنة، أو دعي عليه بها صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص267
_________
(1) رواه البخاري (5934) ومسلم (2123). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه البخاري (6783) ومسلم (1687). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (6755)، ومسلم (1370). من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
(4) ((العقيدة الواسطية)) (108).

- المؤمن
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المؤمن، وهو اسم له ثابتٌ بالكتاب
الدليل من الكتاب: قوله تعالى: السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23]
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (المؤمن)، وأصل الإيمان: التصديق فالعبد مؤمن؛ أي: مصدِّق محقِّق، والله مؤمن؛ أي: مصدِّق ما وعده ومحقِّقه، أو قابل إيمانه وقد يكون (المؤمن) من الأمان؛ أي: لا يأمن إلا من أمَّنَه الله وهذه الصفة من صفات الله جَلَّ وعَزَّ لا تتصرَّف تصرُّف غيرها، لا يقال: أمن الله؛ كما يقال: تقدَّس الله، ولا يقال: يؤمن الله؛ كما يقال: يتقدَّس الله وإنما ننتهي في صفاته إلى حيث انتهى، فإن كان قد جاء من هذا شيء عن الرسول صلى الله عليه وعلى آله أو عن الأئمة؛ جاز أن يطلق كما أطلق غيره اهـ (1) وقال ابن منظور في (لسان العرب): المؤمن من أسماء الله تعالى الذي وحَّد نفسه؛ بقوله: وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [البقرة:163]، وبقوله: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ [آل عمران:18]، وقيل: المؤمن الذي آمن أولياءَه عذابه، وقيل: المؤمن في صفة الله الذي أمِن الخلق من ظلمه، وقيل: المؤمن الذي يصدُق عبادَه ما وعدهم، وكل هذه الصفات لله عَزَّ وجَلَّ؛ لأنه صدق بقوله ما دعا إليه عباده من توحيد، وكأنه أمن الخلق من ظلمه، وما وعدنا من البعث والجنة لمن آمن به والنار لمن كفر به، فإنه مصدِّق وعده، لا شريك له وقال الزجاجي: المؤمن في صفات الله عَزَّ وجَلَّ على وجهين: أحدهما: أن يكون من الأمان؛ أي: يؤمن عبادَه المؤمنين من بأسهِ وعذابهِ، فيأمنونَ ذلك؛ كما تقول: (آمَنَ فلانٌ فلاناً)؛ أي: أعطاهُ أماناً ليسكنَ إليه ويأمنَ، فكذلك أيضاً يقال: اللهُ المؤمنُ؛ أي: يُؤْمِن عبادَه المؤمنين، فلا يأمن إلا منْ آمنه والوجه الآخر: أن يكون المؤمن من الإيمان، وهو التصديق، فيكون ذلك على ضربين: أحدهما: أن يقال: الله المؤمنُ؛ أي: مُصَدِّق عباده المؤمنين؛ أي: يصدِّقُهم على إيمانِهم، فيكون تصديقه إياهم قبول صدقِهِم وإيمانهم وإثابتهم عليه والآخر: أن يكون الله المؤمنُ؛ أي: مُصدقٌ ما وَعَدَهُ عباده؛ كما يقال: صَدَقَ فُلانٌ في قوله وصَدَّقَ؛ إذا كَررَ وبالغَ، يكون بمنْزلةِ ضَرَبَ وضَرَّبَ؛ فالله عَزَّ وجَلَّ مُصدقٌ ما وعد به عبادُهُ ومحققه فهذه ثلاثة أوجهٍ في المؤمن، سائغٌ إضافتها إلى الله ولا يصرفُ فعلُ هذه الصفة من صفاته عَزَّ وجَلَّ، فلا يقال: آمن الله؛ كما يقال: تقدسَ اللهُ، وتباركَ اللهُ، ولا يقال: اللهُ يؤمنُ؛ كما يقال: الله يحلم ويغفر، ولم يُستعمل ذلك؛ كما قيل: تباركَ الله، ولم يقل: هو متباركٌ، وإنما تستعمل صفاتهُ على ما استعملتها الأمة وأطلقتها (2) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص268
_________
(1) ((تفسير غريب القرآن)) (ص9).
(2) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص221).

- المبين:
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المبين، وهو اسم له ثابتٌ بالكتاب العزيز الدليل من الكتاب: قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [النور: 25] قال ابن جرير في تفسير هذه الآية: يقول: ويعلمون يومئذ أنَّ الله هو الحق الذي يبين لهم حقائق ما كان يعدهم في الدنيا من العذاب، ويزول حينئذ الشك فيه عن أهل النفاق الذين كانوا فيما كان يعدهم في الدنيا يمترون وقال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني: المبين: ومعناه البيِّن أمره، وقيل: البيِّن الربوبية والملكوت، يقال: أبان الشيء بمعنى تبين، وقيل معناه: أبان للخلق ما احتاجوا إليه (1) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص270
_________
(1) ((الحجة)) (1/ 143).

- المتانة
صفةٌ ذاتيةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب، و (المتين) من أسماء الله تعالى الدليل: قوله تعالى: إِنَّ اللهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58]
قال أبو زكريا الفراء: وقرأ الناس الْمَتِينُ، رفعٌ من صفة الله تبارك وتعالى اهـ (1) وبه قال الزجَّاج (2)، والأزهري (3)، وقال: ومعنى ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ: ذو الاقتدار الشديد، والمتين في صفة الله القوي وقال ابن منظور في (لسان العرب): والمتين في صفة الله القوي والمتانة: الشدة والقوة؛ فهو من حيث إنه بالغُ القدرة تامُّها قويٌ، ومن حيث إنه شديدُ القوة متينٌ وقال الشيخ عبد العزيز السلمان: وما يؤخذ من الآية إثبات المتانة وهي من الصفات الذاتية (4) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص271
_________
(1) ((معاني القرآن)) (3/ 90).
(2) ((معاني القرآن)) (5/ 59).
(3) ((تهذيب اللغة)) (14/ 306).
(4) ((الكواشف الجلية عن معاني الواسطية)) (ص144).

- المجد
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، من اسمه (المجيد) الثابت بالكتاب والسُّنَّة وليس (الماجد) من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُوُدُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ [البروج: 15]
وقوله: رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ [هود: 73]
الدليل من السُّنَّة: حديث: ((قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)) (1)
قال ابن قتيبة: (مجد الله): شرفه، وكرمه اهـ (2)
وقال ابن القيم (3):
وَهُوَ المَجِيدُ صِفَاتُهُ أَوْصَافُ تَعْـ ... ـظِيمٍ فَشَأْنٌ الوَصْفِ أعْظَمُ شَانِ
وقال أيضاً: وأما المجد؛ فهو مستلزم للعظمة والسعة والجلال؛ كما يدل على موضوعه في اللغة؛ فهو دالٌّ على صفات العظمة والجلال، والحمد يدل على صفات الإكرام، والله سبحانه ذو الجلال والإكرام، وهذا معنى قول العبد: لا إله إلا الله والله أكبر؛ فلا إله إلا الله دال على ألوهيته وتفرده فيها، فألوهيته تستلزم محبته التامة، والله أكبر دال على مجده وعظمته اهـ (4) قال ابن منظور في (لسان العرب): المجد: المروءة والسخاء، والمجد: الكرم والشرف، والمجيد: من صفات الله عَزَّ وجَلَّ، وفعيل أبلغ من فاعل، فكأنه يجمع معنى الجليل والوهَّاب والكريم وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: المجيد الكبير العظيم الجليل: وهو الموصوف بصفات المجد والكبرياء والعظمة والجلال (5) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص272
_________
(1) رواه البخاري (4797)، ومسلم (406). من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه.
(2) ((تفسير غريب القرآن)) (ص19).
(3) ((القصيدة النونية)) (2/ 66).
(4) ((جلاء الأفهام)) (ص174).
(5) ((التفسير)) (5/ 300).

- المحيط
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه محيط، قد أحاط بكل شيء، وهي صفةٌ ذاتيةٌ، و (المحيط) اسم من أسمائه تعالى ثابت بالكتاب الدليل:
قوله تعالى: وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ [البقرة: 19]
وقوله: وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق: 12]
وغيرها من الآيات قال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني: المحيط: هو الذي أحاطت قدرته بجميع خلقه، وهو الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً (1) وقال البيهقي: المحيط: هو الذي أحاطت قدرته بجميع المقدورات، وأحاط علمه بجميع المعلومات، والقدرة له صفة قائمة بذاته، والعلم له صفة قائمة بذاته (2) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص273
_________
(1) ((الحجة)) (1/ 163 - 164).
(2) ((الاعتقاد)) (ص68)

- المحيي والمميت
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المحيي والمميت، وهذا ثابت بالكتاب والسُّنَّة، وهما صفتان فعليتان خاصتان بالله عَزَّ وجَلَّ، وليسا هما من أسمائه
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [البقرة:28]
وقوله: وَهُوَ الَّذِي أَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ إِنَّ الإِنسَانَ لَكَفُورٌ [الحج: 66]
وقوله: إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [فصلت: 39]
الدليل من السُّنَّة:
حديث حذيفة رضي الله عنه في دعاء الاستيقاظ من النوم: ((الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور)) (1)
حديث أنس رضي الله عنه: ((اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي)) (2)
قال البيهقي: المحيي: هو الذي يحيي النطفة الميتة، فيخرج منها النسمة الحية، ويحيي الأجسام البالية بإعادة الأرواح إليها عند البعث، ويحيي القلوب بنور المعرفة، ويحيي الأرض بعد موتها؛ بإنزال الغيث، وإنبات الرزق المميت: هو الذي يميت الأحياء، ويوهي بالموت قوة الأقوياء (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص274
_________
(1) رواه البخاري (6312). والحديث رواه مسلم (2711). من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (5671)، ومسلم (2680).
(3) ((الاعتقاد)) (ص62).

- المستعان
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المستعان، الذي يستعين به عباده فيعينهم، وهذا ثابت بالكتاب والسُّنَّة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5]
وقوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ [يوسف: 18]
الدليل من السُّنَّة:
حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه: ((اللهم أعنِّي على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك)) (1)
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((إذا سألت؛ فاسأل الله، وإذا استعنت؛ فاستعن بالله)) (2)
وقد عدَّ بعضهم (المستعان) من أسماء الله، وفي هذا نظر أما (المعين)؛ فهو ليس من أسماء الله، خلاف ما هو منتشر عند العامة، فتراهم يتعبَّدون الله به بتسمية عبد المعين صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص275
_________
(1) رواه أبو داود (1522)، والنسائي (3/ 53) بلفظة: ((رب)) بدلاً من ((اللهم))، وأحمد (5/ 244) (22172). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال النووي في ((المجموع)) (3/ 486)، وابن الملقن في ((الإعلام)) (4/ 14): إسناده صحيح. وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (7/ 97)، وابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/ 297)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) رواه الترمذي (2516)، وأحمد (1/ 293) (2669)، والحاكم (3/ 623). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا أن الشيخين رضي الله عنهما لم يخرجا لشهاب بن خراش ولا القداح في الصحيحين وقد روي الحديث بأسانيد عن ابن عباس غير هذا. وقال ابن رجب في ((جامع العلوم والحكم)) (1/ 495): حسن جيد. وقال ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 327): حسن. وقال السخاوي في ((المقاصد الحسنة)) (188): حسن وله شاهد. وقال الصنعاني في ((سبل السلام)) (4/ 267): إسناده حسن. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (4/ 233): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.

- المسح
ثبت في الحديث الصحيح أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ مسح على ظهر آدم، وهو مسحٌ على حقيقته، يليق بجلال الله وعظمته الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لمَّا خلق الله آدم مسح ظهره، فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة00)) (1)
حديث ابن عباس رضي الله عنه؛ قال: لما نزلت آية الدَّيْن؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ أول من جحد آدم، إنَّ الله تعالى لما خلقه؛ مسح ظهره، فأخرج منه ما هو من ذراري إلى يوم القيامة، فعرضهم عليه)) (2)
قال ابن القيم: وورد لفظ اليد في القرآن والسُّنَّة وكلام الصحابة والتابعين في أكثر من مئة موضع وروداً متنوعاً متصرفاً فيه مقروناً بما يدل على أنها يد حقيقية من الإمساك والطي والقبض والبسط وأنه مسح ظهر آدم بيده اهـ (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص276
_________
(1) رواه الترمذي (3076)، والحاكم (2/ 354). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وقد روي من غير وجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن منده في ((الرد على الجهمية)) (50): صحيح. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال ابن العربي في ((أحكام القرآن)) (2/ 333)، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح. والحديث روي عن عمر رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد (1/ 251) (2270)، وابن أبي عاصم في ((السنة)) (204)، والطبراني (12/ 214). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/ 206): رواه أحمد والطبراني وقال في أوله لما نزلت آية الدين وقال كم عمره قال ستون سنة، والباقي بمعناه وفيه علي بن زيد وضعفه الجمهور، وبقية رجاله ثقات. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (4/ 71): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((ظلال الجنة)) (204): صحيح.
(3) ((مختصر الصواعق المرسلة)) (2/ 171).

- المصور
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه المُصَوِّر، وهذا ثابت بالكتاب والسُّنَّة، و (المُصَوِّر) من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ اللهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ المُصَوِّر [الحشر: 24]
وقوله: هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحامِ كَيْفَ يَشَاء [آل عمران:6]
الدليل من السُّنَّة:
حديث أنس رضي الله عنه: ((لمَّا صوَّر الله آدم في الجنة؛ تركه ما شاء الله أن يتركه)) (1)
حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ((سجد وجهي للذي خلقه وصوَّره وشق سمعه وبصره)) (2)
قال ابن منظور في (لسان العرب): ومن أسماء الله المُصَوِّر، وهو الذي صوَّر جميع الموجودات ورتبها، فأعطى كل شيء منها صورة خاصة وهيئة مفردة يتميز بها على اختلافها وكثرتها
قال الشيخ ابن سعدي: الخالق البارئ المُصَوِّر: الذي خلق جميع الموجودات وبرأها وسواها بحكمته، وصورها بحمده وحكمته، وهو لم يزل ولا يزال على هذا الوصف العظيم (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص277
_________
(1) رواه مسلم (2611).
(2) رواه مسلم (771).
(3) ((التفسير)) (5/ 301).

- المعية
يعتقد أهل الحقِّ، أهل السُّنَّة والجماعة أنَّ الله معنا على الحقيقة، وأنه فوق سماواته، مستوٍ على عرشه، بائنٌ من خلقه، وهذه المَعِيَّةُ ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد: 4]
وقوله: وَلا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا [المجادلة: 7]
الدليل من السُّنَّة:
حديث ابن عمر رضي الله عنهما: ((إذا كان أحدكم في الصلاة؛ فلا يبصق قِبَل وجهه؛ فإنَّ الله قِبَل وجهه)) (1)
الحديث القدسي: ((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني ... )) (2)
وانظر: صفة (القُرْب)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في (الواسطية): فصل: وقد دخل فيما ذكرناه من الإيمان بالله الإيمان بما أخبر الله به في كتابه، وتواتر عن رسوله، وأجمع عليه سلف الأمة؛ من أنه سبحانه فوق سماواته على عرشه، عليُّ على خلقه، وهو سبحانه معهم أينما كانوا، يعلم ما هم عاملون، ثم بعد أن أورد بعض الآيات؛ قال: وكل هذا الكلام الذي ذكره الله من أنه فوق العرش وأنه معنا حقٌ على حقيقته، لا يحتاج إلى تحريف، ولكن يصان عن الظنون الكاذبة (3)
قال الشيخ العثيمين -رحمه الله- في (تعقيب مَعِيَّة الله على خلقه) في بيان سبب كتابه هذا التعقيب: جـ - ولبيان معنى هذه الصفة العظيمة التي وصف الله بها نفسه في عدة آيات من القرآن، ووصفه بها نبيه محمد صلى الله عليه وسلم اهـ
وهذه الرسالة من أفضل ما قرأت في توضيح معنى المَعِيَّة؛ فلتراجع، وقد طبعها الشيخ رحمه الله في آخر كتابه القيم: (القواعد المثلى في صفات الله وأسمائه الحسنى) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص278
_________
(1) رواه البخاري (406)، ومسلم (547).
(2) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) ((العقيدة الواسطية)) (ص193).

- المغفرة والغفران
صفةٌ فعلِيَّةٌ ثابتة لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسُّنَّة، ومن أسمائه (الغفار) و (الغفور) الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة: 285]
وقوله: إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ [فاطر: 28]
وقوله: أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ [الزمر: 5]
وقوله: إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ [فصلت: 43]
الدليل من السُّنَّة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير)) (1)
حديث عائشة رضي الله عنها: ((من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن كره لقاء الله؛ كره الله لقاءه فقيل: يا رسول الله! كراهية لقاء الله كراهية الموت، كلنا نكره الموت؟ قال: ذاك عند موته، إذا بشر برحمة الله ومغفرته؛ أحب لقاء الله)) (2)
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (الغفور)، وهو من قولك: غفرت الشيء: إذا غطيته؛ كما يُقال: كَفَرْتُه: إذا غطيته ويقال: كذا أغفر من كذا؛ أي: أستر (3) وقال الزجاجي: غفور – كما ذكرت لك – من أبنية المبالغة؛ فالله عَزَّ وجَلَّ غفور؛ لأنه يفعل ذلك لعباده مرة بعد مرة إلى ما لا يحصى، فجاءت هذه الصفة على أبنية المبالغة لذلك، وهو متعلق بالمفعول؛ لأنه لا يقع الستر إلا بمستور يُستر ويُغطى، وليست من أوصاف المبالغة في الذات، إنما هي من أوصاف المبالغة في الفعل (4) وقال الشيخ ابن سعدي: العفُو الغفور الغفار: الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفاً، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفاً، كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته، كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه (5) وقال الشيخ عبد العزيز السلمان: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ في هذه الآيات إثبات وصف الله بالعفو والمغفرة اهـ (6) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص279
_________
(1) رواه مسلم (125).
(2) رواه النسائي (4/ 10)، وابن ماجه (4264). وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(3) ((تفسير غريب القرآن)) (ص14).
(4) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص93).
(5) ((تفسير السعدي)) (5/ 300).
(6) ((الكواشف الجلية عن معاني الواسطية)) (ص270).

- المقت
صفةٌ فعلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسُّنَّة الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ [غافر: 10]
الدليل من السُّنَّة:
حديث عياض بن حمار رضي الله عنه: ((وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم؛ عربهم وعجمهم؛ إلا بقايا من أهل الكتاب)) (1)
وفي (معاني القرآن وإعرابه) في معنى قوله تعالى: إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتاً وَسَاءَ سَبِيلاً [النساء: 22]؛ قال الزجاج: المَقْت: أشد البغض اهـ (2) وقد استشهد شيخ الإسلام في (الواسطية) لإثبات صف (المَقْت) بقوله تعالى: كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ [الصف:3] وقال الشيخ محمد خليل الهرَّاس شارحاً هذه الآيات: تضمنت هذه الآيات بعض صفات الفعل؛ من الرضى لله والغضب والمَقْت والأَسَف، وهي عند أهل الحق صفات حقيقية لله عَزَّ وجَلَّ، على ما يليق به، ولا تشبه ما يتصف به المخلوق من ذلك، ولا يلزم منها ما يلزم في المخلوق اهـ وقال شيخ الإسلام أيضاً في (التدمرية): وكذلك وصف نفسه بأنه يمقت الكفار، ووصفهم بالمَقْت، فقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ، وليس المَقْت مثل المَقْت (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص281
_________
(1) رواه مسلم (2865).
(2) ((معاني القرآن وإعرابه)) (2/ 32).
(3) ((العقيدة التدمرية)) (26).

- المقيت
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه مُقِيت، يقدر لعباده القوت، ويحفظ عليهم رزقهم، وهذا ثابت بالكتاب العزيز والمقيت من أسمائه تعالى الدليل: قوله تعالى: وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً [النساء: 85] قال ابن جرير في تفسير الآية: اختلف أهل التأويل في تأويل قوله: وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً، قال بعضهم: تأويله: وكان الله على كل شيء حفيظاً وشهيداً - ونقل بإسناده هذا القول عن ابن عباس ومجاهد – وقال آخرون: معنى ذلك: القائم على كل شيءٍ بالتدبير وقال آخرون: هو القدير - ونقل ذلك بإسناده عن السدي وابن زيد - والصواب من هذه الأقوال قول من قال: معنى (المُقِيت): القدير اهـ (1) وممَّن قال من أهل اللغة: المُقِيت بمعنى القدير: أبو إسحاق الزَّجَّاج في (تفسير أسماء الله الحسنى) (2) – وله قولٌ آخر سيأتي -، وتلميذه أبو القاسم الزَّجَّاجِي – نسبةً إلى شيخه الزَّجَّاج – في (اشتقاق أسماء الله) (3)، والفراء في (معاني القرآن) (4) ومِمَّن قال: المُقِيت بمعنى الحفيظ: الزجاج في (معاني القرآن وإعرابه) (5)، وهذا قولٌ آخرٌ له، ووافقه أبو جعفر النحاس في (معاني القرآن الكريم) (6) قال القرطبي في (الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى) (7): وعلى القول بأنه القادر يكون من صفات الذات، وإن قلنا إنه اسم الذي يعطي القوت؛ فهو اسم للوهَّاب والرزاق، ويكون من صفات الأفعال وقد عدَّ الشيخ العثيمين -رحمه الله- (المُقِيت) من أسماء الله تعالى، انظر: (القواعد المثلى)، وانظر أيضاً: (النهج الأسمى) (8) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص282
_________
(1) ((تفسير الطبري)) (8/ 583 - شاكر).
(2) ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص 48)
(3) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص136).
(4) ((معاني القرآن)) (1/ 280).
(5) ((معاني القرآن وإعرابه)) (2/ 85).
(6) ((معاني القرآن الكريم)) (2/ 147).
(7) ((الأسنى)) (1/ 275).
(8) ((النهج الأسمى)) (1/ 337).

- المكر على من يمكر به
من صفات الله الفعليَّة الخبريَّة التي لا يوصف بها وصفاً مطلقاً، وهي ثابتة بالكتاب والسُّنَّة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [آل عمران54]
وقوله: وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل50]
الدليل من السُّنَّة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما: ((رب أعني ولا تعن علي، وانصرني ولا تنصر علي، وامكر لي ولا تمكر علي)) (1) رواه أبو داود (صحيح سنن أبي داود/1337)، والترمذي (2816)، وابن ماجه
قال أبو إسحاق الحربي: والكيد من الله خلافه من الناس، كما المَكْر منه خلافه من الناس (2)
وهذا إثبات منه لصفتي الكَيْد والمَكْر على الحقيقة قال شيخ الإسلام: وهكذا وصف نفسه بالمَكْر والكيد، كما وصف عبده بذلك، فقال: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ [الأنفال:30]، وقال: إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً وَأَكِيدُ كَيْداً [الطارق:15]، وليس المَكْر كالمَكْر، ولا الكيد كالكيد (3)
وانظر كلام تلميذه ابن القيم في (مختصر الصواعق المرسلة) (4)
وفي (المجموع الثمين) سئل الشيخ العثيمين -رحمه الله- هل يوصف الله بالمَكْر؟ وهل يسمى به؟ فأجاب: لا يوصف الله تعالى بالمَكْر إلا مقيداً، فلا يوصف الله تعالى به وصفاً مطلقاً؛ قال الله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99]، ففي هذه الآية دليل على أنَّ لله مكراً، والمَكْر هو التوصل إلى إيقاع الخصم من حيث لا يشعر، ومنه جاء في الحديث الذي أخرجه البخاري ((الحرب خدعة)) (5) فإن قيل: كيف يوصف الله بالمَكْر مع أنَّ ظاهره أنه مذموم؟ قيل: إن المَكْر في محله محمود، يدل على قوة الماكر، وأنه غالب على خصمه، ولذلك لا يوصف الله به على الإطلاق، فلا يجوز أن تقول: إنَّ الله ماكر! وإنما تذكر هذه الصفة في مقام يكون مدحاً؛ مثل قوله تعالى: وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ، وقوله وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ [النمل:50]، ومثل قوله تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ، ولا تنفى عنه هذه الصفة على سبيل الإطلاق، بل إنها في المقام التي تكون مدحاً؛ يوصف بها، وفي المقام التي لا تكون مدحاً؛ لا يوصف بها، وكذلك لا يسمى الله به؛ فلا يقال: إنَّ من أسماء الله الماكر والمَكْر من الصفات الفعلية؛ لأنها تتعلق بمشيئة الله سبحانه اهـ (6) وانظر كلام الإمام ابن جرير الطبري في صفة (الاسْتِهْزَاء)، وكلام ابن القيم في صفة (الخِدَاع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص283
_________
(1) رواه أبو داود (1510)، والترمذي (3551)، وابن ماجه (3830)، وأحمد (1/ 227) (1997). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وقال البغوي في ((شرح السنة)) (3/ 153): حسن صحيح. وقال ابن حجر في ((الأمالي المطلقة)) (ص206): حسن. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (3/ 310): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(2) ((غريب الحديث)) (1/ 94).
(3) ((العقيدة التدمرية)) (ص26).
(4) (2/ 32 - 34).
(5) رواه البخاري (3029)، ورواه مسلم (1740). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. والحديث روي في الصحيحين أيضاً عن علي بن أبي طالب وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما.
(6) ((المجموع الثمين)) (2/ 65).

- الملك والملكوت
من صفات الله الذاتية الثابتة بالكتاب والسُّنَّة، و (المَلِك) و (المَليك) من أسمائه تعالى الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: قُلْ اللهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ [آل عمران: 26]
قوله تعالى: فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ [القمر: 55]
قوله تعالى: هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ [الحشر: 23]
الدليل من السُّنَّة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟)) (1)
حديث عوف بن مالك رضي الله عنه: ((سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة)) (2) قال في (اللسان) مُلك الله وملكوته: سلطانه وعظمته
وقال في (القاموس المحيط): الملكوت: العز والسلطان وقال الزَّجَّاجي: فأما الملك؛ فتأويله: ذو الملك يوم الدين، ويوم الدين هو يوم الجزاء والحساب، فوصف الله نفسه جَلَّ وعَزَّ بأنه الملك يوم لا ملك سواه (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص285
_________
(1) رواه البخاري (4812)، ومسلم (2787).
(2) رواه أبو داود (873) والنسائي (2/ 191)، وأحمد (6/ 24) (24026). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال النووي في ((الأذكار)) (81): صحيح. وقال ابن حجر في ((نتائج الأفكار)) (2/ 74): حسن. وقال الشوكاني في ((نيل الأوطار)) (2/ 375): رجال إسناده ثقات. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(3) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص43)

- الملل
ورد في الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم: ((عليكم بما تطيقون، فوالله؛ لا يمل الله حتى تملوا)) (1)
وفي رواية لمسلم: ((فوالله؛ لا يسأم الله حتى تسأموا)) (2)
قال أبو إسحاق الحربي في (غريب الحديث): قوله: ((لا يَمَلُّ الله حتى تملوا)): أخبرنا سلمة عن الفراء؛ يقال: مللت أمَلُّ: ضجرت، وقال أبو زيد: ملَّ يَمَلُّ ملالة، وأمللته إملالاً، فكأنَّ المعنى لا يملُّ من ثواب أعمالكم حتى تملُّوا من العمل)) اهـ (3)
قلت: وهذا ليس تأويلاً، بل تفسير الحديث على ظاهره؛ لأنَّ الذين أوَّلُوه كالنووي في (رياض الصالحين) باب الاقتصاد في العبادة، والبيهقي في (الأسماء والصفات) فصل: ما جاء في المِلال؛ قالوا: معنى لا يَمَلُّ الله؛ أي: لا يقطع ثوابه، أو أنه كناية عن تناهي حق الله عليكم في الطاعة وقال الشيخ محمد بن إبراهيم: ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملُّوا)): من نصوص الصفات، وهذا على وجه يليق بالباري، لا نقص فيه؛ كنصوص الاستهزاء والخداع فيما يتبادر (4) وقد سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله-: هل نستطيع أن نثبت صفة الملل والهرولة لله تعالى؟ فأجاب: جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: ((فإنَّ الله لا يَمَلُّ حتى تملوا)) فمن العلماء من قال: إنَّ هذا دليل على إثبات الملل لله، لكن؛ ملل الله ليس كملل المخلوق؛ إذ إنَّ ملل المخلوق نقص؛ لأنه يدل على سأمه وضجره من هذا الشيء، أما ملل الله؛ فهو كمال وليس فيه نقص، ويجري هذا كسائر الصفات التي نثبتها لله على وجه الكمال وإن كانت في حق المخلوق ليست كمالاً ومن العلماء من يقول: إنَّ قوله: ((لا يَمَلُّ حتى تملوا))؛ يراد به بيان أنه مهما عملت من عمل؛ فإنَّ الله يجازيك عليه؛ فاعمل ما بدا لك؛ فإنَّ الله لا يمل من ثوابك حتى تمل من العمل، وعلى هذا، فيكون المراد بالملل لازم الملل ومنهم من قال: إنَّ هذا الحديث لا يدل على صفة الملل لله إطلاقاً؛ لأنَّ قول القائل: لا أقوم حتى تقوم؛ لا يستلزم قيام الثاني، وهذا أيضاً: ((لا يمل حتى تملوا))؛ لا يستلزم ثبوت الملل لله عَزَّ وجَلَّ
وعلى كل حال يجب علينا أن نعتقد أنَّ الله تعالى مُنَزَّه عن كل صفة نقص من الملل وغيره، وإذا ثبت أنَّ هذا الحديث دليل على الملل؛ فالمراد به ملل ليس كملل المخلوق اهـ (5) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص286
_________
(1) رواه البخاري (43)، ومسلم (785). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(2) رواه مسلم (785) (220).
(3) ((غريب الحديث)) (1/ 338).
(4) ((الفتاوى والرسائل)) (1/ 209).
(5) ((مجموعة دروس وفتاوى الحرم)) (1/ 152).

- المماحلة والمحال
من صفات الله الفعليَّة الخبريَّة الثابتة بالكتاب العزيز الدليل:
قوله تعالى: وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ [الرعد:13] نقل الأزهري في (تهذيب اللغة) قول القتيبي في قول الله جَلَّ وعَزَّ: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ؛ أي: شديد الكيد والمَكْر، وقول سفيان الثوري: شَدِيدُ الْمِحَالِ؛ قال: شديد الانتقام وقول أبي عبيد: الْمِحَالِ: الكيد والمَكْر وقول الفراء: الْمِحَالِ: المُمَاحلة وغيرها من الأقوال (1) وفي (الصحاح): (المُمَاحلة): المماكرة والمكايدة اهـ وقال الخطابي في (غريب الحديث): الْمِحَالِ: الكيد، ومنه قول الله تعالى: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ اهـ (2) وقد استشهد شيخ الإسلام بهذه الآية في (الواسطية) لإثبات هذه الصفة مع الآيات التي فيها صفة المَكْر والكيد (3) وقال ابن كثير في تفسير هذه الآية: وهذه الآية شبيهة بقوله تعالى: وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ
وقال الشيخ زيد بن فياض: وفي هذه الآيات إثبات وصف الله بالمَكْر والكيد والمُمَاحلة، وهذه صفات فعلية تثبت لله كما يليق بجلاله وعظمته، قوله: وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ؛ أي: الأخذ بشدة وقوة، والمِحَال والمُمَاحلة المماكرة والمغالبة اهـ (4)
وبنحوه قال الشيخ عبد العزيز السلمان في (الكواشف الجلية) (5) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص288
_________
(1) ((تهذيب اللغة)) (5/ 95).
(2) ((غريب الحديث)) (3/ 152).
(3) ((العقيدة الواسطية)) (ص122).
(4) ((الروضة الندية شرح العقيدة الواسطية)) (ص114)
(5) ((الكواشف الجلية)) (ص266).

- المن والمنة
صفةٌ فعلِيَّةٌ ثابتةٌ بالكتاب والسُّنَّة، و (المَنَّان) من أسماء الله الثابتة بالحديث الصحيح
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ [آل عمران: 164]
وقوله: وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11]
الدليل من السُّنَّة:
حديث أنس رضي الله عنه: ((اللهم أسألك بأنَّ لك الحمد، لا إله إلا أنت، المنَّان، بديع السماوات والأرض)) (1)
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ به علينا)) (2)
قال الراغب الأصفهاني في (المفردات): المِنَّة: النعمة الثقيلة، ويقال ذلك على وجهين: أحدهما: أن يكون ذلك بالفعل، فيقال: منَّ فلان على فلان: إذا أثقله بالنعمة، وعلى ذلك قوله: لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران:164]، كَذَلِكَ كُنتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللهُ عَلَيْكُمْ [النساء:94] وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ [الصافات: 114]، يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ [إبراهيم: 11]، وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا (5) سورة القصص [القصص: 5] وذلك على الحقيقة لا يكون إلا لله تعالى والثاني: أن يكون ذلك بالقول، وذلك مستقبح فيما بين الناس؛ إلا عند كفران النعمة اهـ
وقال في (القاموس المحيط): منَّ عليه منَّاً: أنعم واصطنع عنده صنيعة ومِنَّة والمنَّان من أسماء الله تعالى؛ أي: المعطي ابتداءً صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص289
_________
(1) رواه أبو داود (1495)، والترمذي (3544)، والنسائي (3/ 52)، وابن ماجه (3858)، وأحمد (3/ 120) (12226). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: حديث غريب. وقال الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): حسن صحيح.
(2) رواه مسلم (2701).

- الموجود
يُخْبَر عن الله عَزَّ وجَلَّ بأنه موجود، وليس الموجود من أسمائه تعالى
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ويفرق بين دعائه والإخبار عنه، فلا يدعى إلا بالأسماء الحسنى، وأما الإخبار عنه؛ فلا يكون باسم سيئ، لكن قد يكون باسم حسن أو باسم ليس بسيئ، وإن لم يحكم بحسنه؛ مثل: شيء وذات وموجود (1)
وانظر كلامه في (القِدَم) كما في (مجموع الفتاوى) (2)
وقال في (دقائق التفسير) في معرض رده على المتكلمين: فصار أهل السُّنَّة يصفونه بالوجود وكمال الوجود، وأولئك يصفونه بعدم كمال الوجود، أو بعدم الوجود بالكلية؛ فهم ممثلة معطلة؛ ممثلة في العقل والشرع، معطلة في العقل والشرع اهـ (3)
وقال ابن القيم: ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفيّاً؛ كالقديم، والشيء، والموجود (4)
وفي (فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) سئلت اللجنة السؤال التالي:
س: لم أجد في أسماء الله وصفاته اسم الموجود، وإنما وجدت اسم الواجد، وعلمت في اللغة أنَّ الموجود على وزن مفعول، ولابد أن يكون لكل موجود موجِد كما أنَّ لكل مفعول فاعل، ومحال أن يوجد لله موجِد ورأيت أنَّ الواجِد يشبه اسم الخالِق، والموجود يشبه اسم المخلوق، وكما أنَّ لكل موجود موجِد؛ فلكل مخلوق خالق؛ فهل لي بعد ذلك أن أصف الله بأنه موجود؟
وقد أجابت اللجنة بتوقيع كل من الشيخ: عبد العزيز بن باز، عبدالرزاق عفيفي، عبدالله بن غديان، عبدالله بن قعود
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على رسوله وآله، وصحبه وبعد:
ج: وجود الله معلوم من الدين بالضرورة، وهو صفة لله بإجماع المسلمين، بل صفة لله عند جميع العقلاء، حتى المشركين، لا ينازع في ذلك إلا مُلْحِد دهري، ولا يلزم من إثبات الوجود صفة لله أن يكون له موجِد؛ لأنَّ الوجود نوعان:
الأول: وجود ذاتي، وهو ما كان وجوده ثابتاً له في نفسه، لا مكسوباً له من غيره، وهذا هو وجود الله سبحانه وصفاته؛ فإنَّ وجوده لم يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد:3]
الثاني: وجود حادث، وهو ما كان حادثاً بعد عدم، فهذا الذي لابد له من موجد يوجده وخالق يحدثه، وهو الله سبحانه، قال تعالى: اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ لَهُ مَقَالِيدُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الزمر:62 - 63]، وقال تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ [الطور:35 - 36] وعلى هذا يوصف الله تعالى بأنه موجود، ويخبر عنه بذلك في الكلام، فيقال: الله موجود، وليس الوجود اسماً، بل صفة وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم اهـ (5)
قلت: الأولى أن يُقال: حي؛ بدل: موجود أما قول السائل: إنه وجد الواجِد من أسماء الله تعالى؛ فهذا غير صحيح، ولم يثبت في كتاب ولا سنة والله أعلم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص290
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 142).
(2) (9/ 300).
(3) ((دقائق التفسير)) (5/ 110).
(4) ((بدائع الفوائد)) (1/ 162).
(5) ((فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء)) (3/ 138/فتوى رقم 6245).

