التعريف بالبريلوية
البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي في ولاية أوترابراديش بالهند أيام الاستعمار البريطاني.
Oالموسوعة الميسرة
البريلوية ... نشأت شديدة الانحراف عن الإسلام، ولعله لن يمضي وقت طويل حتى ينسى أتباعها أنهم أتباع طريقة صوفية، وتغدو ديانة جديدة مستقلة، والتشيع فيها واضح
Oالكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف قاسم ص811
المبحث الثاني: التأسيس والجذور التاريخية
• المطلب الأول: سيرة البريلوي.
• المطلب الثاني: أسرته.
• المطلب الثالث: وفاته.
• المطلب الرابع: مبالغات البريلويين وغلوهم فيه.
• المطلب الخامس: مؤلفاته.
• المطلب السادس: مخالفته الجهاد والمجاهدين، ومناصرته الاستعمار والمستعمرين.
المطلب الأول: سيرة البريلوي
ولد قائد هذه الطائف وزعيمها ومؤسس هذا الحزب وبانيه في بيت علمي حيث كان أبوه نقي علي وجده رضا علي يعدّان من العلماء الأحناف (1) في 14 يونيو 1865م الموافق 10 شوال 1272هـ (2) فسمى بمحمد، وأمه سمته أمّن ميان، ووالده أحمد ميان، وجده أحمد رضا (3) ولكنه لم يرض بهذه الأسماء كلها فسمى نفسه عبدالمصطفى (4) وكان يلتزم باستعماله في المكاتبات والرسائل والكتب.
...... وأما البريلويون فيحكون القصص وينسجون الأساطير في إمامهم مثل الطوائف الكثيرة التي يبنون عمائرها على الحكايات الباردة والمختلقات الباطلة لرفع قيمته وشأنه، وإعلاء كلمتهم ودعوتهم مع أن الكذب يجلب الذم والنقيصة بدل الثناء والمديحة، فيقولون:
إنه في الرابعة من عمره قرأ القرآن كله، وقبل الرابعة بكثير "يعني في الثالثة أو قبل ذلك" عندما جلس أول مرة لدى أستاذه ليبدأ بالألف والباء بدأ أستاذه ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم علمه ألف، ب، ت إلى أن لقنه بقوله: لام ألف: لا، فسكت البريلوي، فلقنه أستاذه مرة أخرى قل: لام ألف لا، قال البريلوي الطفل: قرأت الألف وقرأت اللام، فلم مرة ثانية؟ فقال له جده رضا علي: يا بني إقرأ كما يعلمك معلمك، فنظر الطفل إلى جده نظرة عرف جده بنور إيمانه من نظرته تلك أن هذا الطفل سيكون شمسا للعلم والحكمة ويجلي العالم بنوره ويريد أن يكشف الأسرار من قلبه وبصره من الآن، فقال: صدقت أنت قرأت الألف واللام مقدما ولكن الألف الذي قرأته سابقا لم يكن ألفا حقيقية بل كانت همزة لأن الألف يكون ساكنا دائما ولا يمكن الابتداء بالساكن لأجل ذلك يؤتى بلام قبله حتى يعرف الألف ويعلم.
فالبريلوي الطفل لم يقتنع مرة ثانية وقال: فلم خصص اللام بالابتداء وكان من الممكن أن يبدأ بالباء والتاء والدال والسين، فتحير الجد فقال: بدئ اللام لأنه يتفق بالألف صورة وسيرة (5) - إلى آخر ذلك من الخرافات -
وهل لقائل أن يقول وسائل أن يسأل عن هؤلاء الأعاجم: أي اتفاق بين الألف واللام صورة وسيرة إنتبه له ذلك الطفل الصغير الذي لم يبلغ الثالثة أو الرابعة من العمر، والذي لم يعرفه معلموا الألسنة ومهرتها ولم ينتبهوا إلى هذه الخرافة، ومادونها خرافة.
وفي أول يوم من تعليمه عرفه ذلك الصغير كأن القوم يريدون تشبيه زعيمهم بالأنبياء والرسل حيث أنهم يعلمون بدون تعليم الخلق إياهم بل وأكثر من ذلك يحاولون أن يزيدوه عليهم ويرفعوه فوقهم "عياذا بالله" حيث إنه لم ينقل عن واحد منهم في الروايات الصحيحة والكتب المعتمدة مثل هذا التنقيب والتحقيق، والتفحص والتعمق - حسب مزاعمهم - اللهم إلا ما نقل في المرويات المرميات والكتب القصصية الخيالية من المفتريات على البعض.
وفعلا هذا ما قصدوه، وهذا ما يريدونه لأنهم كتبوا قبل بيان هذه القصة قصصها مثلها بأن أحمد رضا لم يكن يحتاج إلى تعليم المعلمين وتدريس المدرسين لأن الله نفسه علمه منذ ولادته أو لعله قبل ولادته؟ وقد صرح بذلك ناسجوا الخيال حيث يقول واحد منهم قبل ذكر هذه القصة: إن عالم الغيب ملأ قلبه وروحه، ذهنه وفكره من الإيمان واليقين، وملأ صدره المبارك من العلوم والمعارف وجعله خزينة لها، ولأجل ذلك مشى الحضرة الأعلى رضي الله تعالى عنه ظاهرا في طرق عالم الأسباب (6).
_________
(1) ((تذكرة علماء هند)) (64).
(2) ((حياة أعلى حضرة)) (1/ 1).
(3) ((البريلوي)) للبستوي (25).
(4) ((من هو أحمد رضا)) للقادري (15).
(5) ((البريلوي)) للبستوي (26،27) ((أنوار رضا)) (355) وغيرهما من الكتب.
(6) ((البريلوي)) للبستوي (26).
هذا وهو نفسه لم يكن يرضى بشأن أقل من شأن الأنبياء حتى أنه قال مرة لأتباعه ومريديه وهو يشكو من صداعه وحماه: أن هذه الأمراض مباركة، وكانت تلازم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالحمد لله لازمتني كما لازمتهم" (1).
وعلى ذلك كان يقول: إن تاريخ ولادتي يستخرج من قول الله عز وجل والذي ينطبق على: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ [المجادلة: 22] (2).وهذا هو ظفر الدين أيضا كتب عن طفولته أنه عندما كان يقرأ القرآن "وهو دون الرابعة من العمر" لقنه أستاذه آية من القرآن ولكن البريلوي كلما يحاول أن يقرأ لم يكن يتمكن، فلاحظ هذا جده فاستغرب، وبعدما نظر في المصحف رأى أنه كان في قراءة المعلم لحنا ولسان البريلوي كان يأبى بقراءة هذه الآية ملحونا (3).
يعني أن العصمة كانت حاصلة له وحتى في صغره ولم ينطق بغلط، وقد نص عليه القوم وما أكثرهم وما أجرأهم على الله، فكتب غير وحد منهم: أن قلم أحمد رضا ولسانه حفظ من زلة وحتى قدر النقطة مع الثابت أن لكل عالم هفوة" (4).
وقال الآخر: إن البريلوي لم ينطق بلسانه المبارك بلفظة غير شرعية، والله عصمه من كل زلة" (5).وأيضا "إن أحمد رضا عصم في طفولته من الانحراف والغلطة وأودع فيه أتباع الصراط المستقيم" (6).و "إن الله صان قلمه ولسانه من الخطأ (7).وأكثر منه صراحة أن الحضرة الأعلى "أي البريلوي" كان في يد الغوث الأعظم "يعني الشيخ عبدالقادر الجيلاني" كالقلم في يد الكاتب، والغوث الأعظم في يد رسول الله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كالقلم في يد الكاتب، والرسول في الحضرة الإلهية ما ينطق عن الهوى" (8).
وعلى ذلك قال بريلوي في حقه: إن "رضى الله في رضى الرسول، ورضى رسول الله في رضى البريلوي" (9) و "إن وجود البريلوي كان آية من آيات الله المحكمات" (10).
وعلى ذلك قال أحد المهينين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زيارة البريلوي قللت اشتياقنا إلى زيارة أصحاب النبي عليه وسلم" (11)
هذا ما نسجته الأيدي الأثيمة من الخرافات والخزعبلات لإثبات أباطيلهم وأكاذيبهم والكذب لا يفيد الكذاب. وأخيرا قصة أخرى وما أردأها وما أكثرها "أن شخصا لقى البريلوي وهو لم يتجاوز يوم ذلك ثلاث سنوات وستة أشهر من العمر، فكلمه بالعربية الفصحى فرد عليه البريلوي بالعربية مثله، ولم ير ذلك الرجل بعد" (12).
هذا وهذه الأشياء كلها لم تكفهم ولم يقتنعوا بها حتى قالوا: إن والده الذي كان يدرسه ويعلمه قال له مرة: لا أدري أعلمك أم تعلمني؟ ويوم ذلك لم يتجاوز العاشرة من عمره" (13).والجدير بالذكر أن المدرس الذي كان يدرسه مرزا غلام قادر بيك (14) كان
أخا للمرزا غلام أحمد المتنبي القادياني. ويقولون: إنه فرغ من التعليم والدراسة وجلس على مسند الإفتاء وعمره لم يتجاوز الرابع عشرة سنة" (15).
وكما يذكره هو نفسه بالتحديد:"الحمد لله أفتيت أول فتيا حينما كنت في الثالثة عشر من عمري للرابع عشر من شعبان سنة 1286هـ، وفي هذا التاريخ فرضت على الصلاة وتوجهت إلى الأحكام" (16).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص13
_________
(1) ((ملفوظات)) (1/ 64).
(2) ((حياة أعلى حضرة)) (1).
(3) ((حياة أعلى حضرة)) (22).
(4) ((ياد أعلى حضرة)) لعبد الحكيم شرف (32).
(5) ((الفتاوى الرضوية)) مقدمة (2/ 5) لمحمد أصغر العلوي.
(6) ((أنوار رضا)) (223).
(7) ((أنوار رضا)) (271).
(8) ((أنوار رضا)) (270).
(9) ((باغ فردوس)) لأيوب رضوي (7).
(10) ((أنوار رضا)) (100).
(11) ((وصايا البريلوي)) (24).
(12) ((حياة أعلى حضرة)) (22).
(13) مقدمة ((فتاوى رضوية)) (2/ 6).
(14) ((البريلوي)) للبستوي (32)، ((أعلى حضرة)) (32).
(15) ((البريلوي)) للبستوي (32).
(16) ((من هو أحمد رضا)) للقادري (17).
المطلب الثاني: أسرته
إن أسرة البريلوي التي ولد فيها لم يعرف عنها كثير غير أن والده وجده كانا من الذين ينتسبون إلى العلم كما مر.
نعم إن المخالفين يقولون: إنه من أسرة شيعية أظهر تسننها تقية للإضرار بهم ويستدلون على ذلك بأمور:
أولا: إن أسماء آبائه وأجداده أسماء شيعية لم تكن رائجة في أهل السنة مثلها، وهذه هي الأسماء: أحمد رضا بن نقي علي بن رضا علي بن كاظم علي (1).
ثانيا: إن البريلوي تكلم بكلمات حول الصديقة، أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لا يتصور التفوه بها من سني أبدا. ثالثا: إنه روّج في السنة عقائد وأفكاراً لم تكن رائجة بين السنة في شبه القارة الهندية الباكستانية قبله، وكلها كانت مأخوذة من الشيعة علم الغيب للأنبياء والصلحاء وعلم ما كان وما يكون، والاختيار والقدرة وغيرها من الأشياء (2).رابعا: إنه كان يروى روايات شيعية وأحاديثها ويروّجها بين السنة ويستدل بها مثل "إن عليا قسيم النار" (3).وأيضا "إن فاطمة سميت بفاطمة لأن الله فطمها وذريتها من النار" (4).وكان يقول: إن ترتيب الأغواث أي المغيثين للخلق والذين يستغاث بهم يبدأ من علي رضي الله تعالى عنه إلى الحسن العسكري، الأئمة الإحدى عشر عند الشيعة" (5).
وقال: إن عليا يدفع البلا ويكشف الكروب لمن يقرأ الدعاء السيفي المشهور سبع مرات أو ثلاث مرات أو مرة واحدة، وهذا هو الدعاء:
ناد عليا مظهر العجائب
تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سينجلي
بولايتك يا علي يا علي
" (6)
وأيضا "إن هذا الشعر نافع لدفع الأمراض وسبب لحصول الوسيلة والثواب وهو هذا:
لي خمسة أطفي بها حر الوباء الحاطمة
المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة
" (7)
ثم ويتحدث عن الجفر الشيعي ويقرّه حيث يقول: الجفر جلد كتبه جعفر الصادق، كتب فيه لآل البيت كلما يحتاجون إليه وإلى معرفته وكلما يكون إلى يوم القيامة" (8).
كما يذكر الجامعة الشيعية أيضا بقوله: (الجفر) و (الجامعة) كتابان لعلي رضي الله عنه ذكر فيهما الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم على طريقة علم الحروف، وكان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونها ويعلمون بها" (9).
وروى هذه الرواية المكذوبة وأقرها ولقنها أهل السنة:"قيل للرضا – الإمام الثامن والمعصوم لدى الشيعة – رضي الله تعالى عنه: علمني كلاماً أتكلم به إذا زرت واحدا منكم أهل البيت؟ فقال: أدن من القبر وكبّر الله أربعين مرة ثم قل: السلام عليكم يا أهل البيت إني مستشفع بكم ومقدمكم أمام طلبي وإرادتي ومسألتي وحاجتي، وأشهد الله أني مؤمن بسركم وعلانيتكم، وأني أبرأ إلى الله تعالى من عدو محمد وآل محمد من الجن والإنس" (10).وقد كتب في إحدى كتبه "لا بأس بوضع تمثال مقبرة الحسين في البيت للتبرك" (11).
_________
(1) ((حياة أعلى حضرة)) (2).
(2) ((فتاوى بريلوية)) (14).
(3) ((الأمن والعلى)) للبريلوية (58).
(4) ((ختم نبوت)) للبريلوي (98).
(5) ((ملفوظات)).
(6) ((الأمن والعلى)) (12،13).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 187).
(8) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (48).
(9) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (48).
(10) ((حياة الموات)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 299).
(11) رسالة ((بدر الأنوار)) للبريلوي (57).
هذا وما أكثر مثله. خامسا: إن سلسلة بيعته تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أئمة الشيعة كما ذكر نفسه في عبارته العربية "اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد المصطفى رفيع المكان، المرتضى علي الشان الذي رجيل من أمته خير من الرجال السالفين، وحسين من زمرته أحسن من كذا وكذا، حسنا من السابقين، السيد السجاد زين العابدين، باقر علوم الأنبياء والمرسلين ساقي الكوثر، ومالك تسنيم، وجعفر الذي يطلب، موسى الكليم، رضا ربه بالصلاة عليه" (1).
ومن هذه العبارة يظهر أيضا نبوغه في العربية ومهارته فيها، الشخص الذي يقولون عنه: إنه كان يتكلم بها وهو في الثالثة من العمر.
ولا ندري أي تركيب هذا وأية عبارة هذه "حسين من زمرته أحسن من كذا وكذا"؟
وأيضا ما معنى "باقر علوم الأنبياء"؟
وما معنى "بالصلاة عليه"؟.
فالحاصل أنهم يستدلون على تشعيه من أقاويله ومعتقداته التي أراد ترويجها في السنة. سادسا: إنه كفّر السنة وأساطينها من شبة القارة وخارجها، وصرح بأن مساجدهم لا يحكم عليها أنها مساجد، ولا يجوز مجالستهم ومناكحتهم غير أنه لم يجعل الشيعة هدف فتاويه ولم يتكلم على مراكزهم ومعابدهم وحسينياتهم بل عكس ذلك يروون عنه "إن شيعة بنوا حسينية ثم ذهبوا إلى البريلوي ليختار لها إسما فاستخرج أسمها من التاريخ (2).سابعا: إنه نظم بعض القصائد بالغ فيها في مدح أئمة الشيعة ومنقبتهم" (3).
ولأجل هذه الأشياء يتهمه المخالفون هو وأسرته بالتشيع وأنه كان يعمل على حسابهم ويروج دعوتهم متقنعا بنقاب السنة.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص21
_________
(1) ((أنوار الرضا)) (27).
(2) ((ياد أعلى حضرة)) لشرف البريلوي (29).
(3) انظر لذلك ((حدائق بخشش)) للبريلوي.
المطلب الثالث: وفاته
مات البريلوي من مرض ذات الجنب ويقولون: لما حضره الوفاة أوصى بوصايا عديدة – وقد طبعت هذه الوصايا في رسالة مستقلة باسم "وصايا شريف" – منها ما أوصى بها طائفته وجماعته:"تمسكوا بديني ومذهبي الذي هو ظاهر من كتبي، تمسكوا به واستقيموا عليه لأنه فرض أهم من جميع الفروض" (1).وقال: لا أدري ما بقائي فيكم ... أنتم ضئان المصطفى الساذجة صلى الله تعالى عليه وسلم وإن الذئاب محيطون بكم من كل الجوانب ويريدون أن يغووكم ويوقعوكم في الفتنة ويذهبوا بكم إلى الجحيم، فاجتنبوهم وخاصة الديوبنديين" (2).وآخر ما قال: إن أمكن فأرسلوا في الأسبوع مرتين أو ثلاثا في الفاتحة "يعني النذر" هذه الأشياء: المحلبية المثلجة ولو كانت من لبن الجاموس، والأرز البرياني، والأزر البخاري، والكباب، والكوفة، والمطبق، والقشطة، والفول، والسمبوسة، وعصير الفتاح، وعصير الرمان، والقارورة الغازية، والحليب المثلج فإن أمكن فأرسلوا كل يوم منها ولو شيئاً واحدا وإلا فكما ترون" (3).ومات في 25 صفر 1340هـ الموافق 1921م بعدما عمر 68 سنة ظهرا (4) .....
_________
(1) ((وصايا شريف)) ترتيب حسنين رضا (10) ط آغرة الهند.
(2) ((البستوي)) (105).
(3) ((البستوي)) (9،10).
(4) ((البريلوي)) للبستوي (11).
المطلب الرابع: مبالغات البريلويين وغلوهم فيه
ولو ما كان هذا لكان هناك قصص وأساطير، وهل يستبعد الأساطير من القوم الذين اختلقوا أن جنازته لما حملت:"رأى بعض الناس أنه حملها ملائكة الرحمان على أكتافهم" (1).
والذين قالوا فيه:
أن رسول الله كان جالسا في جمع من أصحابه منتظرا مجيء البريلوي لأنه لما سئل عن سكوته وسكوت أصحابه فقال: نحن ننتظر البريلوي حتى يأتي" (2).وأكثر في ذلك "إن رسول الله صل الله تعالى عليه وسلم أرسل هدية الطيب لغسل البريلوي" (3).
ومادمنا بدأنا في مبالغات القوم ومقالاتهم في البريلوي نريد أن نذكر بعض ما قالوه في حقه: فمن المغالاة التي بلغت حد الإساءة والإهانة قول البريلويين: إن رؤية البريلوي قللت شوق زيارة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – عياذ بالله –" (4).ولا يوجد في القرنين الأخيرين من عالم جامع مثله" (5).وقال الثاني: إنه لا نظير لجلالته العلمية وكماله العملي، وإن البريلوي كان عديم النظير في قوة علمه وإصابة رأيه" (6).وقال الثالث: إن البريلوي أحيا الدين بتعليماته" (7).ورابع قال: إن "الفتاوى الرضوية" تشتمل على آلاف من المسائل التي لم تسمعها أذن العلماء" (8).وقال الخامس: لو رأى أبو حنيفة رحمه الله (الفتاوى الرضوية) لقرت عينه ولجعل مؤلفها من جملة الأصحاب (9).وقال السادس: إنه هو كان أبا حنيفة عصره" (10).وسابعهم أعتقد إن هذا كله لا يكفي فقال: إن البريوي كان يملك فطانة أبي حنيفة في الاجتهاد وضياء الخصاف وعقل الرازي وذاكرة قاضي خان" (11).وليس هذا فحسب، بل كان "عكس الصديق في قول الحق، ومظهر الفاروق في تمييز الباطل، وصورة ذي النورين في الجود والرحم، وسيف عليّ في ضرب الباطل" (12).
هذا ما قاله ثامنهم. والتاسع قال: إن البريلوي كان معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم" (13).وقال العاشر: إن أحمد رضا حجة الله في الأرض" (14).
فتلك عشر كاملة.
وهذه الأشياء إن دلت على شيء دلت على مسابقة القوم في المبالغة والغلو ونحن ذكرنا فيما مر أنهم يقولون بصيانته من الأغلاط وعصمته من الأخطاء مع أن العصمة ليست إلا من اختصاصات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وهناك بعض الأشياء الأخرى نذكرها إكمالا للبحث وبرهانا على أن القوم تعودوا الكذب.
منها أنهم يقولون: إن البريلوي رأى في طفولته مومسات في الطريق، فرفع قميصه ووضعه على العيون حجابا منهم، ولما رفع القميص تعرى "فضحكت عليه المومسات وقلن له: غطيت وجهك وكشفت سترك، فأجاب: إذا زلت البصر ضل القلب، وإذا ضل القلب هتك الستر، وكان عمره آنذاك ثلاث سنوات وستة أشهر" (15).
وهل لسائل أن يسأل من الذين يريدون أن يجعلوه فوق البشر! كيف عرف الزانيات بأنهن زانيات مومسات؟ الطفل الذي لا يعرف ستر عورته، ومن أين عرف معاملات النظر والقلب وتأثيرهما على الستر.
وهل يحتاج الكذب إلى العقل؟ كلا!
_________
(1) ((أنوار رضا)) (272)، وأيضا ((روحون كي دنيا)) مقدمة (22).
(2) ((البستوي)) (121) والفتاوى الرضوية (2/ 13).
(3) ((وصايا البريلوي)) (19).
(4) ((وصايا البريلوي)) (24) ترتيب حسنين رضا ابن أخ البريلوي.
(5) ((وصايا البريلوي)) (24) ترتيب حسنين رضا ابن أخ البريلوي.
(6) ((شرح الحقوق)) مقدمة (8).
(7) ((شرح الحقوق)) مقدمة (7).
(8) ((بهار شريعت)) (1/ 3).
(9) مقدمة ((الفتاوى الرضوية)) (11) (4).
(10) مقدمة ((الفتاوى الضوية)) ج5 ص ب.
(11) مقدمة ((الفتاوى الضوية)) (210).
(12) ((أنوار رضا)) (263).
(13) ((أنوار رضا)) (263).
(14) ((أنوار رضا)) (303).
(15) ((سوانح أعلى حضرة)) لبدر الدين (110) و ((أنوار رضا)).
ويقولون: إن علماء الطبيعة في أوروبا، والفلاسفة في آسيا، كانوا يرتعدون من هيبة علم البريلوي" (1).و "إن البريلوي كان يحفظ جميع الكتب المتداولة والغير المتداولة التي ألفت وكتبت في أربعة عشر قرنا، وإن أرباب اللغة والاصطلاح عجزوا عن إيجاد لفظة تعبر عن مقامه الرفيع" (2).
ومن ناحية أخرى يقولون: إن البريلوي لما ذهب للحج ذهب إلى مسجد خيف هناك وبات فيه فبشر بالمغفرة" (3).وإنه كان مجدداً وسيداً وإماماً ومرشداً ومالكاً وشافعاً وداره دار الشفا، وهو الذي أبصر العيان وأسمع البكم، وإنه مشكاة نور الله ومرآة حسن المصطفى وأسد أسود الله" – إلى آخر ذلك من الخرافات – (4) و "إنه قاضي الحاجات وكاشف الكروب ومحلّل المشكلات وساقي الكوثر وصاحب القبر والنشر والحشر، وهو الغوث وقطب الأولياء وخليفة المصطفى وخضر بحر الهدى، والمعطي والرزاق" (5).
هذا ومثل هذا كثير.
فهذا هو القوم وهذا هو البريلوي زعيمهم، وهذه هي مجازفاتهم وغلوهم فيه وإن البريلوي هو الذي لقّن طائفته هذه العبارات وعلمهم، ولم ير له مثيل في الغلو في شبه القارة كلها وسيأتي بيان مجازفاته ومبالغاته في المباحث الآتية لكننا نريد أن نثبت ههنا شيئين فقط لإثبات ما قلناه بالدليل،
فإن البريلوي قال مخاطباً الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله: ياغوث إن أقطاب العالم كلهم يطوفون بالبيت العتيق ولكن الكعبة تطوف حول بابك العالي" (6) – عياذا بالله -.
ومن بالغاته في نفسه أنه قال: أنا ملك مملكة البيان ولابد للناس من تسليم كلما أقوله" (7).و "إن صدري عيبة العلوم لا أسأل عن شيء إلا وأجيب عليه فوراً في أي علم كان" (8).
ومرة عاكس الأمر في مبالغاته حيث أخرج شخصه عن الآدمية والإنسانية فقال مخاطبا نفسه: لا يسأل أحد عنك ولا يبالي أحد بك لان كلابا أمثالك كثيرون" (9).وأيضا يقول عن نفسه: أنا كلب الغوث الأعظم وفي عنقي قلادته" (10).
ومرة طلب شيخ البريلوي كلبين أصيلين من سلالة عالية فذهب إليه البريلوي بابنيه وقدمهما إليه بقوله: يا سيدي! جئت إليكم بهذين الكلبين الأصيلين وإنهما من نسل جيد عال فاقبلوهما مني" (11).
فهذه هي المبالغات وها هي طرفاها الأدنى والأعلى، الإمام الهمام المرشد، الغوث المغيث القطب، قاضي الحاجات فارج الهم، كاشف الغم، مجيب الدعوات وكلب وأبو الكلاب!.
فعلى هذه المبالغات والمجازفات والترهات والشطحات قامت شريعته وأسست ديانته وراج سوقه واشتهر ماله.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص45
_________
(1) ((روحون كي دنيا)) (26).
(2) ((روحون كي دنيا)) (265).
(3) ((حياة أعلى حضرة)) لظفر الدين البهاري (12)، أيضا ((أنوار رضا)) (235).
(4) ((نفخة الروح)) لأيوب على البريلوي (5) ط بريلي.
(5) ((نفخة الروح)) (47،48).
(6) ((حدائق بخشش)) دويان شعر للبريلوي.
(7) ((أنوار رضا)) (319)، وأيضاً ((حدائق بخشش)).
(8) ((شرح الحقوق)) (8) المقدمة.
(9) ((شرح الحقوق)) (11) المقدمة، و ((حدائق بخشش)).
(10) ((حدائق بخشش)) (5).
(11) ((أنوار رضا)) (238).
المطلب الخامس: مؤلفاته
إن البريلوي لم يكتب كتابا، وإنما كتب الفتاوى في جواب استفتاءات يستفسره الناس من طائفته فكان يرد على أسئلتهم ويفتيهم على استفتاءاتهم بمعونة أشخاص عديدين الذين كانوا معينين موظفين عنده لأداء هذه المهمة، ولأنهم كانوا أفرادا عديدين لذلك كان كل واحد يكتب ويجمع الجواب من كتب فقهية موجودة، وربما كانت ترسل الاستفتاءات إلى مدن أخرى لوجود بعض الكتب هناك وبعض المساعدين فيها فكانوا يرسلون الأجوبة بالعبارات المنقولة من بطون هذه الكتب ثم تجمع هذه الفتاوى كلها وتقدم إلى البريلوية، والبريلوي يجمعها ويصوغها في عباراته بدون التنقية والتنقيح، وعلى ذلك يوجد فيها الإبهام الشديد والتعقيد والإغلاق، ويوقع القارئ في الحيرة والاضطراب، ثم قبل إرسالها إلى المستفتي كان يطلق عليها الاسم المناسب للاستفتاء والاسم التاريخي الآخر أي الاسم الذي يخرج منه تاريخ كتابة الفتوى وبعد نقلها عنده يرسلها إلى المستفتين، وأحيانا كان يطبعها قبل أن يرسلها بصورة كتيب أو رسالة، وهذا كان دأبهز
وكان يراعي في الفتاوى أن يكون فيها الرد على المتمسكين بالكتاب والسنة والدعاة إلى التوحيد الخالص، ولذلك يرى القارئ أكثر ما يرى من انطلاقة قلمه في المسائل الخلافية أو المسائل الخرافية كما يسميها المخالفون له مثل علم الغيب للرسل والأولياء والصالحين، وكونهم من جنس البشر أو النور، ووجودهم في بقعة من بقاع العالم في آن واحد وحياتهم بعد وفاتهم وتصرفاتهم الكاملة في عالم الكون والتدبير أثناء وجودهم في الدنيا وغيابهم منها، وقدرتهم واختياراتهم، والتبرك بالقبور وأصحابها وبالتماثيل والصور وغير ذلك من المسائل.
وعلى ذلك يمكن القول بأنه لم يؤلف وحتى في فتاويه إلا ما يعدّ على أصابع اليدين لأن جل فتاويه أن لم نقل كلها يدور حول هذه المواضيع، الواحدة المتحدة في ذاتها وجوهرها.
وإليكم النصوص التي تثبت ما قلناه من كتب القوم أنفسهم،
أولا: إن قول البريلويين إن كتبه تتجاوز الألف هذا مما لا يثبت بالدليل لأن لفظة الكتاب لا تشمل إلا فتاواه التي طبعت في ثماني مجلدات فقط صغير الحجم وكبيرة، والباقي كلهاه رسائل وكتيبات لا يطلق عليها اسم الكتاب.
ومن الطرائف أن الفتاوى بمجلداتها الثمانية لم يطلق عليها اسم الكتاب إلا أنه أدرج فيها هذه الرسائل والكتيبات جميعا فغرق جل هذه الرسائل إن لم نقل كلها في هذه المجلدات وأدرج فيها، ومثال ذلك (الفتاوى الرضوية) المجلد الأول من هذه المجلدات الثمانية، وهو يشتمل على أحدى وثلاثين رسالة التي عددناها بالنظرة الخاطفة الأولى. وهذه هي أسماءها:
1 - الجود الحلو. 2 - تنوير القنديل. 3 - أخر مسائل. 4 - النميقة الأنقى. 5 - رحب الساعة. 6 - هبة الحمير. 7 - مسائل أخر. 8 - فصل البئر. 9 - بارق النور. 10 - ارتفاع الحجب. 11 - الطرس المعدل. 12 - الطلبة البديعة. 13 - بركات السماء. 14 - عطاء النبي. 15 - النور والنورق. 16 - سمع الندر. 17 - حسن التعمم. 18 - باب العقائد. 19 - قوانين العلماء. 20 - الجد السعيد. 21 - مجلى الشمعة. 22 - تبيان الوضوء. 23 - الدقة والتبيان. 24 - النهي النمير. 25 - الظفر لقول زفر. 26 - المطر السعيد. 27 - لمع الأحكام. 28 - المعلم الطراز. 29 - نبه القوم. 30 - أحلى الأعلام. 31 - الأحكام والعلل.
وبعض هذه الرسائل لا تشتمل إلا على ست صفحات مثل (تنوير القنديل) وسبع صفحات مثل (تبيان الضوء) والبعض على ثماني صفحات مثل (لمع الأحكام) و (هبة الحمير).فهذه هي حقيقة القوم وهذه هي حقيقة العدد الكبير لمؤلفات الرجل، وقد ذكرت هذه الرسائل في عداد مؤلفاته (1).
_________
(1) انظر لذلك ((المجمل المعدد لتأليفات المجدد)).
ثانيا: من السهل أن يقال عن شخص أنه ألف ألف كتاب أو ألفين أو أكثر لأن هذا القول لا يحتاج إلى كثير العناء والكلفة، ومن الصعب أن يثبت له ذلك، فهكذا القوم. فإن البريلوي نفسه ذكر في إحدى كتيباته بأنه ألف حتى ذلك اليوم مائتي كتاب (1) وابنه علق عليه بأن هذا العدد من الكتب هي التي كتبت ردا على الوهابية، وأما جميع مؤلفاته فتبلغ أربع مائة كتاب، منها فتاواه في أثنى عشر مجلدا (2).وأما تلميذه وخليفته البهاري فهو لم يستطع أن يعد أكثر من ثلاثة مائة وخمسين رسالة وكتيبا (3).ثم اجتمع القوم واستقلوا هذا العدد وحاولوا أن يجازفوا ويبالغوا، فلم يستطع آخرهم أن يعد أكثر من ثمانية وأربعين وخمس مائة كتاب (4).
ولبيان أضحوكة القوم وأطروفتهم نذكر أسماء بعض الكتب التي عدوها من جملة من مؤلفاته:
(حاشية صحيح البخاري)
(حاشية صحيح مسلم)
(حاشية النسائي)
(حاشية ابن ماجه)
(حاشية التقريب)
(حاشية مسند الإمام الأعظم)
(حاشية مسند الإمام أحمد)
(حاشية الطحاوي)
(حاشية خصائص كبرى)
(حاشية كنز العمال)
(حاشية كتاب الأسماء والصفات)
(حاشية الإصابة)
(حاشية موضوعات كبير)
(حاشية شمس بازغة)
(حاشية عمدة القاري)
(حاشية فتح الباري)
(حاشية نصب الراية)
(حاشية فيض القدير)
(حاشية أشعة اللمعات)
(حاشية مجمع بحار الأنوار)
(حاشية تهذيب التهذيب)
(حاشية مسامرة ومسايرة)
(حاشية تحفة الأخوان)
(حاشية مفتاح السعادة)
(حاشية كشف الغمة)
(حاشية ميزان الشريعة)
(حاشية الهداية)
(حاشية بحر الرائق)
(حاشية منية المصلي)
(حاشية رسائل شامي)
(حاشية الطحطاوي)
(حاشية فتاوى خانية)
(حاشية فتاوى خيرية)
(حاشية فتاوى عزيزية)
(حاشية شرح شفا)
(حاشية كشف الظنون)
(حاشية تاج العروس)
(حاشية الدر المكنون)
(حاشية أصول الهندسة)
(حاشية سنن الترمذي)
(حاشية تيسير شرح جامع الصغير)
(حاشية كتاب الآثار)
(حاشية سنن الدارمي)
(حاشية الترغيب والترهيب)
(حاشية نيل الأوطار)
(حاشية تذكرة الحفاظ)
(حاشية إرشاد الساري)
(حاشية مرعاة المفاتيح)
(حاشية ميزان الاعتدال)
(حاشية العلل المتناهية)
(حاشية شرح الفقه الأكبر)
(حاشية كتاب الخراج)
(حاشية بدائع الصنائع)
(حاشية كتاب الأنوار)
(حاشية فتاوى عالمكيري)
(حاشية فتاوى بزازية)
(حاشية سرح زرقاني)
(حاشية ميزان الأفكار)
(حاشية شرح جغميني) ... فهذا هو ما في جعبة القوم أنهم ذكروا جميع الكتب التي كانت في مكتبة البريلوي وكان يلقى عليها النظرات، أو علق على صفحة وصفحتين منها فجعلوها مصنفا لمجددهم وعدوها في جملة كتبه ومؤلفاته، ثم ولم يطبع منها ولا كتيب فضلا عن كتاب، وعلى هذا يمكن لكل شخص أن يدعى ويقول: إن مؤلفاته تجاوزت الآلاف المؤلفة، وأمثالنا الذي يكتب في الفرق والأديان، والردود على الفرق الباطلة المنحرفة عن الصراط المستقيم، والزائغة عن جادة الصواب، ويطالع كتبهم ويكتب عليها الانتقادات يمكن له أن يقول: إن مؤلفاته جاوزت خمسة آلاف مؤلف لأننا في الكتابة عن هذه الطائفة أعنى البريلوية قرأنا أكثر من ثلاث مائة كتيب ورسالة ومؤلف، ونادرا تركنا كتابا واحدا منها ولم نعلق عليه، وهذا أيضا من تعليقاتنا علي تلك الكتب.
_________
(1) انظر ((الدولة المكية)) (10).
(2) ((الدولة المكية)) (11).
(3) انظر ((المجمل المعدد)).
(4) ((أنوار رضا)) (325).
إن كان الأمر هكذا فأية مفاخرة فيه؟ وإكمالا للبحث نورد الأقوال المتضاربة المتخالفة في بيان عدد المؤلفات من الآخرين فإن البريلوي قال: إن كتبه بلغت مائتين (1) وخليفته وتلميذه قال: أنها ثلاث ومائة وخمسون كتابا (2) وابنه قال: أنها أربع مائة كتاب (3) وصاحب (أنوار رضا) إنها خمس مائة وثمانية وأربعون كتابا (4) وقال البهاري: ست مائة كتاب (5) وألف كتاب (6).وثالثا: إن كل ما طبع من الرسائل والكتيبات من اليوم الذي كان البريلوي حيا إلى يومنا هذا لا يتجاوز عن خمس وعشرين ومائة كما ذكره صاحب (أنوار رضا) (7) وهي التي أدرجت في فتاواه.
رابعا: نذكر أكذوبة أخرى ومبالغة القوم في بيان المؤلفات لمناسبة ما ذكرناه أنفا، فقد كتب "حضرة بران الملة والدين مولانا المفتي محمد برهان الحق القادري الرضوي المفتي الأعظم الجبل بوري" – "إن البريلوي كان مجددا، والدليل عليه أنه كتب الفتاوى التي لا يوجد لها مثيل في المتقدمين والمتأخرين، والتي تشتمل على اثني عشر مجلدا" والمعروف أنه لم يطبع منها حتى اليوم إلا ثماني مجلدات.
ثانيا: من بين هذه المجلدات الثمانية لم يطبع منها إلا المجلد الواحد على القطع الكبير والبقية كلها على الحجر الصغير.
ثالثا: إن واحدا من هذه المجلدات لا يشتمل على ألف صفحة فضلا عن الزيادة عليها والمجلد الذي طبع على القطع الكبيرة يشتمل على 264 صفحة، والبقية المطبوعة على الحجم الصغير يشتمل على 500 أو 600 صفحة، وواحد منها يشتمل على 325 صفحة، ولا واحد من هذه المجلدات يبلغ عدد صفحاتها ألف صفحة.
ولقد فصلنا القول في هذا للفت النظر إلى أن مذهب هذه الطائفة وأمثالها لا يقوم ولا يؤسس إلا على المبالغات والمغالات والأكاذيب. خامسا: إن كتاب هذه الفتاوى كانوا متعددين من أنصار البريلوي وأتباعه وتلامذته ومؤيديه، ولقد ذكر البهاري في غير موضع من كتابه الذي كتبه في ترجمته أن البريلوي كان يأتيه الاستفسارات فيوزعها على الكتاب للجواب عليها، كما أقر بذلك البريلوي نفسه في خطابه الذي كتبه إلى أحد المعاصرين والمناصرين له "إنني أرسل إليكم شخصا الذي هو مدرس في مدرستي ومعين لي في الفتاوى" (8).
ويكتب في خطاب آخر:"وصلت إلى عبارات التفاسير وأحتاج إلى ما بقى منها. وما هو تفسير (روح المعاني)؟ ومن هو الآلوسي البغدادي؟ لا أعرفه، إن كان لديك ترجمته أو شيء من الكتاب فأخبرني بذلك، وأيضا أحتاج إلى عبارات هوامش (المدارك) " (9) وأيضا "أحتاج في مسألة الخضاب إلى العبارات الكاملة من هذه الكتب، إن كانت هذه الكتب موجودة عندك فيها ونعمت، وإلا فاذهب إلى "بتنه" وانقلها من هناك: التاتارخانية، (زاد المعاد)، (عقد الفريد) لابن عبدربه، (نزهة المجالس)، (صراح)، (قاموس)، (تاج العروس)، (خالق زمخشري)، (مغرب) مطرزي، (مصباح المنير)، (مختار الصحاح)، (نهاية ابن الأثير)، (مجمع البحاري)، (تحفة مخزن الأدوية)، (تذكرة أنطاكي)، (جامع ابن بيطار)، (أنوار الأسرار)، (مرقاة)، (أشعة اللمعات)، (فتح الباري)، (عمدة القاري)، (إرشاد الساري)، (شرح مسلم للنووي)، (شرح شمائل الترمذي)، (شرح شرعة الإسلام)، (شرح مشارق الأنوار)، (تيسير السراج المنير)، و (شرح الجامع الصغير) " (10).
وبهذا كله يثبت أنه لم يكن وحيدا في كتابة هذه الفتاوى، بل كان له المساعدون والأعوان الذين كانوا يحققون المسائل ثم يقدمونها إليه، فكان يرسلها إلى المستفتين وينسبها إلى نفسه.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص28
_________
(1) ((الدولة المكية)) (1).
(2) ((المجمل المعدد)).
(3) ((الدولة المكية)) (11).
(4) ((أنوار رضا)) (325) وما بعد.
(5) ((حياة أعلى حضرة)) (13).
(6) ((ضميمة المعتقد المنتقد)) و ((من هو أحمد رضا)) (25).
(7) ((أنوار رضا)) (325).
(8) ((حياة أعلى حضرة)) (244).
(9) ((حياة أعلى حضرة)) (266).
(10) ((حياة أعلى حضرة)) (281).
المطلب السادس: مخالفته الجهاد والمجاهدين، ومناصرته الاستعمار والمستعمرين
إن العصر الذي وجد فيه البريلوي كان عصر ابتلاء المسلمين ونكبتهم وأدبارهم في شبه القارة لأن الاستعمار الانجليزي الغاشم طوى بساط المسلمين وحكمهم عن هذه القارة، وتسلط عليها تسلطا كاملا عام 1857م بعد إراقة دمائهم وكسر شوكتهم وتدمير قوتهم وزعمائهم وطردهم عن وطنهم ومنبت رأسهم، وكان المستعمرون يرون أنه لم يبق لهم قوة رادعة تردعهم عن مطامعهم، وتمانعهم عن أغراضهم ومنافعهم من بسط النفوذ، والغصب، والنهب، اللهم إلا شرارة في رمادهم وشعلة في ترابهم ولم يكن يظنون مصدرها ومولدها إلا المسلمين عامة والوهابين خاصة".
لمعرفتهم أن المسلمين ثائرون على الاستعمار لضياع دولتهم وملكهم وغصب قوتهم واقتدارهم لأنهم هم كانوا حكاما على شبه القارة عند تسلط الإنجليز وقد سلبوا منهم الاختيار والملك،
والوهابيين لأنهم هم كانوا أكثر الناس ثورة من بين المسلمين وهم الذين قاوموهم ونازلوهم في ميادين مختلفة، وقاتلوهم، ورفعوا علم الجهاد ضدهم، ونغّصوا عليهم عيشهم وكدّروا عليهم صفوهم، فكم من الحارات هدمت بأسرها على أهاليها وسكانها، وكم من القرى دمّرت بما فيها من الأطفال والأشياخ والنساء بتهمة أنهم وهابيون، يريدون التمرد على المستعمر الغاصب (1) وشنق أكثر من مائة ألف عالم موحد، متبع السلف بتهمة الوهابية والطغيان في بنغال فقط (2).
وقد كتب هنتر في كتابه (مسلمو الهند):إنه لا خطر على الإنجليز ولا على بقائهم في السلطة اللهم إلا من الوهابيين لأنهم هم يثيرون القلق الإضطراب والفتن ضدنا، وهم الذين يهيجون الناس ويحرضونهم باسم الجهاد على خلع ربقة الإطاعة والولاء لنا" (3).
_________
(1) انظر ((تذكرة علماء صادق بور)).
(2) انظر لذلك كتاب ((وهابي ترائيلز)).
(3) ((وهابي ترائيلز)) (32) ط اردو.
ثم بعد الانتفاضة التي سميت بانتفاضة 1857م، والتي سمّاها المستعمرون "الغدر" قدم الوهابيون وعلماؤهم وزعماؤهم وقادتهم إلى المشانق جملة لإستيصال شأفتهم وقطع دابرهم سنة 1863م إلى 1865م، وممن سجن في تلك الآونة علماء بارزين لأهل التوحيد عامة ولأهل الحديث خاصة مثل الشيخ جعفر تانيسري، والشيخ عبدالرحيم، وعبدالغفار، وشيخ المسلمين الشيخ يحيى على صادق بوري، والشيخ أحمدالله وغيرهم، ثم بعدهم قائد أهل الحديث وزعيم متبعي السلف الصالح، العلم الرفيع شيخ الكل الشريف نذير حسين المحدث الدهلوي. ولم يكتف المستعمرون بهذا، بل أصدروا فرمانا آخر لمصادرة أملاك هؤلاء المجاهدين (1).وأكثر من ذلك هدمت عمائرهم ودمرت بيوتهم وحتى نبشت قبور أسرهم وأهليهم (2).وأخيراًَ أراد الإنجليز في محاولتهم القضائية على الحركة الوهابية القبض على الإمام الكبير لأهل الحديث وقائدهم وزعيمهم شيخ الكل الشريف نذير حسين المحدث الدهلوي ولكنهم كانوا يخافون هيبته العلمية ومقامه الشامخ ورسوخه في المسلمين، فاضطربوا في أمره كي لا يثور المسلمون وتقوم قيامتهم، فسجنوه لمدة ثم اضطروا إلى إطلاق سراحه (3) ولكنه بدؤا يتحفظونه والآخرين من أمثاله، ثم رأوا أن الأمر لا يسوغ لهم، ولا يستريحون من إشتعال نائرة المسلمين عامة والوهابيين خاصة، فقرروا إشاعة الفتن بين المسلمين أنفسهم كي ينشغلوا بها عنهم ويتقاتلوا ما بينهم، فاستعملوا لهذه الأغراض والتفريق بين المسلمين أشخاصا عديدين منهم، واختاروهم لمهمتهم، فكان واحد من هؤلاء غلام أحمد القادياني (4) والثاني هذا البريلوي كما يتهمه المخالفون (5).
أما القادياني فأمره مكشوف، وأما البريلوي فيحتاج أمره إلى البيان والتوضيح.
_________
(1) ((وهابي تحريك)) (292).
(2) ((تذكرة صادق)) لعبدالرحيم.
(3) ((وهابي تحريك)) (315).
(4) انظر لثبوت ذلك كتابنا ((القاديانية)) ط إدارة ترجمان السنة لاهور، وط المكتبة العلمية للنمنكاني بالمدينة المنورة.
(5) انظر ((بريلوي فتوى))، ((تكفيري أفساني))، ((آئينة صداقت))، ((مقدمة الشهاب الثاقب))، مقدمة ((رسائل جاند بوري)) و ((فاضل بريلوي)) لمسعود أحمد البريلوي.
إن الكلمة الرائجة عند الاستعمار، والمنقولة عنهم هي "فرّق تسد"، فحمّلوا لواء التفريق والتكفير لأحمد رضا البريلوي، فإنه حمل هذا اللواء ورفعه فوق شبه القارة كلها، فلم يجد شخصا إلا وسبّه وشتمه وفسّقه وكفّره، وخاصة الذين نازلوا الاستعمار وقاتلوا ضده، والذين مازالوا يترقبون عليهم الدوائر ويتحيّنون لهم الفرص لينقضوا عليهم ويطردوهم من بلادهم، فرماهم بأسهمهم التي قصد المستعمرون أن يرميهم بها، وحرّض السذج من المسلمين عليهم باسم الدين والإسلام، واتهمهم إياهم وطوائفهم بهتك حرمات الصالحين وتصغير شأن الأولياء وتقليل مرتبة الأنبياء حسب الخطة المرسومة، فشحذ عليهم لسانه وسنانه، وسل عليهم سيف قلمه وبيانه، ولقن الناس بابتعادهم عنهم وعن حركاتهم القومية والوطنية، وعندما كان هؤلاء المجاهدون أتباع الرسول المجاهد الباسل صلوات الله وسلامه عليه، يستغلون الوقائع والحوادث لقلب نظام حكم الإنجليز في شبه القارة الهندية الباكستانية كان يقف البريلوي في وجههم ويسد طريقهم بتأييد السذج من المسلمين وعامتهم، الذين أغتروا بحب الأولياء والصالحين، بإيدي خفية من وراء الأستار وبمساندتهم وتأييدها ومناصرتها، فهكذا وبهذه الأعمال هون البريلوي للمستعمرين الإنجليز القضاء على مخالفيهم، الوهابيين والمناوئين لحكمهم، والمبغضين وجودهم في وطنهم، لأن الشخصيات البارزة والزعماء الأقوياء في الحركات المناوئة للحكم صارت شخصيات مختلفة بين المسلمين بعد ما كان المسلمون ينظرون إليهم نظرة إجلال وإكبار، ونظرة تقديم وإحترام.
فإن الباحث والقارئ يندهش ويتحير عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلا وخالفها البريلوي وكفّر زعماءها هو وذووه، طائفته ومناصروه.
ونذكر ههنا حكرة عرفت بحركة الخلافة وحركة أخرى التي اشتهرت بركة ترك الموالاة، وبذلك يظهر عمله وموقفه من الاستعمار واستخلاص الوطن منه، ونظرته للمسلمين المستعبدين المستضعفين، ووجهته تجاه إخوانهم ونكباتهم.
وقبل أن ندخل الموضوع في صميمه نريد أن نبيّن أن الأحزاب الكبيرة التي قاومت الاستعمار ونازلت المستعمرين كانت حزب المجاهدين الموحدين الذين سموا من قبل مخالفيهم الوهابيون أو الحركة الوهابية، وجميعة علماء الهند، ومجلس أحرار الإسلام، وحزب الخلافة، وحزب الرابطة المسلمة، ونيلي بوش، من المسلمين، وحزب الفائيين، وآزاد هند فوج، وحزب الوطنين، للهندوس وحزب الغاندي كونجرس، فلقد اعتزلت البريلوي والبريلوية عن جميع هذه الحركات واجتنبوها، وكفر وكفروا هذه الأحزاب كلها، وخاصة الرابطة المسلمة وبالأخص حزب المجاهدين مع قادتها زعمائها، وحرموا الدخول فيها ومشاركتها لتحرير الوطن كما سيلاحظ القارئ كل هذا في الباب الذي خصصناه لهذا الغرض.
وهنا نحن ندخل في أصول الموضوع.
إن البريلوية وعلى رأسها البريلوي نفسه أمر المسلمين بالتباعد عن هذه الحركات كلها واعتزالهم إياها، كما أفتى بتحريم الجهاد في ربوع هذه البلاد مستدلا بأن الهند ليس بدار الحرب ولا يؤذن ويعلن بالجهاد إلا فيها، ولم يكتف على هذا فحسب، بل إرضاء للآخرين تجاوز أكثر من ذلك وقال: إن الهند دار الإسلام وكتب رسالة مستقلة باسم "إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام".
وأغرب من ذلك إن هذه الرسالة التي تشتمل على عشرين صفحة من الحجم الصغير خصص فيها قسما لبيان أن الهند التي تسلط عليها الإنجليز الكفار ونهبوها وغضبوها هي دار الإسلام كما أن قسما من هذه الرسالة خصصه لبيان –أن الوهابيين لمرتدون، ولا يجوز أخذ الجزية منهم ولا يعطى لهم الأمان المؤبد، ويجوز استرقاق نسائهم، ولا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم ولا الصلاة على ميتتهم، ولا مخالطتهم ولا مجالستهم ولا محادثتهم ولا مشاركتهم في أمورهم، قاتلهم الله أن يؤفكون" (1).
وبهذا يظهر السر المكنون والأسباب التي حرّضت البريلوي لكتابة هذه الرسالة وإصدار الفتوى في صالح المستعمرين ومخالفة الجاهدين المستخلصين الهند من مخالبهم.
وأما حركة الخلافة التي زلزلت أقدام الإنجليز وزحزحت عرشهم وضعفت شوكتهم في الهند فهي الحركة التي قامت على أساس أن المستعمرين الإنجليز وعدوا عام 1917م الهنديين بتحرير وطنهم وأراضيهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ولكنهم بعدما فازوا في هذه الحرب عام 1918م غدروا بهذا الوعد، فيكتب عن هذه الأحوال أحد البريلويين."أن الإنجليز لما انتصروا على ألمانيا وتركيا والنمساء وعاهدوا الأتراك على شروطهم القاسية إنحرفوا عن وعدهم الذي وعدوا به الهنديين من تحرير الهند، فاضطرب من ذلك الغدر الهنديون الأحرار وثاروا ضدهم وأرادوا أن ينتقموا الإنجليز بخيانتهم وغدرهم، فاستغلوا لذلك مسألة الخلافة في تركيا، وحرّضوا الناس على أن حفظ الخلافة الإسلامية وصيانتها من الفرائض والواجبات، ومحاربة مخالفيها "أي الإنجليز" فرض عين، فقامت على هذا الأساس حركة الخلافة وأثارت ضجة كبرى في أوساط المسلمين (2).وفعلا عام 1919م استغل قادة المسلمين وزعماء حركة تحرير البلاد هذه النعرة ضد الاستعمار الإنجليزي الغاشم وهيجوا عواطف الناس وحرضوهم على وضع الأغلال والأواصر وكسر القيود والسلاسل، وحثوهم على الضربة القاضية على رأس الاستعمار والمستعمرين كما صرح بذلك أحد أعلام هذه الحركة، العالم الجليل الذي لقب بلقب أمام الهند والذي روّج الدعوة السلفية في ربوعها الشيخ أبو الكلام آزاد (3).
فأدرك البريلوي خطر هذه الحركة وما تشتمل وتتضمن على دعوة الجهاد واستخلاص الوطن، فبادر بكتابة رسالته المشهورة للقضاء على هذه الحركة وإقامة السد المنيع في وجهها، وألف رسالة أخرى (دوام عيش) أبطل فيها دعوى المناصرين للخلافة التركية مستدلا بأن الخليفة لا يكون إلا قرشيا، فمادام إن العثمانيين الأتراك ليسوا من قريش فلا نثبت خلافتهم وعلى ذلك ليس على مسلمي الهند مناصرتها ومساعدتها ومحاربة الإنجليز ومقاتلتهم لأجلها وقد صرح أكثر من ذلك حيث قال: إن حماية الأتراك خداع محض وإلا المقصود الأصلي من ذكر اسم الخلافة تحرير الأراضي الهندية" (4).
ومن الغرائب أيضا أن هذه الرسالة التي كتبها للضربة على حركة تحرير الهند وزحزحة أقدام المسلمين فيها لم يتركها خالية عن السباب والشتائم على الوهابيين، رافعي علم الجهاد ومعلني كلمة الحق في هذه الديار.
_________
(1) ((إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام)) (19،20).
(2) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي.
(3) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي (17).
(4) ((دوام عيش)) (63) ط بريلي و (95) ط لاهور.
وأما حركة ترك الموالاة فإنها قامت على أنقاض حركة الخلافة، ففي سنة 1920م لما رأى مسلموا الهند أن الإنجليز لا يريدون أن يخضعوا لطلباتهم وينزلوا على رغباتهم ويفوا بالعهود التي عهدوا بها الهنديين ويغادروا بلادهم قاموا بإقدام آخر، وهو أن يترك الهنديون المعاملات مع الإنجليز المستعمرين ويتجنبوا عنهم ويعلنوا بترك ولائهم ويقاطعوا الحكومة الإنجليزية مقاطعة تامة، لا يطاوعونهم ولا يشاركونهم في أمورهم ولا يشتركون معهم ولا يقدمون لهم الجمارك والضرائب ولا يأخذون منهم المراعاة ولا يحكمونهم فيما بينهم وفي أمورهم ولا يقبلون وظائفهم، فعاونهم في ذلك طلاب الحرية من الهندوس أيضا وعلى رأسهم زعيمهم وقائدهم الغاندي، فتكونت ثورة عظيمة ضد الاستعمار لم ير لها مثال سابق في تاريخ الهند بعد ثورة 1857م، وأشترك فيها جميع طوائف المسلمين وزعماؤهم وقادتهم وعلماؤهم غير البريلويين، فلم يشاركوا في هذه الحركة الوطنية أيضا كدأبهم القديم، بل عكس ذلك أنهم بادروا بإصدار فتاويهم ضد القائمين بهذه الحركات مناصرة للاستعمار ومساعدة للمستعمرين، رافعين الأصوات أن ترك موالاة الاستعمار الإنجليزي الغاشم الكافر حرام، فقد كتب البريلوي كتيبا مستقلا والذي أدرج فيما بعد في فتاويه باسم "المحجة المؤتمنة في آية الممتحنة"، وبدأ كتيبه هذا حسب عادته بقوله: إن المعاملة الدنيوية التي لا تضر الدين ليست ممنوعة مع أحد سوى المرتدين مثل الوهابية والديوبندية وأمثالهم" ثم بعد ذلك كتب بألفاظ واضحة: إن المقصود من هذه الحركات هو الحصول على الحرية من الإنجليز لا غير" (1)
ثم قال بألفاظه الصريحة التي تنبئ بما في الصدور: أنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم" (2).
ثم رد على من يستدل على جهاده بجهاد حسين بن علي رضي الله عنهما فقال: إنه لم يكن يريد القتال، بل سلط عليه القتال، وحرام على سلطان الإسلام الذي يجب عليه إقامة الجهاد أن يبدأ بقتال الكفار إذا لم يكن يكافئهم، فكيف ونحن لا نستطيع مكافئة الإنجليز ومحاربتهم" (3).ثم نصح المسلمين بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105] – محرفاً الكلم عن مواضعه - (4).وأخيراً ختم كتابه هذا أيضاً بتكفير كل من يناضل ضد المستعمرين ويدعو إلى ترك الموالاة لهم والمعاملة معهم" (5).
وقبله قد أفتى بتعطيل الجهاد في كتابه (دوام العيش) بقوله:"لا جهاد وقتال على مسلمي الهند (6).فشُهّر بين المسلمين بعمالة الاستعمار والعمل على حسابهم، ولأجل ذلك اضطر أحد مريديه إلى القول: بأن المسلمين ظنوا فيه ظن السوء" (7).والآخر كتب "إن أكثر مريديه ومعتقديه إنحرفوا عنه لاختلافه مع حركة الخلافة" (8).
فهذه هي الأعمال التي قام بها في عصر كان مسلموا الهند فيه مبتلين بابتلاءات صعبة شديدة وكانوا يجتاحون فيه المراحل الحرجة والظروف الضيقة والأحوال العصيبة.
ولا يمكن لمنصف أن يعرض عن القول بأن كل وزن البريلوي والبريلوية وثقلهم كان في كفة المستعمر الإنجليزي الغاصب إن لم يقل بعمالتهم وجاسوسيتهم وعملهم على حسابهم، لأنه أمر الناس بمقاطعة الجهاد والمجاهدين وترك موالاتهم ضد الاستعمار والمستعمرين بل خلاف ذلك أمر الناس بولايتهم وموالاتهم.
فالمسلمون يقاطعون ويخاذلون، والنصارى المستعمرون يوالون ويناصرون.
وعلى ذلك كتب الإنجليزي المشهور "فرانسس رابنسن":"إن البريلوي كان عمله حماية الحكومة الإنجليزية، فإنه أيد الحكومة في الحرب العالمية الأولى، واستمر في هذه الحماية والتأييد للحكومة حتى أيام حركة الخلافة سنة 1921م وعقد المؤتمر في بريلي وجمع فيه العلماء الذين كانوا يخالفون ترك موالاة الحكومة، والذين كان لهم أثر كبير في نفوس العامة المتعلمين والدارسين المسلمين" (9).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص36
_________
(1) ((المحجة المؤتمنة)) لأحمد رضا (155).
(2) ((المحجة المؤتمنة)) (208).
(3) ((المحجة المؤتمنة)) (210).
(4) ((المحجة المؤتمنة)) (602).
(5) انظر خاتمة الكتاب (211).
(6) ((دوام العيش)) (46).
(7) مقدمة ((دوام العيش)) (18).
(8) ((كتابي دنيا)) مقال حسن النظامي (2) نقلا عن مقدمة ((دوام العيش)) (18).
(9) ((سيبترزم امنك اندين مسلمز)) (443)، ((كامبرج يونيورستي)) ط مطبعة كامبرج يونيورستي 1974م.
المبحث الثالث: أبرز زعماء البريلوية
فمن أبرزهم نعيم الدين المراد آبادي ولد في يناير سنة 1883م وكان معاصراً للبريلوي، ولم يكن بينهما أية رابطة سوى مخالفة كل واحد منهما الموحدين وأتباع الكتاب والسنة، وتأييد الرسوم والعادات الهندوسية التي دخلت على المسلمين باسم الدين وراجت فيه، ومناصرة البدعات، والتبرك بالقبور والتوسل بالصالحين، والنذور للأموات، وإقامة الأعياد التي تسمى الأعراس وغير ذلك من الأمور.
"وإنه أسس مدرسة في مراد آباد بالهند وسماها في البداية "مدرسة أهل السنة" ثم غير إسمها وسماها "بالجامعة النعيمية" ويتلقب تلامذة هذه المدرسة والمتخرجون منها النعيميون.
"وإنه أسس مدرسة في مراد آباد بالهند وسماها في البداية " مدرسة أهل السنة" ثم غير إسمها وسماها "بالجامعة النعيمية" ويتلقب تلامذة هذه المدرسة والتخرجون منها النعيميون.
وكان المراد آبادي يشاهد ويرى شدة البريلوي وقسوته على السلفيين والدعاة إلى التوحيد الخالص، والعاملين بالكتاب والسنة، فكان يعجب به ويفرح، ويظهر سروره ويؤيده ويناصره ويكتب ويؤلف في تأييده وتوثيقه، كما كتب بعض الكتيبات في نفس المسائل التي أثار البحث حولها البريلوي. ومن أهم ما ألف هوامش القرآن الكريم باللغة الأردية وسمّاها (خزائن العرفان) التي نشرت فيما بعد مع ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأردية للبريلوي و (أطيب البيان) الكتاب الذي ردّ به على (تقوية الإيمان) للشهيد الشاه إسماعيل الدهلوي، و (الكلمة العليا) في إثبات علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من الكتب والرسائل، ومات سنة 1948م، وطائفته تلقبه بلقب صدر الأفاضل" (1).ومن زعمائهم أمجد علي "ولد في كهوسي بولاية أعظم كره، ودرس في المدرسة الحنفية بجونبور، وتخرج سنة 1320هـ وأيد دعوة البريلوي ونصرها بكل قوة، ومكث مدة في بريلي عند البريلوي، وألف عدة مؤلفات في تأييد مسلكه وموقفه، وساعده في تكوين مذهبه وطائفته، ومن أهم ما صنفت كتاب فقه باسم (بهار شريعت) الذي بين فيه المسائل والأحكام في ضوء التعليمات البريلوية، وصار الكتاب فيما بعد موسوعة فقه للبريلوية ومات سنة 1367هـ الموافق سبتمبر 1948م" (2).
ومن قادة البريلويين السيد ديدار علي الذي ولد في نواب بور بولاية ألور في الهند سنة 1270هـ ودرس على الشيخ أحمد على السهارنفوري، وبعد تخرجه سنة 1293هـ درس في المدارس الحنفية العديدة حتى استقر في مدينة لاهور، ويقول كاتب ترجمته:
إنه وقي وحفظ مدينة لاهور من الوهابية والديوبندية ومن عقائدهم المسمومة وتوفي في أكتوبر سنة 1935م. ومن مؤلفاته (تفسير ميزان الأديان) في جزئين صغيرين و (علامات الوهابية) وبعض الكتيبات الأخرى" (3).ومن كبار زعمائهم حشمت علي ولد بالكهنو في الهند وكان أبوه من مريدي السيد عين القضاة وباشارة منه أدخله في المدرسة الفرقانية، فقرأ القرآن ودرس بعض الكتب في لكهنو ونشا وربي هناك ثم إنتقل إلى مدرسة البريلوي أحمد رضا "منظر إسلام" ودرس على يدي أمجد علي الذي يلقبه القوم بصدر الشريعة وفرغ من دراسته سنة 1340هـ واستلم الشهادة من ابن البريلوي أحمد رضا، ثم بدأ يروج تعاليم البريلوية ويناصرها فلقبه البريلوي "بغيظ المنافقين" وأعطاه سند خلافته، واشتهر بالرد على الوهابية والديوبندية ثم مرض بمرض سرطان ومات من ذلك سنة 1380هـ ودفن في بيلي بهيت في الهند" (4).
_________
(1) ((تذكرة علماء أهل السنة))، و ((حياة صدر الأفاضل))، وحاشية ((الاستمداد)) لمصطفى رضا ابن البريلوي.
(2) ((الاستمداد)) الهامش (90،91).
(3) ((الاستمداد)) الهامش (94) و ((تذكرة علماء أهل السنة)).
(4) ((تذكرة علماء أهل السنة)) لمحمود البريلوي (82،83) ط كانبور.
ومن قادتهم مفتي أحمد يار نعيمي البدايوني."ولد في بدايون سنة 1906م ودرس مدة في "المدرسة الإسلامية" عند الديوبنديين ثم انتقل منها إلى مراد آباد ودرس عند السيد نعيم الدين المراد آبادي ولذلك يلقب نفسه بنعيمي، ثم عين مدرسا في مدرسته وبعد ذلك انتقل إلى مدن عديدة في الهند حتى استقر في كجرات وأسس مدرسة باسم "الجامعة الغوثية النعيمية" واسم مدرسته يدل على عقائده ومعتقداته، وكان من كبار المناصرين للبريلوي والبريلوية، وكتب كتبا عديدة لتأييد هذه الطائفة ونشر أفكارها وعقائدها، ومن أهمها كتابه (جاء الحق) الذي حاول فيه مناصرة مذهبه ومسلكه وكرس جهده في الرد على يسميهم الوهابيين، أتباع الكتاب والسنة وسالكي مسلك التوحيد في شبه القارة، وله هوامش على ترجمة القرآن للبريلوي سماها "نور العرفان" أيد فيها مسلكه وموقفه وأوّل كثيراً من الآيات من معانيها الأصلية ومدلولاتها الحقيقية، كأستاذه المراد آبادي وقائد طائفته البريلوي، وله أيضا رسالة "رحمة إله بوسيلة أولياء" و"سلطنة مصطفى" وغيرها من الكتيبات والرسائل ومات سنة 1971م" (1).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص51
_________
(1) ((تذكرة أكابر أهل السنة)) (54 - 58) لشرف القادري، و ((اليواقيت المهرية)) (39) و ((سيرة سالك)) للكوكب.