- الناصر والنصير
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الناصر والنصير، وأنَّ النصر بيده، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، و (النصير) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: بَلِ اللهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ [آل عمران: 150]
وقوله: وَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ [الأنفال: 40]
وقوله: إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ [محمد: 7]
وقوله: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ [النصر: 1]
الدليل من السنة:
حديث أنس رضي الله عنه: ((اللهم أنت عضدي، وأنت نَصِيري، بك أحول وبك أصول وبك أقاتل)) (1) حديث صحيح رواه أبو داود (2632)، والترمذي (صحيح سنن الترمذي/2836)، وغيرهما وصححه الألباني في (الكلم الطيب/126
حديث: ((صدق وعده، ونَصَرَ عبده، وهزم الأحزاب وحده)) (2)
فائدة: (الناصر): ليس من أسماء الله تعالى، وعليه؛ فلا يصح التعبد به؛ مثل: عبدالناصر صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص293
_________
(1) رواه أبو داود (2632)، والترمذي (3584)، وأحمد (3/ 184) (12932). والحديث سكت عنه أبو داود. وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال ابن حجر في ((الفتوحات الربانية)) (5/ 90)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(2) رواه البخاري (1797)، ومسلم (1344). من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.

- النزول والهبوط والتدلي (إلى السماء الدنيا)
صفاتٌ فِعْلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنة الصحيحة
الدليل:
حديث النُّزول المشهور: ((يَنْزِلُ ربُّنا إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر)) (1)
حديث علي بن أبي طالب وأبي هريرة رضي الله عنهما مرفوعاً: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ولأخرت عشاء الآخرة إلى ثلث الليل الأول فإنه إذا مضى ثلث الليل الأول هبط الله تعالى إلى السماء الدنيا فلم يزل هناك حتى يطلع الفجر)) (2) وبنحوه عن ابن مسعود رضي الله عنه (3)
حديث: ((إنَّ الله تعالى ليُمْهِل في شهر رمضان كُلَّ ليلة حتى اذا ذهب الليل الأول هبط إلى السماء ثم قال: هل من سائلٍ يعطى، هل من مستغفر يغفر له، هل من تائبٍ يتاب عليه)) (4)
حديث الإسراء عن أنس رضي الله عنه قال: ((حتى جاء سدرة المنتهى ودنا الجَبَّار ربُّ العِزَّةِ فَتَدَلَّى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى)) (5)
قال أبو سعيد الدارمي في (الرد على الجهمية) بعد أن ذكر ما يثبت النُّزول من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: فهذه الأحاديث قد جاءت كلها وأكثر منها في نزول الرب تبارك وتعالى في هذه المواطن، وعلى تصديقها والإيمان بها أدركنا أهل الفقه والبصر من مشايخنا، لا ينكرها منهم أحد، ولا يمتنع من روايتها اهـ (6)
وقال إمام الأئمة محمد بن خزيمة في (كتاب التوحيد): باب: ذكر أخبار ثابتة السند صحيحة القوام، رواها علماء الحجاز والعراق عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب جل وعلا إلى السماء الدنيا كل ليلة: نشهد شهادة مقر بلسانه، مصدق بقلبه، مستيقن بما في هذه الأخبار من ذكر نُزول الرب، من غير أن نصف الكيفية؛ لأنَّ نبينا المصطفى لم يصف لنا كيفية نزول خالقنا إلى سماء الدنيا، وأعلمنا أنه يَنْزل، والله جل وعلا لم يترك ولا نبيه عليه السلام بيان ما بالمسلمين الحاجة إليه من أمر دينهم؛ فنحن قائلون مصدقون بما في هذه الأخبار من ذكر النُّزول، غير متكلفين القول بصفته أو بصفة الكيفية؛ إذ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصف لنا كيفية النُّزول
وفي هذه الأخبار ما بان وثبت وصح أنَّ الله جل وعلا فوق سماء الدنيا الذي أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم أنه يَنْزل إليه، إذ محال في لغة العرب أن يقول: نزل من أسفل إلى أعلى، ومفهوم في الخطاب أنَّ النُّزول من أعلى إلى أسفل اهـ (7)
وقال أبو القاسم اللالكائي: سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في نزول الرب تبارك وتعالى، رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم عشرون نفساً اهـ (8)
_________
(1) رواه البخاري (1145) ومسلم (758). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد (1/ 120) (967) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ورواه (2/ 509) (10626) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ورواه أيضاً عن أبي هريرة رضي الله عنه (2/ 433) (9589) بلفظ: ((نزل)) بدلاً من ((هبط)). قال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 154): رواه أحمد وأبو يعلى ... ورجالهما ثقات. قال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (2/ 203): إسناده صحيح. والحديث أصله في الصحيحين مختصراً.
(3) رواه أحمد (1/ 388) (3673). قال الألباني في ((إرواء الغليل)) (2/ 199): إسناده صحيح.
(4) رواه ابن أبي عاصم (513). وقال الألباني في ((ظلال الجنة)): صحيح.
(5) رواه البخاري (7517).
(6) ((الرد على الجهمية)) (ص79).
(7) كتاب ((التوحيد)) (1/ 289).
(8) ((أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة)) (3/ 434).

وقال شيخ الإسلام رحمه الله في تفسير سورة الإخلاص: فالرب سبحانه إذا وصفه رسوله بأنه يَنْزِل إلى سماء الدنيا كل ليلة، وأنه يدنو عشية عرفة إلى الحجاج، وأنه كلَّم موسى بالوادي الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة، وأنه استوى إلى السماء وهي دخانٌ، فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعاً أو كَرْهاً؛ لم يلزم من ذلك أن تكون هذه الأفعال من جنس ما نشاهده من نزول هذه الأعيان المشهودة، حتى يُقال: ذلك يستلزم تفريغ مكان وشغل آخر (1)
وقال الإمام ابن جرير الطبري في (التبصير في معالم الدين) في فصل: القول فيما أُدرك علمه من صفات الصانع خبراً لا استدلالاً: وذلك نحو إخبار الله تعالى ذكره إيانا أنه سميعٌ بصيرٌ، وأنَّ له يدين بقوله بَل يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ وأنه يَهْبِطُ إلى السماء الدنيا لخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم (2)
وقال شيخ الإسلام نقلاً عن الكرجي مؤيداً له: رُوي عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال في الأحاديث التي جاءت إنَّ الله يهبط إلى السماء الدنيا ونحو هذا من الأحاديث إنَّ هذه الأحاديث قد رواها الثقات فنحن نرويها ونؤمن بها ولا نفسرها (3) وكذا ابن القيم في (اجتماع الجيوش الإسلامية) نقلاً عن أبي القاسم اللالكائي (4)
وقال أيضاً: وقد تأوَّل قومٌ من المنتسبين إلى السنة والحديث حديث النُّزُول وما كان نحوه من النصوص التي فيها فعل الرب اللازم كالإتيان والمجيء والهبوط ونحو ذلك وردَّ على ذلك مثبتاً هذه الصفات (5)
وقال بعد أن ذكر روايات ابن منده لحديث النُّزُول: فهذا تلخيصُ ما ذكره عبدالرحمن بن منده مع أنه استوعب طرق هذا الحديث وذكر ألفاظه مثل قوله: ((يَنْزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا إذا مضى ثلث الليل الأوَّل فيقول: أنا الملك من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك إلى الفجر)) (6) وفى لفظ: ((إذا بقي من الليل ثلثاه يَهْبِطُ الرب إلى السماء الدنيا)) (7) وفى لفظ: ((حتى ينشق الفجر ثم يرتفع)) (8) وفي رواية: ((يقول لا أسأل عن عبادي غيري، من ذا الذي يسألني فأعطيه)) (9) وفي رواية عمرو بن عبسة: ((أنَّ الرب يَتَدَّلى في جوف الليل إلى السماء الدنيا)) (10) (11) قلت: فحديث النُّزُول إذاً صح بثلاثة ألفاظ: النُّزُول والْهُبُوط والتًّدَلِّي
وانظر: (رسالة شرح حديث النُّزول) لشيخ الإسلام رحمه الله صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص294
_________
(1) ((دقائق التفسير)) (6/ 424).
(2) ((التبصير في معالم التنزيل)) (ص132).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (4/ 186).
(4) ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (1/ 139).
(5) ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (5/ 397).
(6) رواه أحمد (2/ 282) (7779) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده صحيح على شرط مسلم.
(7) رواه أحمد (1/ 388، 403)، وابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/ 137) بلفظ (ثلث الليل الباقي).
(8) ابن أبي عاصم في ((السنة)) (500، 501) والنسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 124، 125). من حديث أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما. وقال الألباني في ((ظلال الجنة)): إسناده جيد.
(9) رواه ابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/ 313)، وابن حبان (1/ 444)، والطبراني (5/ 50). من حديث رفاعة بن عرابة الجهني رضي الله عنه. وأشار الألباني إلى صحة هذه الرواية في ((السلسلة الضعيفة)) تحت الحديث رقم (3897).
(10) رواه أحمد (4/ 385) (19452) دون آخره (إلى السماء الدنيا) وقال شعيب الأرناؤوط: إسناده ضعيف لانقطاعه بين سليم بن عامر وعمرو بن عبسة على خطأ في متنه واختلف فيه على يزيد بن هارون.
(11) ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (5/ 394).

- النسيان (بمعنى الترك)
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ [التوبة: 67]
وقوله: فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا [الأعراف:51]
وقوله: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ [السجدة: 14]
وقوله: وَقِيلَ الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا [الجاثية: 34]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه في رؤية الله يوم القيامة، وفيه: أنَّ الله يلقى العبد، فيقول: أفظننت أنك ملاقيَّ؟ فيقول: لا فيقول – أي: الله عَزَّ وجَلَّ – فإني أنساك كما نسيتني)) (1)
قال الإمام أحمد: أما قوله: الْيَوْمَ نَنسَاكُمْ كَمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا؛ يقول: نترككم في النار؛ كما نَسيتُمْ؛ كما تركتم العمل للقاء يومكم هذا اهـ (2)
وقال ابن فارس: النِّسْيان: الترك، قال الله جَلَّ وعَزَّ: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ اهـ (3)
وقال الطبري في تفسير قوله تعالى نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ: معناه: تركوا الله أن يطيعوه ويتبعوا أمره، فتركهم الله من توفيقه وهدايته ورحمته، وقد دللنا فيما مضى على أنَّ معنى النسيان: الترك، بشواهده فأغنى ذلك عن إعادته ههنا أهـ
وسُئِل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- في (مجموع فتاوى ورسائل) (4) السؤال التالي: هل يوصف الله تعالى بالنِّسْيَان؟
فأجاب حفظه الله تعالى بقوله: (للنِّسْيَان معنيان:
أحدهما: الذهول عن شيء معلوم؛ مثل قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِن نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا [البقرة:286]-وضرب مجموعة من الأمثلة لذلك- ثم قال: وعلى هذا؛ فلا يجوز وصف الله بالنِّسْيَان بهذا المعنى على كل حال
والمعنى الثاني للنِّسْيَان: الترك عن علم وعمد؛ مثل قوله تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:44] الآية، ومثل قوله تعالى: وَلَقَدْ عَهِدْنَا إلى آدَمَ مِن قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا [طه:115]؛ على أحد القولين، ومثل قوله صلى الله عليه وسلم في أقسام أهل الخيل: ((ورجل ربطها تغنياً وتعففاً، ولم ينس حق الله في رقابها وظهورها؛ فهي له كذلك ستر)) (5) وهذا المعنى من النِّسْيَان ثابت لله تعالى عَزَّ وجَلَّ؛ قال الله تعالى: فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ [السجدة: 14]، وقال تعالى في المنافقين: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ [التوبة:67] وفي (صحيح مسلم) في (كتاب الزهد والرقائق) عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ قال: ((قالوا: يا رسول الله! هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فذكر الحديث، وفيه: أنَّ الله تعالى يلقى العبد، فيقول: أفظننت أنك ملاقي؟ فيقول: لا فيقول: فإني أنساك كما نسيتني)) (6)
وتركُه سبحانه للشيء صفةً من صفاته الفعلية الواقعة بمشيئته التابعة لحكمته؛ قال الله تعالى: وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لا يُبْصِرُونَ [البقرة:17]، وقال تعالى: وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ [الكهف:99]، وقال: وَلَقَد تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً [العنكبوت:35] والنصوص في ثبوت الترك وغيره من أفعاله المتعلقة بمشيئته كثيرة معلومة وهي دالة على كمال قدرته وسلطانه
وقيام هذه الأفعال به سبحانه لا يماثل قيامها بالمخلوقين، وإن شاركه في أصل المعنى؛ كما هو معلوم عند أهل السنة) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص298
_________
(1) رواه مسلم (2968).
(2) ((الرد على الزنادقة والجهمية)) (ص21)
(3) ((مجمل اللغة)) (ص866)
(4) (3/ 54 - 56) (354).
(5) رواه البخاري (2371)، ومسلم (987). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(6) رواه مسلم (2968).

- النظر
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [آل عمران: 77]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إنَّ الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)) (1)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لا ينظر الله يوم القيامة إلى من جرَّ إزاره بطراً)) (2)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه أيضاً: ((ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم)) (3)
قال ابن أبي العز الحنفي: النظر له عدة استعمالات بحسب صلاته وتعديه بنفسه: فإن عدي بنفسه؛ فمعناه: التوقف والانتظار: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13] وإن عدي بـ (في)؛ فمعناه: التفكر والاعتبار؛ كقوله: أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الأعراف: 185] وإنْ عُدي بـ (إلى)؛ فمعناه: المعاينة بالأبصار؛ كقوله تعالى: انظُرُوا إلى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ [الأنعام: 99] اهـ (4)
وأنت ترى أنَّ النظر فيما سبق من أدلة متعدٍّ بـ (إلى)؛ فأهل السنة والجماعة يقولون: إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يرى ويبصر وينظر إلى ما يشاء بعينه سبحانه وتعالى؛ كما يليق بشأنه العظيم لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]
وانظر صفة: (البصر) و (الرؤية) و (العين) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص300
_________
(1) رواه مسلم (2564).
(2) رواه البخاري (5788)، ومسلم (2087).
(3) رواه البخاري (2358)، ومسلم (108).
(4) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (1/ 190).

- النعت
يصح إطلاق هذه اللفظة وإضافتها إلى الله تعالى، فتقول: نعت الله أو نعوت الله، ونحو ذلك، لأنَّ النعت في اللغة بمعنى الصفة – على الراجح -
قال ابنُ فارس في (معجم مقاييس اللغة): النعتُ: وصفك الشيء بما فيه من حسن؛ كذا قاله الخليل
وقال ابن منظور في (لسان العرب): النعتُ: وصفك الشيء، تنعته بما فيه وتبالغ في وصفه
وفي (مختار الصحاح): الصفة عندهم – يعني النحويين- هي النعت
قال المناوي في (التوقيف على مهمات التعاريف): الصفة لغة: النعت
وقال أبو هلال العسكري في كتاب (الفروق): الفرق بين (الصفة) و (النعت): النعت هو ما يظهر من الصفات ويشتهر، لأنَّ (النعت) يفيد من المعاني التي ذكرناها ما لا تفيده (الصفة)، ثم قد تتداخل (الصفة) و (النعت) فيقع كلُّ واحدٍ منهما موضع الآخر، لتقارب معنييهما، ويجوز أن يقال: (الصفة) لغة و (النعت) لغة أخرى، ولا فرق بينهما
وقد كَثُر في أقوال العلماء إضافة النعت إلى الله عزَّ وجلَ ومن ذلك:
قول ابن جرير الطبري في تفسير قوله تعالى: قُلْ أَغَيْرَ اللهِ أَتَّخِذُ وَلِيّاً فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ [الأنعام: 14]: يقول الله: فاطرِ السموات والأرض أتخذُ ولياً؟ ففاطرِ السموات من نعتِ الله وصفتِه ولذلك خُفِض، وقوله في تفسير قوله تعالى: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ [الأنعام: 23]، واختلفت القراء أيضاً في قراءة قوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فقرأ ذلك عامةُ قرَّاء المدينة وبعض الكوفيين والبصريين والله ربِّنا خفضاً على أنَّ الرب: نعتٌ لله
قول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن أعظم الأصول معرفة الإنسان بما نعت الله به نفسه من الصفات الفعلية (1)
وقوله: إذا قيل: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، فهي كُلُّها أسماء لمسمى واحدٍ سبحانه وتعالى وإن كان كُلُّ اسمٍ يدل على نعتٍ لله تعالى لا يدل عليه الاسم الآخر (2) وقوله واصفاً أهل الإيمان: وتضمن إيمانهم بالله إيمانهم بربوبيته وصفاتِ كمالِه ونعوتِ جلاله وأسمائه الحسنى، وعموم قدرته ومشيئته وكمال علمه وحكمته؛ فباينوا بذلك جميعَ طوائف أهل البدع والمنكرين لذلك أو لشيء منه (3)
قول الحافظ ابن القيم: أسماؤه كلُّها أسماء مدحٍ وحمدٍ وثناءٍ وتمجيدٍ، ولذلك كانت حسنى، وصفاتُه كلُّها صفات كمالٍ، ونعوتُه كلُّها نعوتُ جلالٍ، وأفعالُه كلُّها حكمة ورحمة ومصلحة وعدل (4)
وقوله: التوحيدُ الحقُ هو ما نعت الله به نفسه على ألسنة رسله فهم لم ينعتوه من تلقاء أنفسهم وإنما نعتوه بما أذن لهم في نعته به (5) وقوله: والتحقيق: أنَّ صفاتِ الرب جلَّ جلالُه داخلةٌ في مسمى اسمه، فليس اسمه: الله، والرب، والإله، أسماء لذاتٍ مجردة لا صفة لها البتة، فإنَّ هذه الذات المجردة وجودها مستحيل، وإنما يفرضها الذهن فرض الممتنعات ثم يحكم عليها واسم الله سبحانه والرب والإله اسم لذات لها جميع صفات الكمال ونعوت الجلال كالعلم والقدرة والحياة والإرادة والكلام والسمع والبصر والبقاء والقدم وسائر الكمال الذي يستحقه الله لذاته، فصفاته داخلة في مسمى اسمه، فتجريد الصفات عن الذات والذات عن الصفات فرضٌ وخيالٌ ذهني لا حقيقة له وهو أمر اعتباري لا فائدة فيه ولا يترتب عليه معرفة ولا إيمان ولا هو علم في نفسه فليس الله اسماً لذاتٍ لا نعتَ لها، ولا صفة ولا فعل ولا وجه ولا يدين، ذلك إلهٌ معدومٌ مفروضٌ في الأذهان، لا وجود له في الأعيان (6)
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (16/ 372).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 160).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (14/ 135).
(4) ((مدارج السالكين)) (1/ 125).
(5) ((مدارج السالكين)) (3/ 521).
(6) ((مدارج السالكين)) (3/ 362).

وقوله: فهذا الموصوف بهذه الصفات والنعوت والأفعال والعلو والعظمة والحفظ والعزة والحكمة والملك والحمد والمغفرة والرحمة والكلام والمشيئة والولاية وإحياء الموتى والقدرة التامة الشاملة والحكم بين عباده وكونه فاطر السموات والأرض وهو السميع البصير؛ فهذا هو الذي ليس كمثله شيء لكثرة نعوته وأوصافه وأسمائه وأفعاله وثبوتها له على وجه الكمال الذي لا يماثله فيه شيء (1)
قول ابن كثير في تفسير قوله تعالى: هُنَالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ [الكهف: 44]: منهم من رفع (الحق) على أنه نعتٌ للولاية كقوله تعالى: الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْماً عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيراً [الفرقان:26] ومنهم من خفض القاف على أنه نعتٌ لله عز وجل كقوله: ثُمَّ رُدُّوا إلى اللهِ مَوْلاهُمْ الْحَقِّ [الأنعام:62]
قول الحافظ الذهبي (2): فإننا على أصلٍ صحيح، وعِقْدٍ متين، من أنَّ الله تقدس اسمه لا مثل له، وأنَّ إيماننا بما ثبت من نعوته كإيماننا بذاته المقدسة، إذ الصفات تابعة للموصوف، فنعقلُ وجود الباري ونُمَيِّز ذاته المقدسة عن الأشباه من غير أن نتعقل الماهية، فكذلك القول في صفاته نؤمن بها ونعقل وجودها ونعلمها في الجملة من غير أن نتعقَّلها أو نُشبهها أو نُكيفها أو نمثلها بصفات خلقه، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً وغيرُهم وغيرُهم كثيرٌ، لكن الأولى أن نقول (صفة الله) أو (صفات الله) بدل (نعت الله) أو (نعوت الله) لورود الحديث الصحيح بذلك انظر: (الصفة) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص301
_________
(1) ((الصواعق المرسلة)) (3/ 1029).
(2) ((العلو للعلي الغفار)) (ص13).

- النَّفْسُ (بسكون الفاء)
أهل السنة والجماعة يثبتون النَّفْس لله تعالى، ونَفْسُه هي ذاته عَزَّ وجَلَّ، وهي ثابتة بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران: 28، 30]
وقوله: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة: 116]
وقوله: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام: 54]
الدليل من السنة:
الحديث المشهور: ((يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي)) (1)
حديث عائشة رضي الله عنها: ((وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك)) (2)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي)) (3)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن نَفْس الله: ونفسه هي ذاته المقدسة (4)
وقال أيضاً: ويراد بنَفْس الشيء ذاته وعينه؛ كما يقال: رأيت زيداً نفسه وعينه، وقد قال تعالى: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ [المائدة:116]، وقال تعالى: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ [الأنعام:12]، وقال تعالى: وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ [آل عمران:28]، وفي الحديث الصحيح؛ أنه قال لأم المؤمنين: ((لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزن بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله رضى نفسه، سبحان الله مداد كلماته)) (5)، وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني، إن ذكرني في نفسه، ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ؛ ذكرته في ملأ خير منهم)) (6)؛ فهذه المواضع المراد فيها بلفظ النَفْس عند جمهور العلماء: الله نفسه، التي هي ذاته، المتصفة بصفاته، ليس المراد بها ذاتاً منفكة عن الصفات، ولا المراد بها صفة للذات، وطائفة من الناس يجعلونها من باب الصفات، كما يظن طائفة أنها الذات المجردة عن الصفات، وكلا القولين خطأ اهـ (7).
وفي (كتاب التوحيد) من (صحيح البخاري): باب: قول الله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمْ اللهُ نَفْسَهُ، وقوله جل ذكره: تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ وقال القاسمي في (التفسير): وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ أي: ذاته المقدسة.
قال الشيخ عبد الله الغنيمان: المراد بالنَّفْسِ في هذا: اللهَ تعالى، المتصف بصفاته، ولا يقصد بذلك ذاتاً منفكة عن الصفات، كما لا يراد به صفة الذات كما قاله بعض الناس اهـ (8) لكن من السلف من يعدُّ (النَّفْس) صفةً لله عَزَّ وجَلَّ، منهم الإمام ابن خزيمة في كتاب (التوحيد)؛ حيث قال في أوله: فأول ما نبدأ به من ذكر صفات خالقنا جل وعلا في كتابنا هذا: ذكر نفسه، جل ربنا عن أن تكون نَفْسُه كنَفْسِ خلقه، وعزَّ أن يكون عَدَماً لا نَفْس له اهـ (9) ومنهم عبد الغني المقدسي؛ قال: ومما نطق به القرآن وصحَّ به النقل من الصفات (النَّفْس)، ثم سرد بعض الآيات والأحاديث لإثبات ذلك (10) ومنهم البغوي انظر: صفة (الأصابع) ومن المتأخرين صديق حسن خان في (قطف الثمر) (11)؛ قال: ومما نطق بها القرآن وصحَّ بها النقل من الصفات: (النَّفْس) لكنه في تفسير قوله تعالى: وَيُحَذِّرُكُمْ اللهُ نَفْسَهُ، قال: أي: ذاته المقدسة والله أعلم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص305
_________
(1) رواه مسلم (2577). من حديث أبي ذر رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (486).
(3) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (14/ 196).
(5) رواه مسلم (2726). من حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها.
(6) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(7) ((مجموع الفتاوى)) (9/ 292 - 293).
(8) ((شرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري)) (1/ 249).
(9) ((التوحيد)) (1/ 11).
(10) ((عقيدة الحافظ عبد الغني المقدسي)) (ص40).
(11) ((قطف الثمر)) (ص65).

- النَّفَسُ (بالتحريك)
صفةٌ فعليةٌ لله عَزَّ وجَلَّ؛ من التنفيس؛ كالفَرَج والتفريج، ثابتةٌ بالسنة الصحيحة
الدليل:
حديث سلمة بن نفيل السكوني رضي الله عنه؛ أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو مُوَلٍّ ظهره إلى اليمن: ((إني أجدُ نَفَسَ الرحمن من هنا)) (1)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ألا إنَّ الإيمان يمان والحكمة يمانية، وأجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن)) (2)
حديث أبي بن كعب رضي الله عنه موقوفاً عليه: ((لا تسبوا الريح؛ فإنها من نَفَسِ الرحمن تبارك وتعالى)) (3)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((من نَفَّسَ عن مؤمن كربة من كرب الدنيا؛ نَفَّسَ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) (4)
قال الأزهري بعد أن ذكر حديث: ((أجد نَفَسَ ربكم من قبل اليمن))؛ قال: ((أجد تنفيس ربكم عنكم من جهة اليمن؛ لأنَّ الله جَلَّ وعَزَّ نصرهم بهم، وأيدهم برجالهم، وكذلك قوله: ((الريح من نَفَس الرحمن))؛ أي: من تنفيس الله بها عن المكروبين، وتفريجه عن الملهوفين)) اهـ (5)
وقال في (القاموس المحيط): وفي قوله: ((ولا تسبوا الريح؛ فإنها من نَفَسِ الرحمن))، و ((أجد نَفَس ربكم من قبل اليمن))؛ اسم وضِع موضع المصدر الحقيقي، من نَفَّسَ تنفيساً ونَفَساَ؛ أي: فَرَّجَ تفريجاً))
قال أبو يعلى الفراء بعد ذكره حديث: ((الريح من نَفَس الرحمن)): اعلم أنَّ شيخنا أبا عبد الله ذكر هذا الحديث في كتابه، وامتنع أن يكون على ظاهره، في أنَّ الريح صفةٌ ترجع إلى الذات، والأمر على ما قاله، ويكون معناه أنَّ الريح مما يُفَرِّج الله عَزَّ وجَلَّ بها عن المكروب والمغموم؛ فيكون معنى النَّفَس معنى التنفيس، وذلك معروف في قولهم: نَفَّسْتُ عن فلان؛ أي: فَرَّجْتُ عنه، وكلمت زيداً في التَّنفيس عن غريمه، ويقال: نفَّس الله عن فلان كربة؛ أي: فرَّج عنه، وروي في الخبر: ((من نفَّس عن مكروب كُربة؛ نَفَّس الله عنه كربة يوم القيامة))، وروي في الخبر أنَّ اللهَ فَرَّجَ عن نبيِّه بالريح يوم الأحزاب، فقال سبحانه: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا [الأحزاب: 9]
وإنما وجب حمل هذا الخبر على هذا، ولم يجب تأويل غيره من الأخبار؛ لأنه قد روي في الخبر ما يدل على ذلك، وذلك أنَّه قال: ((فإذا رأيتموها؛ فقولوا: اللهم إنا نسألك من خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، ونعوذ بك من شرَّها وشرِّ ما فيها وشرِّ ما أرسلت به))، وهذا يقتضي أنَّ فيها شرّاً وأنها مرسلة، وهذه صفات المحدثات اهـ (6)
وبنحو هذا الكلام قال ابن قتيبة (7)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية شارحاً لحديث: ((إني لأجد نَفَسَ الرحمن من قبل اليمن)): فقوله: ((من اليَمَن))؛ يبين مقصود الحديث؛ فإنه ليس لليمن اختصاص بصفات الله تعالى حتى يظن ذلك، ولكن منها جاء الذين يحبهم ويحبونه، الذين قال فيهم: مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ [المائدة:54]، وقد روي أنه لما نزلت هذه الآية؛ سئل عن هؤلاء؟ فذكر أنهم قوم أبي موسى الأشعري، وجاءت الأحاديث الصحيحة مثل قوله: ((أتاكم أهل اليمن؛ أرق قلوباً، وألين أفئدة؛ الإيمان يمان، والحكمة يمانية)) (8)، وهؤلاء هم الذين قاتلوا أهل الردة، وفتحوا الأمصار؛ فبهم نفّس الرحمن عن المؤمنين الكربات)) (9) وبنحوه قال الشيخ العثيمين -رحمه الله- في (القواعد المثلى) (10) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص307
_________
(1) رواه الطبراني (7/ 52)، والبزار في ((البحر الزخار)) (9/ 150)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 391). وأشار عبد الحق الإشبيلي إلى تصحيحه في مقدمة كتابه ((الأحكام الصغرى)) (502)، وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (3367): إسناده صحيح.
(2) رواه أحمد (2/ 541) (10991)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (2/ 149). قال العراقي في ((المغني)) (1/ 143): رجاله ثقات. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (10/ 56): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير شبيب وهو ثقة. وأشار الألباني إلى تصحيحه في ((السلسلة الصحيحة)) بعد حديث رقم (3367) وقال: فهذا شاهد قوي له من حديث سلمة بن نفيل أوجب عليَّ تخريجه هنا والتنبيه على أن الحديث صار به صحيحاً. والحديث أصله في الصحيحين مختصرا.
(3) رواه النسائي في ((السنن الكبرى)) (6/ 232)، والحاكم (2/ 298)، والبيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 393). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه وقد أسند من حديث حبيب بن أبي ثابت من غير هذه الرواية. وقال الذهبي في ((التلخيص)): على شرط البخاري.
(4) رواه مسلم (2699).
(5) ((تهذيب اللغة)) (13/ 9).
(6) ((إبطال التأويلات)) (ص250).
(7) ((تأويل مختلف الحديث)) (249).
(8) رواه البخاري (4388)، ومسلم (52). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(9) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 398).
(10) ((القواعد المثلى)) (ص57).

- النور, ونور السماوات والأرض
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ ثابتةٌ بالكتاب والسنة، وقد عدَّ بعضهم (النُّور) من أسماء الله تعالى؛ كما سيأتي
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ [النور: 35]
وقوله: وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر: 69]
الدليل من السنة:
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إنَّ الله تبارك وتعالى خلق خلقه في ظلمة، فألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور؛ اهتدى، ومن أخطأه؛ ضلَّ)) (1)
حديث: ((اللهم لك الحمد؛ أنت نور السَّماوات والأرض، ولك الحمد)) (2)
قال الإمام أبو عبد الله محمد بن خفيف في كتابه: اعتقاد التوحيد بإثبات الأسماء والصفات – كما في (مجموع الفتاوى) موافقاً له -: فعلى المؤمنين خاصتهم وعامتهم قبول كل ما ورد عنه عليه السلام، بنقل العدل عن العدل، حتى يتصل به صلى الله عليه وسلم، وإنَّ مما قضى الله علينا في كتابه، ووصف به نفسه، ووردت السنة بصحة ذلك؛ أن قال: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ [النور:35]، ثم قال عقيب ذلك: نُورٌ عَلَى نُورٍ [النور:35]، وبذلك دعاه صلى الله عليه وسلم: ((أنت نور السماوات والأرض)) (3)
وقال شيخ الإسلام: النص في كتاب الله وسنة رسوله قد سمى الله نور السماوات والأرض، وقد أخبر النص أنَّ الله نور، وأخبر أيضاً أنه يحتجب بالنور؛ فهذه ثلاثة أنوار في النص، وقد تقدم ذكر الأول، وأمَّا الثاني؛ فهو في قوله: وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا [الزمر:69] وفي قوله: مَثَلُ نُورِهِ، وفيما رواه مسلم في (صحيحه) عن عبد الله بن عمرو؛ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله خلق خلقه في ظلمة، وألقى عليهم من نوره، فمن أصابه من ذلك النور؛ اهتدى، ومن أخطأه؛ ضلَّ)) (4) (5)
وقال في موضع آخر: وقد أخبر الله في كتابه أنَّ الأرض تشرق بنور ربها، فإذا كانت تشرق من نوره؛ كيف لا يكون هو نوراً؟ ‍‍! ولا يجوز أن يكون هذا النور المضاف إليه إضافة خلق وملك واصطفاء؛ كقوله: ناقة الله ونحو ذلك؛ لوجوه (وذكرها) اهـ (6)
تنبيه:
حديث عبد الله بن عمرو لم يروه مسلم في (صحيحه)
وقال ابن القيم: والنور يضاف إليه سبحانه على أحد الوجهين: إضافة صفة إلى موصوفها، وإضافة مفعول إلى فاعله؛ فالأول كقوله تعالى: وَأَشْرَقَتْ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا الآية؛ فهذا إشراقها يوم القيامة بنوره تعالى إذا جاء لفصل القضاء (7)
وقال رحمه الله في (النونية) (8):
وَالنُّورُ مِنْ أسْمائِهِ أيْضاً وَمِنْ ... أَوْصَافِهِ سُبْحَانَ ذِي البُرْهَانِ
قال الهرَّاس في (الشرح): ومن أسمائه سبحانه النور، وهو أيضاً صفة من صفاته، فيقال: الله نور، فيكون اسماً مخبراً به على تأويله بالمشتق، ويقال: ذو نور، فيكون صفة؛ قال تعالى: اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ، وقال: وَأَشْرَقَتِ الأرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا
وفي الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ أنه صلى الله عليه وسلم كان حين يستيقظ من الليل؛ يقول: ((اللهم لك الحمد؛ أنت نور السماوات والأرض ومن فيهن)) (9) اهـ
وانظر: (مجموع الفتاوى (6/ 374 - 396))، و (مختصر الصواعق المرسلة (2/ 192 - 206))، و (شرح الشيخ عبد الله الغنيمان لكتاب التوحيد من صحيح البخاري (1/ 170 - 177)) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص311
_________
(1) رواه الترمذي (2642)، وأحمد (2/ 176) (6644). والحاكم (1/ 84). قال الترمذي: هذا حديث حسن. ووافقه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 316). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/ 128): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(2) رواه البخاري (6317)، ومسلم (769) واللفظ له. من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (5/ 73).
(4) رواه الترمذي (2642)، وأحمد (2/ 176) (6644). والحاكم (1/ 84). قال الترمذي: هذا حديث حسن. ووافقه ابن العربي في ((عارضة الأحوذي)) (5/ 316). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح قد تداوله الأئمة وقد احتجا بجميع رواته ثم لم يخرجاه ولا أعلم له علة. ووافقه الذهبي. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (10/ 128): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح. والحديث لم يروه مسلم.
(5) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 386).
(6) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 392).
(7) ((اجتماع الجيوش الإسلامية)) (ص45).
(8) ((القصيدة النونية)) (2/ 105).
(9) رواه البخاري (6317)، ومسلم (769).

- الهادي
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه (الهادي)، وهذا ثابتٌ بالكتاب والسنة، وهو اسم له سبحانه وتعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا [الأعراف: 43]
وقوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ [القصص: 56]
وقوله: وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً [الفرقان: 31]
الدليل من السنة:
الحديث القدسي المشهور، حديث أبي ذر رضي الله عنه: ((يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته؛ فاستهدوني أهدكم)) (1)
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وارزقني)) (2)
قال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: الهادي: أي الذي يهدي ويرشد عباده إلى جميع المنافع وإلى دفع المضار، ويعلمهم ما لا يعلمون، ويهديهم لهداية التوفيق والتسديد، ويلهمهم التقوى، ويجعل قلوبهم منيبة إليه منقادة لأمره (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص313
_________
(1) رواه مسلم (2577).
(2) رواه مسلم (2696).
(3) (تفسير السعدي) (5/ 305).

- الهبوط (إلى السماء الدنيا)
صفةٌ فِعْلِيَّةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالسنة الصحيحة
وفي اللسان: الهبوط نقيض الصعود (أي: نزولٌ من علوٍ) انظر صفة: (النُّزُول) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص314

- الهرولة
صفةٌ فعليةٌ خبريَّةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالحديث الصحيح
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري ومسلم: ((وإن أتاني يمشي؛ أتيته هَرْوَلَةً)) (1)
قال أبو إسماعيل الهروي في (الأربعون في دلائل التوحيد): باب الهَرْوَلَةِ لله عزَّ وجلَّ، ثم أورد الحديث (2)
وقال أبو إسحاق الحربي في (غريب الحديث) بعد أن أورد حديث أبي هريرة: قوله: ((هَرْوَلَة)): مشيٌ سريع اهـ (3)
وقال أبو موسى المديني في (المجموع المغيث) في الحديث عن الله تبارك وتعالى: من أتاني يمشي؛ أتيته هَرْوَلَة))، وهي مشي سريع، بين المشي والعدو اهـ (4)
وهذا إثبات منهما رحمهما الله للصِّفة على حقيقتها
وقد ورد في الفتوى (رقم 6932) من فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء (3/ 142) ما يلي: س: هل لله صفة الهَرْوَلَة؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه وبعد:
ج: نعم؛ صفة الهَرْوَلَة على نحو ما جاء في الحديث القدسي الشريف على ما يليق به، قال تعالى: ((إذا تقرب إليَّ العبد شبراً؛ تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليَّ ذراعاً؛ تقربت منه باعاً، وإذا أتاني ماشياً؛ أتيته هَرْوَلَة)) رواه البخاري، ومسلم
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم
وقد وقع على هذه الفتوى كلٌ من المشايخ: عبد العزيز بن باز، عبدالرزاق عفيفي، عبد الله بن غديان، عبد الله بن قعود
وفي (الجواب المختار لهداية المحتار- ص24) للشيخ محمد العثيمين قوله: صفة الهَرْوَلَة ثابتة لله تعالى؛ كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ قال: ((يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي به (فذكر الحديث، وفيه:) وإن أتاني يمشي؛ أتيته هَرْوَلَة))، وهذه الهَرْوَلَةُ صفة من صفات أفعاله التي يجب علينا الإيمان بها من غير تكييف ولا تمثيل؛ لأنه أخبر بها عن نفسه، فوجب علينا قبولها بدون تكييف، لأنَّ التكييف قول على الله بغير علم، وهو حرام، وبدون تمثيل؛ لأنَّ الله يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص314
_________
(1) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).
(2) ((الأربعون في دلائل التوحيد)) (ص: 79).
(3) ((غريب الحديث)) (2/ 684).
(4) ((المجموع المغيث)) (3/ 96).

- الهيمنة
صفةٌ ثابتةٌ لله عَزَّ وجَلَّ بالكتاب العزيز، من اسمه (المهيمن)
الدليل:
قوله تعالى: الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ [الحشر: 23]
قال ابن جرير في تفسير الآية 48 من سورة المائدة مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ الآية: وأصل الهَيْمَنَة: الحفظ والارتقاب، يقال: إذا رقب الرجل الشيء وحفظه وشهده؛ قد هيمن فلان عليه؛ فهو يهيمن هَيْمَنَة، وهو عليه مهيمن اهـ
وقال ابن منظور في (اللسان): المهيمن: اسم من أسماء الله تعالى في الكتب القديمة، والمهيمن: الشاهد، وهو من أمن غيره من الخوف وقال الكسائي: المهيمن الشهيد وقال غيره: الرقيب يقال: هيمن يهيمن هَيْمَنَة إذا كان رقيباً على الشيء وقيل: مهيمن في الأصل مؤيمن، وهو مفيعل من الأمانة
وقال البيهقي: المهيمن: هو الشهيد على خلقه بما يكون منهم من قول أو عمل، وهو من صفات ذاته، وقيل: هو الأمين، وقيل: هو الرقيب على الشيء والحافظ له (1) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص316
_________
(1) ((الاعتقاد)) (ص55).

- الواحد والوحدانية
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بالوَحْدَانِيَّة بدلالة الكتاب والسنة، و (الواحد) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّمَا اللهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ [النساء: 171]
وقوله: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: 16]
الدليل من السنة:
قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك)) وقد تكرر في كثير من الأحاديث الصحيحة (1)
قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن: ((فليكن أول ما تدعوهم إلى أن يوحدوا الله تعالى)) (2)
قال البيهقي: الواحد: هو الفرد الذي لم يزل وحده بلا شريك، وقيل؛ هو الذي لا قسيم لذاته ولا شبيه له ولا شريك، وهذه صفة يستحقها بذاته (3)
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان: مثال صفات الذات: النفس، العلم، الحياة الوَحْدَانِيَّة، الجلال، وهي التي لا تنفك عن الله (4) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص317
_________
(1) منها ما رواه البخاري (844)، ومسلم (593). من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (7372)، ورواه مسلم (19) بلفظ: ((عبادة الله)) بدلاً من ((أن يوحدوا الله)). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(3) ((الاعتقاد)) (ص63).
(4) ((الكواشف الجلية)) (ص429).

- الوارث
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الوارِث، وهذا ثابت بالكتاب العزيز، وقد عدَّه كثيرون من أسماء الله تعالى
الدليل:
قوله تعالى: إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم: 40]
وقوله: وَإِنَّا لَنَحْنُ نُحْيِ وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ [الحجر: 23]
قال الأزهري: الوارِث: صفة من صفات الله عَزَّ وجَلَّ، وهو الباقي الدائم (1)
وقال البيهقي: الباقي: هو الذي دام وجوده، والبقاء له صفة قائمة بذاته، وفي معناه الوارِث (2) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص318
_________
(1) ((تهذيب اللغة)) (15/ 117).
(2) ((الاعتقاد)) (ص66).

- الواسع والموسع
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الواسِع والمُوسِع، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، و (الواسِع) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة: 115]
وقوله: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا [الأنعام: 80]
وقوله: وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ [الذاريات: 47]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إنَّ أول الناس يقضى يوم القيامة ورجل وسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال)) (1)
حديث الدعاء في صلاة الجنازة، وفيه: ((وأكرم نُزُلَه، ووسِّع مدخله)) (2)
قال ابن قتيبة: ومن صفاته (الواسِع)، وهو الغني، والسعة: الغنى (3)
وقال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني: الواسِع: وسعت رحمته الخلق أجمعين، وقيل: وسع رزقه الخلق أجمعين، لا تجد أحداً إلا وهو يأكل رزقه، ولا يقدر أن يأكل غير ما رزق (4)
وقال البيهقي: الواسِع: هو العالم، فيرجع معناه إلى صفة العلم، وقيل: الغني الذي وسع غناه مفاقر الخلق (5)
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي: الواسِع الصفات والنعوت ومتعلقاتها، بحيث لا يحصي أحدٌ ثناءً عليه، بل هو كما أثنى على نفسه، واسع العظمة والسلطان والملك، واسع الفضل والإحسان، عظيم الجود والكرم (6)
وقال الراغب الأصفهاني في (المفردات): وقوله: وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً [الأنعام:80]: وصفٌ له؛ نحو: أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً [الطلاق:12]، وقوله: وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:247]، وَكَانَ اللهُ وَاسِعاً حَكِيماً [النساء:130]، فعبارة عن سعة قدرته وعلمه ورحمته وأفضاله
وقال الزجاجي: الواسِع: الغني، يقال: فلان يعطي من سعة؛ أي: من غنى وجدة (7) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص318
_________
(1) رواه مسلم (1905).
(2) رواه مسلم (963) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه.
(3) ((تفسير غريب القرآن)) (ص15).
(4) ((الحجة)) (1/ 150).
(5) ((الاعتقاد)) (ص60).
(6) ((التفسير)) (5/ 305).
(7) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص72).

- الوتر
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه وِتْر، وهذا ثابت بالأحاديث الصحيحة، و (الوِتْر) من أسمائه تعالى
الدليل:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((لله تسعة وتسعون اسماً من حفظها دخل الجنة، وإنَّ الله وِتْر يحب الوِتْر)) (1)
حديث علي رضي الله عنه: ((إنَّ الله وِتْر يحب الوتر؛ فأوتروا يا أهل القرآن)) (2)
قال الخطابي: الوتر: الفرد ومعنى الوتر في صفة الله جل وعلا: الواحد الذي لا شريك له، ولا نظير له، المتفرد عن خلقه، البائن منهم بصفاته، فهو سبحانه وِتْر، وجميع خلقه شفع، خُلقوا أزواجاً (3)
قال البيهقي: الوِتْر: هو الفرد الذي لا شريك له ولا نظير، وهذه صفة يستحقها بذاته (4) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص320
_________
(1) رواه البخاري (6410)، ومسلم (2677).
(2) رواه أبو داود (1416)، والترمذي (453) واللفظ له، وابن ماجه (1169)، وأحمد (1/ 144) (1224)، والحاكم (1/ 441). والحديث سكت عنه أبو داود. قال الترمذي: حديث علي حديث حسن. ووافقه ابن حجر في ((هداية الرواة)) (2/ 57) - كما أشار لذلك في مقدمته -. وقال أحمد شاكر في ((مسند أحمد)) (2/ 290): إسناده صحيح. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): صحيح.
(3) ((شأن الدعاء)) (ص29 - 30).
(4) ((الاعتقاد)) (ص68).

- الوجه
صفةٌ ذاتيةٌ خبرِيَّة لله عَزَّ وجَلَّ ثابتة بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ [البقرة: 272]
وقوله: وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ [الرعد: 22]
الدليل من السنة:
حديث ابن مسعود رضي الله عنه: ((لما قسَّم النبي صلى الله عليه وسلم الغنائم يوم حنين، وقال رجل: والله إنَّ هذه قسمة ما عدل فيها، وما أريد فيها وَجْه الله)) (1)
حديث ابن عمر رضي الله عنهما في الثلاثة الذين حُبِسُوا في الغار، فقال كل واحد منهم: ((اللهم إن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك؛ ففرج عنا ما نحن فيه)) (2)
حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: ((إنك لن تخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وَجْه الله؛ إلا ازددت به درجة ورفعة)) (3)
قال إمام الأئمة ابن خزيمة في (كتاب التوحيد) بعد أن أورد جملة من الآيات تثبت صفة الوَجْه لله تعالى: (فنحن وجميع علمائنا من أهل الحجاز وتهامة واليمن والعراق والشام ومصر؛ مذهبنا: أنا نثبت لله ما أثبته الله لنفسه، نقر بذلك بألسنتنا، ونصدق ذلك بقلوبنا؛ من غير أن نشبه وَجْه خالقنا بوَجْه أحد من المخلوقين، عز ربنا أن يشبه المخلوقين، وجل ربنا عن مقالة المعطلين) (4).
وقال الحافظ ابن منده: (ومن صفات الله عَزَّ وجَلَّ التي وصف بها نفسه قوله: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص:88]، وقال: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلاَلِ وَالإِكْرَام [الرحمن:27]، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بوَجْه الله من النار والفتن كلها، ويسأل به)، ثم سرد أحاديث بسنده، ثم قال: (بيان آخر يدل على أنَّ العباد ينظرون إلى وَجْه ربهم عَزَّ وجَلَّ، وسرد بسنده ما يدل على ذلك) (5)
وقال قَوَّام السُّنَّة الأصفهاني: ذكر إثبات وَجْه الله عَزَّ وجَلَّ الذي وصفه بالجلال والإكرام والبقاء في قوله عَزَّ وجَلَّ: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجلاَلِ وَالإِكْرَام اهـ (6) وانظر: (أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة) للالكائي (7)، و (تفسير ابن جرير) لقوله تعالى: وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ، وتفسير الآية نفسها من (أضواء البيان)، وانظر كلام البغوي في صفة (الأصابع)، وكلام ابن كثير في صفة (السمع) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص321
_________
(1) رواه البخاري (3150)، ومسلم (1062).
(2) رواه البخاري (2215)، ومسلم (2743).
(3) رواه البخاري (1295)، ومسلم (1628).
(4) ((التوحيد)) (1/ 25).
(5) ((التوحيد)) (3/ 36).
(6) ((الحجة)) (1/ 199).
(7) (3/ 412).

- الودود
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الوَدُوُد، الذي يَوَد ويحب عباده الصالحين ويودونه، وهذا ثابت بالكتاب العزيز، و (الوَدُوُد) من أسمائه تعالى
الدليل:
قوله تعالى: وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ [هود: 90]
وقوله: وَهُوَ الْغَفُورُ الوَدُوُد [البروج: 14]
الوِدُ والمَوَدَّة: الحب والمحبة، والوَدُوُد: المُحِب انظر: (اللسان)
قال أبو القاسم الزجاجي: الوَدُوُد: فيه قولان:
أحدهما: أنه فعولٌ بمعنى فاعلٍ؛ كقولك: غفورٌ بمعنى غافر، وكما قالوا: رجلٌ صَبورٌ بمعنى صابر، وشَكورٌ بمعنى شاكر، فيكون الوَدُوُد في صفات الله تعالى عَزَّ وجَلَّ على هذا المذهب أنه يودُّ عبادهُ الصالحينَ ويُحبهم، والودُّ والمودةُ والمحبة في المعنى سواءٌ؛ فالله عَزَّ وجَلَّ ودودٌ لأوليائه والصالحين من عباده، وهو مُحِبٌ لهم
والقول الآخر: أنه فعولٌ بمعنى مفعولٍ؛ كما يقال: رجل هيوبٌ؛ أي: مهيبٌ، فتقديره: أنه عَزَّ وجَلَّ مودودٌ؛ أي: يوده عباده ويحبونه وهما وجهان جيدان
وقد تأتي الصِّفة بالفعل لله عَزَّ وجَلَّ ولعبده، فيقال: العبد شكور لله؛ أي: يشكر نعمته، والله عَزَّ وجَلَّ شكورٌ للعبد؛ أي: يشكر له عمله؛ أي: يجازيه على عمله، والعبد توابٌ إلى الله من ذنبه، والله تَّوابٌ عليه؛ أي: يقبل توبته ويعفو عنه اهـ (1)
وقال ابن القيم: الوَدُوُد المُتَوَدِّد إلى عباده بنعمه الذي يَوَدُّ من تاب إليه وأقبل عليه وهو الوَدُوُد أيضاً أي المحبوب قال البخاري في (صحيحه) الوَدُوُد: الحبيب والتحقيق أنَّ اللفظ يدل على الأمرين على كونه وادَّاً لأوليائه ومَوْدُوُدَاً لهم فأحدهما بالوضع والآخر باللزوم فهو الحبيب المحب لأوليائه يحبهم ويحبونه (2)
وانظر: (تفسير غريب القرآن) لابن قتيبة (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص323
_________
(1) ((اشتقاق أسماء الله)) (ص152).
(2) ((التبيان في أقسام القرآن)) (ص59).
(3) (ص18).

- الوصل والقطع
صفتان فعليتان ثابتتان بالسنة الصحيحة، تليقان بالله عَزَّ وجَلَّ والوَصْلُ: ضد الهجران والقطع
الدليل:
حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الرَّحِمُ معلقة بالعرش تقول مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّه)) (1)
حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((مَنْ وَصَلَ صفاً وَصَلَهُ اللهُ وَمَنْ قَطَعَ صفاً قَطَعَهُ اللهُ)) (2) رواه أبو داود (570) والنسائي (810) انظر: صحيح سنن النسائي (1/ 177
قال الشيخ علي الشبل في كتاب (التنبيه على المخالفات العقدية في فتح الباري) وقد قَرَّظَه عددٌ من العلماء في مقدمتهم الشيخ عبدالعزيز بن باز – رحمه الله -: الوصل والقطع فعلان ثابتان لله سبحانه لائقان به من باب المجازاة والمقابلة لمن يستحقهما، وهما من الصفات الواجب إثباتهما له سبحانه كسائر الصفات، وليستا بمستحيلتين على الله في حقيقتيهما (3) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص324
_________
(1) رواه البخاري (5989) ومسلم (2555) واللفظ له.
(2) رواه أبو داود (666)، والنسائي (2/ 93)، وأحمد (2/ 97) (5724)، والحاكم (1/ 333). والحديث سكت عنه أبو داود، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)): صحيح.
(3) ((التنبيه على المخالفات العقدية في كتاب فتح الباري)) (ص72).

- الوكيل
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الوَكِيل، وهذا ثابتٌ بالكتاب والسنة، وهو اسم من أسمائه
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل [آل عمران: 173]
وقوله: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [الأنعام: 102]
الدليل من السنة:
حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ قال: ((حسبنا الله ونعم الوَكِيل قالها إبراهيم صلى الله عليه وسلم حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم)) (1)
قال ابن منظور في (اللسان): وفي أسماء الله تعالى الوَكِيل: هو المقيم الكفيل بأرزاق العباد، وحقيقته أنه يستقلُّ بأمر التوكل الموكَل إليه، وفي التَنْزيل العزيز: أَلاَّ تَتَّخِذُوا مِن دُونِي وَكِيلاً [الإسراء:2] وقال أبو إسحاق: الوَكِيل في صفة الله تعالى الذي توكَّل بالقيام بجميع ما خلق اهـ
وقال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيل [آل عمران:173]: كفانا الله؛ يعني: يكفينا الله وَنِعْمَ الوَكِيل، يقول: ونعم المولى لمن وليه وكفله، وإنما وصف الله تعالى نفسه بذلك؛ لأنَّ الوَكِيل في كلام العرب هو: المُسْنَدُ إليه القيام بأمر من أسند إليه القيام بأمره، فلما كان القوم الذين وصفهم الله بما وصفهم به في هذه الآيات قد كانوا فَوَّضُوا أمرهم إلى الله، ووثقوا به، وأسندوا ذلك إليه؛ وصف نفسه بقيامه لهم بذلك، وتفويضهم أمرهم إليه بالوكالة، فقال: ونعم الوَكِيل الله تعالى لهم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص325
_________
(1) رواه البخاري (4563).

- الولي والمولى (الولاية والموالاة)
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه وَلِيُّ الذين آمنوا ومولاهم، و (الوَلِيُّ) و (المَوْلَى): اسمان لله تعالى ثابتان بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ [البقرة: 257]
وقوله: ذَلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ [محمد: 11]
والآيات في ذلك كثيرة جداً
الدليل من السنة:
قول الزبير لابنه عبد الله يوم الجمل: (يا بني! إن عجزت عن شيء منه (يعني: دَيْنَه)؛ فاستعن عليه بمولاي قال: فوالله؛ ما دريت ما أراد حتى قلت: يا أبت! من مولاك؟ قال: الله قال: فوالله؛ ما وقعت في كربة من دينه إلاَّ قلت: يا مولى الزبير! اقض عنه دينه فيقضيه) (1)
حديث زيد بن أرقم رضي الله عنه: ((اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكَّاها، أنت وليها ومولاها)) (2)
قال ابن جرير في تفسير قوله تعالى: اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا [البقرة: 257]: نصيرهم وظهيرهم؛ يتولاهم بعونه وتوفيقه
وانظر كلام ابن أبي العز الحنفي في صفة (الغَضَب) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص326
_________
(1) رواه البخاري (3129).
(2) رواه مسلم (2722).

- الوهاب
يوصف الله عَزَّ وجَلَّ بأنه الوَهَّاب، يهب ما يشاء لمن يشاء كيف شاء، وهذا ثابت بالكتاب والسنة، وهي صفةٌ فعليةٌ، و (الوَهَّاب) من أسمائه تعالى
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ [آل عمران: 8]
وقوله: يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُورَ [الشورى: 49]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((ثم ذكرت قول أخي سليمان: رب اغفر لي وَهَبْ لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي)) (1)
قال أبو القاسم الزجاجي: الوَهَّاب: الكثير الهبة والعطية، وفعَّال في كلام العرب للمبالغة؛ فالله عَزَّ وجَلَّ وهَّاب، يهب لعباده واحداً بعد واحد ويعطيهم، فجاءت الصفة على فعَّال لكثرة ذلك وتردده، والهبة: الإعطاء تفضلاً وابتداءً من غير استحقاق ولا مكافأة اهـ (2)
وقال ابن منظور في (لسان العرب): الهبة: العطية الخالية عن الأعواض والأغراض، فإذا كثرت؛ سمِّي صاحبها وهَّاباً، وهو من أبنية المبالغة، ثم قال: واسم الله عَزَّ وجَلَّ الوهاب؛ فهو من صفات الله تعالى المنعم على العباد، والله تعالى الوَهَّاب الوَاهِب صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص327
_________
(1) رواه البخاري (461)، ومسلم (541) واللفظ له.
(2) ((اشتقاق أسماء الله)) (126).

- اليدان
صفةٌ ذاتيةٌ خبرِيَّةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، نثبتها كما نثبت باقي صفاته تعالى؛ من غير تحريفٍ ولا تعطيلٍ، ومن غير تكييفٍ ولا تمثيلٍ، وهي ثابتةٌ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة: 64]
وقوله: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص: 75]
الدليل من السنة:
حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((إنَّ الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها)) (1)
حديث الشفاعة، وفيه: ((فيأتونه فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر؛ خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه)) (2)
حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((إنَّ الله عَزَّ وجَلَّ يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة! فيقولون: لبيك ربنا وسعديك، والخير في يديك)) (3)
حديث: ((يد الله ملأى لا يغيضها نفقة وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع)) (4)
قال إمام الأئمة ابن خزيمة في (كتاب التوحيد): باب: ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جلَّ وعلا، والبيان أنَّ الله تعالى له يدان كما أعلمنا في محكم تَنْزيله، وسرد جملة من الآيات تدل على ذلك، ثم قال: باب ذكر البيان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات يد الله جل وعلا موافقاً لما تلونا من تَنْزيل ربنا لا مخالفاً، قد نَزَّه الله نبيه وأعلى درجته ورفع قدره عن أن يقول إلا ما هو موافق لما أنزل الله عليه من وحيه اهـ (5)
وقال أبو الحسن الأشعري: وأجمعوا على أنه عَزَّ وجَلَّ يسمع ويرى، وأنَّ له تعالى يدين مبسوطتين اهـ (6)
وقال أبو بكر الإسماعيلي: وخلق آدم عليه السلام بيده، ويداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، بلا اعتقاد كيف يداه، إذ لم ينطق كتاب الله تعالى فيه بكيف اهـ (7)
وقال قَوَّام السُّنَّة الأصبهاني في (الحجة): فصل: في إثبات اليد لله تعالى صفة له، ثم أورد بعض الآيات التي تدل على ذلك، ثم قال: ذكر البيان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم على إثبات اليد موافقاً للتَنْزيل، ثم أورد أحاديث بسنده تدل على ذلك اهـ (8)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: إنَّ لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله (9)
وانظر: (أصول الاعتقاد) للالكائي (10) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص328
_________
(1) رواه مسلم (2759).
(2) رواه البخاري (3340)، ومسلم (194). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) رواه البخاري (6549)، ومسلم (2829).
(4) رواه البخاري (7411)، ورواه مسلم (993) بلفظ: ((يمين)) بدلاً (يد).
(5) ((التوحيد)) (1/ 118).
(6) ((رسالة إلى أهل الثغر/ 225).
(7) ((اعتقاد أئمة الحديث)) (ص51).
(8) ((الحجة)) (1/ 185).
(9) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 263).
(10) (3/ 412).

- اليمين والشمال واليسار
توصف يَدُ الله عَزَّ وجَلَّ بأنها يَمِين، وهذا ثابتٌ بالكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر: 67]
الدليل من السنة:
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((يَمِينُ الله ملأى لا يغيضها نفقة)) (1)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((ويطوي السماء بيَمِينه)) (2)
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يصعد إلى الله إلا الطيب؛ فإنَّ الله يتقبلها بيَمِينه)) (3)
يؤمن أهل السنة والجماعة أنَّ لله عَزَّ وجَلَّ يدين، وأنَّ إحدى يديه يَمِين؛ فهل الأخرى توصف بالشِّمال؟ أم أنَّ كلتا يديه يَمِين؟
تحقيق القول في صفة الشِّمال:
أولاً: القائلون بإثبات صفة الشِّمال أو اليسار
ومنهم: الإمام عثمان بن سعيد الدارمي، وأبو يعلى الفراء، ومحمد بن عبد الوهاب، وصديق حسن خان، ومحمد خليل الهرَّاس، وعبدالله الغنيمان، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
ما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه مرفوعاً: ((يطوي الله عَزَّ وجَلَّ السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك! أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول)) (4) الخ الحديث
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: ((خلق الله آدم حين خلقه، فضرب كتفه اليَمِين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحُمم، فقال للتي في يَمِينه: إلى الجنة ولا أبالي، وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي)) (5)
ومن أدلتهم وصف إحدى اليدين باليَمِين؛ كما في الأحاديث السابقة، وأنَّ هذا يقتضي أنَّ الأخرى ليست يَمِيناً، فتكون شمالاً، وفي بعض الأحاديث تذكر اليَمِين، ويذكر مقابلها: ((بيده الأخرى))، وهذا يعني أنَّ الأخرى ليست اليَمِين، فتكون الشِّمال
أقوالهم:
قال الإمام أبو سعيد الدارمي (6): وأعجب من هذا قول الثلجي الجاهل فيما ادعى تأويل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المقسطون يوم القيامة على منابر من نور عن يَمِين الرحمن وكلتا يديه يَمِين)) (7)، فادعى الثلجي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم تأول كلتا يديه يَمِين؛ أنه خرج من تأويل الغلوليين أنها يَمِين الأيدي، وخرج من معنى اليدين إلى النعم؛ يعني بالغلوليين: أهل السنة؛ يعني أنه لا يكون لأحد يَمِينان، فلا يوصف أحد بيَمِينين، ولكن يَمِين وشمال بزعمه
_________
(1) رواه البخاري (7419)، ومسلم (993).
(2) رواه البخاري (6519)، ومسلم (2787).
(3) رواه البخاري (7430) واللفظ له، ومسلم (1014).
(4) رواه مسلم (2788).
(5) رواه أحمد (6/ 441) (27528)، والبزار في ((البحر الزخار)) (10/ 78)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3/ 261). قال البزار: إسناده حسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 188): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (49): إسناده صحيح.
(6) ((نقض الدارمي على المريسي)) (ص155).
(7) رواه مسلم (1827) بلفظ: ((إن المقسطين عند الله ... )). من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه.

قال أبو سعيد: ويلك أيها المعارض! إنما عنى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قد أطلق على التي في مقابلة اليَمِين الشِّمال، ولكن تأويله: ((وكلتا يديه يَمِين))؛ أي: مُنَزَّه على النقص والضعف؛ كما في أيدينا الشِّمال من النقص وعدم البطش، فقال: ((كِلتا يدي الرحمن يَمِين))؛ إجلالاً لله، وتعظيماً أن يوصف بالشِّمال، وقد وصفت يداه بالشِّمال واليسار، وكذلك لو لم يجز إطلاق الشِّمال واليسار؛ لما أطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يجز أن يُقال: كلتا يدي الرحمن يَمِين؛ لم يقله رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا قد جوزه الناس في الخلق؛ فكيف لا يجوز ابن الثلجي في يدي الله أنهما جميعاً يَمِينان، وقد سُمِّي من الناس ذا الشِّمالين، فجاز نفي دعوى ابن الثلجي أيضاً، ويخرج ذو الشِّمالين من معنى أصحاب الأيدي
وقال أبو يعلى الفراء في (إبطال التأويلات) (1) بعد أن ذكر حديث أبي الدرداء رضي الله عنه: واعلم أنَّ هذا الخبر يفيد جواز إطلاق القبضة عليه، واليَمِين واليسار والمسح، وذلك غير ممتنع؛ لما بيَّنا فيما قبل من أنَّهُ لا يحيل صفاته؛ فهو بمثابة اليدين والوَجْه وغيرهما
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في آخر باب من (كتاب التوحيد) في المسألة السادسة: (التصريح بتسميتها الشِّمال)؛ يعني: حديث ابن عمر رضي الله عنه عند مسلم
وقال العلامة صديق حسن خان في كتابه (قطف الثمار) (2): ومن صفاته سبحانه: اليد، واليَمِين، والكف، والإصبع، والشِّمال
وقال الشيخ محمد خليل هرَّاس في تعليقه على (كتاب التوحيد) لابن خزيمة (3): يظهر أنَّ المنع من إطلاق اليسار على الله عَزَّ وجَلَّ إنما هو على جهة التأدب فقط؛ فإنَّ إثبات اليَمِين وإسناد بعض الشؤون إليها كما في قوله تعالى: وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ، وكما في قوله عليه السلام: ((إنَّ يَمِين الله ملأى سحاء الليل والنهار؛ يدل على أنَّ اليد الأخرى المقابلة لها ليست يَمِيناً)).
وقال الشيخ عبد الله الغنيمان في شرحه (لكتاب التوحيد من صحيح البخاري): (هذا؛ وقد تنوعت النصوص من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم على إثبات اليدين لله تعالى وإثبات الأصابع لهما، وإثبات القبض وتثنيتهما، وأنَّ إحداهما يَمِين كما مر، وفي نصوص كثيرة، والأخرى شمال؛ كما في (صحيح مسلم)، وأنه تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وبالنهار ليتوب مسيء الليل، وأنه تعالى يتقبل الصدقة من الكسب الطيب بيَمِينه، فيربيها لصاحبها، وأنَّ المقسطين على منابر من نور عن يَمِين الرحمن، وكلتا يديه يَمِين، وغير ذلك مما هو ثابت عن الله ورسوله وقال: وقد أتانا صلى الله عليه وسلم بذكر الأصابع، وبذكر الكف، وذكر اليَمِين، والشِّمال، واليدين مرة مثناة، ومرة منصوص على واحدة أنه يفعل بها كذا وكذا، وأنَّ الأخرى فيها كذا؛ كما تقدمت النصوص بذلك) (4)
ثانياً: القائلون بأنَّ كلتا يدي الله يَمِين لا شمال ولا يسار فيهما
منهم: الإمام ابن خزيمة في (كتاب التوحيد)، والإمام أحمد، والبيهقي، والألباني، وإليك أدلتهم وأقوالهم:
أدلتهم:
ما رواه مسلم في (صحيحه) من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابر من نور عن يَمِين الرحمن عَزَّ وجَلَّ، وكلتا يديه يَمِين)) (5)
_________
(1) (ص176).
(2) (ص66).
(3) (ص66).
(4) (1/ 311، 318، 319).
(5) رواه مسلم (1827).

حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مرفوعاً: ((أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيَمِينه، وكلتا يديه يَمِين)) (1) رواه ابن أبي عاصم في (السنة 106)، والآجري في (الشريعة) وصحَّحَه الألباني
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((لما خلق الله آدم، ونفخ فيه من روحه؛ قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيها شئت يا آدم، فقال: اخترت يَمِين ربي، وكلتا يداه يَمِين مباركة، ثم بسطها)) (2) رواه ابن أبي عاصم في السنة (206)، وابن حبان (6167)، والحاكم (1/ 64) وصحَّحَه، وعنه البيهقي في (الأسماء والصفات 2/ 56) والحديث حسَّنه الألباني في تخريجه لـ (السنة
حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((يَمِين الله ملأى لا يغيضها نفقة وبيده الأخرى القبض؛ يرفع ويخفض)) رواه البخاري، ومسلم (3) ورواه ابن خزيمة في (كتاب التوحيد)، وسنده صحيح؛ بلفظ: ((وبيَمِينه الأخرى القبض)) (4)
أقوالهم:
قال ابن خزيمة في (كتاب التوحيد): باب: ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أنَّ لخالقنا جلَّ وعلا يدين، كلتاهما يَمِينان، لا يسار لخالقنا عَزَّ وجَلَّ؛ إذ اليسار من صفة المخلوقين، فَجَلَّ ربنا عن أن يكون له يسار
وقال أيضاً: بل الأرض جميعاً قبضةُ ربنا جَلَّ وعلا، بإحدى يديه يوم القيامة، والسماوات مطويات بيَمِينه، وهي اليد الأخرى، وكلتا يدي ربنا يَمِين، لا شمال فيهما، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار؛ إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه اهـ (5)
وقال الإمام أحمد بن حنبل – كما في (طبقات الحنابلة) لأبي يعلى -: وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: ((وكلتا يديه يَمِين))، الإيمان بذلك، فمن لم يؤمن بذلك، ويعلم أنَّ ذلك حق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهو مُكَذِّبٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم (6)
وسئل الشيخ الألباني-رحمه الله- في مجلة الأصالة (7): كيف نوفِّق بين رواية: ((بشماله)) الواردة في حديث ابن عمر رضي الله عنهما في (صحيح مسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين))؟
جواب: لا تعارض بين الحديثين بادئ بدء؛ فقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين)): تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ؛ فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيدٌ للتنْزيه، فيدُ الله ليست كيدِ البشر: شمال ويَمِين، ولكن كلتا يديه سبحانه يَمِين
وأمر آخر؛ أنَّ رواية: ((بشماله)): شاذة؛ كما بيَّنتها في (تخريج المصطلحات الأربعة الواردة في القرآن رقم 1) للمودودي
ويؤكد هذا أنَّ أبا داود رواه وقال: ((بيده الأخرى))، بدل: ((بشماله))، وهو الموافق لقوله صلى الله عليه وسلم: ((وكلتا يديه يَمِين))، والله أعلم
مناقشة الأدلة التي تثبت صفة (الشِّمال) و (اليَسَار):
_________
(1) رواه ابن أبي عاصم في السنة (106)، وابن بطة في ((الإبانة)) (كتاب القدر) (1/ 335)، والآجري في ((الشريعة)) (ص166). وصححه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (3136).
(2) رواه الترمذي (3368)، وابن حبان (14/ 40)، والحاكم (1/ 132)، والبيهقي (10/ 147). قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه. والحديث صح وثبت بالإسناد الثابت الصحيح عند ابن خزيمة – كما أشار لذلك في مقدمة كتاب ((التوحيد)) (1/ 160). وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)): حسن صحيح.
(3) رواه البخاري (7419)، ومسلم (993).
(4) رواه ابن خزيمة في ((التوحيد)) (1/ 162 - 163).
(5) ((التوحيد)) (159، 197).
(6) ((طبقات الحنابلة)) (1/ 313).
(7) العدد الرابع - (ص268)

حديث عبدالله بن عمر عند مسلم (2788 - 24)، وفيه لفظة (الشِّمال)، تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم عن ابن عمر، وعمر بن حمزة ضعيف، والحديث عند البخاري (7412) من طريق عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وعند مسلم (2788 - 25و26) من طريق عبيد الله بن مقسم عن ابن عمر، وليس عندهما لفظة (الشِّمال).
قال الحافظ البيهقي: ذكر (الشِّمال) فيه، تفرد به عمر بن حمزة عن سالم، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر؛ لم يذكرا فيه الشِّمال وروى ذكر الشِّمال في حديث آخر في غير هذه القصة؛ إلا أنه ضعيف بمرة، تفرد بأحدهما: جعفر بن الزبير، وبالآخر: يزيد الرقاشي وهما متروكان، وكيف ذلك؟! وصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمَّى كلتي يديه يَمِيناً اهـ (1)
حديث أبي الدرداء رضي الله عنه المتقدم، وفيه: ((وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي)) (2).
قولهم: ((إنَّ ذكر اليَمِين يدل على أنَّ الأخرى شمال)): قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أنَّ كلتا يدي الله يَمِين.
مناقشة الأدلة التي تثبت أنَّ يدي الله كلتاهما يَمِين:
وصفُ اليدين بأنَّ كلتيهما يَمِين لا يعني عند العرب أنَّ الأخرى ليست يَسَاراً، بل قد يوصف الإنسان بأنَّ يديه كلتاهما يَمِين كما قال المرَّار:
وإِنَّ عَلَى الأمانَةِ مِنْ عَقِيلٍ ... فَتىً كِلْتَا اليدَيْنِ لَهُ يَمِينَ
ولا يعني أن لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه شماله كيَمِينه
انظر البيت في: (مختلف تأويل الحديث) لابن قتيبة (3)
ولُقِّب أبو الطيب طاهر بن الحسين بن مصعب بذي اليَمِينين، كتب له أحد أصحابه:
للأمِيرِ المُهَذَّبِ ... المُكَنَّى بِطَيِّبِ
ذِي اليَمِينينِ طَاهِرِ بـ ... ـنِ الحُسَيْنِ بنِ مُصْعَبِ
انظر: (ثمار القلوب) (4)
كما أنَّ العرب تسمى الرجل ذا الشِّمالَين، وقد سمي عمير بن عبد عمرو بن نضلة رضي الله عنه بذلك، وقيل: بل هو ذو اليدين راجع: (الإصابة)
ولا يعنون بذي الشِّمالَين؛ أي: لا يَمِين له
الترجيح:
إنَّ تعليل القائلين بأنَّ إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ يَمِين والأخرى شمال - وأننا إنما نقول: كلتاهما يَمِين؛ تأدباً وتعظيماً؛ إذ الشِّمال من صفات النقص والضعف - قول قوي، وله حظٌ من النظر؛ إلا أننا نقول: إنَّ صفات الله توقيفية، وما لم يأتِ دليلٌ صحيحٌ صريحٌ في وصف إحدى يدي الله عَزَّ وجَلَّ بالشِّمال أو اليَسَار؛ فإننا لا نتعدى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كلتاهما يَمِين)) والله أعلم صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص330
_________
(1) ((الأسماء والصفات)) (2/ 143).
(2) رواه أحمد (6/ 441) (27528)، والبزار في ((البحر الزخار)) (10/ 78)، والطبراني في ((مسند الشاميين)) (3/ 261). قال البزار: إسناده حسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (7/ 188): رواه أحمد والبزار والطبراني ورجاله رجال الصحيح. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (49): إسناده صحيح.
(3) (247).
(4) (ص291)

- الآخرية
صفةٌ ذاتيةٌ لله عَزَّ وجَلَّ، وذلك من اسمه الآخِر، والذي ورد في الكتاب والسنة
الدليل من الكتاب:
قوله تعالى: هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3]
الدليل من السنة:
ما رواه مسلم في (صحيحه) عن سهيل؛ قال: كان أبو صالح يأمرنا؛ إذا أراد أحدنا أن ينام: أن يضطجع على شقِّه الأيمن، ثم يقول: ((اللهم رب السماوات، ورب الأرض، ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنَّوى، ومُنْزِل التَّوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذٌ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخِر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء؛ اقضِ عنا الدَّيْنَ، واغننا من الفقر)) وكان يروى ذلك عن أبي هُريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم (1)
المعنى:
1 - أي: الذي ليس بعده شيء كما في الحديث
2 - الباقي بعد الأشياء كلها قاله ابن الأثير في (جامع الأصول) (2)، وبنحوه قال الزجاج في (تفسير أسماء الله الحسنى)، وابن منظور في (اللسان) وانظر كلام ابن القيم في صفة (الأَوَّلِيَّةِ) صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة لعلوي بن عبد القادر السقاف - ص338
_________
(1) رواه مسلم (1035).
(2) (4/ 181).