المبحث الرابع: معتقدات البريلوية
• المطلب الأول: الاستغاثة والاستعانة بغير الله.
• المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم.
• المطلب الثالث: سماع الموتى.
• المطلب الرابع: مسألة علم الغيب.
• المطلب الخامس: مسألة بشرية الرسول.
• المطلب السادس: مسألة الحاضر والناظر.
المطلب الأول: الاستغاثة والاستعانة بغير الله
أن البريلويين قالوا يقول لم يأت الإسلام إلا للرد عليه. وهو "إن لله عبادا إختصهم بحوائج الناس يفزعون إليها بحوائجهم" (1).
وقال البريلوي: إن الاستعانة والاستغاثة بغير الله مشروع ومرغوب، ولا ينكره إلا مكابر أو معاند" (2).
سواء كان المستغاث والمستعان من الأحياء أو الأموات، وسواء كان نبيا ورسولا أو وليا وصالحا لا فرق بينهم، فإنهم ولاة الأمور وقضاة الحاجات ودافعوا البليات وشافوا الأمراض وكاشفوا الكربات. ولقد نص على ذلك البريلوي والبريلويون حيث قالوا: الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأنبياء والصالحين جائزة" (3).
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دافع البلاد ومانح العطاء" (4).و "إن جبرائيل عليه الصلاة والسلام قاضي الحاجات، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قاضي قضاة الحاجات حيث أنه علي السلام يقضي حوائج جبرائيل أيضا" (5).
وعلى كذلك رضي الله تعالى عنه، كما نقل البريلوي:
ناد عليا مظهر العجائب ... تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سينجلي ... بولايتك يا علي يا علي (6)
والشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله تعالى، كما كذبوا عليه أنه قال: من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في كربة كشفت عنه، ومن نادى بإسمى في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي إلى الله في حاجة قضيت حاجته" (7).
وأيضا هناك صلاة غوثية: وصورتها أن يصلى ركعتين، ثم يخطو إلى بغداد إحدى عشرة خطوة، وكلما يضع قدمه يستغيث بالغوث "أي الشيخ الجيلاني" ويناديه باسمه ويقدم حاجته ويقرأ هذين البيتين:
أيدركني ضيم وأنت ذخيرتي ... وأظلم في الدنيا وأنت نصيري
وعار على حامى الحمى وهو منجدي ... إذا ضاع في البيداء عقال بعيري" (8)
وكان البريلوي يقول:
ياظل إله شيخ عبدالقادر ... شيئا لله شيخ عبدالقادر
عطفا عطفا عطوف عبدالقادر ... اصرف عنا الصروف عبدالقادر (9)
كما كتب: إن لأهل الدين مغيثا وهو عبدالقادر" (10).
وقد قال: إنني لم استعن في حياتي أحدا ولم أستغث غير الشيخ عبدالقادر، كلما أطلب المدد أطلب منه، وكلما أستغيث أستغيث به، ومرة حاولت أن أستغيث وأستعين بولي آخر "حضرت محبوب الهي" وعندما أردت النطق باسمه للاستغاثة والاستعانة ما نطقت إلا بياغوثاه، فإن لساني يأبى أن ينطق الاستغاثة بغيره" (11).
وأحمد زروق أيضا، كما ذكرو أن أحمد زروق قال في قصيدته:
إنا لمريدي جامع لشتاته ... إذا ما سطا جورا الزمان بنكبة
وإن كنت في ضيق وكرب ووحشة ... فناد بيازروق آت بسرعة (12)
وابن علوان كذلك:"إن الإنسان إذا ضاع له شيء وأراد أن يرده الله فليقف على مكان عال مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويهدي ثوابها للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يهدي ثوابها لسيدي أحمد بن علوان، ثم يقول: يا سيدي يا أحمد بن علوان إن لم ترد عليّ ضالتي وإلا نزعتك من ديوان الأولياء" (13).
_________
(1) ((الأمن والعلي)) للبريلوي (29) ط دار التبليغ لاهور.
(2) رسالة ((حياة الموات)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300) ط باكستان.
(3) رسالة ((حياة الموات)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300) ط باكستان.
(4) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (10).
(5) ((ملفوظات)) (99) ط لاهور.
(6) ((الأمن والعلى)) (13).
(7) ((بركات الاستمداد)) للبريلوي في ((رسائل رضوية)) وأيضا ((فتاوى أفريقية)) ليربلوي (62) ((جاء الحق)) لأحمد يار (200).
(8) و ((جاء الحق)) لمفتي البريلوية أحمد يار (200).
(9) ((حدائق بخشش)) (186).
(10) ((حدائق بخشش)) (181).
(11) ((ملفوظات)) (307).
(12) ((حياة الموات)) للبريلوي المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300)، ((جاء الحق)) (199).
(13) ((جاء الحق)) (199).
والسيد محمد الحنفي أيضا: إن محمد الحنفي كان يتوضأ في خلوته، فيوما من الأيام خلع نعله ورماها في الفضاء وأعطى الثانية لخادمه وقال له: ضعها عندك حتى يأتي بالثانية أحد وبعد مدة طويلة جاء الشخص من الشام ومعه تلك النعل التي رماها الشيخ وغابت في الفضاء وقال: مرشيد وشيخي!، إن ناهبا جاء لينهبني وركب على صدري ليذبحني، فناديت يا سيدي محمد حنفي، فحضرت النعل من الغيب وضربت صدر ذلك الناهب فأغمى عليه فنجوت منه" (1).
والسيد البدوي أيضا، فليقل المريد والمستغيث به: يا سيدي أحمد بدوي خاطر معي (2).
ونقلوا عنه أنه قال: من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجة أقض حاجته" (3).
وأبو عمران موسى أيضا:"كان إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة أو أكثر" (4).
هذا وقالوا: كل من كان متعلقا بنبي أو رسول أو ولي فلابد له أن يحضره ويأخذ بيده في الشدائد" (5).
ومشايخ الصوفية أيضا: مشايخ الصوفية يلاحظون أتباعهم ومريديهم في جميع الأحوال والشدائد" (6)
والاستغاثة والاستعانة ليس بمشروع عند القوم من الأحياء فحسب، بل ومن أهل القبور أيضا، كما يقول البريلوي: إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور" (7).
وقال واحد منهم: إن زيارة القبور تنفع وتفيد، وإن أصحاب القبور يعينون الزوار" (8).و "إن المقصود من زيارة القبور أن يستفاد من أهلها" (9).و "إن قبر موسى الكاظم لدرياق أكبر" (10).
وقال البريلوي:
إن محمد بن الفرغل كان يقول: أنا من المتصرفين في القبور، فمن كانت له حاجة فليأت إلى قبالة وجهي ويذكر حاجة أقضها له" (11).
كما نقل عن السيد البدوي أنه قال بعد مقولته: أقضها له":فإنما بيني وبينكم فداع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه فداع من تراب فليس برجل" (12).
فهذه هي عقائد القوم في الاستغاثة والاستعانة بغير الله، وقد قال الله عز وجل في كتابه المحكم الذي أنزله الهدية البشر وشفاء ورحمة للمؤمنين، قال فيه على لسان عباده الصالحين الذين علموا منه عقيدة التوحيد الخالص: العقيدة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].
وقال جل مجده مستنكرا قول المشركين وفعلهم ومؤبخاً إياهم:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ [سبأ: 22].
وقال سبحانه وتعالى:
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُنَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر 13 - 14].
وقال مبينا فسادهم ومظهرا عوارهم:
_________
(1) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(2) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(3) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(4) ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(5) ((فتاوى أفريقه)) للبريلوي (135).
(6) ((حياة الموات)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 289).
(7) ((الأمن والعلى)) (44).
(8) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (39).
(9) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (43).
(10) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (57).
(11) ((أنوار الانتباه)) (182).
(12) ((أنوار الانتباه)) (181).
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا [فاطر: 40].
وبين لهم مؤكدا:
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف: 197].
وأيضا:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ [الرعد 14].
وأيضا:
وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت: 22].
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين والمستعين بغير الله أن يجيبوه على سؤاله:
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: 38].
وأَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62].
ثم أراد إفهامهم فقال:
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأعراف: 194].
وأيضا:
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا [الرعد: 16].
وشنع عليهم قولهم بقوله عز شأنه:
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا [النساء: 117]
ثم حكم عليهم بقوله:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5].
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه المحكم عديدا من الأنبياء وعباده الصالحين وهم احتاجوا إلى الاستغاثة والاستعانة والدعاء في مسائلهم ومشاكلهم والملمات التي المت بهم، فلم يستغيثوا ولم ينادوا إلا ربهم وحده من آدم إلى نوح، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن يونس إلى خاتم النبيين وأشرف المرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، سواء كان مطالبة المغفرة أو الولد أو الشفاء أو النجاة من المآزق والمهالك، من البؤس والفقر والسجن وغير ذلك، أو طلب النصر، فلم يتقدموا بدعواتهم إلا إلى الله وحده، ولم ترد واقعة ولا حادثة استغاث أحد من عباد الله المقربين وأوليائه المنتخبين بأحد دونه وسواه. ولكن البريلوي يقول: كل من كان متعلقا بنبي أو رسول أو ولي قفلابد أن يأخذ بيده في الشدائد" (1).
_________
(1) ((فتاوى أفريقه)) للبريلوي (135).
وقال الآخر: إن جميع العالم للأولياء ككفة يد ينظرون إليها، وإن ناداهم أحد واستغاث بهم من أية بقعة كان يغيثونه ويقضون حوائجه" (1).هذا والرسول عليه الصلاة والسلام قال لابن عمه عبدالله ابن عباس رضي الله عنه: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما أنت لاق، فلو جهدت الخليفة على أن تنفعك لم تنفعك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو جهدت أن تضرك لم تضرك إلا بشيء كتبه الله عليك)) (2).
ولكن البريلوي يقول: إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور" (3).
ثم وأكثر من ذلك يطعن ويقدح في الذين ينكرون عليه هذا القول ولا يستغيثون إلا الله وحده ولا يستعينون إلا به ولا يتوكلون إلا عليه ولا يدعون إلا إياه إتباعا بالثقلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، يشنع عليهم هذا المحدث المبتدع بقوله: حدث في زماننا شرذمة قليلة ينكرون الاستمداد من الأولياء، ويقولون ما يقولون وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" (4).
فذاك قول الله عز وجل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، وهذا قول البريلويين، وإنهم عكسوا الأمور حيث سموا متبعي الكتاب والسنة المحدثين، وسموا أنفسهم المتبعين والمتمسكين بأقاويل المتقدمين الذين ما أنزل الله بهم من سلطان مصداق قول الله عز وجل:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة: 170].
ولا يعلمون أنهم لا يتبعون من المتقدمين إلا الذين لم ينزل الله إلا للرد عليهم، ولقد قال بأصرح الألفاظ وأظهرها:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].
ووَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60].
وصدق الله مولانا العظيم.
_________
(1) ((جاء الحق)) (138،139).
(2) رواه الترمذي (2516) بلفظ: ( ... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) وقال حسن صحيح, وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 327). وقال أحمد شاكر في تحقيقه لـ ((مسند أحمد)) (4/ 233): إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(3) ((الأمن والعلى)) (46).
(4) رسالة ((حياة الموات)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 301،302).
المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم
ويقرب من هذه المسألة ويتعلق بها مسألة أخرى، وهي مسألة قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم حيث أن القوم جعلوا الله معطلا معزولا عن الاختيار والقدرة والاقتدار – عياذا بالله – لأن الاستغاثة والاستعانة والاستمداد والدعاء لا يكون إلا من القادر والمختار، وإن الأنبياء والصلحاء والأولياء انتقلت إليهم قدرة الله وملكه واختياراته – حسب زعمهم – ولم يبق عنده شيء، لذلك على الناس أن يرجعوا إليهم ويراجعوا إياهم، يستغيثوا بهم ويستعينوا منهم ويسألوا عنهم، والله فوض إليهم أموره ولم يبق عنده شيء، وصار متقاعدا متعطلا، عن العمل والقدرة، ونوابه أنبياءه وأولياؤه هم الذين أخذوا زمام الأمور في أيديهم، وهم ملاك الأرض ومن فيها وما فيها، وهم حكام السماء ولهم كلمة مطلقة، ينفذون أوامرهم في الكونين، ويتصرفون فيهما بما يشاؤن، وهم الذين يخلقون، وهم الذين يرزقون، وهم الذين يعطون ويمنعون، وهم الذين يحيون ويميتون، وهم الذين يدبرون الأمر، ومنهم النصر والمدد، ومنهم الشفاء والعطاء، ومن عندهم كل شيء. وليس لله إلا العبادات وهم له شركاء فيها أيضا.
وقبل أن نسرد النصوص من كتب القوم نريد أن نلفت أنظار القراء إلى أن كفار مكة ومشركي الجزيرة وثنيى الجاهلية ما كانوا بأفسد منهم اعتقاداً أو أرداً منهم معتقدا الذين لم يأت إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لبيان ضلالهم وشركهم بالله وإصلاحهم وتطهيرهم من هذه الوثنيات والشركيات. وكذلك الأنبياء والرسل قبله هل جاؤا بشيء غير الرد على مثل هذه الأفكار الباطلة والنظريات الخبيثة الرديئة؟
وهل الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه دعا في حياته المكية طوال ثلاثة عشر سنة إلى غير توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؟
ثم وكيف يستسيغ لقوم ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ويدعون النسبة إلى محمد بن عبدالله رسول الله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حامل لواء التوحيد ورافع رأية وحدانية الله وقدرته واختياراته، والقائل بأمره:
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الدخان:8].
وبِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك: 1]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون: 88]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 83]
وإِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58]
ووَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا [هود: 6]
ووَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: 60]
وقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ [سبأ: 36]
واللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]
وغير ذلك من الكثير الكثير الذي ملئ منه الكتاب العزيز الحميد.
نعم كيف يستسيغ لهؤلاء الناس أن يدعوا الإسلام وانتسابهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكروا تعاليمه وإرشاداته وتوجيهاته، ويتنكروا على الآيات التي نزلت عليه، أنزلها رب السماوات والأرض رب العالمين، ونزل بها جبرئيل الروح الأمين على قلب سيد البشر رحمة للعالمين هدى للمتقين وبشرى للمحسنين ورحمة للمؤمنين.
فلينصف القراءة وليعدل الباحثون أيحق للقائلين بتلك المقولات أن ينسبوا إلى أفكارهم وأبطالهم آرائهم، ومن جاء حامله ومبلغه للقضاء على وثنياتهم وإشراكهم بالله: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر: 19 - 22]
وصدق الله عز وجل:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: 213].
فيا أسفا على هؤلاء الغفلة وقد تسرب الشرك إليهم ودبت الوثنيات والبدعيات والخرافات والجاهلية كبيب النمل وهم لا يدرون عنها. وقد استحوذ عليهم الشيطان فلقنهم على أنها هي الإسلام وهؤلاء الذين قال الله عز وجل فيهم:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103 - 104]
بعدما أخبر عنهم بقوله: سبحانه وتعالى:
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً [الكهف: 101 - 102]
وإليكم نصوص الذين يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل، فيقول البريلوي إن كل مفاتيح الكون في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مالك الكل، وأنه النائب الأكبر للقادر، وهو الذي يملك كلمة "كن".
وأما ابنه فيكتبت تحته تأييد الأبيه نقلا عن واحد ممن كان على منوال أبيه وطائفته: كل ما ظهر في العالم فإنما يعطيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بيده المفاتيح، فلا يخرج من الخزائن الإلهية شيء إلا على يديه، وإنه "صلى الله عليه وسلم" إذا رام الأمر لا يكون خلافه، وليس لذلك الأمر في الكون صارف" (1).
وقال البريلوي أيضا: إن رسول الله ص هو المبرئ من السقم والآلام، والكاشف عن الأمة كل خطب وهو المحيى، وهو الدافع عن المعضلات، والنافع للخلق، والرفع للمراتب، وهو الحافظ والناصر، وهو دافع عن المعضلات، والنافع للخلق، والرفع للمراتب، وهو الحافظ والناصر، وهو دافع البلاء أيضاً، وهو الذي أبرد على الخليل النار، وهو الذي يهب ويعطى، وحكمه نافذ وأمره جار في الكونين" (2).
وقال أيضا ناقلا عن واحد من أئمته: هو صلى الله عليه وسلم خزانة السر وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خير إلا عنه" (3).
وقال أيضا:
منه الرجا منه العطا منه المدد ... في الدين والدنيا والأخرى للأبد" (4)
_________
(1) ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) للبريلوي (32،33).
(2) ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) للبريلوي (29،30).
(3) ((الأمن والعلى)) (105).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (1/ 577).
ويقول الآخر: إن رسول الله سيد الكونين سخى رزاق ونحن محتاجون إليه" (1).و "إن اسمه مكتوب على العرش ليلعم أن العرش ملكه وهو مالكه – عياذ بالله –" (2).و "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصرف في كل مكان" (3).
ومثل ذلك قال البريلوي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة الله الأعظم، وإنه متصرف في الأرض والسماء" (4).
وبريلوي آخر نقل عن البريلوي أنه قال: إن رسول الله مالك الأرضين ومالك الناس ومالك الأمم ومالك الخلائق، وبيده مفاتيح النصر ولمدد، وبيده مفاتيح الجنة والنار، وهو الذي يعز في الآخرة، ويكون صاحب القدرة والاختيار يوم القيامة، وهو الذي يكشف الكروب ويدفع البلاء، وهو حافظ لأمته وناصر لها، وإليه ترفع الأيدي بالاستجداء" (5).
وقال آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائب الرب يعطي ما يشاء من يشاء، وينزع ما يشاء ممن يشاء" (6)."وإن الأرض في قبضته وتصرفه، وإن الجنة سلطنته ورياسته، وإنه هو قسام الأرزاق" (7).
وقال مفتي البريلوية: إن جميع العالم وكل الأمور في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه وفيها كما يشاء ويعطي منه ومنها ما يشاء من يشاء" (8).
هذا والأنبياء الآخرون كذلك."إن الأنبياء يتصرفون في بواطن الخلق وأرزاقهم كما يتصرفون في ظواهر الخلق" (9).
وصحابة الرسول كذلك، كما روى البريلوي روايات موضوعة في ذلك، منها: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ويؤتى بمنبرين من نور، فينصب أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يساره، ويعلوهما شخصان، فينادي الذي عن يمين العرش: معاشر الخلائق! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا رضوان خازن الجنة، إن الله أمرني أن أسلم مفاتيح الجنة إلى محمد وأن محمدا أمرني أن أسلمها إلى أبي بكر وعمر ليدخلا محبيهما الجنة، ألا فشاهدوا. ثم ينادي الذي عن يسار العرش: معاشر الخلائق! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك خازن النار، إن الله أمرني أن أسلم مفاتيح النار إلى محمد ومحمد أمرني أن أسلمها إلى أبي بكر وعمر ليدخلا مبغضيهما النار، ألا فاشهدوا" (10).
وأيضا ما رواها:
إن رسول الله قال: إن عليا قسيم النار يدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار" (11).
وأما الشيخ عبدالقادر الجيلاني فإنه غوث المغيثين وغياث المستغيثين، فإن البريلوي قال فيه: إن الشيخ عبدالقادر متصرف في العالم ومأذون له ومختار، وهو المدبر لأمور العالم" (12).و "ياغوثي أنت المحيى وأنت المميت، وأن النبي هو القاسم وأنت الموصل" (13).
وينادي أيضا:
يا ظل إله عبدالقادر ...
ويا ملجأ العباد عبدالقادر ...
إننا لمحتاجون وفقراء ...
وأنت ذو التاج والكرم ...
شيئا لله الشيخ عبدالقادر" (14) ...
وقال في قصيدته العربية:
حمدا يا مفضل عبدالقادر يا ذا الأفضال ... مولاى بما منت بالجود عليه من دون سؤال
يا منعم يا مجمل عبدالقادر أنت المتعال ... امنن وأجب السائل عبدالقادر جد بالآمال" (15).
_________
(1) ((مواعظ نعيمية)) (27) ط باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) (41) ط باكستان.
(3) ((مواعظ نعيمية)) (336) ط باكستان.
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 155).
(5) ((أنوار رضا)) (240) مقال إعجاز البريلوي.
(6) ((بهار شريعت)) لأمجد على جزء (1/ 15).
(7) ((بهار شريعت)) لأمجد علي جزء (1/ 15).
(8) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (195).
(9) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (195،196).
(10) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (57).
(11) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (57).
(12) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (26).
(13) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (125،126).
(14) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (125،126).
(15) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (179).
وقال: إن عبدالقادر فرش فراشه على العرش، وأنزل العرش على الفرش" (1).
ويقول: إن عبدالقادر مغيث لأهل الدين" (2).و "إن الشيخ الجيلاني هو الغوث الذي حصلت له قدرة كلمة "كن فيكون" (3).
ويكذبون على الشيخ الجيلاني أنه قال:
وولاني على الأقطاب جمعا ... فحكمى نافذ في كل حال
مريدي لا تخف واش فإني ... عزوم قاتل عند القتال
طبولي في السماء والأرض دقت ... وشاؤس السعادة قدبالي
بلاد الله ملكي تحت حكمي ... وأوقاتي لقلبي قد صفالي
نظرت إلى بلاد الله جمعا ... كخردلة على حكم اتصال
أنا الجيلي محي الدين اسمي ... وأعلامي على رأس الجبال" (4)
كما يكذبون عليه أنه قال: إن أزمة أمر أهل الزمان على قلبي، وهو متصرف في عطائهم ومنعهم" (5).
ونسبوا إليه أيضا أنه قال: إن قلوب الناس في يدي، إن أردت صرفها عني صرفتها، وإن أردت صرفتها إلى" (6).
وقال الآخر: إن الشيخ الجيلاني هو غوث الأغواث، وإن له حق التثبيت في اللوح المحفوظ، وإنه يملك أن يجعل المرأة رجلا" (7).وأيضاً "أزال موت شخص كان مكتوبا في اللوح المحفوظ بأنه يموت، وهكذا غير قضاءه وقدره" (8).
ونقل البريلوي عن أئمته في الضلال:
إن الشيخ عبدالقادر كان يمشي في الهواء على رؤس الأشهاد في مجلسة ويقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم على" (9).
فمادام الشيخ عبدالقادر مأذونا مختارا، متصرفا، محييا، مميتا، مغيثا، معطيا، موصلا، فلماذا الدعاء إلى الله، ولماذا الاستغاثة به والاستعانة منه والتوكل عليه، فكلما يطلبه الإنسان يطلب من الشيخ الجيلاني – عياذا بالله -.
ثم وليس هذا كله مختصا بالجيلاني والصحابة والأنبياء وسيد الرسل، بل أن عامة الأولياء والصالحين والمتصوفة ومشايخ الطرق يملكون كل هذه الأشياء ويقدرون عليها، وأن الأرض في قبضتهم، وأن السماء في ملكهم، كما ينقل البريلوي عن واحد من أمثاله أنه قال: إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه وعند سؤال منكر ونكير له وعند الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف ... وجميع الأئمة المجتهدين يشفعون في أتباعهم ويلاحظونهم في شدائدهم في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة حتى يجاوزوا الصراط" (10).
وهو الذي قال: إن ملك "البدل" من السماء إلى الأرض، وإن ملك "العارف" من العرش إلى الفرش" (11).
وأما البريلوي فإنه قال: إن نظام الخلق قائم بوساطة الأولياء" (12).و "إن الأولياء يحيون الأموات ويبرؤن الأكمة والأبرص، ويطوون الأرض كلها بقدم واحد" (13).و "لا يخلو زمان من الغوث، ولا تقوم السموات والأرض إلا به (14).
_________
(1) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (184).
(2) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (179).
(3) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (122).
(4) ((الزمزمة القمرية في الذب عن الخمرية)) (356) وما بعد.
(5) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (49).
(6) ((حكايات رضوية)) للبركاتي منقولة عن ((ملفوظات)) للبريلوي (125).
(7) ((باغ فردوس)) لأيوب على رضوي البريلوي (26) ط بريلي الهند.
(8) ((باغ فردوس)) لأيوب علي رضوي البريلوي (26) ط بريلي الهند.
(9) ((الأمن والعلى)) للبريلي (109).
(10) ((الاستمداد)) الهوامش (35،36).
(11) ((الاستمداد)) الهوامش (34).
(12) ((الأمن والعلى)) (24).
(13) ((الحكايات الرضوية)) (44).
(14) ((الحكايات الرضوية)) (102).
وقال الآخر منهم: إن أولياء الله ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم (1).و "إن للأولياء قدرة واختيار أن يرجعوا السهم المطلق من الرمية إليها" (2).و "إن الوهابيين يقولون: إن أولياء الله لا يستطيعون دفع الذباب عن قبورهم ولكنهم لا يعلمون أن لهم قدرة أن يقلبوا العالم كله ولكنهم لا يتوجهون إلى ذلك" (3).و "إن أولياء الله لهم تأثر في تغيير القضاء المعلق" (4).
ويقول الآخر: إن تصرف الأولياء يزداد بعد وفاتهم" (5).
هذا ومثل هذا كثير جدا.
فهذه هي معتقدات القوم في الأولياء والصالحين وفي الأنبياء والمرسلين كمعتقدات النصارى واليهود في المسيح وعزيز والكليم، وكعقيدة المشركين والوثنيين القدامى في اللات والهبل والعزى والمناة ويغوث ويعوق ونسر وغيرهم من عباد الله الصالحين الذين جعلوهم لله شركاء.
ومادام أن أنبياء الله ورسله وأولياء الله وصلحاءه يملكون هذه القدرة والاختيار فلابد أن يحصل لمؤسس هذه الطائفة نصيب منها.
وفعلا نسب أنصاره ومناصروه إلى البريلوي أحمد رضا أكثر مما نسبه هو والآخرون إلى المشايخ والصالحين والأولياء. فقالوا فيه: إنه مالك ورزاق وسيد مرشد ومالك وشافع ومغيث وغير ذلك" (6).
ويناديه أحد أتباعه ويدعوه بقوله: يا سيدي يا رزاق أعطني من نوالك، لأن كلبك هذا راج لعطائك منذ مدة فانظر إلى عبيدك هذا بنظرة الكرم، لأنه مهما ارتكب من الأخطاء والذنوب فإنه كلبك" (7).وأيضا "إن تركنا بابك يا أحمد رضا فمن أين نسأل ونستجدي، لم يخب أحد من بابك، فإنك يا أحمد رضا تعطي السائلين كل ما يطلبونه" (8).
وقيل في قبره: إن قبره ومزاره دار الشفاء للمرضى، وإنه حلال المشاكل ومسهل الأمور وقاضي الحاجات" (9).و "إن المرضى كانوا يستشفون من عيسى، ولكن أحمد رضا يحيى الأموات" (10).
وقال الآخر: إن أحمد رضا هو المبصر للقلوب والأعين، وهو معطي الإيمان، وهو المنجي في الكونين" (11).
ويقول: إن أحمد رضا هو الرزاق وهو مجيب الدعوات وهو حلال المشاكل، وهو الغوث وقطب الأولياء، وهو الذي كان له الظل في الحشر يوم لا يكون هناك الظل، وتحصل معيته في القبر والحشر والنشر، وإنه هو الرزاق ونحن فقراء إليه" (12).
فهذا هو القوم وهذه هي معتقداتهم مخالفة تماما لتعاليم الرحمن الذي بينهما في القرآن، وتعاليم الرسول الكريم التي ثبتت بالأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، بل هي عين تلك العقائد التي كان مشركو قريش وكفار الجزيرة وأهل الجاهلية الأولى يعتقدونها ويؤمنون بها، ولم يأت نبي الله تبارك وتعالى وصلواته وسلامه عليه إلا للقضاء عليها وإبطالها كما بيناه سابقا.
وقبل أن نختم هذا البحث نريد أن نورد ههنا ما كتبه علامة شبه القارة ووحيد عصره النواب الشيخ صديق حسن خان في تفسيره "فتح البيان" تحت قول الله عز وجل: قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما يشاء الله:
_________
(1) ((رسول الكلام)) لديدار علي البريلوي (129) ط لاهور.
(2) ((جاء الحق)) لأحمد يار (197).
(3) ((جاء الحق)) لأحمد يار (213).
(4) ((بهار شريعت)) جزء أول (6).
(5) ((الفتاوى النعيمية)) (249).
(6) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(7) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(8) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(9) ((مدائح أعلى حضرة)) (9) وما بعد.
(10) ((مدائح أعلى حضرة)) (25).
(11) ((نغمة الروح)) لعبدالستار البريلوي (42).
(12) ((نغمة الروح)) (46).
وفي هذا أعظم وازع وأبلغ زاجر لمن صارديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاستعانة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقام رب العلمين، الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه؟ ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق الرزاق المعطي المانع؟ وحسبك بما في الآية من موعظة، فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقود لعباده: لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا: فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيره – ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته – لنفسه، فضلا عن أن يملكه لغيره؟
فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى "لا إله إلا الله"، ومدلول "قل هو الله أحد"؟ وأعجب من هذا إطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرزاق، المحيى المميت، الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقربين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه، ومطهر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان – أخزاه الله – بهذه الذريعة إلى ما تقربه عينه، وينثلج به صدره، ومن كفر كثير من هذه الأمة المباركة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، إنا لله وإنا إليه راجعون" (1).
هذا وذكر شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في فتاواه قول بايزيد البسطامي أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق. وقول الشيخ أبي عبدالله القرشي المشهور بالديار المصرية، استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، كما نقل دعاء موسى عليه السلام الذي كان يدعو به: أللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك. – ثم بعد ذلك: لا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله" (2).
_________
(1) ((فتح البيان)) للنواب صديق حسن خان (4/ 225).
(2) ((فتاوى شيخ الإسلام)) (1/ 112).
المطلب الثالث: سماع الموتى
ويتعلق بالمسألتين السابقتين أي مسألة الاستغاثة والاستعانة عن غير الله، ومسألة قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم مسألة سماع الموتى، لأن الجهال الذين ينادون الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين بعد موتهم ويدعونهم من دون الله عز وجل، لا يدعونهم ولا ينادونهم إلا للاعتقاد بأن الموتى يسمعون ويستجيبون لندائهم ودعائهم مع تملكهم القدرة والاختيار.
ولأجل ذلك قالوا: إن الأولياء والصالحين يسمعون ويبصرون في قبورهم أكثر مما كانوا يسمعون ويبصرون في حياتهم" (1).
لأنهم في معتقدهم قبل موتهم كانوا عاجزين، وبالأسباب الكونية مقيدين، فإذا ماتوا انطلقوا وتفلتوا من تلك الأسباب، وعلى ذلك يقول أحد البريلويين: إن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية اتصلت بالملأ الأعلى وترى وتسمع الكل كالمشاهد" (2).
وقال الآخر: إن الموتى يسمعون، وإن المقربين بعد موتهم ليغيثون" (3).
والثالث قال: إن الشيخ الجيلاني يرى في كل حين، ويسمع نداء الجميع" (4).وأما البريلوي فقد كتب: إن الأموات ليسمعون، إذ لا يخاطب" إلا من يسمع" (5).
ولقد كتب رسالة مستقلة باسم "الوفاق المبين بين سماع الدفين وجواب اليمين" التي طبعت في ضمن الرسائل التي شكلت وكونت منها "الفتاوى الرضوية".
وقد حكي عدة حكايات كاذبة أثبت بها أن الموتى يسمعون، بل أكثر من ذلك أنهم يتكلمون أيضا. ومنها هذه الحكاية التي ذكرت في "ملفوظات" و "الحكايات الرضوية":أن السيد إسماعيل الحضرمي مر على المقابر ومعه أصحابه فوقف على أربعين قبرا وقفة طويلة وبدأ يبكي حتى انتصف النهار فضحك، فسئل عن أسباب بكاءه وضحكه فقال مررت على هذه القبور لأن أصحابها الأربعين كانوا يعذبون فبدأت أشفع لهم عند الرب وأبكى على عذابهم حتى رفع عنهم العذاب ولما انتهيت سمعت امرأة تناديني من آخر المقابر وتقول: يا سيدي! أنا مغنية فلانة فشفعت لهم وحرمتني عنها فضحكت من قولها وقلت لها: أنت منهم، ورفع عنها العذاب" (6).
هذا ويقول آخر من أتباعه: يجوز النداء بعلي وغوث لأن هؤلاء المحبوبين لدى الله يسمعون بعد موتهم" (7).
هذا ولقد قال البريلوي أكثر من ذلك. وهو:
إن الأولياء والأنبياء لا يموتون ويدفنون أحياء وحياتهم في القبر حياتهم في الدنيا بل أكثر منها وأفضل، فيقول البريلوي في الأنبياء: إن حياة الأنبياء حياة حقيقية حسية دنيوية يطرأ عليهم الموت لثانية من الثواني ليصدق وعد الله، وإلا بعد الثانية من الوقت يرجع لهم الحياة ويصيرون كما كانوا ويحكم على هذه الحياة بالأحكام الدنيوية ولأجل ذلك لا يقسم ميراثهم ولا يزوج من أزواجهم ولا عليهم من عدة فإنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون" (8).
وقال الآخر: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدى الله" (9).
ويقول الآخر: إن الأنبياء أحياء في قبورهم وهم يمشون فيها ويتماشون، يصلون فيها ويتكلمون، وفي أمور الخلق يتصرفون" (10).
_________
(1) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (56).
(2) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (18،19).
(3) ((علم القرآن)) لأحمد يار (189).
(4) ((إزالة الضلالة)) لمفتي عبدالقادر (6)، وقد وثق هذا الكتاب من قبل البريلوي ط لاهور.
(5) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 327).
(6) ((الحكايات الرضوية)) أي المجوعة التي اشتملت على الحكايات التي حكاها البريلوي عن طاقة الأولياء والصالحين واختياراتهم (57).
(7) ((الفتاوى النورية)) لنور لله القادري (527).
(8) ((ملفوظات للبريلوي)) (3/ 276).
(9) ((رسول الكلام)) لديدار علي (1).
(10) ((حياة النبي)) للكاظمي (3) ط ملتان باكستان.
وأما النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنه قبل دفنه صلى الله عليه وسلم كان حيا يتكلم كما صرح بذلك القوم، فيقول البريلوي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل به الصحابة إلى قبره كان يتكلم ويقول أمتي أمتي" (1).
ويقول الآخر: لم يطرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا للحظة لأنه عندما أريد قبض روحه للحظة كانت الحياة موجودة في جسده" (2).
والثالث قال: لا فرق بين موته وحياته عليه السلام في معرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، وذلك جلى عنده لا خفاء به" (3).
ويقول الآخر: إن الناس لما فارقوا المدينة في وقعة الحرة أياما ثلاثة ولم يدخل أحد المسجد النبوي الشريف كان يسمع الأذان من قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات الخمسة" (4)
وآخر يقول: لما وضعت جنارة أبي بكر رضي الله عنه أمام الحجرة الشريفة نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس قد سمعوا نداءه: أدخلوا الحبيب إلى الحبيب" (5).
هذا وليس هذا مختصا بالأنبياء. فالأولياء والصلحاء مثلهم في ذلك، كما يقول أحد البريلويين: إن أولياء الله لا يموتون ولكن ينتقلون من دار إلى دار" (6).
وبنفس ذلك قال البريلوي نفسه حيث كتب: إن حضرات الأولياء أحياء بعد وصالهم "أي وفاتهم"، ولهم تصرفات وكرامات باقية، وفيوضهم جارية، وإعانتهم وإغاثتهم ثابتة" (7).
ويقول الآخر: إن موت أولياء الله كمثل الرؤية التي يرونها للحظة كالبرق الخاطف" (8).
وأما البريلوي فإنه قال: إن الأولياء أحياء في قبورهم بالحياة الدائمية، ويكون علمهم وإدراكهم وسمعهم وبصرهم أقوى من قبل" (9).
ونقل عن أئمته أنهم قالوا: إن الأولياء أحياء وإن ماتوا، وإنما ينقلبون من دار إلى دار" (10).و "إن شخصا مات، ولما حضره شيخه ليقبره فتح عينيه، فقال له: حي أنت؟ قال: نعم أنا حي، وكل محب الله. حي" (11).وعنون: إن الأنبياء والأولياء والشهداء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم" (12).
كما يحكى: إن شخصا مسافرا اظلم عليه الليل، فأراد الاستراحة فوضع أمتعته ونام ووضع رأسه على كوم مرتفع، فلما أصبح رأى أن هذه الكومة قبر لشخص، فإذا يناديه صاحب ذلك القبر ويشكو إليه: لقد آذيتني منذ الليلة" (13).
ويتسابق القوم في الكذب حيث يحكى الآخر: إن شخصا مات فغسلوه وكفنوه فنادى: عجلوا بي وبجنازتي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرني ليصلى علي" (14).
فهذه هي ترهات القوم، وهذه هي عقيدتهم مخالفة لما قال الله عز وجل وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنافية لشريعة الإسلام النقية الصافية عن شوائب الشرك والوثنية والأوهام، وإنما اعتقد القوم بهذه العقائد ليجعلوا لله شركاء وأندادا كعمل أهل الجاهلية الأولى الذين قال الله عز وجل فيهم:
_________
(1) رسالة ((نفي النفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل رضوية)) (1/ 221) ((حياة النبي)) للكاظمي (47).
(2) ((حياة النبي)) (104).
(3) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (150،151).
(4) ((هداية الطريق في بيان التحقيق والتقليد)) لديدار على البريلوي (86).
(5) ((حياة النبي)) (125).
(6) ((الفتاوى النعيمية)) لاقتدار بن أحمد يار البريلوي (245).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 236).
(8) ((الفتاوى النعيمية)) (245).
(9) ((الحكايات الرضوية)) (44).
(10) ((أحكام قبور مؤمنين)) المندرج في ((رسائل رضوية)) (243).
(11) ((أحكام قبور مؤمنين)) المندرج في ((رسائل رضوية)) (245).
(12) أنظر لذلك رسالة ((أحكام قبور مؤمنين)) (239).
(13) ((أحكام قبور مؤمنين)) (247).
(14) ((حياة النبي)) للكاظمي البريلوي (46).
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5]
وقال تعالى:
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [الأعراف: 191 - 198]
هذا ولقد حكى الله عز وجل عن مشركي قريش والجزيرة عقيدتهم في الاستغاثة بالله والاستعانة بغير الله في قوله:
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس: 22]
يعني أنهم على الأقل في أسفارهم البحرية لا ينادون إلا الله لاعتقادهم أن غير الله ومن دون الله لا يستطيعون نصرهم في البحار ولا يقدرون عليها.
خلافا لهذا القوم فإنهم لا يستغيثون لا في البر ولا في البحر إلا بغير الله، ولا ينادون إلا غيره، كما نقلنا عن البريلوي أنه قال: إني لم أستغث في حياتي أحدا ولم أستعن بغير الشيخ عبدالقادر، كلما أطلب المدد أطلب من الشيخ الجيلاني، وكلما أستغيث استغيث به" (1).
ولأجل ذلك كتب الشيخ الآلوسي المفسر الحنفي في تفسيره تحت هذه الآية: فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم، في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى أحدا فيهم يخص مولاه بتضرعه ودعاه ويكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الناحية أهدي سبيلا، وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة، وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهى عن المنكر صنوف الحتوف" (2).
وأما السيد رشيد رضا المصري فإنه كتب:
وفي هذه الآية وأمثالها بيان صريح لكون المشركين كانوا لا يدعون في أوقات الشدائد وتقطع الأسباب بهم إلا الله ربهم، ولكن من لا يحصى عددهم من مسلمي هذا الزمان بزعمهم لا يدعون عند أشد الضيق إلا معبوديهم من الميتين كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا يحصى عددهم، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سدنة المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم، ويتأوله بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسل وغيره. وقد سمعت من كثيرين من الناس في مصر وسورية حكاية يتناقلوننها، وربما تكررت في القطرين لتشابه أهلهما وأكثر مسلمي هذا العصر في خرافاتهم، ملخصا: إن جماعة ركبوا البحر، فهاج بهم حتى اشرفوا على الغرق، فصاروا يستغيثون معتقديهم، فبعضهم يقول: يا سيد يابدوي! وبعضهم يصيح: يا رفاعي! وآخر يهتف: يا عبدالقادر يا جيلاني! ... الخ، وكان فيهم رجل موحد ضاق بهم ذرعا فقال: يا رب أغرق أغرق، ما بقي أحد يعرفك" (3).
فالله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل ويحفظنا من الشرك والمشركين.
_________
(1) ((ملفوظات)) (307).
(2) نقلا عن ((الآيات البينات في عدم سماع الأموات)) مقدمة (17).
(3) ((تفسير المنار)) (11/ 338،339).
المطلب الرابع: مسألة علم الغيب
ومن أهم المعتقدات التي يعتقد بها البريلويون خلاف أهل السنة هي عقيدتهم بأن الأنبياء ورسل الله والصالحين من عباده والأولياء يعلمون الغيب، غيب السموات والأرض، مخالفين النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وحتى الفقه الحنفي أيضا مع انتسابهم إلى الحنفية، فالله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه:
قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل: 65]
وقال: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
وقال جل وعلا:
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحجرات: 18]
ووَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ [هود: 123]
وأمر لنبيه أن يقول:
إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ [يونس: 20].
وقال تبارك وتعالى:
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام: 59].
وقال وهو أصدق القائلين:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
هذا ومثل هذا فإنه لكثير، وبمثل هذا ورد في الأحاديث الشريفة التي يأتي بيان بعضها أثناء الكلام، ولكن البريلويين يقولون عكس ذلك: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون، بل يرون ويشاهدون جميع ما كان وما يكون من أول يوم إلى آخره (1).و "أن الأنبياء يعلمون الغذيب منذ ولادتهم" (2).هذا وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فحصل له جميع العلوم الجزئية والكلية وأحاط بها" (3).
وقال: إن علم اللوح وعلم القلم وعلم ما كان وما يكون جزءا واحدا من علوم النبي صلى الله عليه وسلم" (4).و "إن علومه "أي النبي صلى الله عليه وسلم" تتنوع إلى الجزئيات والكليات وحقائق ودقائق وعوارض ومعارف تتعلق بالذات والصفات، وعلم اللوح والقلم إنما يكون سطراً من سطور علمه ونهرا من بحور حلمه، ثم مع هذا ببركة وجوده صلى الله عليه وسلم، هو وسع العالمين علما وحلما" (5).
كما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم عليم بجميع الأشياء من شئونات الإلهية وأحكام صفات الحق والأسماء والأفعال والآثار وأحاط بجميع العلوم الظاهرة والباطنة والأولى والآخرة" (6).
وقال الآخر من طائفته: ولم يحجب عن روح النبي صلى الله عليه وسلم شيء من العالم، فهو مطلع على عرشه وعلوه وسفله ودنياه وآخرته وناره وجنته، لأن جميع ذلك خلق لأجله صلى الله عليه وسلم" (7).وقال: إن علم النبي صلى الله عليه وسلم محيط بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية" (8).
_________
(1) نص ما قاله البريلوي أحمد رضا في رسالته ((الدولة المكية بالمادة الغيبة)) (58) ط لاهور باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار البريلوي (192).
(3) ((الدولة المكية)) (230).
(4) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(5) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(6) ((الدولة المكية)) (210).
(7) ((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (14).
(8) ((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (56).
وقال الآخر: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع المخلوقات والموجودات وجميع أحوالهم تماما وكمالا من ماضيهم وحالهم ومستقبلهم، ولا يخفى عليه خافية، كما أنه يعلم خالقهم وبارئهم" (1)
وآخر أراد أن يسبق هذا فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعلم أحوال قلوب الجمادات والحيوانات ألا يعلم أحوال قلوب عشاقه ومحبيه" (2).و "إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع قدمه على حيوان لعلم الحاضر والغائب، فالوي الذي يضع عليه النبي صلى الله عليه وسلم يده كيف لا يصير عالما للشاهد والغائب" (3).و "أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جازمون بإطلاعه على الغيب" (4).
وأكثر من ذلك "أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الغيوب الخمسة التي هي مخصوصة بذات الله تبارك وتعالى، والتي قال عنها الرب جل مجده:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 8 - 9]
وقال جل مجده:
إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15]
وقال عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187]
وأيضا قال الله عز وجل:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ [الأحزاب: 63]
وقال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام: 2]
وغير ذلك من الآيات الكثيرة مثل وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف: 85].
ووَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59]
والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه نفى هذه الغيوب عنه وعن غيره وبين أنها مختصة بالرب جل مجده لا يشاركه أحد في العلم بها، كما ورد في حديث جبرئيل المشهور ((أنه قال في جواب سائل سأله: متى الساعة؟ قال "عليه الصلاة والسلام": ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة إبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. [لقمان: 34])) (5).
وقال عليه السلام: ((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدا إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) (6).
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (65) ط سكر، باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) لاقتدار.
(3) ((مواعظ نعيمية)) لاقتدار (364،365).
(4) ((خالص الاعتقاد)) (28).
(5) رواه البخاري (50)، ومسلم (9). من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(6) رواه البخاري (7379)، من حديث عبدالله ابن عمر.
وأيضا ما رواه جابر رضي الله عنه أنه قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله)) (1).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس لا يعلمهن إلا الله، عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)) (2).
هذا ومثل هذه الروايات كثيرة جدا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن القوم يقولون عكس ذلك تماما، فها هو البريلوي يقول: لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أعلمه الله تعالى بهذه الغيوب الخمس" (3).و "إنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم الخمس في آخر الأمر لكنه أمر فيها بالكتمان" (4).
وقال الآخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم غيوب الماضي والمستقبل ويعلم أكثر ما في اللوح المحفوظ ويعلم علم الساعة" (5).
وينقل عن أمثاله: يعلم محمد عليه السلام ما بين أيديهم من الأمور الأوليات قبل الخلائق وما خلفهم من أحوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب .... وهو شاهد على أحوالهم، ويعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من أمر الآخرة وأحوال أهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما شاء من معلوماته، وعلم الأنبياء من الأولياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر، وعلم نبيا من الأنبياء بهذا المنزلة" (6).
ثم يقول: لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وسلم في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم" (7).
ويقال آخر: إن رسول الله يشاهد من المدينة العالم كله" (8).
وكذب الآخر على نبي الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي يا أهل الهدى وأولى الفضل والتقى)) (9) (10).
وليس هذا فحسب، بل قال البريلوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم هذه الغيوب الخمسة فحسب، بل كان يعطى هذه العلوم من شاء من خدمه" (11).
وقال الآخر: إن المراد من قول الله عز وجل وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] هو النبي صلى الله عليه وسلم" (12).
_________
(1) رواه مسلم (2538).
(2) رواه أحمد (5/ 353) (23036). قال ابن كثير في ((تفسيره)) (6/ 355): إسناده صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 92): رجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3255).
(3) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53).
(4) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (56)، أيضا ((الدولة المكية بالمادة الغيبية)) (144).
(5) ((جاء الحق)) (43).
(6) ((جاء الحق)) (50،51).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (39) أيضا ((جاء الحق)) (151).
(8) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار (326).
(9) موضوع, انظر ((السلسلة الضعيفة)) (5875).
(10) ((رسول الكلام لبيان المولد والقيام)) لديدرا علي (1).
(11) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (14).
(12) ((تسكين الخواطر)) للكاظمي البريلوي (52،53).
ثم وهذه الغيوب الخمسة لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل يعلمها كثير من الناس، كما صرح بذلك البريلوي حيث قال ناقلا عن أمثاله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه شيء من الخمس المذكورة في الآية الشريفة، وكيف يخفى عليه ذلك والأقطاب السبعة من أمته الشريفة يعلمونها وهم دون الغوث؟ فكيف بسيد الأولين والآخرين، الذي هو سبب كل شيء ومنه كل شيء" (1).وأيضا "وكيف يخفى أمر الخمس عليه صلى الله عليه وسلم والواحد من أهل التصرف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس فاسمعوا هذا يا منكرين ولا تكونوا لأولياء الله مكذبين، فإن تكذيبهم خراب للدين وسينتقم الله من الجاحدين وأعاذنا الله بعباده العارفين" (2).
وقبل ذلك أثبت أيضا في كتابه: رأينا جماعة علموا متى يموتون وعلموا ما في الأرحام حال حمل المرأة وقبله" (3).وقال واحد منهم: كثيرا ما سمعت من الأولياء يمطر السماء غدا أو ليلا فحصل كما قال .... وسمعت أيضا من بعض أولياء الله أنه أخبر ما في الرحم من ذكر وأنثى ورأيت بعيني ما أخبر وسمعت واقعة غد قبل المجيء" (4). ومنهم الشيخ المكارم.
فقد أدرج البريلوي هذه الحكايات الوضعية الباطلة في كتابه لإثبات الغيوب الخمسة وغيرها من الغيوب له مخالفا آيات القرآن الكريم وتصريحات الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم فيقول بعربيته:
إن أبا المجد يقول: كنت عند الشيخ مكارم رضي الله تعالى عنه بداره على نهر الخالص، فخطر في نفس لو رأيت شيا من كراماته فالتفت إلى مبتسما وقال: سيدخل علينا خمسة أنفار أحدهم عجمي أبيض اللون أحمر، نجده الأيمن شامة بقى من عمره تسعة أشهر، ثم يفترسه أسد في البطائح ومن ثم يبعثه الله تعالى.
والآخر عراقي أبيض أشقر بعينه برجله عرج يمرض عندنا شهرا ثم يموت.
والآخر مصري أسمر، في كفه الأيسر ست أصابع، وبفخذه الأيسر طعنة رمح أصيب بها منذ ثلاثين سنة يموت بأرض الهند تاجرا بعد عشرين سنة.
والآخر شامي آدمي اللون، شئن الأصابع، يموت بأرض الحريم على باب دارك بعد سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام.
والآخر من أرض اليمن، أبيض اللون، هو نصراني وتحت ثيابه زنار، خرج من بلاده منذ ثلاث سنين ولم يعلم به أحد ليمتحن المسلمين من يكشف منهم حاله، وقد اشتهى العراقي أوزة بارز، واشتهى المصري عسلا بسمن، واشتهى الشامي تفاحا من فاكهة الشام، واشتهى اليمني بيضا مسلوقا، ولم يجد أحد بشهوة الآخر، وستأتينا أرزاقهم وشهواتهم رغدا من كل مكان والحمد لله رب العالمين.
_________
(1) ((خالص الاعتقاد)) (53،54).
(2) ((خالص الاعتقاد)) (54) و ((الدولة المكية)) (48).
(3) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53) أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (35).
(4) ((الكلمة العليا)) (94،95).
قال أبو الحمد رحمه الله تعالى: فوالله لم نلبث إلا يسيرا حتى دخلوا خمسة كما وصف الشيخ رضي الله تعالى عنه لم يخل من أوصافهم بشيء، فسألت المصري عن طعنة فخذه، فتعجب من سؤالي، فقال: هذه طعنة أصبت بها منذ ثلاثين سنة، ثم جاء رجل ومعه تلك الأصناف التي اشتهوها فوضعها بين يدي الشيخ رضي الله تعالى عنه، فأمره فوضع بين يدي كل واحد منهم شهوته وقال لهم: كلوا ما اشتهيتهم، فأغمى عليهم، فلما أفاقوا قال قال اليمني للشيخ: يا سيدي ما وصف الرجل المطلع على أسرار الخلق، قال: أن يعلم أنك نصراني وتحت ثيابك زنار، فصرخ الرجل وقام إلى الشيخ وأسلم فقال له: يا بني كل من رآك من المشايخ فقد عرف حالك ولكن عرفوا عن إسلامك على يدي فامسكوا عن كلامك. قال: ولقد جرت الحال في وفاتهم كما أخبر الشيخ رضي الله تعالى عنه في الوقت الذي ذكره والمكان الذي عينه من غير تقديم ولا تأخير، ومات العراقي عند الشيخ في الزاوية بعد أن مرض شهراً، وكننت ممن صلى عليه، ومات الشامي عندنا بالحريم على باب طريح ونودي له فخرجت فإذا هو صاحبنا الشامي وبين موته وبين الوقت الذي اجتمعت به عند الشيخ رضي الله تعالى عنه سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام رحمة الله تعالى، فانظر إلى هذا الذي هو خادم من خدم خدام محمد رسول الله قد أخبر في نفس واحدة باثنين وسبعين غيبا فيها ما في الصدور وأمكنة الموت وأزمنة الموت وأسباب الموت، وما يكسب غدا إلى غير ذلك" (1).
هذا ولقد كذبوا على الشيخ الجيلاني أنه كان يقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم على، وتجيء السنة إلى وتسلم على وتخبرني بما يجري فيها، ويجيء الشهر ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، ويجيء اليوم ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، وعزة ربي، إن السعداء والأشقياء ليعرضون على، عيني في اللوح المحفوظ، أنا غائض في بحار علم الله ومشاهدته، أنا حجة الله عليكم جميعا، أنا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثه في الأرض" (2).
ومن أكاذيبهم عليه أيضا: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبركم بما تأكلون وما تدخرون، أنتم بين يدي كالقوارير أرى ما في بواطنكم" (3).
ويقول أحد البريلويين مناديا إياه: أيها الغوث الأعظم أنت مطلع على الصغير والكبير، وأنت تعلم ما يختلج في الصدور" (4).
ولما فتح هذا الباب للبعض فلم لا يفتح للآخرين؟ ففعلا فتحوه على مصراعيه.
فقالوا: لا يكمل الرجل حتى يعلم حركات مريده في انتقاله في الأصلاب وهو نطفة من يوم ألست بربكم إلى استقراره في الجنة أو في النار" (5).
وقال البريلوي: الكامل قلبه مرآه الوجود العلوي والسفلي كله على التفصيل" (6).
ونقل أيضا: ليس الرجل من يقيده العرش وما حواه من الأفلاك والجنة والنار، وإنما الرجل من نفذ بصره إلى خارج هذا الموجود كله" (7).و "ما السموات السبع والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض" (8).
ويقول الآخر: يتطلع العبد إلى حقائق الأشياء ويتجلى له الغيب وغيب الغيب" (9).
_________
(1) ((الدولة المكية)) (162) وما بعد.
(2) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (109)، أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (67)، ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (49).
(3) ((خالص الاعتقاد)) (49).
(4) ((باغ فردوس)) لأيوب رضوي البريلوي (40).
(5) ((الكلمة العليا)) للمراد آبادي (69)، ((تسكين الخواطر)) للكاظمي (146)، ((جاء الحق)) (87).
(6) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(8) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(9) ((جاء الحق)) (85).
ولقد حكى القوم حكايات باردة طويلة عريضة في هذا الموضوع، وأثبتوا أن جميع الأولياء فضلا عن الأنبياء والرسل يعلمون الغيب وحتى العامة وحتى حيواناتهم، ونسجوا أساطير كثيرة في ذلك أعاذنا الله منهم ومنها.
فهذه هي عقيدة القوم في علم الغيب الذي يثبتونه لغير الله وذلك ما قال الله عز وجل وقال رسوله صلوات الله وسلامه عليه:
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النحل: 77]
ولَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف: 26]
وإِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
ويَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]
وقُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]
وقال جل وعلا منبها إياه ومخبرا الخلق أنه لا يعلم الغيب:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم: 1].
ونفى عنه الغيب في قوله:
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101]
وقال جل وعلا:
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة: 43]
كما نفى الغيب عن الرسل قاطبة حيث قال:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109]
كما نفى الغيب عن ملائكته بقوله:
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]
والوقائع والشواهد في هذا كثيرة لا تحصى في الكتاب والسنة من الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح ومن الخليل إلى الكليم ومنه إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والسيرة النبوية وأحوالها مليئة بالأمور التي تقطع جازما بأنه لم يكن يعلم الغيب وإلا فلم يحدث تلك الحوادث التي حدثت كشهادة القراء في بئر معونة وبيعة الرضوان ووقعة الإفك وتأبير النخل وحادثة العرنيين وغيرها من الوقائع والحوادث الكثيرة الكثيرة، ولكن القوم يصرون على أن الأنبياء والأولياء ليعلمون الغيب وحتى البريلوي حيث قالوا: إن أحمد رضا البريلوي كان يعرف يوم موته ووقت موته بالتحديد" (1).ولم يفعلوا هذا إلا لأن يؤلهوا البشر ويرفعوه إلى حد ليس له أن يرفع إليه، لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (2).
وقال: لا تطروني كما اطرأت النصارى عيسى بن مريم" (3). ((ولما قالت جارية في المدينة: وفينا نبي يعلم ما في غد: أنكر عليها وقال صلى الله عليه وسلم: دعي هذا، وقولي ما كنت تقولين، لا يعلم ما في غد إلا الله)) (4).صدق الله جل وعلا وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذب من قال خلاف ذلك كما قالت الصديقة بنت الصديق زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عاشرته، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أنه "صلى الله عليه وسلم" يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله) (5).
_________
(1) انظر لذلك ((وصايا البريلوي)) (7).
(2) رواه أحمد (3/ 153) (12573) من حديث أنس رضي الله عنه, قال محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459): إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611): إسناده صحيح. وقال الحكمي في ((معارج القبول)) (2/ 532): إسناده جيد. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1097): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3) رواه البخاري (3445) من حديث عمر بن الخطاب.
(4) رواه البخاري (5147) من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء
(5) رواه البخاري (7830) من حديث عائشة رضي الله عنهما.
المطلب الخامس: مسألة بشرية الرسول
ومن غرائب ما يعتقده القوم مع انتسابهم إلى الإسلام واعتقادهم في القرآن وتسميتهم أنفسهم أهل السنة عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله مع أن القرآن الكريم صرح ببشريته أكثر من مرة، وكما صرح أن الكفار في كل عصر من عصور الرسل وفي زمان سيد المرسلين لم ينكروا نبوة أولئك إلا لكونهم بشرا كما حكى الله عز وجل عنهم وعن إنكارهم في كلامه بقوله:
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً [الإسراء: 94]
ثم رد الله عليه بقوله:
قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً [الإسراء: 95]
وحكى عن قوم قوم سبب إنكارهم وردهم على أنبياء الله ورسله فقال عن قوم نوح وعاد وثمود إنهم أنكروا، بقوله:
قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم: 10] فرد عليهم الرسل مقرين ببشريتهم –
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11]
كما حكى الله عن أهل انطاكية:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا [يس: 13 - 15].
وعن فرعون وملائه:
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا [المؤمنون 45 - 47]
وعن قوم نوح أنه إذا أرسل إليهم نوح صلوات الله وسلامه عليه:
تَتَّقُونَ 23 فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ [المؤمنون: 24 - 25].
وعن ثمود قوم صالح عليه السلام إنهم قالوا بنفس تلك المقولة فيه وهي:
مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ [المؤمنون: 33 - 34]
وأصحاب الأيكة أيضا قوال لعشيب:
وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [الشعراء: 186]
وكفار مكة قالوا بنفس ذلك القول لخاتم النبيين وسيد المرسلين:
وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: 3]
فأجابهم الله بقوله:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف: 110]
قل سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً [الإسراء: 93]
وبين للناس عامة عن جنس الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام حيث قال:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ [عمران: 164]
ولَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ [التوبة: 128]
وقال:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة: 151]
والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه أخبر عنه بقوله: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني)) (1).وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان إلا بشرا من البشر يغسل ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه)) (2).
فقد أورد البريلوي في كتابه رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود إلا وفي سرته من التربة خلق منها حتى يدفن فيها، وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة فيها ندفن)) (3).
هذا ما قاله الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم عن بشرية الأنبياء وسيد الرسل خلافا للمنكرين الذين أنكروا نبوة الأنبياء ورسالة الرسل، فإنهم لم ينكروها إلا لاعتقادهم بأن البشر لا يمكن أن يكون نبيا، أو بتعبير آخر أن الأنبياء لا يكونون من البشر، لأن النبوة منافية للبشر، فالنبوة والبشرية لا تجتمعان فإما بشرا وإمانبيا، ولأنهم كانوا يعلمون علما يقينيا أن أولئك الأخيار بشر مثلهم، ولدوا بينهم وتناكحوا وتزوجوا وتناسلوا ويمشون في الأرض ويأكلون ويشربون ويلازمهم اللوازم البشرية أنكرو نبوتهم ورسالتهم.
وأما القوم وأمثالهم من الجهلة لما ولدوا في البيئة الإسلامية وبيوت المسلمين لم يستطيعوا إنكار نبوتهم ولكنهم اعتقدوا بنفس تلك العقيدة هي المنافاة بين البشرية والنبوة، فانكروا بشرية الأنبياء والرسل، والتجئوا إلى روايات موضوعة وحكايات باطلة وأساطير مختلقة، وإلى التأويل الباطني المستعار من غلاة الروافض والإسماعيلية لآيات القرآن الحكيم وأحاديث الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه فقالوا: إن رسول الله ص نور من نور الله، وكل الخلائق من نوره" (4).و "أن الله خلق الصورة المحمدية من نور اسمه البديع القادر ونظر إليها باسمه القاهر، ثم تجلى عليها باسم اللطيف الغافر" (5).
وأما البريلوي فلقد كتب رسائل عديدة في أثبات نورانية محمد صلى الله عليه وسلم، منها: رسالته التي سماها "صلاة الصفا في نور المصطفى" فلقد كتب في مقدمتها بعربيته العجيبة: اللهم لك الحمد يا نور، يا نور النور، يا نور قبل كل نور، ونور يعد كل نور، يا من له النور، وبه النور، ومنه النور، وإليه النور، وهو النور، صل وسلم وبارك على نورك المنير الذي خلقته من نورك وخلقت من نوره الخلق جميعا، وعلى أشعة أنواره، آله وأصحابه وأقماره أجمعين" (6).
_________
(1) رواه البخاري (401) ومسلم (572) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد (6/ 256) (26237) , والبخاري في ((الأدب المفرد)) (420) , قال الذهبي في ((سير أعلام النبلا)) (7/ 158): إسناده صالح. وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)).
(3) رواه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (2/ 313) قال الذهبي في ((تلخيص العلل المتناهية)) (65): موضوع.
(4) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار البريلوي (14).
(5) ((الفتاوى النعيمية)) (37).
(6) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
وأدرج فيها رواية موضوعة باطلة ونسبها إلى الحافظ عبدالرزاق أنه أخرجها في مصنفه مع أنها لم ترد فيه، والرواية هذه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لجابر: يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول جملة العرش ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء الحديث بطوله" (1) (2).
وعلق عليها بقوله: وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول، وإن تلقى الأمة بالقبول هو ذلك الشيء العظيم الذي لا حاجة للسند بعده" (3).
فلا ندري أية أمة يقصدها البريلوي؟
إن يريد من الأمة أمثاله من الذين يتبعون الجهل والزيغ والاعوجاج فلا يضر، وإن يريد من الأمة علماءها والمهرة الحذقة في الحديث فلا وجود لتلقيهم بالقبول هذه الرواية ثم ومن قال بان تلقى الأمة بالقبول لرواية يجعلها في مرتبة لا ينظر إلى أسنادها؟،
وكيف وأن الرواية بظاهرها تعارض نصوص القرآن الصحيحة والأحاديث الثابتة من بشريته صلى الله عليه وسلم، والواقع أيضا يعارضها حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في بيت عبدالله بن عبدالمطلب، وولد يتيما أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى:6]، وربي في خديجة وعائشة وزينب وحفصة وغيرهن عليهن شابيب الرحمة والرضوان، وشب وترعرع في مكة المكرمة واكتهل وهاجر إلى طيبة، وولد له الأولاد من إبراهيم والقاسم والطيب والطاهر، وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكان له أرحام وأصهار من أبي بكر وعمر وأبي سفيان ومن أبي العاص وعثمان علي رضوان الله عليهم أجمعين، وكان من أعمامه حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، ومن عماته صفية وأروى وله الأقارب من الحسب والنسب.
فما قيمة تلك الروايات الواهية أمام هذه النصوص والوقائع؟
ثم القوم ازدادوا في جهالاتهم فقالوا: إن محمد صلى الله عليه وسلم ليس بعين الله، ولا هو غير الله، هو مظهر صفات الله، محيى الأرواح، منه خلق الجن ومنه الإنس، ومنه ظهر العرش والكرسي، ومنه حواء ومنه آدم صلى الله عليه وسلم" (4).والملائكة أيضا كما ذكر البريلوي: الملائكة شرر تلك الأنوار لأنه قال: من نوري خلق كل شيء" (5).
ويقول: إن في مرتبة الوجود ليس إلا ذات الحق والباقي كله عكسه وظله، وكذلك في مرتبة الإيجاد إلا ذات محمد صلى الله عليه وسلم والباقي كله عكس فيضه وفي كماله" (6).و "هو روح الأكوان وحياتها وسر وجودها ولولاه لذهبت وتلاشت" (7).