تمهيد:
الصفات المنفية التي ذكرت في القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ترد لمعان عديدة يمكن حصرها في نوعين من التنزيه:
النوع الأول: نفي النقائص والعيوب عن الله عز وجل، المنافية لصفات كماله.
النوع الثاني: تنزيه أوصاف الكمال الثابتة له عز وجل عن مماثلة شيء من صفات المخلوقين، أو هو: إثبات أنه ليس كمثل الله شيء في صفات كماله الثابتة له.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (والتنزيه الذي يستحقه الرب يجمعه نوعان:
- أحدهما: نفي النقص عنه.
- والثاني: نفي مماثلة شيء من الأشياء فيما يستحقه من صفات الكمال (1)). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص 107
_________
(1) ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 186) و (1/ 157، 5/ 169) و ((مجموع الفتاوى)) (16/ 98، 36)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (10/ 245) ((بيان تلبيس الجهمية)) (1/ 378)، ((الصفدية)) (2/ 228)، ((التسعينية)) (1/ 188)، ((الجواب الصحيح)) (2/ 261)، ((الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان)) (248)، ((شرح حديث النزول)) (78)، ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 55 - 60).

المطلب الأول: نفي النقائص عن الله عز وجل
توحيد الله عز وجل الذي دلت عليه النصوص ينقسم إلى توحيد قولي، وتوحيد عملي، فالتوحيد القولي هو ما كان خبرا عن الله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وهذا الخبر إما أن يكون بنفي أو إثبات (1).
فالنفي هو تنزيه الله عز وجل عن كل نقص أو عيب من كل وجه، وهو ما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو ما فطر الله عليه جميع الخلق من إثبات كمال الله عز وجل نفي النفص عنه، وهو مما يعلم بالعقل أيضاً (2).
وقد ضرب الله عز وجل الأمثال وأقام الحجج والبراهين على المشركين بإظهار بطلان ألوهية الأصنام التي يعبدونها لما تتصف به من النقائص والعيوب التي يجب أن يتنزه عنها الرب المعبود (3)، فقال تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النحل: 75]، فبين أن كونه مملوكاً عاجزاً صفة نقص وهذا مثل للآلهة التي تعبد من دون الله، وإن القدرة والملك والإحسان صفة كمال، وهذا مثل لله عز وجل، فهذا ليس مثل هذا.
وقال تعالى: وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: 76]، فالأول مثل العاجز عن الكلام والفعل الذي لا يقدر على شيء، كآلهتهم التي يعبدون، والآخر مثل المتكلم الآمر بالعدل الذي هو على صراط مستقيم، فلا يستوي هذا والعاجز عن الكلام والفعل (4).
وقال تعالى: إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا [مريم: 42]، أي: (لم تعبد أصناماً ناقصة في ذاتها وفي أفعالها، فلا تسمع، ولا تبصر، ولا تملك لعبادها نفعاً ولا ضراً، بل لا تملك لأنفسها شيئاً من النفع، ولا تقدر على شيء من الدفع، فهذا برهان جلي دال على أن عبادة الناقص في ذاته وأفعاله مستقبح عقلاً وشرعاً، ودل تنبيهه وإشارته، أن الذي يجب ويحسن عبادة من له الكمال الذي لا ينال العباد نعمة إلا منه، ولا يدفع عنهم نقمة إلا هو، وهو الله تعالى) (5).
وقال تعالى: وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَدًا لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ [الأعراف: 148]، (فدل ذلك على أن عدم التكلم والهداية نقص، وإن الذي يتكلم ويهدي أكمل ممن لا يتكلم ولا يهدي) (6)، فهو المستحق للعبادة وحده لا شريك له، إلى أمثال ذلك من الآيات.
(ومثل هذا في القرآن متعدد من وصف الأصنام بسلب صفات الكمال، كعدم التكلم, والفعل, وعدم الحياة ونحو ذلك، مما يبين أن المتصف بذلك منتقص معيب كسائر الجمادات، وأن هذه الصفات لا تسلب إلا عن ناقص معيب.
وأما رب الخلق الذي هو أكمل من كل موجود، فهو أحق الموجودات بصفات الكمال، وأنه لا يستوي المتصف بصفات الكمال والذي لا يتصف بها، وهو يذكر أن الجمادات في العادة لا تقبل الاتصاف بهذه الصفات) (7).
وهذا ما دلت عليه النصوص الصريحة, والعقول الصحيحة، وما استقر في الفطر من أن الرب الخالق المستحق للعبادة وحده، يجب أن يتصف بكل كمال على أتم وجوهه، وأن يتنزه عن كل نقص وعيب يمكن أن يتصوره العقل (8). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص 108
_________
(1) ((مدارج السالكين)) (1/ 33) ((الصواعق المرسلة)) (2/ 402)، ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 56 - 60).
(2) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (5/ 195) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 293، 3/ 914، 1010، 1018).
(3) ((مدارج السالكين)) (1/ 34).
(4) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (5/ 202) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 293، 3/ 914، 1010، 1018)، ((النبوات)) (2/ 890)، ((القواعد المثلى)) (ص: 23).
(5) ((تيسير الكريم الرحمن)) (443).
(6) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (5/ 203).
(7) ((تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال، ضمن مجموعة الرسائل والمسائل)) (5/ 203) و ((مجموع الفتاوى)) (5/ 223) و ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 160).
(8) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 363)، ((الصفدية)) (2/ 27)، ((منهاج السنة النبوية)) (3/ 97)، ((شرح العقيدة الأصفهانية)) (119) و ((شفاء العليل)) (2/ 333، 343).

المطلب الثاني: إثبات أنه ليس كمثل الله عز وجل شيء في صفاته الثابتة له
وهذا هو النوع الثاني من المعاني الجامعة للصفات المنفية التي جاءت في القرآن الكريم والسنة النبوية، وهو يقوم على تنزيه أوصاف الكمال الثابتة له سبحانه عن مماثلة أوصاف المخلوقين.
فجميع ما اتصف الله عز وجل به من الصفات لا يماثله فيها أحد من خلقه، والنص إذا ورد بإثبات صفة من الصفات وجب الإيمان به والاعتقاد الجازم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والشرف والعلو ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المخلوقين (1)، وهذا الذي أخبرنا به سبحانه وتعالى في قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11] ونحوها، أي: أن الله عز وجل منزه عن أن يكون له مثل في شيء مما يوصف به من صفات كماله؛ لأن مماثلة المخلوق من أعظم النقص الذي يجب أن ينزه الله عنه (2).
(وكذلك ما كان مختصاً بالمخلوق فإنه يمتنع اتصاف الرب به، فلا يوصف الرب بشيء من النقائص، ولا بشيء من خصائص المخلوق، وكل ما كان من خصائص المخلوق فلا بد فيه من نقص) (3).
فمن شبه صفات الله عز وجل بصفات خلقه لم يكن عابداً لله في الحقيقة، وإنما يعبد وثناً.
وكذلك من نفى ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فإنه في حقيقة أمره لا يعبد شيئاً موجوداً، وإنما يعبد عدماً مفقوداً (4).
كما قيل: (الممثل يعبد صنماً، والمعطل يعبد عدماً) (5)، والسبيل الذي عليه أهل السنة والجماعة، هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم، مع تنزيهه عز وجل أن يشبه شيء من صفاته شيئاً من صفات خلقه.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (ولهذا كان مذهب سلف الأمة وأئمتها أنهم يصفون الله عز وجل بما وصف به نفسه, وبما وصفه به رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل.
يثبتون له الأسماء والصفات، وينفون عنه مماثلة المخلوقات، إثبات بلا تمثيل، وتنزيه بلا تعطيل، كما قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ، فقوله: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ رد على أهل التمثيل، وقوله: السَّمِيعُ البَصِيرُ رد على أهل التعطيل) (6).
وقال رحمه الله: (فالرسل وصفوا الله بصفات الكمال، ونزهوه عن النقائص المناقضة للكمال، ونزهوه عن أن يكون له مثل في شيء من صفات الكمال، وأثبتوا له صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه التمثيل) (7).
والأدلة السمعية التي وردت في نفي المماثلة تنقسم إلى قسمين:
1 - خبر.
2 - وطلب.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: (الأدلة السمعية (8) تنقسم إلى قسمين: خبر، وطلب.
- فمن الخبر قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى: 11]، فالآية فيها نفي صريح للتمثيل. وقوله: تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم: 65]، فإن هذا وإن كان إنشاء، لكنه بمعنى الخبر؛ لأنه استفهام بمعنى النفي. وقوله: وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص: 4]، فهذه كلها تدل على نفي المماثلة، وهي كلها خبرية.
- وأما الطلب؛ فقال تعالى: فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة: 22]، أي: نظراء مماثلين. وقال: فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: 74]). (9). النفي في باب صفات الله عز وجل لأرزقي بن محمد سعيداني – ص 110
_________
(1) ((منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات)) (ص: 20).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (2/ 449، 6/ 516).
(3) ((الصفدية)) (1/ 102)، ((بيان تلبيس الجهمية)) (2/ 70).
(4) ((شرح القصيدة النونية)) (2/ 63).
(5) ((مجموع الفتاوى)) (5/ 261)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (10/ 306).
(6) ((الصفدية)) (1/ 103)، ((درء تعارض العقل والنقل)) (6/ 349، 7/ 111)، ((منهاج السنة النبوية)) (2/ 523).
(7) ((الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح)) (4/ 406)، ((جلاء الأفهام)) (93).
(8) على نفي المماثلة.
(9) ((شرح العقيدة الواسطية)) (1/ 103).

تمهيد:
أ- المقصود بالكلمات المجملة: أنها ألفاظ يطلقها أهل التعطيل:
أو: هي مصطلحات أحدثها أهل الكلام.
ب- ومعنى كونها مجملة: أنها تحتمل حقاً وباطلاً.
أو يقال: لأنها ألفاظ مشتركة بين معان صحيحة، ومعان باطلة. أو يقال لخفاء المراد منها؛ بحيث لا يدرك معنى اللفظ إلا بعد الاستفصال والاستفسار.
ج- ومراد أهل التعطيل من إطلاقها: التوصل إلى نفي الصفات عن الله تعالى بحجة تنزيهه عن النقائص.
د- والذي دعاهم إلا ذلك: عجزهم عن مقارعة أهل السنة بالحجة؛ فلجؤوا إلى هذه الطريقة؛ ليخفوا عوارهم، وزيفهم.
هـ- وهذه الألفاظ لم ترد لا في الكتاب، ولا في السنة؛ بل هي من إطلاقات أهل الكلام.
ووطريقة أهل السنة في التعامل مع هذه الكلمات: أنهم يتوقفون في هذه الألفاظ؛ لأنه لم يرد نفيها ولا إثباتها في الكتاب والسنة؛ فلا يثبتونها، ولا ينفونها.
أما المعنى الذي تحت هذه الألفاظ فإنهم يستفصلون عنه، فإن كان معنى باطلاً ينزه الله عنه ردوه، وإن كان معنى حقاً لا يمتنع على الله قبلوه، واستعملوا اللفظ الشرعي المناسب للمقام.
وأشهر الألفاظ المجملة وروداً في كتب العقائد ما يلي:
1 - الجهة.
2 - الحد.
3 - الأعراض.
4 - الأبعاض أو الأعضاء والأركان والجوارح.
5 - حلول الحوادث بالله تعالى.
6 - التسلسل. رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 219

المطلب الأول: كلمة (الجهة)
هذه اللفظة من الكلمات المجملة التي يطلقها أهل التعطيل، فما معناها في اللغة؟ وما مرادهم من إطلاقها؟ وما التحقيق في تلك اللفظة؟ وهي هي ثابتة لله، أو منفية عنه؟
أ- معنى الجهة في اللغة: تطلق الجهة على الوضع الذي تتوجه إليه، وتقصده، وتطلق على الطريق، وعلى كل شيء استقبلته، وأخذت فيه (1).
ب- ومراد أهل التعطيل من إطلاق لفظ الجهة: نفي صفة العلو عن الله عز وجل.
ج- والتحقيق في هذه اللفظة: أن يقال: إن إطلاق لفظ الجهة في حق الله سبحانه وتعالى أمر مبتدع لم يرد في الكتاب ولا السنة، ولا عن أحد من سلف هذه الأمة.
وبناء على هذا لا يصح إطلاق الجهة على الله عز وجل لا نفياً ولا إثباتاً، بل لابد من التفصيل؛ لأن هذا المعنى يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً.
فإن أريد بها جهة سفل فإنها منتفية عن الله، وممتنعة عليه أيضاً؛ فإن الله أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته، كيف وقد وسع كرسيه السموات والأرض؟
وإن أريد بالجهة أنه في جميع الجهات، وأنه حال في خلقه، وأنه بذاته في كل مكان فإن ذلك ممتنع على الله، منتف في حقه.
وإن أريد نفي الجهة عن الله كما يقول أهل التعطيل؛ حيث يقولون: إن الله ليس في جهة، أي ليس في مكان، فهو لا داخل العالم، ولا خارجه، ولا متصل، ولا منفصل، ولا فوق، ولا تحت فإن ذلك أيضاً ممتنع على الله منتف في حقه؛ إذ إن ذلك وصف له بالعدم المحض.
وإن أريد بالجهة أنه في جهة علو تليق بجلاله، وعظمته من غير إحاطة به، ومن غير أن يكون محتاجاً لأحد من خلقه فإن ذلك حق ثابت له، ومعنى صحيح دلت عليه النصوص، والعقول، والفطر السليمة.
ومعنى كونه في السماء، أي في جهة العلو، أو أن (في) بمعنى على، أي على السماء، كما قال تعالى: وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ [طه: 71] أي على جذوع النخل.
وبهذا التفصيل يتبين الحق من الباطل في هذا الإطلاق.
أما بالنسبة للفظ فكما سبق لا يثبت ولا ينفي، بل يجب أن يستعمل بدلاً عنه اللفظ الشرعي، وهو العلو، والفوقية (2). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 221
_________
(1) انظر: ((لسان العرب)) (13/ 555 - 560).
(2) انظر: ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص:221)، و ((التحفة المهدية شرح الرسالة التدمرية)) (ص: 166 - 171). و ((فتح رب البرية)) (ص: 33 - 35).

المطلب الثاني: كلمة (الحد)
وهذا أيضاً من الألفاظ المجملة التي يطلقها أهل التعطيل.
فما معنى الحد في اللغة؟ وماذا يريد أهل التعطيل من إطلاقه؟ وما شبهتهم في ذلك؟ وما جواب أهل السنة؟
أ- معنى الحد في اللغة: يطلق على الفصل، والمنع، والحاجز بين الشيئين الذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر.
يقال: حددت كذا، جعلت له حداً يميزه.
وحد الدار ما تتميز به عن غيرها، وحد الشيء: الوصف المحيط بمعناه، المميز له عن غيره (1).
ب- وأهل التعطيل يريدون من إطلاق لفظ (الحد) نفي استواء الله على عرشه.
ج- وشبهتهم في ذلك: أنهم يقولون: لو أثبتنا استواء الله على عرشه للزم أن يكون محدوداً؛ لأن المستوى على الشيء يكون محدوداً؛ فالإنسان مثلاً إذا استوى على البعير صار محدوداً بمنطقة معينة، محصوراً بها، وعلى محدود - أيضاً -.
وبناء على ذلك فهم ينفون استواء الله على عرشه, ويرون أنهم ينزهون الله عز وجل عن الحد أو الحدود.
د- جواب أهل السنة: أهل السنة يقولون: إن لفظ (الحد) لم يرد في الكتاب، ولا في السنة.
وليس لنا أن نصف الله بما لم يصف به نفسه، ولا وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم لا نفياً، ولا إثباتاً، وإنما نحن متبعون لا مبتدعون.
هذا بالنسبة للفظ.
أما بالنسبة للمعنى فإننا نستفصل –كعادتنا- ونقول: ماذا تريدون بالحد؟
إن أردتم بالحد أن الله –عز وجل- محدود، أي متميز عن خلقه، منفصل عنهم، مباين لهم فهذا حق ليس فيه شيء من النقص، وهو ثابت لله بهذا المعنى.
وإن أردتم بكونه محدوداً أن العرش محيط به، وأنتم تريدون نفي ذلك عنه بنفي استوائه عليه – فهذا باطل وليس بلازم صحيح؛ فإن الله –تعالى- مستو على عرشه، وإن كان –عز وجل- أكبر من العرش ومن غير العرش.
ولا يلزم من كونه مستوياً على العرش أن يكون العرش محيطاً به؛ لأن الله -عز وجل- أعظم من كل شيء، وأكبر من كل شيء، والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه (2). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 221
_________
(1) انظر: ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 108)، و ((المصباح المنير)) للفيومي (ص: 68).
(2) انظر ((شرح عقيدة الطحاوية)) (ص: 219)، و ((شرح العقيدة الواسطية)) للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله (1/ 376 و 379 - 380).

المطلب الثالث: كلمة (الأعراض)
هذا اللفظ من الألفاظ المجملة التي يطلقها أهل الكلام ومن أقوالهم في ذلك: (نحن ننزه الله تعالى من الأعراض والأغراض، والأبعاض، والحدود، والجهات).
ويقولون: (سبحان من تنزه عن الأعراض, والأغراض, والأبعاض).
أ- تعريف الأعراض في اللغة: الأعراض جمع عرض، والعرض هو ما لا ثبات له.
أو هو: ما ليس بلازم للشيء.
أو هو: ما لا يمتنع انفكاكه عن الشيء (1).
ومن الأمثلة على ذلك: الفرح بالنسبة للإنسان فهو عرض؛ لأنه لا ثبات له، بل هو عارض يعرض ويزول.
وكذلك الغضب، والرضا.
ب- العرض في اصطلاح المتكلمين: قال الفيومي: (العرض عند المتكلمين ما لا يقوم بنفسه، ولا يوجد إلا في محل يقوم به) (2).
وقال الراغب الأصفهاني: (والعرض ما لا يكون له ثبات، ومنه استعار المتكلمون العرض لما لا ثبات له إلا بالجوهر كاللون والطعم) (3).
ج- مراد المتكلمين من قولهم: (إن الله منزه عن الأعراض): مرادهم من ذلك نفي الصفات عن الله تعالى, لأن الأعراض عندهم هي الصفات.
د- شبهتهم في ذلك: يقولون: لأن الأعراض لا تقوم إلا بالأجسام، والأجسام متماثلة؛ فإثبات الصفات يعني أن الله جسم، والله منزه عن ذلك.
وبناء عليه نقول بنفي الصفات؛ لأنه يترتب على إثباتها التجسيم، وهو وصف الله بأنه جسم، والتجسيم تمثيل، وهذا كفر وضلال، فهذه هي شبهة المتكلمين.
هـ- الرد على أهل الكلام في هذه المسألة: الرد عليهم من وجوه:
1 - أن لفظ (الأعراض) لم ترد في الكتاب, ولا في السنة, لا نفياً ولا إثباتاً، ولم ترد كذلك عن سلف الأمة.
وطريقة أهل السنة المعهودة في مثل هذه الألفاظ التوقف في اللفظ، فلا نثبت الأعراض، ولا ننفيها.
أما معناها فيستفصل عن مرادهم في ذلك ويقال لهم: إن أردتم بالأعراض ما يقتضي نقصاً في حق الله تعالى كالحزن، والندم، والمرض، والخوف، فإن المعنى صحيح، والله منزه عن ذلك؛ لأنه نقص، لا لأنها أعراض.
وإن أردتم نفي ما أثبته الله لنفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من الصفات كالغضب، والفرح، والرضا، ونحوها بحجة أنها أعراض – فإن ذلك باطل مردود، ولا يلزم من إثباتها أي لازم.
2 - أن الصفات الربانية ليست كلها أعراض، بل إن بعضها أعراض كالفرح، والغضب، وبعضها ليست أعراضاً، كبعض الصفات الذاتية كاليد، والوجه، والقدم، والساق؛ فهذه ليست أعراضاً، بل لازمة للذات لا تنفك عنها.
3 - أن قولكم: (إن الأعراض لا تقوم إلا بجسم) قول باطل؛ فالأعراض قد تقوم بغير الجسم كما يقال: ليل طويل، فقولنا: طويل، وصف لـ: ليل، والليل ليس بجسم، ومثل ذلك: حر شديد، ومرض مؤلم، وبرد قارس.
4 - أن القول بتماثل الأجسام قول باطل؛ فالأجسام غير متماثلة لا بالذوات ولا بالصفات، ولا بالحدوث؛ ففي الحجم تختلف الذرة عن الجمل، وفي الوزن يختلف جسم القيراط عن جسم القنطار، وفي الملمس يختلف الخشن عن الناعم، واللين عن القاسي، وهكذا.
5 - أن لفظ الجسم من إحداث المتكلمين، وهذا اللفظ كقاعدة الألفاظ المجملة؛ فإن كان إثبات الصفات يلزم منه أن يكون جسماً في مفهومك فليس ذلك يضيرنا.
لكن إن أردت بالجسم الشيء القائم بنفسه المتصف بما يليق به فهذا حق لأننا نؤمن بأن لله ذاتاً موصوفة بالصفات اللائقة بها.
فإن أردت بالجسم هذا المعنى فيصح.
وإن أردت بالجسم الشيء المكون من أعضاء، ولحم ودم, المفتقر بعضه إلى بعض وما أشبه ذلك فباطل غير صحيح؛ لأنه يلزم أن يكون الله حادثاً أو محدثاً. وهذا أمر مستحيل، على أننا لا نوافق على إثبات الجسم، ولا نفيه؛ لأنه يحتمل حقاً وباطلاً. رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 225
_________
(1) انظر ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 153 - 154).
(2) ((المصباح المنير)) للفيومي (ص: 209).
(3) ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) للراغب الأصفهاني (ص: 342).

المطلب الرابع: كلمة (الأبعاض)
الأبعاض، ويقال: الأعضاء، أو الأركان، أو الجوارح: وهذه أيضاً من الكلمات المجملة التي تطلق وتحتمل حقاً وباطلاً؛ فإليك نبذة في معانيها، ومقصود أهل التعطيل من إطلاقها وجواب أهل السنة على تلك الدعوى.
أ- معاني هذه الكلمات: معاني هذه الكلمات متقاربة من بعض.
- فالأبعاض: جمع لكلمة بعض، يقال: بعض الشيء أي جزؤه، وبعضت كذا أي جعلته أبعاضاً (1).
- والأركان: جمع ركن، وركن الشيء قوامه، وجانبه القوي الذي يتم به، ويسكن إليه.
- والأجزاء: جمع جزء، والجزء ما يتركب الشيء عنه وعن غيره.
وجزء الشيء ما يتقوم به جملته كأجزاء السفينة، وأجزاء البيت.
- والجوارح: مفردها الجارحة، وتسمى الصائدة من الكلاب, والفهود, والطيور جارحة؛ إما لأنها تجرح، وإما لأنها تكسب.
وسميت الأعضاء الكاسبة جوارح تشبيهاً بها لأحد هذين (2).
- ويشبه هذه الألفاظ لفظ: الأعضاء، والأدوات، ونحوها.
ب- مقصود أهل التعطيل من إطلاقها: مقصودهم نفي بعض الصفات الذاتية الثابتة بالأدلة القطعية، كاليد، والوجه، والساق، والقدم والعين (3).
ج- ما الذي دعاهم إلى نفيها؟ الذي دعاهم إلى نفي تلك الصفات هو اعتقادهم أنها بالنسبة للمخلوق أبعاض، وأعضاء، وأركان، وأجزاء، وجوارح وأدوات ونحو ذلك؛ فيرون –بزعمهم- أن إثبات تلك الصفات لله يقتضي التمثيل، والتجسيم؛ فوجب عندهم نفيها قراراً من ذلك.
وقد لجؤوا إلى تلك الألفاظ المجملة؛ لأجل أن يروج كلامهم، ويلقى القبول.
د- جواب أهل السنة: أهل السنة يقولون: إن هذه الصفات وإن كانت تعد في حق المخلوق أبعاضاً، أو أعضاء، وجوارح ونحو ذلك لكنها تعد في حق الله صفات أثبتها لنفسه، أو أثبتها له رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلا نخوض فيها بآرائنا وأهوائنا، بل نؤمن بها ونمرها كما جاءت ونفوض كنهها وحقيقتها إلى الله عز وجل لعدم معرفتنا لحقيقة الذات؛ لأن حقيقة معرفة الصفة متوقفة على معرفة حقيقة الذات كما لا يخفى، وهذه الصفات – أعني اليد، والساق ونحوها وكثير من صفات الله – قد تشترك مع صفات خلقه في اللفظ، وفي المعنى العام المطلق قبل أن تضاف.
وبمجرد إضافتها تختص صفات الخالق بالخالق، وصفات المخلوق بالمخلوق؛ فصفات الخالق تليق بجلاله, وعظمته, وربوبيته، وقيومته.
وصفات المخلوق تليق بحدوثه، وضعفه، ومخلوقيته (4).
وبناء على ذلك يقال لمن يطلق تلك الألفاظ المجملة السالفة: إن أردت أن تنفي عن الله عز وجل أن يكون جسماً، وجثة، وأعضاء، ونحو ذلك – فكلامك صحيح، ونفيك في محله.
وإن أردت بذلك نفي الصفات الثابتة له، والتي ظننت أن إثباتها يقتضي التجسيم، ونحو ذلك من اللوازم الباطلة – فإن قولك باطل، ونفيك في غير محله.
هذا بالنسبة للمعنى.
أما بالنسبة للفظ فيجب ألا تعدل عن الألفاظ الشرعية في النفي أو الإثبات؛ لسلامتها من الاحتمالات الفاسدة.
يقول شارح الطحاوية رحمه الله: (ولكن لا يقال لهذه الصفات إنها أعضاء، أو جوارح، أو أدوات، أو أركان؛ لأن الركن جزء الماهية، والله تعالى هو الأحد، الصمد، لا يتجزأ سبحانه وتعالى, والأعضاء فيها معنى التفريق والتعضية تعالى الله عن ذلك، ومن هذا المعنى قوله تعالى: الَّذِينَ جَعَلُوا القُرْآَنَ عِضِينَ [الحجر: 91].
والجوارح فيها معنى الاكتساب والانتفاع؛ وكذلك الأدوات هي الآلات التي ينتفع بها في جلب المنفعة ودفع المضرة.
وكل هذه المعاني منتفية عن الله تعالى ولهذا لم يرد ذكرها في صفات الله تعالى فالألفاظ الشرعية صحيحة المعاني، سالمة من الاحتمالات الفاسدة، فكذلك يجب أن لا يعدل عن الألفاظ الشرعية نفياً، ولا إثباتاً؛ لئلا يثبت معنى فاسد، وأن ينفى معنى صحيح.
وكل هذه الألفاظ المجملة عرضة للمحق والمبطل) (5). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 228
_________
(1) انظر ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: 50، 88، 90، 208) و ((التعريفات)) (ص: 78، 117).
(2) انظر ((معجم مفردات ألفاظ القرآن)) (ص: 50، 88، 90، 208) و ((التعريفات)) (ص: 78، 117).
(3) انظر ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: 219).
(4) انظر: ((الصفات الإلهية)) (ص: 208 - 209).
(5) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: 220، 221).

المطلب الخامس: كلمة (الأغراض)
هذه الكلمة من إطلاقات المتكلمين، وإليك بعض التفصيل في هذا اللفظ.
أ- الأغراض في اللغة: جمع غرض، والغرض هو الهدف الذي يرمي فيه، أو هو الهدف الذي ينصب، فيرمى فيه.
والغرض يطلق في اللغة أيضاً على الحاجة، والبغية، والقصد (1).
ب- الغرض في اصطلاح علماء الكلام: قيل هو ما لأجله يصدر الفعل من الفاعل (2).
وقال الجلال الدواني رحمه الله: (الغرض هو الأمر الباعث للفاعل على الفعل، وهو المحرك الأول، وبه يصير الفاعل فاعلاً) (3).
وبذلك نرى توافق المعنى اللغوي والاصطلاحي للغرض، وأنه غاية الفاعل من فعله، وهو الباعث له على فعله (4).
ج- مراد أهل الكلام بهذه اللفظة: يريدون إبطال الحكمة في أفعال الله عز وجل وشرعه.
د- حجتهم في ذلك: يقول المتكلمون – وعلى وجه الخصوص الأشاعرة – إننا ننزه الله عن الأغراض, فلا يكون له غرض فيما شرعه أو خلقه؛ فأبطلوا الحكمة من ذلك، وقرروا أن الله لم يشرع إلا لمجرد مشيئته فحسب؛ فإذا شاء تحريم شيء حرمه، أو شاء إيجابه أوجبه.
وقالوا: لو قررنا أن له حكمة فيما شرعه لوقعنا في محذورين:
الأول: أنه إذا كان لله غرض فإنه محتاج إلى ذلك الغرض؛ ليعود عليه من ذلك منفعة، والله منزه عن ذلك.
والثاني: أننا إذا عللنا الأحكام أي أثبتنا الحكمة والعلة لزم أن نوجب على الله ما تقتضيه الحكمة؛ لأن الحكم يدور مع علته، فنقع فيما وقع فيه المعتزلة من إيجاب الصلاح والأصلح على الله؛ لأن الغرض عند المعتزلة بمعنى الغاية التي فعل لها، وهم يوجبون أن يكون فعله معللاً بالأغراض (5).
هـ- الرد عليهم:
1 - أن هذا اللفظ – الأغراض أو الغرض – لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، ولا أطلقه أحد من علماء الإسلام وأتباعهم؛ لأن هذه الكلمة قد توهم النقص، ونفيها قد يفهم منه نفي الحكمة؛ فلابد إذاً من التفصيل، والأولى أن يعبر بلفظ: الحكمة، والرحمة، والإرادة، ونحو ذلك مما ورد به النص.
2 - أن الغرض الذي ينزه الله عنه ما كان لدفع ضرر، أو جلب مصلحة له، فالله سبحانه لم يخلق، ولم يشرع لأن مصلحة الخلق والأمر تعود إليه، وإنما ذلك لمصلحة الخلق.
ولا ريب أن ذلك كمال محض، قال تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئًا [آل عمران: 176].
وقال: إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ [الزُّمر: 7].
وفي الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني, ولن تبلغوا ضري فتضروني)).
وهذا أمر مستقر في الفطر.
3 - أن إيجاب حصول الأشياء على الله متى وجدت الحكمة حق صحيح، لكنه مخالف لما يراه المعتزلة من جهة أن الله عز وجل هو الذي أوجب هذا على نفسه، ولم يوجبه عليه أحد، كما قال عز وجل: كتب ربكم على نفسه الرحمة [الأنعام: 54].
وكما قال: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ المُؤْمِنِينَ [الرُّوم: 47].
وكما في حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه لما كان رديف النبي صلى الله عليه وسلم على حمار فقال: ((أتدري ما حق الله على العباد، وما حق العباد على الله؟ قال معاذ: الله ورسوله أعلم. قال: حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به)) (6) الحديث.
فهذا حق أوجبه الله على نفسه، ولله أن يوجب على نفسه ما يشاء.
ثم إن مقياس الصلاح والأصلح ليس راجعاً إلى عقول البشر ومقاييسهم, بل إن ذلك راجع إلى ما تقتضيه حكمة الله تعالى, فقد تكون على خلاف ما يراه الخلق باديء الرأي في عقولهم القاصرة؛ فانقطاع المطر – على سبيل المثال- قد يبدو لكثير من الناس أنه ليس الأصلح، بينما قد يكون هو الأصلح لكنه مراد لغيره لقوله تعالى: ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ وَالبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ [الرُّوم: 41].
وكذلك استدراج الكفار بالنعم، وابتلاء المسلمين بالمصائب, كل ذلك يحمل في طياته ضروباً من الحكم التي لا تحيط عقول البشر إلا بأقل القليل منها.
بل إن خلق إبليس، وتقدير المعاصي، وتقدير الآلام يتضمن حكماً تبهر العقول وتبين عن عظيم حكمة أحكم الحاكمين (7). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 232
_________
(1) انظر ((لسان العرب)) (7/ 196).
(2) انظر ((شرح مطالع الأنصار على طوالع الأنوار)) لشمس الدين بن محمود الأصفهاني (ص: 917).
(3) ((شرح العقائد العضدية)) للجلال الدواني (2/ 204).
(4) انظر: ((الحكمة والتعليل في أفعال الله)) د. محمد المدخلي (ص: 26 - 47).
(5) انظر ((آراء المعتزلة الأصولية)) دراسة وتقويماً د. علي الضويحي (ص: 106 - 115).
(6) رواه البخاري (2856)، ومسلم (30).
(7) انظر تفصيل ذلك في ((كتاب الإيمان بالقضاء والقدر)) للكاتب، (ص: 145 - 176).

المطلب السادس: حلول الحوادث بالله تعالى
هذا اللفظ من إطلاقات أهل الكلام، وإليك بعض التفصيل في معناه، ومقصود أهل الكلام منه، والرد على ذلك.
أ- معنى كلمة (حلول): الحلول هو عبارة عن كون أحد الجسمين ظرفاً للآخر، كحلول الماء في الكوز (1).
ب- معنى كلمة (الحوادث): الحوادث جمع حادث، وهو الشيء المخلوق المسبوق بالعدم، ويسمى حدوثاً زمانياً.
وقد يعبر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير، ويسمى حدوثاً ذاتياً.
والحدوث الذاتي: هو كون الشيء مفتقراً في وجوده إلى الغير.
والحدوث الزماني: هو كون الشيء مسبوقاً بالعدم سبقاً زمانياً (2).
ج- معنى (حلول الحوادث بالله تعالى) أي قيامها بالله، ووجودها فيه تعالى.
د- مقصود أهل التعطيل من هذا الإطلاق: مقصودهم نفي اتصاف الله بالصفات الاختيارية الفعلية، وهي التي يفعلها متى شاء، كيف شاء، مثل الإتيان لفصل القضاء، والضحك، والعجب، والفرح؛ فينفون جميع الصفات الاختيارية.
هـ- حجتهم في ذلك: وحجتهم في ذلك أن قيام تلك الصفات بالله يعني قيام الحوادث أي الأشياء المخلوقة الموجودة بالله.
وإذا قامت به أصبح هو حادثاً بعد أن لم يكن، كما يعني ذلك أن تكون المخلوقات حالة فيه، وهذا ممتنع، فهذه هي حجتهم.
وجواب أهل السنة: أهل السنة يقولون: إن هذا الإطلاق لم يرد في كتاب ولا سنة، لا نفيا ولا إثباتاً، كما أنه ليس معروفاً عند سلف الأمة.
أما المعنى فيستفصل عنه؛ فإن أريد بنفي حلول الحوادث بالله أن لا يحل بذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن له من قبل فهذا النفي صحيح؛ فالله عز وجل ليس محلاً لمخلوقاته, وليست موجودة فيه، ولا يحدث له وصف متجدد لم يكن له من قبل.
وإن أريد بالحوادث: أفعاله الاختيارية التي يفعلها متى شاء كيف شاء كالنزول، والاستواء، والرضا، والغضب، والمجيء لفصل القضاء ونحو ذلك فهذا النفي باطل مردود.
بل يقال له: إن تلك الصفات ثابتة، وإن مثبتها –في الحقيقة- مثبت ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم. رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 235
_________
(1) انظر: ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 97).
(2) انظر: ((التعريفات)) (ص: 85 - 86).

المطلب السابع: كلمة (التسلسل)
التسلسل: وهو أحد الألفاظ المجملة التي يطلقها المتكلمون.
ولأجل أن يتضح مفهوم هذه اللفظة، ومدلولها، ووجه الصواب والخطأ في إطلاقها إليك هذا العرض الموجز.
أ- تعريف التسلسل: قال الجرجاني: (التسلسل هو ترتيب أمور غير متناهية) (1).
ب- سبب تسميته بذلك: سمي بذلك أخذاً من السلسلة؛ فهي قابلة لزيادة الحلق إلى ما لا نهاية؛ فالمناسبة بينهما عدم التناهي بين طرفيهما؛ ففي السلسلة مبدؤها ومنتهاها، وأما التسلسل فطرفاه الزمن الماضي والمستقبل.
ج- مراد أهل الكلام من إطلاق هذه اللفظة: مرادهم يختلف باختلاف سياق الكلام، وباختلاف المتكلمين؛ فقد يكون مرادهم نفي قدم اتصاف الله ببعض صفاته، وقد يكون مرادهم نفي دوام أفعال الله ومفعولاته، وقد يكون مرادهم نفي أبدية الجنة والنار، وقد يكون غير ذلك.
د- هل وردت هذه اللفظة في الكتاب، أو السنة، أو أطلقها أحد من أئمة السلف؟ الجواب: لا.
هـ- طريقة أهل السنة في التعامل مع هذا اللفظ: طريقتهم كطريقتهم في سائر الألفاظ المجملة، حيث إنهم يتوقفون في لفظ (التسلسل) فلا يثبتونه، ولا ينفونه، لأنه لفظ مبتدع مجمل يحتمل حقاً وباطلاً، وصواباً وخطأ.
هذا بالنسبة للفظ.
أما بالنسبة للمعنى فإنهم يستفصلون، فإن أريد به حق قبلوه، وإن أريد به باطل ردوه.
ووبناء على ذلك فإنه ينظر في هذا اللفظ، وتطبق عليه هذه القاعدة: فيقال لمن أطلقوا هذا اللفظ:
1 - إذا أردتم بالتسلسل: دوام أفعال الرب - أزلاً وأبداً – فذلك معنى صحيح دل عليه العقل والشرع؛ فإثباته واجب، ونفيه ممتنع، قال الله تعالى: خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [هود: 107].
والفعال هو من يفعل على الدوام، ولو خلا من الفعل في أحد الزمانين لم يكن فعالاً، فوجب دوام الفعل أزلاً وأبداً.
ثم إن المتصف بالفعل أكمل ممن لا يتصف به، ولو خلا الرب منه لخلا من كمال يجب له، وهذا ممتنع.
ولأن الفعل لازم من لوازم الحياة، وكل حي فهو فعال، والله تعالى حي، فهو فعال وحياته لا تنفك عنه أبداً وأزلاً.
ولأن الفرق بين الحي والميت الفعل، والله حي؛ فلابد أن يكون فاعلاً، وخلوه من الفعل في أحد الزمانين: الماضي والمستقبل ممتنع؛ فوجب دوام فعله أزلاً وأبداً.
فخلاصة هذه المسألة أنه إذا أريد بالتسلسل دوام أفعال الرب فذلك معنى صحيح واجب في حق الله، ونفيه ممتنع.
3 - وإذا أريد بالتسلسل: أنه تعالى كان معطلاً عن الفعل ثم فعل، أو أنه اتصف بصفة من الصفات بعد أن لم يكن متصفاً بها، أو أنه حصل له الكمال بعد أن لم يكن – فذلك معنى باطل لا يجوز.
فالله عز وجل لم يزل متصفاً بصفات الكمال صفات الذات، وصفات الفعل، ولا يجوز أن يعتقد أن الله اتصف بصفة بعد أن لم يكن متصفاً بها؛ لأن صفاته سبحانه صفات كمال، وفقدها صفة نقص؛ فلا يجوز أن يكون قد حصل له الكمال بعد أن كان متصفاً بضده.
قال الإمام الطحاوي رحمه الله: (ما زال بصفاته قديماً قبل خلقه, لم يزدد بكونهم شيئاً لم يكن قبلهم من صفته.
وكما كان بصفاته أزلياً كذلك لا يزال عليها أبدياً).
مثال ذلك صفة الكلام؛ فالله عز وجل لم يزل متكلماً إذا شاء.
ولم تحدث له صفة الكلام في وقت، ولم يكن معطلاً عنها في وقت، بل هو متصف بها أزلاً وأبداً.
وكذلك صفة الخلق، فلم تحدث له هذه الصفة بعد أن كان معطلاً عنها.
4 - وإذا كان المقصود بالتسلسل التسلسل في مفعولات الله عز وجل وأنه ما زال ولا يزال يخلق خلقاً بعد خلق إلى ما لا نهاية – فذلك معنى صحيح، وتسلسل ممكن، وهو جائز في الشرع والعقل.
_________
(1) ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 57).

قال الله تعالى: أَفَعَيِينَا بِالخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق: 15].
ثم إنه عز وجل ما زال يخلق خلقاً، ويرتب الثاني على الأول وهكذا؛ فما زال الإنسان والحيوان منذ خلقه الله يترتب خلقه على خلق أبيه وأمه.
5 - وإن أريد بالتسلسل: التسلسل بالمؤثرين، أي بأن يؤثر الشيء بالشيء إلى ما لا نهاية، وأن يكون مؤثرون كل واحد منهم استفاد تأثيره مما قبله لا إلى غاية – فذلك تسلسل ممتنع شرعاً وعقلاً؛ لاستحالة وقوعه؛ فالله عز وجل خالق كل شيء، وإليه المنتهى؛ فهو الأول فليس قبله شيء، وهو الآخر فليس بعده شيء، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء.
والقول بالتسلسل في المؤثرين يؤدي إلى خلو المحدث والمخلوق من محدث وخالق، وينتهي بإنكار الخالق جل وعلا.
خلاصة القول في مسألة التسلسل عموماً:
- أن التسلسل هو ترتيب أمور غير متناهية، وأنه سمي بذلك أخذاً من السلسلة.
- وأن التسلسل من الألفاظ المجملة التي لابد فيها من الاستفصال كما مر.
- وأنه إن أريد بالتسلسل: دوام أفعال الرب ومفعولاته، وأنه متصف بصفات الكمال أزلاً وأبداً فذلك حق صحيح، يدل عليه الشرع والعقل.
- وأنه إن أريد بالتسلسل: أنه عز وجل كان معطلاً عن أفعاله، وصفاته، ثم فعل، واتصف فحصل له الكمال بعد أن لم يكن متصفاً به، أو أريد بالتسلسل: التسلسل في المؤثرين فذلك معنى باطل مردود بالشرع والعقل (1). رسائل في العقيدة لمحمد بن إبراهيم الحمد– ص: 238
_________
(1) انظر تفصيل الحديث عن التسلسل في ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: 130 - 135)، و ((توضيح المقاصد وتصحيح القواعد شرح النونية)) للشيخ أحمد بن عيسى (1/ 370)، و ((القواعد الكلية للأسماء والصفات عند السلف)) د. إبراهيم البريكان (ص: 208 - 214).

المبحث السادس: خصائص إيمان الصحابة في الصفات الإلهية
لقد نزل الكتاب العزيز وجاء النبي الخاتم عليه الصلاة والسلام بالصورة الصحيحة الكاملة عن الإله الحق سبحانه وجاءت النصوص القرآنية والنبوية بأحسن ما يمكن أن تأتي به واضحة لا لبس ولا غموض فيها، وفي ذلك يقول المولى: جل جلاله: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الزمر:55]، وإن من غاية الحسن في هذا الكتاب والسنة المطهرة ما وصف به الرب سبحانه من صفات الكمال والجلال التي تعهد الله بحفظها فكانت هذه الصفات الربانية تامة كاملة, وقد اختص الله بها خير خلقه وصفوته من البشرية جمعاء صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, الذين نزل عليهم الوحي غضًّا طريًّا، فعاصروا أحداثه وأسباب نزوله، ففهموا مراد ربهم سبحانه ومراد رسوله صلى الله عليه وسلم, فكان ذلك الجيل المبارك خير من سمع, وخير من آمن, وخير من فهم، وخير من بلغ لمن بعده تمام التبليغ، فلا عجب أن تتطلع الأعناق إلى مستواهم، أو تنسب إليهم، وتتلمس منهجهم الحق في كل مسائل الاعتقاد ...
وقد وصف القرآن الكريم عميق إيمانهم، وتأثرهم بالوحي المنزل على رسولهم صلى الله عليه وسلم فقال سبحانه وتعالى: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ [الزمر:23] وقال تعالى: مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا [الفتح:29].
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أصحابه أمنة لهذه الأمة بما يحملون من سلامة المعتقد الحق، والاستقامة الصادقة على أمر الله تعالى: فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((صلينا المغرب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم قلنا: لو جلسنا حتى نصلي معه العشاء! قال: فجلسنا. فخرج علينا. فقال: ما زلتم ههنا؟ قلنا: يا رسول الله, صلينا معك المغرب. ثم قلنا: نجلس حتى نصلي معك العشاء. قال: أحسنتم أو أصبتم قال: فرفع رأسه إلى السماء. وكان كثيراً مما يرفع رأسه إلى السماء. فقال: النجوم أمنة للسماء. فإذا ذهبن النجوم أتى السماء ما توعد. وأنا أمنة لأصحابي. فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون. وأصحابي أمنة لأمتي. فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يوعدون)) (1)
_________
(1) [2449])) رواه مسلم (2531).

قال الإمام النووي: (قال العلماء معنى الحديث: أن النجوم ما دامت باقية فالسماء باقية, فإذا انكدرت النجوم وتناثرت يوم القيامة، وهنت السماء فانفطرت, وانشقت, وذهبت, وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأنا أمنة لأصحابي فإذا ذهبت أتى أصحابي ما يوعدون)) أي: من الفتن والحروب, وارتداد من ارتد من الأعراب, واختلاف القلوب ونحو ذلك مما أنذر به صريحاً, وقد وقع كل ذلك. وقوله صلى الله عليه وسلم: ((وأصحابي أمنة لأمتي؛ فإذا ذهب أصحابي، أتى أمتي ما يوعدون)) معناه: ظهور البدع، والحوادث في الدين، والفتن فيه, وطلوع قرن الشيطان, وظهور الروم) (1).
وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم أمنة للأمة في صفاء عقيدتها وجميع تصوراتها، حيث عاش من عاش منهم، ونشروا العلم، وبلغوا للتابعين أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل مسائل العقيدة والشريعة, وساد عصرهم الوفاق العقدي بين الأمة، وفي أواخر عصرهم برزت المرجئة والجهمية، وغيرها وكان علماء السلف يعتدون في إبطال البدع بما تلقوه عنهم من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أقوالهم في تفسير كتاب الله، ومن قبل هذا، وكله من نصوص الكتاب والسنة، فكانوا رضوان الله عليهم أمنة للأمة من المعطلة، والنفاة, والمشبهة, ومن جميع أهل البدع، فهم المنارة التي يهتدى بها في الظلمات.
وقد كان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه وغيره من الصحابة الكرام ينبهون الناس إلى ضرورة اتباع منهج الصحابة رضوان الله عليهم حيث يقول: (من كان منكم متأسياً، فليتأس بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فإنهم كانوا أبر هذه الأمة قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، وأقومها هدياً، وأحسنها حالاً, قوماً اختارهم الله لصحبه نبيه صلى الله عليه وسلم, وإقامة دينه، فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم؛ فإنهم كانوا على الهدى المستقيم) (2).
وكان حذيفة بن اليمان رضي الله عنه - ت:35هـ - يدخل المسجد فيقف على الحلق فيقول: (يا معشر القراء، اسلكوا الطريق فلئن سلكتموها لقد سبقتم سبقاً بعيداً، ولئن أخذتم يميناً وشمالاً لقد ضللتم ضلال بعيداً) (3).
وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه لا يجلس مجلساً إلا ويحذر من الابتداع في الدين، فيقول: (الله حكم قسط هلك المرتابون، إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن، والمنافق، والرجل, والمرأة, والصغير, والكبير، والعبد, والحر، فيوشك قائل أن يقول للناس: ألا تتبعوني، وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، ويقول المنافق كلمة الحق) (4).
وقد بلغ من صفات عقيدتهم, وسلامة سلوكهم أنهم كانوا يقارنون الأحوال التي عاشوها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأحوال عصرهم المتأخر؛ حيث يقول أنس رضي الله عنه: (إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الموبقات) قال أبو عبدالله: (يعني بذلك المهلكات) (5).
_________
(1) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 83).
(2) ((شرح صحيح مسلم)) للنووي (16/ 63).
(3) رواه البخاري (7282).
(4) رواه أبو داود (4611)، والحاكم (4/ 507). وقال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه,. وقال ابن تيمية في ((مجموع الفتاوى)): مشهور، وصحح إسناده موقوفاً الألباني في ((صحيح سنن أبي داود)).
(5) رواه البخاري (6492).

لقد كان العهد الذي عاشوه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يمثل الكمال كله في مسائل العقيدة والشريعة، فلما ظهرت الفتن والأحداث العظيمة وأطلت البدع برأسها في أواخر حياتهم كانوا هم المرجع الذي رجع إليه علماء السلف في رد البدع، وأقوال أربابها المخالفة لمنهجهم الحق، ويمكننا إعطاء هذه الصورة الموجزة عن طبيعة البيان القرآني والنبوي في عرض الصفات الإلهية التي آمن بها الصحابة الكرام واعتقدوها الاعتقاد الحق؛ وهو المعتقد الحق الذي اعتقده التابعون وتابعوهم بإحسان إلى يوم الدين, وهو المنهج الذي هيمن على جمهور الأمة بالرغم من كثرة فرق الابتداع التي طرحت بدعها المخالفة لهذا المنهج طرحاً معادياً لمعتقدهم وما أثر عنهم.
- شمولية النصوص القرآنية لمسائل الأسماء والصفات:
لقد حفل القرآن الكريم بذكر أسماء الله وصفاته وكمالاته إلى حد يفوق الحصر؛ فلا تكاد تخلو الآلاف من الآيات القرآنية من ذكر هذه الصفات والكمالات في أوائلها أوأثنائها، أو أواخرها، إما متناثرة في تلك الآيات، وإما بجمع بعضها لهذه الآيات وتلك، وبأساليب متنوعة، واحتفال القرآن بذكر صفات الله وكمالاته على هذه النحو حقيقة لا يخطئها من يقرأ القرآن ويتدبر آياته؛ بحيث لا يحتاج هذا الأمر إلى ذكر نماذج لهذه الحقيقة القرآنية لأنها تنتظم معظم آيات القرآن الكريم ولا يقتصر ذكر القرآن للصفات الإلهية على الآيات التي يكون موضوعها الحديث عن ذات الله وصفاته, بل كثيراً ما تختم بهذه الصفات الآيات التي يكون موضوعها الدعوة إلى عبادة الله تعالى وبيان هذه العبادات وآثارها الفردية والاجتماعية.
أو الدعوة إلى الأخلاق الإسلامية الكريمة، والحض عليها، وبيان نتائجها, وأثارها, وكذلك الآيات التي تتناول نظام المجتمع في مختلف جوانبه السياسية، والاقتصادية, والاجتماعية, والتشريعية، فلا تكاد تخلو أغلب آيات القرآن الكريم التي ترافق عرض هذه الموضوعات من التذكير بصفات الله تعالى التي ينبني عليها ضرورة التمسك بهذه التوجيهات الإلهية والتحذير من مخالفتها، هذا بالإضافة إلى الآيات التي تتحدث عن اليوم الآخر بكل ما فيه من البعث، والحشر, والعرض، والجزاء, والجنة, والنار ترغيباً في ثواب الله ورضاه، وتحذيراً من غضبه، وعقابه, فعلى أساس الكثير من الصفات الإلهية التي تذكر في هذه الآيات يقوم الترغيب والترهيب وإثبات كل ما يتناوله اليوم الآخر من معتقدات.
- إن هذا العرض الموسع للصفات الإلهية في الكتاب العزيز جعل الإيمان بها، وفهم المراد الإلهي منها مسألة بدهية، لا تحتاج إلى خوض فيها، أو شرح وزيادة بيان، وقد أوقف القرآن الكريم والسنة النبوية هذا العرض عند حدود معينة؛ حيث فيها إثبات للصفات بمعانيها المعروفة لغة, ولم يتعد ذلك إلى الكشف عن الكيفية, فالتزم الصحابة رضوان الله عليهم، بالمنهج القرآني والنبوي ولم يقعوا في النفي والتشبيه كما وقع غيرهم ممن لم يلتزم بهذا المنهج الرباني فاعتقدوا – رضوان الله عليهم- المعتقد الحق في الصفات الإلهية, وورث هذا المنهج الحق منهم التابعون وتابعوهم بإحسان.

- يلاحظ في العرض القرآني، والنبوي أن الإثبات جاء بصورة واسعة النطاق، وأن النفي جاء في مسائل محدودة لتنزيه الرب – سبحانه – عن النقائص التي نسبها إليه أهل الأديان السابقة والمشركون, فالإثبات مفصل, والنفي مجمل، وقد وضع القرآن الكريم الأساس المتين للصحابة رضوان الله عليهم، بتحذيرهم من حماقات الأمم السابقة، فقال سبحانه وتعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ [البقرة:106 - 107]
وهذا المعتقد أي الإثبات المفصل للصفات الإلهية هو الذي اعتقده الصحابة والتابعون وتابعوهم بخلاف المبتدعة الذين امتدت ألسنتهم الآثمة إلى الصفات الإلهية بالتعطيل, والتأويل, والتشبيه، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته هذا التوحيد والقران مملوء منه، ولم يقل لهم كلمة واحدة تتضمن نفي الصفات, ولا قال ذلك أحد من الصحابة, والتابعين, وأئمة الدين, مع العلم الضروري بأنهم كانوا أعلم بمعاني القرآن منا، وإن ادعى مدع تقدمه في الفلسفة عليهم، فلا يمكنه أن يدعي تقدمه في معرفة ما أريد به القرآن عليهم، وهم الذين تعلموا من الرسول صلى الله عليه وسلم لفظه ومعناه، وهم الذين أدوا ذلك إلى من بعدهم قال أبو عبدالرحمن السلمي- ت:74هـ -: حدثنا الذين كانوا يقرءون القرآن، عثمان بن عفان, وعبدالله بن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن، والعلم, والعمل) (1).
_________
(1) ابن تيمية ((نقض تأسيس الجهمية)) (1/ 220).

- فالإثبات المفصل هو ما قررناه من هيمنة الصفات الإلهية على معظم آيات الكتاب العزيز، والنفي المجمل يبين محدوديته هذا العرض الذي اقتبسناه من القرآن الكريم والسنة المطهرة، فقد عرض القرآن الكريم للتصورات الباطلة لليهود, والنصارى, والمشركين عن الله تعالى فقال سبحانه وتعالى عن بعض حماقات اليهود: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة:64]، وزعمت اليهود أن لله ولداً - سبحانه وتعالى عن قولهم- فقال سبحانه: وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ [التوبة:30]، وزعموا – لعنهم الله – أن الله فقير وهم أغنياء، قال تعالى: لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ [آل عمران:181] وقال تعالى رداً على مزاعم اليهود الذين قالوا: إنه استراح يوم السبت - سبحانه - عن ذلك: وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ [ق:38] , وقال تعالى رداً على شبه النصارى وأكاذيبهم: لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:72]، وقال سبحانه رداً على هذه المزاعم الباطلة: مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ [مريم:35] وقال تعالى: بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنعام:101]، وأبطل القرآن تصورات المشركين عن الإله الحق، فقال سبحانه: وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ [النحل:57] , وقال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ [الصافات:149] وقال تعالى: أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُونَ [الطور:39].
وقال تعالى: أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ أَلا إِنَّهُم مِّنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ أَفَلا تَذَكَّرُونَ أَمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ مُّبِينٌ فَأْتُوا بِكِتَابِكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَإِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ بِفَاتِنِينَ إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ وَإِنْ كَانُوا لَيَقُولُونَ لَوْ أَنَّ عِندَنَا ذِكْرًا مِّنْ الأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ فَكَفَرُوا بِهِ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْهُمْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ فَسَاء صَبَاحُ الْمُنذَرِينَ وَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّى حِينٍ وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ [الصافات: 150 - 182] وقال تعالى: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحْ بِحَمْدِهِ وَكَفَى بِهِ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا [الفرقان:58]
وقال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] وقال تعالى: اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ [البقرة:255] وقال تعالى: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:1 - 4]
والسنة المطهرة اتبعت القرآن الكريم في الإثبات المفصل والنفي المجمل، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: ((قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصرة من خلقه)) (1).
وعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال: ((ذكر الدجال عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله لا يخفى عليكم, إن الله ليس بأعور, وأشار بيده إلى عينه وإن المسيح الدجال أعور عين اليمنى كأن عينه عنبة طافية)) (2)
_________
(1) رواه مسلم (179) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (7407).

- وقد آمن الصحابة رضوان الله عليهم، من خلال هذا العرض المفصل الواسع بأن آيات الصفات هي من المحكم وليست من المتشابه كما افترى المبتدعة فيما بعد، وهذا الإحكام جاء من خلال سهولة معانيها وإن السلف تعرضوا لتفسيرها التفسير الذي يثبت الصفة، ولا يتعرض لبيان الكيفية، يقول شيخ الإسلام بعد أن يعرض قول الرازي حول سورة الإخلاص يقول الرازي: (هذه السورة يجب أن تكون من المحكمات لا من المتشابهات, ولأنه تعالى جعلها جواباً عن سؤال السائل عند الحاجة وذلك يقتضي كونها من المحكمات لا من المتشابهات، وإذا ثبت هذا وجب الجزم بأن كل مذهب يخالف هذه السورة كان باطلاً (1) قلت-شيخ الإسلام- كون هذه السورة من المحكمات، وكون كل مذهب يخالفها باطل هو حق لا ريب فيه، بل هذه السورة تعدل ثلث القرآن، كما ثبت ذلك في الأحاديث الصحيحة، وهي صفة الرحمن كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح، وعليها اعتمد الأئمة في تنزيه الله كما ذكره الفضيل بن عياض، والإمام أحمد، وغيرهم من أئمة الإسلام ... لكن سائر الآيات المذكورة فيها أسماء الله وصفاته؛ مثل آية الكرسي، وأول الحديد, وآخر الحشر ونحو ذلك هي كذلك- كل ذلك من الآيات المحكمات لكن هذه السورة ذكر فيها ما لم يذكر في غيرها من اسمه الأحد الصمد، ومثل نفي الأصول والفروع، والنظراء جميعاً، وإلا فاسمه الرحمن أنزله الله لما أنكر المشركون هذا الاسم, فأثبته الله لنفسه رداً عليهم، وهذا أبلغ في كونه محكماً من هذه السورة إذ الرد على المنكر أبلغ في إثبات نقيض قوله من جواب السائل الذي لم يرد عليه بنفي ولا إثبات) ((2)
ويقول شيخ الإسلام أيضاً إن آيات الصفات من المحكم وليست من المتشابه: (إن الصحابة رضي الله عنهم، فسروا للتابعين القرآن كما قال مجاهد: عرضت المصحف على ابن عباس من أوله إلى آخره أُوقفُه عند كل آية منه وأسأله عنها؛ ولهذا قال سفيان الثوري: إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به، وكان ابن مسعود يقول:
(لو أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني تبلغه الإبل لأتيته) (3) وكل واحد من أصحاب ابن مسعود وابن عباس نقلوا عنه من التفسير ما لم يحصه إلا الله، والنقول بذلك عن الصحابة والتابعين ثابتة معروفة عند أهل العلم بها) (4).
أما آيات الصفات فقد تعرض السلف لتفسير معناها المفهوم لغة، ووقفوا عند المعنى اللغوي ولم يتعدوه إلى الخوض في الكنه، أو القول بالنفي والتعطيل, فآيات الصفات إذاً هي من المحكم الذي فهم الصحابة معناه.
ومن الملاحظ على بعض آيات الصفات أنها عرضت بصورة مميزة, وذلك من خلال وقائع وأحداث عاصرها الصحابة رضوان الله عليهم، فكانت تلك التعقيبات التي تربط الحديث بالصفات الإلهية مصدر إيمان، ويقين، وفهم كامل لمراد الله عز وجل.
_________
(1) [2458] انتهى هنا كلام الرازي
(2) ابن تيمية ((نقض تأسيس الجهمية)) (1/ 261).
(3) رواه مسلم (2463).
(4) ابن تيمية ((القاعدة المراكشية)) (ص: 31 - 32)

وسوف نعرض لجملة من هذه الأحاديث التي عرضت فيها الصفات الإلهية وكان للصحابة منها مواقف وتعقيبات تنم عن تمام الفهم، واليقين الكامل بها، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم: لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 284] , قال: فاشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. ثم بركوا على الركب. فقالوا: أي رسول الله! كلفنا من الأعمال ما نطيق. الصلاة, والصيام, والجهاد, والصدقة. وقد أنزلت عليك هذه الآية. ولا نطيقها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم: سمعنا وعصينا؟ بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير. فلما اقترأها القوم ذلت بها ألسنتهم. فأنزل الله في إثرها: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285] فلما فعلوا ذلك نسخها الله تعالى. وأنزل الله عز وجل: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا، قال: نعم، رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا، قال: نعم، رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ، قال: نعم، وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ [البقرة: 286] قال: نعم.)) (1)
لقد كان هذا الفهم منبعه التأثر بصفة من أعظم صفاته سبحانه وهي العلم، علمه بما يبدون، وما يكتمون, فخافوا من ذلك أشد الخوف, وهذا يبين عمق الفهم للمعاني وملاحظتها بما يخصهم في دينهم, وما يرضي ربهم, فلما علم سبحانه، منهم هذا الإيمان الصادق زادهم إيماناً ويقيناً به, فقد روى مسلم عن ابن عباس قال: ((لما نزلت هذه الآية: لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:284]. قال: دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قولوا: سمعنا وسلمنا، قال: فألقى الله الإيمان في قلوبهم .. )) (2).
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه – يشير إلى رباعيته -، اشتد غضب الله على رجل يقتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل الله)) (3).
_________
(1) رواه مسلم (125).
(2) رواه مسلم (126).
(3) رواه البخاري (4073)، ومسلم (1793).

وروى البخاري ذلك الخبر أيضاً على لسان ابن عباس – رضي الله عنهما- أنه قال: ((اشتد غضب الله على من قتله النبي صلى الله عليه وسلم)) (1) فأي فهم يكون من هؤلاء الصحابة – رضوان الله عليهم- في هذه الساعات العصيبة من المفهوم اللغوي للعبارة، ولكنه غضب يليق بجلاله وكماله، فلم يخطر على بالهم تشبيه ذلك بغضب المخلوقين، أو خطر على بالهم أن يؤولوه، أو يعطلوه، رضوان الله عليهم.
ويوجه النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه إلى معنى صفة السمع، وأن الله سبحانه سميع قريب، فقد روى البخاري ومسلم عن أبي موسى رضي الله عنه قال: ((كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر: فكنا إذا علونا كبرنا، فقال: أربعوا على أنفسكم؛ فإنكم لا تدعون أصمَّ، ولا غائباً، تدعون سميعاً قريباً)) (2) وفي رواية مسلم قال: ((إن الذي تدعون أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته)) (3).
ومن تمام فهم الصحابة للصفات الإلهية أن عائشة رضي الله عنها قالت: ((الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت المجادلة تشكو إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت ما أسمع ما تقول، فأنزل الله عز وجل: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1])) (4)
فكان هذا التعجب نابعاً من وصف الرب سبحانه بأعظم صفات الكمال، وهذا هو التفريق بين الصفات الإلهية وصفات المخلوقين على لسان هذه الصحابية الجليلة التي تمثل هذا الجمع الكبير الذي يؤمن بالصفات الإلهية هذا الإيمان الحق، وكانوا رضوان الله عليهم يحبون صفات ربهم، ويتقربون إليه بهذا الحب، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية، فكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلوه لأي شيء يصنع هذا فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبروه أن الله – عز وجل- يحبه)) (5)، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب: ((إن الله أمرني أن أقرأ عليك: لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ [البينة:1] قال: وسماني؟ قال: نعم, فبكى)) (6).
وروى البخاري عن أنس قال: ((جاء زيد بن حارثة يشكو، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اتق الله وأمسك عليك زوجك, قال أنس: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئًا لكتم هذه، فكانت زينب تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم تقول زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات)) (7).
_________
(1) رواه البخاري (4074).
(2) رواه البخاري (6384).
(3) رواه مسلم (2704).
(4) رواه البخاري معلقاً بصيغة الجزم بعد حديث (7385)، ورواه موصولاً النسائي (6/ 168)، وابن ماجه (188)، وأحمد (6/ 46) (24241). قال ابن عساكر في ((معجم الشيوخ)) (1/ 163)، وابن حجر في ((تغليق التعليق)) (5/ 339)، والألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)): صحيح.
(5) رواه البخاري (7375)، ومسلم (813).
(6) رواه البخاري (4959)، ومسلم (799).
(7) رواه البخاري (7420).

ومما يبين عمق الفهم، وسرعة التفاعل مع الصفات التي أثرت في إيمان وحياة الصحابة رضوان الله عليهم، ما رواه البخاري ومسلم في حديث الإفك عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((فلما أنزل الله هذا في براءتي قال أبو بكر رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه، والله لا أنفق على مسطح شيئاً بعد ما قاله لعائشة، فأنزل الله تعالى: وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [النور:22] فقال أبو بكر الصديق: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح الذي كان يجري عليه)) (1).
وهكذا لو بحثنا عن مواقف الصحابة لوجدناها قد ألمت إلماماً كبيراً في الصفات ومعانيها, وظهرت آثارها على حياتهم وجميع تصرفاتهم, ولعل الوقائع العظيمة من الغزوات التي غزاها الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم والآيات التي نزلت بشأنها والتي تنتهي تعقيباتها بالصفات الإلهية, هي من هذا الجانب الذي نرى أنها هيمنت عليه, فكانوا بأعلى درجات الفهم والإيمان واليقين, وعندما تجلى هذا الجانب في تصوراتهم بهذه الضخامة والشمول استغنوا عن السؤال والبحث والتنقير عنه، ومع ضخامة هذا العرض وشموليته في القرآن والسنة فقد غشيت أبصار المبتدعة عنه تماماً, وقاموا بالبحث والتنقير على غير الهدى الرباني, وفتحوا أبواب الشرور على الأمة في أخص مسائل الألوهية, وهي مسائل الصفات التي حسمت مادة الاعتقاد بها على الصورة التي وقف عندها الصحابة, والتابعون, وتابعوهم الذين يمتدح طريقتهم الخليفة الزاهد عمر بن عبدالعزيز رحمه الله فيقول: (قف حيث وقف القوم، فإنهم عن علم وقفوا، وببصر نافد قد كفوا، وإنهم على كشفها كانوا أقوى، وبالفضل لو كان فيها أحرى، فلئن قلتم حدث بعدهم فما أحدثه إلا من سلك غير سبيلهم، ورغب بنفسه عنهم، ولقد تكلموا منه بما يكفي, ووصفوا منه ما يشفي, فما دونه مقصر, وما فوقهم مجسر, لقد قصر عنهم قوم فجفوا, وطمح آخرون عنهم فغلوا, وإنهم فيما بين ذلك لعلى هدى مستقيم) (2). وكانوا – رضوان الله عليهم- يكرهون التعمق والتكلف؛ فقد روى البخاري عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنا عند عمر، فقال: نهينا عن التكلف)) (3) فإذا كان عمر رضي الله عنه يروي النهي عن التكلف فمن باب أولى أن ينتهوا عن الخوض في الصفات بما لا يحل, وإنما وقفوا عند الحد الذي وقف عنده الكتاب والسنة بعيداً عن القول بالوصف والكيفية، أو النفي والتعطيل.
_________
(1) رواه البخاري (2661)، ومسلم (2770).
(2) رواه عبدالله بن أحمد في ((زوائد الزهد)) (ص: 296)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (5/ 338، 339).
(3) رواه البخاري (7293).

ويوضح ابن الوزير كيف أن الصحابة فهموا الصفات الإلهية من خلال تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لهم حيث يقول: (التسليم لقول الله تعالى ولحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه، وتابعيهم الناقلين إلينا شريعته عليه السلام، وأن لا نتهم منهم أحداً لثبوت عدالتهم في سائر لوازم الشريعة، فإنهم نقلوها عن معدن النبوة، وعنصر الرسالة, ولنعلم أن البيان لا يجوز تأخيره عند الحاجة, وقد بين لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ما أرسله الله تعالى به حتى قال فلان: (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة، فقال الصحابي: أجل لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين, أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار, أو أن نستنجي برجيع أو بعظم) (1). وحتى قال عليه السلام في خطبة الوداع: ((إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض السنة اثنا عشر شهراً منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات، ذو القعدة, وذو الحجة، ومحرم، ورجب - مضر- الذي بين جمادي وشعبان)) (2) هذا فيما لا يضر جهله كيف في أمر التوحيد, فلو علم أن الحاجة داعية إلى تأويل صفات الله، وأنه يلزم الخلق كيفية معرفتها لما وسعه إلا البيان, وفي عدم ذلك دليل على كذب مدعيه, فلا يرفع أحد طرفه إلى كيفية معرفة صفات الله تعالى من قبل عقله إلا غضه الدهش والحيرة, فانقلب إليه البصر خاسئاً وهو حسير، فهذا ما يجب على المسلمين أن يؤمنوا به جملة, وأن يحيطوا به تفصيلاً) (3)
_________
(1) رواه مسلم (262). من حديث سلمان رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (3197)، ومسلم (1679). من حديث أبي بكرة رضي الله عنه.
(3) ((العواصم والقواصم)) (3/ 370).