وقال أيضا في بداية رسالته التي ألفها لإثبات كونه نورا ولا ظل له ولا في اسم – نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء –
_________
(1) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
(2) ذكره اللكنوي في ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (1/ 42) , والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (1/ 265).
(3) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
(4) ((ديوان ديدار علي)) (41).
(5) ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (1/ 37).
(6) ((صلاة الصفا)) (60).
(7) ((صلاة الصفا)) (60).
قال فيها: الحمد لله الذي خلق قبل الأشياء نور نبينا من نوره وفتق الأنوار جميعا من لمعات ظهوره، فهو صلى الله عليه وسلم نور الأنوار وممد جميع الشموس والأقمار، سماه ربه في كتابه الكريم نورا وسراجا منيرا، فلولاه لما استنارت شمس، ولا تبين يوم من أمس، ولا تعين وقت الخمس" (1).
ونقل من أئمته: إن ظله كان لا يقع على الأرض وإنه كان نورا، فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا ينظر له الظل" (2).
وقال في قصيدته التي سماها قصيدة النور: إنك نور وكل عضو من أعضائك نور وكل ولد من أولادك نور، أنت عين النور وأصلك كلهم نور" (3).
ولأجل ذلك ذلك قال أحد البريلويين في بيت شعر في الأردية ونريد نثبته ههنا قبل ترجمته:
وهي جو مستوى عرش تها خدا هوكر ... اتر برا مدينه مين مصطفى هوكر
أي أن الذي كان مستويا على العرش بصورة الآله.
هو الذي نزل في المدينة بصورة المصطفى.
وأما معنى كونه نورا من نور الله فيقول الشيخ البريلوي: إن الله لم يبين لنا كيفية كونه نورا من نوره، ولا سبيل لنا إلى معرفته بدون الله فهو من المشتابهات التي أمرنا بالإيمان عليها بلا خوض فيها" (4).
هذا ولما عرضت عليهم الآيات التي فيها تصريح لبشريته عليه الصلاة والسلام قالوا: يعلم من لفظة "قل" لا يجوز لأحد أن يقول: بشر مثلكم غير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " (5).لأن التقول ببشرية الرسل هو من دأب الكفار" (6).
فهذا هو القوم وهذه هي معاندتهم لتعاليم الإسلام الصافية الصحيحة ومكابرتهم للحق الواضح ومخالفتهم للآيات البينات أعاذنا الله منها ومنهم، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له.
_________
(1) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (199).
(2) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرج في ((مجموعة رسائل)) (202).
(3) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرج في ((مجموعة رسائل)) (224).
(4) ((من هو أحمد رضا البريلوي الهند)) لشجاعت علي البريلوي (39).
(5) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار الكجراتي (115).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) للبريلوية (6/ 143)، ((مواعظ نعيمية)) (115).
المطلب السادس: مسألة الحاضر والناظر
ومن أخص المعتقدات التي يعتقدها البريلويون هي ما يخالفه العقل والعقل من كون الرسول صلى الله عليه وسلم حاضراً في كل مكان ناظراً كل شيء بالمعنى الذي لا يطلق حتى وعلى الخالق المتعال العليم الخبير جل وعلا، فيقول البريلويون: لا يخلو مكان ولا زمان إلا والرسول صلى الله عليه وسلم موجود فيه" (1).
وقال: لا يستبعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون حاضرا موجودا في الأمكنة المتعددة التي لا تعد ولا تحصى، بوجوده المقدس بعينه" (2).
ويقول الآخر ناقلا عن أئمته: مدام الولي حاضرا وناظرا في كل مكان وزمان فلم لا يكون النبي كذلك، فقال: ولا تباعد عن الأولياء حيث طويت لهم الأرض وحصلت لهم أبدان مكتسبة متعددة وجدوها في أماكن مختلفة في آن واحد" (3).و "الرسول عليه السلام له الخيار في طواف العالم مع أرواح الصحابة ولقد رآه كثير من الأولياء" (4).
ونقل عن الآخرين من أمثاله: النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات، والدعاء بكشف البلاء عنهم، والتردد في أقطار الأرض والبركة فيها، وحضور جنازة من صالحي أمته، فإن هذه الأمور من أشغاله صلى الله عليه وسلم" (5).
ويقول البريلوي نفسه: إن الأولياء يستطيعون الحضور في عشرة آلاف مدينة في آحد واحد وثانية واحدة إن شاؤا وأرادوا" (6).
وأما الأنبياء؟ فقال: إن روح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حاضر في بيوت أهل الإسلام" (7).و"إن نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذرة من ذرات العالم في كل حين، وإنه يحضر تلاوة القرآن وقراءة المولد وقراءة القصائد كما إنه يحضر جنازة الصالحين بجسمه الأطهر" (8).
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد خلق آدم وما جرى عليه من الإكرام ثم إخراجه من الجنة بسبب مخالفته أمر الله وما تاب الله عليه إلى آخر ما جرى عليه من الأمور، وإنه شاهد خلق إبليس وما جرى عليه .... وإن الروح المحمدي لما قبض عن آدم الذي كان فيه لم يضل ولم ينس ما بقى فيه، وبعد قبضه جرى عليه ما جرى من النسيان وما تبع" (9).
ويقول الآخر:
إنه صلى الله عليه وسلم ليس بحاضر موجود فحسب بل: إن أهل الله يرونه بأعينهم الحسية في حالة اليقظة في الأوقات الكثيرة" (10).وإن أهل البصيرة يرون رسول الله ص حتى في صلواتهم" (11).
ويقول أيضا: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حي بجسده وروحه وإنه يتصرف حيث يشاء في أقطار الأرض وأطرافها وفي الملكوت وهو بهيتة التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء، وإنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله تعالى رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي كان عليها صلى الله عليه وسلم لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص بالرؤية المثالية" (12).
ويقول البريلوي: إن كرشنا الكافر كان يحضر في مئات الأمكنة في آن واحد وهذا مع كفره فلم لا يستطيع الأولياء حضورهم في أمكنة متعددة؟ " (13).
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (85).
(2) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (18).
(3) ((جاء الحق)) (150).
(4) ((جاء الحق)) (154).
(5) ((جاء الحق)) للكجراتي البريلوي (154).
(6) ((ملفوظات)) للبريلوي (113).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (40).
(8) ((جاء الحق)) (155).
(9) ((جاء الحق)) (156).
(10) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (18).
(11) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (86).
(12) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (86).
(13) ((فتاوى رضوية)) (6/ 142) وأيضا ((ملفوظات)) (114).
وقال الآخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حاضر رسالة كل رسول وما وقع من لدن آدم إلى أن ظهر بجسمه الشريف" (1).
وهذا مع قول الله عز وجل لنبيه بعد ما حكى وقائع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص: 44]
وأيضا:
وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [القصص: 45]
وكما قال:
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص: 46]
وقال لنبيه بعد حكاية قصة مريم:
وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران: 44]
وقبل ذلك بين له أخبار نوح ويوسف فقال:
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49]
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف: 102]
وحكى الله عز وجل في كتابه بذهاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بقوله:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء: 1]
أي أنه ذهب به إلى المسجد الأقصى حيث لم يكن هناك من قبل وإلا لم يخبر بذهابه هناك، ولم يتعجب به قومه.
وقال جل من قائل:
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة: 40]
أي أخرجوه من مكة وذهب بأبي بكر إلى الغار وبعد خروجه لم يكن في مكة وقبل خروجه لم يكن في الغار.
وقال:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران: 123]
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ [الأنفال: 42]
أي نصر الله رسوله عند نزوله ببدر وفي العدوة الدنيا عند نزول الكفار في العدوة القصوى حيث خرج من المدينة مع أصحابه الثلاث مائة وثلاث عشرة مجاهد ولم يكن في المدينة بعد خروجه كما لم يكن في البدر قبل خروجه إليها،
وقال:
َقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18]
فكان هذا في الحديبية في العام السادس بعد الهجرة حيث لم يكن في المدينة كما لم يكن في مكة ولم يكن في الحديبية موجودا قبله ولم يبقى فيها بعد رجوعه إلى المدينة وقال:
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ [الفتح: 27]
أي لتدخلن فيه حيث لم تكن موجودا فيه من قبل،
_________
(1) ((جاء الحق)) (163).
وغير ذلك من الآيات الكثيرة الكثيرة والوقائع اليومية التي كانت تحدث في حياته صلى الله عليه وسلم من وجوده في الحجرة الشريفة وانتظار الصحابة إياه في المسجد، وخروجه من البيت ووجوده في المسجد، وعدم وجوده في المسجد عند وجوده في السوق، وعدم وجوده في المدينة عند وجوده في الحنين، ووجوده في تبوك وعدم وجوده في المدينة، ووجوده في العرفات وعدم وجوده في مكة والمدينة في حجة الوداع وغير ذلك من الحوادث الظاهرة والأمور الجلية التي لا خفاء فيها إلا لمن أعمى الله بصره فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
وهذا مع قول البريلويين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر في كل مكان وزمان – مع القول -: لا يجوز استعمال لفظة الحاضر على الله عز وجل" (1).وذلك مع هذا – "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أحوال جميع الموجودات والمخلوقات ولا تخفى عليه خافية" (2).
وأيضا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى جميع الدنيا بعينه المباركة" (3).وأنه عليه الصلاة والسلام ليس ببعيد عن أحد ولا غير خبير بأحد" (4).
والبريلوي قال: لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وسلم في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وذلك عنده جلى لا خفاء" (5).
ويقول: ابكوا أيها الوهابيون! لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر ولم يحدث في العالم شيء ولا يحدث إلا ويراه ويشاهده، فهو حاضر في كل مكان وناظر كل شيء" (6).
ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا وناظرا فللبريلوي حق أن يكون كذلك، وفعلا قالوا: إن أحمد رضا البريلوي حيٌّ موجود اليوم بيننا ويعيننا ويغيثنا" (7).
فليبك على الإسلام من كان باكيا
فهذا هو دين القوم وذلك هو دين الله القيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والذي قال عنه بأمر من ربه:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108]
ووَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]
وهل من مفكر ليتفكر ومتدبر ليتدبر؟
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24]
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص55
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي (5).
(2) ((تسكين الخواطر)) (65).
(3) ((تسكين الخواطر)) (900).
(4) ((خالص الاعتقاد)) (39).
(5) ((خالص الاعتقاد)) (46).
(6) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (46).
(7) ((أنوار رضا)) (246).
المبحث الخامس: تعاليم البريلوية
إن للبريلويين تعالم خاصة بهم كما أن لهم عقائد مخصوصة يمتازون بها من فرق أهل السنة عامة، ومن فرق الأحناف خاصة، وكل هذه التعاليم تدور حول الأكل والشرب باسم التبرك والتعظيم لأنه لم يؤسس هذا المذهب إلا لسلب الأموال من الجهلة والسذج من الناس، وجلب المنافع للأحبار والرهبان، ولم تكون هذه الشريعة إلا للنهب والغصب باسم القرابين والنذور من المتبعين والمريدين، فاقدي الشعور والعقل، وأسارى الغفلة والجهل، المخدوعين بكرامات الأولياء وشعوذة الماكرين.
فقادة البريلوية وزعماءها جعلوا الدين متجرا لم يحتاجوا إلى وضع رأس المال فيه، وربحوا أرباحا مضاعفة بدون زيادة عناء وكثرة جد وجهد وكلفة وتعب أكثر مما يربح بها أصحاب رؤوس الأموال الباهظة بمشاكل ومتاعب، فأمروا ببناء المقابر والمشاهد وجعلوا أنفسهم سدنتها، ثم أجبوا تقديم النذور والقرابين إليها ليحتجزوها ويدخروها ويتكاثروا بها، ثم أقاموا عليها الأعياد والأعراس وفرضوا على الناس الحضور فيها والمجيء إليها بالسجايا والسجاجيد والقناديل والشموع والزيت والعطور والحلوان والستائر والقرابين وما إلى ذلك من الأشياء ليزدادوا بها مالاً وغنى، واخترعوا ضرائب كثيرة على الحياة والممات وفرضوها على المغفلين الذين ينفقون ويضيعون، ويقترفون الآثام بدل أن يحرزوا أجرا وثوابا، وللمحافظة على تجارتهم هذه أعموا أبصارهم وصموا آذانهم وختموا على قلوبهم كي لا تتفلت من أيديهم هذه الأغنام المدرارة الساذجة فحرموا عليهم الاستماع إلى من الموحدين، والمتبعين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإصغاء إليهم، والمجالسة معهم، والاختلاط بهم، والحضور في خطباتهم واجتماعاتهم، والنظر في كتبهم، كي لا يعقل المغفل، ويتنور من أحيط بالظلام، ويتعلم من رغب عن الجهل فقال قائلهم: حرام على المسلمين أن يقرؤا كتب الوهابيين وأن ينظروا فيها" (1).و "من جالس الوهابية أو اختلط بهم لا يجوز مناكحته" (2).
وغير ذلك:
ولم تكن هذه الاحتياطات كلها إلا للحافظ على جهالاتهم ومناصبهم النافعة المفيدة في آن واحد، ولكن من أراد الله دايته والخير به فلم يمنعه هذا الحصار لأن يخرج من الظلمات إلى النور وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور: 40].
....... واخترع القوم اختراعات أخرى باسم الدين لإرواء غلتهم وإشباع بطونهم الجائعة التي لا تشبع قبل انفجارها
ومنها الأعياد على قبور الأولياء والصالحين التي تسمى بالأعراس، ومحافل الميلاد، والفاتحة، وطعام اليوم الثالث والسابع والحادي عشر والسابع عشر والحادي عشر والسابع عشر والأربعين وغيرها فإن العارف يعرف بأول وهلة أن ليس المقصود من هذه الأشياء كلها إلا التجارة ولو كانت خاسرة في الدنيا والآخرة واكتساب الرزق ولو حارما، والضحك على السذج والمغفلة الذين يظنون بأن أمواتهم يغفرون بهذه الأشياء ولو كانوا مسيئين مذنبين، وكانوا يعصون الله ورسوله ويرتكبون الفسوق والفجور ويقترفون الكبائر والإثم، ويشركون بالله ويهجرون كتابه، فإن إقامة الأعياد على القبور والحضور في مجالس الميلاد وقراءة الفاتحة وإطعام المشايخ وأئمة المساجد الطعام تنجيهم من عذاب النار والجحيم، وتدخلهم جنات تجري تحتها الأنهار.
_________
(1) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6) (54).
(2) رسالة ((ماحي الضلالة)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 89).
فقالوا: إن أولياء الله هم أبواب رحمة الرب وينبغي طلب الرحمة من الأبواب. ولأجل ذلك تزار المشاهد والمقابر حتى تؤخذ الرحمة، كما أن زكريا عليه السلام دعا عند ولية من أولياء الله مريم ليهبه الله ولدا صالحا هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران: 38] لأن الدعاء عند الأولياء يقبل" (1).
وأيضا: إن الأعياد على القبور سبب لحضور الناس عند الأولياء وهي من شعائر الله، والله حرّض المؤمنين على تعظيم الشعائر وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32] وفيها فوائد لا تعد ولا تحصى" (2).
وقال تلميذ البريلوي: إن عرس الأولياء وقراءة القرآن والفاتحة والوعظ وإيصال الثواب موجب للبركات لأن الأولياء أحياء في قبورهم وقد زادت قوة علمهم وإدراكهم وسمعهم وبصرهم" (3).
وقال الآخر: إن الأعراس والأعياد على القبور يعني اجتماع الناس على قبور أهل الله ومشاهدهم في يوم معين سنة سيد الأنبياء .... ومن ثم طبخ الطعام وتنوير المقام وبسط الفرش سبب للبركات وموجب للثواب وإنها لثابتة بالشريعة ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفتها مخالفة الرسول" (4).إن الصلاة في مشاهد الأولياء ومزاراتهم للاستظهار والاستمداد بأرواحها للحصول على أثر من آثار عباداتهم يمين القبور أو يسارها موجب لنزول البركات وحصولها" (5).
هذا،"وأما قول الوهابية أن تقبيل القبور شرك فهو من غلوهم ومبالغاتهم" (6). وأن النذر لغير الله لا تدخل في العبادة ولا يصير الإنسان مشركا مادام لا يعبد غير الله، فإن الشرك أن يعتقد أن غير الله معبود وأما دون ذلك فلا يقال أنه شرك وفاعله أو قائله مشرك" (7).
وأما طواف القبور فإنها جائز مستحب عند القوم: ولا بأس إن طاف حول القبر لحصول البركات" (8)."لأن قبور الأولياء من شعائر الله المأمور بها التعظيم" (9).وأخيرا: إن العرش "أي العيد على القبر في يوم معين مخصوص" سمى عرسا لأن ذلك اليوم يزور الأولياء عروس الكون أي محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنهم يوم وفاتهم يزورونه ويرونه" (10).
ثم أفتى أحد علماء القوم: لا تجوز الصلاة إلا من يقيم الأعراس ويقرأ الفاتحة وأما المخالفين لهذه الأشياء فلا صلاة خلفهم" (11).
- هذا ومن تعاليم البريلوية زيارة الآثار والحث عليها والتبرك بها سواء صحت نسبتها أم لا تصح لأنها أيضا تسبب كسب المال بخداع المسلمين، فلقد كتب البريلوي عبدالمصطفى أحمد رضا رسالة مستقلة في إثباتها والتحريض عليها باسم "بدر الأنوار في الآداب بالآثار".
وقال مقدم هذه الرسالة: إن آثار الأولياء هي من شعائر الله، ومن آيات الله التي أمر الله بتعظيمها والتبريك بها" (12).
وأما البريلوي نفسه فكتب: إن الذي ينكر تعظيم آثار الأنبياء والتبرك بها فإنه منكر القرآن والسنة وجاهل خاسر، وضال فاجر" (13).
_________
(1) ((جاء الحق)) (335).
(2) ((مواعظ نعيمية)) لمفتي البريلوية الكجراتي (224).
(3) ((بهار شريعت)) جزء أول وهذا الكتاب وثقه البريلوي نفسه.
(4) رسالة ((المعجزة العظمى المحمدية)) لنعيم الدين المراد آبادي البريلوية المندرجة في ((فتاوى صدر الأفاضل)) (160).
(5) رسالة ((حاجز البحرين)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 333).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) (10/ 66).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (10/ 207) وما بعد.
(8) ((بهار شريعت)) (4/ 133) لأمجد علي وموثق من قبل البريلوي.
(9) ((علم القرآن)) لأحمد يار البريلوي (36).
(10) ((حكايات رضوية)) للبركاتي البريلوي (146).
(11) ((الحق المبين)) للكاظمي البريلوي (74).
(12) مقدمة ((رسالة بدر الأنوار)) (8).
(13) رسالة ((بدر الأنوار)) للبريلوي (12).
ونقل من أحد متبوعيه أنه قال: ومن إعظامه وإكباره صلى الله عليه وسلم إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه أو عرف به" (1).هذا وما دام يعظم آثار النبي. فآثار الأولياء والصالحين والعلماء تعظّم أيضا ويتبرك بها لأنهم ورثوا بركاته وفيوضه" (2)."ولا يحتاج أن يطلب دليل وسند لصحة نسبة هذه الآثار إلى أصحابها ويكفي في ذلك أن تكون نسبتها مشهورة بين الناس" (3).
وكيف تعظّم هذه الآثار ويتبرك بها؟ بينها البريلوي في رسالة أخرى، أن يبوس هذه الآثار ويقبلها لأنه دستور أهل الحب والولاء ومسطور في كلمات الأئمة والعلماء مثل منائر المدين وجدرانها ولو لم تكن في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبنيت وأحدثت بعده ولم تتشرف بمسه ورويته ولكنها واقعة في بلدته – ثم استدل بكلمات أئمته كما صرح، وأول إمام له هو مجنون بني عامر – ولله در من قائل:
أمر على الديار ديار سلمى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
ثم استدل بإمامه الآخر فإنه قال:
وجدير لمواطن استملت تربتها على جسد سيد البشر صلى الله عليه وسلم مدارس ومساجد ومشاهد ومواقف أن تعظم عرصاتها وتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها.
وعليّ عهد أن ملأت محاجري ... من تلكم الجدران والعرصات
لأغفرن مصون شيبي بينها ... من كثرة التقبيل والرشفات
وحتى عتبات قبور الأولياء وأبوابها كما صرح البريلوي في رسالته هذه" (4).
وأنها سبب الفوز والنجاة:
فبادر والثم الآثار منها ... بقصد الفوز في يوم الحساب (5)
وماذا كان يعمله مشركو مكة وكفار الجزيرة أو غير هذا أو أكثر من ذلك؟
ولكن القوم تجاوزوا الحدود وسبقوهم حيث قالوا: لا يجوز تقبيل جدران المدينة والقبور وآثار الأنبياء والصلحاء والعلماء فحسب بل يجوز أيضا تقبيل صور هذه الأشياء وأمثالها وتماثيلها بل ويجب، فيقول البريلوي: إن الأرفع والأعلى والأجلى بأن علماء الشريعة والأئمة المعتمدين طبقة عن طبقة عن الشرق والغرب، من العرب والعجم كانوا يصورون النعال المطهرة والروضة المعطرة لسيد البشر ويمثلونها ويسطرونها في الكتب ويقبلونها ويضعونها على العيون والرؤوس وكانوا يأمرون به" (6)."وكانوا يتوسلون بها "أي هذه التمائيل والصور" في دفع الأمراض وحصول الأغراض ويتحصلون بها عظيم البركات وجليل المنافع" (7).
والمنافع التي تحصل منها يبينها البريلوي نفسه بقوله: من يوجد عنده صورة النعل يحفظ من ظلم الظالمين وشر الشياطين وحسد الحاسدين وإن أمسكتها المرأة بيدها اليمنى في مخاضها سهلت عليها الولادة، ومن حفظها عنده والتزمها عظم في أعين الخلق وحصلت له زيارة الروضة المقدسة أو زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وإن احتفظها العساكر لا يهزمون والقوافل لا ينهبون، وإن وضعت في السفن لا تغرق وفي الأموال لا تسرق، وأية حاجة يتوسل بها تقضى، ولأية نية تعلق توفي، ومواضع المرض والوجع لو وضعت عليها تشفى، ومن المصائب والآلام المهلكة تنجي" (8).
_________
(1) ((بدر الأنوار)) (21).
(2) ((بدر الأنوار)) الفصل الثاني (23).
(3) ((بدر الأنوار)) الفصل الرابع (43).
(4) رسالة البريلوي ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرج في ((مجموعة رسائل)) (159) وما بعد.
(5) رسالة البريلوي ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرج في ((مجموعة رسائل)) (143).
(6) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) (143).
(7) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (38).
(8) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (38).
ونقل من أئمته في هذه الخرافات التي لا تقل عن خرافات الجاهلية الأولى أنهم قالوا: ألثم التراب الذي حصل له النداوة من أثر النعل الكريمة إن أمكن ذلك وإلا فقل أمثالها" (1)."ومن فوائد ذلك أن من لم يمكنه زيارة الروضة فليزر أمثالها وليلثّمه مشتاقا لأنه ناب مناب الأصل كما قد ناب مثال نعله الشريفة منابة عينها في المنافع والخواص بشهادة التجربة الصحيحة، ولذا جعلوا له من الإكرام والاحترام ما يجعلون للمنوب عنه" (2).
وأيضا:"من فوائد ذلك أن يزور الأمثال من لم يتمكن من زيارة الروضة ويشاهدها مشتاقا ويلثمها ويزداد فيها حبا وشوقا وقد استنابوا مثال النعل عن النعل وجعلوا من الإكرام والاحترام ما للمنوب عنه وذكروا له خواصاً وبركات" (3).
وبعد ذلك كتب آداب زيارة هذه التماثيل والصور بعد بيان حقيقة هذه الأشياء."وإنها من المعظمات الدينية، وتعظيمها وتكريمها على وجه الشريعة من مقتضيات إيمان صحيح الإيمان" (4).ويجب على من يزور هذه الآثار أو أشياء تدل على تلك الآثار أن يتصور الرسول ذا النور صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه بكثرة وكثرة .... وكذلك من يزور شبيه الروضة المباركة فليعظمه ويكرمه ويكثر الصلاة والسلام مثلما كان يفعل عند زيارة الأصل" (5).
ثم بيّن فضائل ومناقب تقبيل هذه التماثيل والصور ونقل فيها أبياتا منها:
لمن قد مس شكل نعال طه ... جزيل الخير في يوم المآب
وفي الدنيا يكون بخير عيش ... وعزفي الهناء بلا ارتياب
وفي مثلك يا نعال أعلى النجبا ... أسرار بها شهدنا العجبا
من صاخ خده به مبتهلا ... قد قام له ببعض ما قد وجبا (6)
وفمن قبلتها مثل نعل كريمة ... بتقبيلها يشفى من اسمه استشفى
فقبله لثما وامسح الوجه موقفا ... بنية صدق تبلغن ما كنت مضمرا" (7)
ومن سوء أدب القوم في جناب الله عز وجل أنهم يوقرون مثال النعل ويعظمون المقابر والمشاهد ولكنهم ليسيئوا إلى حضرة الرب جل وعلا حيث يقولون: يجوز كتابة اسم الجلالة في تمثال النعل – ثم استدل برواية – أن الأئمة كانوا يكتبون في ظهور النعال" (8).
وبعد هذا كله أظهر ما لأجله روج هذه الأشياء وأمر بتعظيمها وبتكريمها والتبرك بها وهو الأكل والشرب والكسب فقال:
"ويستحب للزائر أن يقدم النذور إلى من يأتي بهذه الآثار الشريفة للنبي صلى الله عليه وسلم أو للولي المكرم المعظم فيثاب المهدي والآخذ لإعانة المسلمين حيث أعان المزور الزائرين بزيارة هذه الآثار وأعان الزوار المزور بتقديم النذور إليه مصداق قول الرسول عليه السلام: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".قال: وقال صلى الله عليه وسلم: الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وخاصة حينما يكون أصحاب الآثار والتبركات من الأشراف الكرام، لأن خدمتهم سبب لحصول الأجر والبركات" (9).
فهذا هو دين القوم وهذه هي تعليماتهم ضد تعليمات ذلك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام الذي منع أصحابه وأمته من المبالغة حتى في ذاته صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم)) " (10).
_________
(1) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (148).
(2) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (148).
(3) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (150،151).
(4) ((بدر الأنوار)) (53).
(5) ((بدر الأنوار)) (56).
(6) ((بدر الأنوار)) (144).
(7) ((بدر الأنوار)) (56).
(8) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (41،42).
(9) ((بدر الأنوار)) (50،51).
(10) رواه البخاري (3445).
وعلى ذلك كتب الملا على القارئ الحنفي: أنه ألجأ هؤلاء على هذا الغلو اعتقادهم أنه يكفّر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة وكلما غلوا كانوا أقرب إليه فهم أعصى الناس لأمره وأشدهم مخالفة لسنته، فيهم شبه ظاهر من النصارى غلوا على المسيح أعظم الغلو وخالفوا شرعه ودينه أعظم المخالفة" (1).
وقال عليه السلام: ((لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا)) (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (3).
فهل يرضى ويتصور في دينه الذي جاء به عن خالق الكون رب السموات والأرض أن تعظم تلك الصور والأمثال والتماثيل وتلك الشبيهات التي لم تأت شريعة السماء إلا لإبطالها وهدمها والرد عليها.
معاذ الله أن يكون كذلك ولكن أنى لهؤلاء الناس أن يتوجهوا إلى تعاليم القرآن ومن نزل عليه القرآن.
وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]
صدق الله العظيم.
واخترعوا للأكل والشرب مسألة غريبة وبدعة قبيحة وهي إن مات شخص ولم يصل ولم يصم فيمكن إدخاله الجنة بتقديم الطعام إلى الأحبار والرهبان غير كثير، عن كل صوم نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير، وكذلك عن كل صلاة، ومن جاء ليتاجر بالجملة فيرخّص له خصوصا حيث جعلوا له الحيلة، وإليكم بيان ذلك من كتب القوم الذين نسوا ما قال الله عز وجل في محكم كتابه:
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10]
وقال الله عز وجل:
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى النجم: 39 - 40 [.]
وقال وهو أصدق القائلين:
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164].
وقال:
يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]
ولكن القوم يقولون ضاربين صفحا عن كلام الله الحق وعن تعاليم الرسول الصادق الأمين عليه السلام ويقولون:
_________
(1) ((الموضوعات)) للملا علي القاري الحنفي (119،120).
(2) رواه الطبراني في ((الكبير)) (3/ 128) (2889). قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/ 76): مرسل حسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 24): إسناده حسن.
(3) رواه أحمد (3/ 153) (12573) من حديث أنس رضي الله عنه, قال محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459): إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611): إسناده صحيح. وقال الحكمي في ((معارج القبول)) (2/ 532): إسناده جيد. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1097): إسناده صحيح على شرط مسلم.
إن وارث يقول عن الميت الذي لم يكن يصلى ولا يصوم هكذا: كل حق من حقوق الله لزم على ذمة هذا الميت من الفرائض والواجبات والمنذورات وغير ذلك، بعضها أدى وبعضها لم يؤد فالتي أدى قبل الله بفضله وبجاه سيد الأنبياء والمرسلين واستدعاء هذه الجماعة الحاضرة من المسلمين والتي لم يؤد وبقيت على ذمته فبعضها قابلة للفدية وبعضها ليست بقابلة لها، فالذي بقابلة لها غفرها الله تعالى له وتجاوز عنه والتي قابلة للفدية وبقيت في ذمته أعطيت في فديتها هذا المصحف الشريف مع هذا النقد والجنس" (1).أو "وهبت هذا المصحف الشريف مع هذا النقد والجنس لإسقاط ما على ذمة هذا الميت من الصلاة والصيام وغير ذلك" (2).
وإن كان شخص لم يصل ولم يصم في حياته كلها؟ فيقولون يحسب على الميت بحسب مدة عمره بعد إسقاط اثنتي عشرة سنة للذكر وتسع سنوات للأنثى لأنها أقل مدة بلوغها فيجب عن كل شهر نصف عزارة بالمد الدمشقي ولكل سنة شمسية ست عزائر" (3).
ولكن يصير بهذا الحساب وزنا غير قليل وصاعات كثيرة، فما الحيلة؟ فقالوا: يأخذ مقدار الحدود ويدفع ذلك المقدار للفقير فيسقط عن الميت بقدره، ثم يهبه الفقير للولي ثم يدفعه للفقير فيسقط بقدره، ثم يهبه الفقير للولي ويقبضه ثم يدفع الولي للفقير حتى يسقط ما كان على الميت من صلاة وصيام" (4).ولو لم يترك المال "يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتم" (5).
ويصرحون بتسمية هذا الخداع بالحيلة حيث يقولون: فالحيلة لإبراء ذمة الميت عن جميع ما عليه أن يدفع ذلك المقدار اليسير بعد تقديره بشيء من صيام أو صلاة أو نحوه ويعطيه للفقير بقصد إسقاط ما يرد عن الميت ثم بعد قبضه يهبه الفقير للولي أو للأجنبي ويقبضه ثم يدفعه الموهوب له للفقير كجهة الإسقاط متبرءاً به عن الميت ثم يهبه الفقير للولي" (6).
فهكذا باع القوم آخرتهم بدنياهم وحرضوا الناس على عدم العمل وترك الصلوات والصوم والأعمال التي عليها مدار النجاة حسب تعاليم الله جل وعلا وإرشادات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دام دخل القوم في الحيل فوصلوا إلى أقصاها فقالوا: أسهل طريقة أن يبيع الوارث على الفقير مصحفا صحيحا قابلا للقراءة بغبن فاحش ثم يهب الفقير له ثم فثم حتى يستتم لعل الله يجعله فدية في مقابلة الصوم والزكاة والمنذورات" (7).
ولا يسعنا إلا أن نقول نعم إنها حيلة ولكنها حيلتكم لأكل أموال الناس بالباطل.
وهناك الحيل الأخرى نستعيذ بالله منها ومن موجديها.
ومن تعليمات القوم التي ابتدعوها واخترعوها باسم الشريعة وروّجوها في المسلمين باسم الإسلام وفسّقوا وكفروا كل من يعارضهم ويخالفها، تقبيل الإبهاميين في الأذان عند استماع اسم الرسول عليه الصلاة والسلام،
_________
(1) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) المندرجة في مجموعة ((بذل الجوائز)) (35) ط لاهور، باكستان.
(2) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) المندرجة في مجموعة ((بذل الجوائز)) (26) ط لاهور، باكستان.
(3) ((جاء الحق)) (387).
(4) ((غاية الاحتياط في جواز حيلة الإسقاط)) للقادري البريلوي (41).
(5) ((جاء الحق)) (387).
(6) ((غاية الاحتياط في جواز حيلة الإسقاط)) للقادري البريلوي (41).
(7) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) (44).
فكتب البريلوي في إثباتها رسالة مستقلة التي أدرجت في فتاواه "منير العين في حكم تقبيل الإبهامين" قال فيه: عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ويقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يرمد أبدا" (1).
وكتب أحد غيره: من قبل إبهاميه عند سماع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان ووضعها على عينيه فحصل على الفوائد الدينية والدنيوية وأثيب على ذلك وقد عمل به الصحابة وعليه عمل عامة المسلمين، ولقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سمع اسمي في الأذان ووضع إبهاميه على عينيه فأنا طالبه في صفوف القيامة وقائده إلى الجنة)) (2).
فانظر إلى القوم وجرأتهم على التقول والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (3).
لأن الرواية الأولى نقولها عن المقاصد الحسنة للسخاوي والسخاوي نفسه كتب قبل إيرادها في كتابه:
وكذا ما أورده أبو العباس أحمد بن أبي بكر الرداد المتصوف في كتابه (موجبات الرحمة وعزائم المغفرة) بسند فيها مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر".
فهل بعد هذا كله يجوز الاستدلال بها مع وجود اسم الخضر ومع ما في وجوده من الكلام، والرواية الثانية ليس لها أثر ولا رسم وما أدري من أين جاء بها وهذا مع قول العلماء في مثل هذه الروايات كلها:
الأحاديث التي رويت في تقبيل الأنامل وجعلها على العينين عند سماع اسمه عن المؤذن في كلمة الشهادة كلها موضوعات".
والسخاوي نفسه قال بعد بيان جواز العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف: وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال" (4).وذكر كل من السخاوي والسيوطي والعلي والقاري ومحمد طاهر الفتني والشوكاني وغيرهم أن مثل هذه الروايات كلها غير ثابتة" (5).
ولكن البريلوي مع ذلك يقول: إن الذي ينكر تقبيل الإبهامين فإنه يرد إجماع الأمة ويتبع غير سبيل المؤمنين الذي وعد الله عليه بالوعيد المؤكد وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] (6).
وقال: لا يمنع عن هذا إلا من يفتري على الشريعة ويحترق من اسم النبي ويحسده وتعظيم النبي بجميع أنواع التعظيم الذي ليس فيه مشاركة الله تعالى في الألوهية أمر مستحسن عند من نوّر الله أبصارهم" (7).
ومن أكاذيب القوم ومحدثاتهم الكثيرة الكبيرة التي لا نهاية لها – لأنهم بنوا بناءهم على المحدثات والمخترعات التي لم ينزل الله بها من سلطان ولم يرد فيها ثبوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم –
إنهم يقولون: أن يكتب هذا الدعاء "لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله إلا الله له الملك والحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أو بسم الله الرحمن الرحيم" ويوضع على صدر الميت – ثم؟ "من كتب هذا الدعاء وجعل بين صدر الميت وكفنه في رقعة لم ينله القبر ولا يرى منكرا ونكيرا" (8).
_________
(1) ((منير العين في حكم تقبيل الإبهامين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (383).
(2) ((جاء الحق)) (394).
(3) رواه البخاري (1291) , من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه, ومسلم (3) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) ((القول البديع)) (196).
(5) انظر ((تذكرة الموضوعات)) للفتني (36) والموضوعات للقاري (75) والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (19،20).
(6) رسالة ((منير العين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 488).
(7) رسالة ((منير العين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 496).
(8) رسالة ((الحرف الحسن في الكتابة على الكفن)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 127).
وأيضا: من كتب على جبهة الميت أو عمامته أو كفنه "عهد نامه" يرجى أن يغفر الله للميت، وأوصى بعضهم أن يكتب في جبهته وصدره بسم الله الرحمن الرحيم ففعل ثم رؤي في المنام فسئل فقال: لما أودعت في القبر جاءتني ملائكة العذاب فلما رأوا مكتوبا على جبهتي قالوا: أمنت من عذاب الله" (1).
وكتب بريلوي آخر: إن "عهد نامه" هذا يكتب كي يتذكر الميت عند سؤال المنكر والنكير الجواب لأنهما عندما يسألانه يقرأ المكتوب ويجيب عليهما" (2).
ومن ميزاتهم التي يمتازون بها عن الآخرين وحتى الأحناف أنهم يلتزمون محدثات الأمور ويصرون عليها ويشتمون تاركها ويسبونه ويطعنون فيه ويتهمونه بالوهابية.
ولا غرو أن متبعي الكتاب والسنة يطعنون ويبغضون من قبل الخرافيين وأهل البدع والأهواء وأصحاب الزيغ والضلال.
ومن هذه الميزات والتعاليم التي ألزموها على مقلديهم ومتبعيهم الدعاء بعد صلاة الجنازة مخالفين الكتاب والسنة، والفقه الحنفي أيضا، فيقول البريلوي: الذي يمنع عن الدعاء بعد الجنازة هو يتمسك بالمخالفة الصريحة للفقه الحنفي ولكن النجدية قوم يجهلون" (3).
وأما ما ورد من منع القيام بعد صلاة الجنازة في الفقه الحنفي فقال عنه: إن المراد منه المداومة" ثم استدل على ذلك ببيت شعر خبيث للطعن على المخالفين وبعبارة خبيثة فيقول:
إن المراد من القيام المداومة كما بيناه في الفتوى الأولى ومنه قول القائل:
ولا يقوم على ذلك يراد به ... إلا الأذلان غير النجد والوتد
ليس المراد بأن حمار النجد عند إرادة ذل به يقوم ولا يقعد بخلاف غيره فإنه يقعد، وإنما أراد أن الحمار النجدي يدوم ويصبر على الذل ويرضى به" (4) ....
فهذه هي تعاليم البريلوية مخالفة صريح الاختلاف لتعاليم الكتاب والسنة وتعاليم الحنفية أيضا أوردناها وأثبتناها من كتب القوم أنفسهم بذكر الصفحات والمجلدات.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص113
_________
(1) رسالة ((الحرف الحسن في الكتابة على الكفن)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 129).
(2) ((جاء الحق)) (340).
(3) ((بذل الجوائز على الدعاء بعد صلاة الجنائز)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 25،26).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 26).
المبحث السادس: البريلوية وتكفير المسلمين
فإن القوم قد حصروا الإسلام في الجماعة التي تعتنق بدعتها ومخترعاتها. وتعترف بإمامة قادتها ومشيختها، ويدينون في الله بأنه متعطل متقاعد لا يملك شيئاً وقد سلم قدرته واختياره لأولياء الأمر وأصحاب الطرق وعباده. الذين يعدونهم هؤلاء صالحين، وهم أصحاب القدرة المطلقة والخيارات الإلهية والطاقات الصمدية، فالله ينزل من عرشه لزيارتهم، والكعبة تطوف حولهم. والملائكة خدم لأبوابهم والسماء مطوية بأيمانهم والأرض مقبوضة بشمائلهم، والسحب تنزل بأوامرهم، والأرزاق تقسم بإشارتهم، فهم يملكون الموت والحياة والبعث والنشور، وإحياء الموتى والسماع لمن في القبور وإغاثة الملهوفين وكشف كرب المكروبين ونصر المستغيثين ومدد المضطرين – عياذا بالله – وغير ذلك من الخرافات والترهات كما مر بيانها.
فعلى الجميع أن يسفّه رأيه ويحجر عقله ويغلف قلبه ويقول بهذا القول ويعتقد بهذا المعتقد وإلا فقد خرج عن الإسلام والإسلام البريلوي بتعبير صحيح. فأهل الحديث كفرة فجرة مرقوا عن الدين لأنهم قالوا باتباع الكتاب الذي أنزله الله على سيد البشر هدى للناس ورحمة للمؤمنين، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فإنهم بتمسكهم بهذين الأمرين ضلوا وأضلوا لأنهم لم يدخلوا فيهما إطاعة أحمد رضا البريلوي ولا أذنا به وعملائه متمسكين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله" (1).
وقالوا إن الله لم يأمر في كتابه إلا إطاعته وإطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الآيات الكثيرة الكثيرة ونورد منها ثلاثة فقط.
وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132]
وأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال: 20]
ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد: 33]
فلم يذكر فيها لا أحمد رضا ولا غيره ولم يلزمهم الإيمان به.
وكيف لا يكفرون وهم يدعون إلى كتاب الله وسنة رسول الله، والكتاب لا يشملهم والسنة لا توافقهم.
وأتباع محمد بن عبدالوهاب كفرة وفسقة لأنهم كفروا ببدعاتهم وخرافاتهم واعتقادهم بإلوهية رب العرش العظيم وبإمامة سيد المرسلين.
والديوبنديون مرتدون مارقون عن الدين خارجون عن الإسلام لأنهم لم يؤمنوا بالقصص التي اختلقوها والأساطير التي اخترعوها والخرافات التي جعلوها دينا وشريعة.
والندويون أنجاس مشركون لأنهم لم يبايعوا البريلوي ولم يذعنوا بإمامته وقيادته. ولم يتفوهوا بأقاويلهم وخزعبلاتهم، وكيف لا يمرقون عن الدين وهم يجعلون الفقه الحنفي حكماً بينهم وبين القوم. ومع ادعاء القوم أنهم أحناف فالفقه الحنفي يناوئهم ويخالفهم.
وشعراء الإصلاح في شبه القارة الهندية وكتابه وأدباؤه والدعاة إليه ضالون مضلون لأنهم بدعوتهم المسلمين إلى الإصلاح يبعدونهم عن التقاليد العتيقة والعادات القديمة والرسوم الجاهلية والأفكار الوثنية الهندوكية من عبادة الأوثان والقبور والركوع والخشوع أمام العتبات والدهاليز وأبواب المزارات، والخوف من الشجر والحجر والظل والقط والسنور وغير ذلك من الخرافات.
_________
(1) أخرجه مالك بلاغا (1594) وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/ 331) وقال: محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد.
وزعماء التعليم فجرة ملاحدة لأنهم بتعليمهم الأمة الإسلامية يبددون ظلام الجهل. ويعممون نور العلم في أناس توارثوا العبودية للمشيخة المتزعمين الولاية والتقرب إلى الله والشفاعة للخلق.
والساسة ومحرروا الأمة من أغلال الاستعمار كفرة وملاعين لأنهم لا يريدون فقط تحرير الأراضي الهندية الباكستانية من براثين الإنجليزي الغاشم وكسر قيود المستعبدين المستضعفين، بل ومع ذلك يريدون أن يحرروهم من سجن وقيد المستغلين المترفين والمستبدين باسم الدين.
وحملة لواء الجهاد وعلم القتال في سبيل الله بغاة طغاة ومباحوا الدم لأنهم ينفثون روح الجهاد في الضعفاء والمساكين يخرجونهم عن خانقاهاتهم وتكاياهم ويصرفونهم عنهم وعن الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر. ويحرضونهم على الإنفاق في سبيل الله لشراء الأسلحة ورباط الخيل بدل الإنفاق في المواليد والأعراس والأعياد على القبور.
ودعاة الحكومة الإسلامية والخلافة النبوية والإمارة الشرعية أصحاب زيغ وضلال لأنهم يرشدون الناس إلى دولة إسلامية غير دولتهم التي أقاموها في حجراتهم والخلافة التي يوزعونها في تكاياهم والإمارة التي يقيمونها في زواياهم.
فهؤلاء جميعا فسقة فجرة، كفرة مرتدون، خارجون عن الدين، مارقون عن المذهب لأنهم يكفرون بالبريلوي ومن وافقه ولا يؤمنون بعقائده ومعتقداته. فلم يسلم من هؤلاء البريلويين شخص قام بكل هذه الأمور المذكورة أو اعتقد ما ذكرناه سابقا سواء كان من شبه القارة أو خارجها وسواء كان من المتأخرين أو من المتقدمين ولا أظن أن طائفة من الطوائف وفرقة من الفرق المنتمية إلى الإسلام وسعت التكفير إلى حد وسعه البريليون. فإنهم كفروا كل من اختلف معهم في صغيرة أو كبيرة، في عقيدة أو في رأي وحتى كفروا كل من لم يوافق على تكفيرهم الأشخاص بعيانهم وذواتهم ولو لم يختلفوا معهم لأن عدم الموافقة غير مسموح به في مناهجهم فضلا عن الاختلاف، والمعروف أن عدم الموافقة أخف بكثير من المخالفة والاختلاف، فإنهم كفروا كثيرا من الناس الذين كانوا معهم في معتقداتهم العامة وعقائدهم الخاصة اللهم إلا أنهم لم يوقعوا على الوثائق والمستندات التي أعطوها لمخالفيهم كشهادة الكفر والارتداد ولم يوافقوهم على التصريح بتكفيرهم وبتعبير صحيح لم يتقولوا بمقولتهم في أولئك الأشخاص المعينين ولو أنهم كانوا متفقين معهم لمخالفتهم أفكارهم ومعتقداتهم، فقالوا، إن من تردد وتأخر في تكفير من كفرناه أو شك في كفره فقد كفر. فإن العالم الحنفي الكبير الشيخ عبدالباري اللكنهوي الذي كان متفقاً معهم في كثير من المعتقدات ومؤيدا لهم ومناصرا لآرائهم كفروه وصرح بتكفيره السيد البريلوي نفسه بسبب أنه تذبذب في التصريح بتكفير بعض العلماء الأحناف المخالفين له وللبريلويين في الرأي (1).
فقال البريلوي: إن كفره صريح وبواح، ثم أردف فتواه بفتاوى أخرى تحوم حول تكفير الشيخ عبدالباري وقد جمع ابنه جميع فتاواه في كتاب مستقل (الطاري الداري لهفوات عبدالباري).
وما أكثر ما يقوله هو وذووه بعد تكفير من يكفرونه من المسلمين، من شك في كفره فقد كفر.
وهذا ما شهد به السيد عبدالحي اللكهنوي والد السيد أبي الحسن علي الندوي الكاتب الإسلامي المشهور، فإنه قال في كتابه في ترجمة أحمد رضا البريلوي:
_________
(1) ((مصحح دماغ مجنون)) (14) ط بريلي الهند.
كان متشددا في المسائل الفقهية والكلامية، متوسعاً ومسارعاً في التكفير قد حمل لواء التكفير والتفريق في ديار الهند في العصر الأخير، وتولى كبره وأصبح زعيم هذه الطائفة تنتصر له وتنتسب إليه وتحتج بأقواله وكان لا يتسامح ولا يسمح بتأويل كفر من لا يوافقه على عقيدته وتحقيقه أو من يرى فيه انحرافا عن مسلكه ومسلك آبائه، شديد المعارضة، دائم التعقب لكل حركة إصلاحية.
انعقدت حفلة "مدرسة فيض عام" سنة 1311 في كانبور حضرها أكثر العلماء النابهين، وهي الحفلة التي تأسست فيها ندوة العلماء، ومن أكبر أغراضها توحيد كلمة المسلمين وإصلاح ذات البين بين علماء الطوائف وإصلاح التعليم الديني، وحضرها المفتي أحمد رضا المترجم وخرج منها وقد قرر محاربة هذه الجمعية فأصدر صحيفة سماها "التحفة الحنفية لمعارضة ندوة العلماء".
وألف نحو مائة رسالة وكتاب في الرد عليها، وأخذ فتاوى العلماء في أنحاء الهند وتوقيعاتهم في تكفير علماء الندوة في كتاب سماه (إلجام السنة لأهل الفتنة) وأخذ على ذلك توثيق علماء الحرمين ونشره في مجموعة (فتاوى الحرمين برجف ندوة المين) سنة 1317هـ.
ثم انصرف إلى تكفير علماء ديوبند كالإمام محمد قاسم نانوتوي والعلامة رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ خليل أحمد السهارنفوري ومولانا أشرف علي التهانوي ومن والاهم، ونسب إليهم عقائد هم منها براء، ونص على كفرهم وأخذ على ذلك توثيقات علماء الحرمين الذين لا يعرفون الحقيقة ونشرها في مجموعة سماها "حسام الحرمين على منحر أهل الكفر والمين" قال فيها: من شك في كفرهم وعذابهم فقد كفر واشتغل بهذا الرد والنقص والمحاربة والمعارضة لا تأخذه في ذلك هوادة ولا يعتريه وهن حتى أصبح التكفير شغل الناس الشاغل وكانت مضاربات ومحاكمات وفتن ومشاغبات" (1).
ولم يكن هو وحيداً في أسلوبه وشأنه هذا. بل كل واحد من طائفته انتهج منهجه وسلك مسلكه وذهب مذهبه، فكفروا كل العالم وأخرجوا المسلمين من الإسلام متربعين على مساندهم وجالسين على عروشهم بعد ما أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه الكفرة في الإسلام مع تحمل الشدائد والآلام والأذى وقطع العوائق التي تحول بينه وبين ذلك.
فكان هو ومتبعوه مدخلوا ملة الكفر في الإسلام وهؤلاء مخرجوا الملة الإسلامية من الإسلام، فكفروا أهل الحديث بدون جريمة ارتكبوها وبدون إثم اقترفوه اللهم إلا أنهم اختاروا موقفاً رأوه مطابقا للكتاب والسنة ودعوا المسلمين إلى نبذ الخلافات ورفع النزاعات بردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حسب توجيه الله وإرشاده، َإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء: 59].
وقالوا إن الله لم يوجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا طاعته وطاعة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأما ما سواهما فلم يرد نص فيه لا في القرآن ولا في السنة اللهم إلا أن يوجد قول موافق لهذين الأصلين الأساسيين، وبهذا أمر الناطق بالوحي صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: ((تركت فيكم أمرين كتاب الله وسنتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما)) (2)، وأما ما ورد من الآخرين، من العلماء والمشايخ فينظر إن كان له أصل فيلتفت إليه وإلا يضرب به على الحائط.
_________
(1) ((نزهة الخواطر وبهجة السامع والنواظر)) (8/ 39).
(2) رواه الدارقطني (4/ 245)، والبيهقي (10/ 114)، قال ابن عدي في ((الكامل)) (5/ 106): غير محفوظ. وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/ 302): [فيه] صالح بن موسى بن عبد الله ضعيف، وحسن الألباني إسناده في ((منزلة السنة)) (13).
كما أنهم قاوموا البدعات والخرافات التي دخلت على المسلمين من الوثنيين والهندوس باسم الإسلام، وقالوا إن الدين قد كمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة الله عز وجل.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3].
فكل شيء أحدث في الإسلام ولا يؤيده آية من كتاب الله أو أمر من رسول الله فهو مردود. ((من أحدث في أمرنا هذا فهو رد)) (1).وقال: ((فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) (2).
ولو كان ذلك من الدين أو من المستحسن لما ترك الله بيانه ورسوله صلى الله عليه وسلم تفصيله، فعدم وروده ووجوده في الكتاب والسنة يدل على أنه ليس من الدين، ولو كان من الدين ولم يرد ذكره فيهما لما كان الدين كاملا.
فرأى القوم أن أعيادهم على القبور وأعراسهم على الأموات وملاهيهم وملاعبهم ورقصاتهم على الطبول والدفوف وسماعهم الأناشيد والقصائد على الناي والمزامير التي أصبغوها بصبغة دينية بطلت، وأن دكاكينهم التي فتحوها باسم التكايا والزوايا وإغاثة الملهوفين وإمداد المكروبين وشفاء المرضى ووهب الأولاد وتقسيم التمائم والعلائق عطلت، وإن الطرق ومشيختها دمرت، وحلوان الكاهن راحت وذهبت فانكبوا على منكريهم ومخالفيهم على أهل الحديث الذين يريدون أن يحرروا الناس من أغلالهم التي وضعوها عليهم وأن يفكوهم ويخلصوهم من مكائدهم وحبائلهم التي فرشوها منذ أجيال لاصطيادهم، فكفروهم وكفروا أعلامهم وعلمائهم، ودعاتهم ووعاظهم دعاة الكتاب والسنة، دعاة الحق والهدى، دعاة الصدق والصفا، وعلى رأسهم رائد حركة أهل الحديث وقائدها المجاهد الباسل الفارس البطل العالم الكامل والشهيد الشاه إسماعيل حفيد الشاه ولي الله الدهلوي، الذي حمل لواء الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي والسيخ الذين استولوا على البلاد المسلمة ونفذوا فيها الكفر وأباحوا دماء المسلمين.
_________
(1) رواه البخاري (2667) , ومسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنهما.
(2) رواه مسلم (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه, بدون لفظ: (وكل ضلالة في النار).
وحمل لواء الإسلام لإقامة دولة إسلامية في جزء من الأراضي الهندية لتنفيذ الشريعة الإسلامية الغراء بحذافيرها وكان مجدداً للدعوة الإسلامية الصحيحة ومحييا الطريقة السلفية المستقيمة التي اختفى صوتها منذ قرون واضمحلت وتلاشت تحت البدعات المتراكمة والخرافات المكدسة وتغيرت بالطريقة الخلفية الخبيثة حتى صارت القبور تعبد وتسجد إليها وعليها والمساجد خربت من الهدى والهداة وخلت من العباد والرواد، والتكايا عمرت وازدهرت، وعبادة الله وحده تركت، وحدود الله عطلت، وشريعة الله نبذت، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غلبت بأقاويل الرجال وأفعال المتصوفة الجهلة، واشتريت الضلالة بالهدى واختيرت الظلمة بالنور، فقام وقاوم وجاهد بقلمه ولسانه وبيده وسيفه، فأخرج الكتاب وبدأ يعلمه ويفسره ويوضحه ويبينه، ودعا الناس إلى الهدى بنوره والتمسك بتعاليمه بعد أن كان مغلفا في الغلف الحريرية وموضوعا للتبرك والتقبيل أو الحلف واليمين، فكتب في ضوء الكتاب كتابه المشهور (تقوية الإيمان) داعيا الناس إلى عبادة الله وحده والتوحيد الخالص والاجتناب عن الشرك والاستغاثة بغير الله من المشايخ وأصحاب القبور، ومنع الناس عن النداء لغير الله والحلف به ودعاهم إلى الكتاب وإلى مبين الكتاب محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ونبذ التقليد الآبائي والجمود المذهبي كما دعاهم إلى ساحة القتال لإعلاء كلمة الله ورفع رايته وإقامة الدولة الإسلامية يحكم فيها بكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وارتحل هو وذووه وتلامذته وملبوا دعوته إلى ساحة الجهاد، فكان وكانوا يقاتلون في سبيل الله ويعرضون أنفسهم على الأسنة والسيوف آناء النهار، ويقومون بالدرس والتدريس لكتاب الله القرآن المجيد وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم آناء الليل فلما جنح الليل تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ولما أسفر الصبح يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، فكانوا قوامين بالليل صوامين بالنهار، وهم كانوا مصداق قول الله عز وجل، إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111].
وكفروا بعده وريث دعوته وجهاده المحدث الجليل والعالم النبيل شيخ الطائفة المنصورة في عصره الرباني من سلالة الرسول الشريف نذير حسين الدهلوي الذي حمل لواء السنة في شبه القارة الهندية الباكستانية، وبدد غيوم الجهل والضلالة ونوره بنور الكتاب والسنة، وجلس مسند الشاه ولي الله الدهلوي ونقح تعليماته وهذب وجدد شوق الهنديين إلى الكتاب والسنة بعد ما أعرض عنهما الجامدون وطووا عنهما كشحا، وأحيا العمل بالحديث بعد ما طال الأمد على تركه، ونشط وأنشط تلامذته في نشر الحديث الشريف في ربوع هذه القارة، وبلغ صيته وشهرته الآفاق، وتفوه العالم بروح وريحان السنة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام حتى قال أحد علماء مصر السيد رشيد رضا. ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق (1).بعدما كتب: حتى أن من المقلدين الجامدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها والصلاة على النبي عند ذكره وذكرها (2).
_________
(1) ((مفتاح كنوز السنة)) مقدمة السيد رشيد رضا صفحة ق.
(2) ((مفتاح كنوز السنة)) مقدمة السيد رشيد رضا صفحة ق.
فكفر البريلوي وأذنا به هذين الإمامين الهمامين، كما كفر أتباعهم متبعي السلف أهل الحديث وخاصة الأول منهما فلم يجد في لغته شتيمة إلا وقذفه بها ولا طعنا إلا جرحه به، وكتب رسالة مستقلة في إثبات كفره حسب زعمه وسماها "الكوكبة الشهابية على كفريات أبي الوهابية" فيقول في عربيته المكسرة:"يا أيها المنافقون المردة الفاسقون الزاعم كبيركم أن مدح الرسول كمدح بعضكم بعضا بل أقل منه في حسباتكم قد بدت البغضاء من أفواهكم وما تخفي صدوركم أكبر والله مخرج أضغانكم استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله وتعظيم الرسول وقد نطق القرآن بخذلانكم زاد فاءكم الشيطان نقطا من شينه وقاعدكم التدوير من دائرة نونه فأراكم تقوية الإيمان في تفويت إيمانكم، ما كان ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما الله بغافل عن كفرانكم" (1).
ثم قال رداً على سؤال السائل: إن الوهابيين غير المقلدين وإمامهم الذي ذكر كفره قطعاً ويقينا من وجوه كثيرة وحسب تصريحات الفقهاء وأصحاب الفتاوى الأكابر والأعلام رحمهم الله الملك المنعام أن حكم الكفر ثابت عليهم وقائم ولا ينفعهم كلمة التوحيد ولا ينفى عنهم الكفر .... وقد أقر هؤلاء وأمامهم في كتابه (تقوية الإيمان) الذي يعدونه مثل القرآن بكفرهم الصريح والظاهر" (2).
وينقل كلام الشهيد الدهلوي من كتابه (تنوير العينين):
ليت شعري كيف يجوز التزام تقليد شخص معين مع تمكن الرجوع إلى الروايات المنقولة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الصريحة الدالة على خلاف قول الإمام فإن لم يترك قول إمامه ففيه شائبة من الشرك وقول أتباع شخص معين بحيث يتمسك بقوله وإن ثبت على خلافه دلائل من السنة والكتاب" ثم يقول:"وهذا من كفرياته فلذلك كفر" (3).أي كفر الشهيد الدهلوي لأنه يرى أن التزام التقليد الشخصي لا يجوز مع تمكن الرجوع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على خلاف قول الإمام، وإن ترك السنة لا يجوز مقابل قول شخص من الأشخاص فهذا هو كفر في نظر البريلوي، وإن كان هذا كفر فلا ندري ما هو الإسلام؟ (4)
فيا عجباه أن تكون الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله كفراً والدعوة إلى غيرهما إسلاماً.
فليبك على الإسلام من كان باكيا
ومثل هذه الوجوه التي بلغ عددها السبعين كفر البريلوي ذلك الإمام المجاهد محيي السنة وماحي البدعة الشهيد وقال في آخر رسالته:
إن تكفيره وتكفير أتباعه الوهابيين يجب فقها لأنهم ينسبون إلى محمد بن عبدالوهاب النجدي فكان معلمهم الأول فكتب كتابه (التوحيد)، و (تقوية الإيمان) ليس إلا ترجمته في اللغة الأردية. فإمامهم كان الشيخ النجدي فقبل مذهبه إسماعيل الدهلوي وترجم كتابه باسم (تقوية الإيمان) الذي ليس حقيقة إلا تفوية الإيمان، فبالنسبة إلى معلمهم الأول هم الوهابيون وبالنظر إلى معلمهم الثاني هو الإسماعيليون، فثبت أن هؤلاء الوهابيين الإسماعيليين وإمامهم يلزمهم الكفر جزما وقطعا ويقينا من وجوه كثيرة وإنهم كلهم مرتدون بل كفرة (5).
وقال: إن إسماعيل الدهلوي كان كافرا محضا (6).
_________
(1) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبى الوهابية)) لأحمد رضا (78) ط نوري بك وبو لاهور.
(2) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبى الوهابية)) لأحمد رضا (10) ط نوري بك وبو لاهور.
(3) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (49) ط نوري بك وبو لاهور.
(4) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط نوري بك وبو لاهور.
(5) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط نوري بك وبو لاهور.
(6) ((دامان باغ ملحق سبحان السبوح)) (134).
وسئل مرة، ماذا ينبغي أن يعتقد في إسماعيل الدهلوي؟ فأجاب: إن اعتقادي أنه مثل يزيد، وإن كفّره أحد فلا يمنع من تكفيره (1).
ولم يجد شتيمة إلا وقد شتمه بها، وفي إحدى كتبه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم علم ما كان وما يكون، وهذا ما يعتقده أئمة ديننا لم يختلف فيه أحد إلا ذلك المتمرد الطاغي وعبدالشيطان اللعين – يعني إسماعيل الدهلوي –" (2).وأيضا قال: إنه كان يهودي الأفكار" (3).هذا، وأما كتابه (تقوية الإيمان) فقالوا في حقه: إنه ليس تقوية الإيمان بل إنه تفوية الإيمان وقال: إن تفوية الإيمان هو القرآن الكاذب لدين الوهابية" (4).وأيضا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم أوصل القرآن الدهلوي الجديد "تقوية الإيمان" الجحيم (5).ويقول إن مصنفات إسماعيل الدهلوي مثل "تقوية الإيمان" و "تنوير العينين" و "إيضاح الحق" و "الصراط المستقيم" كلها تصانيف كفرية، كما أنها أنجس من البول ومن لم يعتقد ذلك – فماذا؟ " فإنه زنديق (6).
ثم ولم يقتنع بهذا كله ولم يشبع ولم يعده كافيا حسب طبيعته ومزاجه فقال: إن قراءة تقوية الإيمان أشد جرمة من الزنا وشرب الخمر" (7).
... ثم تبعه في تكفير هؤلاء الكرام البررة ومن والاهم أتباعه وأذنابه، فقال قائلهم: إن أهل الحديث أتباع نذير حسين الدهلوي وأمير أحمد السهسواني وأمير حسن السهسواني وبشير حسن قنوجي ومحمد بشير قنوجي كلهم كفرة قطعا ويقينا بحكم الشريعة المطهرة ومرتدون مستحقون العذاب الأبدي الشديد ولعنة الرب الوحيد" (8).وقال في مقام آخر: "وأتباع ثناء الله الأمر تسري وغيرهم"، كلهم كفرة مرتدون بحكم الشريعة المطهرة" (9).
وقالوا في شيخ الإسلام والمسلمين في زمانه ووكيل الملة الإسلامية ومدافعهم ومناظرهم الذي سماه الشيخ رشيد رضا المصري:"الرجل الإلهي في الهند" (10).
والذي ألجم السكوت جميع الفرق الباطلة والمناوئة للإسلام والشريعة السماوية الغراء من القاديانية والآرية والهندوس والمجوس والمسيحيين وغيرها من الفرق الكافرة والمنحرفة قالوا فيه: إن ثناء الله ورئيس غير المقلدين "السلفيين أهل الحديث"، مرتد" (11).
وقال البريلوي نفسه في حق شيخ الإسلام: إن ثناء الله الأمرتسري تستر باسم الإسلام ولكنه عبد للهندوس" (12).
ومدام الشهيد الدهلوي كافرا والمحدث الدهلوي كافرا أيضا وتلامذتهم ومنتهجوا منهجهم لزم أن يكون قادتهم الأولون وزعماؤهم المتقدمون، الدعاة إلى الكتاب والسنة كفرة مرتدون أيضا – معاذ الله –
_________
(1) ((ملفوظات أحمد رضا)) (1/ 110) بترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان طبع حامد ايند كمبني لاهور.
(2) ((الأمن والعلى)) لأحمد رضا البريلوي (112) ط داء التبليغ لاهور 1396هـ.
(3) ((الأمن والعلى)) لأحمد رضا البريلوي (112) ط داء التبليغ لاهور 1396هـ.
(4) ((الأمن والعلى)) (72).
(5) ((الأمن والعلى)) (195).
(6) ((دامان باغ)) سبحان السبوح (134) ط لاهور.
(7) ((العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية)) مجموعة فتاوى البريلوي (6/ 183) ط الهند.
(8) ((تجانب أهل السنة عن أهل الفتنة)) لمحمد طيب القادري المصدق من قبل حشمت علي القادري الرضوي تلميذ البريلوي الملقب بمظهر أحمد رضا وغيره من العلماء الكبار للبريلويين (219) ط مطبعة بريلي 1361هـ.
(9) ((تجانب أهل السنة)) (248).
(10) ((مجلة المنار)) المجلد الثالث والثلاثون لسنة 1351 هـ (639).
(11) ((تجانب أهل السنة)) (247).
(12) ((الاستمداد)) للبريلوي (147).
وفعلاً كفر الأولين أيضا مثل شيخ الإسلام والإمام الهمام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، وإمام أهل العصر الحافظ ابن حزم الأندلسي الظاهري، وغيرهما من دعاة الحق وهداة الصدق فقال: إن معلم هؤلاء الناس إبليس الخبيث عليه اللعن، علم مقتداهم ابن حزم فاسد العزم فاقد الجزم ظاهري المذهب رديء المشرب" (1).وقال: إن ابن حزم كان صابيا خبيث اللسان" (2).
وقال في شيخ الإسلام إمام أهل السنة ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن ابن تيمية كان يهذي جزافا" (3).