- ومن خصائص إيمان الصحبة رضوان الله عليهم، بجانب فهمهم الواضح لها أنهم لم يتنازعوا بأي منها، وقد تنازعوا في آيات الأحكام, ولم يؤثر وجود أي نزاع بينهم في الصفات الإلهية, وهذا راجع إلى كمال فهمهم لها، يقول ابن القيم رحمه الله: (وقد تنازع الصحابة في تأويل قوله تعالى: أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] , هل هو الأب, أو الزوج, وتنازعوا في تأويل قوله تعالى: أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء [النساء:43] هل هو الجماع, أو اللمس باليد, والقبلة ونحوها، وتنازعوا في تأويل قوله تعالى: وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ هل هو المسافر يصلي بالتيمم مع الجنابة, أوالمجتاز بمواضع الصلاة، كالمساجد وهو جنب, وتنازعوا في تأويل ذوي القربى المستحقين الخمس هل هم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أو قرابة الإمام, وتنازعوا في تأويل قوله تعالى: وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [الأعراف:204] , هل يدخل فيه قراءة الصلاة الواجبة أم لا, وتنازعوا في تأويل قوله: وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا [البقرة:234] هل يتناول اللفظ الحال, أو هل للحمل فقط, وتنازعوا في قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ [المائدة:3] هل يدخل فيه ما مات في البحر أم لا, وتنازعوا في تأويل الكلالة, وفي تأويل قوله تعالى: فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ [النساء:11]، وأمثال ذلك, ولم يتنازعوا في تأويل آيات الصفات وأخبارها في موضع واحد، بل اتفقت كلمتهم وكلمة التابعين بعدهم على إقرارها وإمرارها, مع فهم معانيها وإثبات حقائقها, وهذا يدل على أنها أعظم النوعين بياناً, وأن العناية ببيانها أهم لأنها من تمام تحقيق الشهادتين, وإثباتها من لوازم التوحيد, فبينها الله ورسوله بياناً شافياً لا يقع فيه لبس ولا إشكال يوقع الراسخين في العلم في منازعة ولا اشتباه, ومن شرح الله لها صدره, ونور لها قلبه يعلم أن دلالتها على معانيها أظهر من دلالة كثير من آيات الأحكام على معانيها, ولهذا فإن آيات الأحكام لا يكاد يفهم معانيها إلا الخاصة من الناس, وأما آيات الأسماء والصفات فيشترك في فهمها الخاص والعام، أعني فهم أصل المعنى لا فهم الكنه، والكيفية, ولهذا أشكل على بعض الصحابة قوله: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] ولم يشكل عليه ولا على غيره قوله: وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة:186]، وأمثالها من آيات الصفات, وأشكل على عمر بن الخطاب آية الكلالة، ولم يشكل عليه أول الحديد، وآخر الحشر, وأول سورة طه، ونحوها من آيات الصفات، وأيضاً فإن بعض آيات الأحكام مجملة عرف بيانها بالسنة كقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ [البقرة:196] , فهذا مجمل في قدر الصيام والإطعام, فبينته السنة بأنه صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين, أو ذبح شاة، وكذلك، قوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29] مجمل في مقدار الطواف فبينته السنة بأنه سبع, ونظائره كثيرة كآية السرقة، وآية الزكاة, وآية الحج، وليس في آيات الصفات، وأحاديثها مجمل يحتاج إلى بيان من خارج بل بيانها فيها, وإن جاءت السنة بزيادة في البيان, والتفصيل؛ فلم تكن آيات الصفات مجملة محتملة لا يفهم المراد منها إلا بالسنة بخلاف آيات الأحكام) (1). العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - بتصرف - ص: 81 - 98
_________
(1) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 208 - 212).

تمهيد:
من الأمور الهامة التي تستوقف الباحث أن أول من أظهر الطعن على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه من المنتسبين لهذه الأمة هم المنافقون الذين ظهرت من خلالهم فرق الابتداع والمبتدعة, وأولهم ذو الخويصرة أول الخوارج؛ الذي خرج من ضئضئه حرقوص بن زهير، وذي الثدية، وجمهور الخوارج الذين خرجوا على عثمان رضي الله عنه, ثم على علي رضي الله عنه, وقالوا بتكفيرهم، وتكفير الصحابة, ثم عبدالله بن سبأ وأتباعه السبئية الذين اتخذوا شعار التشيع؛ حيث قالت الخوارج بتكفير عثمان, وعلي, وطلحة, والزبير, وعائشة ومن عاش في زمانهم من الصحابة فاستدركت عليهم الشيعة، فتناولت أبا بكر، وعمر, وجمهور الصحابة, ولتغطية سؤتها في كراهيتهم تولت أربعة منهم فقط بجوار علي رضي الله عنه.
ثم عندما برز قرن المرجئة المبتدعة خاضوا في الأحداث التي وقعت بين الصحابة رضوان الله عليهم، مخالفين لجمهور الأمة، وقالوا بالتوقف فيهم، ثم عندما ظهرت المعتزلة على يد واصل بن عطاء، وقرينه في الضلالة عمرو بن عبيد قالوا: بتفسيق الصحابة عليهم رضوان الله، وصار مثل هؤلاء الحيارى المتهوكون يطلقون ألسنتهم العلية للطعن على خير خلق الله عز وجل, حتى أن عمرو بن عبيد كان يقول عن عبدالله بن عمر إنه حشوي (1)، ثم تعمقت خطة أعداء الأمة ببروز الجعدية، والجهمية, وغلاة الشيعة, والقرامطة, وفلاسفة المعتزلة الذين توجهوا للعقائد التي اعتقدها الصحابة بصفاء وكمال تام, فقاموا بالإنكار والطعن وإلصاق الأباطيل بهم، والزعم بأنهم كانوا لا يفهمون معاني الصفات, فقام هؤلاء المبتدعة بالتأويل والتعطيل، والنفي والتشبيه لإثارة الشكوك والبلبلة في صفوف الأمة, حتى قيض الله لهم من رد هجمتهم الظالمة التي كانت تهدف إلى تجريد معاني الألوهية من نفوس المسلمين, والعمل على سيادة منهجها الظالم عندما استخدمت المأمون, والمعتصم, والواثق, في امتحان علماء الأمة طمعاً منهم في زعزعة قداسة القرآن من نفوس المسلمين, وإعادتهم إلى الجاهلية, ولكن الله عز وجل أعز دينه بصمود علماء السلف وعلى رأسهم إمام أهل السنة الإمام أحمد رحمه الله وجزاه الله خيراً، - فعاد الخزي والعار على المعتزلة ومن شايعهم من فرق الضلال.
ومن هنا، فإن أغلب الأفكار الخاطئة التي أثيرت قديماً وحديثاً عن عقيدة الصحابة رضوان الله عليهم، فهي تنبع من هذه المستنقعات العفنة من المعتزلة, والشيعة, والخوارج, والمرجئة, والمشبهة, والقدرية, الذين انبرى لمناصرتهم فئة من الكتّاب المعاصرين تحت مسميات براقة، وكأن المغيرين تداعوا من جديد عندما شاهدوا الصحوة الإسلامية تنمو وتتلمس طريق السلف في المعتقد والسلوك, فقاموا بإشاعة أباطيل الفرق الضالة في قوالب جديدة, وأصبح الشباب المسلم في حيرة واضطراب, ولكن الله عز وجل منجز وعده وناصر دينه, بإذنه تعالى: وَاللهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [يوسف:21]
وقد سبق أن تعرضت لعقيدة الصحابة في الصفات, وأنهم كانوا أعظم الناس فهماً, وسوف نعرض فيما يلي لجملة من الشبه التي أثارها أعداء الصحابة لإبطالها، وبيان زيفها، وأهداف القائلين بها، وذلك أن هؤلاء المبتدعة عندما ألجأتهم بدعهم المنحرفة لمثل هذه المقالات أرادوا تسويقها بين الناس, فقاموا بإلصاقها بالصحابة، وحاشاهم رضوان الله عليهم، أن يميلوا عن الطريق القويم الذي اختطه لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 191
_________
(1) ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (2/ 520).

المطلب الأول: شبه القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يؤولون الصفات والرد عليها
التأويل بالمعنى المبتدع أول من استخدمه كسلاح لتعطيل النصوص هم فرق الابتداع الذين أخذوه بدورهم عن اليهود حيث ذكر القرطبي عند تفسيره لقوله تعالى: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:7] , أن جماعة من اليهود منهم حيي بن أخطب دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: بلغنا أنه نزل عليك الم فإن كنت صادقاً في مقالتك فإن ملك أمتك يكون إحدى وسبعين سنة، لأن الألف في حساب الجمل واحد، واللام ثلاثون، والميم أربعون فنزل: وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ [آل عمران:7] (1)
ثم جاء عبدالله بن سبأ واتبع منهج من سبقه وبنى بدعته الهدامة على تأويل آي القرآن، حيث قال: (لعجب ممن يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمداً يرجع، وقد قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ مَن جَاء بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ [القصص:58] فمحمد أحق بالرجوع من عيسى)، قال: فقبل ذلك عنه، ووضع لهم الرجعة ... ) (2) وتتابعت حلقات المبتدعة، فوجدت في هذا المنهج سلاحاً يخدم أغراضها الخبيثة للي أعناق النصوص لتأييد باطلها, فكانت تلك الانحرافات التي جاء بها الشيعة مبنية على التأويل الباطل للنصوص, وعندما ظهرت المرجئة استخدمت نفس هذا المنهج وكذلك القدرية, والمعتزلة, والخوارج, والجهمية, فأصبح التأويل الباطل مأوى لكل من يريد الخروج على عقيدة الأمة وشريعتها, فهم لم يكتفوا بالتأويل في مسائل العقيدة, وإنما امتدت أيديهم الآثمة لتأويل جميع مسائل الشريعة بقصد تعطيلها وتوهينها في نفوس الناس.
- والتأويل في عرف السلف هو التفسير؛ حيث يقول الإمام الطبري: (إن الصحابة رضوان الله عليهم – كانوا يفهمون معاني القرآن, وتأويله، وتفسيره بما يوافق الطريقة النبوية في الإثبات، فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات، لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن (3) وعنه قال: وله الذي لا إله غيره، ما نزلت آية في كتاب الله، إلا أعلم فيما نزلت, وأين نزلت, ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته) (4).
فالتأويل في لفظ السلف كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (له معنيان: أحدهما تفسير الكلام، وبيان معناه سواء وافق ظاهره، أو خالفه, فيكون التأويل والتفسير عند هؤلاء متقارباً، أو مترادفاً وهذا والله أعلم هو الذي عناه مجاهد أن العلماء يعلمون تأويله ومحمد بن جرير الطبري عندما يقول في تفسيره، القول في تأويل قوله كذا وكذا, واختلف أهل التأويل في هذه الآية ونحو ذلك ومراده التفسير، والمعنى الثاني في لفظ السلف هو نفس المراد بالكلام فإن الكلام إن كان طلباً كان تأويله نفس المطلوب وإن كان خبراً كان تأويله نفس الشيء المخبر به) (5).
_________
(1) ((الجامع لأحكام القرآن)) للقرطبي (4/ 15).
(2) ((تاريخ الأمم والملوك)) للطبري (2/ 647)، ((الكامل)) لابن الأثير (3/ 77).
(3) رواه الطبري في تفسيره (1/ 44).
(4) ((تفسير الطبري)) (1/ 35 - 36) بتصرف.
(5) ((مجموع الفتاوى)) (13/ 288 - 289).

ويقول في موضع آخر: (إن لفظ التأويل في القرآن يراد به ما يؤول الأمر إليه, وإن كان موافقاً لمدلول اللفظ ومفهومه في الظاهر, ويراد به تفسير الكلام وبيان معناه وإن كان موافقاً له, وهو اصطلاح المفسرين المتقدمين؛ كمجاهد وغيره، ويراد به صرف اللفظ عن الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح، لدليل يقترن بذلك, وتخصيص لفظ التأويل بهذا المعنى إنما يوجد في كلام بعض المتأخرين فأما الصحابة والتابعون لهم بإحسان وسائر أئمة المسلمين كالأئمة الأربعة وغيرهم فلا يخصون لفظ التأويل بهذه المعنى، بل يريدون بالتأويل المعنى الأول والثاني) (1).
- أما التأويل الباطل الذي قالت به فرق الابتداع فهو (صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه، فهذا لم يكن هو المراد بلفظ التأويل في كلام السلف، وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه, فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل) (2).
ويقول ابن القيم – رحمه الله –: (وأما المعتزلة والجهمية وغيرهم من فرق المتكلمين فمرادهم بالتأويل صرف اللفظ عن ظاهره وهذا هو الشائع في عرف المتأخرين من أهل الأصول، والفقه، ولهذا يقولون: التأويل على خلاف الأصل، والتأويل يحتاج إلى دليل وهذا التأويل هو الذي صنف في تسويغه وإبطاله من الجانبين, فصنف جماعة في تأويل آيات الصفات وأخبارها كأبي بكر بن فورك- ت 406هـ -، وابن مهدي الطبري -380هـ - وغيرهما, وعارضهم آخرون فصنفوا في إبطال تلك التأويلات كالقاضي أبي يعلي- ت 4548 - ، والشيخ موفق الدين بن قدامة- ت620 - ، وهو الذي حكى عن غير واحد إجماع السلف على عدم القول به) (3).
- وإذا كانت فرق الابتداع على مختلف مشاربها لم تنسب القول بالتأويل فيما أعلم إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أصحابه الكرام فإن ببعض المعاصرين تجرأوا بدافع التعصب إلى مذاهبهم فنسبوا ذلك إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, وصحابته الكرام, حيث يقول ابن خليفة عليوي: (سنجعل قدوتنا في التأويل رسول الله وصحابته الكرام, والتابعين ومن سار على هديهم من أئمة الإسلام الأعلام إلى يوم الدين!! ويقال هنا: هل الرسول صلى الله عليه وسلم أول الاستواء على العرش أم لا، وإذا كان عليه الصلاة والسلام، قد أول أعسر كلمة يمكن أن يستعصي فهمها على الأمة فيكون الرسول صلى الله عليه وسلم قد أشار إلى أمته باقتفاء أثره بتأويل كل ما يوهم ظاهره التجسيم!! والسؤال هنا هل يوجد دليل على ما قلته: نعم، ها هو الدليل – جاء في كتاب العلو للذهبي – حديث سمعناه من أحمد بن هبة الله عن أبي رزين العقيلي، قال: قلت يا رسول الله، أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض، قال: ((كان في عماء، ما فوقه هواء، وما تحته هواء ثم خلق العرش، ثم استولى عليه)) (4).
فأنت ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أوَّل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] بقوله: ثم استولى عليه، وبذا يكون المؤولون قد اقتفوا أثر الرسول صلى الله عليه وسلم بصرف كل لفظ عن ظاهره يفهم منه التجسيم إلى لفظ آخر يفني عنه ذلك، وسواء أكان الحديث صحيحاً أم ضعيفاً فلا أقل من أن يحمل على التفسير، وحينئذ لا يخرج عن التأويل) (5).
_________
(1) ((درء تعارض العقل والنقل)) (1/ 14).
(2) ((الصفدية)) لابن تيمية (1/ 291).
(3) ((الصواعق المرسلة)) (1/ 179).
(4) رواه الذهبي في (العلو) (26). وقال: رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن.
(5) ((هذه عقيدة السلف والخلف)) (ص:87) لابن خليفة عليوي.

ثم ينسب القول بالتأويل إلى ابن عباس رضي الله عنهما فيقول: (فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام، قد فسر الاستواء بالاستيلاء؛ فهذا هو التأويل بعينه، وقد علمت أن السلف الصالح وعلى رأسهم حبر هذه الأمة عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قد أول كثيراً من الصفات، وهو أحق بالتأويل من كافة الأمة، لاختصاصه به بفضل دعاء الرسول له بالتأويل بقوله: ((اللهم علمه الحكمة)) (1)، ((اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل)) (2)
وبذا يعلم أن التأويل ليس مذموماً، إذ لو كان كذلك لم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم لابن عباس به، ومن أجل هذا رأت الأمة اقتفاء أثر السلف الصالح في التأويل في كل لفظ يوهم ظاهره التجسيم) (3)
أما حسن السقاف – محقق كتاب دفع شبه التشبيه، لابن الجوزي- فيقول: (أوّل ابن عباس قوله – تعالى - يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42]، فقال: يكشف عن شدة، فأول الساق بالشدة ذكر ذلك الحافظ بن حجر في فتح الباري 13/ 428، والحافظ بن جرير الطبري في تفسيره، حيث قال في صدر كلامه على هذه الآية: قال جماعة من الصحابة والتابعين من أهل التأويل: يبدو عن أمر شديد قلت: - أي السقاف -: ومنه يتضح أن التأويل كان عند الصحبة والتابعين وهم سلفنا الصالح) (4)
- وللرد على هذه الأباطيل نقول أولاً: مما يؤسف له أن المتأخرين قد بلغت بهم الجرأة على قول ما لم يقله أسلافهم الأوائل، فإن الأوائل كانوا يقرون في أنفسهم أن التأويل هم الذين قالوا به, ولم ينسبوه فيما أعلم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم أو صحابته الكرام، وذلك بسبب تقاصر أفهامهم عن مستوى الصحابة والتابعين في اليقين والفهم, ولعدم سعة صدورهم وعقولهم لتقبل الوحي الرباني بنصوصه الواضحة السهلة الميسرة.
ولكن المتأخرين عندما شاهدوا الصحوة الإسلامية تتلمس طريق السلف وتأخذ بمعتقدهم الحق والسهل طارت عقولهم، فخافوا على هذا البناء الهش الذي أقامه المتكلمون أن ينهار، فقامت بطرح هذه الدعاوى الباطلة المزيفة.
ثانياً: ومما يبين أن القوم فقدوا صوابهم أن عليوي قد زور الحديث، وزاد فيه من عنده؛ ليوافق مذهبه الباطل في التأويل فإن الحديث هذا هو لفظه: قال أبو رزين العقيلي قلت: ((يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق السموات والأرض؟ قال: كان في عماء, ما تحته هواء, وما فوقه هواء, ثم خلق عرشه على الماء)) (5) وفي رواية للإمام أحمد ((ثم خلق العرش ثم استوى عليه – تبارك وتعالى)).
فلا يوجد في الحديث ما زعمه زوراً وبهتاناً عن أكذوبة الاستيلاء.
_________
(1) رواه البخاري (3756).
(2) رواه البخاري (143) دون لفظ: ((وعلمه التأويل))، وأحمد (1/ 266) (2397)، وابن حبان (15/ 531) (7055)، والحاكم (3/ 615). وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال ابن كثير في ((البداية والنهاية)) (8/ 300): منهم من أرسله والمتصل هو الصحيح، وقال العراقي في ((تخريج الإحياء)) (3/ 29): متفق عليه دون قوله: ((وعلمه التأويل))، وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 279): لأحمد طريقان رجالهما رجال الصحيح.
(3) ((هذه عقيدة السلف والخلف)) (ص:80) لابن خليفة عليوي.
(4) ((دفع التشبيه بأكف التنزيه)) (ص: 11) لابن الجوزي.
(5) رواه الترمذي (3109)، وابن ماجه (182)، وأحمد (4/ 11) (16233)، وابن حبان (14/ 8) (6141). قال الترمذي: هذا حديث حسن، وقال الذهبي في (العلو) (26): رواه الترمذي وابن ماجه، وإسناده حسن.

ثالثاً: زعم عليوي أن هذا الحديث في كتاب العلو للذهبي – رحمه الله- وقد بحثت عن الحديث في المطبوعة التي حققها فضيلة الشيخ الألباني، فلم أجد هذا الحديث فضلاً عن الزيادة التي أضافها من عنده ولا حول ولا قوة إلا بالله.
رابعاً: زعم عليوي أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لابن عباس بأن يعلمه التأويل، ونحن نرى أن التأويل هو التفسير وليس التأويل الذي ذهب إليه المبتدعة، مع أن روايتي البخاري ومسلم ليس فيهما أي إشارة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا له بأن يعلمه التأويل, فعن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((دخل الخلاء, فوضعت له وضوءاً, وقال من وضع هذا؟ فأخبر, فقال: اللهم, فقهه في الدين)) (1).
خامساً: أما ما ذكره السقاف من تأويل ابن عباس للساق، فهذا ليس من التأويل المبتدع الذي قالت به فرق الابتداع, فإن هذه الآية قد اختلف السلف في تفسيرها, وليس هناك بينهم أي خلاف بإثبات الصفة نفسها حيث يبطل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الزعم بهذه الشهادة العظيمة فيقول: (إن جميع ما في القرآن من آيات الصفات، فليس عن الصحابة اختلاف في تأويلها، وقد طالعت التفاسير المنقولة عن الصحابة، وما ورد في الحديث ووقفت من ذلك ما شاء الله تعالى من الكتب الكبار والصغار أكثر من مئة تفسير، فلم أجد إلى ساعتي هذه عن أحد من الصحابة أنه تأول شيئاً من آيات الصفات، أو أحاديث الصفات, بخلاف مقتضاها المفهوم المعروف, بل إن عنهم في تقرير ذلك وتثبيته وبيان ذلك من صفات الله ما يخالف كلام المتأولين ما لا يحصيه إلا الله, وكذلك فيما يذكرونه آثرين وذاكرين عنهم شيء كثير, وتمام هذا أني لم أجدهم تنازعوا إلا في مثل قوله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42] , فروى ابن عباس وطائفة أن المراد به الشدة: أن الله يكشف عن الشدة في الآخرة, وعن أبي سعيد وطائفة أنهم عدُّوها من الصفات, للحديث الذي رواه أبو سعيد في الصحيحين, ولا ريب أن ظاهر القرآن لا يدل على أن هذه من الصفات فإنه قال: يَوْمَ يُكْشَفُ عَن سَاقٍ نكرة في الإثبات لم يضفها إلى الله، ولم يقل عن ساقه، فمع التعريف بالإضافة لا يظهر أنه من الصفات إلا بدليل آخر، ومثل هذا ليس بتأويل صرف الآية عن مدلولها ومفهومها المعروف) (2).
وقال القاضي أبو يعلى: (ودليل آخر على إبطال التأويل أن الصحابة ومن بعدهم من التابعين حملوها على ظاهرها، ولم يتعرضوا لتأويلها، ولا صرفها عن ظاهرها، فلو كان التأويل سائغاً، لكانوا أسبق إليه لما فيه من إزالة التشبيه، ورفع الشبه، بل قد روي عنهم ما دل على إبطاله) (3).
وقال المقريزي رحمه الله مفصلاً مذهب الصحابة والتابعين في الصفات: (إنه لم يرد قط من طريق صحيح، ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم على اختلاف طبقاتهم، وكثرة عددهم أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن معنى شيء مما وصف الرب سبحانه به نفسه الكريمة في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه محمد صلى الله عليه وسلم, بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات, نعم، ولا فرق أحد منهم بين كونها صفة ذات، أو صفة فعل، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم, والقدرة, والعظمة، وساقوا الكلام واحداً، وهكذا أثبتوا، رضي الله عنهم ما أطلقه الله عز وجل، على نفسه الكريمة من الوجه واليد، ونحو ذلك مع نفي مماثلة المخلوقين فأثبتوا رضي الله عنهم بلا تشبيه, ونزهوا من غير تعطيل, ولم يتعرض مع ذلك أحد منهم إلى تأويل شيء من هذا، ورأوا بأجمعهم إجراء الصفات كما وردت، ولم يكن عند أحد منهم شيء من الطرق الكلامية, ولا مسائل الفلسفة, فقضى عصر الصحابة رضي الله عنهم على هذا) (4).
وهكذا تسقط دعوى المبطلين الذين راموا تسويق بضاعتهم المزجاة، عن طريق نسبة مبتدعاتهم إلى خير الله بعد الأنبياء والرسل، فلم يكن لهم حاجة رضوان الله عليهم إلى التأويل أو غيره، فهم الذين نزل القرآن وهم أحياء يسمعونه من رسول الله غضًّا طريًّا، وعاصروا أحداثه التي قيلت فيها آيات القرآن كلها، وصفات ربهم سبحانه كانوا لتوقيرها, والإيمان بها, والتعبد بها أعظم, وأجل، ولو أشكل عليهم شيء مما قاله المبلطون؛ لسألوا ولأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كانت أعظم مهماته تعريفهم بربهم المعبود بوحدانيته، وأسمائه, وصفاته. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 193
_________
(1) رواه البخاري (143)، ومسلم (2477).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 394)
(3) أبو يعلى ((إبطال التأويلات لأخبار الصفات)) (ص:71) ت محمد النجدي ط1، الكويت
(4) ((المواعظ والاعتبار)) للمقريزي (2/ 356).

المطلب الثاني: شبهة القائلين بأن الصحابة والتابعين كانوا يفوضون معاني الصفات والرد عليها
وممن زعم هذه الشبهة الشهرستاني؛ حيث يقول: (اعلم أن جماعة كثيرة من السلف كانوا يثبتون لله تعالى، صفات أزلية من العلم، والقدر, الحياة, والإرادة, والسمع, والبصر, والكلام, والجلال, والإكرام, والجود, والإنعام, والعزة, والعظمة, ولا يفرقون بين صفات الذات وصفات الفعل, بل يسوقون الكلام سوقاً واحداً, وكذلك يثبتون صفات خبرية، مثل اليدين، والوجه، ولا يؤولون ذلك، إلا أنهم يقولون: هذه الصفات قد وردت في الشرع فنسميها صفات خبرية، ولما كان المعتزلة ينفون الصفات, والسلف يثبتونها سمي السلف صفاتية, والمعتزلة معطلة, فبالغ بعض السلف في إثبات الصفات إلى حد التشبيه بصفات المحدثات، واقتصر بعضهم على صفات دلت الأفعال عليها، وما ورد به الخبر، فافترقوا فرقتين:
فمنهم من أوله على وجه يحتمل ذلك اللفظ, ومنهم من توقف في التأويل، وقال عرفنا بمقتضى العقل أن الله تعالى ليس كمثله شيء، فلا يشبه شيئاً من المخلوقات, ولا يشبهه منها شيء, وقطعنا بذلك، إلا أنا لا نعرف معنى اللفظ الوارد فيها؛ مثل قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ومثل قوله: خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]، ومثل قوله: وَجَاء رَبُّكَ [الفجر:22]، إلى غير ذلك, ولسنا مكلفين بمعرفة تفسير هذه الآيات وتأويلها، بل التكليف قد ورد بالاعتقاد بأنه لا شريك له، وليس كمثله شيء، وذلك قد أثبتناه يقيناً, ثم إن جماعة من المتأخرين زادوا على ما قله السلف، فقالوا لا بد من إجرائها على ظاهرها، فوقعوا في التشبيه الصرف؛ وذلك على خلاف ما اعتقده السلف) (1).
وقال السيوطي: (وجمهور أهل السنة، منهم السلف، وأهل الحديث على الإيمان بها، وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى, ولا نفسرها مع تنزيهنا له عن حقيقتها) (2). ويقول حسن السقاف: (وبقيت مسألة، ولا شك أن السلف كانوا يفوضون الكيف والمعنى، وهو المراد بالتفويض عند إطلاقه بلا شك) (3).
هذه بعض أقوال من نسبوا التفويض إلى السلف، رضوان الله عليهم، حيث يلمح من عبارة الشهرستاني أن السلف تطور مذهبهم من الإثبات إلى القول بالتأويل أو التفويض، وهذا زعم باطل لا أساس له فإن السلف، وأولهم الصحابة رضوان الله عليهم مذهبهم الإثبات ما حادوا عنه إلى قول من الأقوال المبتدعة، وكذلك فعل السيوطي عندما أغفل مذهب السلف المثبت لمعاني الصفات مع عدم تعرضهم للكيفية.
ويذكر شيخ الإسلام سبب نشوء هذه الشبهة فيقول عن المفوضة: (هم طائفة من المنتسبين إلى السنة، وأتباع السلف، تعارض عندهم المعقول والمنقول، فأعرضوا عنها جميعاً بقلوبهم وعقولهم، بعد أن هالهم ما عليه أصحاب التأويل من تحريف للنصوص، وجناية على الدين، فقالوا في أسماء الله وصفاته، وما جاء في ذكر الجنة والنار, والوعد والوعيد إنها نصوص متشابهة لا يعلم معناها إلا الله تعالى وهم طائفتان من حيث إثبات ظواهر النصوص ونفيها، الأولى تقول: المراد بهذه النصوص خلاف مدلولها الظاهر، ولا يعرف أحد من الأنبياء, ولا الملائكة, ولا الصحابة, ولا أحد من الأمة، ما أراد الله بها، كما لا يعلمون وقت الساعة.
الثانية تقول: بل تجري على ظاهرها، وتحمل عليه، ومع هذا، فلا يعلم تأويلها إلا الله تعالى فتناقضوا؛ حيث أثبتوا لها تأويلاً يخالف ظاهرها، وقالوا، مع هذا بأنها تحمل على ظاهرها.
_________
(1) الشهرستاني ((الملل والنحل)) (ص: 92 - 93) ت عبدالعزيز الوكيل، دار الفكر.
(2) السيوطي ((الإتقان في علوم القرآن)) (2/ 6) 1973، لبنان.
(3) ابن الجوزي ((دفع شبه التشبيه)) (ص:21) مقدمة المحقق.

وهم أيضاً طائفتان؛ من حيث علم الرسول صلى الله عليه وسلم بمعاني النصوص الأولى تقول: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يعلم معاني النصوص المتشابهة، لكنه لم يبين للناس المراد منها، ولا أوضحه إيضاحاً يقطع النزاع، وهذا هو المشهور عنهم، والثانية تقول: وهم الأكابر منهم، أن معاني هذه النصوص المتشابهة لا يعلمها إلا الله، لا الرسول، ولا جبريل، ولا أحد من الصحابة، والتابعين, وعلماء الأمة، وعند الطائفتين أن هذه النصوص إنما أنزلت للابتلاء، والمقصود منها تحصيل الثواب بتلاوتها، وقراءتها، من غير فقه، ولا فهم) (1).
وقد اشتبه على بعض المعاصرين قول بعض السلف (أمرّوها كما جاءت) فظنوا أن هذا القول موافق لمذهب القائلين بالتفويض (2) ويبطل شيخ الإسلام هذه الدعوى، فيقول: (والمقصود هنا التنبيه، على أصول المقالات الفاسدة التي أوجبت الضلالة في باب العلم، والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم وأن من جعل الرسول غير عالم بمعاني القرآن الذي أنزل إليه، ولا جبريل جعله غير عالم بالسمعيات، ولم يجعل القرآن هدى، ولا بياناً للناس, وهم مخطئون فيما نسبوا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم, وإلى السلف من الجهل كما أخطأ في ذلك أهل التحريف والتأويلات الفاسدة، وسائر أصناف الملاحدة) (3).
ثم ذكر قول الأوزاعي: (كنا والتابعون متوافرون، نقول إن الله تعالى ذكره، فوق عرشه، ونؤمن بما وردت فيه السنة من صفاته) (4)
ونسب للأوزاعي, ومكحول, والزهري، ومالك بن أنس، وسفيان الثوري، والليث بن سعد قولهم عن الأخبار التي جاءت في الصفات, فقالوا: أمرّوها كما جاءت بلا كيف (5)، فقولهم رضي الله عنهم: (أمروها كما جاءت) رداً على المعطلة، وقولهم: بلا كيف رداً على الممثلة، وكان مالك بن أنس إذا ذكر عنده من يدفع أحاديث الصفات يقول: (قال عمر بن عبدالعزيز: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله، واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد من خلق الله تغييرها، ولا النظر في شيء خالفها, من اهتدى بها فهو مهتد، ومن استنصر بها فهو منصور, ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين، ولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً) (6).
_________
(1) ابن تيمية ((مجموع الفتاوى)) (16/ 442).
(2) انظر ابن الجوزي ((دفع شبه التشبيه)) (22)، لكلام المحقق.
(3) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (5/ 38).
(4) رواه البيهقي في ((الأسماء والصفات)) (2/ 304) (865). قال الذهبي في ((تذكرة الحفاظ)) (ص: 182): إسناده صحيح.
(5) ((الأسماء والصفات)) للبيهقي (2/ 377)، ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) لللالكائي (3/ 582)، و ((التمهيد)) (4/ 149)
(6) رواه عبدالله بن أحمد في ((السنة)) (1/ 357)، والآجري في ((الشريعة)) (ص:46).