وقال نعيم الدين المراد آبادي أحد خلفاء البريلوي: إن ابن تيمية أفسد نظم الشريعة – ثم نقل عن أحد من أمثاله – ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمّه وأذله .... وإنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال" (4) ".
وقال آخر من أتباعه،"ابن تيمية ضال مضل" (5).و "ابن تيمية كان فاسد المذهب" (6).
وابن القيم كذلك حيث قال:"إنه لا اعتماد على قول ابن القيم لأن ابن القيم كان ملحدا" (7).
ومادام هؤلاء كانوا صائبين ملحدين لزم أن يكون الإمام الشوكاني السالك مسلكهم كذلك فقال:"وإن الشوكاني عقله ناقص مثل متأخري الوهابية" (8)."وأن الشوكاني كان فاسد المذهب" (9).
وأما مجدد الدعوة السلفية في شبه الجزيرة، وإمام أهل التوحيد محيي السنة، قاطع الشرك والبدعة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه فكانوا الهدف الأكبر للبريلوي والبريلويين كإخوانهم البدعيين والقبوريين في البلاد العربية، لأنه لا يوجد بدعي أو قبوري في العالم إلا ويرى الشيخ أكبر حجر في طريقه، والسد المنيع في سبيله.
ولم يجد البريلوي وأذنابه لفظة سوء إلا أطلقوها على ذلك الإمام المظلوم، ولا فتوى إلا وأفتوا به عليه.
فقال البريلوي: وقد كتب حديثا أن الله عز وجل يقول يوم القيامة لمن اسمه أحمد ومحمد، أدخلا الجنة فإني أكتب على نفسي أن لا أدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد – ثم تذكر أن هذه الرواية تشمل شيخ الإسلام ابن عبدالوهاب الذي اسمه محمد – فقال: إن هذا الحديث ومثله أحاديث أخرى ((من ولد له مولود فسماه محمدا هو ومولوده في الجنة)) (10). وغيره لا يشمل إلا أهل السنة صحيحي العقيدة "أي البريلويين فقط"، لأن فاسدي المذهب كلاب جهنم، ولا يقبل عمل منهم فإنه لو قتل مظلوما بين الحجر والمقام وقد صبر على قتله راجيا المغفرة وطالبا الثواب لا ينظر الله عز وجل إليه ويلقيه في الجحيم، وبهذا صرحت في فتاواي في مواضع عديدة، وعلى ذلك ليس في هذه الأحاديث بشارة لمحمد بن عبدالوهاب النجدي وغيره الضالين" (11).
_________
(1) ((سبحان السبوح)) (37).
(2) ((حاجز البحرين)) لأحمد رضا (2/ 237)) ط باكستان.
(3) ((الفتاوى الرضوية)) (3/ 399).
(4) ((سيف المصطفى)) للبريلوي (92).
(5) ((فتاوى صدر الأفاضل)) (31،32) ط مراد آباد الهند.
(6) ((جاء الحق)) لأحمد رضا البريلوي مفتي القوم ط كجرات، باكستان.
(7) "فتاوى الرضوية" (4/ 199).
(8) "فتاوى الرضوية" (2/ 442).
(9) ((سيف المصطفى)) (95).
(10) ذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1/ 241) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه, وقال في إسناده من تكلم فيه. وقال الذهبي في ((ميزان الإعتدال)) (1/ 447): موضوع. وقال ابن القيم في ((المنار المنيف)) (52): موضوع. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (171): موضوع.
(11) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (80) ط كراتشي باكستان.
وقال:"إن أخبث المرتدين هم الوهابيون" (1).و "إن الوهابيين أخبث وأضر وأنجس من اليهود والنصارى والوثنيين والمجوس" (2).ويقول: إن الوهابيين المنسوبين إلى ابن عبدالوهاب النجدي الذي كتب (كتاب التوحيد) وأهان الحرمين الطيبين زادهما الله شرفا وتكريما، وشن عليهما الغارات وأوقع فيهما الشر والظلم والقتل، فكان يعد جميع أهل الإسلام غير فرقته الخبيثة مشركين فيجب تكفيرهم فقها، وإن طائفته من فروع الخوارج الذين خرجوا على سيدنا ومولانا علي كرم الله وجهه الكريم، ودخل الجحيم من ذي الفقار لأسد الله القهار قاتل الكفار الذين ورد الحديث فيهم أنهم لا ينقطعون إلى قيام الساعة حتى يخرج آخرهم مع الدجال اللعين، فبموجب هذا الوعد الصادق لا يزال هذا القوم المغضوب عليهم يثيرون الفتن، فخرجوا في القرن الثالث عشر من ديار نجد واشتهروا باسم النجديين وكان إمامهم الشيخ النجدي، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام 1233هـ (3).
ويقول في جواب سائل سأله هل الفرقة الوهابية كانت موجودة في عهد الخلفاء الراشدين؟ قال: نعم! هؤلاء الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه ... والآن وقد خرجوا باسم الوهابيين وإمامهم ابن عبدالوهاب النجدي وردت علائمهم في الحديث وهي موجودة فيهم بأسرها تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، وأعمالكم عند أعمالهم، يقرأون القرآن لا تجاوز طراقيهم؟ - هكذا – يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق مشمري الأزر، وكان النجدي ابن عبدالوهاب مغاليا في التحليق حتى لو أن امرأة دخلت في دينه النجس كان يحلق رأسها لأنها من باقيات زمان الكفر" (4).
وغير ذلك من الخرافات."وكان أبوهم في زمن النبي وقد أمر النبي الصديق والفاروق بقتله ولو قتل لما كان لهم اليوم فتنة" (5).
وكتب أحد أذنابه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ عن هذه الفتنة النجدية بقوله: هناك زلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان، وإن كل أهل السنة والأحناف على وجه الأرض متفقون مجمعون قاطبة أن محمد بن عبدالوهاب كان خارجيا باغيا ومن اعتقد بعقائده فهو عدو للدين وضال مضل" (6).وقال بمثل هذا القول أمجد علي الرضوي البريلوي أيضا في كتابه (7).وقال واحد آخر وقد فاق أوائله من الأفاكين الكذابين في الاتهام والبهتان: إن الوهابيين النجديين قتلوا الخلائق بدون إثم في الحرمين الشريفين وزنوا بنسائهم وبناتهم وأسروهم وجعلوا نساءهم إماء، وأكثروا قتل الأشراف ... وما فعله ابن سعود في الحرمين الشريفين هو واضح وظاهر على كل حاج وقد رأيت هذا بعيني هناك" (8).
وهذا مع نبوءة البريلوي "أن النجديين لا يتسلطون على الحرمين وإن الله كسر شوكتهم وخذلهم".
_________
(1) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (123) ط كراتشي باكستان.
(2) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (124) ط كراتشي باكستان.
(3) ((الكوكبة الشهابية على كفريات أبي الوهابية)) (58،59).
(4) ((ملفوظات مجدد المائة الحاضرة)) "أي البريلوي" بجمع وترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان (66) ط لاهور باكستان.
(5) ((ملفوظات مجدد المائة الحاضرة)) "أي البريلوي" بجمع وترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان (67،68) ط لاهور باكستان ملخصا.
(6) ملخص ما كتبه أحمد سعيد الكاظمي البريلوي في كتابه ((الحق المبين)) (10 - 12) ط ساهيوال باكستان.
(7) ((بهار شريعت)) (1/ 46،47).
(8) ((جاء الحق وزهق الباطل)) لمفتي البريلويين أحمد يار (574).
ومظهر البريلوي لم يترك كلمة خبيثة إلا وقد استعملها في حقهم: النجديين الملاحدة، وزنادقة نجد، وأبالسة نجد كفرة مرتدون لعقائدهم الخبيثة والملعونة قطعياً" (1).
وقال في حق إمام الجامع ببمبئ أحمد يوسف الذي استقبل أبناء العال السعودي في بومبي حينما زار الهند قال فيه: إن أحمد يوسف المردود استقبل أبناء ابن سعود، ومدح الحكومة النجدية وابن سعود النجدي وأبناءه، الحكومة التي تعتقد عقائد الكفر النجسة الخبيثة. ووقر الكفرة المرتدين واستقبلهم وعظم الملة النجدية الخبيثة، وبذلك كفر وارتد، واستحق الغضب الإلهي وهدم الإسلام والسنة، وحرك العرش الإلهي، ومن شك في كفره فهو أيضا كافر" (2).
هذا والشتائم والتكفير والتفسيق لشيخ الإسلام وأتباعه والحكومة السعودية شيء يسير عند البريلوي والبريلوية.
ولا نرى أحدا أغضب هؤلاء القوم مثل ما أغضبهم الموحدون المؤمنون بكتاب الله والمتمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يوجد كلمة مؤلمة وشتيمة خبيثة إلا ويستعملونها خلاف هؤلاء الناس، وكتب أكابرهم وأصاغرهم بالرد على هؤلاء الناس كتب كثيرة وقليلا ما يوجد فيها شيء غير ذلك من الوعظ والنصيحة للمسلمين وتحريضهم على عبادة الله وأداء حقوق العباد وحسن المعاشرة وطيب الخلق ومراعاة حقوق الآخرين وغير ذلك من الأمور التربوية الإسلامية، كما أن كتبهم خالية عن الرد على الفئات الخارجة عن الدين والباغية على الإسلام، كالقاديانية والهندوكية والنصارى والبابية والبهائية والباطنيين والروافض وغير ذلك من الطوائف.
فالباحث والقارئ يرى العجب العجاب حينما يتفحص كتب القوم ويجد أنها مليئة من أقذع الفواحش وأقبح الشتائم لمصلحي الأمة وهداتها، ولا يجد كلمة ضد أعداء الإسلام والمسلمين وضد أعداء الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فهذا هو دأب القوم وهذه أحوالهم مع أهل الحديث ومع أتباع شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
وأما الديوبنديون إخوتهم الأحناف المقلدون للإمام نعمان بن ثابت أبي حنيفة الكوفي رحمه الله فهم أيضا لم يسلموا من قساوة قلبهم، وحدة لسانهم، وشدة فتاويهم من التفسيق والتكفير، ومن شتائمهم القذرة، ولعناتهم الكثيرة المتتالية المتعالية المتراكمة، بل هم الذين صاروا أكبر رمية لألسنتهم المشرعة ولأرماحهم المشحذة ولأسهمهم المطلقة، فلم يتركوا واحدا من كبيرهم وصغيرهم إلا وفسقوه وكفروه وأفتوا بإلحاده وارتداده، وفي ارتداد من يشك في ارتدادهم، وكفر من يتردد في تكفيرهم فبدأ بتكفيرهم البريلوي، ولا زال آخر واحد من البريلويين يكفرهم، ويكفر من يتأخر من كفرهم .....
فقال البريلوي في الديوبنديين عامة:"ومن شك في كفر الديوبنديين فإنه كافر أيضا" (3).
وليس هذا فحسب بل أكثر من ذلك:"من صلى خلف أحد الديوبنديين فإنه أيضا ليس بمسلم" (4) هذا "وكل من يعتقد باعتقادهم فهو كافر مرتد" (5) "ولم يبرد غضبه إلى هذا الحد حتى تجاوز جميع الحدود وقال: من يمدح دار العلوم ديوبند أو لا يعتقد بفساد الديوبنديين ولا يكرههم يكفي هذا بأن يحكم عليه بعدم الإسلام" (6).
_________
(1) ((تجانب أهل السنة)) (267،268).
(2) مختصرا ((تجانب أهل السنة)) (268 - 272).
(3) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 82).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 77).
(5) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 43).
(6) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 110).
ثم ازداد في قهره وغضبه فقال:"التعامل مع الديوبنديين في حياتهم ومماتهم كمعاملة المسلمين حرام، حتى استخدامهم بالأجرة أو خدمتهم بالأجرة حرام، ويجب التباعد عنهم" (1)."وحرام أن يعطى لهم لحم الأضحية" (2).
وقال آخر من أتباعه وطائفته:"إن الديوبنديين مبتدعون ضالون وهم شرار خلق الله" (3).
وآخر قال:"إن الديوبنديين يدعون الإسلام فهم كفرة مرتدون لئام بحكم الشريعة المطهرة" (4).
وما أكثر ما أكفرهم في كتابه هذا.
وإلى أيّ حد بلغ كفرهم وارتدادهم؟ قال البريلوي نفسه: إنهم أكفر من الهندوس والمسيحيين والقاديانية، فقال:"إن كان هناك اجتماع للهندوس والنصارى والقاديانية والديوبنديين فينبغي أن يركز الرد على الديوبنديين فقط لأنهم خرجوا عن الإسلام وارتدوا عنه، فالوفاق مع الكفار أولى من الاتفاق مع المرتدين" (5)."وإن كتب الديوبنديين أنجس من الكتب المختلفة للهندوس، وأما الشك في كفر أشرف علي الديوبندي والشبهة في عذابه فهو كفر أيضا وأما الاستنجاء بها "أي بكتب الديوبنديين" فلا يجوز لا لتعظيم كتبهم، بل لتعظيم الحروف التي كتبت بها" (6).
وقال واحد آخر:"إن كتب الديوبنديين جديرة أن يبصق عليها، بل ويبال فيها، ولكن البول عليها ينجس البول ويخبثه، اللهم أعذنا من إبليس وأولاده "أي الديوبنديين" آمين" (7).
هذا ما قاله البريلوي وأمته البريلويون في الديوبنديين نقلنا من كتبهم وعباراتهم أنفسهم.
- وأما الندويون "أي تلامذة دار العلوم ندوة العلماء وأساتذتها والمتعلقين بها والقائمين عليها".
فلم يكن حظهم أحسن من الآخرين حينما كفرهم البريلويون أيضا وحكموا عليهم بالارتداد فقال البركاتي ومصدقه حشمت علي نائب البريلوي: إن الندويين دهريون مرتدون وأذناب لقائد الدهريين" (8).
وقال البريلوي نفسه: إن الندوة هي الشركة المبيرة "أي المهلكة" وكلهم يروحون إلى الجحيم" (9).وأصدر فتوى أخذ عليها توقيعات من أكابر طائفته في تكفير علماء الندوة، وأصدرها باسم "إلجام السنة لأهل الفتنة" ثم نشره في "مجموعة فتاوى الحرمين برجف ندوة المين" كما مر ذكره عن السيد الحسني فيما مر من هذا الباب، ولذلك ذكر صاحب (التجانب) في مجموعة من أفتوا عليهم بالكفر والارتداد أهل ندوة العلماء (10).
_________
(1) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 95).
(2) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 167).
(3) ((تفسير ميزان الأديان)) لديدار علي (2/ 270) ط لاهور.
(4) ((تجانب أهل السنة)) (112.
(5) ((ملفوظات مجددة المائة الحاضرة)) لابن البريلوي (325،326).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 136) كتاب الطهارة باب الاستنجاء ط مكتبة رضوية فيصل آباد.
(7) هامش كتاب ((سبحان السبوح)) للبريلوي (75 ط لاهور باكستان.
(8) ((تجانب أهل السنة)) (90).
(9) ((ملفوظات)) للبريلوي (201).
(10) ((تجانب أهل السنة)) (90).
ثم أشمل هؤلاء جميعا أي الندويين، والديوبنديين، وأتباع شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وأهل الحديث السلفيين تحت اسم "الوهابية أو الوهابيين" حسب زعمه بأنهم كلهم استرشدوا في عقائدهم ضد الشرك والبدع والخرافات من شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، فأولا كان يخاطبهم البريلوي والبريلويون بهذا الاسم فقط وعند إطلاق هذه اللفظة يراد بها هذه الطوائف الأربعة، وبعد ذلك بدؤا يلقبونهم بألقاب خبيثة، ويرمونهم بتهم باطلة، وينفرون الناس عنهم ويشهرونهم بين الناس بأوصاف غير طيبة وكاذبة فاجرة، وبينوا أحكامهم وأحكام المعاملة معهم، فقالوا وعلى رأسهم البريلوي نفسه فقال:"إن الوهابية وزعماءهم كفرة لوجوه كثيرة، ونطقهم بالشهادة ليس بناف عن الكفر" (1).وأيضا: "إن هذه الطائفة ثبت كفرهم بآلاف الوجوه والأسباب" (2).و "إنهم كفرة مرتدون بإجماع الأئمة "يعني أئمة الأمة البريلوية" (3).وقال: "إن الوهابيين مرتدون ومنافقون لأنهم يتظاهرون بالإسلام بنطقهم بالشهادة" (4)."وإن الوهابيين أرذل من إبليس وأفسد منه وأضل لأن الشيطان لا يكذب وهؤلاء يكذبون" (5).و "لعن الله الوهابية وأذلهم وجعل النار مثواهم" (6).وقال: إن الوهابية قاتلهم الله أنى يؤفكون" (7).و "إن الوهابيين في أسفل السافلين" (8).و "إن الله كتب في نصيبهم الكفر" (9).
ومادام هؤلاء كفرة مرتدين فلا يصلى خلفهم ولا عليهم، ولقد أفتى بذلك البريلوي وطائفته:
فإن سائلا سأل البريلوي عن الصلاة خلف الوهابية فقال:"ليست صلاتهم صلاة وجماعتهم جماعة" (10).
وسئل عن حكم المسجد الذي بناه الوهابيون فقال:
"هم كفرة ومسجد الكفار حكمه حكم البيت العادي"
"أيضا"
كما قال في جواب سائل سأله هل يرد على أذان مؤذن وهابي فقال:"لا، لأن صلاتهم لا تعد صلاة، ولا أذانهم أذاناً" (11).
وأما مسجد المسلمين فلا يسمح بدخول الوهابيين فيه كما صرح بذلك المراد آبادي أحد خلفاء البريلوي، ومعاصره ونائبه فقال:"إن الوهابيين والغير المقلدين لا حق لهم في مساجد المسلمين ودخولهم يسبب الفساد، وإن لم يمتنعوا منها فيمنعون رسميا" (12).
وقد كتبوا كتابا مستقلا لبيان وجوب إخراج الوهابيين عن المسجد سموه (إخراج الوهابيين عن المساجد)) وقد شدّدوا على ذلك حتى كتبوا على صفائح مساجدهم: "لا يؤذن للوهابيين أن يصلوا فيها" وحتى في هذا عصر النور والعلم بقى بعض المساجد وعلى جبهاتها مكتوب: يا شيخ عبدالقادر جيلاني شيئا لله، وتحته: ممنوع الدخول للوهابيين، ولقد شاهدت بعيني مسجدين في لاهور لازال مكتوب عليهما هذه العبارة. وقال: "إن الصلاة خلف الوهابية باطل محضا" (13).ومثل ذلك قال مفتي البريلوية أحمد يارخان الكجراتي في فتاواه (14).
_________
(1) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (10) ط لاهور.
(2) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (59) ط لاهور.
(3) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط لاهور.
(4) ((أحكام شريعت)) للبريلوي (112) ط كراتشي.
(5) ((أحكام شريعت)) للبريلوي (117) ط كراتشي.
(6) ((فتاوى أفريقة)) (125).
(7) ((فتاوى أفريقة)) (172).
(8) ((خالص الاعتقاد)) (54).
(9) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 198).
(10) ((ملفوظات)) (105).
(11) ((ملفوظات)) (105).
(12) ((فتاوى نعيم الدين المراد آبادي)) (64).
(13) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 43) وأيضا ((بريق المنار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 218).
(14) ((فتاوى نعيمية)) (1/ 104) ط باكستان.
وقال البريلوي نفسه:"إن صلّى الوهابي على جنازة مسلم فلا جنازة له، وإن دفن فكأنه دفن بدون صلاة الجنازة" (1).
وأما الصلاة على الوهابيين؟ فقال في جواب سائل سأله ما حكم شخص صلى على رجل مات من الوهابيين؟ فقال:"أن الوهابية كفرة مرتدون، ومن صلى عليهم فقد كفر" (2).كما أنه لا يجوز لهم الدعاء لأن الله قال فيهم: "ثم لا يعودون" (3).هذا وليس هذا فحسب، بل من اعتقد أن الوهابيين مسلمون فهو كافر ولا يجوز الصلاة خلفه كما صرح به البريلوي في كتابه" (4).وقال آخر: "من يتكلم في البريلوي لا تجوز الصلاة خلفه" (5)
وأما المعاملات الأخرى فحرام أيضا فقال:"إن اللقاء مع الوهابيين حرام ومجالستهم حرام، وعيادتهم حرام إن مرضوا، وإن ماتوا فغسلهم حرام وحمل جنائزهم حرام" (6).
وقال المراد آبادي:"إن الوهابية ضالون مضلون وملحدون لا تجوز الصلاة خلفهم، ولا يجوز الاختلاط معهم" (7).وأيضا "الاستماع إلى حديثهم حرام والجلوس في مجالسهم وخطباتهم حرام" (8).هذا و "المصافحة بهم حرام والسلام عليهم حرام وموجب للمآثم والمعاصي" (9).ولا يجوز للأحناف أن يشربوا الماء من بئر الوهابيين" (10).و "رد السلام عليهم حرام" (11).وليس هذا فحسب: "بل من عاملهم وجالسهم فمناكحته أيضا حرام" (12).وإن قرأ خطبة النكاح وهابي وعقده فالنكاح باطل، ولابد من تجديد النكاح وتجديد الإسلام أيضا" (13).و "إن إشهاد الوهابي على النكاح حرام أيضا" (14).
وقال أحد تلامذته وخلفائه: إن النكاح من وهابي حرام لأنه ليس كفوا للمسلم" (15).
ولكن أنى لتلميذه أن يبلغه في القسوة والشدة فقال هو نفسه "أي البريلوي":إن الوهابي المرتد لا يزوج، لا من حيوان ولا من إنسان فإن تزوج يكون زنا محضا" (16).
ولأول مرة أريد أن أسأل البريلويين هل هم يزوجون ويتزوجون من حيوان؟ وقال: إن الاستفتاء من الوهابية حرام حرام حرام بالتأكيد، ومن شك في كفره وعذابه فقد كفر" (17).
وقال أمجد علي: من أعطى الزكاة لأحد من الوهابيين فلا زكاة له" (18).وقال في جواب سائل: إن تدريس الأطفال عند الوهابيين حرام حرام حرام، ومن فعل ذلك فهو عدو لأولاده ومجتلي في الآثام، وقد قال الله عز وجل: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6] (19).
وأما ذبائح الوهابيين فقال: إن ذبيحة اليهودي حلال وكذلك ذبيحة النصراني حلال، وأما ذبيحة الوهابيين فلو سموا الله عليها مئة ألف مرة وكانوا من المتقين فحرام أكلها لأنه لا ذبيحة لمرتد" (20).كما قال: إن ذبيحة الزناة الخلص الثابت زناهم حلال أكلها" (21).
_________
(1) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 12).
(2) ((ملفوظات)) (76).
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (286).
(4) ((المبين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 80،81).
(5) ((فتاوى نعيم الدين المراد آبادي)) (64).
(6) ((فتاوى نورية)) (1/ 213).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 90).
(8) ((مجموعة فتاوى نعيم الدين)) (112).
(9) ((بريق المنار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 218).
(10) ((جاء الحق)) (2/ 222).
(11) ((فتاوى أفريقة)) (170).
(12) ((ماحي الضلالة)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 72).
(13) ((ماحي الضلالة)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (50) و (89).
(14) ((فتاوى أفريقة)) (69).
(15) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (7/ 32).
(16) ((إزالة العار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 194 أيضا ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 55).
(17) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 106).
(18) ((أحكام شريعت)) (1/ 122).
(19) ((بهار شريعت)) (5/ 46).
(20) ((فتاوى أفريقة)) (27).
(21) ((أحكام شريعت)) (237).
لماذا هذا كلّه؟ فقال لأن أشد الناس كفرا المجوس، وكفرهم أشد من اليهود والنصارى، وكفر الهندوس أشد من المجوس، وكفر الوهابيين أشد من الهندوس" (1).وقال: إن الوهابيين أخبث وأضر من الكفرة الحقيقيين من اليهود والوثنين وغيرهم" (2).وقال: إن الوهابيين أرذل من الكلاب وأنجس منها لأنه لا عذاب على الكلاب وهؤلاء يستحقون العذاب الشديد" (3).
ولم يكفروا هؤلاء الأبرار لأنهم لم يؤمنوا بالخرافات التي أتى بها البريلويون واختلقها الخرافيون، ولم يتركوا قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابل هؤلاء المفترين على الله كذبا والمتهمين رسوله صلى الله عليه وسلم باطلا، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج: 8 - 9].
هذا وقبل أن ننتقل إلى بحث آخر نريد أن نذكر هاهنا أن البريلويين والبريلوية شددوا على من يقرأ كتب الوهابيين، ومنعوا البريلويين منعا باتا أن يقرؤا كتب غيرهم.
فقال البريلوي: إن مطالعة كتب الوهابيين حرام" (4).وقال الآخر: لا يجوز لغير العالم أن ينظر في كتب الوهابيين" (5).وأما البريلوي فإنه قال: وحتى للعالم الكامل لا يجوز أن ينظر في كتب الوهابيين" (6).
ولقد قال البريلوي في خصوص أحد الكتب لأحد العلماء الوهابيين: حرام على المسلمين أن ينظروا في هذا الكتاب" (7).
ونقل المراد آبادي عن واحد من أئمته:"وإياك أن تصغي إلى كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوه، فمن يهديه من بعد الله وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدو الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل إنهم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأنهى الكذب والبهتان، فخذل الله جمعيتهم وطهر الأرض من أمثالهم" (8).
فتاوى البريلويين بالتواء الحج لتولي الوهابيين الحكم في الحجاز:-
ومن بغض البريلويين لأتباع السلف الصالح، المتمسكين بالكتاب والسنة أنهم أفتوا بسقوط فريضة الحج وقد أصدر كتيبا في ذلك الخصوص باسم (تنوير الحجة لمن يجوز التواء الحجة) وقد كتب هذا الكتاب ابن البريلوي ومفتي البريلويين مصطفى رضا.
وصادق عليه ووقع أكثر من خمسين عالما من علماء القوم من جميع أطراف شبه القارة من الأعيان والأكابر. منهم مظهر البريلوي الذي يسمي نفسه عبيد الرضا حشمت علي، وابن البريلوي الثاني حامد رضا، والمراد آبادي نعيم الدين، ودلدار علي، وغيرهم من أساطين القوم، وبدأ كتيبه هذا بخطبته، اللهم اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين لاسيما النجديين المفسدين المارقين من الدين مروق السهم من الرمية والخارجين منه كما تخرج الشعرة من العجين، ثم لا يجد شتيمة إلا وشتم بها الحكومة السعودية الميمونة، ولا فرية إلا وافترى بها على الملك الراحل عبدالعزيز آل السعود رحمه الله وغفر له، ولا بهتانا وكذبا إلا واستعمله وتقول به بكل جرأة وشجاعة بلا خوف من الله وحياء منه.
_________
(1) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 13).
(2) ((أحكام شريعت)) (124).
(3) ((إزالة العار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 138).
(4) ((المبين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 9).
(5) ((بهار شريعت)) (5/ 11).
(6) ((ملفوظات)) ص335).
(7) ((بالغ النور)) المندرج في "الفتاوى النبوية" (6/ 54).
(8) ((فتاوى نعيم الدين مراد آبادي)) (33، 34).
وأخيراً أفتى بسقوط فريضة الحج في عهدهم وعصرهم وفي زمان توليهم وإمارتهم، وقد علق أحد الموقعين على هذه الفتوى أن بهذا الإفتاء تطهر أراضي الحرمين الطيبين من شياطين النجدية.
فهؤلاء هم البريلويون، وهذا هو بغضهم للموحدين والمتبعين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن دلت هذه الفتوى على شيء دل على قساوة قلوبهم وتحجر عقولهم وإطالة لسانهم وتلاعبهم بالدين وجعلهم الشريعة هدفا لأغراضهم الدنيئة حتى أسقطوا فريضة من فرائض الله على المسلمين بلا سبب فقط اللهم إلا إظهاراً لحقدهم وحنقهم وحسدهم على الناس الذين أعزهم الله وولاهم الحكم والحكومة.
وما رأينا طائفة من طوائف العالم التي تنتمي إلى الإسلام قاسية القلب ومطلق اللعنات مثل هذه الطائفة غير الشيعة فلا ندري أيهما أشد أو أكثر؟
وقد أطلنا الكلام فيه لبيان القوم وأصلهم وبيان معتقداتهم وعقائدهم تجاه المخالفين في الرأي والمناوئين في الفكر.
..... فلقد كفر البريلوي والبريلوية شعراء الإصلاح في شبه القارة الهندية وكتابه وأدباءه والدعاة إليه مثل الشيخ نذير أحمد خان الدهلوي والسيد شبلي النعماني والسيد ألطاف حسين حالي والشيخ ذكاء الله الملقب بشمس العلماء والنواب مهدي علي خان والنواب مشتاق حسين.
وأما شاعر الرسالة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام وشاعر المسلمين في شبه القارة الهندية الباكستانية الذي نفخ روح الجهاد فيهم وحرضهم على نبذ الرسوم الجاهلية وعادات الكفرة وترك التكايا والزوايا، وحذر عن الجمود المذهبي والتقليد الشخصي الدكتور محمد إقبال؟ قالوا عنه: إن إبليس ينطق على لسان الفلسفي الملحد دكتور محمد إقبال" (1).وأيضا "إن مذهب إقبالا لا علاقة له بالدين الإسلامي الصحيح" (2).وقال خليفة البريلوي ونائبه: لا يجوز للمسلمين مجالسة محمد إقبال ومحادثته وإلا فيكونون مذنبين ذنباً عظيما" (3).
كما كفروا الشاعر الإسلامي الجليل شاعر التوحيد وأهل التوحيد الشيخ ظفر علي الملقب بظفر الملة والدين، والذي أحيا شوق الجهاد في نفوس المستعبدين وأضرم في قلوبهم النار ضد الاستعمار الإنجليزي الخبيث وعملائه القاديانية وغيرها من الفرق الباطلة، فكفروه وكتبوا في تكفيره رسالة مستقلة باسم "القسورة على أدوار الحمر الكفرة الملقب علي ظفر رمة من كفر" بتوقيعات كثيرة من أكابر البريلويين، وقد ألفها ابن البريلوي مصطفى رضا خان.
.... وقد كتب البريلوي نفسه عن نفسه:"نحن نتحفظ في تكفير المسلم ونحاول أن لا نكفر من قال لا إله إلا الله حتى الإمكان" (4).
فهذا كان حاله وحال طائفته مع هذه الاحتياطات والتحفظات بأنهم كفروا جميع العالم، ولو لم يكونوا محتاطين لم ندر ماذا كانوا يفعلون؟.
ونختم القول في هذا الباب بطريفة وهي أن علماء الهند والباكستان أثبتوا من كتبه أنه في شدة غضبه وغيظه كفر نفسه مرات عديدة حيث قال بعد إصدار الفتوى في تكفير أشخاص:
من شك في كفرهم وعذابهم فهو كافر، ثم نسى وسماهم مسلمين.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص153
_________
(1) ((تجانب أهل السنة)) (340).
(2) ((تجانب أهل السنة)) (341).
(3) نقلا عن ذكر إقبال (129، وسركزشت إقبال (191).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 251 ط الهند.
المبحث السابع: خرافات البريلوية
ما من قوم مبتدعة إلا ولهم قصص وحكايات، خرافات وترهات لتقوية باطلهم وتأييد كذبهم كي لا يبقوا بلا سند واستناد، ولا يطعنوا بعدم الدليل والبرهان، وعندما لا يجدون المستند في الأصلين العظيمين في الشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة يلتجئون إلى الأساطير الوهمية والقصص الخيالية، والحكايات الباردة الكاذبة، ويقدمونها كالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ليقوم لهم عود ويستقيم بهم عمود، وأنى لهم ذلك! فلا يقوي الباطل الباطل ولا ينصر المخزول الخازل ولا يكدّس الكذب إلا ظلمات بعضها فوق بعض ولا ينسج الجهل إلا بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل:
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104].
فيخسرون الدين لإعراضهم عن الحق والحقيقة وإهمالهم القرآن والسنة ويخسرون الدنيا لانحرافهم عن الحقائق الثابتة والحوادث الواقعة وذلك هو الخسران المبين، وأما من اجتنب من البدع والمحدثات واحترز عن الأهواء والوهميات فقد تمسك بالهدى واتبع النور الذي أنزله الله لتبديد الظلمات وتشتيت الجهل، هل يستوي الظلمات والنور، وقد قال الرب جل وعلا:
وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور: 40].
فكم من فئة منحرفة زائغة ومنتمية إلى الإسلام اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وجعلوا الأراجيف ملتزمة الإطاعة والاتباع، وكم من قوم جعلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتروكة وبدعات المنتحلين المبطلين الأدعياء متبوعة.
فإن البريلويين على دأب هؤلاء ومنوالهم فما تركوا أكذوبة إلا واعتنقوها ولا أضحوكة إلا وتمسكوا بها لإحقاق الباطل وإبطال الحق وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. ولكم مضحكاتهم ومبكياتهم في آن واحد وما أكثرها وأطولها ولكننا نقتصر على التي ساقها وسمر بها البريلوي أحمد رضا نفسه، وقليلا ما نذكر التي أوردها البارزون من أنصاره وأتباعه والمعتمدين لدى القوم فيقول البريلوي وهو يحاول إثبات معتقداته الواهية المخالفة نصوص الكتاب والسنة من قدرة الأولياء واختياراتهم على إغاثة المستغيثين وإجابة المضطرين وكشف الضر عن المكروبين وعلمهم بالغيب وحضورهم في كل مكان وزمان فيقول قبل ذكر أحد المشايخ إنه: إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة أو أكثر" (1).
وبعد قول القائل: أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلي قبالة وجهي ويذكرها أقضها له" (2).
فيستدل لتصديق هذه الأقوال المكذوبة على أصحابها بحكاية باطلة كاذبة لتقوية الكذب بالكذب فيحكي: أن سيدي مدين بن أحمد الأشبوني رضي الله عنه كان يتوضأ فإذا خلع نعله ورماها إلى بلاد المشرق، وبعد سنة كاملة حضر إليه شخص ومعه تلك النعل فقال: يا شيخي كانت ابنتي في بادية فتعرض لها رجل قبيح بالسوء وابنتي لم تكن تعرف اسم شيخي ومرشدي فنادت يا شيخ أبي! لاحظني. فلم تنطق بهذا الاسم ولم تستغث به حتى جاءته هذه النعل وضربت رأس ذلك الرجل فنجت ابنتي" (3).
_________
(1) رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(2) رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(3) ((أنوار الانتباه)) (1/ 182).
ومثل هذه الحكاية حكى عنب ابن محمد الحنفي. أن أحد مريديه كان في السفر فتعرض له السراق في الطريق وجلس واحد على صدره ليذبحه فنادى: يا سيدي محمد حنفي! خاطر معي، فما أن ناداه باسمه إلا وحضرت نعله طائرة وضربت على صدر السارق فأغمي عليه ونجا مريد السيد الحنفي" (1).ويختلق قصة أخرى أن فقيرا كان يتسول فمرة وقف على باب دكان شخص وسأله أن يعطيه روبية فامتنع الراعي من إعطائها إياه فقال له الفقير، أعطني وإلا قلبت عليك الدكان، فاجتمع الناس وازدحموا ومر عليهم رجل ذو قلب فقال للراعي: أعطه الروبية وإلا انقلب عليك الدكان، فقال له الناس، أيها الشيخ إنه رجل جاهل ومخالف للشريعة كيف يستطيع أن يعمل هذا؟ فقال الشيخ: أنا شاهدت وعاينت قلبه فوجدته خاليا فألقيت نظرة المشاهدة في باطن شيخه فوجدته خاليا أيضا ولكنني تعمقت وشاهدت شيخ شيخه فوجدته من العارفين المتصرفين ورأيته واقفا لأن ينطق هذا الفقير وينفذ ما نطق به ويقلب على الراعي دكانه" (2).
فهذه هي الدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الدامغة على قدرة الأولياء وتمكنهم على إغاثة المستغيثين ونصرة المصابين ودفع بلاء المبتلين.
ومن الحكايات العجيبة الغريبة التي اخترعوها لبيان قوة الأولياء وقدرتهم: إن شخصا حضر بايزيد البسطامي رضي الله عنه فرآه ينظر إلى السماء وعيناه تفيض من الدمع فقال له: يا سيدي ما هذا؟ قال: ذهبت إلى العرش وطويت الأرض بقدم واحد فإذا أراه أي العرش فاغراً فاه في طلب الرب كالذئب الجائع، فاستغربت وصرخت، إن هذا لشيء عجاب، يخبرنا الرحمن أنه على العرش استوى، فجئت إليك في طلبه وأجدك في هذا الحال، فأجاب العرش أما ما قاله لي جل وعلا: يا عرش إن تريد أن تجدني فاطلبني في قلب بايزيد" (3).
هذه، ومن اختياراتهم أن الحيوانات المفترسة تهابهم وتخاف منهم وتطيعهم، ولهم من علم الغيب أنهم يعرفون ما يختلج في صدور الناس. فيحكي البريلوي هذه الأسطورة: أن رجلين عالمين حضراً إلى ولي من أولياء الله وصلا خلفه، فقرأ القرآن في الصلاة ولم يرتله ترتيلا ولم يخرج الحروف من مخارجها حسب قواعد التجويد، فخطر في بالهما أي ولي هذا الذي لا يعرف قواعد التجويد فعرف الولي ما اختلج في صدورهما ولكنه سكت ثم ذهب الرجلان العالمان إلى النهر للغسل وخلعا أثوابهما ووضعاها على الحافة فجاء أسد وجمع الأثواب وجلس عليها فانتظرا ذهابه حتى يخرجا ولكنه لم يأت ليذهب وبلغ الخبر إلى الولي فأسرع إلى الأسد وأخذه من أذنه ولطمه على خده الأيمن فولى وجهه ثم لطمه على الجانب الأيسر فانحرف يمينا ثم قال قومتم اللسان "إشارة إلى علمهم بالتجويد والقراءة" ونحن قومنا القلوب وكان هذا ردا منه على ما خطر في قلوبهما" (4).
_________
(1) ((أنوار الانتباه)) (181).
(2) ((ملفوظات لمجدد المائة الحاضرة)) أحمد رضا البريلوي بترتيب ابنه مصطفى رضا البريلوي (189).
(3) ((حكايات رضوية)) المروية عن البريلوي أحمد رضا بترتيب مفتي البريلوية محمد خليل.
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((الملفوظات للبريلوي)) (110) ط باكستان.
وما أكثر هذه الخرافات في كتب القوم وأطول بها. وأما المضحكات المبكيات فإنها كثيرة. ومنها ما يحكيها البريلوي: أن سيدي أحمد كانت له زوجتان وكان من مريدي الشيخ سيدي عبدالعزيز الدباغ رضي الله تعالى عنه، فقال له مرة يا سجلماسي! مالك وقد جامعت وباشرت زوجتك عندما كانت الثانية يقظة ناظرة؟ فقال: يا سيدي! لم تكن مستيقظة بل إنها كانت نائمة، فقال: لا إنها تظاهرت النوم ولكنها لم تكن نائمة، فقال: كيف علمت ذاك يا سيدي! قال له شيخه، أكان هناك سرير آخر ثالث؟ قال: نعم كان هناك، فقال: كنت أنا على ذلك السرير" (1).
أستغفر الله من هذه الخرافات، وهل هناك خرافة أكبر وأنجس من هذه؟
شيخ ينام بين المريد وأزواجه في غرفة واحدة؟ ثم أكثر من ذلك يراقب حركاته وسكناته وحتى مباشرته مع زوجته ويراقب الأخرى ونظرتها إليهما.
أهذا دين وهذه شريعة؟
فإن كان الدين هذا فلا ندري ما هو الإلحاد والزندقة، والفجور والفسوق؟ ولا نعلم ما هو الحياء وما هي الأخلاق التي يعلم الأجيال الناشئة من غض البصر والإعراض عن اللغو؟ مدام أولياء الله حسب زعم القوم يعملون هذه الأعمال ويرتكبون هذه الفواحش، وينظرون إلى المحرمات الشرعية وينامون بين النساء الأجنبيات ويترقبون الحركات الزوجية ما بينهم ثم يخبرون بكل وقاحة وفضاحة ما شاهدوها وعاينوها في الخلوات.
إن كانت هذه هي الولاية وهذه هي الكرامات فعلى الكرامات والولايات السلام.
ثم يعلق على هذه الحكاية التي لم تخترع ولم تختلق إلا للاستلذاذ بالشهوات وذكرها، يعلق المعلق الفاضل:
يستنتج من هذه الواقعة أن الشيخ لا يفارق مريده في آن ما كما قال الشعراني في "الميزان":إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه وعند سؤال منكر ونكير له وعند النشر والحشر والحساب والميزان والصراط ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف" (2).
هذا ويحكي البريلوي حكاية أخرى في "ملفوظاته" ومن بينها يبين فوائد الأعيان والأعراس على القبور ويلفت انتباه السوقة والأوباش من الناس إليها: أن السيد أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه كان يقام على قبره الأعراس والأعياد إلى ثلاثة أيام يوم ميلاده، وكان الناس يجتمعون عليه سنويا ومن بين الذين كانوا يحضرون على الدوام الإمام عبدالوهاب الشعراني، فحضر في عيد ميلاده مرة وكان الناس مزدحمين إذ وقع نظره على جارية تاجر، فوقعت في قلبه واستأسرته فذهب إلى القبر فناداه السيد البدوي: يا عبدالوهاب! أأعجبتك تلك الجارية؟ فقال: نعم! لا ينبغي لمريد أن يكتم سره عن شيخه، فقال، أحسنت وقد وهبتك هذه الجارية، فاستغرب الشعراني أن الشيخ كيف يهبني إياها حيث أنها لتاجر فلاني، وبعد حين حضر التاجر وقدم الجارية نذرا إلى مزاره المقدس فألهم خادم القبر أن يقدم هذه الجارية هدية ونذرا إلى عبدالوهاب فتحير الشعراني وتأخر حتى ناداه السيد البدوي ولم هذا التأخير الآن يا عبدالوهاب! اذهب بها إلى الحجرة الفلانية واقض بها حاجتك" (3).
فأراد البريلوي إثبات علم الغيب للأولياء وتصرفهم وقدرتهم على الأمور حتى وبعد الموت ولم يجد السند والدليل على ذلك إلا هذه القصص الباطلة الكاذبة والحكايات الجنسية الشهوانية الفاسدة.
فهذه هي الدعاوى وتلك هي البراهين:
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا من ((ملفوظات البريلوي)) (55).
(2) ((حكايات رضوية)) تعليق مفتي البريلوية محمد خليل البركاتي (55) أيضا حاشية ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) لابن البريلوي مصطفى رضا (35).
(3) ((ملفوظات)) البريلوي مجدد المائة الحاضرة عند القوم (275،276).
وأكثر من ذلك وأغرب أن الشيخ وحده لا يعلم علم الغيب ولا يطلع على ما يختلج في صدور الناس عامة وفي صدور مريديه خاصة بل مريدو الشيخ أيضا يطلعون عليه بتقبيل أرجل المشايخ والأرض التي تمس أقدامهم، والدليل على ذلك حكاية أيضا رواها البريلوي نفسه: إن حضرة سيدي سيد محمد كان من أكابر العلماء وأجلة الأشراف، ومرة كان يمشي في الطريق إذ رأى حضرة نصير الدين محمود شراغ الدهلوي على مركبه فبادر إليه وقبل ركبته فقال له شيخه: اذهب إلى الأسفل أيها الشريف! فقبل السيد محمد رجله، فقال له شيخه وإلى الأسفل منها أيضا، فتأخر السيد محمد وقبل الأرض التي مستها سنابك خيل شيخه، فاستغرب الناس وقالوا: إن سيدا جليل مثل الشريف محمد قبر ركبة الشيخ فلم يرض، فقبل رجله فلم يرض، ثم قبل سنابك خيله ولم يرض، حتى قبل الأرض أمامه. فقال السيد محمد: إن الناس لا يعلمون أن شيخي ما أعطاني بهذه القبلات، فإنني لما قبلت ركبته انكشف علي عالم الناسوت، ولما قبلت رجله انكشف على عالم الملكوت، وعند تقبيلي سنابك الخيل تنور علي عالم الجبروت، ولما قبلت الأرض ظهر عليّ كل ما كان في عالم اللاهوت" (1).
فهؤلاء الذين قال فيهم الرب جل وعلا:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة: 16].
وقالوا أن الأولياء كالأنبياء أحياء في قبورهم ولا يطرأ عليهم الموت إلا لثوان ولحظات كخطف البصر ثم يرجع إليهم أرواحهم ويحيون حياة دنيوية مع الأبدان، يسمعون ويجيبون، ويقومون ويجلسون، ينامون ويستيقظون.
فإن قيل للقوم، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ قالوا:
كان الشيخ أحمد بن الرفاعي يرسل كل عام مع الحجاج السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما زاره وقف تجاه مرقده وأنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض مني فهي نائبتي
وهذه نوبة أشباح قد حضرت ... فأمدد يديك لكي تحظى بها شفتي
فقيل إن اليد الشريفة بدت فقبّلها" (2).والأولياء كذلك، وبرهان ذلك "أن الإمام عبدالوهاب الشعراني قدس الله سره الرباني كان يلتزم الحضور في عرس سيدي أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه ومرة حصل له التأخير في الحضور ليومين فرأى المجاورون لمرقد الحضرة أن حضرة السيد البدوي يرفع حجابه بتكرار ويسأل عن مريده عبدالوهاب هل حضر أم لم يحضر حتى الآن؟ فلما حضر أخبره المجاورون لقبره بما جرى من رفع الحجاب عن القبر وسؤال الحضرة عنه فقال عبدالوهاب: أيعلم السيد بحضوري على مرقده ومزاره فقالوا: وكيف! وهو الذي قال: من أراد زيارتي من منزله مهما بعد منزله أعلم بإرادته وأرافقه حتى يحضر قبري ولا يضع حمله إلا وأكون ضامنا له" (3).وأكثر من ذلك، نعم أكثر من ذلك حيث يحكي: إن شقيقين قتلا في سبيل الله وكان لهما أخ ثالث فلما جاء يوم زواجه حضرا في حفلة الزفاف فاستغرب الأخ الثالث حضورهما، فقالا: نحن أرسلنا خصيصا للمشاركة في هذه الحفلة ثم هما اللذان تولا عقدة النكاح وبعد ذلك رجعا إلى مكانهما" (4).
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (63،64).
(2) رسالة ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (173).
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (275).
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((أنوار الانتباه)) للبريلوي (116).
ويقص علينا بقصة أخرى: إن سيدنا أبا سعيد الخزاز قدس الله سره الممتاز يروي أنني كنت في مكة المكرمة ورأيت شابا ميتا على باب بني شيبة فالتفت إلي فتبسم ضاحكا وقال يا أبا سعيد! أما علمت أن الأحباء أحياء وإن ماتوا وإنما ينقلبون من دار إلى دار" (1).
وأيضا: إن حضرة سيدي أبا سعيد قدس الله سره يقول: مات فقير فنزل به في قبره وفتحت كفنه ووضعت رأسه على التراب ليرحمه الله على فقره ومسكنته ففتح الفقير عينيه وقال: يا أبا علي! تذللني بين يدي من يدللني؟ فاندهشت وقلت: يا سيدي! أحياة بعد الموت؟ قال لي: أنا حي وكل محب لله حي، لأنصرنك بجاهي غدا" (2).
وما أكثر مثلها، ومنها:
إن امرأة ماتت ثم كفنت ودفنت فلقيت ابنها في منامه فقالت: إن كفني بلى وأستحيي أن أذهب به إلى رفاقي ففي اليوم الثالث من هذا اليوم يأتي إلينا فلان فلما يكفن ضع في أكفانه كفنا جديدا جيدا لي. فلما أصبح الابن وفتش عن ذلك الرجل علم أنه صحيح لا مرض له ولكن اليوم الثالث أخبر أنه مات، فاستعجل الابن وأحضر الكفن الجديد الغالي ووضعه في أكفانه وقال: أصل هذا إلى أمي ولما نام ليلته حضرته أمه وقالت: جزاك الله خيراً أرسلت إلي كفنا جيدا" (3).
ولا بأس أن نحكي حكاية أخرى التي تنبئ عن انتقال الميت من مكان إلى مكان آخر بنفسه كما يحكي أحد البريلويين: إن امرأة صالحة ماتت في جونبور "مدينة من مدن الهند" ورجل غير صالح من جونبور مات في المدينة المنورة ودفن في البقيع فانتقلت المرأة الصالحة من جونبور إلى البقيع ونقلت جثة ذلك الرجل من قبره إلى قبرها جونبور ورأى الناس هذه الحادثة بأعينهم" (4).وأما قدرتهم على إحياء الموتى فأيضا ثابتة في أساطير الأولين ووجدوا آبائهم لها معتقدين، منها: إن حضرة سيدي أحمد جان رضي الله تعالى عنه كان يمر على طريق فرأى فيلا ميتا والناس مجتمعين حوله، فذهب إليهم وقال: ما الذي حدث؟ قالوا إن الفيل قد مات فقال: إن خرطومه صحيح وعينيه كذلك، وكذلك يديه ورجليه فكيف مات؟ وما نطق بهذه الكلمات إلا وتحرك الفيل ووقف حيا" (5).وأيضا: إن الشيخ الجيلاني نظر نظرة الغضب إلى الحدأة فسقطت ميتة ثم لمسها فطارت حية" (6).
_________
(1) رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(2) رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243– 244) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (95).
(4) ((مواعظ نعيمية)) لمفتي البريلوية أحمد يارخان البريلوي (26).
(5) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (53).
(6) ((باغ فردوس)) للرضوى البريلوي (27).
هذا ومن غرائب القوم أنهم يسامرون بالأساطير التي يمجها العقل ويزدريها الفكر. ومنها "أن شخصين من أولياء الله كانا يسكنان على جانبي النهر، فمرة طبخ أحدهما المحلبية وأراد إرسالها إلى الثاني على الضفة الثانية، فقال لخادمه اذهب بها إلى صديقنا ذاك. فقال: وكيف أجتاز النهر وليس عندنا ما أجتاز به من سفينة وغيرها، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يجامع امرأته قط فاستغرب الخادم وغرق في الحيرة لأن الشيخ كان له أولاد، فامتثل الأمر وذهب إلى النهر، وقال له ما قاله الشيخ فانفلق النهر ومر منه سالما فقدم على صاحب تلك الضفة المحلبية فأكل منها ودعا له بالخير وقال: سلم على سيدك، فقال له الخادم: أبلغ سلامك إليه عندما أصل هناك، وكيف الوصول إليه وبيني وبينه نهر، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يطعم من ثلاثين سنة فازدادت حيرته لأنه شاهده وهو يأكل من المحلبية التي جاء بها إليه ولكنه لم يبلغ رسالته إلى النهر حتى انشق له الطريق فيه" (1).ومن غرائب ما يحكونها هي "أن رجلا من مريدي يحيى المنيري سقط في البحر وكاد أن يغرق فظهر الخضر عليه السلام وقال له، هات يدك في يدي أنقذك من الغرق، فانتبه المريد وقال: لا يا سيدي! إن هذه اليد في يد المنيري فلا أتركه وأذهب إلى غيره، فغاب الخضر عليه السلام وحضر المنيري وأخذ بيده ونجاه من الغرق" (2).ومنها أيضا "أن بشراً الحافي لم يكن يلبس النعلين ولذلك سمي بالحافي، وكان من عظمته واحترامه أن الحيوانات لم يكن يبولون في الطرق التي كان يمر فيها الحافي ولم تكن ترفث كي لا تتوسخ قدمه فيوما فعندما رأى شخص الرفث والبول في الطريق الذي كان يمر فيه الحافي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وسئل عن تفوهه بهذه الكلمات فقال: هذا دليل على أن الحافي قد مات ثم فتش وثبت أن ما قاله حق رضي الله تعالى عنه" (3).
وأن الأولياء لهم قدرة واختيار أن ينقذوا أهل النار من النار وينجوا المعذبين من العذاب، وبرهان ذلك:"إن السيد إسماعيل الحضرمي مر على المقابر وكان معه الإمام محب الدين الطبري، فقال له أتؤمن أن أهل القبور يكلمون الأحياء؟ قال: نعم أؤمن بذلك، فقال له: إن صاحب هذا القبر كان يقول لي: أنا من أهل الجنة، ثم وقف على قبور تجاوز عددهم من أربعين قبراً وبدأ يبكي حتى طلعت الشمس وأسفر النهار ثم ضحك وقال: أنت منهم، فسئل ما هذا وما الذي حدث؟ قال: إن أصحاب هذه القبور كانوا يعذبون فبدأت أبكي وأشفع لهم حتى قبلت شفاعتي ورفع عنهم العذاب، وكان قبر في ناحية لم ألتفت إليه، فسمعت أن قائلة تقول لم حرمتني من شفاعتك وأنا منهم، "يعني كنت معهم في العذاب وقبري بينهم" كنت مغنية فلانية فشفعت لهم ولم تشفعني؟ فضحكت من قولها وقلت: أنت منهم أيضا، ورفع عنها العذاب" (4).
وكتب البريلوي: أن شابا كان جالسا في مجلس ابن عربي فبكى فقال له ابن عربي ما يبكيك؟ قال رأيت في الكشف أن أمي تعذب وملائكة النار يجرونها إلى النار، فقال ابن عربي كان ثواب بعض الأوراد مدخراً عندي فقلت في نفسي إنني وهبت لها هذا الثواب، وبدأ الشاب يضحك، فقيل له: ما الذي حدث حتى انقطعت عن بكائك وبدأت تضحك؟ فقال: رأيت ملائكة العذاب تركوا أمي وأخذتها ملائكة الرحمة وذهبوا بها إلى الجنة بدل النار" (5).
_________
(1) ((الحكايات الرضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) للبريلوي (53).
(2) ((ملفوظات البريلوي)) (164)
(3) ((الحكايات الرضوية)) (172).
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) البريلوي (57،85).
(5) ((ملفوظات البريلوي)) حكايات رضوية (48).
وهل يحتاج بعدئذ إلى دليل وبرهان؟ بعد هذه الأدلة القطعية قطعية الثبوت والدلالة؟ ومن سأل أو طلب فهو وهابي كافر. معاذ الله من هذه العقول الضعيفة والقلوب المريضة التي استولى عليها الشيطان وأضلها عن سواء السبيل.
ومن عجائب ما يحكون وغرائب ما يسطرون هي القصص التي ترغب الناس عن الله وتوجههم إلى غير الله وتنبئ أنه لم يبق لله قدرة ولا اختيار ولا نفوذ ولا رسوخ بل كل هذه الأشياء انتقلت إلى الأولياء والصالحين، فبيدهم كل شيء فلا استغاثة إلا بهم ولا نجاة إلا في أيديهم، وخير مثال لهذا ما حكاه البريلوي نفسه: أن سيدي بايزيد البسطامي وقف على شاطئ الدجلة فسمى الله ونزل فيه ومشى على ماءه كمشيته على الأرض فرآه شخص وكان يريد عبوره أيضا فنزل فيه ومشى خلفه وسمى باسمه ولما قرب منه رآه وهو يذكر الله فقلده فسمى الله فإذا بدأ يغرق فالتفت إليه بايزيد وقال له: اسمي اسمي لا اسم الله، كيف تجرأ على ذكر اسمه وتترك اسمي؟ فقال له الغريق رأيتك تسمي الله فسميت، فقال: وهلا وصلت إلي حتى تصل إليه، فنادى باسم بايزيد ونجا من الغرق وبدأ يمشي على الماء كأنه يمشي على الطريق الممهد في الأرض" (1).
ونختتم هذا الباب على حكاية طريفة أخرى من المئات والألوف التي عليها أسس القوم دينهم وبنوا شريعتهم وجعلوها مستندهم وحجتهم في الدين والدنيا، وما أخسرهم وأبخس بهم، فقالوا، والقائل البريلوي نفسه:
أن عارفا كان يبحث عن شيخ ومرشد كامل ولكنه لم يهتد إليه ففي ليلة من الليالي قال لله عز وجل: وعزتك وجلالك صباحا أبايع أول شخص ألتقيه بعد طلوع الفجر، فلما أصبح خرج عن بيته ووقف في الطريق ينتظر أول القادمين، وكان سارقا حاملاً لسرقته، فبادر إليه وأخذ يده وقال له مد يدك أبايعك، فاستغرب السارق وتحير وأراد أن يهرب منه ولكنه لم يتركه حتى اضطر إلى أن يبوح بحقيقته فقال له: يا شيخ ماذا تريد مني وأنا سارق مشهور ونهاب معروف، وهذا هو مال السرقة على غاربي؟ قال له العارف: مهما يكن من الأمر فأنا حلفت بالله أن لا ألتقي بأول شخص في الصباح إلا وأبايعه على يده، فأنت أول من لقيته فلا أتركك إلا أن تأخذ بيعتي، ولما رأى الخضر عليه السلام هذه الواقعة ورأى صدق الطالب حضر وأخذ بيد السارق وخلع عليه جميع مراتب الولاية ومناصبها واجتاز به المقامات وأدخله في الكلمة وهو واقف على موقفه ثم أمره أن يأخذ بيعة ذلك العارف" (2).
فهؤلاء هم القوم وهذه هي حججهم وبراهينهم في إثبات المسائل الشرعية والعقائد الدينية ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30]
وقال الله جل وعلا: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان: 43 - 44]
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص213
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (52،53).
(2) ((حكايات رضوية)) بجمع وترتيب مفتي البريلوية وتلميذ البريلوي خليل البركاتي (71،72).
المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ
انطلقت الدعوة من بريلي بولاية أوترابرديش بالهند، لتنتشر في القارة الهندية كلها (الهند والباكستان وبنجلاديش وبورما سريلانكا). لهم وجود في انجلترا، كما لهم نفوذ في جنوب أفريقيا وكينيا ومورشيوس وعدد من البلدان في قارة أفريقيا
Oالموسوعة الميسرة
ويتضح مما سبق إن البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية إبان الاستعمار البريطاني، وهم يغلون في الأنبياء والأولياء، ويحاربون دعاة التوحيد الخالص، ويعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم له قدرة يتحكم بها في الكون، وأنه صلى الله عليه وسلم والأولياء من بعده لهم قدرة على التصرف في الكون، ولديهم عقيدة اسمها عقيدة الشهود فيعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر لأعمال الخلق في كل زمان ومكان، وهم ينكرون بشريته صلى الله عليه وسلم ويحثون أتباعهم على الاستغاثة بالأنبياء ويشيدون القبور ويعمرونها وينيرونها بالشموع والقناديل
Oالموسوعة الميسرة
المبحث التاسع: فتاوى اللجنة الدائمة في الطريقة البريلوية
س: جماعة معينة في الباكستان تسمى البريلوية أو جماعة نواري نسبة إلى رئيسهم الحالي المعروف بنواري حيث طلبت من فضيلتكم الحكم الشرعي بهم وباعتقادهم وبالصلاة خلفهم ليكون ذلك بردا وسلاما على قلوب كثيرة لا تعرف الحقيقة ومرة ثانية، أذكركم ببعض خرافاتهم واعتقاداتهم الشائعة:
1 - الاعتقاد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام حي.
2 - الاعتقاد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام حاضر وناظر خاصة بعد صلاة الجمعة مباشرة.
3 - الاعتقاد بأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الشفيع مسبقا.
4 - يعتقدون بالأولياء وأصحاب القبور ويصلون عندهم طالبين منهم قضاء الحاجة.
5 - إشادة القباب وإضاءة القبور.
6 - قولهم المشهور: يا رسول، يا محمد صلى الله عليه وسلم.
7 - يسخطون بمن يجهر بالتأمين ويرفع يديه في الصلاة ويعتبرونه وهابي.
8 - التعجب الشديد عند استعمال السواك عند الصلاة.
9 - تقبيل الأصابع أثناء الوضوء والأذان وبعد الصلاة.
10 - يردد إمامهم دائما بعد الصلاة ... الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [:56] وبالتالي فإن جميع المأمومين يصلون على النبي بشكل جماعي بصوت عال.
11 - يتحلقون بعد صلاة الجمعة واقفين وينشدون ويمدحون بصوت مرتفع.
12 - بعد ختم القرآن الكريم في تراويح شهر رمضان يطهون الطعام الكثير ويوزعونه في صحن المسجد بالإضافة إلى الحلويات.
13 - يشيدون المساجد ويهتمون بزخرفتها كثيرا، ويكتبون فوق المحراب: يا محمد.
14 - يعتبرون أنفسهم هم أصحاب السنة والعقيدة الصحيحة وغيرهم على خطأ.
15 - ما الحكم الشرعي بالصلاة خلفهم؟
علما بأنني طالب طب في كراتشي وأسكن بجوار المسجد والمسلطة أو المشرفة عليه تلك الجماعة البريلوية.
ج: من هذه صفاته لا تجوز الصلاة خلفه، ولا تصح لو فعلت من عالم بحاله؛ لأن معظمها صفات كفرية وبدعية تناقض التوحيد الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وتعارض صريح القرآن، مثل قوله سبحانه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30] وقوله: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وينكر عليهم البدع التي يفعلونها بأسلوب حسن فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا هجرهم وصلى في مساجد أهل السنة، وله في خليل الرحمن أسوة حسنة في قوله: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا [مريم:48]
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
Oفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -3/ 81
س: هنا في الباكستان علماء فرقة البريلوية يعتقدون أنه لا ظل للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا دلالة على عدم بشرية النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا هو الحديث الصحيح. ليس الظل للنبي صلى الله عليه وسلم؟
ج: هذا القول باطل مناف لنصوص القرآن والسنة الصريحة الدالة على أنه صلوات الله وسلامه عليه بشر لا يختلف في تكوينه البشري عن الناس وأن له ظلا كما لأي إنسان، وما أكرمه الله به من الرسالة لا يخرجه عن وصفه البشري الذي خلقه الله عليه من أم وأب، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110] الآية، وقال تعالى: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [إبراهيم:11] الآية.
أما ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله فهو حديث موضوع.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
Oفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -1/ 392
البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية في مدينة بريلي في ولاية أوترابراديش بالهند أيام الاستعمار البريطاني.
Oالموسوعة الميسرة
البريلوية ... نشأت شديدة الانحراف عن الإسلام، ولعله لن يمضي وقت طويل حتى ينسى أتباعها أنهم أتباع طريقة صوفية، وتغدو ديانة جديدة مستقلة، والتشيع فيها واضح
Oالكشف عن حقيقة الصوفية لمحمود عبد الرؤوف قاسم ص811
المبحث الثاني: التأسيس والجذور التاريخية
• المطلب الأول: سيرة البريلوي.
• المطلب الثاني: أسرته.
• المطلب الثالث: وفاته.
• المطلب الرابع: مبالغات البريلويين وغلوهم فيه.
• المطلب الخامس: مؤلفاته.
• المطلب السادس: مخالفته الجهاد والمجاهدين، ومناصرته الاستعمار والمستعمرين.
المطلب الأول: سيرة البريلوي
ولد قائد هذه الطائف وزعيمها ومؤسس هذا الحزب وبانيه في بيت علمي حيث كان أبوه نقي علي وجده رضا علي يعدّان من العلماء الأحناف (1) في 14 يونيو 1865م الموافق 10 شوال 1272هـ (2) فسمى بمحمد، وأمه سمته أمّن ميان، ووالده أحمد ميان، وجده أحمد رضا (3) ولكنه لم يرض بهذه الأسماء كلها فسمى نفسه عبدالمصطفى (4) وكان يلتزم باستعماله في المكاتبات والرسائل والكتب.
...... وأما البريلويون فيحكون القصص وينسجون الأساطير في إمامهم مثل الطوائف الكثيرة التي يبنون عمائرها على الحكايات الباردة والمختلقات الباطلة لرفع قيمته وشأنه، وإعلاء كلمتهم ودعوتهم مع أن الكذب يجلب الذم والنقيصة بدل الثناء والمديحة، فيقولون:
إنه في الرابعة من عمره قرأ القرآن كله، وقبل الرابعة بكثير "يعني في الثالثة أو قبل ذلك" عندما جلس أول مرة لدى أستاذه ليبدأ بالألف والباء بدأ أستاذه ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم علمه ألف، ب، ت إلى أن لقنه بقوله: لام ألف: لا، فسكت البريلوي، فلقنه أستاذه مرة أخرى قل: لام ألف لا، قال البريلوي الطفل: قرأت الألف وقرأت اللام، فلم مرة ثانية؟ فقال له جده رضا علي: يا بني إقرأ كما يعلمك معلمك، فنظر الطفل إلى جده نظرة عرف جده بنور إيمانه من نظرته تلك أن هذا الطفل سيكون شمسا للعلم والحكمة ويجلي العالم بنوره ويريد أن يكشف الأسرار من قلبه وبصره من الآن، فقال: صدقت أنت قرأت الألف واللام مقدما ولكن الألف الذي قرأته سابقا لم يكن ألفا حقيقية بل كانت همزة لأن الألف يكون ساكنا دائما ولا يمكن الابتداء بالساكن لأجل ذلك يؤتى بلام قبله حتى يعرف الألف ويعلم.
فالبريلوي الطفل لم يقتنع مرة ثانية وقال: فلم خصص اللام بالابتداء وكان من الممكن أن يبدأ بالباء والتاء والدال والسين، فتحير الجد فقال: بدئ اللام لأنه يتفق بالألف صورة وسيرة (5) - إلى آخر ذلك من الخرافات -
وهل لقائل أن يقول وسائل أن يسأل عن هؤلاء الأعاجم: أي اتفاق بين الألف واللام صورة وسيرة إنتبه له ذلك الطفل الصغير الذي لم يبلغ الثالثة أو الرابعة من العمر، والذي لم يعرفه معلموا الألسنة ومهرتها ولم ينتبهوا إلى هذه الخرافة، ومادونها خرافة.
وفي أول يوم من تعليمه عرفه ذلك الصغير كأن القوم يريدون تشبيه زعيمهم بالأنبياء والرسل حيث أنهم يعلمون بدون تعليم الخلق إياهم بل وأكثر من ذلك يحاولون أن يزيدوه عليهم ويرفعوه فوقهم "عياذا بالله" حيث إنه لم ينقل عن واحد منهم في الروايات الصحيحة والكتب المعتمدة مثل هذا التنقيب والتحقيق، والتفحص والتعمق - حسب مزاعمهم - اللهم إلا ما نقل في المرويات المرميات والكتب القصصية الخيالية من المفتريات على البعض.
وفعلا هذا ما قصدوه، وهذا ما يريدونه لأنهم كتبوا قبل بيان هذه القصة قصصها مثلها بأن أحمد رضا لم يكن يحتاج إلى تعليم المعلمين وتدريس المدرسين لأن الله نفسه علمه منذ ولادته أو لعله قبل ولادته؟ وقد صرح بذلك ناسجوا الخيال حيث يقول واحد منهم قبل ذكر هذه القصة: إن عالم الغيب ملأ قلبه وروحه، ذهنه وفكره من الإيمان واليقين، وملأ صدره المبارك من العلوم والمعارف وجعله خزينة لها، ولأجل ذلك مشى الحضرة الأعلى رضي الله تعالى عنه ظاهرا في طرق عالم الأسباب (6).
_________
(1) ((تذكرة علماء هند)) (64).
(2) ((حياة أعلى حضرة)) (1/ 1).
(3) ((البريلوي)) للبستوي (25).
(4) ((من هو أحمد رضا)) للقادري (15).
(5) ((البريلوي)) للبستوي (26،27) ((أنوار رضا)) (355) وغيرهما من الكتب.
(6) ((البريلوي)) للبستوي (26).
هذا وهو نفسه لم يكن يرضى بشأن أقل من شأن الأنبياء حتى أنه قال مرة لأتباعه ومريديه وهو يشكو من صداعه وحماه: أن هذه الأمراض مباركة، وكانت تلازم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فالحمد لله لازمتني كما لازمتهم" (1).
وعلى ذلك كان يقول: إن تاريخ ولادتي يستخرج من قول الله عز وجل والذي ينطبق على: أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ [المجادلة: 22] (2).وهذا هو ظفر الدين أيضا كتب عن طفولته أنه عندما كان يقرأ القرآن "وهو دون الرابعة من العمر" لقنه أستاذه آية من القرآن ولكن البريلوي كلما يحاول أن يقرأ لم يكن يتمكن، فلاحظ هذا جده فاستغرب، وبعدما نظر في المصحف رأى أنه كان في قراءة المعلم لحنا ولسان البريلوي كان يأبى بقراءة هذه الآية ملحونا (3).
يعني أن العصمة كانت حاصلة له وحتى في صغره ولم ينطق بغلط، وقد نص عليه القوم وما أكثرهم وما أجرأهم على الله، فكتب غير وحد منهم: أن قلم أحمد رضا ولسانه حفظ من زلة وحتى قدر النقطة مع الثابت أن لكل عالم هفوة" (4).
وقال الآخر: إن البريلوي لم ينطق بلسانه المبارك بلفظة غير شرعية، والله عصمه من كل زلة" (5).وأيضا "إن أحمد رضا عصم في طفولته من الانحراف والغلطة وأودع فيه أتباع الصراط المستقيم" (6).و "إن الله صان قلمه ولسانه من الخطأ (7).وأكثر منه صراحة أن الحضرة الأعلى "أي البريلوي" كان في يد الغوث الأعظم "يعني الشيخ عبدالقادر الجيلاني" كالقلم في يد الكاتب، والغوث الأعظم في يد رسول الله محمد صلى الله تعالى عليه وسلم كالقلم في يد الكاتب، والرسول في الحضرة الإلهية ما ينطق عن الهوى" (8).
وعلى ذلك قال بريلوي في حقه: إن "رضى الله في رضى الرسول، ورضى رسول الله في رضى البريلوي" (9) و "إن وجود البريلوي كان آية من آيات الله المحكمات" (10).
وعلى ذلك قال أحد المهينين لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن زيارة البريلوي قللت اشتياقنا إلى زيارة أصحاب النبي عليه وسلم" (11)
هذا ما نسجته الأيدي الأثيمة من الخرافات والخزعبلات لإثبات أباطيلهم وأكاذيبهم والكذب لا يفيد الكذاب. وأخيرا قصة أخرى وما أردأها وما أكثرها "أن شخصا لقى البريلوي وهو لم يتجاوز يوم ذلك ثلاث سنوات وستة أشهر من العمر، فكلمه بالعربية الفصحى فرد عليه البريلوي بالعربية مثله، ولم ير ذلك الرجل بعد" (12).
هذا وهذه الأشياء كلها لم تكفهم ولم يقتنعوا بها حتى قالوا: إن والده الذي كان يدرسه ويعلمه قال له مرة: لا أدري أعلمك أم تعلمني؟ ويوم ذلك لم يتجاوز العاشرة من عمره" (13).والجدير بالذكر أن المدرس الذي كان يدرسه مرزا غلام قادر بيك (14) كان
أخا للمرزا غلام أحمد المتنبي القادياني. ويقولون: إنه فرغ من التعليم والدراسة وجلس على مسند الإفتاء وعمره لم يتجاوز الرابع عشرة سنة" (15).
وكما يذكره هو نفسه بالتحديد:"الحمد لله أفتيت أول فتيا حينما كنت في الثالثة عشر من عمري للرابع عشر من شعبان سنة 1286هـ، وفي هذا التاريخ فرضت على الصلاة وتوجهت إلى الأحكام" (16).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص13
_________
(1) ((ملفوظات)) (1/ 64).
(2) ((حياة أعلى حضرة)) (1).
(3) ((حياة أعلى حضرة)) (22).
(4) ((ياد أعلى حضرة)) لعبد الحكيم شرف (32).
(5) ((الفتاوى الرضوية)) مقدمة (2/ 5) لمحمد أصغر العلوي.
(6) ((أنوار رضا)) (223).
(7) ((أنوار رضا)) (271).
(8) ((أنوار رضا)) (270).
(9) ((باغ فردوس)) لأيوب رضوي (7).
(10) ((أنوار رضا)) (100).
(11) ((وصايا البريلوي)) (24).
(12) ((حياة أعلى حضرة)) (22).
(13) مقدمة ((فتاوى رضوية)) (2/ 6).
(14) ((البريلوي)) للبستوي (32)، ((أعلى حضرة)) (32).
(15) ((البريلوي)) للبستوي (32).
(16) ((من هو أحمد رضا)) للقادري (17).
المطلب الثاني: أسرته
إن أسرة البريلوي التي ولد فيها لم يعرف عنها كثير غير أن والده وجده كانا من الذين ينتسبون إلى العلم كما مر.
نعم إن المخالفين يقولون: إنه من أسرة شيعية أظهر تسننها تقية للإضرار بهم ويستدلون على ذلك بأمور:
أولا: إن أسماء آبائه وأجداده أسماء شيعية لم تكن رائجة في أهل السنة مثلها، وهذه هي الأسماء: أحمد رضا بن نقي علي بن رضا علي بن كاظم علي (1).
ثانيا: إن البريلوي تكلم بكلمات حول الصديقة، أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها لا يتصور التفوه بها من سني أبدا. ثالثا: إنه روّج في السنة عقائد وأفكاراً لم تكن رائجة بين السنة في شبه القارة الهندية الباكستانية قبله، وكلها كانت مأخوذة من الشيعة علم الغيب للأنبياء والصلحاء وعلم ما كان وما يكون، والاختيار والقدرة وغيرها من الأشياء (2).رابعا: إنه كان يروى روايات شيعية وأحاديثها ويروّجها بين السنة ويستدل بها مثل "إن عليا قسيم النار" (3).وأيضا "إن فاطمة سميت بفاطمة لأن الله فطمها وذريتها من النار" (4).وكان يقول: إن ترتيب الأغواث أي المغيثين للخلق والذين يستغاث بهم يبدأ من علي رضي الله تعالى عنه إلى الحسن العسكري، الأئمة الإحدى عشر عند الشيعة" (5).
وقال: إن عليا يدفع البلا ويكشف الكروب لمن يقرأ الدعاء السيفي المشهور سبع مرات أو ثلاث مرات أو مرة واحدة، وهذا هو الدعاء:
ناد عليا مظهر العجائب
تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سينجلي
بولايتك يا علي يا علي
" (6)
وأيضا "إن هذا الشعر نافع لدفع الأمراض وسبب لحصول الوسيلة والثواب وهو هذا:
لي خمسة أطفي بها حر الوباء الحاطمة
المصطفى والمرتضى وابناهما والفاطمة
" (7)
ثم ويتحدث عن الجفر الشيعي ويقرّه حيث يقول: الجفر جلد كتبه جعفر الصادق، كتب فيه لآل البيت كلما يحتاجون إليه وإلى معرفته وكلما يكون إلى يوم القيامة" (8).
كما يذكر الجامعة الشيعية أيضا بقوله: (الجفر) و (الجامعة) كتابان لعلي رضي الله عنه ذكر فيهما الحوادث التي تحدث إلى انقراض العالم على طريقة علم الحروف، وكان الأئمة المعروفون من أولاده يعرفونها ويعلمون بها" (9).
وروى هذه الرواية المكذوبة وأقرها ولقنها أهل السنة:"قيل للرضا – الإمام الثامن والمعصوم لدى الشيعة – رضي الله تعالى عنه: علمني كلاماً أتكلم به إذا زرت واحدا منكم أهل البيت؟ فقال: أدن من القبر وكبّر الله أربعين مرة ثم قل: السلام عليكم يا أهل البيت إني مستشفع بكم ومقدمكم أمام طلبي وإرادتي ومسألتي وحاجتي، وأشهد الله أني مؤمن بسركم وعلانيتكم، وأني أبرأ إلى الله تعالى من عدو محمد وآل محمد من الجن والإنس" (10).وقد كتب في إحدى كتبه "لا بأس بوضع تمثال مقبرة الحسين في البيت للتبرك" (11).
_________
(1) ((حياة أعلى حضرة)) (2).
(2) ((فتاوى بريلوية)) (14).
(3) ((الأمن والعلى)) للبريلوية (58).
(4) ((ختم نبوت)) للبريلوي (98).
(5) ((ملفوظات)).
(6) ((الأمن والعلى)) (12،13).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 187).
(8) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (48).
(9) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (48).
(10) ((حياة الموات)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 299).
(11) رسالة ((بدر الأنوار)) للبريلوي (57).
هذا وما أكثر مثله. خامسا: إن سلسلة بيعته تصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بواسطة أئمة الشيعة كما ذكر نفسه في عبارته العربية "اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا ومولانا محمد المصطفى رفيع المكان، المرتضى علي الشان الذي رجيل من أمته خير من الرجال السالفين، وحسين من زمرته أحسن من كذا وكذا، حسنا من السابقين، السيد السجاد زين العابدين، باقر علوم الأنبياء والمرسلين ساقي الكوثر، ومالك تسنيم، وجعفر الذي يطلب، موسى الكليم، رضا ربه بالصلاة عليه" (1).
ومن هذه العبارة يظهر أيضا نبوغه في العربية ومهارته فيها، الشخص الذي يقولون عنه: إنه كان يتكلم بها وهو في الثالثة من العمر.
ولا ندري أي تركيب هذا وأية عبارة هذه "حسين من زمرته أحسن من كذا وكذا"؟
وأيضا ما معنى "باقر علوم الأنبياء"؟
وما معنى "بالصلاة عليه"؟.
فالحاصل أنهم يستدلون على تشعيه من أقاويله ومعتقداته التي أراد ترويجها في السنة. سادسا: إنه كفّر السنة وأساطينها من شبة القارة وخارجها، وصرح بأن مساجدهم لا يحكم عليها أنها مساجد، ولا يجوز مجالستهم ومناكحتهم غير أنه لم يجعل الشيعة هدف فتاويه ولم يتكلم على مراكزهم ومعابدهم وحسينياتهم بل عكس ذلك يروون عنه "إن شيعة بنوا حسينية ثم ذهبوا إلى البريلوي ليختار لها إسما فاستخرج أسمها من التاريخ (2).سابعا: إنه نظم بعض القصائد بالغ فيها في مدح أئمة الشيعة ومنقبتهم" (3).
ولأجل هذه الأشياء يتهمه المخالفون هو وأسرته بالتشيع وأنه كان يعمل على حسابهم ويروج دعوتهم متقنعا بنقاب السنة.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص21
_________
(1) ((أنوار الرضا)) (27).
(2) ((ياد أعلى حضرة)) لشرف البريلوي (29).
(3) انظر لذلك ((حدائق بخشش)) للبريلوي.
المطلب الثالث: وفاته
مات البريلوي من مرض ذات الجنب ويقولون: لما حضره الوفاة أوصى بوصايا عديدة – وقد طبعت هذه الوصايا في رسالة مستقلة باسم "وصايا شريف" – منها ما أوصى بها طائفته وجماعته:"تمسكوا بديني ومذهبي الذي هو ظاهر من كتبي، تمسكوا به واستقيموا عليه لأنه فرض أهم من جميع الفروض" (1).وقال: لا أدري ما بقائي فيكم ... أنتم ضئان المصطفى الساذجة صلى الله تعالى عليه وسلم وإن الذئاب محيطون بكم من كل الجوانب ويريدون أن يغووكم ويوقعوكم في الفتنة ويذهبوا بكم إلى الجحيم، فاجتنبوهم وخاصة الديوبنديين" (2).وآخر ما قال: إن أمكن فأرسلوا في الأسبوع مرتين أو ثلاثا في الفاتحة "يعني النذر" هذه الأشياء: المحلبية المثلجة ولو كانت من لبن الجاموس، والأرز البرياني، والأزر البخاري، والكباب، والكوفة، والمطبق، والقشطة، والفول، والسمبوسة، وعصير الفتاح، وعصير الرمان، والقارورة الغازية، والحليب المثلج فإن أمكن فأرسلوا كل يوم منها ولو شيئاً واحدا وإلا فكما ترون" (3).ومات في 25 صفر 1340هـ الموافق 1921م بعدما عمر 68 سنة ظهرا (4) .....
_________
(1) ((وصايا شريف)) ترتيب حسنين رضا (10) ط آغرة الهند.
(2) ((البستوي)) (105).
(3) ((البستوي)) (9،10).
(4) ((البريلوي)) للبستوي (11).
المطلب الرابع: مبالغات البريلويين وغلوهم فيه
ولو ما كان هذا لكان هناك قصص وأساطير، وهل يستبعد الأساطير من القوم الذين اختلقوا أن جنازته لما حملت:"رأى بعض الناس أنه حملها ملائكة الرحمان على أكتافهم" (1).
والذين قالوا فيه:
أن رسول الله كان جالسا في جمع من أصحابه منتظرا مجيء البريلوي لأنه لما سئل عن سكوته وسكوت أصحابه فقال: نحن ننتظر البريلوي حتى يأتي" (2).وأكثر في ذلك "إن رسول الله صل الله تعالى عليه وسلم أرسل هدية الطيب لغسل البريلوي" (3).
ومادمنا بدأنا في مبالغات القوم ومقالاتهم في البريلوي نريد أن نذكر بعض ما قالوه في حقه: فمن المغالاة التي بلغت حد الإساءة والإهانة قول البريلويين: إن رؤية البريلوي قللت شوق زيارة أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – عياذ بالله –" (4).ولا يوجد في القرنين الأخيرين من عالم جامع مثله" (5).وقال الثاني: إنه لا نظير لجلالته العلمية وكماله العملي، وإن البريلوي كان عديم النظير في قوة علمه وإصابة رأيه" (6).وقال الثالث: إن البريلوي أحيا الدين بتعليماته" (7).ورابع قال: إن "الفتاوى الرضوية" تشتمل على آلاف من المسائل التي لم تسمعها أذن العلماء" (8).وقال الخامس: لو رأى أبو حنيفة رحمه الله (الفتاوى الرضوية) لقرت عينه ولجعل مؤلفها من جملة الأصحاب (9).وقال السادس: إنه هو كان أبا حنيفة عصره" (10).وسابعهم أعتقد إن هذا كله لا يكفي فقال: إن البريوي كان يملك فطانة أبي حنيفة في الاجتهاد وضياء الخصاف وعقل الرازي وذاكرة قاضي خان" (11).وليس هذا فحسب، بل كان "عكس الصديق في قول الحق، ومظهر الفاروق في تمييز الباطل، وصورة ذي النورين في الجود والرحم، وسيف عليّ في ضرب الباطل" (12).
هذا ما قاله ثامنهم. والتاسع قال: إن البريلوي كان معجزة من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم" (13).وقال العاشر: إن أحمد رضا حجة الله في الأرض" (14).
فتلك عشر كاملة.
وهذه الأشياء إن دلت على شيء دلت على مسابقة القوم في المبالغة والغلو ونحن ذكرنا فيما مر أنهم يقولون بصيانته من الأغلاط وعصمته من الأخطاء مع أن العصمة ليست إلا من اختصاصات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
وهناك بعض الأشياء الأخرى نذكرها إكمالا للبحث وبرهانا على أن القوم تعودوا الكذب.
منها أنهم يقولون: إن البريلوي رأى في طفولته مومسات في الطريق، فرفع قميصه ووضعه على العيون حجابا منهم، ولما رفع القميص تعرى "فضحكت عليه المومسات وقلن له: غطيت وجهك وكشفت سترك، فأجاب: إذا زلت البصر ضل القلب، وإذا ضل القلب هتك الستر، وكان عمره آنذاك ثلاث سنوات وستة أشهر" (15).
وهل لسائل أن يسأل من الذين يريدون أن يجعلوه فوق البشر! كيف عرف الزانيات بأنهن زانيات مومسات؟ الطفل الذي لا يعرف ستر عورته، ومن أين عرف معاملات النظر والقلب وتأثيرهما على الستر.
وهل يحتاج الكذب إلى العقل؟ كلا!
_________
(1) ((أنوار رضا)) (272)، وأيضا ((روحون كي دنيا)) مقدمة (22).
(2) ((البستوي)) (121) والفتاوى الرضوية (2/ 13).
(3) ((وصايا البريلوي)) (19).
(4) ((وصايا البريلوي)) (24) ترتيب حسنين رضا ابن أخ البريلوي.
(5) ((وصايا البريلوي)) (24) ترتيب حسنين رضا ابن أخ البريلوي.
(6) ((شرح الحقوق)) مقدمة (8).
(7) ((شرح الحقوق)) مقدمة (7).
(8) ((بهار شريعت)) (1/ 3).
(9) مقدمة ((الفتاوى الرضوية)) (11) (4).
(10) مقدمة ((الفتاوى الضوية)) ج5 ص ب.
(11) مقدمة ((الفتاوى الضوية)) (210).
(12) ((أنوار رضا)) (263).
(13) ((أنوار رضا)) (263).
(14) ((أنوار رضا)) (303).
(15) ((سوانح أعلى حضرة)) لبدر الدين (110) و ((أنوار رضا)).
ويقولون: إن علماء الطبيعة في أوروبا، والفلاسفة في آسيا، كانوا يرتعدون من هيبة علم البريلوي" (1).و "إن البريلوي كان يحفظ جميع الكتب المتداولة والغير المتداولة التي ألفت وكتبت في أربعة عشر قرنا، وإن أرباب اللغة والاصطلاح عجزوا عن إيجاد لفظة تعبر عن مقامه الرفيع" (2).
ومن ناحية أخرى يقولون: إن البريلوي لما ذهب للحج ذهب إلى مسجد خيف هناك وبات فيه فبشر بالمغفرة" (3).وإنه كان مجدداً وسيداً وإماماً ومرشداً ومالكاً وشافعاً وداره دار الشفا، وهو الذي أبصر العيان وأسمع البكم، وإنه مشكاة نور الله ومرآة حسن المصطفى وأسد أسود الله" – إلى آخر ذلك من الخرافات – (4) و "إنه قاضي الحاجات وكاشف الكروب ومحلّل المشكلات وساقي الكوثر وصاحب القبر والنشر والحشر، وهو الغوث وقطب الأولياء وخليفة المصطفى وخضر بحر الهدى، والمعطي والرزاق" (5).
هذا ومثل هذا كثير.
فهذا هو القوم وهذا هو البريلوي زعيمهم، وهذه هي مجازفاتهم وغلوهم فيه وإن البريلوي هو الذي لقّن طائفته هذه العبارات وعلمهم، ولم ير له مثيل في الغلو في شبه القارة كلها وسيأتي بيان مجازفاته ومبالغاته في المباحث الآتية لكننا نريد أن نثبت ههنا شيئين فقط لإثبات ما قلناه بالدليل،
فإن البريلوي قال مخاطباً الشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله: ياغوث إن أقطاب العالم كلهم يطوفون بالبيت العتيق ولكن الكعبة تطوف حول بابك العالي" (6) – عياذا بالله -.
ومن بالغاته في نفسه أنه قال: أنا ملك مملكة البيان ولابد للناس من تسليم كلما أقوله" (7).و "إن صدري عيبة العلوم لا أسأل عن شيء إلا وأجيب عليه فوراً في أي علم كان" (8).
ومرة عاكس الأمر في مبالغاته حيث أخرج شخصه عن الآدمية والإنسانية فقال مخاطبا نفسه: لا يسأل أحد عنك ولا يبالي أحد بك لان كلابا أمثالك كثيرون" (9).وأيضا يقول عن نفسه: أنا كلب الغوث الأعظم وفي عنقي قلادته" (10).
ومرة طلب شيخ البريلوي كلبين أصيلين من سلالة عالية فذهب إليه البريلوي بابنيه وقدمهما إليه بقوله: يا سيدي! جئت إليكم بهذين الكلبين الأصيلين وإنهما من نسل جيد عال فاقبلوهما مني" (11).
فهذه هي المبالغات وها هي طرفاها الأدنى والأعلى، الإمام الهمام المرشد، الغوث المغيث القطب، قاضي الحاجات فارج الهم، كاشف الغم، مجيب الدعوات وكلب وأبو الكلاب!.
فعلى هذه المبالغات والمجازفات والترهات والشطحات قامت شريعته وأسست ديانته وراج سوقه واشتهر ماله.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير - ص45
_________
(1) ((روحون كي دنيا)) (26).
(2) ((روحون كي دنيا)) (265).
(3) ((حياة أعلى حضرة)) لظفر الدين البهاري (12)، أيضا ((أنوار رضا)) (235).
(4) ((نفخة الروح)) لأيوب على البريلوي (5) ط بريلي.
(5) ((نفخة الروح)) (47،48).
(6) ((حدائق بخشش)) دويان شعر للبريلوي.
(7) ((أنوار رضا)) (319)، وأيضاً ((حدائق بخشش)).
(8) ((شرح الحقوق)) (8) المقدمة.
(9) ((شرح الحقوق)) (11) المقدمة، و ((حدائق بخشش)).
(10) ((حدائق بخشش)) (5).
(11) ((أنوار رضا)) (238).
المطلب الخامس: مؤلفاته
إن البريلوي لم يكتب كتابا، وإنما كتب الفتاوى في جواب استفتاءات يستفسره الناس من طائفته فكان يرد على أسئلتهم ويفتيهم على استفتاءاتهم بمعونة أشخاص عديدين الذين كانوا معينين موظفين عنده لأداء هذه المهمة، ولأنهم كانوا أفرادا عديدين لذلك كان كل واحد يكتب ويجمع الجواب من كتب فقهية موجودة، وربما كانت ترسل الاستفتاءات إلى مدن أخرى لوجود بعض الكتب هناك وبعض المساعدين فيها فكانوا يرسلون الأجوبة بالعبارات المنقولة من بطون هذه الكتب ثم تجمع هذه الفتاوى كلها وتقدم إلى البريلوية، والبريلوي يجمعها ويصوغها في عباراته بدون التنقية والتنقيح، وعلى ذلك يوجد فيها الإبهام الشديد والتعقيد والإغلاق، ويوقع القارئ في الحيرة والاضطراب، ثم قبل إرسالها إلى المستفتي كان يطلق عليها الاسم المناسب للاستفتاء والاسم التاريخي الآخر أي الاسم الذي يخرج منه تاريخ كتابة الفتوى وبعد نقلها عنده يرسلها إلى المستفتين، وأحيانا كان يطبعها قبل أن يرسلها بصورة كتيب أو رسالة، وهذا كان دأبهز
وكان يراعي في الفتاوى أن يكون فيها الرد على المتمسكين بالكتاب والسنة والدعاة إلى التوحيد الخالص، ولذلك يرى القارئ أكثر ما يرى من انطلاقة قلمه في المسائل الخلافية أو المسائل الخرافية كما يسميها المخالفون له مثل علم الغيب للرسل والأولياء والصالحين، وكونهم من جنس البشر أو النور، ووجودهم في بقعة من بقاع العالم في آن واحد وحياتهم بعد وفاتهم وتصرفاتهم الكاملة في عالم الكون والتدبير أثناء وجودهم في الدنيا وغيابهم منها، وقدرتهم واختياراتهم، والتبرك بالقبور وأصحابها وبالتماثيل والصور وغير ذلك من المسائل.
وعلى ذلك يمكن القول بأنه لم يؤلف وحتى في فتاويه إلا ما يعدّ على أصابع اليدين لأن جل فتاويه أن لم نقل كلها يدور حول هذه المواضيع، الواحدة المتحدة في ذاتها وجوهرها.
وإليكم النصوص التي تثبت ما قلناه من كتب القوم أنفسهم،
أولا: إن قول البريلويين إن كتبه تتجاوز الألف هذا مما لا يثبت بالدليل لأن لفظة الكتاب لا تشمل إلا فتاواه التي طبعت في ثماني مجلدات فقط صغير الحجم وكبيرة، والباقي كلهاه رسائل وكتيبات لا يطلق عليها اسم الكتاب.
ومن الطرائف أن الفتاوى بمجلداتها الثمانية لم يطلق عليها اسم الكتاب إلا أنه أدرج فيها هذه الرسائل والكتيبات جميعا فغرق جل هذه الرسائل إن لم نقل كلها في هذه المجلدات وأدرج فيها، ومثال ذلك (الفتاوى الرضوية) المجلد الأول من هذه المجلدات الثمانية، وهو يشتمل على أحدى وثلاثين رسالة التي عددناها بالنظرة الخاطفة الأولى. وهذه هي أسماءها:
1 - الجود الحلو. 2 - تنوير القنديل. 3 - أخر مسائل. 4 - النميقة الأنقى. 5 - رحب الساعة. 6 - هبة الحمير. 7 - مسائل أخر. 8 - فصل البئر. 9 - بارق النور. 10 - ارتفاع الحجب. 11 - الطرس المعدل. 12 - الطلبة البديعة. 13 - بركات السماء. 14 - عطاء النبي. 15 - النور والنورق. 16 - سمع الندر. 17 - حسن التعمم. 18 - باب العقائد. 19 - قوانين العلماء. 20 - الجد السعيد. 21 - مجلى الشمعة. 22 - تبيان الوضوء. 23 - الدقة والتبيان. 24 - النهي النمير. 25 - الظفر لقول زفر. 26 - المطر السعيد. 27 - لمع الأحكام. 28 - المعلم الطراز. 29 - نبه القوم. 30 - أحلى الأعلام. 31 - الأحكام والعلل.
وبعض هذه الرسائل لا تشتمل إلا على ست صفحات مثل (تنوير القنديل) وسبع صفحات مثل (تبيان الضوء) والبعض على ثماني صفحات مثل (لمع الأحكام) و (هبة الحمير).فهذه هي حقيقة القوم وهذه هي حقيقة العدد الكبير لمؤلفات الرجل، وقد ذكرت هذه الرسائل في عداد مؤلفاته (1).
_________
(1) انظر لذلك ((المجمل المعدد لتأليفات المجدد)).
ثانيا: من السهل أن يقال عن شخص أنه ألف ألف كتاب أو ألفين أو أكثر لأن هذا القول لا يحتاج إلى كثير العناء والكلفة، ومن الصعب أن يثبت له ذلك، فهكذا القوم. فإن البريلوي نفسه ذكر في إحدى كتيباته بأنه ألف حتى ذلك اليوم مائتي كتاب (1) وابنه علق عليه بأن هذا العدد من الكتب هي التي كتبت ردا على الوهابية، وأما جميع مؤلفاته فتبلغ أربع مائة كتاب، منها فتاواه في أثنى عشر مجلدا (2).وأما تلميذه وخليفته البهاري فهو لم يستطع أن يعد أكثر من ثلاثة مائة وخمسين رسالة وكتيبا (3).ثم اجتمع القوم واستقلوا هذا العدد وحاولوا أن يجازفوا ويبالغوا، فلم يستطع آخرهم أن يعد أكثر من ثمانية وأربعين وخمس مائة كتاب (4).
ولبيان أضحوكة القوم وأطروفتهم نذكر أسماء بعض الكتب التي عدوها من جملة من مؤلفاته:
(حاشية صحيح البخاري)
(حاشية صحيح مسلم)
(حاشية النسائي)
(حاشية ابن ماجه)
(حاشية التقريب)
(حاشية مسند الإمام الأعظم)
(حاشية مسند الإمام أحمد)
(حاشية الطحاوي)
(حاشية خصائص كبرى)
(حاشية كنز العمال)
(حاشية كتاب الأسماء والصفات)
(حاشية الإصابة)
(حاشية موضوعات كبير)
(حاشية شمس بازغة)
(حاشية عمدة القاري)
(حاشية فتح الباري)
(حاشية نصب الراية)
(حاشية فيض القدير)
(حاشية أشعة اللمعات)
(حاشية مجمع بحار الأنوار)
(حاشية تهذيب التهذيب)
(حاشية مسامرة ومسايرة)
(حاشية تحفة الأخوان)
(حاشية مفتاح السعادة)
(حاشية كشف الغمة)
(حاشية ميزان الشريعة)
(حاشية الهداية)
(حاشية بحر الرائق)
(حاشية منية المصلي)
(حاشية رسائل شامي)
(حاشية الطحطاوي)
(حاشية فتاوى خانية)
(حاشية فتاوى خيرية)
(حاشية فتاوى عزيزية)
(حاشية شرح شفا)
(حاشية كشف الظنون)
(حاشية تاج العروس)
(حاشية الدر المكنون)
(حاشية أصول الهندسة)
(حاشية سنن الترمذي)
(حاشية تيسير شرح جامع الصغير)
(حاشية كتاب الآثار)
(حاشية سنن الدارمي)
(حاشية الترغيب والترهيب)
(حاشية نيل الأوطار)
(حاشية تذكرة الحفاظ)
(حاشية إرشاد الساري)
(حاشية مرعاة المفاتيح)
(حاشية ميزان الاعتدال)
(حاشية العلل المتناهية)
(حاشية شرح الفقه الأكبر)
(حاشية كتاب الخراج)
(حاشية بدائع الصنائع)
(حاشية كتاب الأنوار)
(حاشية فتاوى عالمكيري)
(حاشية فتاوى بزازية)
(حاشية سرح زرقاني)
(حاشية ميزان الأفكار)
(حاشية شرح جغميني) ... فهذا هو ما في جعبة القوم أنهم ذكروا جميع الكتب التي كانت في مكتبة البريلوي وكان يلقى عليها النظرات، أو علق على صفحة وصفحتين منها فجعلوها مصنفا لمجددهم وعدوها في جملة كتبه ومؤلفاته، ثم ولم يطبع منها ولا كتيب فضلا عن كتاب، وعلى هذا يمكن لكل شخص أن يدعى ويقول: إن مؤلفاته تجاوزت الآلاف المؤلفة، وأمثالنا الذي يكتب في الفرق والأديان، والردود على الفرق الباطلة المنحرفة عن الصراط المستقيم، والزائغة عن جادة الصواب، ويطالع كتبهم ويكتب عليها الانتقادات يمكن له أن يقول: إن مؤلفاته جاوزت خمسة آلاف مؤلف لأننا في الكتابة عن هذه الطائفة أعنى البريلوية قرأنا أكثر من ثلاث مائة كتيب ورسالة ومؤلف، ونادرا تركنا كتابا واحدا منها ولم نعلق عليه، وهذا أيضا من تعليقاتنا علي تلك الكتب.
_________
(1) انظر ((الدولة المكية)) (10).
(2) ((الدولة المكية)) (11).
(3) انظر ((المجمل المعدد)).
(4) ((أنوار رضا)) (325).
إن كان الأمر هكذا فأية مفاخرة فيه؟ وإكمالا للبحث نورد الأقوال المتضاربة المتخالفة في بيان عدد المؤلفات من الآخرين فإن البريلوي قال: إن كتبه بلغت مائتين (1) وخليفته وتلميذه قال: أنها ثلاث ومائة وخمسون كتابا (2) وابنه قال: أنها أربع مائة كتاب (3) وصاحب (أنوار رضا) إنها خمس مائة وثمانية وأربعون كتابا (4) وقال البهاري: ست مائة كتاب (5) وألف كتاب (6).وثالثا: إن كل ما طبع من الرسائل والكتيبات من اليوم الذي كان البريلوي حيا إلى يومنا هذا لا يتجاوز عن خمس وعشرين ومائة كما ذكره صاحب (أنوار رضا) (7) وهي التي أدرجت في فتاواه.
رابعا: نذكر أكذوبة أخرى ومبالغة القوم في بيان المؤلفات لمناسبة ما ذكرناه أنفا، فقد كتب "حضرة بران الملة والدين مولانا المفتي محمد برهان الحق القادري الرضوي المفتي الأعظم الجبل بوري" – "إن البريلوي كان مجددا، والدليل عليه أنه كتب الفتاوى التي لا يوجد لها مثيل في المتقدمين والمتأخرين، والتي تشتمل على اثني عشر مجلدا" والمعروف أنه لم يطبع منها حتى اليوم إلا ثماني مجلدات.
ثانيا: من بين هذه المجلدات الثمانية لم يطبع منها إلا المجلد الواحد على القطع الكبير والبقية كلها على الحجر الصغير.
ثالثا: إن واحدا من هذه المجلدات لا يشتمل على ألف صفحة فضلا عن الزيادة عليها والمجلد الذي طبع على القطع الكبيرة يشتمل على 264 صفحة، والبقية المطبوعة على الحجم الصغير يشتمل على 500 أو 600 صفحة، وواحد منها يشتمل على 325 صفحة، ولا واحد من هذه المجلدات يبلغ عدد صفحاتها ألف صفحة.
ولقد فصلنا القول في هذا للفت النظر إلى أن مذهب هذه الطائفة وأمثالها لا يقوم ولا يؤسس إلا على المبالغات والمغالات والأكاذيب. خامسا: إن كتاب هذه الفتاوى كانوا متعددين من أنصار البريلوي وأتباعه وتلامذته ومؤيديه، ولقد ذكر البهاري في غير موضع من كتابه الذي كتبه في ترجمته أن البريلوي كان يأتيه الاستفسارات فيوزعها على الكتاب للجواب عليها، كما أقر بذلك البريلوي نفسه في خطابه الذي كتبه إلى أحد المعاصرين والمناصرين له "إنني أرسل إليكم شخصا الذي هو مدرس في مدرستي ومعين لي في الفتاوى" (8).
ويكتب في خطاب آخر:"وصلت إلى عبارات التفاسير وأحتاج إلى ما بقى منها. وما هو تفسير (روح المعاني)؟ ومن هو الآلوسي البغدادي؟ لا أعرفه، إن كان لديك ترجمته أو شيء من الكتاب فأخبرني بذلك، وأيضا أحتاج إلى عبارات هوامش (المدارك) " (9) وأيضا "أحتاج في مسألة الخضاب إلى العبارات الكاملة من هذه الكتب، إن كانت هذه الكتب موجودة عندك فيها ونعمت، وإلا فاذهب إلى "بتنه" وانقلها من هناك: التاتارخانية، (زاد المعاد)، (عقد الفريد) لابن عبدربه، (نزهة المجالس)، (صراح)، (قاموس)، (تاج العروس)، (خالق زمخشري)، (مغرب) مطرزي، (مصباح المنير)، (مختار الصحاح)، (نهاية ابن الأثير)، (مجمع البحاري)، (تحفة مخزن الأدوية)، (تذكرة أنطاكي)، (جامع ابن بيطار)، (أنوار الأسرار)، (مرقاة)، (أشعة اللمعات)، (فتح الباري)، (عمدة القاري)، (إرشاد الساري)، (شرح مسلم للنووي)، (شرح شمائل الترمذي)، (شرح شرعة الإسلام)، (شرح مشارق الأنوار)، (تيسير السراج المنير)، و (شرح الجامع الصغير) " (10).
وبهذا كله يثبت أنه لم يكن وحيدا في كتابة هذه الفتاوى، بل كان له المساعدون والأعوان الذين كانوا يحققون المسائل ثم يقدمونها إليه، فكان يرسلها إلى المستفتين وينسبها إلى نفسه.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص28
_________
(1) ((الدولة المكية)) (1).
(2) ((المجمل المعدد)).
(3) ((الدولة المكية)) (11).
(4) ((أنوار رضا)) (325) وما بعد.
(5) ((حياة أعلى حضرة)) (13).
(6) ((ضميمة المعتقد المنتقد)) و ((من هو أحمد رضا)) (25).
(7) ((أنوار رضا)) (325).
(8) ((حياة أعلى حضرة)) (244).
(9) ((حياة أعلى حضرة)) (266).
(10) ((حياة أعلى حضرة)) (281).
المطلب السادس: مخالفته الجهاد والمجاهدين، ومناصرته الاستعمار والمستعمرين
إن العصر الذي وجد فيه البريلوي كان عصر ابتلاء المسلمين ونكبتهم وأدبارهم في شبه القارة لأن الاستعمار الانجليزي الغاشم طوى بساط المسلمين وحكمهم عن هذه القارة، وتسلط عليها تسلطا كاملا عام 1857م بعد إراقة دمائهم وكسر شوكتهم وتدمير قوتهم وزعمائهم وطردهم عن وطنهم ومنبت رأسهم، وكان المستعمرون يرون أنه لم يبق لهم قوة رادعة تردعهم عن مطامعهم، وتمانعهم عن أغراضهم ومنافعهم من بسط النفوذ، والغصب، والنهب، اللهم إلا شرارة في رمادهم وشعلة في ترابهم ولم يكن يظنون مصدرها ومولدها إلا المسلمين عامة والوهابين خاصة".
لمعرفتهم أن المسلمين ثائرون على الاستعمار لضياع دولتهم وملكهم وغصب قوتهم واقتدارهم لأنهم هم كانوا حكاما على شبه القارة عند تسلط الإنجليز وقد سلبوا منهم الاختيار والملك،
والوهابيين لأنهم هم كانوا أكثر الناس ثورة من بين المسلمين وهم الذين قاوموهم ونازلوهم في ميادين مختلفة، وقاتلوهم، ورفعوا علم الجهاد ضدهم، ونغّصوا عليهم عيشهم وكدّروا عليهم صفوهم، فكم من الحارات هدمت بأسرها على أهاليها وسكانها، وكم من القرى دمّرت بما فيها من الأطفال والأشياخ والنساء بتهمة أنهم وهابيون، يريدون التمرد على المستعمر الغاصب (1) وشنق أكثر من مائة ألف عالم موحد، متبع السلف بتهمة الوهابية والطغيان في بنغال فقط (2).
وقد كتب هنتر في كتابه (مسلمو الهند):إنه لا خطر على الإنجليز ولا على بقائهم في السلطة اللهم إلا من الوهابيين لأنهم هم يثيرون القلق الإضطراب والفتن ضدنا، وهم الذين يهيجون الناس ويحرضونهم باسم الجهاد على خلع ربقة الإطاعة والولاء لنا" (3).
_________
(1) انظر ((تذكرة علماء صادق بور)).
(2) انظر لذلك كتاب ((وهابي ترائيلز)).
(3) ((وهابي ترائيلز)) (32) ط اردو.
ثم بعد الانتفاضة التي سميت بانتفاضة 1857م، والتي سمّاها المستعمرون "الغدر" قدم الوهابيون وعلماؤهم وزعماؤهم وقادتهم إلى المشانق جملة لإستيصال شأفتهم وقطع دابرهم سنة 1863م إلى 1865م، وممن سجن في تلك الآونة علماء بارزين لأهل التوحيد عامة ولأهل الحديث خاصة مثل الشيخ جعفر تانيسري، والشيخ عبدالرحيم، وعبدالغفار، وشيخ المسلمين الشيخ يحيى على صادق بوري، والشيخ أحمدالله وغيرهم، ثم بعدهم قائد أهل الحديث وزعيم متبعي السلف الصالح، العلم الرفيع شيخ الكل الشريف نذير حسين المحدث الدهلوي. ولم يكتف المستعمرون بهذا، بل أصدروا فرمانا آخر لمصادرة أملاك هؤلاء المجاهدين (1).وأكثر من ذلك هدمت عمائرهم ودمرت بيوتهم وحتى نبشت قبور أسرهم وأهليهم (2).وأخيراًَ أراد الإنجليز في محاولتهم القضائية على الحركة الوهابية القبض على الإمام الكبير لأهل الحديث وقائدهم وزعيمهم شيخ الكل الشريف نذير حسين المحدث الدهلوي ولكنهم كانوا يخافون هيبته العلمية ومقامه الشامخ ورسوخه في المسلمين، فاضطربوا في أمره كي لا يثور المسلمون وتقوم قيامتهم، فسجنوه لمدة ثم اضطروا إلى إطلاق سراحه (3) ولكنه بدؤا يتحفظونه والآخرين من أمثاله، ثم رأوا أن الأمر لا يسوغ لهم، ولا يستريحون من إشتعال نائرة المسلمين عامة والوهابيين خاصة، فقرروا إشاعة الفتن بين المسلمين أنفسهم كي ينشغلوا بها عنهم ويتقاتلوا ما بينهم، فاستعملوا لهذه الأغراض والتفريق بين المسلمين أشخاصا عديدين منهم، واختاروهم لمهمتهم، فكان واحد من هؤلاء غلام أحمد القادياني (4) والثاني هذا البريلوي كما يتهمه المخالفون (5).
أما القادياني فأمره مكشوف، وأما البريلوي فيحتاج أمره إلى البيان والتوضيح.
_________
(1) ((وهابي تحريك)) (292).
(2) ((تذكرة صادق)) لعبدالرحيم.
(3) ((وهابي تحريك)) (315).
(4) انظر لثبوت ذلك كتابنا ((القاديانية)) ط إدارة ترجمان السنة لاهور، وط المكتبة العلمية للنمنكاني بالمدينة المنورة.
(5) انظر ((بريلوي فتوى))، ((تكفيري أفساني))، ((آئينة صداقت))، ((مقدمة الشهاب الثاقب))، مقدمة ((رسائل جاند بوري)) و ((فاضل بريلوي)) لمسعود أحمد البريلوي.
إن الكلمة الرائجة عند الاستعمار، والمنقولة عنهم هي "فرّق تسد"، فحمّلوا لواء التفريق والتكفير لأحمد رضا البريلوي، فإنه حمل هذا اللواء ورفعه فوق شبه القارة كلها، فلم يجد شخصا إلا وسبّه وشتمه وفسّقه وكفّره، وخاصة الذين نازلوا الاستعمار وقاتلوا ضده، والذين مازالوا يترقبون عليهم الدوائر ويتحيّنون لهم الفرص لينقضوا عليهم ويطردوهم من بلادهم، فرماهم بأسهمهم التي قصد المستعمرون أن يرميهم بها، وحرّض السذج من المسلمين عليهم باسم الدين والإسلام، واتهمهم إياهم وطوائفهم بهتك حرمات الصالحين وتصغير شأن الأولياء وتقليل مرتبة الأنبياء حسب الخطة المرسومة، فشحذ عليهم لسانه وسنانه، وسل عليهم سيف قلمه وبيانه، ولقن الناس بابتعادهم عنهم وعن حركاتهم القومية والوطنية، وعندما كان هؤلاء المجاهدون أتباع الرسول المجاهد الباسل صلوات الله وسلامه عليه، يستغلون الوقائع والحوادث لقلب نظام حكم الإنجليز في شبه القارة الهندية الباكستانية كان يقف البريلوي في وجههم ويسد طريقهم بتأييد السذج من المسلمين وعامتهم، الذين أغتروا بحب الأولياء والصالحين، بإيدي خفية من وراء الأستار وبمساندتهم وتأييدها ومناصرتها، فهكذا وبهذه الأعمال هون البريلوي للمستعمرين الإنجليز القضاء على مخالفيهم، الوهابيين والمناوئين لحكمهم، والمبغضين وجودهم في وطنهم، لأن الشخصيات البارزة والزعماء الأقوياء في الحركات المناوئة للحكم صارت شخصيات مختلفة بين المسلمين بعد ما كان المسلمون ينظرون إليهم نظرة إجلال وإكبار، ونظرة تقديم وإحترام.
فإن الباحث والقارئ يندهش ويتحير عندما يرى أنه لم تقم حركة في شبه القارة لمواجهة الاستعمار إلا وخالفها البريلوي وكفّر زعماءها هو وذووه، طائفته ومناصروه.
ونذكر ههنا حكرة عرفت بحركة الخلافة وحركة أخرى التي اشتهرت بركة ترك الموالاة، وبذلك يظهر عمله وموقفه من الاستعمار واستخلاص الوطن منه، ونظرته للمسلمين المستعبدين المستضعفين، ووجهته تجاه إخوانهم ونكباتهم.
وقبل أن ندخل الموضوع في صميمه نريد أن نبيّن أن الأحزاب الكبيرة التي قاومت الاستعمار ونازلت المستعمرين كانت حزب المجاهدين الموحدين الذين سموا من قبل مخالفيهم الوهابيون أو الحركة الوهابية، وجميعة علماء الهند، ومجلس أحرار الإسلام، وحزب الخلافة، وحزب الرابطة المسلمة، ونيلي بوش، من المسلمين، وحزب الفائيين، وآزاد هند فوج، وحزب الوطنين، للهندوس وحزب الغاندي كونجرس، فلقد اعتزلت البريلوي والبريلوية عن جميع هذه الحركات واجتنبوها، وكفر وكفروا هذه الأحزاب كلها، وخاصة الرابطة المسلمة وبالأخص حزب المجاهدين مع قادتها زعمائها، وحرموا الدخول فيها ومشاركتها لتحرير الوطن كما سيلاحظ القارئ كل هذا في الباب الذي خصصناه لهذا الغرض.
وهنا نحن ندخل في أصول الموضوع.
إن البريلوية وعلى رأسها البريلوي نفسه أمر المسلمين بالتباعد عن هذه الحركات كلها واعتزالهم إياها، كما أفتى بتحريم الجهاد في ربوع هذه البلاد مستدلا بأن الهند ليس بدار الحرب ولا يؤذن ويعلن بالجهاد إلا فيها، ولم يكتف على هذا فحسب، بل إرضاء للآخرين تجاوز أكثر من ذلك وقال: إن الهند دار الإسلام وكتب رسالة مستقلة باسم "إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام".
وأغرب من ذلك إن هذه الرسالة التي تشتمل على عشرين صفحة من الحجم الصغير خصص فيها قسما لبيان أن الهند التي تسلط عليها الإنجليز الكفار ونهبوها وغضبوها هي دار الإسلام كما أن قسما من هذه الرسالة خصصه لبيان –أن الوهابيين لمرتدون، ولا يجوز أخذ الجزية منهم ولا يعطى لهم الأمان المؤبد، ويجوز استرقاق نسائهم، ولا تحل مناكحتهم ولا أكل ذبائحهم ولا الصلاة على ميتتهم، ولا مخالطتهم ولا مجالستهم ولا محادثتهم ولا مشاركتهم في أمورهم، قاتلهم الله أن يؤفكون" (1).
وبهذا يظهر السر المكنون والأسباب التي حرّضت البريلوي لكتابة هذه الرسالة وإصدار الفتوى في صالح المستعمرين ومخالفة الجاهدين المستخلصين الهند من مخالبهم.
وأما حركة الخلافة التي زلزلت أقدام الإنجليز وزحزحت عرشهم وضعفت شوكتهم في الهند فهي الحركة التي قامت على أساس أن المستعمرين الإنجليز وعدوا عام 1917م الهنديين بتحرير وطنهم وأراضيهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ولكنهم بعدما فازوا في هذه الحرب عام 1918م غدروا بهذا الوعد، فيكتب عن هذه الأحوال أحد البريلويين."أن الإنجليز لما انتصروا على ألمانيا وتركيا والنمساء وعاهدوا الأتراك على شروطهم القاسية إنحرفوا عن وعدهم الذي وعدوا به الهنديين من تحرير الهند، فاضطرب من ذلك الغدر الهنديون الأحرار وثاروا ضدهم وأرادوا أن ينتقموا الإنجليز بخيانتهم وغدرهم، فاستغلوا لذلك مسألة الخلافة في تركيا، وحرّضوا الناس على أن حفظ الخلافة الإسلامية وصيانتها من الفرائض والواجبات، ومحاربة مخالفيها "أي الإنجليز" فرض عين، فقامت على هذا الأساس حركة الخلافة وأثارت ضجة كبرى في أوساط المسلمين (2).وفعلا عام 1919م استغل قادة المسلمين وزعماء حركة تحرير البلاد هذه النعرة ضد الاستعمار الإنجليزي الغاشم وهيجوا عواطف الناس وحرضوهم على وضع الأغلال والأواصر وكسر القيود والسلاسل، وحثوهم على الضربة القاضية على رأس الاستعمار والمستعمرين كما صرح بذلك أحد أعلام هذه الحركة، العالم الجليل الذي لقب بلقب أمام الهند والذي روّج الدعوة السلفية في ربوعها الشيخ أبو الكلام آزاد (3).
فأدرك البريلوي خطر هذه الحركة وما تشتمل وتتضمن على دعوة الجهاد واستخلاص الوطن، فبادر بكتابة رسالته المشهورة للقضاء على هذه الحركة وإقامة السد المنيع في وجهها، وألف رسالة أخرى (دوام عيش) أبطل فيها دعوى المناصرين للخلافة التركية مستدلا بأن الخليفة لا يكون إلا قرشيا، فمادام إن العثمانيين الأتراك ليسوا من قريش فلا نثبت خلافتهم وعلى ذلك ليس على مسلمي الهند مناصرتها ومساعدتها ومحاربة الإنجليز ومقاتلتهم لأجلها وقد صرح أكثر من ذلك حيث قال: إن حماية الأتراك خداع محض وإلا المقصود الأصلي من ذكر اسم الخلافة تحرير الأراضي الهندية" (4).
ومن الغرائب أيضا أن هذه الرسالة التي كتبها للضربة على حركة تحرير الهند وزحزحة أقدام المسلمين فيها لم يتركها خالية عن السباب والشتائم على الوهابيين، رافعي علم الجهاد ومعلني كلمة الحق في هذه الديار.
_________
(1) ((إعلام الأعلام بأن هندوستان دار الإسلام)) (19،20).
(2) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي.
(3) مقدمة ((دوام عيش)) لمسعود البريلوي (17).
(4) ((دوام عيش)) (63) ط بريلي و (95) ط لاهور.
وأما حركة ترك الموالاة فإنها قامت على أنقاض حركة الخلافة، ففي سنة 1920م لما رأى مسلموا الهند أن الإنجليز لا يريدون أن يخضعوا لطلباتهم وينزلوا على رغباتهم ويفوا بالعهود التي عهدوا بها الهنديين ويغادروا بلادهم قاموا بإقدام آخر، وهو أن يترك الهنديون المعاملات مع الإنجليز المستعمرين ويتجنبوا عنهم ويعلنوا بترك ولائهم ويقاطعوا الحكومة الإنجليزية مقاطعة تامة، لا يطاوعونهم ولا يشاركونهم في أمورهم ولا يشتركون معهم ولا يقدمون لهم الجمارك والضرائب ولا يأخذون منهم المراعاة ولا يحكمونهم فيما بينهم وفي أمورهم ولا يقبلون وظائفهم، فعاونهم في ذلك طلاب الحرية من الهندوس أيضا وعلى رأسهم زعيمهم وقائدهم الغاندي، فتكونت ثورة عظيمة ضد الاستعمار لم ير لها مثال سابق في تاريخ الهند بعد ثورة 1857م، وأشترك فيها جميع طوائف المسلمين وزعماؤهم وقادتهم وعلماؤهم غير البريلويين، فلم يشاركوا في هذه الحركة الوطنية أيضا كدأبهم القديم، بل عكس ذلك أنهم بادروا بإصدار فتاويهم ضد القائمين بهذه الحركات مناصرة للاستعمار ومساعدة للمستعمرين، رافعين الأصوات أن ترك موالاة الاستعمار الإنجليزي الغاشم الكافر حرام، فقد كتب البريلوي كتيبا مستقلا والذي أدرج فيما بعد في فتاويه باسم "المحجة المؤتمنة في آية الممتحنة"، وبدأ كتيبه هذا حسب عادته بقوله: إن المعاملة الدنيوية التي لا تضر الدين ليست ممنوعة مع أحد سوى المرتدين مثل الوهابية والديوبندية وأمثالهم" ثم بعد ذلك كتب بألفاظ واضحة: إن المقصود من هذه الحركات هو الحصول على الحرية من الإنجليز لا غير" (1)
ثم قال بألفاظه الصريحة التي تنبئ بما في الصدور: أنه لا جهاد علينا مسلمي الهند بنصوص القرآن العظيم، ومن يقول بوجوبه فهو مخالف للمسلمين ويريد إضرارهم" (2).
ثم رد على من يستدل على جهاده بجهاد حسين بن علي رضي الله عنهما فقال: إنه لم يكن يريد القتال، بل سلط عليه القتال، وحرام على سلطان الإسلام الذي يجب عليه إقامة الجهاد أن يبدأ بقتال الكفار إذا لم يكن يكافئهم، فكيف ونحن لا نستطيع مكافئة الإنجليز ومحاربتهم" (3).ثم نصح المسلمين بقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ [المائدة: 105] – محرفاً الكلم عن مواضعه - (4).وأخيراً ختم كتابه هذا أيضاً بتكفير كل من يناضل ضد المستعمرين ويدعو إلى ترك الموالاة لهم والمعاملة معهم" (5).
وقبله قد أفتى بتعطيل الجهاد في كتابه (دوام العيش) بقوله:"لا جهاد وقتال على مسلمي الهند (6).فشُهّر بين المسلمين بعمالة الاستعمار والعمل على حسابهم، ولأجل ذلك اضطر أحد مريديه إلى القول: بأن المسلمين ظنوا فيه ظن السوء" (7).والآخر كتب "إن أكثر مريديه ومعتقديه إنحرفوا عنه لاختلافه مع حركة الخلافة" (8).
فهذه هي الأعمال التي قام بها في عصر كان مسلموا الهند فيه مبتلين بابتلاءات صعبة شديدة وكانوا يجتاحون فيه المراحل الحرجة والظروف الضيقة والأحوال العصيبة.
ولا يمكن لمنصف أن يعرض عن القول بأن كل وزن البريلوي والبريلوية وثقلهم كان في كفة المستعمر الإنجليزي الغاصب إن لم يقل بعمالتهم وجاسوسيتهم وعملهم على حسابهم، لأنه أمر الناس بمقاطعة الجهاد والمجاهدين وترك موالاتهم ضد الاستعمار والمستعمرين بل خلاف ذلك أمر الناس بولايتهم وموالاتهم.
فالمسلمون يقاطعون ويخاذلون، والنصارى المستعمرون يوالون ويناصرون.
وعلى ذلك كتب الإنجليزي المشهور "فرانسس رابنسن":"إن البريلوي كان عمله حماية الحكومة الإنجليزية، فإنه أيد الحكومة في الحرب العالمية الأولى، واستمر في هذه الحماية والتأييد للحكومة حتى أيام حركة الخلافة سنة 1921م وعقد المؤتمر في بريلي وجمع فيه العلماء الذين كانوا يخالفون ترك موالاة الحكومة، والذين كان لهم أثر كبير في نفوس العامة المتعلمين والدارسين المسلمين" (9).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص36
_________
(1) ((المحجة المؤتمنة)) لأحمد رضا (155).
(2) ((المحجة المؤتمنة)) (208).
(3) ((المحجة المؤتمنة)) (210).
(4) ((المحجة المؤتمنة)) (602).
(5) انظر خاتمة الكتاب (211).
(6) ((دوام العيش)) (46).
(7) مقدمة ((دوام العيش)) (18).
(8) ((كتابي دنيا)) مقال حسن النظامي (2) نقلا عن مقدمة ((دوام العيش)) (18).
(9) ((سيبترزم امنك اندين مسلمز)) (443)، ((كامبرج يونيورستي)) ط مطبعة كامبرج يونيورستي 1974م.
المبحث الثالث: أبرز زعماء البريلوية
فمن أبرزهم نعيم الدين المراد آبادي ولد في يناير سنة 1883م وكان معاصراً للبريلوي، ولم يكن بينهما أية رابطة سوى مخالفة كل واحد منهما الموحدين وأتباع الكتاب والسنة، وتأييد الرسوم والعادات الهندوسية التي دخلت على المسلمين باسم الدين وراجت فيه، ومناصرة البدعات، والتبرك بالقبور والتوسل بالصالحين، والنذور للأموات، وإقامة الأعياد التي تسمى الأعراس وغير ذلك من الأمور.
"وإنه أسس مدرسة في مراد آباد بالهند وسماها في البداية "مدرسة أهل السنة" ثم غير إسمها وسماها "بالجامعة النعيمية" ويتلقب تلامذة هذه المدرسة والمتخرجون منها النعيميون.
"وإنه أسس مدرسة في مراد آباد بالهند وسماها في البداية " مدرسة أهل السنة" ثم غير إسمها وسماها "بالجامعة النعيمية" ويتلقب تلامذة هذه المدرسة والتخرجون منها النعيميون.
وكان المراد آبادي يشاهد ويرى شدة البريلوي وقسوته على السلفيين والدعاة إلى التوحيد الخالص، والعاملين بالكتاب والسنة، فكان يعجب به ويفرح، ويظهر سروره ويؤيده ويناصره ويكتب ويؤلف في تأييده وتوثيقه، كما كتب بعض الكتيبات في نفس المسائل التي أثار البحث حولها البريلوي. ومن أهم ما ألف هوامش القرآن الكريم باللغة الأردية وسمّاها (خزائن العرفان) التي نشرت فيما بعد مع ترجمة معاني القرآن إلى اللغة الأردية للبريلوي و (أطيب البيان) الكتاب الذي ردّ به على (تقوية الإيمان) للشهيد الشاه إسماعيل الدهلوي، و (الكلمة العليا) في إثبات علم الغيب للنبي صلى الله عليه وسلم وغيرها من الكتب والرسائل، ومات سنة 1948م، وطائفته تلقبه بلقب صدر الأفاضل" (1).ومن زعمائهم أمجد علي "ولد في كهوسي بولاية أعظم كره، ودرس في المدرسة الحنفية بجونبور، وتخرج سنة 1320هـ وأيد دعوة البريلوي ونصرها بكل قوة، ومكث مدة في بريلي عند البريلوي، وألف عدة مؤلفات في تأييد مسلكه وموقفه، وساعده في تكوين مذهبه وطائفته، ومن أهم ما صنفت كتاب فقه باسم (بهار شريعت) الذي بين فيه المسائل والأحكام في ضوء التعليمات البريلوية، وصار الكتاب فيما بعد موسوعة فقه للبريلوية ومات سنة 1367هـ الموافق سبتمبر 1948م" (2).
ومن قادة البريلويين السيد ديدار علي الذي ولد في نواب بور بولاية ألور في الهند سنة 1270هـ ودرس على الشيخ أحمد على السهارنفوري، وبعد تخرجه سنة 1293هـ درس في المدارس الحنفية العديدة حتى استقر في مدينة لاهور، ويقول كاتب ترجمته:
إنه وقي وحفظ مدينة لاهور من الوهابية والديوبندية ومن عقائدهم المسمومة وتوفي في أكتوبر سنة 1935م. ومن مؤلفاته (تفسير ميزان الأديان) في جزئين صغيرين و (علامات الوهابية) وبعض الكتيبات الأخرى" (3).ومن كبار زعمائهم حشمت علي ولد بالكهنو في الهند وكان أبوه من مريدي السيد عين القضاة وباشارة منه أدخله في المدرسة الفرقانية، فقرأ القرآن ودرس بعض الكتب في لكهنو ونشا وربي هناك ثم إنتقل إلى مدرسة البريلوي أحمد رضا "منظر إسلام" ودرس على يدي أمجد علي الذي يلقبه القوم بصدر الشريعة وفرغ من دراسته سنة 1340هـ واستلم الشهادة من ابن البريلوي أحمد رضا، ثم بدأ يروج تعاليم البريلوية ويناصرها فلقبه البريلوي "بغيظ المنافقين" وأعطاه سند خلافته، واشتهر بالرد على الوهابية والديوبندية ثم مرض بمرض سرطان ومات من ذلك سنة 1380هـ ودفن في بيلي بهيت في الهند" (4).
_________
(1) ((تذكرة علماء أهل السنة))، و ((حياة صدر الأفاضل))، وحاشية ((الاستمداد)) لمصطفى رضا ابن البريلوي.
(2) ((الاستمداد)) الهامش (90،91).
(3) ((الاستمداد)) الهامش (94) و ((تذكرة علماء أهل السنة)).
(4) ((تذكرة علماء أهل السنة)) لمحمود البريلوي (82،83) ط كانبور.
ومن قادتهم مفتي أحمد يار نعيمي البدايوني."ولد في بدايون سنة 1906م ودرس مدة في "المدرسة الإسلامية" عند الديوبنديين ثم انتقل منها إلى مراد آباد ودرس عند السيد نعيم الدين المراد آبادي ولذلك يلقب نفسه بنعيمي، ثم عين مدرسا في مدرسته وبعد ذلك انتقل إلى مدن عديدة في الهند حتى استقر في كجرات وأسس مدرسة باسم "الجامعة الغوثية النعيمية" واسم مدرسته يدل على عقائده ومعتقداته، وكان من كبار المناصرين للبريلوي والبريلوية، وكتب كتبا عديدة لتأييد هذه الطائفة ونشر أفكارها وعقائدها، ومن أهمها كتابه (جاء الحق) الذي حاول فيه مناصرة مذهبه ومسلكه وكرس جهده في الرد على يسميهم الوهابيين، أتباع الكتاب والسنة وسالكي مسلك التوحيد في شبه القارة، وله هوامش على ترجمة القرآن للبريلوي سماها "نور العرفان" أيد فيها مسلكه وموقفه وأوّل كثيراً من الآيات من معانيها الأصلية ومدلولاتها الحقيقية، كأستاذه المراد آبادي وقائد طائفته البريلوي، وله أيضا رسالة "رحمة إله بوسيلة أولياء" و"سلطنة مصطفى" وغيرها من الكتيبات والرسائل ومات سنة 1971م" (1).
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص51
_________
(1) ((تذكرة أكابر أهل السنة)) (54 - 58) لشرف القادري، و ((اليواقيت المهرية)) (39) و ((سيرة سالك)) للكوكب.
المبحث الرابع: معتقدات البريلوية
• المطلب الأول: الاستغاثة والاستعانة بغير الله.
• المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم.
• المطلب الثالث: سماع الموتى.
• المطلب الرابع: مسألة علم الغيب.
• المطلب الخامس: مسألة بشرية الرسول.
• المطلب السادس: مسألة الحاضر والناظر.
المطلب الأول: الاستغاثة والاستعانة بغير الله
أن البريلويين قالوا يقول لم يأت الإسلام إلا للرد عليه. وهو "إن لله عبادا إختصهم بحوائج الناس يفزعون إليها بحوائجهم" (1).
وقال البريلوي: إن الاستعانة والاستغاثة بغير الله مشروع ومرغوب، ولا ينكره إلا مكابر أو معاند" (2).
سواء كان المستغاث والمستعان من الأحياء أو الأموات، وسواء كان نبيا ورسولا أو وليا وصالحا لا فرق بينهم، فإنهم ولاة الأمور وقضاة الحاجات ودافعوا البليات وشافوا الأمراض وكاشفوا الكربات. ولقد نص على ذلك البريلوي والبريلويون حيث قالوا: الاستغاثة بالأنبياء والمرسلين والأنبياء والصالحين جائزة" (3).
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو دافع البلاد ومانح العطاء" (4).و "إن جبرائيل عليه الصلاة والسلام قاضي الحاجات، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قاضي قضاة الحاجات حيث أنه علي السلام يقضي حوائج جبرائيل أيضا" (5).
وعلى كذلك رضي الله تعالى عنه، كما نقل البريلوي:
ناد عليا مظهر العجائب ... تجده عونا لك في النوائب
كل هم وغم سينجلي ... بولايتك يا علي يا علي (6)
والشيخ عبدالقادر الجيلاني رحمه الله تعالى، كما كذبوا عليه أنه قال: من استغاث بي في كربة كشفت عنه، ومن ناداني في كربة كشفت عنه، ومن نادى بإسمى في شدة فرجت عنه، ومن توسل بي إلى الله في حاجة قضيت حاجته" (7).