وعندما سئل مالك بن أنس، عن الاستواء أثبت المعنى، وترك القول بالكيفية، فقد جاءه رجل، فقال: يا أبا عبدالله, الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] , كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعاً، ثم أمر به أن يخرج (1)، فقول مالك وربيعة موافق لقول الباقين أمرّوها كما جاءت بلا كيف، فإنما نفوا علم الكيفية، ولم ينفوا حقيقة الصفة، ولو كان القوم قد آمنوا باللفظ المجرد من غير فهم لمعناه على ما يليق بالله لما قالوا: الاستواء حينئذ لا يكون معلوماً بل مجهولاً بمنزلة حروف المعجم، وأيضاً فإنه لا يحتاج إلى نفي علم الكيفية إذا لم يفهم عن اللفظ معنى، وإنما يحتاج إلى نفي علم الكيفية, إذا أثبت الصفات، وأيضاً فقولهم: أمروها كما جاءت يقتضي إبقاء دلالتها على ما هي عليه، فإنها جاءت ألفاظ دالة على معاني، فلو كانت دلالتها منتفية، لكان الواجب أن يقال: أمروا لفظها مع اعتقاد أن المفهوم منها غير المراد, أو أمروا لفظها مع اعتقاد أن الله لا يوصف بما دلت عليه حقيقة, وحينئذ فلا تكون قد أمرت كما جاءت, ولا يقال حينئذ بلا كيف، إذ نفي الكيف عما ليس بثابت لغو من القول (2).
وقال أبو الفضل إسحاق بن أحمد بن غانم العلثي (ت634هـ) في رسالة إلى عبد الرحمن بن الجوزي ينكر عليه أشياء، ومن جملتها التأويل، وزعمه أن جماعة من السلف فوضوا معنى الصفات، قال: (ثم تعرضت لصفات الخالق تعالى كأنها صدرت لا من صدر سكن فيه احتشام العلي العظيم، ولا أملاها قلب مليء بالهيبة والتعظيم، وزعمت أن طائفة من أهل السنة الأخيار تلقوها، وما فهموا وحاشاهم من ذلك بل كفوا عن الثرثرة، والتشدق، ولا عجزاً بحمد الله عن الجدال والخصام, ولا جهلاً بطرق الكلام, وإنما أمسكوا عن الخوض في ذلك عن علم ودراية لا عن جهل وعماية) (3).
ويرى شيخ الإسلام أن القول بالتفويض يفضي إلى (القدح في الرب جلا وعلا وفي القرآن الكريم، وفي الرسول صلى الله عليه وسلم؛ وذلك بأن يكن الله تعالى أنزل كلاماً لا يفهم, وأمر بتدبر ما لا يتدبر, وبعقل ما لا يعقل, وأن يكون القرآن الذي هو النور المبين والذكر الحكيم سبب لأنواع الاختلافات، والضلالات، بل يكون بينهم، وكأنه بغير لغتهم، وأن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم لم يبلغ البلاغ المبين، ولا بين للناس ما نزل إليهم، وبهذا يكون قد فسدت الرسالة، وبطلت الحجة، وهو الذي لم يتجرأ عليه صناديد الكفر) (4).
وهكذا تبدو لنا خطورة القول بالتفويض الذي رده علماء السلف، وجعلوه بدعة تقابل بدعة التأويل، وأن القول به هو إزراء بمقام النبوة، ومقام الصحابة، وسلف الأمة جمعاء؛ فهموا مراد ربهم، وعبدوه العبادة الحقة، وآمنوا بأسمائه، وصفاته كما جاءت في الكتاب والسنة، وهم فوق جميع أهل العقول، والأفهام لا يدانيهم في هذه المكانة أحد على الإطلاق كما قال الإمام الشافعي، رحمه الله، (إنهم فوقنا في كل عقل, وعلم، وفضل، وسبب ينال به علم, أو يدرك به صواب، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا) (5). العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 200
_________
(1) رواه اللالكائي في ((شرح أصول اعتقاد أهل السنة)) (1/ 398)، وابن قدامة في ((إثبات صفة العلو)) (ص: 28).
(2) ابن تيمية ((مجموع الفتاوى)) (5/ 38 - 41) بتصرف، وانظر د. رضا نعسان، ((علاقة الإثبات والتفويض بصفات رب العالمين)) (ص: 69) ط3، مكة المكرمة.
(3) ((الذيل على طبقات الحنابلة)) لابن رجب الحنبلي (2/ 207) نقلا عن الأستاذ عثمان علي حسن، ((منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة)) (2/ 587) ط1، 1412هـ مكتبة الرشد، الرياض.
(4) ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (1/ 204).
(5) ((درء تعارض العقل والنقل)) لابن تيمية (5/ 73)

المطلب الثالث: إبطال شبهة القائلين بأن الصحابة والتابعين قد شغلهم الجهاد عن فهم آيات الصفات ومسائل العقيدة
والذين قالوا بهذه الشبهة أهل الابتداع، قديماً، والمستشرقين وتلاميذهم حديثاً؛ وابن عربي، وابن سينا وأبو حامد الغزالي فقال: (ثم إن هؤلاء مع هذا لما لم يجدوا الصحابة والتابعين تكلموا بمثل كلامهم، بل ولا نقل ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم صار منهم من يقول: كانوا مشغولين بالجهاد عن هذا الباب, وأنهم هم حققوا ما لم يحققه الصحابة, ويقولون أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلمهم هذه؛ لئلا يشتغلوا به عن الجهاد, وأهل السيف قد يظن من يظن منهم أن لهم من الجهاد وقتال الأعداء ما لم يكن مثله للصحابة, وأن الصحابة كانوا مشغولين بالعلم، والعبادة عن مثل جهادهم) (1).
أما المستشرقون فيمثلهم كتاب دائرة المعارف الإسلامية، حيث يزعم أحدهم أن الصحابة والتابعين عندما انتهوا من الفتوحات قاموا بتفهم القرآن، حيث يقول: (ولما استقر المسلمون بعد الفتوحات, ودخل من دخل في الإسلام من أرباب الديانات المختلفة, عكف المسلمون من جهة على فهم القرآن، والتعمق في الفهم، وأثار بعض هؤلاء الذين التحقوا بالإسلام دون أن يتبطنوه من جهة أخرى كثيراً من عقائدهم الدينية، وصاروا يتجادلون حولها، ويجادلون المسلمين فيها، في هذا المرحلة نجد الآيات المتشابهات في القرآن يتسعرضها المفكرون ويحللونها, ويحاول كل أحد أن يخضعها لما يرى, إما بأخذها على ظواهرها، وإما بتأويلها تنزيهاً لله تعالى، عما يوهم التشبيه في الذات أو الصفات وإما بالإيمان بها كما جاءت دون تعرض لها بتفسير أو تأويل, وكان نتيجة هذه المواقف من تلك الآيات ظهور فرقة المشبهة والمجسمة, وفرقة المعتزلة النافية للصفات مبالغة في التنزيه, والصفاتية، وهم جمهور السلف الذين بين بين) (2)
ويردد أحمد أمين نفس فكرة المستشرقين فيقول: (إن المسلمين لما فرغوا من الفتح واستقر بهم الأمر، واتسع لهم الرزق، أخذ عقلهم يتفلسف في الدين، فيثير خلافات دينية، ويجتهد في بحثها، والتوفيق بين مظاهرها, ويكاد يكون هذا مظهراً عاماً في كل ما نعرفه من أديان, فهي أول أمرها عقيدة ساذجة، قوية لا تأبه الخلاف ولا تلتفت إلى بحث) (3)
وهذه المزاعم في غاية البطلان وذلك لأن الصحابة قد اكتملت معالم عقيدتهم وشريعتهم قبل وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم, ولقد كانت الأحداث التي عاشوها رضوا ن الله عليهم، والآيات التي خوطبوا بها ابتداء والتي تتحدث عن كل مسائل العقيدة هي الزاد الحقيقي الذي فهموا فيه أمور عقيدتهم، والتي عرضت بوضوح وشمول كبير أغناهم عن البحث, والتنقير, والابتداع, أو السؤال, فانطلقوا بهذا التصور الكامل عن الإله الحق، ووعده الحق لهم بالجزاء الحسن بالجنة، وأنه رضي الله عنهم، ورضوا عنه، انطلقوا يفتحون الدنيا شرقاً وغرباً، وقد امتلأت قلوبهم حباً وعقولهم معرفة وفهماً لكل معاني الصفات ويمثل هذا الكمال في الفهم والمعرفة ما رواه البخاري عن طارق بن شهاب قال: (قالت اليهود لعمر: إنكم تقرؤون آية لو نزلت فينا، لاتخذناها عيداً، فقال عمر: إني لأعلم حيث أنزلت، وأين أنزلت, وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت: يوم عرفة، وإنا والله بعرفة، قال سفيان، وأشك كان يوم الجمعة أم لا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]).
فقد أكمل الله دينه، وفهمته العصبة المؤمنة تمام الفهم، وأعرض عمر رضي الله عنه عن مزاعم اليهود، بأخذهم يوم نزول الآيات أعياداً، وأخبرهم عن علمه بزمان نزولها ومكان نزولها، فكانت تفيد تمام هذا الدين، وأعظم ما فيه مسائل العقيدة، ومن أخصها توحيد الإله الحق بأسمائه، وصفاته والإيمان الحق، وعدم تعريضها للجدال والخصومة، ولم يكن الصحابة ولا التابعين سلفاً لمن زاغت عقيدته فمال إلى التأويل, والتعطيل, أو مال إلى التشبيه, فإن الصحابة والتابعين ما كانوا يعدلون بالقرآن والسنة أي فكر بشري أبداً، وإنما الذين تفلسفوا هم قنائص زنادقة البلاد المفتوحة, الذين دخلوا في جدال معهم؛ كالجعد والجهم، وعمرو بن عبيد، وواصل بن عطاء وغيرهم الذين سقطوا في حمأة البدعة الممقوتة، وفتحوا باب الشرور على الأمة. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 205
_________
(1) ((النبوات)) لابن تيمية (ص: 221) ط 1420هـ، دار الكتب العلمية بيروت.
(2) ((دائرة المعارف الإسلامية)) (5/ 531). دار المعرفة – بيروت.
(3) أحمد أمين ((ضحى الإسلام)) (3/ 2)، دار الكتاب العربي – بيروت.

المطلب الرابع: إبطال التعليل الباطل لسكوت الصحابة، وعدم سؤالهم عن الصفات الإلهية
ومن المزاعم الباطلة التي قيلت حول عقيدة الصحابة سكوتهم، وعدم خوضهم في الصفات وعدم سؤالهم عنها، وهذا الزعم في غاية الفساد والبطلان وذلك لأن الصحابة رضوان الله عليهم، إنما سكتوا عن الخوض في الصفات ولم يسألوا عنها؛ لأنهم وجدوا أن كتاب ربهم وسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم قد كفتهم مؤنة التكلف والسؤال فقد أحاطت الآيات والأحاديث بكل ما يخص الإله الحق من أسمائه وصفاته، وكل مسائل العقيدة فقد وردت بشتى الأشكال والصور التي يطول حصرها كما ذكرنا من قبل.
ويقرر شيخ الإسلام رحمه الله هذه الشبهة ويرد عليها فيقول: (وصار كثير منهم يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يعرف أصول الدين, ومنهم من هاب النبي صلى الله عليه وسلم ولكن، يقول: الصحابة والتابعون لم يكونوا يعرفون ذلك، ومن عظم الصحابة والتابعين مع تعظيم أقوال هؤلاء يبقى حائراً كيف لم يتكلم أولئك الأفاضل في هذه الأمور التي هي أفضل العلوم ومن هو مؤمن بالرسول معظم له يستشكل كيف لم يبين أصول الدين مع أن الناس أحوج منهم إلى غيرهم) (1).
ويرد شيخ الإسلام فيقول: (فكل ما يحتاج الناس إلى معرفته واعتقاده، والتصديق به من هذه المسائل فقد بينه الله ورسوله بياناً شافياً قاطعاً للعذر، إذ هذا من أعظم ما بلغه الرسول البلاغ المبين، وبينه للناس، وهو من أعظم ما أقام الله الحجة على عباده فيه بالرسل الذين بينوه وبلغوه، وكتاب الله الذي نقل الصحابة، ثم التابعون عن الرسول صلى الله عليه وسلم لفظه ومعانيه، والحكمة التي هي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي نقلوها أيضاً عن الرسول مشتملة من ذلك على غاية المراد وتمام الواجب والمستحب) (2).
ومما يؤكد أن الصحابة رضوان الله عليهم، كانوا في غنى عن السؤال, وإنما سكتوا عن فهم وعلم، ما سبق، وذكرنا من هيمنة مسائل الصفات على الكتاب والسنة، واستيعابها من قبلهم بأعلى درجات الاستيعاب، ولو احتاجوا إلى السؤال لسألوا كما سألوا عن رؤية الله عز وجل، وكسؤال أبي رزين العقيلي أين كان ربنا؟ وقول ذلك الصحابي: أيضحك ربنا؟ وسؤالهم عن القدر، وعن مسائل الآخرة من الحساب، والجنة والنار، فلم يكن هناك حجر على السؤال عن مسائل الاعتقاد، وفي هذا يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (كل من فيه أدنى محبة للعلم أو أدنى محبة للعبادة لا بد أن يخطر بقلبه هذا الباب، ويقصد فيه الحق، ومعرفة الخطأ من الصواب فلا يتصور أن يكون الصحابة والتابعون كلهم كانوا معرضين عن هذا لا يسألون عنه, ولا يشتاقون إلى معرفته, ولا تطلب قلوبهم الحق فيه، وهم ليلاً ونهاراً، يتوجهون بقلوبهم إليه سبحانه، ويدعونه تضرعاً وخفية، ورغباً ورهباً، والقلوب مجبولة مفطورة على طلب العلم ومعرفة الحق فيه، وهي مشتاقة إليه أكثر من شوقها إلى كثير من الأمور، ومع الإرادة الجازمة والقدرة يجب حصول المراد وهم قادرون على سؤال الرسول صلى الله عليه وسلم, وسؤال بعضهم بعضاً، وقد سألوا عما دون ذلك, سألوه: أنرى ربنا يوم القيامة؟ فأجابهم، وسأله أبو رزين: أيضحك الرب؟ فقال: نعم، فقال، لن نعدم من رب يضحك خيراً) (3).
وغاية القول أن سكوت الصحابة وعدم سؤالهم عن حقائق الصفات وكيفيتها كان لوجود هذا الفهم، والإيمان وعدم تعرض عقولهم لشبهات الشك والحيرة، ولوفرة النصوص القرآنية، والنبوية التي أفاضت في البيان فلم تبقى لأنفسهم مجالاً للتساؤل فكان هذا البيان وهذا الوضوح وسلامة الاعتقاد من أعظم أسباب استقرار عصر الصحابة والتابعين وبعدهم عن الجدال والبدع العقدية فانصرفوا إلى خدمة دينهم، فانطلقوا يفتحون الأمصار شرقاً وغرباً، ويزكون أنفسهم بقراءة كتابه وتتبع سنة نبيه، واجتهدوا بالعبادات، والطاعات النافعة بخلاف من تقاصرت أفهامهم، وضعف إيمانهم، ويقينهم فراموا ابتداع تصور جديد عن الإله الحق فوقعوا في الفتن التي كانت سبباً في حيرتهم وشكهم, وكان من خيارهم الذين امتن الله عليهم بالهداية قبل موتهم أن ندموا أشد الندم على مخالفة منهج الصحابة والتابعين. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 207
_________
(1) ((درء تعارض العقل والنقل)) لأحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (1/ 24).
(2) ((درء تعارض العقل والنقل)) لأحمد بن عبدالحليم ابن تيمية (1/ 27)
(3) ((القادة المراكشية)) (ص: 47 – 48)

المطلب الخامس: إبطال الزعم أن الصحابة والتابعين أقاموا العقيدة على أسس غير دقيقة باعتمادهم على أخبار الآحاد
وقد ابتدع هذا القول فرق الابتداع على مختلف مشاربها، وأولهم المعتزلة؛ الذين حكموا عقولهم بالنصوص الشرعية، بزعم أن العقائد لا تثبت عندهم إلا إذا بلغ الخبر حد التواتر، وهذا الشرط الذي وضعوه كان دافعه المنهج المبتدع الذي اختطوه في رد معظم العقائد التي جاءت على لسان النبي صلى الله عليه وسلم وهو الذي لا ينطق عن الهوى.
يقول الشيخ عمر الأشقر: (والناظر في كلام سلفنا الصالح يعلم أنهم كانوا يثبتون العقائد بنصوص القرآن والحديث، لا يفرقون بين المتواتر والآحاد، ولا يفرقون في الاحتجاج بين العقائد والأحكام، ولم يعرف أحد خالف في هذا من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين، ولا من الأئمة المرضيين؛ أمثال الأئمة الأربعة، وكان السلف الصالح وما يزال أتباعهم ينكرون أشد الإنكار على الذين يرغبون إلى ترك الأحاديث والنصوص، والاحتكام إلى العقل، ويسفهون من قال بذلك.
ونبتت نابتة ترفض الاحتجاج والأخذ بأحاديث الآحاد في العقائد, وعندما سئل هؤلاء عن مستندهم وجدناهم يستدلون بحجة الخوارج والمعتزلة، الذين رفضوا أحاديث الآحاد في العقائد والأحكام، فنراهم يقولون: الأحاديث الآحاد لا تفيد اليقين, والعقائد لا تبنى إلا على اليقين) (1)
وعلماء أهل السنة مجمعون على الأخذ بخبر الآحاد في العقائد قال الإمام الشافعي: (فقال لي قائل: احدد لي أقل ما تقوم به الحجة على أهل العلم؛ حتى يثبت عليهم خبر الخاصة؟ فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى ينتهي به إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو من انتهى به إلى دونه) (2).
ثم يفصل قوله هذا، فيقول (3): (فإن قال قائل: أذكر الحجة في تثبيت خبر الواحد بنص خبر، أو دلالة فيه، أو إجماع فقلت له: أخبرنا سفيان بن عبدالملك بن عمير عن عبدالرحمن بن عبدالله بن مسعود عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((نضر الله عبداً سمع مقالتي فحفظها ووعاها، وأداها فرب حامل فقه غير فقيه، ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم، إخلاص العمل لله، والنصيحة للمسلمين, ولزوم جماعتهم؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم)) (4) فلما ندب رسول الله إلى سماع مقالته، وحفظها، وأدائها إمرءاً يؤديها، والامرؤ واحد، دل على أنه لا يأمر أن يؤدي عنه إلا ما تقوم به الحجة على من أدى إليه، لأنه إنما يؤدي عنه حلال, وحرام يجتنب, وحد يقام، ومال يؤخذ ويعطى، ونصيحة في دين ودنيا) (5).
_________
(1) ((أصل الاعتقاد)) د. عمر الأشقر (11 - 12) ط3 الدار السلفية، الكويت.
(2) ((الرسالة)) (ص:369) ت أحمد شاكر – بدون تاريخ.
(3) ((الرسالة)) (ص:369) ت أحمد شاكر – بدون تاريخ
(4) رواه الترمذي (2657)، وأحمد (1/ 436) (4157)، وابن حبان (1/ 268) (66)، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (2/ 274) (1738)، وأبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (7/ 386). وقال الترمذي: حسن صحيح، وقال أبو نعيم: صحيح ثابت، وصححه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 364).
(5) ((الرسالة)) (ص:401 - 403).

وقال ابن الأثير: (فإن الصحيح من المذاهب والذي ذهب إليه الجماهير من سلف الأئمة من الصحابة، والتابعين، والفقهاء والمتكلمين: أنه لا يستحيل التعبد بخبر الواحد عقلاً، ولا يجب التعبد عقلاً، وأن لا تنحصر، وإنفاذ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسله، وقضاته، وأمراءه وسعاته إلى الأطراف، وهم آحاد, وبإجماع الأمة على أن العامي مأمور باتباع المفتي وتصديقه، مع أنه ربما يخبر عن ظنه، فالذي يخبر عن السماع الذي لا شك فيه أولى بالتصديق) (1).
ويقول ابن القيم رحمه الله: (وأما المقام الثامن: وهو انعقاد الإجماع المعلوم المتيقن على قبول هذه الأحاديث، وإثبات صفات الرب تعالى بها؛ فهذا لا يشك فيه من له أقل خبرة بالمنقول؛ فإن الصحابة هم الذين رووا هذه الأحاديث، وتلقاها بعضهم من بعض بالقبول، ولم ينكرها أحد منهم على من رواها، ثم تلقها عنهم جميع التابعين من أولهم إلى آخرهم، ومن سمعها منهم، تلقاها بالقبول والتصديق لهم، ومن لم يسمعها منهم تلقها عن التابعين كذلك وكذلك تابع التابعين مع التابعين, هذا أمر يعلمه ضرورة أهل الحديث كما يعلمون عدالة الصحابة وصدقهم، وأمانتهم، ونقلهم ذلك عن نبيهم صلى الله عليه وسلم، والغسل من الجنابة وأعداد الصلوات وأوقاتهم، ونقل الأذان والتشهد، والجمعة والعيدين، فإن الذين نقلوا هذا هم الذين نقلوا أحاديث الصفات، فإن جاز عليهم الخطأ والكذب في نقلها، جاز عليهم ذلك في نقل غيرها مما ذكرناه, وحينئذ فلا وثوق لنا بشيء نقل لنا عن نبينا صلى الله عليه وسلم البتة، وهذا انسلاخ من الدين والعلم والعقل، على أن كثيراً من القادحين في دين الإسلام قد طردوه، وقالوا، لا وثوق لنا بشيء من ذلك البتة) (2).
وقد أتى ابن القيم رحمه الله بواحد وعشرين دليلاً على صحة خبر الآحاد، وقال إن مقصود المبتدعة هو رد الأخبار في مسائل العقيدة حسب أصولهم الفاسدة, مع أنهم يحتجون بأخبار الآحاد؛ لتأييد بدعتهم، فيقول: (وأما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، فلا بد من نقله بطريق التواتر؛ لوقوع العلم به حتى أخبر عنه القدرية، والمعتزلة وكان مقصدهم منه رد الأخبار, وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم في العلم قدم ثابت, ولن يقفوا على مقصودهم من هذا القول, ولو أنصف أهل الفرق في الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم، فإنك تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد – ترى أصحاب القدر يستدلون بقوله صلى الله عليه وسلم: ((كل مولود يولد على الفطرة)) (3).
وبقوله عن ربه: ((خلقت عبادي حنفاء، فاجتالتهم الشياطين)) (4).
وترى أهل الإرجاء يستدلون بقوله: ((من قال لا إله إلا الله، دخل الجنة)) (5)
_________
(1) ابن الأثير ((جامع الأصول في أحاديث الرسول)) (1/ 125 – 126) ت عبدالقادر الأرناؤوط ط 2 1403 دار الفكر – بيروت.
(2) ابن القيم ((مختصر الصواعق المرسلة)) اختصار محمد الموصلي (2/ 524) ط1405 دار الندوة - بيروت
(3) رواه البخاري (1319)، ومسلم (6926). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم (2865) بلفظ: ((وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)). من حديث عياض بن حمار رضي الله عنه.
(5) رواه مسلم (27).

وذكر احتجاج الشيعة، والخوارج ثم قال: إلى غير ذلك من الأحاديث التي يستدل بها أهل الفرق، ومشهور معلوم استدلال أهل السنة بالأحاديث، ورجوعهم إليها، فهذا إجماع منهم على القول بأخبار الآحاد, وكذلك أجمع أهل الإسلام متقدموهم ومتأخروهم على رواية الأحاديث في صفات الله، ومسائل القدر، والرؤية وأصول الإيمان, والشفاعة، والحوض, وإخراج الموحدين المذنبين من النار، وفي صفة الجنة, وفي الترغيب, والترهيب، والوعد, والوعيد) (1).
وقد ترتب على عدم احتجاج هؤلاء المبتدعة بخبر الآحاد أن أنكروا جملة من عقائد الإسلام التي آمن بها الصحابة والتابعون، وجمهور الأمة من بعدهم، حيث يقول الشيخ الألباني: (أنكروا جملة من العقائد؛ منها:
1 - نبوة آدم – عليه السلام، وغيره من الأنبياء الذين لم يذكروا في القرآن.
2 - أفضلية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، على غيره من الأنبياء.
3 - شفاعته صلى الله عليه وسلم العظمى في المحشر.
4 - شفاعته لأهل الكبائر من أمته.
5 - معجزاته صلى الله عليه وسلم كلها ما عدا القرآن، ومنها معجزة انشقاق القمر فإنها مع ذكرها في القرآن تأولها بما ينافي الأحاديث الصحيحة المصرحة بانشقاق القمر معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
6 - صفاته البدنية, وبعض شمائله الخلقية.
7 - الأحاديث التي تتحدث عن بدء الخلق, وصفة الملائكة, والجن, والجنة, والنار, وأنهما مخلوقتان, وأن الحجر الأسود من الجنة.
8 - خصوصياته مثل دخول الجنة، ورؤية أهلها، وما أعد للمتقين, وإسلام قرينه من الجن، وغير ذلك.
9 - القطع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهل الجنة.
10 - الإيمان بعذاب القبر.
11 - الإيمان بسؤال منكر ونكير في القبر.
12 - الإيمان بضغطة القبر.
13 - الإيمان بالميزان ذي الكفتين يوم القيامة.
14 - الإيمان بالصراط.
15 - الإيمان بالحوض.
16 - دخول سبعين ألفاً من أمته الجنة بغير حساب.
17 - الإيمان بكل ما صح في الحديث عن صفة القيامة، والحشر, والنشر.
18 - الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
19 - الإيمان بالقلم الذي كتب كل شيء.
20 - الإيمان بالعرش والكرسي حقيقة لا مجازاً.
21 - الإيمان بأن القرآن كتاب الله حقيقة لا مجازاً.
22 - الإيمان بأن أهل الكبائر لا يخلدون في النار (2) وغيرها. حتى عدد 30 معتقداً يفضي عدم الأخذ بأحاديث الآحاد إلى إنكارها وعدم الاعتقاد بها.
وهكذا تبدو خطورة هذا الانحراف الذي قالت به فرق الابتداع التي ردت عقائد الإسلام, التي آمن بها الصحابة الكرام الذين تلقوها عن الصادق المصدوق، وكانت لهم بشرى من الله نالوا بها الرضوان والثواب العظيم، وكانت وما زالت الأمة على هذه المعتقدات لم تهزها في نفوسهم زوابع أهل الفتنة على مر الأزمان والحمد لله رب العالمين. العقيدة الإسلامية وجهود علماء السلف في تقريرها لعطاء الله بخيت المعايطة - ص: 191 - 214
_________
(1) ابن القيم ((مختصر الصواعق)) (2/ 505).
(2) الألباني: ((وجوب الأخذ بخبر الآحاد)) (ص: 36).

تمهيد: العلاقة بين العقل والشرع
من تمام تكريم الإسلام للعقل إعماله فيما خلق له، وهيئ من أجله، وحجبه عن التهوك والخوض فيما لا سبيل له ولا قدرة عليه.
وباب الصفات يتضمن علوماً ضرورية، وعلوماً نظرية، وعلوماً غيبية، فالعلوم الضرورية يتفق عليها جميع العقلاء. والعلوم النظرية يتفاوت الناس في إدراكها بحسب ما أتوا من قدرات ذهنية وتدبر ونظر, وأما العلوم الغيبية فتعلق العقل بها من جهتين:
أولاً: العلم بها: وهذا لا يستقل به العقل، ولا يهتدي إليه من حيث هو إلا أن يهدى إليه بخبر الصادق، فيعلمه حينئذ علماً معنوياً عاماً مبنياً على الاشتراك الذهني مع ما يوافقه في عالم الشهادة.
ثانيا: إدراك تفاصيلها وكيفياتها: وهذا لا سبيل إليه مطلقاً، إذ أنه قاصر قصوراً ذاتياً عن بلوغ دركه والإحاطة بعلمه.
ومع كون العقل لا يستقل بالعلم بباب الصفات على سبيل التفصيل، فضلاً عن إدراك كيفية جميع الصفات، فإنه لا يحيل ذلك ولا يمنعه كما يمنع المستحيلات العقلية، مثل اجتماع النقيضين في محل واحد، أو ارتفاعهما عنه معاً، بل يقف من هذه النصوص الغيبية الخبرية موقف التسليم إذا صح النقل وسلمت الرواية. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (والرسل جاءت بما يعجز العقل عن دركه، ولم تأت بما يعلم بالعقل امتناعه) (1)، وقال أيضاً: (فإن الرسول لا يجوز عليه أن يخالف شيئاً من الحق، ولا يخبر بما تحيله العقول وتنفيه. لكن يخبر بما تعجز العقول عن معرفته فيخبر بمحارات العقول، لا بمحالات العقول. ولهذا قال الإمام أحمد في رسالته في السنة، التي رواها عبدوس بن مالك العطار، قال: (ليس في السنة قياس، ولا يضرب لها الأمثال، ولا تدرك بالعقول)، هذا قوله وقول سائر أئمة المسلمين، فإنهم متفقون على أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لا تدركه كل الناس بعقولهم، ولو أدركوه بعقولهم لاستغنوا عن الرسول) (2).
والعقل الصريح السالم من الشبهات والشهوات لا يمكن أن يخالف النقل الصحيح السالم من العلل والقوادح في سنده ومتنه. وسر ذلك أن كلاً منهما من الله، فالعقل خلقه والنقل خبره وأمره، أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ [الأعراف: 54]. فكيف يختلفان! قال تعالى: أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا [النساء: 82]. ولهذا فإن العلاقة بين العقل والشرع لها حالان لا ثالث لهما:
- فإما أن يؤيد العقل الشرع ويصدقه ويدل عليه.
- وإما أن يسلم له، ويجوز ما جاء به.
ولا يمكن أن يكون الثالث: وهو أن يعارضه ويخالفه.
وهذه الموافقة بين العقل الصريح والنقل الصحيح تقع من الطرفين، بحيث يصدق أحدهما الآخر، أو لا يعارضه. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( .. كل ما يدل عليه الكتاب والسنة فإنه موافق لصريح المعقول، وإن العقل الصريح لا يخالف النقل الصحيح، ولكن كثيراً من الناس يغلطون إما في هذا وإما في هذا، فمن عرف قول الرسول ومراده كان عارفاً بالأدلة الشرعية، وليس في المعقول ما يخالف المنقول .. وكذلك (العقليات الصريحة) إذا كانت مقدماتها وترتيبها صحيحاً لم تكن إلا حقاً، لا تناقض شيئاً مما قاله الرسول) (3).
ولما كان (النقل الصحيح) معصوماً محفوظاً، وكان العقل عرضة للزلل والانحراف، كان للنقل على العقل وصاية وحماية. فلا قياس في مقابلة النص، وإذا قدر ظهور تعارض بين العقل والنقل الصحيح، فالنقل ثابت والعقل متهم. فالنقل يحوط العقل ويسوسه ويوجهه الوجهة الصحيحة، ويحفظه من الزيغ.
كما أن النقل الصحيح ينير الطريق للعقل، ويوفر عليه الجهد، كما مثل شيخ الإسلام ابن تيمية فيما تقدم أثر النقل على العقل بقوله: (إن اتصل به نور الإيمان والقرآن كان كنور العين إذا اتصل به نور الشمس والنار. وإن انفرد بنفسه لم يبصر الأمور التي يعجز وحده عن دركها) (4). مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص 473
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 339).
(2) ((درء تعارض العقل والنقل)) (5/ 297).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (12/ 80 - 81).
(4) ((مجموع الفتاوى)) (3/ 339).

المطلب الأول: من وظائف العقل في باب الصفات فهم معانيها
فإن الله سبحانه وتعالى خاطب عباده بلسان عربي مبين، وجعل كتابه تبياناً لكل شيء وشفاء لما في الصدور. ولم يستثن نوعاً من الآيات يمتنع فهمها ومعرفة معناها. قال تعالى: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ [الشعراء: 193 - 195]. وقال أيضاً: وَهَذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ [الأحقاف: 12]. وقال: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ [الشورى: 7]. ولا يمكن أن تتحقق النذارة المذكورة إلا بفهم معناه وتعقله. ولهذا قال: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الزخرف: 3]. فالتلازم بين كونه عربياً وتعقله واضح. فالألفاظ إنما هي أوعية للمعاني. كما أن عربية القرآن سبب لحصول التقوى الناشئة من الفهم. قال تعالى: وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا [طه: 113]. وعربية القرآن سبب لحصول العلم الذي هو ثمرة الفهم للمعنى. قال تعالى: كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ [فصلت: 3]. وقد قطع الله حجة الذين قد يتعللون بعدم فهمه بجعله عربياً مفهوم المعنى لدى المخاطبين فقال: وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاء [فصلت: 44].
فالعقل مدعو لفهم خطاب الشارع دون استثناء، ومن ادعى استثناء نص معين, أو نوع معين من النصوص طولب بالدليل، ولا دليل.
ومن أمثلة فهم معاني ما أخبر الله عن نفسه من الأسماء والصفات، قول الإمام الأصبهاني أبي القاسم إسماعيل بن محمد في شرح أسماء الله الحسنى: (ومن أسماء الله تعالى: الحليم: حليم عمن عصاه لأنه لو أراد أخذه في وقته أخذه، فهو يحلم عنه ويؤخره إلى أجله، وهذا الاسم وإن كان مشتركاً يوصف به المخلوق، فحلم المخلوقين حلم لم يكن في الصغر ثم كان في الكبر، وقد يتغير بالمرض, والغضب, والأسباب الحادثة، ويفنى حلمه بفنائه، وحلم الله عز وجل لم يزل ولم يزول. والمخلوق يحلم عن شيء ولا يحلم عن غيره، ويحلم عمن لا يقدر عليه، والله تعالى حليم مع القدرة) (1).
فهذا مثال للمنهج الشرعي في فهم نصوص الصفات تضمن إثبات المعنى المشترك للفظ الصفة المعهود بالأذهان، ثم فرق بين ما ينبغي للخالق وما ينبغي للمخلوق، وأن لله تعالى المثل الأعلى. وهكذا صنع في بقية الأسماء والصفات.
وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: ((إن لله تسعة وتسعين اسماً، مائة إلا واحدة، إنه وتر يحب الوتر، من أحصاها دخل الجنة)) (2). قال أبو إسحاق الزجاج رحمه الله في ذكر معنى الإحصاء: (ويجوز أن يكون معناه: من عقلها، وتدبر معانيها، من الحصاة التي هي العقل) (3). وأنشد في هذا المعنى قول الشاعر:
وإن لسان المرء ما لم تكن له ... حصاة على عوراته لدليل
@ مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص 476
_________
(1) ((الحجة في بيان المحجة)) (1/ 130).
(2) رواه البخاري (2736)، ومسلم (2677).
(3) ((تفسير أسماء الله الحسنى)) (ص: 22).

إن العقل يدرك ما يجب لله سبحانه وتعالى ويمتنع عليه على سبيل الإجمال لا على سبيل التفصيل؛ فمثلاً: العقل يدرك بأن الرب لابد أن يكون كامل الصفات، ولكن هذا لا يعني أن العقل يثبت كل صفة بعينها أو ينفيها لكن يثبت أو ينفي على سبيل العموم الرب لابد أن يكون كامل الصفات سالماً من النقص فمثلاً: يدرك بأنه لا بد أن يكون الرب سميعاً بصيراً؛ قال إبراهيم لأبيه: يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ [مريم: 42] ولابد أن يكون خالقاً؛ لأن الله قال: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ [النحل: 17] وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً [النحل: 20] يدرك هذا ويدرك بأن الله سبحانه وتعالى يمتنع أن يكون حادثاً بعد العدم؛ لأنه نقص، ولقوله تعالى محتجاً على هؤلاء الذين يعبدون الأصنام: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ [النحل: 20]؛ إذاً يمتنع أن يكون الخالق حادثاً بالفعل والعقل أيضاً يدرك بأن كل صفة نقص فهي ممتنع على الله؛ لأن الرب لابد أن يكون كاملاً فيدرك بأن الله عز وجل مسلوب عن العجز؛ لأنه صفة نقص إذا كان الرب عاجزاً وعصي وأراد أن يعاقب الذي عصاه وهو عاجز؛ فلا يمكن! إذاً؛ العقل يدرك بأن العجز لا يمكن أن يوصف الله به، والعمى كذلك والصمم كذلك والجهل كذلك وهكذا على سبيل العموم ندرك ذلك، لكن على سبيل التفصيل لا يمكن أن ندركه فنتوقف فيه على السمع شرح العقيدة الواسطية لمحمد بن صالح بن عثيمين - 1/ 81
المطلب الثاني: التفكر والتدبر لآثارها ومقتضياتها
وهذه وظيفة زائدة على مجرد العلم بالمعنى الأصلي. وقد أمر الله تعالى بتدبر كتابه مطلقاً دون أن يستثنى نوعاً ما من النصوص لا يشملها التدبر، فقال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ [ص: 29]. ونعى الله على المعرضين عن تدبره فقال: أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24] وهذا شامل لنصوص الصفات وغيرها.
ومن التدبر الذي يتعلق بصفات الباري تدبر آثار هذه الأوصاف الشريفة ومقتضياتها، كما قال تعالى: فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا [الروم: 50]. وهذه الوظيفة ميدان فسيح، ومجال واسع ترتاده عقول المؤمنين فلا تحيط به، ولا تبلغ منتهاه. فكل المخلوقات والأعراض والأحداث شواهد حية لآثار أسمائه وصفاته، ومظاهر ناطقة بعظمته ورحمته. وانطلاق القوى العقلية في هذا المجال تنظر وتتفكر من أعظم أسباب زيادة الإيمان وامتلاء القلب بمحبة الله وتعظيمه. وقد صنف العلماء المصنفات في التأمل العقلي في مخلوقات الله تعالى، والاستدلال بذلك على الإيمان به وعبادته (1). مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص 479
_________
(1) انظر على سبيل المثال: ((مفتاح دار السعادة)) و ((شفاء العليل)) لابن القيم, وانظر: تفسير ((ظلال القرآن)) للآيات الكونية لسيد قطب, وانظر: كتاب ((التوحيد)) و ((الإيمان)) لعبدالمجيد الزنداني.

المطلب الثالث: استعمال الأقيسة العقلية الصحيحة اللائقة بالله تعالى
لما كان (العقل) أحد مصادر المعرفة بما أودع الله فيه من قوة الاستدلال والنظر والمقايسة، جرى استعماله في إثبات العقائد لتأييد دلالة الشرع. وقد تضمن الكتاب والسنة جملة من (المقاييس العقلية) التي هي بمثابة مقدمات منطقية للوصول إلى النتائج التي جاء بها الشرع. ويعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله الأمثال المضروبة في القرآن (أقيسة عقلية) (1)، وبذلك يجمع بين الحسنيين باتفاق الدلالتين، دلالة العقل ودلالة الشرع. قال: (وإذا كان الشيء موجوداً في الشرع، فذلك يحصل بأن يكون في القرآن الدلالة على الطرق العقلية، والتنبيه عليها والبيان لها والإرشاد إليها. والقرآن ملآن من ذلك، فتكون شرعية بمعنى أن الشرع هدى إليها، عقلية بمعنى أنه يعرف صحتها بالعقل، فقد جمعت وصفي الكمال).
وقد قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ [الشورى: 17]، وقال: لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [الحديد: 25]، وقد فسر السلف (الميزان) بالعدل. والعدل يقتضي التسوية بين المتماثلات والتفريق بين المختلفات.
ومن المقاييس العقلية الصحيحة المتعلقة بباب الصفات ما يلي:
1 - إثبات الكمال لله ونفي النقص عنه:
وهذه قضية يستقل العقل بالحكم بها موافقاً بذلك دلالة الشرع والفطرة. وخلاصتها أن كل (موجود) في خارج الذهن لا بد أن يكون متصفاً بصفة. وهذه الصفة إما أن تكون صفة كمال أو صفة نقص. وصفة النقص ممتنعة في حق الإله المعبود، واللائق به الكمال. ومن جهة أخرى فإن المشاهدة والحس تدل على ثبوت صفات كمالية للمخلوق. والله خالق المخلوق وصفاته، فواهب الكمال أولى بالكمال.
تلك المقدمات، وهذه النتيجة، محل اتفاق بين جميع أرباب الملل والنحل، وجمهور أهل الفلسفة والكلام، لكنهم يختلفون في تحقيق مناطها في أفراد الصفات مع الإجماع على أن الرب المعبود مستحق للكمال، منزه عن النقص (2).
ويفصل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله هذه الجملة العقلية بقوله: (فإذا قيل: (الوجود) إما واجب وإما ممكن، والممكن لا بد له من واجب، فيلزم ثبوت الواجب على التقديرين، فهو مثل أن يقال: الموجود إما (قديم) وإما حادث؛ والحادث لابد له من قديم، فيلزم ثبوت القديم على التقديرين.
والموجود إما (غني) وإما (فقير)، والفقير لا بد له من الغني، فلزم وجود الغني على التقديرين. والموجود إما (قيوم بنفسه) وإما (غير قيوم)، وغير القيوم لابد له من القيوم، فلزم ثبوت القيوم على التقديرين. والموجود إما (مخلوق) وإما (غير مخلوق)، والمخلوق لابد له من خالق غير مخلوق، فلزم ثبوت الخالق غير المخلوق على التقديرين، ونظائر ذلك متعددة) (3).
_________
(1) ((مجموع فتاوى ابن تيمية)) (3/ 88).
(2) انظر: ((مجموع الفتاوى)) (6/ 68 - 88).
(3) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 76).

فهذا المقياس العقلي يعرض على الصفات فيثبت لله صفات الكمال، وينفي عنه صفات النقص، وهو مدرك مقرر ببداهة العقول. ثم ينتقل شيخ الإسلام إلى بسط الوجه الثاني في استحقاق الله للكمال، وانتفاء النقص عنه فيقول: (ثم يقول: هذا الواجب القديم الخالق، إما أن يكون ثبوت الكمال الذي لا نقص فيه للممكن الوجود ممكناً له، وإما أن لا يكون. والثاني: ممتنع؛ لأن هذا ممكن للموجود المحدث الفقير الممكن، فلأن يمكن للواجب الغني القديم بطريق الأولى والأحرى؛ فإن كلاهما موجود. والكلام في الكمال الممكن الوجود الذي لا نقص فيه. فإذا كان الكمال الممكن الوجود ممكناً للمفضول، فلأن يمكن للفاضل بطريق الأولى، لأن ما كان ممكناً لما هو في وجوده ناقص، فلأن يمكن لما هو في وجوده أكمل منه بطريق الأولى. لاسيما وذلك أفضل من كل وجه، فيمتنع اختصاص المفضول من كل وجه بكمال لا يثبت للأفضل من كل وجه. بل ما قد ثبت من ذلك للمفضول فالفاضل أحق به؛ فلأن يثبت للفاضل بطريق الأولى.
ولأن ذلك الكمال إنما استفاده المخلوق من الخالق، والذي جعل غيره كاملاً هو أحق بالكمال منه؛ فالذي جعل غيره قادراً أولى بالقدرة. والذي علم غيره أولى بالعلم، والذي أحيا غيره أولى بالحياة. والفلاسفة توافق على هذا، ويقولون: كل كمال للمعلول فهو من آثار العلة، والعلة أولى به) (1).
وهذه حجة عقلية قرآنية. قال تعالى منبهاً على هذا المعنى: أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ [النحل: 17]. ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ [النحل: 75]. وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَّجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لاَ يَقْدِرُ عَلَىَ شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّههُّ لاَ يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَن يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [النحل: 76]. وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلا يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلا حَيَاةً وَلا نُشُورًا [الفرقان: 3].
فهذه الآيات، وأمثالها كثير في القرآن، ميزان عقلي أثبت الله به ألوهيته لاتصافه بالكمال وبطلان ألوهية ما سواه لاتصافها بصفات النقص, والعيب, والعجز. وقد أنكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على طائفة من المتكلمين زعموا أن ثبوت الكمال لله وانتفاء النقص عنه لا يعلم بالعقل، وإنما يعلم بالسمع والإجماع، وبين خطاهم ومخالفتهم لسائر الطوائف (2).
فهذا المقياس العقلي وظيفة يمارسها العقل باستقلال للحكم على الصفات العقلية. فصفة (العلو) مثلاً تثبت بالعقل – كما تثبت بغيره – فالعقل يحكم أن العلو صفة كمال، كما أن نقيضه (السفل) صفة نقص، فيثبت الأولى وينفي الثانية.
قياس الأولى:
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 76 - 77).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 73).

وهذا مقياس عقلي يلي المقياس السابق في الرتبة. فإذا دل العقل على إثبات جنس الكمال لله تعالى وآحاده وأفراده، فإن قياس الأولى يقضي بأن ما ثبت من الكمالات ثبوتاً عاماً للخالق والمخلوق فإن لله تعالى أكمله وأعظمه ليس له فيه مكافئ ولا نظير، كما قال تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ [النحل: 60]، وقال تعالى: وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [27: الروم]. فلما كانت الألفاظ الدالة على الصفات تحمل معاني مشتركة باعتبار أصل المعنى، كان لابد من القياس. والقياس الصحيح هنا هو قياس الأولى، وهو طريقة السلف التي وافقوا بها القرآن. قال شارح الطحاوية: (ومما يوضح هذا: أن العلم الإلهي لا يجوز أن يستدل فيه بقياس تمثيلي يستوي فيه الأصل والفرع، ولا بقياس شمولي يستوي أفراده، فإن الله سبحانه ليس كمثله شيء، فلا يجوز أن يمثل بغيره، ولا يجوز أن يدخل هو وغيره تحت قضية كلية يستوي أفرادها ..
ولكن يستعمل في ذلك قياس الأولى، سواء كان تمثيلاً أو شمولاً، كما قال تعالى: وَلِلّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَىَ، مثل أن يعلم أن كل كمال للممكن أو للمحدث، لا نقص فيه بوجه من الوجوه، وهو ما كان كمالا للوجود غير مستلزم للعدم بوجه، فالواجب القديم أولى به. وكل كمال لا نقص فيه بوجه من الوجوه، ثبت نوعه للمخلوق والمربوب المدبر، فإنما استفاده من خالقه وربه ومدبره، وهو أحق به منه. وأن كل نقص وعيب في نفسه، وهو ما تضمن سلب هذا الكمال، إذا وجب نفيه عن شيء من أنواع المخلوقات والممكنات والمحدثات فإنه يجب نفيه عن الرب تعالى بطريق الأولى) (1).
ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله مدى هذه الأولوية في قياس الأولى، ومقدار ذلك التفاضل المندرج تحت ذلك المعنى العام المشترك فيقول: (وأما قياس الأولى الذي كان يسلكه السلف اتباعاً للقرآن، فيدل على أنه يثبت له من صفات الكمال التي لا نقص فيها أكمل مما علموه ثابتاً لغيره، مع التفاوت الذي لا يضبطه العقل كما لا يضبط التفاوت بين الخالق وبين المخلوق. بل إذا كان العقل يدرك من التفاضل الذي بين مخلوق ومخلوق ما لا ينحصر قدره، وهو يعلم أن فضل الله على كل مخلوق أعظم من فضل مخلوق على مخلوق كان هذا مما يبين له أن ما يثبت للرب أعظم من كل ما يثبت لكل ما سواه بما لا يدرك قدره. فكان قياس الأولى يفيده أمراً يختص به الرب مع علمه بجنس ذلك الأمر) (2).
نفي الصفة إثبات لنقيضها:
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (وهذه الطريقة هي من أعظم الطرق في إثبات الصفات، وكان السلف يحتجون بها، ويثبتون أن من عبد إلهاً لا يسمع, ولا يبصر, ولا يتكلم فقد عبد رباً ناقصاً, معيباً, مؤوفاً) (3).
ومن أمثلة احتجاج السلف بهذه الطريقة العقلية قول الإمام الدارمي في رده على المريسي: (وكيف استجزت أن تسمي أهل السنة وأهل المعرفة بصفات الله المقدسة: مشبهة، إذا وصفوا الله بما وصف به نفسه في كلامه بالأشياء التي أسماؤها موجودة في صفات بني آدم بلا تكييف.
_________
(1) ((شرح العقيدة الطحاوية)) ص (122).
(2) ((مجموع الفتاوى)) (9/ 145).
(3) ((درء تعارض العقل والنقل)) (2/ 240).

وأنت قد شبهت إلهك في يديه, وسمعه, وبصره بأعمى وأقطع، وتوهمت في معبودك ما توهمت في الأعمى والأقطع، فمعبودك في دعواك مخدًّج منقوص؛ أعمى لا بصر له؛ وأبكم لا كلام له، وأصم لا سمع له، ومقعد لا حراك به؛ وليس هذه بصفة إله المصلين. أفأنت أوحش مذهباً في تشبيهك إلهك بهؤلاء العميان والمقطوعين؛ أم هؤلاء الذين تسميهم مشبهة إذ وصفوه بم وصف به نفسه بلا تشبيه؟ فلولا أنها كلمة هي محنة الجهمية التي بها ينبزون المؤمنين ما سميت مشبهاً غيرك؛ لسماجة ما شبهت ومثلت) (1).
وقد حاول نفاة الصفات التخلص من هذا الإلزام العقلي بالزعم بأن ذلك متحقق إذا كان المحل قابلاً للاتصاف بالصفتين المتقابلتين وما لا فلا. وأجاب شيخ الإسلام رحمه الله في مواضع عدة من كتبه على هذه الشبهة، ومن ذلك قوله: (ومن قال: إنه ليس بحي ولا سميع, ولا بصير, ولا متكلم لزمه أن يكون ميتاً أصم أعمى أبكم. فإن قال: العمى عدم البصر عما من شأنه أن يقبل البصر، وما لا يقبل البصر كالحائط لا يقال له أعمى ولا بصير، قيل له: هذا اصطلاح اصطلحتموه، وإلا فما يوصف بعدم الحياة والسمع والبصر والكلام يمكن وصفه بالموت, والصم, والعمى, والخرس, والعجمة. وأيضاً فكل موجود يقبل الاتصاف بهذه الأمور ونقائضها، فإن الله قادر على جعل الجماد حياً، كما جعل عصا موسى حية ابتلعت الحبال والعصي. وأيضاً: فالذي لا يقبل الاتصاف بهذه الصفات أعظم نقصاً ممن يقبل الاتصاف بها مع اتصافه بنقائضها. فالجماد الذي لا يوصف بالبصر, ولا العمى, ولا الكلام والخرس أعظم نقصاً من الحي الأعمى الأخرس) (2).
فقد فر هؤلاء النفاة من تشبيهه بالحيوانات – بزعمهم – فوقعوا في تشبيهه بالجمادات. مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد بن عبدالرحمن القاضي – ص 480
_________
(1) ((رد الإمام الدارمي على بشر المريسي)) (ص: 42).
(2) ((التدمرية)) (ص: 61 - 62).

المطلب الرابع: إبطال الأقيسة العقلية الخاطئة
العقل الصريح المستضيء بنور الشرع الصحيح ميزان توزن به الدعاوى والمقدمات. وكما أن العقل يقعد القواعد السليمة والمقدمات الصحيحة فإنه يمارس وظيفة أخرى، وهي فحص المقدمات المزعومة وبيان زيفها، وبالتالي بطلان ما بني عليها من نتائج وعقائد.
وتظهر أهمية هذه الوظيفة العقلية الهامة إذا تبينا حجم الأقيسة العقلية الباطلة التي توارثتها أجيال الفلاسفة والمتكلمين مسلِّمين بها، مذعنين لما أدت إليه من نتائج حتى ولو خالفت الشرع مخالفة صريحة.
فالفرق بين الأقيسة العقلية الصحيحة والأقيسة العقلية الخاطئة، أن الأولى منضبطة بضوابط الشرع المعصوم موافقة للفطر السليمة، والأخرى اجتهادات بشرية منحرفة لا ضابط لها تتأثر بمؤثرات شتى. قال شيخ الإسلام رحمه الله: (بل المقدمة التي تدعي طائفة من النظار صحتها، تقول الأخرى هي باطلة، وهذا بخلاف مقدمات أهل الإثبات الموافقة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنها من العقليات التي اتفقت عليها فطر العقلاء سليمي الفطرة، التي لا ينازع فيها إلا من تلقى النزاع تعليماً من غيره، لا من موجب فطرته، فإنما يقدح فيها بمقدمة تقليدية أو نظرية، لا ترجع إلى العقل الصريح، وهو يدعي أنها عقلية فطرية.
ومن كان له خبرة بحقيقة هذا الباب، تبين له أن جميع المقدمات العقلية التي ترجع إليها براهين المعارضين للنصوص النبوية إنما ترجع إلى تقليد منهم لأسلافهم لا إلى ما يعلم بضرورة العقل ولا إلى الفطرة) (1).
ولم يزل السلف الصالح رحمهم الله يرفضون نتاج الفلسفة اليونانية الفاسد، ويحذرون منه ويكشفون عواره، مع التزامهم بالمنهج الإيماني في عرض العقيدة. ومن أمثلة تفطن السلف لمسالكهم الباطلة قول الإمام أحمد رحمه الله في الرد على الجهمية نفاة الصفات: ( .. وقلنا هو شيء فقالوا: هو شيء لا كالأشياء، فقلنا: إن الشيء الذي لا كالأشياء قد عرف أهل العقل أنه لا شيء. فعند ذلك تبين للناس أنهم لا يثبتون شيئاً بشيء، ولكنهم يدفعون عن أنفسهم الشنعة بما يقرون من العلانية) (2)
لكن السلف الأولون لم يطيلوا النفس في نقض شبهاتهم, وتفنيد حججهم لما في ذلك من نشرها وإذاعتها في حال كان الغالب على الناس السنة والاتباع, والسلامة من هذه اللوثات. ولما عمت البلوى بكتب أهل الكلام، وصاروا هم المتنفذين، وأصحاب الرياسات، ونشروا مذاهبهم، قيض الله في العصور المتأخرة – القرنين السابع والثامن الهجريين – شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فانتدب لهتك أستارهم, وبيان عوارهم للأمة بعلم نقي، ومعتقد سلفي، وذهن ثاقب، وعقل راجح، فحمل عليهم سلاحهم الذي كانوا يستطيلون به على أهل السنة والاتباع، وهو (العقل)، وبين أن أهل السنة أسعد بهذا الدليل من غيرهم, وأولى الناس به. وسنضرب بعض الأمثلة لإبطال العقل الصريح لبعض المقاييس العقلية الخاطئة في باب الصفات.
1 - إثبات الصفات إثبات لتعدد الآلهة:
_________
(1) ((درء تعارض العقل والنقل)) (4/ 278 - 279).
(2) ((الرد على الجهمية والزنادقة)) ص (29).

وهذا عمدة نفاة الصفات من الجهمية والمعتزلة، حيث زعموا أن إثبات صفات (قديمة) يقتضي استحقاق تلك الصفات للقدم الذي لله، ومن ثم مساواته في الإلهية، فمنعوا إثبات الصفات بناء عليها، وأبقوا له مجرد ألفاظ الأسماء كأعلام محضة, خالية من المعاني المتمايزة، بل هي من قبيل المترادفات. قال القاضي عبد الجبار المعتزلي: ( .. إنه تعالى لو كان يستحق هذه الصفات لمعان قديمة، وقد ثبت أن القديم إنما يخالف مخالفه بكونه قديماً، وثبت أن الصفة التي تقع بها المخالفة عند الافتراق بها تقع المماثلة عند الاتفاق، وذلك يوجب أن تكون هذه المعاني مثلاً لله تعالى .. ) (1).
وهذه حجة داحضة، ولازم مزعوم، فإن الصفات المضافة إلى الله عز وجل ليست أعياناً منفصلة قائمة بذاتها حتى تكون قديمة قدم الخالق - على حد تعبير المتكلمين بالقدم – وإنما هي أوصاف له – سبحانه – قائمة به. قال شارح الطحاوية: (ولهذا كان أئمة السنة – رحمهم الله تعالى – لا يطلقون على صفات الله وكلامه أنه غيره، ولا أنه ليس غيره. لأن إطلاق الإثبات قد يشعر أن ذلك مباين له، وإطلاق النفي قد يشعر بأنه هو هو، إذ كان لفظ (الغير) فيه إجمال، فلا يطلق إلا مع البيان والتفصيل: فإن أريد به أن هناك ذاتاً مجردة قائمة بنفسها، منفصلة عن الصفات الزائدة عليها، فهذا غير صحيح، وإن أريد به أن الصفات الزائدة على الذات التي يفهم من معناها غير ما يفهم من معنى الصفة، فهذا حق، ولكن ليس في الخارج ذات مجردة عن الصفات، بل الذات الموصوفة بصفات الكمال الثابتة لها لا تنفصل عنها .. ) (2).
ومما يبطل هذا المسلك اضطرارهم إلى إثبات صفات لا بد لهم من إثباتها كالوجود والحياة والقدرة، وهذا تناقض يستلزم البطلان.
2 - الصفات لا تقوم إلا بالأجسام، والأجسام متماثلة، فإثبات الصفات مستلزم للتجسيم:
وهاتان المقدمتان باطلتان. فالصفات تقوم بالأجسام وغير الأجسام. فيقال مثلاً: الليل طويل, والنهار قصير, والعكس, وهما ليسا جسمين. كما أن المدعي يثبت أوصافاً من العلم والحياة والقدرة لله عز وجل مع نفيه (الجسمية) عنه.
كما أن دعوى تماثل الأجسام دعوى باطلة ببداهة العقول. فإن بين الأجسام من التغاير في الصفات ما هو معلوم بالضرورة، كبراً وكثافة، وصلابة، وأضدادها وغيرها.
_________
(1) ((شرح الأصول الخمسة)) (ص: 195).
(2) ((شرح العقيدة الطحاوية)) ص (129).

ثم لابد من تحرير المراد بالجسم, فإنه في حق الله تعالى من الألفاظ البدعية التي لم ترد بنفي ولا إثبات، فلا يصح إطلاقه نفياً ولا إثباتاً في حق الله تعالى، لأن صفاته – سبحانه – توقيفية. وأما في المعنى فله عدة استعمالات. فقد يراد به البدن والجسم الكثيف – كما في اللغة – وقد يراد به المركب من الجواهر المفردة, أو المركب من المادة والصورة، وهذه كلها منفية عن الله تعالى، فضلاً عن كونها غير متماثلة خلاف ما زعموا قال شيخ الإسلام رحمه الله: (ولا ريب أن قولهم بتماثل الأجسام قول باطل, سواء فسروا الجسم بما يشار إليه، أو بالقائم بنفسه, أو بالموجود, أو بالمركب من الهيولي والصورة ونحو ذلك. فأما إذا فسروه بالمركب من الجواهر المفردة على أنها متماثلة، فهذا يبنى على صحة ذلك، وعلى إثبات الجواهر المفردة، وعلى أنها متماثلة، وجمهور العقلاء يخالفونهم في ذلك) (1)، إذ أن هذه المرادات مركبات يفتقر بعضها إلى بعض فهي مخلوقات. وقد يريد النافي بالجسم ما يوصف بالصفات، ويرى بالأبصار، ويتكلم, ويسمع, ويبصر, ويقوم به صفات تليق به من الوجه, واليدين, والعينين وغيرها من الصفات الثابتة لله. فنفيه لهذا المعنى باطل مردود عليه إذ هو التعطيل بعينه، فلا ننفي عنه هذه الأوصاف لتواطئهم على تسمية المتصف بها جسماً.
3 - إثبات الصفات يستلزم الحدوث، والله منزه عن الحوادث:
وهذه شبهة عقلية أراد النفاة أن يتوصلوا بها إلى نفي الصفات الفعلية الاختيارية المتعلقة بمشيئته – سبحانه -، ويجعلون هذه الدعوى من أخص خصائص الباري – جل وعلا -. قال الجويني: (مما يخالف الجوهر فيه حكم الإله قبول الأعراض, وصحة الاتصاف بالحوادث، والرب سبحانه وتعالى يتقدس عن قبول الحوادث) (2). ومن هذه المقدمة ينطلق المتكلمون من معتزلة وأشاعرة إلى نفي الاستواء, والمجيء, والفرح, والسخط, والرضا, والغضب, والنزول .. الخ من صفات الفعل. قال شارح الطحاوية رحمه الله: (وحلول الحوادث بالرب تعالى المنفي في علم الكلام المذموم، لم يرد نفيه ولا إثباته في كتاب ولا سنة. وفيه إجمال: فإن أريد بالنفي أنه سبحانه لا يحل في ذاته المقدسة شيء من مخلوقاته المحدثة، أو لا يحدث له وصف متجدد لم يكن، فهذا نفي صحيح. وإن أريد به نفي الصفات الاختيارية، من أنه لا يفعل ما يريد، ولا يتكلم بما شاء إذا شاء، ولا أنه يغضب ويرضى لا كأحد من الورى، ولا يوصف بما وصف به نفسه من النزول, والاستواء, والإتيان كما يليق بجلاله وعظمته، فهذا نفي باطل.
وأهل الكلام المذموم يطلقون نفي حلول الحوادث، فيسلم السني للمتكلم ذلك، على ظن أنه نفى عنه سبحانه ما لا يليق بجلاله، فإذا سلم له هذا النفي ألزمه نفي الصفات الاختيارية, وصفات الفعل، وهو غير لازم له. وإنما أتي السني من تسليم هذا النفي المجمل، وإلا فلو استفسر واستفصل لم ينقطع معه) (3).
_________
(1) ((التدمرية)) (ص: 121 - 122).
(2) ((الإرشاد)) (ص: 62).
(3) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (ص: 128 - 129).

ثم بعد هذا الاستفصال يمتنع التلازم المزعوم من أن حدوث الصفة حدوث للموصوف، بل نقول إن تعلق بعض الصفات الفعلية بمشيئته وحكمته دليل كمال عقلاً وشرعاً. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في معرض مناقشته لهذه الشبهة: ( .. إذا قدر ذات تفعل شيئاً بعد شيء وهي قادرة على الفعل بنفسها، وذات لا يمكنها أن تفعل بنفسها شيئاً، بل هي كالجماد الذي لا يمكنه أن يتحرك كانت الأولى أكمل من الثانية. فعدم هذه الأفعال نقص بالضرورة، وأما وجودها بحسب الإمكان فهو الكمال. ويقال: لا نسلم أن عدم هذه مطلقاً نقص ولا كمال، ولا وجودها مطلقاً نقص ولا كمال؛ بل وجودها في الوقت الذي اقتضت مشيئته وقدرته وحكمته، هو الكمال، ووجودها بدون ذلك نقص، وعدمها مع اقتضاء الحكمة عدمها كمال، ووجودها حيث اقتضت الحكمة وجودها هو الكمال) (1).
وقبل أن نختم هذا المبحث نشير إلى سمة بارزة في المنهج العقلي الصحيح، ألا وهي الاطراد، والتسوية بين المتماثلات، والتفريق بين المختلفات، بل هي حقيقة العدل والميزان الذي ينبغي أن يدل عليه العقل.
وبالمقابل فإن المناهج العقلية الباطلة يعتريها التناقض والاضطراب وعدم طرد القاعدة على جميع أجزائها. وفيما يلي مثال بديع يصور هذه السمة في المنهجين:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (القول في بعض الصفات كالقول في بعض، فإذا كان المخاطب ممن يقر بأن الله حي بحياة، عليم بعلم، قدير بقدرة، سميع بسمع، بصير ببصر، متكلم بكلام، مريد بإرادة، ويجعل ذلك كله حقيقة، وينازع في محبته ورضاه وغضبه وكراهيته، فيجعل ذلك مجازاً، ويفسره إما بالإرادة، وإما ببعض المخلوقات من النعم والعقوبات.
قيل له: لا فرق بين ما نفيته وبين ما أثبته. بل القول في أحدهما كالقول في الآخر، فإن قلت إن إرادته مثل إرادة المخلوقين، فكذلك محبته ورضاه وغضبه، وهذا هو التمثيل، وإن قلت: له إرادة تليق به، كما أن للمخلوق إرادة تليق به. قيل لك: وكذلك له محبة تليق به, وللمخلوق محبة تليق به، وله رضا وغضب يليق به، وللمخلوق رضا وغضب يليق به.
وإن قال: الغضب غليان القلب لطلب الانتقام، قيل له: والإرادة ميل النفس إلى جلب منفعة أودفع مضرة. فإن قلت هذه إرادة المخلوق، قيل لك: وهذا غضب المخلوق .. فإن قال: تلك الصفات أثبتها بالعقل، لأن الفعل الحادث دل على القدرة، والتخصيص دل على الإرادة، والإحكام دل على العلم، وهذه الصفات مستلزمة للحياة. والحي لا يخلو عن السمع والبصر والكلام، أو ضد ذلك ...
يقال: يمكن إثبات هذه الصفات بنظير ما أثبت به تلك من العقليات. فيقال: نفع العباد بالإحسان إليهم يدل على الرحمة, كدلالة التخصيص على المشيئة. وإكرام الطائعين يدل على محبتهم، وعقاب الكفار يدل على بغضهم.
فما أعظم المنة بهذا العقل حين يستنير بنور الإيمان، ويهتدي بهداه، ويعتصم بدلالته، ويحفظ حدوده، فيعمل فيما خلق له، متفكراً متدبراً، فيكون صاحبه من (أولي الألباب).
وما أعظم البلية بذلك العقل حين يسرح بلا قيد ولا شرط, فيضرب في التيه بغر هدى، ويتخبط في الظلمات، تتناوشه وساوس شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً, فيكون صاحبه من (الضالين) (2). مذهب أهل التفويض في نصوص الصفات لأحمد عبدالرحمن القاضي -ص487
_________
(1) ((مجموع الفتاوى)) (6/ 107 - 108).
(2) ((التدمرية باختصار)) (31 - 34).

المطلب الأول: من أدلة تفاضل صفات الله
معنى تفاضل صفات الله كون بعض الصفات أفضل من بعض لوجه من وجوه الفضل، ومن أدلة تفاضل الصفات: قوله صلى الله عليه وسلم: ((لما قضى الله الخلق كتب في كتابه فهو عنده فوق العرش، إن رحمتي غلبت غضبي)) (1)
. وفي رواية: ((سبقت غضبي)) (2). قال ابن تيمية رحمه الله: (وصف رحمته بأنها تغلب وتسبق غضبه، وهذا يدل على فضل رحمته على غضبه من جهة سبقها وغلبتها) (3).
وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في سجوده: ((اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك. وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك)) (4)، فكان يستعيذ من صفة السخط بصفة الرضا، ومن عقوبة الله بمعافاته، وبه سبحانه منه، قال ابن تيمية رحمه الله: (ومعلوم أن المستعاذ به أفضل من المستعاذ منه) (5).
وأما قوله: ((أعوذ بك منك))، فمعناه والله أعلم، الاستعاذة بكل صفة مرغوب فيها من صفات الله من كل صفة مرهوب منها من صفات الله، فيكون دليلاً جامعاً يدل على تفاضل صفات الله المستعاذ بها والمستعاذ منها جميعها، وقد قال ابن تيمية رحمه الله: (وأما استعاذته به منه فلابد أن يكون باعتبار جهتين: يستعيذ به باعتبار تلك الجهة، ومنه باعتبار تلك الجهة، ليتغاير المستعاذ به والمستعاذ منه إذ أن المستعاذ منه مخوف مرهوب منه، والمستعاذ به مدعو مستجار به ملتجأ إليه، والجهة الواحدة لا تكون مطلوبة مهروباً منها، لكن باعتبار جهتين تصح) (6). والجهتان متعلقتان بصفاته ولا ريب، وشبه رحمه الله قوله: ((أعوذ بك منك)) بقوله في حديث البراء في الدعاء عند النوم: ((لا منجا ولا ملجأ منك إلا إليك)) (7). وقال رحمه الله: (ومعلوم أن جهة كونه منجياً غير جهة كونه منجياً منه، وكذلك جهة كونه ملتجأ إليه غير كونه ملتجأ منه، سواء قيل إن ذلك يتعلق بمفعولاته, أو أفعاله القائمة به, أو صفاته, أو بذاته باعتبارين) (8).
ثم إن كل دليل على تفاضل أسماء الله دليل على تفاضل صفاته لأن أسماء الله أسماء وأوصاف. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي – ص 78
_________
(1) رواه البخاري (3194) واللفظ له، ومسلم (2751). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (7422) واللفظ له، ومسلم (2751). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(3) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (89).
(4) رواه مسلم (486).
(5) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (90).
(6) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (90).
(7) رواه البخاري (247)، ومسلم (2710). من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه.
(8) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (91).

المطلب الثاني: تفاضل الصفة الواحدة
التفاضل في صفات الله قد يقع في الصفة الواحدة، فتكون الصفة الواحدة متفاضلة، ومن أدلة ذلك: تفاضل صفة الحب والبغض، قال صلى الله عليه وسلم: ((أحب البلاد إلى الله مساجدها، وأبغض البلاد إلى الله أسواقها)) (1). و (أحب) و (أبغض) صيغة تفضيل، وقال صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم)) (2). وقال صلى الله عليه وسلم: ((أبغض الناس إلى الله ثلاثة: ملحد في الحرم، ومبتغ في الإسلام سنة الجاهلية، ومطلب دم امرئ بغير حق يهريق دمه)) (3). وكذا تفاضل صفة اليد كما في حديث: ((يمين الله ملآى. لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار, أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض. وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض)) (4).
قال ابن تيمية: (فبين صلى الله عليه وسلم أن الفضل بيده اليمنى والعدل بيده الأخرى، ومعلوم أنه مع أن كلتا يديه يمين فالفضل أعلى من العدل، وهو سبحانه كل رحمة منه فضل, وكل نقمة منه عدل، ورحمته أفضل من نقمته) قال: (ولهذا كان المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن (5) ولم يكونوا عن يده الأخرى وجعلهم عن يمين الرحمن تفضيل لهم، كما فضل في القرآن أهل اليمين وأهل الميمنة على أصحاب الشمال وأصحاب المشأمة، وإن كانوا إنما عذبهم بعدله، وكذلك الأحاديث والآثار جاءت بأن أهل قبضة اليمين أهل السعادة, وأهل القبضة الأخرى هم أهل الشقاوة) (6).
ومن تفاضل الصفة الواحدة من صفات الله، تفاضل صفة الكلام، والدلائل عليه كثيرة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فمن ذلك: أن القرآن كلام الله وقد فضله على سائر كتبه التي سبقته وهي كلها كلامه سبحانه وتعالى، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة: 48]. واختص الله القرآن من بين سائر كلامه بخصائص، فاختصه بأن تكفل سبحانه بحفظه بأن تحدى الخلق أن يأتوا بمثله, أو بمثل عشر سور منه, أو بمثل سورة منه، وغير ذلك من خصائصه، وتخصيص القرآن بأحكام وفضائل توجب تشريفه وتفضيله، على غيره مما أنزل الله على رسله، وقد قال سبحانه: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الزمر: 55]، وقال: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ [الزمر: 23].
ثم القرآن نفسه متفاضل، كما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تفضيل بعض آياته وسوره على غيرها، فمن ذلك:
حديث أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا أبا المنذر! أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: الله ورسوله أعلم. قال: يا أبا المنذر, أتدري أي آية من كتاب الله معك أعظم؟ قال قلت: الله لا إله إلا هو الحي القيوم. قال: فضرب في صدري وقال: والله ليهنك العلم أبا المنذر)) (7).
_________
(1) رواه مسلم (671). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري (2457)، ومسلم (2668). من حديث عائشة رضي الله عنها.
(3) رواه البخاري (6882). من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
(4) رواه البخاري (4684)، ومسلم (993). من حديث أبي هريرة رضي الله عنها.
(5) الحديث رواه مسلم (1827). من حديث عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما.
(6) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (92).
(7) رواه مسلم (810).

فهذه آية من كلام الله وهي آية الكرسي أعظم آية في كتاب الله، ووردت أحاديث فيها تخصيص بعض الآيات من كتاب الله بفضائل، كما ثبت في الآيتين من آخر البقرة أن من قرأهما في ليلة كفتاه (1)، وكذا ثبت في بعض السور، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بالقرآن يوم القيامة وأهله الذين كانوا يعملون به تقدمه سورة البقرة وآل عمران)) (2). فهذا في تفضيل هاتين السورتين من كلام الله، وفي حديث ابن عباس قال: ((بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم سمع نقيضاً من فوقه، فرفع رأسه، فقال: هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم، فنزل منه ملك، فقال هذا ملك نزل إلى الأرض. لم ينزل قط إلا اليوم. فسلم وقال: أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك. فاتحة الكتاب, وخواتيم سورة البقرة. لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)) (3). وقال صلى الله عليه وسلم: ((قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن)) (4). وقال: ((والذي نفسي بيده لتعدل ثلث القرآن)) (5) ووردت أحاديث عديدة يطول حصرها فيها ما ذكر من تخصيص بعض الآيات والسور بفضائل، وجميعها يدل على أن كلام الله يتفاضل، قال الغزالي: (لعلك تقول: قد توجه قصدك في هذه التنبيهات إلى تفضيل بعض القرآن على بعض, والكل قول الله تعالى فكيف يفارق بعضها بعضاً؟ وكيف يكون بعضها أشرف من بعض؟ فاعلم: أن نور البصيرة إن كان لا يرشدك إلى الفرق بين آية الكرسي وآية المداينات، وبين سورة الإخلاص وسورة تبت، وترتاع من اعتقاد الفرق نفسك الجوارة، المستغرقة بالتقليد، فقلد صاحب الرسالة صلوات الله وسلامه عليه، فهو الذي أنزل عليه القرآن، وقد دلت الأخبار على شرف بعض الآيات وعلى تضعيف الأجر في بعض السور المنزلة (6)) ونقل السيوطي عن العز بن عبد السلام قوله: (كلام الله في الله أفضل من كلامه في غيره، فـ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ أفضل من تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ (7). فهذا من وجوه تفاضل صفة الكلام ومن وجوهها أيضاً ما قاله ابن تيمية: (فإذا كان المخبر به أكمل وأفضل كان الخبر به أفضل وإذا كان المأمور به أفضل كان الأمر به أفضل (8)) وقد قال تعالى: وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ [الشورى: 51]. قال ابن تيمية: (معلوم أن تكليمه من وراء حجاب أفضل من تكليمه بالإيحاء وبإرسال رسول، ولهذا كان من فضائل موسى عليه السلام أن الله كلمه تكليماً وقال: قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ [الأعراف: 144]. ولقد قال تعالى: مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 106]. قال ابن تيمية: (أخبر أنه يأت بخير منها أو مثلها، وهذا بيان من الله لكون تلك الآية قد يأتي بمثلها تارة أو خير منها أخرى فدل ذلك على أن الآيات تتماثل تارة وتتفاضل أخرى) (9) .. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي - ص80
_________
(1) الحديث رواه البخاري (4008)، ومسلم (808). من حديث أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه.
(2) رواه مسلم (805). من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه.
(3) رواه مسلم (806). من حديث ابن مسعود رضي الله عنه.
(4) رواه مسلم (812). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(5) رواه البخاري (5013). من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
(6) ((جواهر القرآن)) (ص: 62).
(7) ((الإتقان)) (2/ 199).
(8) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (ص: 61).
(9) ((جواب أهل العلم والإيمان)) (ص: 61).


المطلب الثالث: دلالة تفاضل صفات الله
تفاضل صفات الله عز وجل يدل على تعددها، لأن التفاضل لا يعقل إلا مع التعدد، إذ لا يكون إلا بين شيئين فصاعداً ....... وهذا يدل إلى أن صفات الله ليست هي عين ذاته، وإنما هي متعلقة بذاته سبحانه وتعالى، لأن الذات واحدة غير متعددة، ولكنها متصفة بصفات متعددة, واتصاف الذات بالصفات دليل كمالها، لأن الذات المجردة التي لا تتعلق بها صفة ناقصة.
وثبوت تعدد صفات الله يدل على ثبوتها لله عز وجل، فلا يسع المؤمن إلا إثباتها متعددة، لكل منها معنى يغاير معنى الآخر، ولذلك كان ورود إثبات صفات الله في نصوص الشرع إنما يكون على وجه التفصيل، أما النفي فيكون مجملاً، ففي النصوص ذكر أسماء وصفات الله مفصلة، وفيها نفي ما لا يصلح له من التشبيه والتمثيل إجمالاً، وهذا بخلاف طريقة أهل الضلال والباطل الذين يفصلون في النفي، فينفون عنه صفاته على وجه التفصيل، ولا يثبتون له إلا وجوداً مطلقاً لا تتعلق به صفة (1). وإثبات تفاضل الصفات هو من لوازم إثبات الصفات، فمن أثبت الصفات لزمه إثبات تفاضلها، لأن إثبات التفاضل بين الشيئين، فرع من إثبات كل واحد منهما بمعناه وما تضمنه من كمال، فينظر في أيهما أفضل وأكمل، أما إذا كان الشيئان منفيين، فلا تفاضل بينهما، لأنه لا وجود لهما أصلاً، فلا كمال ولا فضيلة هناك أصلاً حتى يمكن النظر في التفاضل، ولذلك فإنه يمتنع التفاضل بين صفات الله بناء على مذهب المعطلة الباطل من الجهمية والمعتزلة ونحوهم. مباحث المفاضلة في العقيدة لمحمد بن عبدالرحمن الشظيفي - بتصرف – ص: 85
T.H.E

T.H.E

الأستاذ /طارق العقيلي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.