وأيضا هناك صلاة غوثية: وصورتها أن يصلى ركعتين، ثم يخطو إلى بغداد إحدى عشرة خطوة، وكلما يضع قدمه يستغيث بالغوث "أي الشيخ الجيلاني" ويناديه باسمه ويقدم حاجته ويقرأ هذين البيتين:
أيدركني ضيم وأنت ذخيرتي ... وأظلم في الدنيا وأنت نصيري
وعار على حامى الحمى وهو منجدي ... إذا ضاع في البيداء عقال بعيري" (8)
وكان البريلوي يقول:
ياظل إله شيخ عبدالقادر ... شيئا لله شيخ عبدالقادر
عطفا عطفا عطوف عبدالقادر ... اصرف عنا الصروف عبدالقادر (9)
كما كتب: إن لأهل الدين مغيثا وهو عبدالقادر" (10).
وقد قال: إنني لم استعن في حياتي أحدا ولم أستغث غير الشيخ عبدالقادر، كلما أطلب المدد أطلب منه، وكلما أستغيث أستغيث به، ومرة حاولت أن أستغيث وأستعين بولي آخر "حضرت محبوب الهي" وعندما أردت النطق باسمه للاستغاثة والاستعانة ما نطقت إلا بياغوثاه، فإن لساني يأبى أن ينطق الاستغاثة بغيره" (11).
وأحمد زروق أيضا، كما ذكرو أن أحمد زروق قال في قصيدته:
إنا لمريدي جامع لشتاته ... إذا ما سطا جورا الزمان بنكبة
وإن كنت في ضيق وكرب ووحشة ... فناد بيازروق آت بسرعة (12)
وابن علوان كذلك:"إن الإنسان إذا ضاع له شيء وأراد أن يرده الله فليقف على مكان عال مستقبل القبلة ويقرأ الفاتحة ويهدي ثوابها للنبي عليه الصلاة والسلام، ثم يهدي ثوابها لسيدي أحمد بن علوان، ثم يقول: يا سيدي يا أحمد بن علوان إن لم ترد عليّ ضالتي وإلا نزعتك من ديوان الأولياء" (13).
_________
(1) ((الأمن والعلي)) للبريلوي (29) ط دار التبليغ لاهور.
(2) رسالة ((حياة الموات)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300) ط باكستان.
(3) رسالة ((حياة الموات)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300) ط باكستان.
(4) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (10).
(5) ((ملفوظات)) (99) ط لاهور.
(6) ((الأمن والعلى)) (13).
(7) ((بركات الاستمداد)) للبريلوي في ((رسائل رضوية)) وأيضا ((فتاوى أفريقية)) ليربلوي (62) ((جاء الحق)) لأحمد يار (200).
(8) و ((جاء الحق)) لمفتي البريلوية أحمد يار (200).
(9) ((حدائق بخشش)) (186).
(10) ((حدائق بخشش)) (181).
(11) ((ملفوظات)) (307).
(12) ((حياة الموات)) للبريلوي المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 300)، ((جاء الحق)) (199).
(13) ((جاء الحق)) (199).
والسيد محمد الحنفي أيضا: إن محمد الحنفي كان يتوضأ في خلوته، فيوما من الأيام خلع نعله ورماها في الفضاء وأعطى الثانية لخادمه وقال له: ضعها عندك حتى يأتي بالثانية أحد وبعد مدة طويلة جاء الشخص من الشام ومعه تلك النعل التي رماها الشيخ وغابت في الفضاء وقال: مرشيد وشيخي!، إن ناهبا جاء لينهبني وركب على صدري ليذبحني، فناديت يا سيدي محمد حنفي، فحضرت النعل من الغيب وضربت صدر ذلك الناهب فأغمى عليه فنجوت منه" (1).
والسيد البدوي أيضا، فليقل المريد والمستغيث به: يا سيدي أحمد بدوي خاطر معي (2).
ونقلوا عنه أنه قال: من كانت له حاجة فليأت إلى قبري ويطلب حاجة أقض حاجته" (3).
وأبو عمران موسى أيضا:"كان إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة أو أكثر" (4).
هذا وقالوا: كل من كان متعلقا بنبي أو رسول أو ولي فلابد له أن يحضره ويأخذ بيده في الشدائد" (5).
ومشايخ الصوفية أيضا: مشايخ الصوفية يلاحظون أتباعهم ومريديهم في جميع الأحوال والشدائد" (6)
والاستغاثة والاستعانة ليس بمشروع عند القوم من الأحياء فحسب، بل ومن أهل القبور أيضا، كما يقول البريلوي: إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور" (7).
وقال واحد منهم: إن زيارة القبور تنفع وتفيد، وإن أصحاب القبور يعينون الزوار" (8).و "إن المقصود من زيارة القبور أن يستفاد من أهلها" (9).و "إن قبر موسى الكاظم لدرياق أكبر" (10).
وقال البريلوي:
إن محمد بن الفرغل كان يقول: أنا من المتصرفين في القبور، فمن كانت له حاجة فليأت إلى قبالة وجهي ويذكر حاجة أقضها له" (11).
كما نقل عن السيد البدوي أنه قال بعد مقولته: أقضها له":فإنما بيني وبينكم فداع من تراب، وكل رجل يحجبه عن أصحابه فداع من تراب فليس برجل" (12).
فهذه هي عقائد القوم في الاستغاثة والاستعانة بغير الله، وقد قال الله عز وجل في كتابه المحكم الذي أنزله الهدية البشر وشفاء ورحمة للمؤمنين، قال فيه على لسان عباده الصالحين الذين علموا منه عقيدة التوحيد الخالص: العقيدة إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة: 5].
وقال جل مجده مستنكرا قول المشركين وفعلهم ومؤبخاً إياهم:
قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِيرٍ [سبأ: 22].
وقال سبحانه وتعالى:
ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ إِن تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُنَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ [فاطر 13 - 14].
وقال مبينا فسادهم ومظهرا عوارهم:
_________
(1) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(2) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(3) ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرج في ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(4) ((مجموعة رسائل رضوية)) للبريلوي (1/ 180) ط كراتشي.
(5) ((فتاوى أفريقه)) للبريلوي (135).
(6) ((حياة الموات)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 289).
(7) ((الأمن والعلى)) (44).
(8) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (39).
(9) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (43).
(10) ((كشف فيوض)) لمحمد عثمان البريلوي (57).
(11) ((أنوار الانتباه)) (182).
(12) ((أنوار الانتباه)) (181).
قُلْ أَرَأَيْتُمْ شُرَكَاءكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا فَهُمْ عَلَى بَيِّنَةٍ مِّنْهُ بَلْ إِن يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُم بَعْضًا إِلاَّ غُرُورًا [فاطر: 40].
وبين لهم مؤكدا:
وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ [الأعراف: 197].
وأيضا:
وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ [الرعد 14].
وأيضا:
وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ [العنكبوت: 22].
وقال لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل المشركين والمستعين بغير الله أن يجيبوه على سؤاله:
أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ [الزمر: 38].
وأَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ [النمل: 62].
ثم أراد إفهامهم فقال:
إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ [الأعراف: 194].
وأيضا:
قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لأَنفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا [الرعد: 16].
وشنع عليهم قولهم بقوله عز شأنه:
إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا [النساء: 117]
ثم حكم عليهم بقوله:
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5].
وقد ذكر الله عز وجل في كتابه المحكم عديدا من الأنبياء وعباده الصالحين وهم احتاجوا إلى الاستغاثة والاستعانة والدعاء في مسائلهم ومشاكلهم والملمات التي المت بهم، فلم يستغيثوا ولم ينادوا إلا ربهم وحده من آدم إلى نوح، ومن إبراهيم إلى موسى، ومن يونس إلى خاتم النبيين وأشرف المرسلين محمد بن عبدالله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، سواء كان مطالبة المغفرة أو الولد أو الشفاء أو النجاة من المآزق والمهالك، من البؤس والفقر والسجن وغير ذلك، أو طلب النصر، فلم يتقدموا بدعواتهم إلا إلى الله وحده، ولم ترد واقعة ولا حادثة استغاث أحد من عباد الله المقربين وأوليائه المنتخبين بأحد دونه وسواه. ولكن البريلوي يقول: كل من كان متعلقا بنبي أو رسول أو ولي قفلابد أن يأخذ بيده في الشدائد" (1).
_________
(1) ((فتاوى أفريقه)) للبريلوي (135).
وقال الآخر: إن جميع العالم للأولياء ككفة يد ينظرون إليها، وإن ناداهم أحد واستغاث بهم من أية بقعة كان يغيثونه ويقضون حوائجه" (1).هذا والرسول عليه الصلاة والسلام قال لابن عمه عبدالله ابن عباس رضي الله عنه: ((إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، جف القلم بما أنت لاق، فلو جهدت الخليفة على أن تنفعك لم تنفعك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو جهدت أن تضرك لم تضرك إلا بشيء كتبه الله عليك)) (2).
ولكن البريلوي يقول: إذا تحيرتم في الأمور فاستعينوا من أصحاب القبور" (3).
ثم وأكثر من ذلك يطعن ويقدح في الذين ينكرون عليه هذا القول ولا يستغيثون إلا الله وحده ولا يستعينون إلا به ولا يتوكلون إلا عليه ولا يدعون إلا إياه إتباعا بالثقلين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم، يشنع عليهم هذا المحدث المبتدع بقوله: حدث في زماننا شرذمة قليلة ينكرون الاستمداد من الأولياء، ويقولون ما يقولون وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" (4).
فذاك قول الله عز وجل وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة، وهذا قول البريلويين، وإنهم عكسوا الأمور حيث سموا متبعي الكتاب والسنة المحدثين، وسموا أنفسهم المتبعين والمتمسكين بأقاويل المتقدمين الذين ما أنزل الله بهم من سلطان مصداق قول الله عز وجل:
وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ [البقرة: 170].
ولا يعلمون أنهم لا يتبعون من المتقدمين إلا الذين لم ينزل الله إلا للرد عليهم، ولقد قال بأصرح الألفاظ وأظهرها:
وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ [البقرة: 186].
ووَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ [غافر: 60].
وصدق الله مولانا العظيم.
_________
(1) ((جاء الحق)) (138،139).
(2) رواه الترمذي (2516) بلفظ: ( ... واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعواعلى أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف) وقال حسن صحيح, وحسنه ابن حجر في ((موافقة الخبر الخبر)) (1/ 327). وقال أحمد شاكر في تحقيقه لـ ((مسند أحمد)) (4/ 233): إسناده صحيح. وصححه الألباني في ((صحيح سنن الترمذي)).
(3) ((الأمن والعلى)) (46).
(4) رسالة ((حياة الموات)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 301،302).
المطلب الثاني: قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم
ويقرب من هذه المسألة ويتعلق بها مسألة أخرى، وهي مسألة قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم حيث أن القوم جعلوا الله معطلا معزولا عن الاختيار والقدرة والاقتدار – عياذا بالله – لأن الاستغاثة والاستعانة والاستمداد والدعاء لا يكون إلا من القادر والمختار، وإن الأنبياء والصلحاء والأولياء انتقلت إليهم قدرة الله وملكه واختياراته – حسب زعمهم – ولم يبق عنده شيء، لذلك على الناس أن يرجعوا إليهم ويراجعوا إياهم، يستغيثوا بهم ويستعينوا منهم ويسألوا عنهم، والله فوض إليهم أموره ولم يبق عنده شيء، وصار متقاعدا متعطلا، عن العمل والقدرة، ونوابه أنبياءه وأولياؤه هم الذين أخذوا زمام الأمور في أيديهم، وهم ملاك الأرض ومن فيها وما فيها، وهم حكام السماء ولهم كلمة مطلقة، ينفذون أوامرهم في الكونين، ويتصرفون فيهما بما يشاؤن، وهم الذين يخلقون، وهم الذين يرزقون، وهم الذين يعطون ويمنعون، وهم الذين يحيون ويميتون، وهم الذين يدبرون الأمر، ومنهم النصر والمدد، ومنهم الشفاء والعطاء، ومن عندهم كل شيء. وليس لله إلا العبادات وهم له شركاء فيها أيضا.
وقبل أن نسرد النصوص من كتب القوم نريد أن نلفت أنظار القراء إلى أن كفار مكة ومشركي الجزيرة وثنيى الجاهلية ما كانوا بأفسد منهم اعتقاداً أو أرداً منهم معتقدا الذين لم يأت إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لبيان ضلالهم وشركهم بالله وإصلاحهم وتطهيرهم من هذه الوثنيات والشركيات. وكذلك الأنبياء والرسل قبله هل جاؤا بشيء غير الرد على مثل هذه الأفكار الباطلة والنظريات الخبيثة الرديئة؟
وهل الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه دعا في حياته المكية طوال ثلاثة عشر سنة إلى غير توحيد الألوهية والربوبية وتوحيد الأسماء والصفات؟
ثم وكيف يستسيغ لقوم ينسبون أنفسهم إلى الإسلام ويدعون النسبة إلى محمد بن عبدالله رسول الله الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم حامل لواء التوحيد ورافع رأية وحدانية الله وقدرته واختياراته، والقائل بأمره:
لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ [الدخان:8].
وبِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [الملك: 1]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ [المؤمنون: 88]
وبِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [يس: 83]
وإِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [الذاريات: 58]
ووَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا [هود: 6]
ووَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت: 60]
وقُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاء وَيَقْدِرُ [سبأ: 36]
واللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران: 26]
وغير ذلك من الكثير الكثير الذي ملئ منه الكتاب العزيز الحميد.
نعم كيف يستسيغ لهؤلاء الناس أن يدعوا الإسلام وانتسابهم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ثم ينكروا تعاليمه وإرشاداته وتوجيهاته، ويتنكروا على الآيات التي نزلت عليه، أنزلها رب السماوات والأرض رب العالمين، ونزل بها جبرئيل الروح الأمين على قلب سيد البشر رحمة للعالمين هدى للمتقين وبشرى للمحسنين ورحمة للمؤمنين.
فلينصف القراءة وليعدل الباحثون أيحق للقائلين بتلك المقولات أن ينسبوا إلى أفكارهم وأبطالهم آرائهم، ومن جاء حامله ومبلغه للقضاء على وثنياتهم وإشراكهم بالله: وَمَا يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاء وَلا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَن يَشَاء وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ [فاطر: 19 - 22]
وصدق الله عز وجل:
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ [البقرة: 213].
فيا أسفا على هؤلاء الغفلة وقد تسرب الشرك إليهم ودبت الوثنيات والبدعيات والخرافات والجاهلية كبيب النمل وهم لا يدرون عنها. وقد استحوذ عليهم الشيطان فلقنهم على أنها هي الإسلام وهؤلاء الذين قال الله عز وجل فيهم:
قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 103 - 104]
بعدما أخبر عنهم بقوله: سبحانه وتعالى:
أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاء عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً [الكهف: 101 - 102]
وإليكم نصوص الذين يضاهؤن قول الذين كفروا من قبل، فيقول البريلوي إن كل مفاتيح الكون في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مالك الكل، وأنه النائب الأكبر للقادر، وهو الذي يملك كلمة "كن".
وأما ابنه فيكتبت تحته تأييد الأبيه نقلا عن واحد ممن كان على منوال أبيه وطائفته: كل ما ظهر في العالم فإنما يعطيه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي بيده المفاتيح، فلا يخرج من الخزائن الإلهية شيء إلا على يديه، وإنه "صلى الله عليه وسلم" إذا رام الأمر لا يكون خلافه، وليس لذلك الأمر في الكون صارف" (1).
وقال البريلوي أيضا: إن رسول الله ص هو المبرئ من السقم والآلام، والكاشف عن الأمة كل خطب وهو المحيى، وهو الدافع عن المعضلات، والنافع للخلق، والرفع للمراتب، وهو الحافظ والناصر، وهو دافع عن المعضلات، والنافع للخلق، والرفع للمراتب، وهو الحافظ والناصر، وهو دافع البلاء أيضاً، وهو الذي أبرد على الخليل النار، وهو الذي يهب ويعطى، وحكمه نافذ وأمره جار في الكونين" (2).
وقال أيضا ناقلا عن واحد من أئمته: هو صلى الله عليه وسلم خزانة السر وموضع نفوذ الأمر، فلا ينفذ أمر إلا منه، ولا ينقل خير إلا عنه" (3).
وقال أيضا:
منه الرجا منه العطا منه المدد ... في الدين والدنيا والأخرى للأبد" (4)
_________
(1) ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) للبريلوي (32،33).
(2) ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) للبريلوي (29،30).
(3) ((الأمن والعلى)) (105).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (1/ 577).
ويقول الآخر: إن رسول الله سيد الكونين سخى رزاق ونحن محتاجون إليه" (1).و "إن اسمه مكتوب على العرش ليلعم أن العرش ملكه وهو مالكه – عياذ بالله –" (2).و "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم متصرف في كل مكان" (3).
ومثل ذلك قال البريلوي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خليفة الله الأعظم، وإنه متصرف في الأرض والسماء" (4).
وبريلوي آخر نقل عن البريلوي أنه قال: إن رسول الله مالك الأرضين ومالك الناس ومالك الأمم ومالك الخلائق، وبيده مفاتيح النصر ولمدد، وبيده مفاتيح الجنة والنار، وهو الذي يعز في الآخرة، ويكون صاحب القدرة والاختيار يوم القيامة، وهو الذي يكشف الكروب ويدفع البلاء، وهو حافظ لأمته وناصر لها، وإليه ترفع الأيدي بالاستجداء" (5).
وقال آخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نائب الرب يعطي ما يشاء من يشاء، وينزع ما يشاء ممن يشاء" (6)."وإن الأرض في قبضته وتصرفه، وإن الجنة سلطنته ورياسته، وإنه هو قسام الأرزاق" (7).
وقال مفتي البريلوية: إن جميع العالم وكل الأمور في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتصرف فيه وفيها كما يشاء ويعطي منه ومنها ما يشاء من يشاء" (8).
هذا والأنبياء الآخرون كذلك."إن الأنبياء يتصرفون في بواطن الخلق وأرزاقهم كما يتصرفون في ظواهر الخلق" (9).
وصحابة الرسول كذلك، كما روى البريلوي روايات موضوعة في ذلك، منها: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين والآخرين ويؤتى بمنبرين من نور، فينصب أحدهما عن يمين العرش والآخر عن يساره، ويعلوهما شخصان، فينادي الذي عن يمين العرش: معاشر الخلائق! من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا رضوان خازن الجنة، إن الله أمرني أن أسلم مفاتيح الجنة إلى محمد وأن محمدا أمرني أن أسلمها إلى أبي بكر وعمر ليدخلا محبيهما الجنة، ألا فشاهدوا. ثم ينادي الذي عن يسار العرش: معاشر الخلائق! من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا مالك خازن النار، إن الله أمرني أن أسلم مفاتيح النار إلى محمد ومحمد أمرني أن أسلمها إلى أبي بكر وعمر ليدخلا مبغضيهما النار، ألا فاشهدوا" (10).
وأيضا ما رواها:
إن رسول الله قال: إن عليا قسيم النار يدخل أولياءه الجنة وأعداءه النار" (11).
وأما الشيخ عبدالقادر الجيلاني فإنه غوث المغيثين وغياث المستغيثين، فإن البريلوي قال فيه: إن الشيخ عبدالقادر متصرف في العالم ومأذون له ومختار، وهو المدبر لأمور العالم" (12).و "ياغوثي أنت المحيى وأنت المميت، وأن النبي هو القاسم وأنت الموصل" (13).
وينادي أيضا:
يا ظل إله عبدالقادر ...
ويا ملجأ العباد عبدالقادر ...
إننا لمحتاجون وفقراء ...
وأنت ذو التاج والكرم ...
شيئا لله الشيخ عبدالقادر" (14) ...
وقال في قصيدته العربية:
حمدا يا مفضل عبدالقادر يا ذا الأفضال ... مولاى بما منت بالجود عليه من دون سؤال
يا منعم يا مجمل عبدالقادر أنت المتعال ... امنن وأجب السائل عبدالقادر جد بالآمال" (15).
_________
(1) ((مواعظ نعيمية)) (27) ط باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) (41) ط باكستان.
(3) ((مواعظ نعيمية)) (336) ط باكستان.
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 155).
(5) ((أنوار رضا)) (240) مقال إعجاز البريلوي.
(6) ((بهار شريعت)) لأمجد على جزء (1/ 15).
(7) ((بهار شريعت)) لأمجد علي جزء (1/ 15).
(8) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (195).
(9) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (195،196).
(10) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (57).
(11) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (57).
(12) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (26).
(13) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (125،126).
(14) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (125،126).
(15) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (179).
وقال: إن عبدالقادر فرش فراشه على العرش، وأنزل العرش على الفرش" (1).
ويقول: إن عبدالقادر مغيث لأهل الدين" (2).و "إن الشيخ الجيلاني هو الغوث الذي حصلت له قدرة كلمة "كن فيكون" (3).
ويكذبون على الشيخ الجيلاني أنه قال:
وولاني على الأقطاب جمعا ... فحكمى نافذ في كل حال
مريدي لا تخف واش فإني ... عزوم قاتل عند القتال
طبولي في السماء والأرض دقت ... وشاؤس السعادة قدبالي
بلاد الله ملكي تحت حكمي ... وأوقاتي لقلبي قد صفالي
نظرت إلى بلاد الله جمعا ... كخردلة على حكم اتصال
أنا الجيلي محي الدين اسمي ... وأعلامي على رأس الجبال" (4)
كما يكذبون عليه أنه قال: إن أزمة أمر أهل الزمان على قلبي، وهو متصرف في عطائهم ومنعهم" (5).
ونسبوا إليه أيضا أنه قال: إن قلوب الناس في يدي، إن أردت صرفها عني صرفتها، وإن أردت صرفتها إلى" (6).
وقال الآخر: إن الشيخ الجيلاني هو غوث الأغواث، وإن له حق التثبيت في اللوح المحفوظ، وإنه يملك أن يجعل المرأة رجلا" (7).وأيضاً "أزال موت شخص كان مكتوبا في اللوح المحفوظ بأنه يموت، وهكذا غير قضاءه وقدره" (8).
ونقل البريلوي عن أئمته في الضلال:
إن الشيخ عبدالقادر كان يمشي في الهواء على رؤس الأشهاد في مجلسة ويقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم على" (9).
فمادام الشيخ عبدالقادر مأذونا مختارا، متصرفا، محييا، مميتا، مغيثا، معطيا، موصلا، فلماذا الدعاء إلى الله، ولماذا الاستغاثة به والاستعانة منه والتوكل عليه، فكلما يطلبه الإنسان يطلب من الشيخ الجيلاني – عياذا بالله -.
ثم وليس هذا كله مختصا بالجيلاني والصحابة والأنبياء وسيد الرسل، بل أن عامة الأولياء والصالحين والمتصوفة ومشايخ الطرق يملكون كل هذه الأشياء ويقدرون عليها، وأن الأرض في قبضتهم، وأن السماء في ملكهم، كما ينقل البريلوي عن واحد من أمثاله أنه قال: إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه وعند سؤال منكر ونكير له وعند الحشر والنشر والحساب والميزان والصراط ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف ... وجميع الأئمة المجتهدين يشفعون في أتباعهم ويلاحظونهم في شدائدهم في الدنيا والبرزخ ويوم القيامة حتى يجاوزوا الصراط" (10).
وهو الذي قال: إن ملك "البدل" من السماء إلى الأرض، وإن ملك "العارف" من العرش إلى الفرش" (11).
وأما البريلوي فإنه قال: إن نظام الخلق قائم بوساطة الأولياء" (12).و "إن الأولياء يحيون الأموات ويبرؤن الأكمة والأبرص، ويطوون الأرض كلها بقدم واحد" (13).و "لا يخلو زمان من الغوث، ولا تقوم السموات والأرض إلا به (14).
_________
(1) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (184).
(2) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (179).
(3) ((حدائق بخشش)) للبريلوي (122).
(4) ((الزمزمة القمرية في الذب عن الخمرية)) (356) وما بعد.
(5) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (49).
(6) ((حكايات رضوية)) للبركاتي منقولة عن ((ملفوظات)) للبريلوي (125).
(7) ((باغ فردوس)) لأيوب على رضوي البريلوي (26) ط بريلي الهند.
(8) ((باغ فردوس)) لأيوب علي رضوي البريلوي (26) ط بريلي الهند.
(9) ((الأمن والعلى)) للبريلي (109).
(10) ((الاستمداد)) الهوامش (35،36).
(11) ((الاستمداد)) الهوامش (34).
(12) ((الأمن والعلى)) (24).
(13) ((الحكايات الرضوية)) (44).
(14) ((الحكايات الرضوية)) (102).
وقال الآخر منهم: إن أولياء الله ينصرون أولياءهم ويدمرون أعداءهم (1).و "إن للأولياء قدرة واختيار أن يرجعوا السهم المطلق من الرمية إليها" (2).و "إن الوهابيين يقولون: إن أولياء الله لا يستطيعون دفع الذباب عن قبورهم ولكنهم لا يعلمون أن لهم قدرة أن يقلبوا العالم كله ولكنهم لا يتوجهون إلى ذلك" (3).و "إن أولياء الله لهم تأثر في تغيير القضاء المعلق" (4).
ويقول الآخر: إن تصرف الأولياء يزداد بعد وفاتهم" (5).
هذا ومثل هذا كثير جدا.
فهذه هي معتقدات القوم في الأولياء والصالحين وفي الأنبياء والمرسلين كمعتقدات النصارى واليهود في المسيح وعزيز والكليم، وكعقيدة المشركين والوثنيين القدامى في اللات والهبل والعزى والمناة ويغوث ويعوق ونسر وغيرهم من عباد الله الصالحين الذين جعلوهم لله شركاء.
ومادام أن أنبياء الله ورسله وأولياء الله وصلحاءه يملكون هذه القدرة والاختيار فلابد أن يحصل لمؤسس هذه الطائفة نصيب منها.
وفعلا نسب أنصاره ومناصروه إلى البريلوي أحمد رضا أكثر مما نسبه هو والآخرون إلى المشايخ والصالحين والأولياء. فقالوا فيه: إنه مالك ورزاق وسيد مرشد ومالك وشافع ومغيث وغير ذلك" (6).
ويناديه أحد أتباعه ويدعوه بقوله: يا سيدي يا رزاق أعطني من نوالك، لأن كلبك هذا راج لعطائك منذ مدة فانظر إلى عبيدك هذا بنظرة الكرم، لأنه مهما ارتكب من الأخطاء والذنوب فإنه كلبك" (7).وأيضا "إن تركنا بابك يا أحمد رضا فمن أين نسأل ونستجدي، لم يخب أحد من بابك، فإنك يا أحمد رضا تعطي السائلين كل ما يطلبونه" (8).
وقيل في قبره: إن قبره ومزاره دار الشفاء للمرضى، وإنه حلال المشاكل ومسهل الأمور وقاضي الحاجات" (9).و "إن المرضى كانوا يستشفون من عيسى، ولكن أحمد رضا يحيى الأموات" (10).
وقال الآخر: إن أحمد رضا هو المبصر للقلوب والأعين، وهو معطي الإيمان، وهو المنجي في الكونين" (11).
ويقول: إن أحمد رضا هو الرزاق وهو مجيب الدعوات وهو حلال المشاكل، وهو الغوث وقطب الأولياء، وهو الذي كان له الظل في الحشر يوم لا يكون هناك الظل، وتحصل معيته في القبر والحشر والنشر، وإنه هو الرزاق ونحن فقراء إليه" (12).
فهذا هو القوم وهذه هي معتقداتهم مخالفة تماما لتعاليم الرحمن الذي بينهما في القرآن، وتعاليم الرسول الكريم التي ثبتت بالأحاديث الصحيحة الثابتة عنه صلوات الله وسلامه عليه، بل هي عين تلك العقائد التي كان مشركو قريش وكفار الجزيرة وأهل الجاهلية الأولى يعتقدونها ويؤمنون بها، ولم يأت نبي الله تبارك وتعالى وصلواته وسلامه عليه إلا للقضاء عليها وإبطالها كما بيناه سابقا.
وقبل أن نختم هذا البحث نريد أن نورد ههنا ما كتبه علامة شبه القارة ووحيد عصره النواب الشيخ صديق حسن خان في تفسيره "فتح البيان" تحت قول الله عز وجل: قل لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا إلا ما يشاء الله:
_________
(1) ((رسول الكلام)) لديدار علي البريلوي (129) ط لاهور.
(2) ((جاء الحق)) لأحمد يار (197).
(3) ((جاء الحق)) لأحمد يار (213).
(4) ((بهار شريعت)) جزء أول (6).
(5) ((الفتاوى النعيمية)) (249).
(6) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(7) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(8) انظر لذلك ((مدائح أعلى حضرة)) لأيوب رضوي (4،5).
(9) ((مدائح أعلى حضرة)) (9) وما بعد.
(10) ((مدائح أعلى حضرة)) (25).
(11) ((نغمة الروح)) لعبدالستار البريلوي (42).
(12) ((نغمة الروح)) (46).
وفي هذا أعظم وازع وأبلغ زاجر لمن صارديدنه وهجيراه المناداة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الاستعانة به عند نزول النوازل التي لا يقدر على دفعها إلا الله سبحانه، وكذلك من صار يطلب من الرسول ما لا يقدر على تحصيله إلا الله سبحانه، فإن هذا مقام رب العلمين، الذي خلق الأنبياء والصالحين وجميع المخلوقين، ورزقهم وأحياهم ويميتهم، فكيف يطلب من نبي من الأنبياء، أو ملك من الملائكة، أو صالح من الصالحين ما هو عاجز عنه غير قادر عليه؟ ويترك الطلب لرب الأرباب، القادر على كل شيء، الخالق الرزاق المعطي المانع؟ وحسبك بما في الآية من موعظة، فإن سيد ولد آدم وخاتم الرسل يأمره الله بأن يقود لعباده: لا أملك لنفسي ضرا ولا نفعا: فكيف يملكه لغيره؟ وكيف يملكه غيره – ممن رتبته دون رتبته، ومنزلته لا تبلغ إلى منزلته – لنفسه، فضلا عن أن يملكه لغيره؟
فيا عجبا لقوم يعكفون على قبور الأموات الذين قد صاروا تحت أطباق الثرى ويطلبون منهم الحوائج ما لا يقدر عليه إلا الله عز وجل كيف لا يتيقظون لما وقعوا فيه من الشرك، ولا ينتبهون لما حل بهم من المخالفة لمعنى "لا إله إلا الله"، ومدلول "قل هو الله أحد"؟ وأعجب من هذا إطلاع أهل العلم على ما يقع من هؤلاء ولا ينكرون عليهم، ولا يحولون بينهم وبين الرجوع إلى الجاهلية الأولى، بل إلى ما هو أشد منها، فإن أولئك يعترفون بأن الله سبحانه هو الخالق الرزاق، المحيى المميت، الضار النافع، وإنما يجعلون أصنامهم شفعاء لهم عند الله، ومقربين لهم إليه، وهؤلاء يجعلون لهم قدرة على الضر والنفع، وينادونهم تارة على الاستقلال، وتارة مع ذي الجلال، وكفاك من شر سماعه، والله ناصر دينه، ومطهر شريعته من أوضار الشرك، وأدناس الكفر، ولقد توسل الشيطان – أخزاه الله – بهذه الذريعة إلى ما تقربه عينه، وينثلج به صدره، ومن كفر كثير من هذه الأمة المباركة "وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا"، إنا لله وإنا إليه راجعون" (1).
هذا وذكر شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية في فتاواه قول بايزيد البسطامي أنه قال: استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة الغريق بالغريق. وقول الشيخ أبي عبدالله القرشي المشهور بالديار المصرية، استغاثة المخلوق بالمخلوق كاستغاثة المسجون بالمسجون، كما نقل دعاء موسى عليه السلام الذي كان يدعو به: أللهم لك الحمد وإليك المشتكى وأنت المستعان وبك المستغاث وعليك التكلان ولا حول ولا قوة إلا بك. – ثم بعد ذلك: لا يعرف عن أحد من المسلمين أنه جوز مطلق الاستغاثة بغير الله، ولا أنكر على من نفى مطلق الاستغاثة عن غير الله" (2).
_________
(1) ((فتح البيان)) للنواب صديق حسن خان (4/ 225).
(2) ((فتاوى شيخ الإسلام)) (1/ 112).
المطلب الثالث: سماع الموتى
ويتعلق بالمسألتين السابقتين أي مسألة الاستغاثة والاستعانة عن غير الله، ومسألة قدرة الأنبياء والأولياء واختياراتهم مسألة سماع الموتى، لأن الجهال الذين ينادون الأنبياء والرسل والأولياء والصالحين بعد موتهم ويدعونهم من دون الله عز وجل، لا يدعونهم ولا ينادونهم إلا للاعتقاد بأن الموتى يسمعون ويستجيبون لندائهم ودعائهم مع تملكهم القدرة والاختيار.
ولأجل ذلك قالوا: إن الأولياء والصالحين يسمعون ويبصرون في قبورهم أكثر مما كانوا يسمعون ويبصرون في حياتهم" (1).
لأنهم في معتقدهم قبل موتهم كانوا عاجزين، وبالأسباب الكونية مقيدين، فإذا ماتوا انطلقوا وتفلتوا من تلك الأسباب، وعلى ذلك يقول أحد البريلويين: إن النفوس القدسية إذا تجردت عن العلائق البدنية اتصلت بالملأ الأعلى وترى وتسمع الكل كالمشاهد" (2).
وقال الآخر: إن الموتى يسمعون، وإن المقربين بعد موتهم ليغيثون" (3).
والثالث قال: إن الشيخ الجيلاني يرى في كل حين، ويسمع نداء الجميع" (4).وأما البريلوي فقد كتب: إن الأموات ليسمعون، إذ لا يخاطب" إلا من يسمع" (5).
ولقد كتب رسالة مستقلة باسم "الوفاق المبين بين سماع الدفين وجواب اليمين" التي طبعت في ضمن الرسائل التي شكلت وكونت منها "الفتاوى الرضوية".
وقد حكي عدة حكايات كاذبة أثبت بها أن الموتى يسمعون، بل أكثر من ذلك أنهم يتكلمون أيضا. ومنها هذه الحكاية التي ذكرت في "ملفوظات" و "الحكايات الرضوية":أن السيد إسماعيل الحضرمي مر على المقابر ومعه أصحابه فوقف على أربعين قبرا وقفة طويلة وبدأ يبكي حتى انتصف النهار فضحك، فسئل عن أسباب بكاءه وضحكه فقال مررت على هذه القبور لأن أصحابها الأربعين كانوا يعذبون فبدأت أشفع لهم عند الرب وأبكى على عذابهم حتى رفع عنهم العذاب ولما انتهيت سمعت امرأة تناديني من آخر المقابر وتقول: يا سيدي! أنا مغنية فلانة فشفعت لهم وحرمتني عنها فضحكت من قولها وقلت لها: أنت منهم، ورفع عنها العذاب" (6).
هذا ويقول آخر من أتباعه: يجوز النداء بعلي وغوث لأن هؤلاء المحبوبين لدى الله يسمعون بعد موتهم" (7).
هذا ولقد قال البريلوي أكثر من ذلك. وهو:
إن الأولياء والأنبياء لا يموتون ويدفنون أحياء وحياتهم في القبر حياتهم في الدنيا بل أكثر منها وأفضل، فيقول البريلوي في الأنبياء: إن حياة الأنبياء حياة حقيقية حسية دنيوية يطرأ عليهم الموت لثانية من الثواني ليصدق وعد الله، وإلا بعد الثانية من الوقت يرجع لهم الحياة ويصيرون كما كانوا ويحكم على هذه الحياة بالأحكام الدنيوية ولأجل ذلك لا يقسم ميراثهم ولا يزوج من أزواجهم ولا عليهم من عدة فإنهم يأكلون في قبورهم ويشربون ويصلون" (8).
وقال الآخر: إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدى الله" (9).
ويقول الآخر: إن الأنبياء أحياء في قبورهم وهم يمشون فيها ويتماشون، يصلون فيها ويتكلمون، وفي أمور الخلق يتصرفون" (10).
_________
(1) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (56).
(2) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (18،19).
(3) ((علم القرآن)) لأحمد يار (189).
(4) ((إزالة الضلالة)) لمفتي عبدالقادر (6)، وقد وثق هذا الكتاب من قبل البريلوي ط لاهور.
(5) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 327).
(6) ((الحكايات الرضوية)) أي المجوعة التي اشتملت على الحكايات التي حكاها البريلوي عن طاقة الأولياء والصالحين واختياراتهم (57).
(7) ((الفتاوى النورية)) لنور لله القادري (527).
(8) ((ملفوظات للبريلوي)) (3/ 276).
(9) ((رسول الكلام)) لديدار علي (1).
(10) ((حياة النبي)) للكاظمي (3) ط ملتان باكستان.
وأما النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فيقولون: إنه قبل دفنه صلى الله عليه وسلم كان حيا يتكلم كما صرح بذلك القوم، فيقول البريلوي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل به الصحابة إلى قبره كان يتكلم ويقول أمتي أمتي" (1).
ويقول الآخر: لم يطرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا للحظة لأنه عندما أريد قبض روحه للحظة كانت الحياة موجودة في جسده" (2).
والثالث قال: لا فرق بين موته وحياته عليه السلام في معرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وخواطرهم، وذلك جلى عنده لا خفاء به" (3).
ويقول الآخر: إن الناس لما فارقوا المدينة في وقعة الحرة أياما ثلاثة ولم يدخل أحد المسجد النبوي الشريف كان يسمع الأذان من قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الأوقات الخمسة" (4)
وآخر يقول: لما وضعت جنارة أبي بكر رضي الله عنه أمام الحجرة الشريفة نادى رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس قد سمعوا نداءه: أدخلوا الحبيب إلى الحبيب" (5).
هذا وليس هذا مختصا بالأنبياء. فالأولياء والصلحاء مثلهم في ذلك، كما يقول أحد البريلويين: إن أولياء الله لا يموتون ولكن ينتقلون من دار إلى دار" (6).
وبنفس ذلك قال البريلوي نفسه حيث كتب: إن حضرات الأولياء أحياء بعد وصالهم "أي وفاتهم"، ولهم تصرفات وكرامات باقية، وفيوضهم جارية، وإعانتهم وإغاثتهم ثابتة" (7).
ويقول الآخر: إن موت أولياء الله كمثل الرؤية التي يرونها للحظة كالبرق الخاطف" (8).
وأما البريلوي فإنه قال: إن الأولياء أحياء في قبورهم بالحياة الدائمية، ويكون علمهم وإدراكهم وسمعهم وبصرهم أقوى من قبل" (9).
ونقل عن أئمته أنهم قالوا: إن الأولياء أحياء وإن ماتوا، وإنما ينقلبون من دار إلى دار" (10).و "إن شخصا مات، ولما حضره شيخه ليقبره فتح عينيه، فقال له: حي أنت؟ قال: نعم أنا حي، وكل محب الله. حي" (11).وعنون: إن الأنبياء والأولياء والشهداء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم" (12).
كما يحكى: إن شخصا مسافرا اظلم عليه الليل، فأراد الاستراحة فوضع أمتعته ونام ووضع رأسه على كوم مرتفع، فلما أصبح رأى أن هذه الكومة قبر لشخص، فإذا يناديه صاحب ذلك القبر ويشكو إليه: لقد آذيتني منذ الليلة" (13).
ويتسابق القوم في الكذب حيث يحكى الآخر: إن شخصا مات فغسلوه وكفنوه فنادى: عجلوا بي وبجنازتي، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينتظرني ليصلى علي" (14).
فهذه هي ترهات القوم، وهذه هي عقيدتهم مخالفة لما قال الله عز وجل وقاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنافية لشريعة الإسلام النقية الصافية عن شوائب الشرك والوثنية والأوهام، وإنما اعتقد القوم بهذه العقائد ليجعلوا لله شركاء وأندادا كعمل أهل الجاهلية الأولى الذين قال الله عز وجل فيهم:
_________
(1) رسالة ((نفي النفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل رضوية)) (1/ 221) ((حياة النبي)) للكاظمي (47).
(2) ((حياة النبي)) (104).
(3) ((جاء الحق)) لأحمد يار البريلوي (150،151).
(4) ((هداية الطريق في بيان التحقيق والتقليد)) لديدار على البريلوي (86).
(5) ((حياة النبي)) (125).
(6) ((الفتاوى النعيمية)) لاقتدار بن أحمد يار البريلوي (245).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 236).
(8) ((الفتاوى النعيمية)) (245).
(9) ((الحكايات الرضوية)) (44).
(10) ((أحكام قبور مؤمنين)) المندرج في ((رسائل رضوية)) (243).
(11) ((أحكام قبور مؤمنين)) المندرج في ((رسائل رضوية)) (245).
(12) أنظر لذلك رسالة ((أحكام قبور مؤمنين)) (239).
(13) ((أحكام قبور مؤمنين)) (247).
(14) ((حياة النبي)) للكاظمي البريلوي (46).
وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لاَّ يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَومِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ [الأحقاف: 5]
وقال تعالى:
أَيُشْرِكُونَ مَا لاَ يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَسْتَطِيعُونَ لَهُمْ نَصْرًا وَلاَ أَنفُسَهُمْ يَنصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَتَّبِعُوكُمْ سَوَاء عَلَيْكُمْ أَدَعَوْتُمُوهُمْ أَمْ أَنتُمْ صَامِتُونَ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا قُلِ ادْعُواْ شُرَكَاءكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلاَ تُنظِرُونِ إِنَّ وَلِيِّيَ اللهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلآ أَنفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ وَإِن تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لاَ يَسْمَعُواْ وَتَرَاهُمْ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ [الأعراف: 191 - 198]
هذا ولقد حكى الله عز وجل عن مشركي قريش والجزيرة عقيدتهم في الاستغاثة بالله والاستعانة بغير الله في قوله:
هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنِّ مِنَ الشَّاكِرِينَ [يونس: 22]
يعني أنهم على الأقل في أسفارهم البحرية لا ينادون إلا الله لاعتقادهم أن غير الله ومن دون الله لا يستطيعون نصرهم في البحار ولا يقدرون عليها.
خلافا لهذا القوم فإنهم لا يستغيثون لا في البر ولا في البحر إلا بغير الله، ولا ينادون إلا غيره، كما نقلنا عن البريلوي أنه قال: إني لم أستغث في حياتي أحدا ولم أستعن بغير الشيخ عبدالقادر، كلما أطلب المدد أطلب من الشيخ الجيلاني، وكلما أستغيث استغيث به" (1).
ولأجل ذلك كتب الشيخ الآلوسي المفسر الحنفي في تفسيره تحت هذه الآية: فالآية دالة على أن المشركين لا يدعون غيره تعالى في تلك الحال، وأنت خبير بأن الناس اليوم إذا اعتراهم أمر خطير، وخطب جسيم، في بر أو بحر دعوا من لا يضر ولا ينفع، ولا يرى ولا يسمع، فمنهم من يدعو الخضر وإلياس، ومنهم من ينادي أبا الخميس والعباس، ومنهم من يستغيث بأحد الأئمة، ومنهم من يضرع إلى شيخ من مشايخ الأمة، ولا ترى أحدا فيهم يخص مولاه بتضرعه ودعاه ويكاد يمر له ببال أنه لو دعا الله تعالى وحده ينجو من هاتيك الأهوال، فبالله عليك قل لي: أي الفريقين من هذه الناحية أهدي سبيلا، وأي الداعيين أقوم قيلا؟ وإلى الله المشتكى من زمان عصفت فيه ريح الجهالة، وتلاطمت أمواج الضلالة، وخرقت سفينة الشريعة، واتخذت الاستغاثة بغير الله تعالى للنجاة ذريعة، وتعذر على العارفين الأمر بالمعروف، وحالت دون النهى عن المنكر صنوف الحتوف" (2).
وأما السيد رشيد رضا المصري فإنه كتب:
وفي هذه الآية وأمثالها بيان صريح لكون المشركين كانوا لا يدعون في أوقات الشدائد وتقطع الأسباب بهم إلا الله ربهم، ولكن من لا يحصى عددهم من مسلمي هذا الزمان بزعمهم لا يدعون عند أشد الضيق إلا معبوديهم من الميتين كالبدوي والرفاعي والدسوقي والجيلاني والمتبولي وأبي سريع وغيرهم ممن لا يحصى عددهم، وتجد من حملة العمائم الأزهريين وغيرهم ولا سيما سدنة المشاهد المعبودة الذين يتمتعون بأوقافها ونذورها من يغريهم بشركهم، ويتأوله بتسميته بغير اسمه في اللغة العربية كالتوسل وغيره. وقد سمعت من كثيرين من الناس في مصر وسورية حكاية يتناقلوننها، وربما تكررت في القطرين لتشابه أهلهما وأكثر مسلمي هذا العصر في خرافاتهم، ملخصا: إن جماعة ركبوا البحر، فهاج بهم حتى اشرفوا على الغرق، فصاروا يستغيثون معتقديهم، فبعضهم يقول: يا سيد يابدوي! وبعضهم يصيح: يا رفاعي! وآخر يهتف: يا عبدالقادر يا جيلاني! ... الخ، وكان فيهم رجل موحد ضاق بهم ذرعا فقال: يا رب أغرق أغرق، ما بقي أحد يعرفك" (3).
فالله نسأل أن يهدينا إلى سواء السبيل ويحفظنا من الشرك والمشركين.
_________
(1) ((ملفوظات)) (307).
(2) نقلا عن ((الآيات البينات في عدم سماع الأموات)) مقدمة (17).
(3) ((تفسير المنار)) (11/ 338،339).
المطلب الرابع: مسألة علم الغيب
ومن أهم المعتقدات التي يعتقد بها البريلويون خلاف أهل السنة هي عقيدتهم بأن الأنبياء ورسل الله والصالحين من عباده والأولياء يعلمون الغيب، غيب السموات والأرض، مخالفين النصوص الصريحة من الكتاب والسنة وحتى الفقه الحنفي أيضا مع انتسابهم إلى الحنفية، فالله تبارك وتعالى يقول في محكم كتابه:
قُل لاَّ يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ [النمل: 65]
وقال: إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
وقال جل وعلا:
إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ [الحجرات: 18]
ووَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ [هود: 123]
وأمر لنبيه أن يقول:
إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلّهِ فَانْتَظِرُواْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ [يونس: 20].
وقال تبارك وتعالى:
وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ [الأنعام: 59].
وقال وهو أصدق القائلين:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
هذا ومثل هذا فإنه لكثير، وبمثل هذا ورد في الأحاديث الشريفة التي يأتي بيان بعضها أثناء الكلام، ولكن البريلويين يقولون عكس ذلك: إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يعلمون، بل يرون ويشاهدون جميع ما كان وما يكون من أول يوم إلى آخره (1).و "أن الأنبياء يعلمون الغذيب منذ ولادتهم" (2).هذا وأما النبي صلى الله عليه وسلم، فحصل له جميع العلوم الجزئية والكلية وأحاط بها" (3).
وقال: إن علم اللوح وعلم القلم وعلم ما كان وما يكون جزءا واحدا من علوم النبي صلى الله عليه وسلم" (4).و "إن علومه "أي النبي صلى الله عليه وسلم" تتنوع إلى الجزئيات والكليات وحقائق ودقائق وعوارض ومعارف تتعلق بالذات والصفات، وعلم اللوح والقلم إنما يكون سطراً من سطور علمه ونهرا من بحور حلمه، ثم مع هذا ببركة وجوده صلى الله عليه وسلم، هو وسع العالمين علما وحلما" (5).
كما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم عليم بجميع الأشياء من شئونات الإلهية وأحكام صفات الحق والأسماء والأفعال والآثار وأحاط بجميع العلوم الظاهرة والباطنة والأولى والآخرة" (6).
وقال الآخر من طائفته: ولم يحجب عن روح النبي صلى الله عليه وسلم شيء من العالم، فهو مطلع على عرشه وعلوه وسفله ودنياه وآخرته وناره وجنته، لأن جميع ذلك خلق لأجله صلى الله عليه وسلم" (7).وقال: إن علم النبي صلى الله عليه وسلم محيط بجميع المعلومات الغيبية الملكوتية" (8).
_________
(1) نص ما قاله البريلوي أحمد رضا في رسالته ((الدولة المكية بالمادة الغيبة)) (58) ط لاهور باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار البريلوي (192).
(3) ((الدولة المكية)) (230).
(4) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(5) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (38).
(6) ((الدولة المكية)) (210).
(7) ((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (14).
(8) ((الكلمة العليا لإعلاء علم المصطفى)) لنعيم الدين المراد آبادي (56).
وقال الآخر: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم جميع المخلوقات والموجودات وجميع أحوالهم تماما وكمالا من ماضيهم وحالهم ومستقبلهم، ولا يخفى عليه خافية، كما أنه يعلم خالقهم وبارئهم" (1)
وآخر أراد أن يسبق هذا فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم الذي يعلم أحوال قلوب الجمادات والحيوانات ألا يعلم أحوال قلوب عشاقه ومحبيه" (2).و "إن النبي صلى الله عليه وسلم لو وضع قدمه على حيوان لعلم الحاضر والغائب، فالوي الذي يضع عليه النبي صلى الله عليه وسلم يده كيف لا يصير عالما للشاهد والغائب" (3).و "أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جازمون بإطلاعه على الغيب" (4).
وأكثر من ذلك "أن النبي عليه الصلاة والسلام يعلم الغيوب الخمسة التي هي مخصوصة بذات الله تبارك وتعالى، والتي قال عنها الرب جل مجده:
إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان: 34]
اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ [الرعد: 8 - 9]
وقال جل مجده:
إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى [طه: 15]
وقال عز وجل مخاطبا نبيه صلى الله عليه وسلم:
يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ [الأعراف: 187]
وأيضا قال الله عز وجل:
يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ [الأحزاب: 63]
وقال عز وجل: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُّسمًّى عِندَهُ ثُمَّ أَنتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام: 2]
وغير ذلك من الآيات الكثيرة مثل وَعِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ [الزخرف: 85].
ووَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ [الأنعام: 59]
والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه نفى هذه الغيوب عنه وعن غيره وبين أنها مختصة بالرب جل مجده لا يشاركه أحد في العلم بها، كما ورد في حديث جبرئيل المشهور ((أنه قال في جواب سائل سأله: متى الساعة؟ قال "عليه الصلاة والسلام": ما المسئول عنها بأعلم من السائل وسأخبرك عن أشراطها إذا ولدت الأمة ربها وإذا تطاول رعاة إبل البهم في البنيان في خمس لا يعلمهن إلا الله، ثم تلا النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ .. [لقمان: 34])) (5).
وقال عليه السلام: ((مفاتيح الغيب خمس لا يعلمهن إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غدا إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله)) (6).
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (65) ط سكر، باكستان.
(2) ((مواعظ نعيمية)) لاقتدار.
(3) ((مواعظ نعيمية)) لاقتدار (364،365).
(4) ((خالص الاعتقاد)) (28).
(5) رواه البخاري (50)، ومسلم (9). من حديث أبي هريرة واللفظ للبخاري.
(6) رواه البخاري (7379)، من حديث عبدالله ابن عمر.
وأيضا ما رواه جابر رضي الله عنه أنه قال: ((سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: تسألوني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله)) (1).
وعن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((خمس لا يعلمهن إلا الله، عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غدا وما تدري نفس بأي أرض تموت)) (2).
هذا ومثل هذه الروايات كثيرة جدا عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن القوم يقولون عكس ذلك تماما، فها هو البريلوي يقول: لم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا بعد أن أعلمه الله تعالى بهذه الغيوب الخمس" (3).و "إنه صلى الله عليه وسلم أوتي علم الخمس في آخر الأمر لكنه أمر فيها بالكتمان" (4).
وقال الآخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم غيوب الماضي والمستقبل ويعلم أكثر ما في اللوح المحفوظ ويعلم علم الساعة" (5).
وينقل عن أمثاله: يعلم محمد عليه السلام ما بين أيديهم من الأمور الأوليات قبل الخلائق وما خلفهم من أحوال القيامة وفزع الخلق وغضب الرب .... وهو شاهد على أحوالهم، ويعلم ما بين أيديهم من سيرهم ومعاملاتهم وقصصهم وما خلفهم من أمر الآخرة وأحوال أهل الجنة والنار وهم لا يعلمون شيئا من معلوماته إلا بما شاء من معلوماته، وعلم الأنبياء من الأولياء بمنزلة قطرة من سبعة أبحر، وعلم نبيا من الأنبياء بهذا المنزلة" (6).
ثم يقول: لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وسلم في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم" (7).
ويقال آخر: إن رسول الله يشاهد من المدينة العالم كله" (8).
وكذب الآخر على نبي الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((علمي بعد وفاتي كعلمي في حياتي يا أهل الهدى وأولى الفضل والتقى)) (9) (10).
وليس هذا فحسب، بل قال البريلوي: إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يعلم هذه الغيوب الخمسة فحسب، بل كان يعطى هذه العلوم من شاء من خدمه" (11).
وقال الآخر: إن المراد من قول الله عز وجل وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الحديد: 3] هو النبي صلى الله عليه وسلم" (12).
_________
(1) رواه مسلم (2538).
(2) رواه أحمد (5/ 353) (23036). قال ابن كثير في ((تفسيره)) (6/ 355): إسناده صحيح، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (7/ 92): رجال أحمد رجال الصحيح. وصححه الألباني في ((صحيح الجامع)) (3255).
(3) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53).
(4) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (56)، أيضا ((الدولة المكية بالمادة الغيبية)) (144).
(5) ((جاء الحق)) (43).
(6) ((جاء الحق)) (50،51).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (39) أيضا ((جاء الحق)) (151).
(8) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار (326).
(9) موضوع, انظر ((السلسلة الضعيفة)) (5875).
(10) ((رسول الكلام لبيان المولد والقيام)) لديدرا علي (1).
(11) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (14).
(12) ((تسكين الخواطر)) للكاظمي البريلوي (52،53).
ثم وهذه الغيوب الخمسة لم يعلمها النبي صلى الله عليه وسلم وحده، بل يعلمها كثير من الناس، كما صرح بذلك البريلوي حيث قال ناقلا عن أمثاله: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يخفى عليه شيء من الخمس المذكورة في الآية الشريفة، وكيف يخفى عليه ذلك والأقطاب السبعة من أمته الشريفة يعلمونها وهم دون الغوث؟ فكيف بسيد الأولين والآخرين، الذي هو سبب كل شيء ومنه كل شيء" (1).وأيضا "وكيف يخفى أمر الخمس عليه صلى الله عليه وسلم والواحد من أهل التصرف من أمته الشريفة لا يمكنه التصرف إلا بمعرفة هذه الخمس فاسمعوا هذا يا منكرين ولا تكونوا لأولياء الله مكذبين، فإن تكذيبهم خراب للدين وسينتقم الله من الجاحدين وأعاذنا الله بعباده العارفين" (2).
وقبل ذلك أثبت أيضا في كتابه: رأينا جماعة علموا متى يموتون وعلموا ما في الأرحام حال حمل المرأة وقبله" (3).وقال واحد منهم: كثيرا ما سمعت من الأولياء يمطر السماء غدا أو ليلا فحصل كما قال .... وسمعت أيضا من بعض أولياء الله أنه أخبر ما في الرحم من ذكر وأنثى ورأيت بعيني ما أخبر وسمعت واقعة غد قبل المجيء" (4). ومنهم الشيخ المكارم.
فقد أدرج البريلوي هذه الحكايات الوضعية الباطلة في كتابه لإثبات الغيوب الخمسة وغيرها من الغيوب له مخالفا آيات القرآن الكريم وتصريحات الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم فيقول بعربيته:
إن أبا المجد يقول: كنت عند الشيخ مكارم رضي الله تعالى عنه بداره على نهر الخالص، فخطر في نفس لو رأيت شيا من كراماته فالتفت إلى مبتسما وقال: سيدخل علينا خمسة أنفار أحدهم عجمي أبيض اللون أحمر، نجده الأيمن شامة بقى من عمره تسعة أشهر، ثم يفترسه أسد في البطائح ومن ثم يبعثه الله تعالى.
والآخر عراقي أبيض أشقر بعينه برجله عرج يمرض عندنا شهرا ثم يموت.
والآخر مصري أسمر، في كفه الأيسر ست أصابع، وبفخذه الأيسر طعنة رمح أصيب بها منذ ثلاثين سنة يموت بأرض الهند تاجرا بعد عشرين سنة.
والآخر شامي آدمي اللون، شئن الأصابع، يموت بأرض الحريم على باب دارك بعد سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام.
والآخر من أرض اليمن، أبيض اللون، هو نصراني وتحت ثيابه زنار، خرج من بلاده منذ ثلاث سنين ولم يعلم به أحد ليمتحن المسلمين من يكشف منهم حاله، وقد اشتهى العراقي أوزة بارز، واشتهى المصري عسلا بسمن، واشتهى الشامي تفاحا من فاكهة الشام، واشتهى اليمني بيضا مسلوقا، ولم يجد أحد بشهوة الآخر، وستأتينا أرزاقهم وشهواتهم رغدا من كل مكان والحمد لله رب العالمين.
_________
(1) ((خالص الاعتقاد)) (53،54).
(2) ((خالص الاعتقاد)) (54) و ((الدولة المكية)) (48).
(3) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (53) أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (35).
(4) ((الكلمة العليا)) (94،95).
قال أبو الحمد رحمه الله تعالى: فوالله لم نلبث إلا يسيرا حتى دخلوا خمسة كما وصف الشيخ رضي الله تعالى عنه لم يخل من أوصافهم بشيء، فسألت المصري عن طعنة فخذه، فتعجب من سؤالي، فقال: هذه طعنة أصبت بها منذ ثلاثين سنة، ثم جاء رجل ومعه تلك الأصناف التي اشتهوها فوضعها بين يدي الشيخ رضي الله تعالى عنه، فأمره فوضع بين يدي كل واحد منهم شهوته وقال لهم: كلوا ما اشتهيتهم، فأغمى عليهم، فلما أفاقوا قال قال اليمني للشيخ: يا سيدي ما وصف الرجل المطلع على أسرار الخلق، قال: أن يعلم أنك نصراني وتحت ثيابك زنار، فصرخ الرجل وقام إلى الشيخ وأسلم فقال له: يا بني كل من رآك من المشايخ فقد عرف حالك ولكن عرفوا عن إسلامك على يدي فامسكوا عن كلامك. قال: ولقد جرت الحال في وفاتهم كما أخبر الشيخ رضي الله تعالى عنه في الوقت الذي ذكره والمكان الذي عينه من غير تقديم ولا تأخير، ومات العراقي عند الشيخ في الزاوية بعد أن مرض شهراً، وكننت ممن صلى عليه، ومات الشامي عندنا بالحريم على باب طريح ونودي له فخرجت فإذا هو صاحبنا الشامي وبين موته وبين الوقت الذي اجتمعت به عند الشيخ رضي الله تعالى عنه سبع سنين وثلاثة أشهر وسبعة أيام رحمة الله تعالى، فانظر إلى هذا الذي هو خادم من خدم خدام محمد رسول الله قد أخبر في نفس واحدة باثنين وسبعين غيبا فيها ما في الصدور وأمكنة الموت وأزمنة الموت وأسباب الموت، وما يكسب غدا إلى غير ذلك" (1).
هذا ولقد كذبوا على الشيخ الجيلاني أنه كان يقول: ما تطلع الشمس حتى تسلم على، وتجيء السنة إلى وتسلم على وتخبرني بما يجري فيها، ويجيء الشهر ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، ويجيء اليوم ويسلم على ويخبرني بما يجري فيه، وعزة ربي، إن السعداء والأشقياء ليعرضون على، عيني في اللوح المحفوظ، أنا غائض في بحار علم الله ومشاهدته، أنا حجة الله عليكم جميعا، أنا نائب رسول الله صلى الله عليه وسلم ووارثه في الأرض" (2).
ومن أكاذيبهم عليه أيضا: لولا لجام الشريعة على لساني لأخبركم بما تأكلون وما تدخرون، أنتم بين يدي كالقوارير أرى ما في بواطنكم" (3).
ويقول أحد البريلويين مناديا إياه: أيها الغوث الأعظم أنت مطلع على الصغير والكبير، وأنت تعلم ما يختلج في الصدور" (4).
ولما فتح هذا الباب للبعض فلم لا يفتح للآخرين؟ ففعلا فتحوه على مصراعيه.
فقالوا: لا يكمل الرجل حتى يعلم حركات مريده في انتقاله في الأصلاب وهو نطفة من يوم ألست بربكم إلى استقراره في الجنة أو في النار" (5).
وقال البريلوي: الكامل قلبه مرآه الوجود العلوي والسفلي كله على التفصيل" (6).
ونقل أيضا: ليس الرجل من يقيده العرش وما حواه من الأفلاك والجنة والنار، وإنما الرجل من نفذ بصره إلى خارج هذا الموجود كله" (7).و "ما السموات السبع والأرضون السبع في نظر العبد المؤمن إلا كحلقة ملقاة في فلاة من الأرض" (8).
ويقول الآخر: يتطلع العبد إلى حقائق الأشياء ويتجلى له الغيب وغيب الغيب" (9).
_________
(1) ((الدولة المكية)) (162) وما بعد.
(2) ((الأمن والعلى)) للبريلوي (109)، أيضا ((الكلمة العليا)) للمرادآبادي (67)، ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (49).
(3) ((خالص الاعتقاد)) (49).
(4) ((باغ فردوس)) لأيوب رضوي البريلوي (40).
(5) ((الكلمة العليا)) للمراد آبادي (69)، ((تسكين الخواطر)) للكاظمي (146)، ((جاء الحق)) (87).
(6) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(8) ((خالص الاعتقاد)) (51).
(9) ((جاء الحق)) (85).
ولقد حكى القوم حكايات باردة طويلة عريضة في هذا الموضوع، وأثبتوا أن جميع الأولياء فضلا عن الأنبياء والرسل يعلمون الغيب وحتى العامة وحتى حيواناتهم، ونسجوا أساطير كثيرة في ذلك أعاذنا الله منهم ومنها.
فهذه هي عقيدة القوم في علم الغيب الذي يثبتونه لغير الله وذلك ما قال الله عز وجل وقال رسوله صلوات الله وسلامه عليه:
وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النحل: 77]
ولَهُ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَبْصِرْ بِهِ وَأَسْمِعْ [الكهف: 26]
وإِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [فاطر: 38]
ويَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه: 110]
وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول:
قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [الأعراف: 188]
وقُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ [الأنعام: 50]
وقال جل وعلا منبها إياه ومخبرا الخلق أنه لا يعلم الغيب:
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التحريم: 1].
ونفى عنه الغيب في قوله:
وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ [التوبة: 101]
وقال جل وعلا:
عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ [التوبة: 43]
كما نفى الغيب عن الرسل قاطبة حيث قال:
يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُواْ لاَ عِلْمَ لَنَا إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ [المائدة: 109]
كما نفى الغيب عن ملائكته بقوله:
قَالُواْ سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة: 32]
والوقائع والشواهد في هذا كثيرة لا تحصى في الكتاب والسنة من الأنبياء والمرسلين من آدم إلى نوح ومن الخليل إلى الكليم ومنه إلى خاتم الأنبياء وسيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
والسيرة النبوية وأحوالها مليئة بالأمور التي تقطع جازما بأنه لم يكن يعلم الغيب وإلا فلم يحدث تلك الحوادث التي حدثت كشهادة القراء في بئر معونة وبيعة الرضوان ووقعة الإفك وتأبير النخل وحادثة العرنيين وغيرها من الوقائع والحوادث الكثيرة الكثيرة، ولكن القوم يصرون على أن الأنبياء والأولياء ليعلمون الغيب وحتى البريلوي حيث قالوا: إن أحمد رضا البريلوي كان يعرف يوم موته ووقت موته بالتحديد" (1).ولم يفعلوا هذا إلا لأن يؤلهوا البشر ويرفعوه إلى حد ليس له أن يرفع إليه، لأجل ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: ((لا أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (2).
وقال: لا تطروني كما اطرأت النصارى عيسى بن مريم" (3). ((ولما قالت جارية في المدينة: وفينا نبي يعلم ما في غد: أنكر عليها وقال صلى الله عليه وسلم: دعي هذا، وقولي ما كنت تقولين، لا يعلم ما في غد إلا الله)) (4).صدق الله جل وعلا وصدق رسوله صلى الله عليه وسلم، وكذب من قال خلاف ذلك كما قالت الصديقة بنت الصديق زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي عاشرته، أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (من حدثك أنه "صلى الله عليه وسلم" يعلم الغيب فقد كذب وهو يقول لا يعلم الغيب إلا الله) (5).
_________
(1) انظر لذلك ((وصايا البريلوي)) (7).
(2) رواه أحمد (3/ 153) (12573) من حديث أنس رضي الله عنه, قال محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459): إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611): إسناده صحيح. وقال الحكمي في ((معارج القبول)) (2/ 532): إسناده جيد. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1097): إسناده صحيح على شرط مسلم.
(3) رواه البخاري (3445) من حديث عمر بن الخطاب.
(4) رواه البخاري (5147) من حديث الربيع بنت معوذ بن عفراء
(5) رواه البخاري (7830) من حديث عائشة رضي الله عنهما.
المطلب الخامس: مسألة بشرية الرسول
ومن غرائب ما يعتقده القوم مع انتسابهم إلى الإسلام واعتقادهم في القرآن وتسميتهم أنفسهم أهل السنة عقيدتهم في النبي صلى الله عليه وسلم بأنه نور من نور الله مع أن القرآن الكريم صرح ببشريته أكثر من مرة، وكما صرح أن الكفار في كل عصر من عصور الرسل وفي زمان سيد المرسلين لم ينكروا نبوة أولئك إلا لكونهم بشرا كما حكى الله عز وجل عنهم وعن إنكارهم في كلامه بقوله:
وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَن يُؤْمِنُواْ إِذْ جَاءهُمُ الْهُدَى إِلاَّ أَن قَالُواْ أَبَعَثَ اللهُ بَشَرًا رَّسُولاً [الإسراء: 94]
ثم رد الله عليه بقوله:
قُل لَّوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلآئِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِم مِّنَ السَّمَاء مَلَكًا رَّسُولاً [الإسراء: 95]
وحكى عن قوم قوم سبب إنكارهم وردهم على أنبياء الله ورسله فقال عن قوم نوح وعاد وثمود إنهم أنكروا، بقوله:
قَالُواْ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ [إبراهيم: 10] فرد عليهم الرسل مقرين ببشريتهم –
قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم: 11]
كما حكى الله عن أهل انطاكية:
وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءهَا الْمُرْسَلُونَ إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُم مُّرْسَلُونَ قَالُوا مَا أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا [يس: 13 - 15].
وعن فرعون وملائه:
ثُمَّ أَرْسَلْنَا مُوسَى وَأَخَاهُ هَارُونَ بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُّبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا عَالِينَ فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا [المؤمنون 45 - 47]
وعن قوم نوح أنه إذا أرسل إليهم نوح صلوات الله وسلامه عليه:
تَتَّقُونَ 23 فَقَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء اللَّهُ لأَنزَلَ مَلائِكَةً مَّا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الأَوَّلِينَ إِنْ هُوَ إِلاَّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ [المؤمنون: 24 - 25].
وعن ثمود قوم صالح عليه السلام إنهم قالوا بنفس تلك المقولة فيه وهي:
مَا هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَّخَاسِرُونَ [المؤمنون: 33 - 34]
وأصحاب الأيكة أيضا قوال لعشيب:
وَمَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَإِن نَّظُنُّكَ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ [الشعراء: 186]
وكفار مكة قالوا بنفس ذلك القول لخاتم النبيين وسيد المرسلين:
وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ [الأنبياء: 3]
فأجابهم الله بقوله:
قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ [الكهف: 110]
قل سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً [الإسراء: 93]
وبين للناس عامة عن جنس الرسول العظيم عليه الصلاة والسلام حيث قال:
لَقَدْ مَنَّ اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ [عمران: 164]
ولَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ [التوبة: 128]
وقال:
كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة: 151]
والرسول عليه الصلاة والسلام نفسه أخبر عنه بقوله: ((إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني)) (1).وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما كان إلا بشرا من البشر يغسل ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه)) (2).
فقد أورد البريلوي في كتابه رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مولود إلا وفي سرته من التربة خلق منها حتى يدفن فيها، وأنا وأبو بكر وعمر خلقنا من تربة واحدة فيها ندفن)) (3).
هذا ما قاله الله وقال رسوله صلى الله عليه وسلم عن بشرية الأنبياء وسيد الرسل خلافا للمنكرين الذين أنكروا نبوة الأنبياء ورسالة الرسل، فإنهم لم ينكروها إلا لاعتقادهم بأن البشر لا يمكن أن يكون نبيا، أو بتعبير آخر أن الأنبياء لا يكونون من البشر، لأن النبوة منافية للبشر، فالنبوة والبشرية لا تجتمعان فإما بشرا وإمانبيا، ولأنهم كانوا يعلمون علما يقينيا أن أولئك الأخيار بشر مثلهم، ولدوا بينهم وتناكحوا وتزوجوا وتناسلوا ويمشون في الأرض ويأكلون ويشربون ويلازمهم اللوازم البشرية أنكرو نبوتهم ورسالتهم.
وأما القوم وأمثالهم من الجهلة لما ولدوا في البيئة الإسلامية وبيوت المسلمين لم يستطيعوا إنكار نبوتهم ولكنهم اعتقدوا بنفس تلك العقيدة هي المنافاة بين البشرية والنبوة، فانكروا بشرية الأنبياء والرسل، والتجئوا إلى روايات موضوعة وحكايات باطلة وأساطير مختلقة، وإلى التأويل الباطني المستعار من غلاة الروافض والإسماعيلية لآيات القرآن الحكيم وأحاديث الرسول العظيم صلوات الله وسلامه عليه فقالوا: إن رسول الله ص نور من نور الله، وكل الخلائق من نوره" (4).و "أن الله خلق الصورة المحمدية من نور اسمه البديع القادر ونظر إليها باسمه القاهر، ثم تجلى عليها باسم اللطيف الغافر" (5).
وأما البريلوي فلقد كتب رسائل عديدة في أثبات نورانية محمد صلى الله عليه وسلم، منها: رسالته التي سماها "صلاة الصفا في نور المصطفى" فلقد كتب في مقدمتها بعربيته العجيبة: اللهم لك الحمد يا نور، يا نور النور، يا نور قبل كل نور، ونور يعد كل نور، يا من له النور، وبه النور، ومنه النور، وإليه النور، وهو النور، صل وسلم وبارك على نورك المنير الذي خلقته من نورك وخلقت من نوره الخلق جميعا، وعلى أشعة أنواره، آله وأصحابه وأقماره أجمعين" (6).
_________
(1) رواه البخاري (401) ومسلم (572) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد (6/ 256) (26237) , والبخاري في ((الأدب المفرد)) (420) , قال الذهبي في ((سير أعلام النبلا)) (7/ 158): إسناده صالح. وصححه الألباني في ((صحيح الأدب المفرد)).
(3) رواه الخطيب البغدادي في ((تاريخ بغداد)) (2/ 313) قال الذهبي في ((تلخيص العلل المتناهية)) (65): موضوع.
(4) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار البريلوي (14).
(5) ((الفتاوى النعيمية)) (37).
(6) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
وأدرج فيها رواية موضوعة باطلة ونسبها إلى الحافظ عبدالرزاق أنه أخرجها في مصنفه مع أنها لم ترد فيه، والرواية هذه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لجابر: يا جابر إن الله تعالى خلق قبل الأشياء نور نبيك من نوره، فجعل ذلك النور يدور بالقدرة حيث شاء الله تعالى، ولم يكن في ذلك الوقت لوح ولا قلم ولا جنة ولا نار ولا ملك ولا سماء ولا شمس ولا قمر ولا جن ولا إنس، فلما أراد الله تعالى أن يخلق الخلق قسم ذلك النور أربعة أجزاء فخلق من الجزء الأول القلم، ومن الثاني اللوح، ومن الثالث العرش، ثم قسم الجزء الرابع أربعة أجزاء، فخلق من الأول جملة العرش ومن الثاني الكرسي، ومن الثالث باقي الملائكة، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء فخلق من الأول السموات، ومن الثاني الأرضين، ومن الثالث الجنة والنار، ثم قسم الرابع أربعة أجزاء الحديث بطوله" (1) (2).
وعلق عليها بقوله: وقد تلقت الأمة هذا الحديث بالقبول، وإن تلقى الأمة بالقبول هو ذلك الشيء العظيم الذي لا حاجة للسند بعده" (3).
فلا ندري أية أمة يقصدها البريلوي؟
إن يريد من الأمة أمثاله من الذين يتبعون الجهل والزيغ والاعوجاج فلا يضر، وإن يريد من الأمة علماءها والمهرة الحذقة في الحديث فلا وجود لتلقيهم بالقبول هذه الرواية ثم ومن قال بان تلقى الأمة بالقبول لرواية يجعلها في مرتبة لا ينظر إلى أسنادها؟،
وكيف وأن الرواية بظاهرها تعارض نصوص القرآن الصحيحة والأحاديث الثابتة من بشريته صلى الله عليه وسلم، والواقع أيضا يعارضها حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم ولد في بيت عبدالله بن عبدالمطلب، وولد يتيما أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى [الضحى:6]، وربي في خديجة وعائشة وزينب وحفصة وغيرهن عليهن شابيب الرحمة والرضوان، وشب وترعرع في مكة المكرمة واكتهل وهاجر إلى طيبة، وولد له الأولاد من إبراهيم والقاسم والطيب والطاهر، وزينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة، وكان له أرحام وأصهار من أبي بكر وعمر وأبي سفيان ومن أبي العاص وعثمان علي رضوان الله عليهم أجمعين، وكان من أعمامه حمزة والعباس وأبو طالب وأبو لهب، ومن عماته صفية وأروى وله الأقارب من الحسب والنسب.
فما قيمة تلك الروايات الواهية أمام هذه النصوص والوقائع؟
ثم القوم ازدادوا في جهالاتهم فقالوا: إن محمد صلى الله عليه وسلم ليس بعين الله، ولا هو غير الله، هو مظهر صفات الله، محيى الأرواح، منه خلق الجن ومنه الإنس، ومنه ظهر العرش والكرسي، ومنه حواء ومنه آدم صلى الله عليه وسلم" (4).والملائكة أيضا كما ذكر البريلوي: الملائكة شرر تلك الأنوار لأنه قال: من نوري خلق كل شيء" (5).
ويقول: إن في مرتبة الوجود ليس إلا ذات الحق والباقي كله عكسه وظله، وكذلك في مرتبة الإيجاد إلا ذات محمد صلى الله عليه وسلم والباقي كله عكس فيضه وفي كماله" (6).و "هو روح الأكوان وحياتها وسر وجودها ولولاه لذهبت وتلاشت" (7).
وقال أيضا في بداية رسالته التي ألفها لإثبات كونه نورا ولا ظل له ولا في اسم – نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء –
_________
(1) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
(2) ذكره اللكنوي في ((الآثار المرفوعة في الأخبار الموضوعة)) (1/ 42) , والعجلوني في ((كشف الخفاء)) (1/ 265).
(3) رسالة ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (33).
(4) ((ديوان ديدار علي)) (41).
(5) ((صلاة الصفا)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (1/ 37).
(6) ((صلاة الصفا)) (60).
(7) ((صلاة الصفا)) (60).
قال فيها: الحمد لله الذي خلق قبل الأشياء نور نبينا من نوره وفتق الأنوار جميعا من لمعات ظهوره، فهو صلى الله عليه وسلم نور الأنوار وممد جميع الشموس والأقمار، سماه ربه في كتابه الكريم نورا وسراجا منيرا، فلولاه لما استنارت شمس، ولا تبين يوم من أمس، ولا تعين وقت الخمس" (1).
ونقل من أئمته: إن ظله كان لا يقع على الأرض وإنه كان نورا، فكان إذا مشى في الشمس أو القمر لا ينظر له الظل" (2).
وقال في قصيدته التي سماها قصيدة النور: إنك نور وكل عضو من أعضائك نور وكل ولد من أولادك نور، أنت عين النور وأصلك كلهم نور" (3).
ولأجل ذلك ذلك قال أحد البريلويين في بيت شعر في الأردية ونريد نثبته ههنا قبل ترجمته:
وهي جو مستوى عرش تها خدا هوكر ... اتر برا مدينه مين مصطفى هوكر
أي أن الذي كان مستويا على العرش بصورة الآله.
هو الذي نزل في المدينة بصورة المصطفى.
وأما معنى كونه نورا من نور الله فيقول الشيخ البريلوي: إن الله لم يبين لنا كيفية كونه نورا من نوره، ولا سبيل لنا إلى معرفته بدون الله فهو من المشتابهات التي أمرنا بالإيمان عليها بلا خوض فيها" (4).
هذا ولما عرضت عليهم الآيات التي فيها تصريح لبشريته عليه الصلاة والسلام قالوا: يعلم من لفظة "قل" لا يجوز لأحد أن يقول: بشر مثلكم غير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم " (5).لأن التقول ببشرية الرسل هو من دأب الكفار" (6).
فهذا هو القوم وهذه هي معاندتهم لتعاليم الإسلام الصافية الصحيحة ومكابرتهم للحق الواضح ومخالفتهم للآيات البينات أعاذنا الله منها ومنهم، فمن يهده الله فلا مضل له ومن يضلله فلا هادي له.
_________
(1) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (199).
(2) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرج في ((مجموعة رسائل)) (202).
(3) ((نفي الفي عمن أنار بنوره كل شيء)) للبريلوي المندرج في ((مجموعة رسائل)) (224).
(4) ((من هو أحمد رضا البريلوي الهند)) لشجاعت علي البريلوي (39).
(5) ((مواعظ نعيمية)) لأحمد يار الكجراتي (115).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) للبريلوية (6/ 143)، ((مواعظ نعيمية)) (115).
المطلب السادس: مسألة الحاضر والناظر
ومن أخص المعتقدات التي يعتقدها البريلويون هي ما يخالفه العقل والعقل من كون الرسول صلى الله عليه وسلم حاضراً في كل مكان ناظراً كل شيء بالمعنى الذي لا يطلق حتى وعلى الخالق المتعال العليم الخبير جل وعلا، فيقول البريلويون: لا يخلو مكان ولا زمان إلا والرسول صلى الله عليه وسلم موجود فيه" (1).
وقال: لا يستبعد من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون حاضرا موجودا في الأمكنة المتعددة التي لا تعد ولا تحصى، بوجوده المقدس بعينه" (2).
ويقول الآخر ناقلا عن أئمته: مدام الولي حاضرا وناظرا في كل مكان وزمان فلم لا يكون النبي كذلك، فقال: ولا تباعد عن الأولياء حيث طويت لهم الأرض وحصلت لهم أبدان مكتسبة متعددة وجدوها في أماكن مختلفة في آن واحد" (3).و "الرسول عليه السلام له الخيار في طواف العالم مع أرواح الصحابة ولقد رآه كثير من الأولياء" (4).
ونقل عن الآخرين من أمثاله: النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات، والدعاء بكشف البلاء عنهم، والتردد في أقطار الأرض والبركة فيها، وحضور جنازة من صالحي أمته، فإن هذه الأمور من أشغاله صلى الله عليه وسلم" (5).
ويقول البريلوي نفسه: إن الأولياء يستطيعون الحضور في عشرة آلاف مدينة في آحد واحد وثانية واحدة إن شاؤا وأرادوا" (6).
وأما الأنبياء؟ فقال: إن روح النبي صلى الله تعالى عليه وسلم حاضر في بيوت أهل الإسلام" (7).و"إن نظرة رسول الله صلى الله عليه وسلم على كل ذرة من ذرات العالم في كل حين، وإنه يحضر تلاوة القرآن وقراءة المولد وقراءة القصائد كما إنه يحضر جنازة الصالحين بجسمه الأطهر" (8).
ويقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم شاهد خلق آدم وما جرى عليه من الإكرام ثم إخراجه من الجنة بسبب مخالفته أمر الله وما تاب الله عليه إلى آخر ما جرى عليه من الأمور، وإنه شاهد خلق إبليس وما جرى عليه .... وإن الروح المحمدي لما قبض عن آدم الذي كان فيه لم يضل ولم ينس ما بقى فيه، وبعد قبضه جرى عليه ما جرى من النسيان وما تبع" (9).
ويقول الآخر:
إنه صلى الله عليه وسلم ليس بحاضر موجود فحسب بل: إن أهل الله يرونه بأعينهم الحسية في حالة اليقظة في الأوقات الكثيرة" (10).وإن أهل البصيرة يرون رسول الله ص حتى في صلواتهم" (11).
ويقول أيضا: إن نبي الله صلى الله عليه وسلم حي بجسده وروحه وإنه يتصرف حيث يشاء في أقطار الأرض وأطرافها وفي الملكوت وهو بهيتة التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء، وإنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم فإذا أراد الله تعالى رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي كان عليها صلى الله عليه وسلم لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص بالرؤية المثالية" (12).
ويقول البريلوي: إن كرشنا الكافر كان يحضر في مئات الأمكنة في آن واحد وهذا مع كفره فلم لا يستطيع الأولياء حضورهم في أمكنة متعددة؟ " (13).
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (85).
(2) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي البريلوي (18).
(3) ((جاء الحق)) (150).
(4) ((جاء الحق)) (154).
(5) ((جاء الحق)) للكجراتي البريلوي (154).
(6) ((ملفوظات)) للبريلوي (113).
(7) ((خالص الاعتقاد)) (40).
(8) ((جاء الحق)) (155).
(9) ((جاء الحق)) (156).
(10) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (18).
(11) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (86).
(12) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) (86).
(13) ((فتاوى رضوية)) (6/ 142) وأيضا ((ملفوظات)) (114).
وقال الآخر: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حاضر رسالة كل رسول وما وقع من لدن آدم إلى أن ظهر بجسمه الشريف" (1).
وهذا مع قول الله عز وجل لنبيه بعد ما حكى وقائع موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ [القصص: 44]
وأيضا:
وَمَا كُنتَ ثَاوِيًا فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ [القصص: 45]
وكما قال:
وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْمًا مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص: 46]
وقال لنبيه بعد حكاية قصة مريم:
وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران: 44]
وقبل ذلك بين له أخبار نوح ويوسف فقال:
تِلْكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود: 49]
ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ [يوسف: 102]
وحكى الله عز وجل في كتابه بذهاب نبيه محمد صلى الله عليه وسلم من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى بقوله:
سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الإسراء: 1]
أي أنه ذهب به إلى المسجد الأقصى حيث لم يكن هناك من قبل وإلا لم يخبر بذهابه هناك، ولم يتعجب به قومه.
وقال جل من قائل:
إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا [التوبة: 40]
أي أخرجوه من مكة وذهب بأبي بكر إلى الغار وبعد خروجه لم يكن في مكة وقبل خروجه لم يكن في الغار.
وقال:
وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [آل عمران: 123]
إِذْ أَنتُم بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُم بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنكُمْ [الأنفال: 42]
أي نصر الله رسوله عند نزوله ببدر وفي العدوة الدنيا عند نزول الكفار في العدوة القصوى حيث خرج من المدينة مع أصحابه الثلاث مائة وثلاث عشرة مجاهد ولم يكن في المدينة بعد خروجه كما لم يكن في البدر قبل خروجه إليها،
وقال:
َقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ [الفتح: 18]
فكان هذا في الحديبية في العام السادس بعد الهجرة حيث لم يكن في المدينة كما لم يكن في مكة ولم يكن في الحديبية موجودا قبله ولم يبقى فيها بعد رجوعه إلى المدينة وقال:
لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ [الفتح: 27]
أي لتدخلن فيه حيث لم تكن موجودا فيه من قبل،
_________
(1) ((جاء الحق)) (163).
وغير ذلك من الآيات الكثيرة الكثيرة والوقائع اليومية التي كانت تحدث في حياته صلى الله عليه وسلم من وجوده في الحجرة الشريفة وانتظار الصحابة إياه في المسجد، وخروجه من البيت ووجوده في المسجد، وعدم وجوده في المسجد عند وجوده في السوق، وعدم وجوده في المدينة عند وجوده في الحنين، ووجوده في تبوك وعدم وجوده في المدينة، ووجوده في العرفات وعدم وجوده في مكة والمدينة في حجة الوداع وغير ذلك من الحوادث الظاهرة والأمور الجلية التي لا خفاء فيها إلا لمن أعمى الله بصره فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ [الحج: 46].
وهذا مع قول البريلويين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر في كل مكان وزمان – مع القول -: لا يجوز استعمال لفظة الحاضر على الله عز وجل" (1).وذلك مع هذا – "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أحوال جميع الموجودات والمخلوقات ولا تخفى عليه خافية" (2).
وأيضا: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يرى جميع الدنيا بعينه المباركة" (3).وأنه عليه الصلاة والسلام ليس ببعيد عن أحد ولا غير خبير بأحد" (4).
والبريلوي قال: لا فرق بين موته وحياته صلى الله عليه وسلم في مشاهدته لأمته ومعرفته بأحوالهم ونياتهم وعزائمهم وذلك عنده جلى لا خفاء" (5).
ويقول: ابكوا أيها الوهابيون! لأن نبي الله صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر ولم يحدث في العالم شيء ولا يحدث إلا ويراه ويشاهده، فهو حاضر في كل مكان وناظر كل شيء" (6).
ومادام رسول الله صلى الله عليه وسلم حاضرا وناظرا فللبريلوي حق أن يكون كذلك، وفعلا قالوا: إن أحمد رضا البريلوي حيٌّ موجود اليوم بيننا ويعيننا ويغيثنا" (7).
فليبك على الإسلام من كان باكيا
فهذا هو دين القوم وذلك هو دين الله القيم الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم والذي قال عنه بأمر من ربه:
قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ [يوسف: 108]
ووَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ [الأنعام: 153]
وهل من مفكر ليتفكر ومتدبر ليتدبر؟
أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا [محمد: 24]
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص55
_________
(1) ((تسكين الخواطر في مسألة الحاضر والناظر)) لأحمد سعيد الكاظمي (5).
(2) ((تسكين الخواطر)) (65).
(3) ((تسكين الخواطر)) (900).
(4) ((خالص الاعتقاد)) (39).
(5) ((خالص الاعتقاد)) (46).
(6) ((خالص الاعتقاد)) للبريلوي (46).
(7) ((أنوار رضا)) (246).
المبحث الخامس: تعاليم البريلوية
إن للبريلويين تعالم خاصة بهم كما أن لهم عقائد مخصوصة يمتازون بها من فرق أهل السنة عامة، ومن فرق الأحناف خاصة، وكل هذه التعاليم تدور حول الأكل والشرب باسم التبرك والتعظيم لأنه لم يؤسس هذا المذهب إلا لسلب الأموال من الجهلة والسذج من الناس، وجلب المنافع للأحبار والرهبان، ولم تكون هذه الشريعة إلا للنهب والغصب باسم القرابين والنذور من المتبعين والمريدين، فاقدي الشعور والعقل، وأسارى الغفلة والجهل، المخدوعين بكرامات الأولياء وشعوذة الماكرين.
فقادة البريلوية وزعماءها جعلوا الدين متجرا لم يحتاجوا إلى وضع رأس المال فيه، وربحوا أرباحا مضاعفة بدون زيادة عناء وكثرة جد وجهد وكلفة وتعب أكثر مما يربح بها أصحاب رؤوس الأموال الباهظة بمشاكل ومتاعب، فأمروا ببناء المقابر والمشاهد وجعلوا أنفسهم سدنتها، ثم أجبوا تقديم النذور والقرابين إليها ليحتجزوها ويدخروها ويتكاثروا بها، ثم أقاموا عليها الأعياد والأعراس وفرضوا على الناس الحضور فيها والمجيء إليها بالسجايا والسجاجيد والقناديل والشموع والزيت والعطور والحلوان والستائر والقرابين وما إلى ذلك من الأشياء ليزدادوا بها مالاً وغنى، واخترعوا ضرائب كثيرة على الحياة والممات وفرضوها على المغفلين الذين ينفقون ويضيعون، ويقترفون الآثام بدل أن يحرزوا أجرا وثوابا، وللمحافظة على تجارتهم هذه أعموا أبصارهم وصموا آذانهم وختموا على قلوبهم كي لا تتفلت من أيديهم هذه الأغنام المدرارة الساذجة فحرموا عليهم الاستماع إلى من الموحدين، والمتبعين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والإصغاء إليهم، والمجالسة معهم، والاختلاط بهم، والحضور في خطباتهم واجتماعاتهم، والنظر في كتبهم، كي لا يعقل المغفل، ويتنور من أحيط بالظلام، ويتعلم من رغب عن الجهل فقال قائلهم: حرام على المسلمين أن يقرؤا كتب الوهابيين وأن ينظروا فيها" (1).و "من جالس الوهابية أو اختلط بهم لا يجوز مناكحته" (2).
وغير ذلك:
ولم تكن هذه الاحتياطات كلها إلا للحافظ على جهالاتهم ومناصبهم النافعة المفيدة في آن واحد، ولكن من أراد الله دايته والخير به فلم يمنعه هذا الحصار لأن يخرج من الظلمات إلى النور وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور: 40].
....... واخترع القوم اختراعات أخرى باسم الدين لإرواء غلتهم وإشباع بطونهم الجائعة التي لا تشبع قبل انفجارها
ومنها الأعياد على قبور الأولياء والصالحين التي تسمى بالأعراس، ومحافل الميلاد، والفاتحة، وطعام اليوم الثالث والسابع والحادي عشر والسابع عشر والحادي عشر والسابع عشر والأربعين وغيرها فإن العارف يعرف بأول وهلة أن ليس المقصود من هذه الأشياء كلها إلا التجارة ولو كانت خاسرة في الدنيا والآخرة واكتساب الرزق ولو حارما، والضحك على السذج والمغفلة الذين يظنون بأن أمواتهم يغفرون بهذه الأشياء ولو كانوا مسيئين مذنبين، وكانوا يعصون الله ورسوله ويرتكبون الفسوق والفجور ويقترفون الكبائر والإثم، ويشركون بالله ويهجرون كتابه، فإن إقامة الأعياد على القبور والحضور في مجالس الميلاد وقراءة الفاتحة وإطعام المشايخ وأئمة المساجد الطعام تنجيهم من عذاب النار والجحيم، وتدخلهم جنات تجري تحتها الأنهار.
_________
(1) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6) (54).
(2) رسالة ((ماحي الضلالة)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 89).
فقالوا: إن أولياء الله هم أبواب رحمة الرب وينبغي طلب الرحمة من الأبواب. ولأجل ذلك تزار المشاهد والمقابر حتى تؤخذ الرحمة، كما أن زكريا عليه السلام دعا عند ولية من أولياء الله مريم ليهبه الله ولدا صالحا هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ [آل عمران: 38] لأن الدعاء عند الأولياء يقبل" (1).
وأيضا: إن الأعياد على القبور سبب لحضور الناس عند الأولياء وهي من شعائر الله، والله حرّض المؤمنين على تعظيم الشعائر وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج: 32] وفيها فوائد لا تعد ولا تحصى" (2).
وقال تلميذ البريلوي: إن عرس الأولياء وقراءة القرآن والفاتحة والوعظ وإيصال الثواب موجب للبركات لأن الأولياء أحياء في قبورهم وقد زادت قوة علمهم وإدراكهم وسمعهم وبصرهم" (3).
وقال الآخر: إن الأعراس والأعياد على القبور يعني اجتماع الناس على قبور أهل الله ومشاهدهم في يوم معين سنة سيد الأنبياء .... ومن ثم طبخ الطعام وتنوير المقام وبسط الفرش سبب للبركات وموجب للثواب وإنها لثابتة بالشريعة ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومخالفتها مخالفة الرسول" (4).إن الصلاة في مشاهد الأولياء ومزاراتهم للاستظهار والاستمداد بأرواحها للحصول على أثر من آثار عباداتهم يمين القبور أو يسارها موجب لنزول البركات وحصولها" (5).
هذا،"وأما قول الوهابية أن تقبيل القبور شرك فهو من غلوهم ومبالغاتهم" (6). وأن النذر لغير الله لا تدخل في العبادة ولا يصير الإنسان مشركا مادام لا يعبد غير الله، فإن الشرك أن يعتقد أن غير الله معبود وأما دون ذلك فلا يقال أنه شرك وفاعله أو قائله مشرك" (7).
وأما طواف القبور فإنها جائز مستحب عند القوم: ولا بأس إن طاف حول القبر لحصول البركات" (8)."لأن قبور الأولياء من شعائر الله المأمور بها التعظيم" (9).وأخيرا: إن العرش "أي العيد على القبر في يوم معين مخصوص" سمى عرسا لأن ذلك اليوم يزور الأولياء عروس الكون أي محمدا صلى الله عليه وسلم، لأنهم يوم وفاتهم يزورونه ويرونه" (10).
ثم أفتى أحد علماء القوم: لا تجوز الصلاة إلا من يقيم الأعراس ويقرأ الفاتحة وأما المخالفين لهذه الأشياء فلا صلاة خلفهم" (11).
- هذا ومن تعاليم البريلوية زيارة الآثار والحث عليها والتبرك بها سواء صحت نسبتها أم لا تصح لأنها أيضا تسبب كسب المال بخداع المسلمين، فلقد كتب البريلوي عبدالمصطفى أحمد رضا رسالة مستقلة في إثباتها والتحريض عليها باسم "بدر الأنوار في الآداب بالآثار".
وقال مقدم هذه الرسالة: إن آثار الأولياء هي من شعائر الله، ومن آيات الله التي أمر الله بتعظيمها والتبريك بها" (12).
وأما البريلوي نفسه فكتب: إن الذي ينكر تعظيم آثار الأنبياء والتبرك بها فإنه منكر القرآن والسنة وجاهل خاسر، وضال فاجر" (13).
_________
(1) ((جاء الحق)) (335).
(2) ((مواعظ نعيمية)) لمفتي البريلوية الكجراتي (224).
(3) ((بهار شريعت)) جزء أول وهذا الكتاب وثقه البريلوي نفسه.
(4) رسالة ((المعجزة العظمى المحمدية)) لنعيم الدين المراد آبادي البريلوية المندرجة في ((فتاوى صدر الأفاضل)) (160).
(5) رسالة ((حاجز البحرين)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 333).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) (10/ 66).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (10/ 207) وما بعد.
(8) ((بهار شريعت)) (4/ 133) لأمجد علي وموثق من قبل البريلوي.
(9) ((علم القرآن)) لأحمد يار البريلوي (36).
(10) ((حكايات رضوية)) للبركاتي البريلوي (146).
(11) ((الحق المبين)) للكاظمي البريلوي (74).
(12) مقدمة ((رسالة بدر الأنوار)) (8).
(13) رسالة ((بدر الأنوار)) للبريلوي (12).
ونقل من أحد متبوعيه أنه قال: ومن إعظامه وإكباره صلى الله عليه وسلم إعظام جميع أسبابه وإكرام مشاهده وأمكنته من مكة والمدينة ومعاهده وما لمسه أو عرف به" (1).هذا وما دام يعظم آثار النبي. فآثار الأولياء والصالحين والعلماء تعظّم أيضا ويتبرك بها لأنهم ورثوا بركاته وفيوضه" (2)."ولا يحتاج أن يطلب دليل وسند لصحة نسبة هذه الآثار إلى أصحابها ويكفي في ذلك أن تكون نسبتها مشهورة بين الناس" (3).
وكيف تعظّم هذه الآثار ويتبرك بها؟ بينها البريلوي في رسالة أخرى، أن يبوس هذه الآثار ويقبلها لأنه دستور أهل الحب والولاء ومسطور في كلمات الأئمة والعلماء مثل منائر المدين وجدرانها ولو لم تكن في زمن الرسول عليه الصلاة والسلام، وبنيت وأحدثت بعده ولم تتشرف بمسه ورويته ولكنها واقعة في بلدته – ثم استدل بكلمات أئمته كما صرح، وأول إمام له هو مجنون بني عامر – ولله در من قائل:
أمر على الديار ديار سلمى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
ثم استدل بإمامه الآخر فإنه قال:
وجدير لمواطن استملت تربتها على جسد سيد البشر صلى الله عليه وسلم مدارس ومساجد ومشاهد ومواقف أن تعظم عرصاتها وتنسم نفحاتها وتقبل ربوعها وجدرانها.
وعليّ عهد أن ملأت محاجري ... من تلكم الجدران والعرصات
لأغفرن مصون شيبي بينها ... من كثرة التقبيل والرشفات
وحتى عتبات قبور الأولياء وأبوابها كما صرح البريلوي في رسالته هذه" (4).
وأنها سبب الفوز والنجاة:
فبادر والثم الآثار منها ... بقصد الفوز في يوم الحساب (5)
وماذا كان يعمله مشركو مكة وكفار الجزيرة أو غير هذا أو أكثر من ذلك؟
ولكن القوم تجاوزوا الحدود وسبقوهم حيث قالوا: لا يجوز تقبيل جدران المدينة والقبور وآثار الأنبياء والصلحاء والعلماء فحسب بل يجوز أيضا تقبيل صور هذه الأشياء وأمثالها وتماثيلها بل ويجب، فيقول البريلوي: إن الأرفع والأعلى والأجلى بأن علماء الشريعة والأئمة المعتمدين طبقة عن طبقة عن الشرق والغرب، من العرب والعجم كانوا يصورون النعال المطهرة والروضة المعطرة لسيد البشر ويمثلونها ويسطرونها في الكتب ويقبلونها ويضعونها على العيون والرؤوس وكانوا يأمرون به" (6)."وكانوا يتوسلون بها "أي هذه التمائيل والصور" في دفع الأمراض وحصول الأغراض ويتحصلون بها عظيم البركات وجليل المنافع" (7).
والمنافع التي تحصل منها يبينها البريلوي نفسه بقوله: من يوجد عنده صورة النعل يحفظ من ظلم الظالمين وشر الشياطين وحسد الحاسدين وإن أمسكتها المرأة بيدها اليمنى في مخاضها سهلت عليها الولادة، ومن حفظها عنده والتزمها عظم في أعين الخلق وحصلت له زيارة الروضة المقدسة أو زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه، وإن احتفظها العساكر لا يهزمون والقوافل لا ينهبون، وإن وضعت في السفن لا تغرق وفي الأموال لا تسرق، وأية حاجة يتوسل بها تقضى، ولأية نية تعلق توفي، ومواضع المرض والوجع لو وضعت عليها تشفى، ومن المصائب والآلام المهلكة تنجي" (8).
_________
(1) ((بدر الأنوار)) (21).
(2) ((بدر الأنوار)) الفصل الثاني (23).
(3) ((بدر الأنوار)) الفصل الرابع (43).
(4) رسالة البريلوي ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرج في ((مجموعة رسائل)) (159) وما بعد.
(5) رسالة البريلوي ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرج في ((مجموعة رسائل)) (143).
(6) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) (143).
(7) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (38).
(8) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (38).
ونقل من أئمته في هذه الخرافات التي لا تقل عن خرافات الجاهلية الأولى أنهم قالوا: ألثم التراب الذي حصل له النداوة من أثر النعل الكريمة إن أمكن ذلك وإلا فقل أمثالها" (1)."ومن فوائد ذلك أن من لم يمكنه زيارة الروضة فليزر أمثالها وليلثّمه مشتاقا لأنه ناب مناب الأصل كما قد ناب مثال نعله الشريفة منابة عينها في المنافع والخواص بشهادة التجربة الصحيحة، ولذا جعلوا له من الإكرام والاحترام ما يجعلون للمنوب عنه" (2).
وأيضا:"من فوائد ذلك أن يزور الأمثال من لم يتمكن من زيارة الروضة ويشاهدها مشتاقا ويلثمها ويزداد فيها حبا وشوقا وقد استنابوا مثال النعل عن النعل وجعلوا من الإكرام والاحترام ما للمنوب عنه وذكروا له خواصاً وبركات" (3).
وبعد ذلك كتب آداب زيارة هذه التماثيل والصور بعد بيان حقيقة هذه الأشياء."وإنها من المعظمات الدينية، وتعظيمها وتكريمها على وجه الشريعة من مقتضيات إيمان صحيح الإيمان" (4).ويجب على من يزور هذه الآثار أو أشياء تدل على تلك الآثار أن يتصور الرسول ذا النور صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه بكثرة وكثرة .... وكذلك من يزور شبيه الروضة المباركة فليعظمه ويكرمه ويكثر الصلاة والسلام مثلما كان يفعل عند زيارة الأصل" (5).
ثم بيّن فضائل ومناقب تقبيل هذه التماثيل والصور ونقل فيها أبياتا منها:
لمن قد مس شكل نعال طه ... جزيل الخير في يوم المآب
وفي الدنيا يكون بخير عيش ... وعزفي الهناء بلا ارتياب
وفي مثلك يا نعال أعلى النجبا ... أسرار بها شهدنا العجبا
من صاخ خده به مبتهلا ... قد قام له ببعض ما قد وجبا (6)
وفمن قبلتها مثل نعل كريمة ... بتقبيلها يشفى من اسمه استشفى
فقبله لثما وامسح الوجه موقفا ... بنية صدق تبلغن ما كنت مضمرا" (7)
ومن سوء أدب القوم في جناب الله عز وجل أنهم يوقرون مثال النعل ويعظمون المقابر والمشاهد ولكنهم ليسيئوا إلى حضرة الرب جل وعلا حيث يقولون: يجوز كتابة اسم الجلالة في تمثال النعل – ثم استدل برواية – أن الأئمة كانوا يكتبون في ظهور النعال" (8).
وبعد هذا كله أظهر ما لأجله روج هذه الأشياء وأمر بتعظيمها وبتكريمها والتبرك بها وهو الأكل والشرب والكسب فقال:
"ويستحب للزائر أن يقدم النذور إلى من يأتي بهذه الآثار الشريفة للنبي صلى الله عليه وسلم أو للولي المكرم المعظم فيثاب المهدي والآخذ لإعانة المسلمين حيث أعان المزور الزائرين بزيارة هذه الآثار وأعان الزوار المزور بتقديم النذور إليه مصداق قول الرسول عليه السلام: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه".قال: وقال صلى الله عليه وسلم: الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، وخاصة حينما يكون أصحاب الآثار والتبركات من الأشراف الكرام، لأن خدمتهم سبب لحصول الأجر والبركات" (9).
فهذا هو دين القوم وهذه هي تعليماتهم ضد تعليمات ذلك النبي الكريم عليه الصلاة والسلام الذي منع أصحابه وأمته من المبالغة حتى في ذاته صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم)) " (10).
_________
(1) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (148).
(2) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (148).
(3) ((أبرّ المقال في قبلة الإجلال)) للبريلوي (150،151).
(4) ((بدر الأنوار)) (53).
(5) ((بدر الأنوار)) (56).
(6) ((بدر الأنوار)) (144).
(7) ((بدر الأنوار)) (56).
(8) ((بدر الأنوار في آداب الآثار)) (41،42).
(9) ((بدر الأنوار)) (50،51).
(10) رواه البخاري (3445).
وعلى ذلك كتب الملا على القارئ الحنفي: أنه ألجأ هؤلاء على هذا الغلو اعتقادهم أنه يكفّر عنهم سيئاتهم ويدخلهم الجنة وكلما غلوا كانوا أقرب إليه فهم أعصى الناس لأمره وأشدهم مخالفة لسنته، فيهم شبه ظاهر من النصارى غلوا على المسيح أعظم الغلو وخالفوا شرعه ودينه أعظم المخالفة" (1).
وقال عليه السلام: ((لا ترفعوني فوق حقي فإن الله تعالى قد اتخذني عبدا قبل أن يتخذني رسولا)) (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((لا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منزلتي التي أنزلني الله)) (3).
فهل يرضى ويتصور في دينه الذي جاء به عن خالق الكون رب السموات والأرض أن تعظم تلك الصور والأمثال والتماثيل وتلك الشبيهات التي لم تأت شريعة السماء إلا لإبطالها وهدمها والرد عليها.
معاذ الله أن يكون كذلك ولكن أنى لهؤلاء الناس أن يتوجهوا إلى تعاليم القرآن ومن نزل عليه القرآن.
وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ [الأنعام: 125]
صدق الله العظيم.
واخترعوا للأكل والشرب مسألة غريبة وبدعة قبيحة وهي إن مات شخص ولم يصل ولم يصم فيمكن إدخاله الجنة بتقديم الطعام إلى الأحبار والرهبان غير كثير، عن كل صوم نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير، وكذلك عن كل صلاة، ومن جاء ليتاجر بالجملة فيرخّص له خصوصا حيث جعلوا له الحيلة، وإليكم بيان ذلك من كتب القوم الذين نسوا ما قال الله عز وجل في محكم كتابه:
إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا [النساء: 10]
وقال الله عز وجل:
وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى النجم: 39 - 40 [.]
وقال وهو أصدق القائلين:
وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام: 164].
وقال:
يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ [البقرة: 9]
ولكن القوم يقولون ضاربين صفحا عن كلام الله الحق وعن تعاليم الرسول الصادق الأمين عليه السلام ويقولون:
_________
(1) ((الموضوعات)) للملا علي القاري الحنفي (119،120).
(2) رواه الطبراني في ((الكبير)) (3/ 128) (2889). قال ابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (4/ 76): مرسل حسن. وقال الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/ 24): إسناده حسن.
(3) رواه أحمد (3/ 153) (12573) من حديث أنس رضي الله عنه, قال محمد بن عبد الهادي في ((الصارم المنكي)) (459): إسناده صحيح على شرط مسلم. وقال أحمد شاكر في ((عمدة التفسير)) (1/ 611): إسناده صحيح. وقال الحكمي في ((معارج القبول)) (2/ 532): إسناده جيد. وقال الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1097): إسناده صحيح على شرط مسلم.
إن وارث يقول عن الميت الذي لم يكن يصلى ولا يصوم هكذا: كل حق من حقوق الله لزم على ذمة هذا الميت من الفرائض والواجبات والمنذورات وغير ذلك، بعضها أدى وبعضها لم يؤد فالتي أدى قبل الله بفضله وبجاه سيد الأنبياء والمرسلين واستدعاء هذه الجماعة الحاضرة من المسلمين والتي لم يؤد وبقيت على ذمته فبعضها قابلة للفدية وبعضها ليست بقابلة لها، فالذي بقابلة لها غفرها الله تعالى له وتجاوز عنه والتي قابلة للفدية وبقيت في ذمته أعطيت في فديتها هذا المصحف الشريف مع هذا النقد والجنس" (1).أو "وهبت هذا المصحف الشريف مع هذا النقد والجنس لإسقاط ما على ذمة هذا الميت من الصلاة والصيام وغير ذلك" (2).
وإن كان شخص لم يصل ولم يصم في حياته كلها؟ فيقولون يحسب على الميت بحسب مدة عمره بعد إسقاط اثنتي عشرة سنة للذكر وتسع سنوات للأنثى لأنها أقل مدة بلوغها فيجب عن كل شهر نصف عزارة بالمد الدمشقي ولكل سنة شمسية ست عزائر" (3).
ولكن يصير بهذا الحساب وزنا غير قليل وصاعات كثيرة، فما الحيلة؟ فقالوا: يأخذ مقدار الحدود ويدفع ذلك المقدار للفقير فيسقط عن الميت بقدره، ثم يهبه الفقير للولي ثم يدفعه للفقير فيسقط بقدره، ثم يهبه الفقير للولي ويقبضه ثم يدفع الولي للفقير حتى يسقط ما كان على الميت من صلاة وصيام" (4).ولو لم يترك المال "يستقرض وارثه نصف صاع مثلا ويدفعه للفقير ثم يدفعه الفقير للوارث ثم وثم حتى يتم" (5).
ويصرحون بتسمية هذا الخداع بالحيلة حيث يقولون: فالحيلة لإبراء ذمة الميت عن جميع ما عليه أن يدفع ذلك المقدار اليسير بعد تقديره بشيء من صيام أو صلاة أو نحوه ويعطيه للفقير بقصد إسقاط ما يرد عن الميت ثم بعد قبضه يهبه الفقير للولي أو للأجنبي ويقبضه ثم يدفعه الموهوب له للفقير كجهة الإسقاط متبرءاً به عن الميت ثم يهبه الفقير للولي" (6).
فهكذا باع القوم آخرتهم بدنياهم وحرضوا الناس على عدم العمل وترك الصلوات والصوم والأعمال التي عليها مدار النجاة حسب تعاليم الله جل وعلا وإرشادات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما دام دخل القوم في الحيل فوصلوا إلى أقصاها فقالوا: أسهل طريقة أن يبيع الوارث على الفقير مصحفا صحيحا قابلا للقراءة بغبن فاحش ثم يهب الفقير له ثم فثم حتى يستتم لعل الله يجعله فدية في مقابلة الصوم والزكاة والمنذورات" (7).
ولا يسعنا إلا أن نقول نعم إنها حيلة ولكنها حيلتكم لأكل أموال الناس بالباطل.
وهناك الحيل الأخرى نستعيذ بالله منها ومن موجديها.
ومن تعليمات القوم التي ابتدعوها واخترعوها باسم الشريعة وروّجوها في المسلمين باسم الإسلام وفسّقوا وكفروا كل من يعارضهم ويخالفها، تقبيل الإبهاميين في الأذان عند استماع اسم الرسول عليه الصلاة والسلام،
_________
(1) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) المندرجة في مجموعة ((بذل الجوائز)) (35) ط لاهور، باكستان.
(2) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) المندرجة في مجموعة ((بذل الجوائز)) (26) ط لاهور، باكستان.
(3) ((جاء الحق)) (387).
(4) ((غاية الاحتياط في جواز حيلة الإسقاط)) للقادري البريلوي (41).
(5) ((جاء الحق)) (387).
(6) ((غاية الاحتياط في جواز حيلة الإسقاط)) للقادري البريلوي (41).
(7) ((غاية الاحتياط في حيلة الإسقاط)) (44).
فكتب البريلوي في إثباتها رسالة مستقلة التي أدرجت في فتاواه "منير العين في حكم تقبيل الإبهامين" قال فيه: عن الخضر عليه السلام أنه قال: من قال حين يسمع المؤذن يقول أشهد أن محمدا رسول الله مرحبا بحبيبي وقرة عيني محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ويقبل إبهاميه ويجعلهما على عينيه لم يرمد أبدا" (1).
وكتب أحد غيره: من قبل إبهاميه عند سماع اسم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأذان ووضعها على عينيه فحصل على الفوائد الدينية والدنيوية وأثيب على ذلك وقد عمل به الصحابة وعليه عمل عامة المسلمين، ولقد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((من سمع اسمي في الأذان ووضع إبهاميه على عينيه فأنا طالبه في صفوف القيامة وقائده إلى الجنة)) (2).
فانظر إلى القوم وجرأتهم على التقول والكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال: ((من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) (3).
لأن الرواية الأولى نقولها عن المقاصد الحسنة للسخاوي والسخاوي نفسه كتب قبل إيرادها في كتابه:
وكذا ما أورده أبو العباس أحمد بن أبي بكر الرداد المتصوف في كتابه (موجبات الرحمة وعزائم المغفرة) بسند فيها مجاهيل مع انقطاعه عن الخضر".
فهل بعد هذا كله يجوز الاستدلال بها مع وجود اسم الخضر ومع ما في وجوده من الكلام، والرواية الثانية ليس لها أثر ولا رسم وما أدري من أين جاء بها وهذا مع قول العلماء في مثل هذه الروايات كلها:
الأحاديث التي رويت في تقبيل الأنامل وجعلها على العينين عند سماع اسمه عن المؤذن في كلمة الشهادة كلها موضوعات".
والسخاوي نفسه قال بعد بيان جواز العمل في الفضائل والترغيب والترهيب بالحديث الضعيف: وأما الموضوع فلا يجوز العمل به بحال" (4).وذكر كل من السخاوي والسيوطي والعلي والقاري ومحمد طاهر الفتني والشوكاني وغيرهم أن مثل هذه الروايات كلها غير ثابتة" (5).
ولكن البريلوي مع ذلك يقول: إن الذي ينكر تقبيل الإبهامين فإنه يرد إجماع الأمة ويتبع غير سبيل المؤمنين الذي وعد الله عليه بالوعيد المؤكد وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا [النساء: 115] (6).
وقال: لا يمنع عن هذا إلا من يفتري على الشريعة ويحترق من اسم النبي ويحسده وتعظيم النبي بجميع أنواع التعظيم الذي ليس فيه مشاركة الله تعالى في الألوهية أمر مستحسن عند من نوّر الله أبصارهم" (7).
ومن أكاذيب القوم ومحدثاتهم الكثيرة الكبيرة التي لا نهاية لها – لأنهم بنوا بناءهم على المحدثات والمخترعات التي لم ينزل الله بها من سلطان ولم يرد فيها ثبوت من رسول الله صلى الله عليه وسلم –
إنهم يقولون: أن يكتب هذا الدعاء "لا إله إلا الله وحده لا شريك له لا إله إلا الله له الملك والحمد، لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أو بسم الله الرحمن الرحيم" ويوضع على صدر الميت – ثم؟ "من كتب هذا الدعاء وجعل بين صدر الميت وكفنه في رقعة لم ينله القبر ولا يرى منكرا ونكيرا" (8).
_________
(1) ((منير العين في حكم تقبيل الإبهامين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (383).
(2) ((جاء الحق)) (394).
(3) رواه البخاري (1291) , من حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه, ومسلم (3) , من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(4) ((القول البديع)) (196).
(5) انظر ((تذكرة الموضوعات)) للفتني (36) والموضوعات للقاري (75) والفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني (19،20).
(6) رسالة ((منير العين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 488).
(7) رسالة ((منير العين)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 496).
(8) رسالة ((الحرف الحسن في الكتابة على الكفن)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 127).
وأيضا: من كتب على جبهة الميت أو عمامته أو كفنه "عهد نامه" يرجى أن يغفر الله للميت، وأوصى بعضهم أن يكتب في جبهته وصدره بسم الله الرحمن الرحيم ففعل ثم رؤي في المنام فسئل فقال: لما أودعت في القبر جاءتني ملائكة العذاب فلما رأوا مكتوبا على جبهتي قالوا: أمنت من عذاب الله" (1).
وكتب بريلوي آخر: إن "عهد نامه" هذا يكتب كي يتذكر الميت عند سؤال المنكر والنكير الجواب لأنهما عندما يسألانه يقرأ المكتوب ويجيب عليهما" (2).
ومن ميزاتهم التي يمتازون بها عن الآخرين وحتى الأحناف أنهم يلتزمون محدثات الأمور ويصرون عليها ويشتمون تاركها ويسبونه ويطعنون فيه ويتهمونه بالوهابية.
ولا غرو أن متبعي الكتاب والسنة يطعنون ويبغضون من قبل الخرافيين وأهل البدع والأهواء وأصحاب الزيغ والضلال.
ومن هذه الميزات والتعاليم التي ألزموها على مقلديهم ومتبعيهم الدعاء بعد صلاة الجنازة مخالفين الكتاب والسنة، والفقه الحنفي أيضا، فيقول البريلوي: الذي يمنع عن الدعاء بعد الجنازة هو يتمسك بالمخالفة الصريحة للفقه الحنفي ولكن النجدية قوم يجهلون" (3).
وأما ما ورد من منع القيام بعد صلاة الجنازة في الفقه الحنفي فقال عنه: إن المراد منه المداومة" ثم استدل على ذلك ببيت شعر خبيث للطعن على المخالفين وبعبارة خبيثة فيقول:
إن المراد من القيام المداومة كما بيناه في الفتوى الأولى ومنه قول القائل:
ولا يقوم على ذلك يراد به ... إلا الأذلان غير النجد والوتد
ليس المراد بأن حمار النجد عند إرادة ذل به يقوم ولا يقعد بخلاف غيره فإنه يقعد، وإنما أراد أن الحمار النجدي يدوم ويصبر على الذل ويرضى به" (4) ....
فهذه هي تعاليم البريلوية مخالفة صريح الاختلاف لتعاليم الكتاب والسنة وتعاليم الحنفية أيضا أوردناها وأثبتناها من كتب القوم أنفسهم بذكر الصفحات والمجلدات.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص113
_________
(1) رسالة ((الحرف الحسن في الكتابة على الكفن)) للبريلوي المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 129).
(2) ((جاء الحق)) (340).
(3) ((بذل الجوائز على الدعاء بعد صلاة الجنائز)) المندرجة في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 25،26).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 26).
المبحث السادس: البريلوية وتكفير المسلمين
فإن القوم قد حصروا الإسلام في الجماعة التي تعتنق بدعتها ومخترعاتها. وتعترف بإمامة قادتها ومشيختها، ويدينون في الله بأنه متعطل متقاعد لا يملك شيئاً وقد سلم قدرته واختياره لأولياء الأمر وأصحاب الطرق وعباده. الذين يعدونهم هؤلاء صالحين، وهم أصحاب القدرة المطلقة والخيارات الإلهية والطاقات الصمدية، فالله ينزل من عرشه لزيارتهم، والكعبة تطوف حولهم. والملائكة خدم لأبوابهم والسماء مطوية بأيمانهم والأرض مقبوضة بشمائلهم، والسحب تنزل بأوامرهم، والأرزاق تقسم بإشارتهم، فهم يملكون الموت والحياة والبعث والنشور، وإحياء الموتى والسماع لمن في القبور وإغاثة الملهوفين وكشف كرب المكروبين ونصر المستغيثين ومدد المضطرين – عياذا بالله – وغير ذلك من الخرافات والترهات كما مر بيانها.
فعلى الجميع أن يسفّه رأيه ويحجر عقله ويغلف قلبه ويقول بهذا القول ويعتقد بهذا المعتقد وإلا فقد خرج عن الإسلام والإسلام البريلوي بتعبير صحيح. فأهل الحديث كفرة فجرة مرقوا عن الدين لأنهم قالوا باتباع الكتاب الذي أنزله الله على سيد البشر هدى للناس ورحمة للمؤمنين، واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي أرسله الله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، فإنهم بتمسكهم بهذين الأمرين ضلوا وأضلوا لأنهم لم يدخلوا فيهما إطاعة أحمد رضا البريلوي ولا أذنا به وعملائه متمسكين بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، "تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله وسنة رسوله" (1).
وقالوا إن الله لم يأمر في كتابه إلا إطاعته وإطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم في الآيات الكثيرة الكثيرة ونورد منها ثلاثة فقط.
وَأَطِيعُواْ اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران: 132]
وأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ [الأنفال: 20]
ويَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [محمد: 33]
فلم يذكر فيها لا أحمد رضا ولا غيره ولم يلزمهم الإيمان به.
وكيف لا يكفرون وهم يدعون إلى كتاب الله وسنة رسول الله، والكتاب لا يشملهم والسنة لا توافقهم.
وأتباع محمد بن عبدالوهاب كفرة وفسقة لأنهم كفروا ببدعاتهم وخرافاتهم واعتقادهم بإلوهية رب العرش العظيم وبإمامة سيد المرسلين.
والديوبنديون مرتدون مارقون عن الدين خارجون عن الإسلام لأنهم لم يؤمنوا بالقصص التي اختلقوها والأساطير التي اخترعوها والخرافات التي جعلوها دينا وشريعة.
والندويون أنجاس مشركون لأنهم لم يبايعوا البريلوي ولم يذعنوا بإمامته وقيادته. ولم يتفوهوا بأقاويلهم وخزعبلاتهم، وكيف لا يمرقون عن الدين وهم يجعلون الفقه الحنفي حكماً بينهم وبين القوم. ومع ادعاء القوم أنهم أحناف فالفقه الحنفي يناوئهم ويخالفهم.
وشعراء الإصلاح في شبه القارة الهندية وكتابه وأدباؤه والدعاة إليه ضالون مضلون لأنهم بدعوتهم المسلمين إلى الإصلاح يبعدونهم عن التقاليد العتيقة والعادات القديمة والرسوم الجاهلية والأفكار الوثنية الهندوكية من عبادة الأوثان والقبور والركوع والخشوع أمام العتبات والدهاليز وأبواب المزارات، والخوف من الشجر والحجر والظل والقط والسنور وغير ذلك من الخرافات.
_________
(1) أخرجه مالك بلاغا (1594) وابن عبد البر في ((التمهيد)) (24/ 331) وقال: محفوظ معروف مشهور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند أهل العلم شهرة يكاد يستغني بها عن الإسناد.
وزعماء التعليم فجرة ملاحدة لأنهم بتعليمهم الأمة الإسلامية يبددون ظلام الجهل. ويعممون نور العلم في أناس توارثوا العبودية للمشيخة المتزعمين الولاية والتقرب إلى الله والشفاعة للخلق.
والساسة ومحرروا الأمة من أغلال الاستعمار كفرة وملاعين لأنهم لا يريدون فقط تحرير الأراضي الهندية الباكستانية من براثين الإنجليزي الغاشم وكسر قيود المستعبدين المستضعفين، بل ومع ذلك يريدون أن يحرروهم من سجن وقيد المستغلين المترفين والمستبدين باسم الدين.
وحملة لواء الجهاد وعلم القتال في سبيل الله بغاة طغاة ومباحوا الدم لأنهم ينفثون روح الجهاد في الضعفاء والمساكين يخرجونهم عن خانقاهاتهم وتكاياهم ويصرفونهم عنهم وعن الجهاد الأكبر إلى الجهاد الأصغر. ويحرضونهم على الإنفاق في سبيل الله لشراء الأسلحة ورباط الخيل بدل الإنفاق في المواليد والأعراس والأعياد على القبور.
ودعاة الحكومة الإسلامية والخلافة النبوية والإمارة الشرعية أصحاب زيغ وضلال لأنهم يرشدون الناس إلى دولة إسلامية غير دولتهم التي أقاموها في حجراتهم والخلافة التي يوزعونها في تكاياهم والإمارة التي يقيمونها في زواياهم.
فهؤلاء جميعا فسقة فجرة، كفرة مرتدون، خارجون عن الدين، مارقون عن المذهب لأنهم يكفرون بالبريلوي ومن وافقه ولا يؤمنون بعقائده ومعتقداته. فلم يسلم من هؤلاء البريلويين شخص قام بكل هذه الأمور المذكورة أو اعتقد ما ذكرناه سابقا سواء كان من شبه القارة أو خارجها وسواء كان من المتأخرين أو من المتقدمين ولا أظن أن طائفة من الطوائف وفرقة من الفرق المنتمية إلى الإسلام وسعت التكفير إلى حد وسعه البريليون. فإنهم كفروا كل من اختلف معهم في صغيرة أو كبيرة، في عقيدة أو في رأي وحتى كفروا كل من لم يوافق على تكفيرهم الأشخاص بعيانهم وذواتهم ولو لم يختلفوا معهم لأن عدم الموافقة غير مسموح به في مناهجهم فضلا عن الاختلاف، والمعروف أن عدم الموافقة أخف بكثير من المخالفة والاختلاف، فإنهم كفروا كثيرا من الناس الذين كانوا معهم في معتقداتهم العامة وعقائدهم الخاصة اللهم إلا أنهم لم يوقعوا على الوثائق والمستندات التي أعطوها لمخالفيهم كشهادة الكفر والارتداد ولم يوافقوهم على التصريح بتكفيرهم وبتعبير صحيح لم يتقولوا بمقولتهم في أولئك الأشخاص المعينين ولو أنهم كانوا متفقين معهم لمخالفتهم أفكارهم ومعتقداتهم، فقالوا، إن من تردد وتأخر في تكفير من كفرناه أو شك في كفره فقد كفر. فإن العالم الحنفي الكبير الشيخ عبدالباري اللكنهوي الذي كان متفقاً معهم في كثير من المعتقدات ومؤيدا لهم ومناصرا لآرائهم كفروه وصرح بتكفيره السيد البريلوي نفسه بسبب أنه تذبذب في التصريح بتكفير بعض العلماء الأحناف المخالفين له وللبريلويين في الرأي (1).
فقال البريلوي: إن كفره صريح وبواح، ثم أردف فتواه بفتاوى أخرى تحوم حول تكفير الشيخ عبدالباري وقد جمع ابنه جميع فتاواه في كتاب مستقل (الطاري الداري لهفوات عبدالباري).
وما أكثر ما يقوله هو وذووه بعد تكفير من يكفرونه من المسلمين، من شك في كفره فقد كفر.
وهذا ما شهد به السيد عبدالحي اللكهنوي والد السيد أبي الحسن علي الندوي الكاتب الإسلامي المشهور، فإنه قال في كتابه في ترجمة أحمد رضا البريلوي:
_________
(1) ((مصحح دماغ مجنون)) (14) ط بريلي الهند.
كان متشددا في المسائل الفقهية والكلامية، متوسعاً ومسارعاً في التكفير قد حمل لواء التكفير والتفريق في ديار الهند في العصر الأخير، وتولى كبره وأصبح زعيم هذه الطائفة تنتصر له وتنتسب إليه وتحتج بأقواله وكان لا يتسامح ولا يسمح بتأويل كفر من لا يوافقه على عقيدته وتحقيقه أو من يرى فيه انحرافا عن مسلكه ومسلك آبائه، شديد المعارضة، دائم التعقب لكل حركة إصلاحية.
انعقدت حفلة "مدرسة فيض عام" سنة 1311 في كانبور حضرها أكثر العلماء النابهين، وهي الحفلة التي تأسست فيها ندوة العلماء، ومن أكبر أغراضها توحيد كلمة المسلمين وإصلاح ذات البين بين علماء الطوائف وإصلاح التعليم الديني، وحضرها المفتي أحمد رضا المترجم وخرج منها وقد قرر محاربة هذه الجمعية فأصدر صحيفة سماها "التحفة الحنفية لمعارضة ندوة العلماء".
وألف نحو مائة رسالة وكتاب في الرد عليها، وأخذ فتاوى العلماء في أنحاء الهند وتوقيعاتهم في تكفير علماء الندوة في كتاب سماه (إلجام السنة لأهل الفتنة) وأخذ على ذلك توثيق علماء الحرمين ونشره في مجموعة (فتاوى الحرمين برجف ندوة المين) سنة 1317هـ.
ثم انصرف إلى تكفير علماء ديوبند كالإمام محمد قاسم نانوتوي والعلامة رشيد أحمد الكنكوهي والشيخ خليل أحمد السهارنفوري ومولانا أشرف علي التهانوي ومن والاهم، ونسب إليهم عقائد هم منها براء، ونص على كفرهم وأخذ على ذلك توثيقات علماء الحرمين الذين لا يعرفون الحقيقة ونشرها في مجموعة سماها "حسام الحرمين على منحر أهل الكفر والمين" قال فيها: من شك في كفرهم وعذابهم فقد كفر واشتغل بهذا الرد والنقص والمحاربة والمعارضة لا تأخذه في ذلك هوادة ولا يعتريه وهن حتى أصبح التكفير شغل الناس الشاغل وكانت مضاربات ومحاكمات وفتن ومشاغبات" (1).
ولم يكن هو وحيداً في أسلوبه وشأنه هذا. بل كل واحد من طائفته انتهج منهجه وسلك مسلكه وذهب مذهبه، فكفروا كل العالم وأخرجوا المسلمين من الإسلام متربعين على مساندهم وجالسين على عروشهم بعد ما أدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن تبعه الكفرة في الإسلام مع تحمل الشدائد والآلام والأذى وقطع العوائق التي تحول بينه وبين ذلك.
فكان هو ومتبعوه مدخلوا ملة الكفر في الإسلام وهؤلاء مخرجوا الملة الإسلامية من الإسلام، فكفروا أهل الحديث بدون جريمة ارتكبوها وبدون إثم اقترفوه اللهم إلا أنهم اختاروا موقفاً رأوه مطابقا للكتاب والسنة ودعوا المسلمين إلى نبذ الخلافات ورفع النزاعات بردها إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم حسب توجيه الله وإرشاده، َإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [النساء: 59].
وقالوا إن الله لم يوجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلا طاعته وطاعة نبيه عليه الصلاة والسلام، وأما ما سواهما فلم يرد نص فيه لا في القرآن ولا في السنة اللهم إلا أن يوجد قول موافق لهذين الأصلين الأساسيين، وبهذا أمر الناطق بالوحي صلوات الله وسلامه عليه حيث قال: ((تركت فيكم أمرين كتاب الله وسنتي لن تضلوا ما تمسكتم بهما)) (2)، وأما ما ورد من الآخرين، من العلماء والمشايخ فينظر إن كان له أصل فيلتفت إليه وإلا يضرب به على الحائط.
_________
(1) ((نزهة الخواطر وبهجة السامع والنواظر)) (8/ 39).
(2) رواه الدارقطني (4/ 245)، والبيهقي (10/ 114)، قال ابن عدي في ((الكامل)) (5/ 106): غير محفوظ. وقال الذهبي في ((ميزان الاعتدال)) (2/ 302): [فيه] صالح بن موسى بن عبد الله ضعيف، وحسن الألباني إسناده في ((منزلة السنة)) (13).
كما أنهم قاوموا البدعات والخرافات التي دخلت على المسلمين من الوثنيين والهندوس باسم الإسلام، وقالوا إن الدين قد كمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بشهادة الله عز وجل.
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا [المائدة: 3].
فكل شيء أحدث في الإسلام ولا يؤيده آية من كتاب الله أو أمر من رسول الله فهو مردود. ((من أحدث في أمرنا هذا فهو رد)) (1).وقال: ((فإن أحسن الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)) (2).
ولو كان ذلك من الدين أو من المستحسن لما ترك الله بيانه ورسوله صلى الله عليه وسلم تفصيله، فعدم وروده ووجوده في الكتاب والسنة يدل على أنه ليس من الدين، ولو كان من الدين ولم يرد ذكره فيهما لما كان الدين كاملا.
فرأى القوم أن أعيادهم على القبور وأعراسهم على الأموات وملاهيهم وملاعبهم ورقصاتهم على الطبول والدفوف وسماعهم الأناشيد والقصائد على الناي والمزامير التي أصبغوها بصبغة دينية بطلت، وأن دكاكينهم التي فتحوها باسم التكايا والزوايا وإغاثة الملهوفين وإمداد المكروبين وشفاء المرضى ووهب الأولاد وتقسيم التمائم والعلائق عطلت، وإن الطرق ومشيختها دمرت، وحلوان الكاهن راحت وذهبت فانكبوا على منكريهم ومخالفيهم على أهل الحديث الذين يريدون أن يحرروا الناس من أغلالهم التي وضعوها عليهم وأن يفكوهم ويخلصوهم من مكائدهم وحبائلهم التي فرشوها منذ أجيال لاصطيادهم، فكفروهم وكفروا أعلامهم وعلمائهم، ودعاتهم ووعاظهم دعاة الكتاب والسنة، دعاة الحق والهدى، دعاة الصدق والصفا، وعلى رأسهم رائد حركة أهل الحديث وقائدها المجاهد الباسل الفارس البطل العالم الكامل والشهيد الشاه إسماعيل حفيد الشاه ولي الله الدهلوي، الذي حمل لواء الجهاد ضد الاستعمار الإنجليزي والسيخ الذين استولوا على البلاد المسلمة ونفذوا فيها الكفر وأباحوا دماء المسلمين.
_________
(1) رواه البخاري (2667) , ومسلم (1718) من حديث عائشة رضي الله عنهما.
(2) رواه مسلم (867) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه, بدون لفظ: (وكل ضلالة في النار).
وحمل لواء الإسلام لإقامة دولة إسلامية في جزء من الأراضي الهندية لتنفيذ الشريعة الإسلامية الغراء بحذافيرها وكان مجدداً للدعوة الإسلامية الصحيحة ومحييا الطريقة السلفية المستقيمة التي اختفى صوتها منذ قرون واضمحلت وتلاشت تحت البدعات المتراكمة والخرافات المكدسة وتغيرت بالطريقة الخلفية الخبيثة حتى صارت القبور تعبد وتسجد إليها وعليها والمساجد خربت من الهدى والهداة وخلت من العباد والرواد، والتكايا عمرت وازدهرت، وعبادة الله وحده تركت، وحدود الله عطلت، وشريعة الله نبذت، وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم غلبت بأقاويل الرجال وأفعال المتصوفة الجهلة، واشتريت الضلالة بالهدى واختيرت الظلمة بالنور، فقام وقاوم وجاهد بقلمه ولسانه وبيده وسيفه، فأخرج الكتاب وبدأ يعلمه ويفسره ويوضحه ويبينه، ودعا الناس إلى الهدى بنوره والتمسك بتعاليمه بعد أن كان مغلفا في الغلف الحريرية وموضوعا للتبرك والتقبيل أو الحلف واليمين، فكتب في ضوء الكتاب كتابه المشهور (تقوية الإيمان) داعيا الناس إلى عبادة الله وحده والتوحيد الخالص والاجتناب عن الشرك والاستغاثة بغير الله من المشايخ وأصحاب القبور، ومنع الناس عن النداء لغير الله والحلف به ودعاهم إلى الكتاب وإلى مبين الكتاب محمد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه ونبذ التقليد الآبائي والجمود المذهبي كما دعاهم إلى ساحة القتال لإعلاء كلمة الله ورفع رايته وإقامة الدولة الإسلامية يحكم فيها بكتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم وارتحل هو وذووه وتلامذته وملبوا دعوته إلى ساحة الجهاد، فكان وكانوا يقاتلون في سبيل الله ويعرضون أنفسهم على الأسنة والسيوف آناء النهار، ويقومون بالدرس والتدريس لكتاب الله القرآن المجيد وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم آناء الليل فلما جنح الليل تتجافى جنوبهم عن المضاجع، ولما أسفر الصبح يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون، فكانوا قوامين بالليل صوامين بالنهار، وهم كانوا مصداق قول الله عز وجل، إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 111].
وكفروا بعده وريث دعوته وجهاده المحدث الجليل والعالم النبيل شيخ الطائفة المنصورة في عصره الرباني من سلالة الرسول الشريف نذير حسين الدهلوي الذي حمل لواء السنة في شبه القارة الهندية الباكستانية، وبدد غيوم الجهل والضلالة ونوره بنور الكتاب والسنة، وجلس مسند الشاه ولي الله الدهلوي ونقح تعليماته وهذب وجدد شوق الهنديين إلى الكتاب والسنة بعد ما أعرض عنهما الجامدون وطووا عنهما كشحا، وأحيا العمل بالحديث بعد ما طال الأمد على تركه، ونشط وأنشط تلامذته في نشر الحديث الشريف في ربوع هذه القارة، وبلغ صيته وشهرته الآفاق، وتفوه العالم بروح وريحان السنة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام حتى قال أحد علماء مصر السيد رشيد رضا. ولولا عناية إخواننا علماء الهند بعلوم الحديث في هذا العصر لقضي عليها بالزوال من أمصار الشرق (1).بعدما كتب: حتى أن من المقلدين الجامدين من لا يرى لهذه الكتب فائدة إلا التبرك بها والصلاة على النبي عند ذكره وذكرها (2).
_________
(1) ((مفتاح كنوز السنة)) مقدمة السيد رشيد رضا صفحة ق.
(2) ((مفتاح كنوز السنة)) مقدمة السيد رشيد رضا صفحة ق.
فكفر البريلوي وأذنا به هذين الإمامين الهمامين، كما كفر أتباعهم متبعي السلف أهل الحديث وخاصة الأول منهما فلم يجد في لغته شتيمة إلا وقذفه بها ولا طعنا إلا جرحه به، وكتب رسالة مستقلة في إثبات كفره حسب زعمه وسماها "الكوكبة الشهابية على كفريات أبي الوهابية" فيقول في عربيته المكسرة:"يا أيها المنافقون المردة الفاسقون الزاعم كبيركم أن مدح الرسول كمدح بعضكم بعضا بل أقل منه في حسباتكم قد بدت البغضاء من أفواهكم وما تخفي صدوركم أكبر والله مخرج أضغانكم استحوذ عليكم الشيطان فأنساكم ذكر الله وتعظيم الرسول وقد نطق القرآن بخذلانكم زاد فاءكم الشيطان نقطا من شينه وقاعدكم التدوير من دائرة نونه فأراكم تقوية الإيمان في تفويت إيمانكم، ما كان ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب وما الله بغافل عن كفرانكم" (1).
ثم قال رداً على سؤال السائل: إن الوهابيين غير المقلدين وإمامهم الذي ذكر كفره قطعاً ويقينا من وجوه كثيرة وحسب تصريحات الفقهاء وأصحاب الفتاوى الأكابر والأعلام رحمهم الله الملك المنعام أن حكم الكفر ثابت عليهم وقائم ولا ينفعهم كلمة التوحيد ولا ينفى عنهم الكفر .... وقد أقر هؤلاء وأمامهم في كتابه (تقوية الإيمان) الذي يعدونه مثل القرآن بكفرهم الصريح والظاهر" (2).
وينقل كلام الشهيد الدهلوي من كتابه (تنوير العينين):
ليت شعري كيف يجوز التزام تقليد شخص معين مع تمكن الرجوع إلى الروايات المنقولة عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم الصريحة الدالة على خلاف قول الإمام فإن لم يترك قول إمامه ففيه شائبة من الشرك وقول أتباع شخص معين بحيث يتمسك بقوله وإن ثبت على خلافه دلائل من السنة والكتاب" ثم يقول:"وهذا من كفرياته فلذلك كفر" (3).أي كفر الشهيد الدهلوي لأنه يرى أن التزام التقليد الشخصي لا يجوز مع تمكن الرجوع إلى أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تدل على خلاف قول الإمام، وإن ترك السنة لا يجوز مقابل قول شخص من الأشخاص فهذا هو كفر في نظر البريلوي، وإن كان هذا كفر فلا ندري ما هو الإسلام؟ (4)
فيا عجباه أن تكون الدعوة إلى كتاب الله وسنة رسوله كفراً والدعوة إلى غيرهما إسلاماً.
فليبك على الإسلام من كان باكيا
ومثل هذه الوجوه التي بلغ عددها السبعين كفر البريلوي ذلك الإمام المجاهد محيي السنة وماحي البدعة الشهيد وقال في آخر رسالته:
إن تكفيره وتكفير أتباعه الوهابيين يجب فقها لأنهم ينسبون إلى محمد بن عبدالوهاب النجدي فكان معلمهم الأول فكتب كتابه (التوحيد)، و (تقوية الإيمان) ليس إلا ترجمته في اللغة الأردية. فإمامهم كان الشيخ النجدي فقبل مذهبه إسماعيل الدهلوي وترجم كتابه باسم (تقوية الإيمان) الذي ليس حقيقة إلا تفوية الإيمان، فبالنسبة إلى معلمهم الأول هم الوهابيون وبالنظر إلى معلمهم الثاني هو الإسماعيليون، فثبت أن هؤلاء الوهابيين الإسماعيليين وإمامهم يلزمهم الكفر جزما وقطعا ويقينا من وجوه كثيرة وإنهم كلهم مرتدون بل كفرة (5).
وقال: إن إسماعيل الدهلوي كان كافرا محضا (6).
_________
(1) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبى الوهابية)) لأحمد رضا (78) ط نوري بك وبو لاهور.
(2) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبى الوهابية)) لأحمد رضا (10) ط نوري بك وبو لاهور.
(3) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (49) ط نوري بك وبو لاهور.
(4) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط نوري بك وبو لاهور.
(5) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط نوري بك وبو لاهور.
(6) ((دامان باغ ملحق سبحان السبوح)) (134).
وسئل مرة، ماذا ينبغي أن يعتقد في إسماعيل الدهلوي؟ فأجاب: إن اعتقادي أنه مثل يزيد، وإن كفّره أحد فلا يمنع من تكفيره (1).
ولم يجد شتيمة إلا وقد شتمه بها، وفي إحدى كتبه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم علم ما كان وما يكون، وهذا ما يعتقده أئمة ديننا لم يختلف فيه أحد إلا ذلك المتمرد الطاغي وعبدالشيطان اللعين – يعني إسماعيل الدهلوي –" (2).وأيضا قال: إنه كان يهودي الأفكار" (3).هذا، وأما كتابه (تقوية الإيمان) فقالوا في حقه: إنه ليس تقوية الإيمان بل إنه تفوية الإيمان وقال: إن تفوية الإيمان هو القرآن الكاذب لدين الوهابية" (4).وأيضا: إن محمداً صلى الله عليه وسلم أوصل القرآن الدهلوي الجديد "تقوية الإيمان" الجحيم (5).ويقول إن مصنفات إسماعيل الدهلوي مثل "تقوية الإيمان" و "تنوير العينين" و "إيضاح الحق" و "الصراط المستقيم" كلها تصانيف كفرية، كما أنها أنجس من البول ومن لم يعتقد ذلك – فماذا؟ " فإنه زنديق (6).
ثم ولم يقتنع بهذا كله ولم يشبع ولم يعده كافيا حسب طبيعته ومزاجه فقال: إن قراءة تقوية الإيمان أشد جرمة من الزنا وشرب الخمر" (7).
... ثم تبعه في تكفير هؤلاء الكرام البررة ومن والاهم أتباعه وأذنابه، فقال قائلهم: إن أهل الحديث أتباع نذير حسين الدهلوي وأمير أحمد السهسواني وأمير حسن السهسواني وبشير حسن قنوجي ومحمد بشير قنوجي كلهم كفرة قطعا ويقينا بحكم الشريعة المطهرة ومرتدون مستحقون العذاب الأبدي الشديد ولعنة الرب الوحيد" (8).وقال في مقام آخر: "وأتباع ثناء الله الأمر تسري وغيرهم"، كلهم كفرة مرتدون بحكم الشريعة المطهرة" (9).
وقالوا في شيخ الإسلام والمسلمين في زمانه ووكيل الملة الإسلامية ومدافعهم ومناظرهم الذي سماه الشيخ رشيد رضا المصري:"الرجل الإلهي في الهند" (10).
والذي ألجم السكوت جميع الفرق الباطلة والمناوئة للإسلام والشريعة السماوية الغراء من القاديانية والآرية والهندوس والمجوس والمسيحيين وغيرها من الفرق الكافرة والمنحرفة قالوا فيه: إن ثناء الله ورئيس غير المقلدين "السلفيين أهل الحديث"، مرتد" (11).
وقال البريلوي نفسه في حق شيخ الإسلام: إن ثناء الله الأمرتسري تستر باسم الإسلام ولكنه عبد للهندوس" (12).
ومدام الشهيد الدهلوي كافرا والمحدث الدهلوي كافرا أيضا وتلامذتهم ومنتهجوا منهجهم لزم أن يكون قادتهم الأولون وزعماؤهم المتقدمون، الدعاة إلى الكتاب والسنة كفرة مرتدون أيضا – معاذ الله –
_________
(1) ((ملفوظات أحمد رضا)) (1/ 110) بترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان طبع حامد ايند كمبني لاهور.
(2) ((الأمن والعلى)) لأحمد رضا البريلوي (112) ط داء التبليغ لاهور 1396هـ.
(3) ((الأمن والعلى)) لأحمد رضا البريلوي (112) ط داء التبليغ لاهور 1396هـ.
(4) ((الأمن والعلى)) (72).
(5) ((الأمن والعلى)) (195).
(6) ((دامان باغ)) سبحان السبوح (134) ط لاهور.
(7) ((العطايا النبوية في الفتاوى الرضوية)) مجموعة فتاوى البريلوي (6/ 183) ط الهند.
(8) ((تجانب أهل السنة عن أهل الفتنة)) لمحمد طيب القادري المصدق من قبل حشمت علي القادري الرضوي تلميذ البريلوي الملقب بمظهر أحمد رضا وغيره من العلماء الكبار للبريلويين (219) ط مطبعة بريلي 1361هـ.
(9) ((تجانب أهل السنة)) (248).
(10) ((مجلة المنار)) المجلد الثالث والثلاثون لسنة 1351 هـ (639).
(11) ((تجانب أهل السنة)) (247).
(12) ((الاستمداد)) للبريلوي (147).
وفعلاً كفر الأولين أيضا مثل شيخ الإسلام والإمام الهمام ابن تيمية رحمة الله تعالى عليه، وإمام أهل العصر الحافظ ابن حزم الأندلسي الظاهري، وغيرهما من دعاة الحق وهداة الصدق فقال: إن معلم هؤلاء الناس إبليس الخبيث عليه اللعن، علم مقتداهم ابن حزم فاسد العزم فاقد الجزم ظاهري المذهب رديء المشرب" (1).وقال: إن ابن حزم كان صابيا خبيث اللسان" (2).
وقال في شيخ الإسلام إمام أهل السنة ابن تيمية رحمه الله تعالى: إن ابن تيمية كان يهذي جزافا" (3).
وقال نعيم الدين المراد آبادي أحد خلفاء البريلوي: إن ابن تيمية أفسد نظم الشريعة – ثم نقل عن أحد من أمثاله – ابن تيمية عبد خذله الله وأضله وأعماه وأصمّه وأذله .... وإنه مبتدع ضال ومضل جاهل غال" (4) ".
وقال آخر من أتباعه،"ابن تيمية ضال مضل" (5).و "ابن تيمية كان فاسد المذهب" (6).
وابن القيم كذلك حيث قال:"إنه لا اعتماد على قول ابن القيم لأن ابن القيم كان ملحدا" (7).
ومادام هؤلاء كانوا صائبين ملحدين لزم أن يكون الإمام الشوكاني السالك مسلكهم كذلك فقال:"وإن الشوكاني عقله ناقص مثل متأخري الوهابية" (8)."وأن الشوكاني كان فاسد المذهب" (9).
وأما مجدد الدعوة السلفية في شبه الجزيرة، وإمام أهل التوحيد محيي السنة، قاطع الشرك والبدعة شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب وأتباعه فكانوا الهدف الأكبر للبريلوي والبريلويين كإخوانهم البدعيين والقبوريين في البلاد العربية، لأنه لا يوجد بدعي أو قبوري في العالم إلا ويرى الشيخ أكبر حجر في طريقه، والسد المنيع في سبيله.
ولم يجد البريلوي وأذنابه لفظة سوء إلا أطلقوها على ذلك الإمام المظلوم، ولا فتوى إلا وأفتوا به عليه.
فقال البريلوي: وقد كتب حديثا أن الله عز وجل يقول يوم القيامة لمن اسمه أحمد ومحمد، أدخلا الجنة فإني أكتب على نفسي أن لا أدخل النار من اسمه أحمد ولا محمد – ثم تذكر أن هذه الرواية تشمل شيخ الإسلام ابن عبدالوهاب الذي اسمه محمد – فقال: إن هذا الحديث ومثله أحاديث أخرى ((من ولد له مولود فسماه محمدا هو ومولوده في الجنة)) (10). وغيره لا يشمل إلا أهل السنة صحيحي العقيدة "أي البريلويين فقط"، لأن فاسدي المذهب كلاب جهنم، ولا يقبل عمل منهم فإنه لو قتل مظلوما بين الحجر والمقام وقد صبر على قتله راجيا المغفرة وطالبا الثواب لا ينظر الله عز وجل إليه ويلقيه في الجحيم، وبهذا صرحت في فتاواي في مواضع عديدة، وعلى ذلك ليس في هذه الأحاديث بشارة لمحمد بن عبدالوهاب النجدي وغيره الضالين" (11).
_________
(1) ((سبحان السبوح)) (37).
(2) ((حاجز البحرين)) لأحمد رضا (2/ 237)) ط باكستان.
(3) ((الفتاوى الرضوية)) (3/ 399).
(4) ((سيف المصطفى)) للبريلوي (92).
(5) ((فتاوى صدر الأفاضل)) (31،32) ط مراد آباد الهند.
(6) ((جاء الحق)) لأحمد رضا البريلوي مفتي القوم ط كجرات، باكستان.
(7) "فتاوى الرضوية" (4/ 199).
(8) "فتاوى الرضوية" (2/ 442).
(9) ((سيف المصطفى)) (95).
(10) ذكره ابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1/ 241) من حديث أبي أمامة رضي الله عنه, وقال في إسناده من تكلم فيه. وقال الذهبي في ((ميزان الإعتدال)) (1/ 447): موضوع. وقال ابن القيم في ((المنار المنيف)) (52): موضوع. وقال الألباني في ((السلسلة الضعيفة)) (171): موضوع.
(11) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (80) ط كراتشي باكستان.
وقال:"إن أخبث المرتدين هم الوهابيون" (1).و "إن الوهابيين أخبث وأضر وأنجس من اليهود والنصارى والوثنيين والمجوس" (2).ويقول: إن الوهابيين المنسوبين إلى ابن عبدالوهاب النجدي الذي كتب (كتاب التوحيد) وأهان الحرمين الطيبين زادهما الله شرفا وتكريما، وشن عليهما الغارات وأوقع فيهما الشر والظلم والقتل، فكان يعد جميع أهل الإسلام غير فرقته الخبيثة مشركين فيجب تكفيرهم فقها، وإن طائفته من فروع الخوارج الذين خرجوا على سيدنا ومولانا علي كرم الله وجهه الكريم، ودخل الجحيم من ذي الفقار لأسد الله القهار قاتل الكفار الذين ورد الحديث فيهم أنهم لا ينقطعون إلى قيام الساعة حتى يخرج آخرهم مع الدجال اللعين، فبموجب هذا الوعد الصادق لا يزال هذا القوم المغضوب عليهم يثيرون الفتن، فخرجوا في القرن الثالث عشر من ديار نجد واشتهروا باسم النجديين وكان إمامهم الشيخ النجدي، حتى كسر الله شوكتهم وخرب بلادهم وظفر بهم عساكر المسلمين عام 1233هـ (3).
ويقول في جواب سائل سأله هل الفرقة الوهابية كانت موجودة في عهد الخلفاء الراشدين؟ قال: نعم! هؤلاء الذين خرجوا على عليّ رضي الله عنه ... والآن وقد خرجوا باسم الوهابيين وإمامهم ابن عبدالوهاب النجدي وردت علائمهم في الحديث وهي موجودة فيهم بأسرها تحقرون صلاتكم عند صلاتهم، وصيامكم عند صيامهم، وأعمالكم عند أعمالهم، يقرأون القرآن لا تجاوز طراقيهم؟ - هكذا – يقولون من قول خير البرية، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية سيماهم التحليق مشمري الأزر، وكان النجدي ابن عبدالوهاب مغاليا في التحليق حتى لو أن امرأة دخلت في دينه النجس كان يحلق رأسها لأنها من باقيات زمان الكفر" (4).
وغير ذلك من الخرافات."وكان أبوهم في زمن النبي وقد أمر النبي الصديق والفاروق بقتله ولو قتل لما كان لهم اليوم فتنة" (5).
وكتب أحد أذنابه أن الرسول صلى الله عليه وسلم تنبأ عن هذه الفتنة النجدية بقوله: هناك زلازل والفتن وبها يطلع قرن الشيطان، وإن كل أهل السنة والأحناف على وجه الأرض متفقون مجمعون قاطبة أن محمد بن عبدالوهاب كان خارجيا باغيا ومن اعتقد بعقائده فهو عدو للدين وضال مضل" (6).وقال بمثل هذا القول أمجد علي الرضوي البريلوي أيضا في كتابه (7).وقال واحد آخر وقد فاق أوائله من الأفاكين الكذابين في الاتهام والبهتان: إن الوهابيين النجديين قتلوا الخلائق بدون إثم في الحرمين الشريفين وزنوا بنسائهم وبناتهم وأسروهم وجعلوا نساءهم إماء، وأكثروا قتل الأشراف ... وما فعله ابن سعود في الحرمين الشريفين هو واضح وظاهر على كل حاج وقد رأيت هذا بعيني هناك" (8).
وهذا مع نبوءة البريلوي "أن النجديين لا يتسلطون على الحرمين وإن الله كسر شوكتهم وخذلهم".
_________
(1) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (123) ط كراتشي باكستان.
(2) ((أحكام الشريعة)) للبريلوي جزء أول (124) ط كراتشي باكستان.
(3) ((الكوكبة الشهابية على كفريات أبي الوهابية)) (58،59).
(4) ((ملفوظات مجدد المائة الحاضرة)) "أي البريلوي" بجمع وترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان (66) ط لاهور باكستان.
(5) ((ملفوظات مجدد المائة الحاضرة)) "أي البريلوي" بجمع وترتيب ابنه محمد مصطفى رضا خان (67،68) ط لاهور باكستان ملخصا.
(6) ملخص ما كتبه أحمد سعيد الكاظمي البريلوي في كتابه ((الحق المبين)) (10 - 12) ط ساهيوال باكستان.
(7) ((بهار شريعت)) (1/ 46،47).
(8) ((جاء الحق وزهق الباطل)) لمفتي البريلويين أحمد يار (574).
ومظهر البريلوي لم يترك كلمة خبيثة إلا وقد استعملها في حقهم: النجديين الملاحدة، وزنادقة نجد، وأبالسة نجد كفرة مرتدون لعقائدهم الخبيثة والملعونة قطعياً" (1).
وقال في حق إمام الجامع ببمبئ أحمد يوسف الذي استقبل أبناء العال السعودي في بومبي حينما زار الهند قال فيه: إن أحمد يوسف المردود استقبل أبناء ابن سعود، ومدح الحكومة النجدية وابن سعود النجدي وأبناءه، الحكومة التي تعتقد عقائد الكفر النجسة الخبيثة. ووقر الكفرة المرتدين واستقبلهم وعظم الملة النجدية الخبيثة، وبذلك كفر وارتد، واستحق الغضب الإلهي وهدم الإسلام والسنة، وحرك العرش الإلهي، ومن شك في كفره فهو أيضا كافر" (2).
هذا والشتائم والتكفير والتفسيق لشيخ الإسلام وأتباعه والحكومة السعودية شيء يسير عند البريلوي والبريلوية.
ولا نرى أحدا أغضب هؤلاء القوم مثل ما أغضبهم الموحدون المؤمنون بكتاب الله والمتمسكون بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا يوجد كلمة مؤلمة وشتيمة خبيثة إلا ويستعملونها خلاف هؤلاء الناس، وكتب أكابرهم وأصاغرهم بالرد على هؤلاء الناس كتب كثيرة وقليلا ما يوجد فيها شيء غير ذلك من الوعظ والنصيحة للمسلمين وتحريضهم على عبادة الله وأداء حقوق العباد وحسن المعاشرة وطيب الخلق ومراعاة حقوق الآخرين وغير ذلك من الأمور التربوية الإسلامية، كما أن كتبهم خالية عن الرد على الفئات الخارجة عن الدين والباغية على الإسلام، كالقاديانية والهندوكية والنصارى والبابية والبهائية والباطنيين والروافض وغير ذلك من الطوائف.
فالباحث والقارئ يرى العجب العجاب حينما يتفحص كتب القوم ويجد أنها مليئة من أقذع الفواحش وأقبح الشتائم لمصلحي الأمة وهداتها، ولا يجد كلمة ضد أعداء الإسلام والمسلمين وضد أعداء الله ورسوله الكريم صلى الله عليه وسلم.
فهذا هو دأب القوم وهذه أحوالهم مع أهل الحديث ومع أتباع شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب.
وأما الديوبنديون إخوتهم الأحناف المقلدون للإمام نعمان بن ثابت أبي حنيفة الكوفي رحمه الله فهم أيضا لم يسلموا من قساوة قلبهم، وحدة لسانهم، وشدة فتاويهم من التفسيق والتكفير، ومن شتائمهم القذرة، ولعناتهم الكثيرة المتتالية المتعالية المتراكمة، بل هم الذين صاروا أكبر رمية لألسنتهم المشرعة ولأرماحهم المشحذة ولأسهمهم المطلقة، فلم يتركوا واحدا من كبيرهم وصغيرهم إلا وفسقوه وكفروه وأفتوا بإلحاده وارتداده، وفي ارتداد من يشك في ارتدادهم، وكفر من يتردد في تكفيرهم فبدأ بتكفيرهم البريلوي، ولا زال آخر واحد من البريلويين يكفرهم، ويكفر من يتأخر من كفرهم .....
فقال البريلوي في الديوبنديين عامة:"ومن شك في كفر الديوبنديين فإنه كافر أيضا" (3).
وليس هذا فحسب بل أكثر من ذلك:"من صلى خلف أحد الديوبنديين فإنه أيضا ليس بمسلم" (4) هذا "وكل من يعتقد باعتقادهم فهو كافر مرتد" (5) "ولم يبرد غضبه إلى هذا الحد حتى تجاوز جميع الحدود وقال: من يمدح دار العلوم ديوبند أو لا يعتقد بفساد الديوبنديين ولا يكرههم يكفي هذا بأن يحكم عليه بعدم الإسلام" (6).
_________
(1) ((تجانب أهل السنة)) (267،268).
(2) مختصرا ((تجانب أهل السنة)) (268 - 272).
(3) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 82).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 77).
(5) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 43).
(6) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 110).
ثم ازداد في قهره وغضبه فقال:"التعامل مع الديوبنديين في حياتهم ومماتهم كمعاملة المسلمين حرام، حتى استخدامهم بالأجرة أو خدمتهم بالأجرة حرام، ويجب التباعد عنهم" (1)."وحرام أن يعطى لهم لحم الأضحية" (2).
وقال آخر من أتباعه وطائفته:"إن الديوبنديين مبتدعون ضالون وهم شرار خلق الله" (3).
وآخر قال:"إن الديوبنديين يدعون الإسلام فهم كفرة مرتدون لئام بحكم الشريعة المطهرة" (4).
وما أكثر ما أكفرهم في كتابه هذا.
وإلى أيّ حد بلغ كفرهم وارتدادهم؟ قال البريلوي نفسه: إنهم أكفر من الهندوس والمسيحيين والقاديانية، فقال:"إن كان هناك اجتماع للهندوس والنصارى والقاديانية والديوبنديين فينبغي أن يركز الرد على الديوبنديين فقط لأنهم خرجوا عن الإسلام وارتدوا عنه، فالوفاق مع الكفار أولى من الاتفاق مع المرتدين" (5)."وإن كتب الديوبنديين أنجس من الكتب المختلفة للهندوس، وأما الشك في كفر أشرف علي الديوبندي والشبهة في عذابه فهو كفر أيضا وأما الاستنجاء بها "أي بكتب الديوبنديين" فلا يجوز لا لتعظيم كتبهم، بل لتعظيم الحروف التي كتبت بها" (6).
وقال واحد آخر:"إن كتب الديوبنديين جديرة أن يبصق عليها، بل ويبال فيها، ولكن البول عليها ينجس البول ويخبثه، اللهم أعذنا من إبليس وأولاده "أي الديوبنديين" آمين" (7).
هذا ما قاله البريلوي وأمته البريلويون في الديوبنديين نقلنا من كتبهم وعباراتهم أنفسهم.
- وأما الندويون "أي تلامذة دار العلوم ندوة العلماء وأساتذتها والمتعلقين بها والقائمين عليها".
فلم يكن حظهم أحسن من الآخرين حينما كفرهم البريلويون أيضا وحكموا عليهم بالارتداد فقال البركاتي ومصدقه حشمت علي نائب البريلوي: إن الندويين دهريون مرتدون وأذناب لقائد الدهريين" (8).
وقال البريلوي نفسه: إن الندوة هي الشركة المبيرة "أي المهلكة" وكلهم يروحون إلى الجحيم" (9).وأصدر فتوى أخذ عليها توقيعات من أكابر طائفته في تكفير علماء الندوة، وأصدرها باسم "إلجام السنة لأهل الفتنة" ثم نشره في "مجموعة فتاوى الحرمين برجف ندوة المين" كما مر ذكره عن السيد الحسني فيما مر من هذا الباب، ولذلك ذكر صاحب (التجانب) في مجموعة من أفتوا عليهم بالكفر والارتداد أهل ندوة العلماء (10).
_________
(1) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 95).
(2) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 167).
(3) ((تفسير ميزان الأديان)) لديدار علي (2/ 270) ط لاهور.
(4) ((تجانب أهل السنة)) (112.
(5) ((ملفوظات مجددة المائة الحاضرة)) لابن البريلوي (325،326).
(6) ((الفتاوى الرضوية)) (2/ 136) كتاب الطهارة باب الاستنجاء ط مكتبة رضوية فيصل آباد.
(7) هامش كتاب ((سبحان السبوح)) للبريلوي (75 ط لاهور باكستان.
(8) ((تجانب أهل السنة)) (90).
(9) ((ملفوظات)) للبريلوي (201).
(10) ((تجانب أهل السنة)) (90).
ثم أشمل هؤلاء جميعا أي الندويين، والديوبنديين، وأتباع شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، وأهل الحديث السلفيين تحت اسم "الوهابية أو الوهابيين" حسب زعمه بأنهم كلهم استرشدوا في عقائدهم ضد الشرك والبدع والخرافات من شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب، فأولا كان يخاطبهم البريلوي والبريلويون بهذا الاسم فقط وعند إطلاق هذه اللفظة يراد بها هذه الطوائف الأربعة، وبعد ذلك بدؤا يلقبونهم بألقاب خبيثة، ويرمونهم بتهم باطلة، وينفرون الناس عنهم ويشهرونهم بين الناس بأوصاف غير طيبة وكاذبة فاجرة، وبينوا أحكامهم وأحكام المعاملة معهم، فقالوا وعلى رأسهم البريلوي نفسه فقال:"إن الوهابية وزعماءهم كفرة لوجوه كثيرة، ونطقهم بالشهادة ليس بناف عن الكفر" (1).وأيضا: "إن هذه الطائفة ثبت كفرهم بآلاف الوجوه والأسباب" (2).و "إنهم كفرة مرتدون بإجماع الأئمة "يعني أئمة الأمة البريلوية" (3).وقال: "إن الوهابيين مرتدون ومنافقون لأنهم يتظاهرون بالإسلام بنطقهم بالشهادة" (4)."وإن الوهابيين أرذل من إبليس وأفسد منه وأضل لأن الشيطان لا يكذب وهؤلاء يكذبون" (5).و "لعن الله الوهابية وأذلهم وجعل النار مثواهم" (6).وقال: إن الوهابية قاتلهم الله أنى يؤفكون" (7).و "إن الوهابيين في أسفل السافلين" (8).و "إن الله كتب في نصيبهم الكفر" (9).
ومادام هؤلاء كفرة مرتدين فلا يصلى خلفهم ولا عليهم، ولقد أفتى بذلك البريلوي وطائفته:
فإن سائلا سأل البريلوي عن الصلاة خلف الوهابية فقال:"ليست صلاتهم صلاة وجماعتهم جماعة" (10).
وسئل عن حكم المسجد الذي بناه الوهابيون فقال:
"هم كفرة ومسجد الكفار حكمه حكم البيت العادي"
"أيضا"
كما قال في جواب سائل سأله هل يرد على أذان مؤذن وهابي فقال:"لا، لأن صلاتهم لا تعد صلاة، ولا أذانهم أذاناً" (11).
وأما مسجد المسلمين فلا يسمح بدخول الوهابيين فيه كما صرح بذلك المراد آبادي أحد خلفاء البريلوي، ومعاصره ونائبه فقال:"إن الوهابيين والغير المقلدين لا حق لهم في مساجد المسلمين ودخولهم يسبب الفساد، وإن لم يمتنعوا منها فيمنعون رسميا" (12).
وقد كتبوا كتابا مستقلا لبيان وجوب إخراج الوهابيين عن المسجد سموه (إخراج الوهابيين عن المساجد)) وقد شدّدوا على ذلك حتى كتبوا على صفائح مساجدهم: "لا يؤذن للوهابيين أن يصلوا فيها" وحتى في هذا عصر النور والعلم بقى بعض المساجد وعلى جبهاتها مكتوب: يا شيخ عبدالقادر جيلاني شيئا لله، وتحته: ممنوع الدخول للوهابيين، ولقد شاهدت بعيني مسجدين في لاهور لازال مكتوب عليهما هذه العبارة. وقال: "إن الصلاة خلف الوهابية باطل محضا" (13).ومثل ذلك قال مفتي البريلوية أحمد يارخان الكجراتي في فتاواه (14).
_________
(1) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (10) ط لاهور.
(2) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (59) ط لاهور.
(3) ((الكوكبة الشهابية في كفريات أبي الوهابية)) لأحمد رضا (60) ط لاهور.
(4) ((أحكام شريعت)) للبريلوي (112) ط كراتشي.
(5) ((أحكام شريعت)) للبريلوي (117) ط كراتشي.
(6) ((فتاوى أفريقة)) (125).
(7) ((فتاوى أفريقة)) (172).
(8) ((خالص الاعتقاد)) (54).
(9) ((المبين في ختم النبيين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 198).
(10) ((ملفوظات)) (105).
(11) ((ملفوظات)) (105).
(12) ((فتاوى نعيم الدين المراد آبادي)) (64).
(13) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 43) وأيضا ((بريق المنار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 218).
(14) ((فتاوى نعيمية)) (1/ 104) ط باكستان.
وقال البريلوي نفسه:"إن صلّى الوهابي على جنازة مسلم فلا جنازة له، وإن دفن فكأنه دفن بدون صلاة الجنازة" (1).
وأما الصلاة على الوهابيين؟ فقال في جواب سائل سأله ما حكم شخص صلى على رجل مات من الوهابيين؟ فقال:"أن الوهابية كفرة مرتدون، ومن صلى عليهم فقد كفر" (2).كما أنه لا يجوز لهم الدعاء لأن الله قال فيهم: "ثم لا يعودون" (3).هذا وليس هذا فحسب، بل من اعتقد أن الوهابيين مسلمون فهو كافر ولا يجوز الصلاة خلفه كما صرح به البريلوي في كتابه" (4).وقال آخر: "من يتكلم في البريلوي لا تجوز الصلاة خلفه" (5)
وأما المعاملات الأخرى فحرام أيضا فقال:"إن اللقاء مع الوهابيين حرام ومجالستهم حرام، وعيادتهم حرام إن مرضوا، وإن ماتوا فغسلهم حرام وحمل جنائزهم حرام" (6).
وقال المراد آبادي:"إن الوهابية ضالون مضلون وملحدون لا تجوز الصلاة خلفهم، ولا يجوز الاختلاط معهم" (7).وأيضا "الاستماع إلى حديثهم حرام والجلوس في مجالسهم وخطباتهم حرام" (8).هذا و "المصافحة بهم حرام والسلام عليهم حرام وموجب للمآثم والمعاصي" (9).ولا يجوز للأحناف أن يشربوا الماء من بئر الوهابيين" (10).و "رد السلام عليهم حرام" (11).وليس هذا فحسب: "بل من عاملهم وجالسهم فمناكحته أيضا حرام" (12).وإن قرأ خطبة النكاح وهابي وعقده فالنكاح باطل، ولابد من تجديد النكاح وتجديد الإسلام أيضا" (13).و "إن إشهاد الوهابي على النكاح حرام أيضا" (14).
وقال أحد تلامذته وخلفائه: إن النكاح من وهابي حرام لأنه ليس كفوا للمسلم" (15).
ولكن أنى لتلميذه أن يبلغه في القسوة والشدة فقال هو نفسه "أي البريلوي":إن الوهابي المرتد لا يزوج، لا من حيوان ولا من إنسان فإن تزوج يكون زنا محضا" (16).
ولأول مرة أريد أن أسأل البريلويين هل هم يزوجون ويتزوجون من حيوان؟ وقال: إن الاستفتاء من الوهابية حرام حرام حرام بالتأكيد، ومن شك في كفره وعذابه فقد كفر" (17).
وقال أمجد علي: من أعطى الزكاة لأحد من الوهابيين فلا زكاة له" (18).وقال في جواب سائل: إن تدريس الأطفال عند الوهابيين حرام حرام حرام، ومن فعل ذلك فهو عدو لأولاده ومجتلي في الآثام، وقد قال الله عز وجل: قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا [التحريم: 6] (19).
وأما ذبائح الوهابيين فقال: إن ذبيحة اليهودي حلال وكذلك ذبيحة النصراني حلال، وأما ذبيحة الوهابيين فلو سموا الله عليها مئة ألف مرة وكانوا من المتقين فحرام أكلها لأنه لا ذبيحة لمرتد" (20).كما قال: إن ذبيحة الزناة الخلص الثابت زناهم حلال أكلها" (21).
_________
(1) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 12).
(2) ((ملفوظات)) (76).
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (286).
(4) ((المبين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 80،81).
(5) ((فتاوى نعيم الدين المراد آبادي)) (64).
(6) ((فتاوى نورية)) (1/ 213).
(7) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 90).
(8) ((مجموعة فتاوى نعيم الدين)) (112).
(9) ((بريق المنار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 218).
(10) ((جاء الحق)) (2/ 222).
(11) ((فتاوى أفريقة)) (170).
(12) ((ماحي الضلالة)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 72).
(13) ((ماحي الضلالة)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (50) و (89).
(14) ((فتاوى أفريقة)) (69).
(15) ((بهار شريعت)) لأمجد علي (7/ 32).
(16) ((إزالة العار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 194 أيضا ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 55).
(17) ((الفتاوى الرضوية)) (4/ 106).
(18) ((أحكام شريعت)) (1/ 122).
(19) ((بهار شريعت)) (5/ 46).
(20) ((فتاوى أفريقة)) (27).
(21) ((أحكام شريعت)) (237).
لماذا هذا كلّه؟ فقال لأن أشد الناس كفرا المجوس، وكفرهم أشد من اليهود والنصارى، وكفر الهندوس أشد من المجوس، وكفر الوهابيين أشد من الهندوس" (1).وقال: إن الوهابيين أخبث وأضر من الكفرة الحقيقيين من اليهود والوثنين وغيرهم" (2).وقال: إن الوهابيين أرذل من الكلاب وأنجس منها لأنه لا عذاب على الكلاب وهؤلاء يستحقون العذاب الشديد" (3).
ولم يكفروا هؤلاء الأبرار لأنهم لم يؤمنوا بالخرافات التي أتى بها البريلويون واختلقها الخرافيون، ولم يتركوا قول الله وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابل هؤلاء المفترين على الله كذبا والمتهمين رسوله صلى الله عليه وسلم باطلا، وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ [البروج: 8 - 9].
هذا وقبل أن ننتقل إلى بحث آخر نريد أن نذكر هاهنا أن البريلويين والبريلوية شددوا على من يقرأ كتب الوهابيين، ومنعوا البريلويين منعا باتا أن يقرؤا كتب غيرهم.
فقال البريلوي: إن مطالعة كتب الوهابيين حرام" (4).وقال الآخر: لا يجوز لغير العالم أن ينظر في كتب الوهابيين" (5).وأما البريلوي فإنه قال: وحتى للعالم الكامل لا يجوز أن ينظر في كتب الوهابيين" (6).
ولقد قال البريلوي في خصوص أحد الكتب لأحد العلماء الوهابيين: حرام على المسلمين أن ينظروا في هذا الكتاب" (7).
ونقل المراد آبادي عن واحد من أئمته:"وإياك أن تصغي إلى كتب ابن تيمية وابن القيم الجوزية وغيرهما ممن اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوه، فمن يهديه من بعد الله وكيف تجاوز هؤلاء الملحدون الحدود وتعدو الرسوم وخرقوا سياج الشريعة والحقيقة، فظنوا بذلك أنهم على هدى من ربهم وليسوا كذلك، بل إنهم على أسوأ الضلال وأقبح الخصال وأنهى الكذب والبهتان، فخذل الله جمعيتهم وطهر الأرض من أمثالهم" (8).
فتاوى البريلويين بالتواء الحج لتولي الوهابيين الحكم في الحجاز:-
ومن بغض البريلويين لأتباع السلف الصالح، المتمسكين بالكتاب والسنة أنهم أفتوا بسقوط فريضة الحج وقد أصدر كتيبا في ذلك الخصوص باسم (تنوير الحجة لمن يجوز التواء الحجة) وقد كتب هذا الكتاب ابن البريلوي ومفتي البريلويين مصطفى رضا.
وصادق عليه ووقع أكثر من خمسين عالما من علماء القوم من جميع أطراف شبه القارة من الأعيان والأكابر. منهم مظهر البريلوي الذي يسمي نفسه عبيد الرضا حشمت علي، وابن البريلوي الثاني حامد رضا، والمراد آبادي نعيم الدين، ودلدار علي، وغيرهم من أساطين القوم، وبدأ كتيبه هذا بخطبته، اللهم اغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين لاسيما النجديين المفسدين المارقين من الدين مروق السهم من الرمية والخارجين منه كما تخرج الشعرة من العجين، ثم لا يجد شتيمة إلا وشتم بها الحكومة السعودية الميمونة، ولا فرية إلا وافترى بها على الملك الراحل عبدالعزيز آل السعود رحمه الله وغفر له، ولا بهتانا وكذبا إلا واستعمله وتقول به بكل جرأة وشجاعة بلا خوف من الله وحياء منه.
_________
(1) ((بالغ النور)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 13).
(2) ((أحكام شريعت)) (124).
(3) ((إزالة العار)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (5/ 138).
(4) ((المبين)) المندرج في ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 9).
(5) ((بهار شريعت)) (5/ 11).
(6) ((ملفوظات)) ص335).
(7) ((بالغ النور)) المندرج في "الفتاوى النبوية" (6/ 54).
(8) ((فتاوى نعيم الدين مراد آبادي)) (33، 34).
وأخيراً أفتى بسقوط فريضة الحج في عهدهم وعصرهم وفي زمان توليهم وإمارتهم، وقد علق أحد الموقعين على هذه الفتوى أن بهذا الإفتاء تطهر أراضي الحرمين الطيبين من شياطين النجدية.
فهؤلاء هم البريلويون، وهذا هو بغضهم للموحدين والمتبعين كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وإن دلت هذه الفتوى على شيء دل على قساوة قلوبهم وتحجر عقولهم وإطالة لسانهم وتلاعبهم بالدين وجعلهم الشريعة هدفا لأغراضهم الدنيئة حتى أسقطوا فريضة من فرائض الله على المسلمين بلا سبب فقط اللهم إلا إظهاراً لحقدهم وحنقهم وحسدهم على الناس الذين أعزهم الله وولاهم الحكم والحكومة.
وما رأينا طائفة من طوائف العالم التي تنتمي إلى الإسلام قاسية القلب ومطلق اللعنات مثل هذه الطائفة غير الشيعة فلا ندري أيهما أشد أو أكثر؟
وقد أطلنا الكلام فيه لبيان القوم وأصلهم وبيان معتقداتهم وعقائدهم تجاه المخالفين في الرأي والمناوئين في الفكر.
..... فلقد كفر البريلوي والبريلوية شعراء الإصلاح في شبه القارة الهندية وكتابه وأدباءه والدعاة إليه مثل الشيخ نذير أحمد خان الدهلوي والسيد شبلي النعماني والسيد ألطاف حسين حالي والشيخ ذكاء الله الملقب بشمس العلماء والنواب مهدي علي خان والنواب مشتاق حسين.
وأما شاعر الرسالة المحمدية على صاحبها الصلاة والسلام وشاعر المسلمين في شبه القارة الهندية الباكستانية الذي نفخ روح الجهاد فيهم وحرضهم على نبذ الرسوم الجاهلية وعادات الكفرة وترك التكايا والزوايا، وحذر عن الجمود المذهبي والتقليد الشخصي الدكتور محمد إقبال؟ قالوا عنه: إن إبليس ينطق على لسان الفلسفي الملحد دكتور محمد إقبال" (1).وأيضا "إن مذهب إقبالا لا علاقة له بالدين الإسلامي الصحيح" (2).وقال خليفة البريلوي ونائبه: لا يجوز للمسلمين مجالسة محمد إقبال ومحادثته وإلا فيكونون مذنبين ذنباً عظيما" (3).
كما كفروا الشاعر الإسلامي الجليل شاعر التوحيد وأهل التوحيد الشيخ ظفر علي الملقب بظفر الملة والدين، والذي أحيا شوق الجهاد في نفوس المستعبدين وأضرم في قلوبهم النار ضد الاستعمار الإنجليزي الخبيث وعملائه القاديانية وغيرها من الفرق الباطلة، فكفروه وكتبوا في تكفيره رسالة مستقلة باسم "القسورة على أدوار الحمر الكفرة الملقب علي ظفر رمة من كفر" بتوقيعات كثيرة من أكابر البريلويين، وقد ألفها ابن البريلوي مصطفى رضا خان.
.... وقد كتب البريلوي نفسه عن نفسه:"نحن نتحفظ في تكفير المسلم ونحاول أن لا نكفر من قال لا إله إلا الله حتى الإمكان" (4).
فهذا كان حاله وحال طائفته مع هذه الاحتياطات والتحفظات بأنهم كفروا جميع العالم، ولو لم يكونوا محتاطين لم ندر ماذا كانوا يفعلون؟.
ونختم القول في هذا الباب بطريفة وهي أن علماء الهند والباكستان أثبتوا من كتبه أنه في شدة غضبه وغيظه كفر نفسه مرات عديدة حيث قال بعد إصدار الفتوى في تكفير أشخاص:
من شك في كفرهم وعذابهم فهو كافر، ثم نسى وسماهم مسلمين.
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص153
_________
(1) ((تجانب أهل السنة)) (340).
(2) ((تجانب أهل السنة)) (341).
(3) نقلا عن ذكر إقبال (129، وسركزشت إقبال (191).
(4) ((الفتاوى الرضوية)) (6/ 251 ط الهند.
المبحث السابع: خرافات البريلوية
ما من قوم مبتدعة إلا ولهم قصص وحكايات، خرافات وترهات لتقوية باطلهم وتأييد كذبهم كي لا يبقوا بلا سند واستناد، ولا يطعنوا بعدم الدليل والبرهان، وعندما لا يجدون المستند في الأصلين العظيمين في الشريعة الإسلامية من الكتاب والسنة يلتجئون إلى الأساطير الوهمية والقصص الخيالية، والحكايات الباردة الكاذبة، ويقدمونها كالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة ليقوم لهم عود ويستقيم بهم عمود، وأنى لهم ذلك! فلا يقوي الباطل الباطل ولا ينصر المخزول الخازل ولا يكدّس الكذب إلا ظلمات بعضها فوق بعض ولا ينسج الجهل إلا بيت العنكبوت وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون، وهم الذين قال فيهم الله عز وجل:
الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا [الكهف: 104].
فيخسرون الدين لإعراضهم عن الحق والحقيقة وإهمالهم القرآن والسنة ويخسرون الدنيا لانحرافهم عن الحقائق الثابتة والحوادث الواقعة وذلك هو الخسران المبين، وأما من اجتنب من البدع والمحدثات واحترز عن الأهواء والوهميات فقد تمسك بالهدى واتبع النور الذي أنزله الله لتبديد الظلمات وتشتيت الجهل، هل يستوي الظلمات والنور، وقد قال الرب جل وعلا:
وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ [النور: 40].
فكم من فئة منحرفة زائغة ومنتمية إلى الإسلام اتخذوا هذا القرآن مهجورا. وجعلوا الأراجيف ملتزمة الإطاعة والاتباع، وكم من قوم جعلوا سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ممتروكة وبدعات المنتحلين المبطلين الأدعياء متبوعة.
فإن البريلويين على دأب هؤلاء ومنوالهم فما تركوا أكذوبة إلا واعتنقوها ولا أضحوكة إلا وتمسكوا بها لإحقاق الباطل وإبطال الحق وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون. ولكم مضحكاتهم ومبكياتهم في آن واحد وما أكثرها وأطولها ولكننا نقتصر على التي ساقها وسمر بها البريلوي أحمد رضا نفسه، وقليلا ما نذكر التي أوردها البارزون من أنصاره وأتباعه والمعتمدين لدى القوم فيقول البريلوي وهو يحاول إثبات معتقداته الواهية المخالفة نصوص الكتاب والسنة من قدرة الأولياء واختياراتهم على إغاثة المستغيثين وإجابة المضطرين وكشف الضر عن المكروبين وعلمهم بالغيب وحضورهم في كل مكان وزمان فيقول قبل ذكر أحد المشايخ إنه: إذا ناداه مريده أجابه من مسيرة سنة أو أكثر" (1).
وبعد قول القائل: أنا من المتصرفين في قبورهم فمن كانت له حاجة فليأت إلي قبالة وجهي ويذكرها أقضها له" (2).
فيستدل لتصديق هذه الأقوال المكذوبة على أصحابها بحكاية باطلة كاذبة لتقوية الكذب بالكذب فيحكي: أن سيدي مدين بن أحمد الأشبوني رضي الله عنه كان يتوضأ فإذا خلع نعله ورماها إلى بلاد المشرق، وبعد سنة كاملة حضر إليه شخص ومعه تلك النعل فقال: يا شيخي كانت ابنتي في بادية فتعرض لها رجل قبيح بالسوء وابنتي لم تكن تعرف اسم شيخي ومرشدي فنادت يا شيخ أبي! لاحظني. فلم تنطق بهذا الاسم ولم تستغث به حتى جاءته هذه النعل وضربت رأس ذلك الرجل فنجت ابنتي" (3).
_________
(1) رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(2) رسالة البريلوي ((أنوار الانتباه في حل نداء يا رسول الله)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (1/ 182).
(3) ((أنوار الانتباه)) (1/ 182).
ومثل هذه الحكاية حكى عنب ابن محمد الحنفي. أن أحد مريديه كان في السفر فتعرض له السراق في الطريق وجلس واحد على صدره ليذبحه فنادى: يا سيدي محمد حنفي! خاطر معي، فما أن ناداه باسمه إلا وحضرت نعله طائرة وضربت على صدر السارق فأغمي عليه ونجا مريد السيد الحنفي" (1).ويختلق قصة أخرى أن فقيرا كان يتسول فمرة وقف على باب دكان شخص وسأله أن يعطيه روبية فامتنع الراعي من إعطائها إياه فقال له الفقير، أعطني وإلا قلبت عليك الدكان، فاجتمع الناس وازدحموا ومر عليهم رجل ذو قلب فقال للراعي: أعطه الروبية وإلا انقلب عليك الدكان، فقال له الناس، أيها الشيخ إنه رجل جاهل ومخالف للشريعة كيف يستطيع أن يعمل هذا؟ فقال الشيخ: أنا شاهدت وعاينت قلبه فوجدته خاليا فألقيت نظرة المشاهدة في باطن شيخه فوجدته خاليا أيضا ولكنني تعمقت وشاهدت شيخ شيخه فوجدته من العارفين المتصرفين ورأيته واقفا لأن ينطق هذا الفقير وينفذ ما نطق به ويقلب على الراعي دكانه" (2).
فهذه هي الدلائل الواضحة والحجج القاطعة والبراهين الدامغة على قدرة الأولياء وتمكنهم على إغاثة المستغيثين ونصرة المصابين ودفع بلاء المبتلين.
ومن الحكايات العجيبة الغريبة التي اخترعوها لبيان قوة الأولياء وقدرتهم: إن شخصا حضر بايزيد البسطامي رضي الله عنه فرآه ينظر إلى السماء وعيناه تفيض من الدمع فقال له: يا سيدي ما هذا؟ قال: ذهبت إلى العرش وطويت الأرض بقدم واحد فإذا أراه أي العرش فاغراً فاه في طلب الرب كالذئب الجائع، فاستغربت وصرخت، إن هذا لشيء عجاب، يخبرنا الرحمن أنه على العرش استوى، فجئت إليك في طلبه وأجدك في هذا الحال، فأجاب العرش أما ما قاله لي جل وعلا: يا عرش إن تريد أن تجدني فاطلبني في قلب بايزيد" (3).
هذه، ومن اختياراتهم أن الحيوانات المفترسة تهابهم وتخاف منهم وتطيعهم، ولهم من علم الغيب أنهم يعرفون ما يختلج في صدور الناس. فيحكي البريلوي هذه الأسطورة: أن رجلين عالمين حضراً إلى ولي من أولياء الله وصلا خلفه، فقرأ القرآن في الصلاة ولم يرتله ترتيلا ولم يخرج الحروف من مخارجها حسب قواعد التجويد، فخطر في بالهما أي ولي هذا الذي لا يعرف قواعد التجويد فعرف الولي ما اختلج في صدورهما ولكنه سكت ثم ذهب الرجلان العالمان إلى النهر للغسل وخلعا أثوابهما ووضعاها على الحافة فجاء أسد وجمع الأثواب وجلس عليها فانتظرا ذهابه حتى يخرجا ولكنه لم يأت ليذهب وبلغ الخبر إلى الولي فأسرع إلى الأسد وأخذه من أذنه ولطمه على خده الأيمن فولى وجهه ثم لطمه على الجانب الأيسر فانحرف يمينا ثم قال قومتم اللسان "إشارة إلى علمهم بالتجويد والقراءة" ونحن قومنا القلوب وكان هذا ردا منه على ما خطر في قلوبهما" (4).
_________
(1) ((أنوار الانتباه)) (181).
(2) ((ملفوظات لمجدد المائة الحاضرة)) أحمد رضا البريلوي بترتيب ابنه مصطفى رضا البريلوي (189).
(3) ((حكايات رضوية)) المروية عن البريلوي أحمد رضا بترتيب مفتي البريلوية محمد خليل.
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((الملفوظات للبريلوي)) (110) ط باكستان.
وما أكثر هذه الخرافات في كتب القوم وأطول بها. وأما المضحكات المبكيات فإنها كثيرة. ومنها ما يحكيها البريلوي: أن سيدي أحمد كانت له زوجتان وكان من مريدي الشيخ سيدي عبدالعزيز الدباغ رضي الله تعالى عنه، فقال له مرة يا سجلماسي! مالك وقد جامعت وباشرت زوجتك عندما كانت الثانية يقظة ناظرة؟ فقال: يا سيدي! لم تكن مستيقظة بل إنها كانت نائمة، فقال: لا إنها تظاهرت النوم ولكنها لم تكن نائمة، فقال: كيف علمت ذاك يا سيدي! قال له شيخه، أكان هناك سرير آخر ثالث؟ قال: نعم كان هناك، فقال: كنت أنا على ذلك السرير" (1).
أستغفر الله من هذه الخرافات، وهل هناك خرافة أكبر وأنجس من هذه؟
شيخ ينام بين المريد وأزواجه في غرفة واحدة؟ ثم أكثر من ذلك يراقب حركاته وسكناته وحتى مباشرته مع زوجته ويراقب الأخرى ونظرتها إليهما.
أهذا دين وهذه شريعة؟
فإن كان الدين هذا فلا ندري ما هو الإلحاد والزندقة، والفجور والفسوق؟ ولا نعلم ما هو الحياء وما هي الأخلاق التي يعلم الأجيال الناشئة من غض البصر والإعراض عن اللغو؟ مدام أولياء الله حسب زعم القوم يعملون هذه الأعمال ويرتكبون هذه الفواحش، وينظرون إلى المحرمات الشرعية وينامون بين النساء الأجنبيات ويترقبون الحركات الزوجية ما بينهم ثم يخبرون بكل وقاحة وفضاحة ما شاهدوها وعاينوها في الخلوات.
إن كانت هذه هي الولاية وهذه هي الكرامات فعلى الكرامات والولايات السلام.
ثم يعلق على هذه الحكاية التي لم تخترع ولم تختلق إلا للاستلذاذ بالشهوات وذكرها، يعلق المعلق الفاضل:
يستنتج من هذه الواقعة أن الشيخ لا يفارق مريده في آن ما كما قال الشعراني في "الميزان":إن أئمة الفقهاء والصوفية كلهم يشفعون في مقلديهم ويلاحظون أحدهم عند طلوع روحه وعند سؤال منكر ونكير له وعند النشر والحشر والحساب والميزان والصراط ولا يغفلون عنهم في موقف من المواقف" (2).
هذا ويحكي البريلوي حكاية أخرى في "ملفوظاته" ومن بينها يبين فوائد الأعيان والأعراس على القبور ويلفت انتباه السوقة والأوباش من الناس إليها: أن السيد أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه كان يقام على قبره الأعراس والأعياد إلى ثلاثة أيام يوم ميلاده، وكان الناس يجتمعون عليه سنويا ومن بين الذين كانوا يحضرون على الدوام الإمام عبدالوهاب الشعراني، فحضر في عيد ميلاده مرة وكان الناس مزدحمين إذ وقع نظره على جارية تاجر، فوقعت في قلبه واستأسرته فذهب إلى القبر فناداه السيد البدوي: يا عبدالوهاب! أأعجبتك تلك الجارية؟ فقال: نعم! لا ينبغي لمريد أن يكتم سره عن شيخه، فقال، أحسنت وقد وهبتك هذه الجارية، فاستغرب الشعراني أن الشيخ كيف يهبني إياها حيث أنها لتاجر فلاني، وبعد حين حضر التاجر وقدم الجارية نذرا إلى مزاره المقدس فألهم خادم القبر أن يقدم هذه الجارية هدية ونذرا إلى عبدالوهاب فتحير الشعراني وتأخر حتى ناداه السيد البدوي ولم هذا التأخير الآن يا عبدالوهاب! اذهب بها إلى الحجرة الفلانية واقض بها حاجتك" (3).
فأراد البريلوي إثبات علم الغيب للأولياء وتصرفهم وقدرتهم على الأمور حتى وبعد الموت ولم يجد السند والدليل على ذلك إلا هذه القصص الباطلة الكاذبة والحكايات الجنسية الشهوانية الفاسدة.
فهذه هي الدعاوى وتلك هي البراهين:
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا من ((ملفوظات البريلوي)) (55).
(2) ((حكايات رضوية)) تعليق مفتي البريلوية محمد خليل البركاتي (55) أيضا حاشية ((الاستمداد على أجيال الارتداد)) لابن البريلوي مصطفى رضا (35).
(3) ((ملفوظات)) البريلوي مجدد المائة الحاضرة عند القوم (275،276).
وأكثر من ذلك وأغرب أن الشيخ وحده لا يعلم علم الغيب ولا يطلع على ما يختلج في صدور الناس عامة وفي صدور مريديه خاصة بل مريدو الشيخ أيضا يطلعون عليه بتقبيل أرجل المشايخ والأرض التي تمس أقدامهم، والدليل على ذلك حكاية أيضا رواها البريلوي نفسه: إن حضرة سيدي سيد محمد كان من أكابر العلماء وأجلة الأشراف، ومرة كان يمشي في الطريق إذ رأى حضرة نصير الدين محمود شراغ الدهلوي على مركبه فبادر إليه وقبل ركبته فقال له شيخه: اذهب إلى الأسفل أيها الشريف! فقبل السيد محمد رجله، فقال له شيخه وإلى الأسفل منها أيضا، فتأخر السيد محمد وقبل الأرض التي مستها سنابك خيل شيخه، فاستغرب الناس وقالوا: إن سيدا جليل مثل الشريف محمد قبر ركبة الشيخ فلم يرض، فقبل رجله فلم يرض، ثم قبل سنابك خيله ولم يرض، حتى قبل الأرض أمامه. فقال السيد محمد: إن الناس لا يعلمون أن شيخي ما أعطاني بهذه القبلات، فإنني لما قبلت ركبته انكشف علي عالم الناسوت، ولما قبلت رجله انكشف على عالم الملكوت، وعند تقبيلي سنابك الخيل تنور علي عالم الجبروت، ولما قبلت الأرض ظهر عليّ كل ما كان في عالم اللاهوت" (1).
فهؤلاء الذين قال فيهم الرب جل وعلا:
أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ [البقرة: 16].
وقالوا أن الأولياء كالأنبياء أحياء في قبورهم ولا يطرأ عليهم الموت إلا لثوان ولحظات كخطف البصر ثم يرجع إليهم أرواحهم ويحيون حياة دنيوية مع الأبدان، يسمعون ويجيبون، ويقومون ويجلسون، ينامون ويستيقظون.
فإن قيل للقوم، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين؟ قالوا:
كان الشيخ أحمد بن الرفاعي يرسل كل عام مع الحجاج السلام على النبي صلى الله عليه وسلم فلما زاره وقف تجاه مرقده وأنشد:
في حالة البعد روحي كنت أرسلها ... تقبل الأرض مني فهي نائبتي
وهذه نوبة أشباح قد حضرت ... فأمدد يديك لكي تحظى بها شفتي
فقيل إن اليد الشريفة بدت فقبّلها" (2).والأولياء كذلك، وبرهان ذلك "أن الإمام عبدالوهاب الشعراني قدس الله سره الرباني كان يلتزم الحضور في عرس سيدي أحمد البدوي الكبير رضي الله تعالى عنه ومرة حصل له التأخير في الحضور ليومين فرأى المجاورون لمرقد الحضرة أن حضرة السيد البدوي يرفع حجابه بتكرار ويسأل عن مريده عبدالوهاب هل حضر أم لم يحضر حتى الآن؟ فلما حضر أخبره المجاورون لقبره بما جرى من رفع الحجاب عن القبر وسؤال الحضرة عنه فقال عبدالوهاب: أيعلم السيد بحضوري على مرقده ومزاره فقالوا: وكيف! وهو الذي قال: من أراد زيارتي من منزله مهما بعد منزله أعلم بإرادته وأرافقه حتى يحضر قبري ولا يضع حمله إلا وأكون ضامنا له" (3).وأكثر من ذلك، نعم أكثر من ذلك حيث يحكي: إن شقيقين قتلا في سبيل الله وكان لهما أخ ثالث فلما جاء يوم زواجه حضرا في حفلة الزفاف فاستغرب الأخ الثالث حضورهما، فقالا: نحن أرسلنا خصيصا للمشاركة في هذه الحفلة ثم هما اللذان تولا عقدة النكاح وبعد ذلك رجعا إلى مكانهما" (4).
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (63،64).
(2) رسالة ((ابرّ المقال في قبلة الإجلال)) المندرجة في ((مجموعة رسائل)) للبريلوي (173).
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (275).
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((أنوار الانتباه)) للبريلوي (116).
ويقص علينا بقصة أخرى: إن سيدنا أبا سعيد الخزاز قدس الله سره الممتاز يروي أنني كنت في مكة المكرمة ورأيت شابا ميتا على باب بني شيبة فالتفت إلي فتبسم ضاحكا وقال يا أبا سعيد! أما علمت أن الأحباء أحياء وإن ماتوا وإنما ينقلبون من دار إلى دار" (1).
وأيضا: إن حضرة سيدي أبا سعيد قدس الله سره يقول: مات فقير فنزل به في قبره وفتحت كفنه ووضعت رأسه على التراب ليرحمه الله على فقره ومسكنته ففتح الفقير عينيه وقال: يا أبا علي! تذللني بين يدي من يدللني؟ فاندهشت وقلت: يا سيدي! أحياة بعد الموت؟ قال لي: أنا حي وكل محب لله حي، لأنصرنك بجاهي غدا" (2).
وما أكثر مثلها، ومنها:
إن امرأة ماتت ثم كفنت ودفنت فلقيت ابنها في منامه فقالت: إن كفني بلى وأستحيي أن أذهب به إلى رفاقي ففي اليوم الثالث من هذا اليوم يأتي إلينا فلان فلما يكفن ضع في أكفانه كفنا جديدا جيدا لي. فلما أصبح الابن وفتش عن ذلك الرجل علم أنه صحيح لا مرض له ولكن اليوم الثالث أخبر أنه مات، فاستعجل الابن وأحضر الكفن الجديد الغالي ووضعه في أكفانه وقال: أصل هذا إلى أمي ولما نام ليلته حضرته أمه وقالت: جزاك الله خيراً أرسلت إلي كفنا جيدا" (3).
ولا بأس أن نحكي حكاية أخرى التي تنبئ عن انتقال الميت من مكان إلى مكان آخر بنفسه كما يحكي أحد البريلويين: إن امرأة صالحة ماتت في جونبور "مدينة من مدن الهند" ورجل غير صالح من جونبور مات في المدينة المنورة ودفن في البقيع فانتقلت المرأة الصالحة من جونبور إلى البقيع ونقلت جثة ذلك الرجل من قبره إلى قبرها جونبور ورأى الناس هذه الحادثة بأعينهم" (4).وأما قدرتهم على إحياء الموتى فأيضا ثابتة في أساطير الأولين ووجدوا آبائهم لها معتقدين، منها: إن حضرة سيدي أحمد جان رضي الله تعالى عنه كان يمر على طريق فرأى فيلا ميتا والناس مجتمعين حوله، فذهب إليهم وقال: ما الذي حدث؟ قالوا إن الفيل قد مات فقال: إن خرطومه صحيح وعينيه كذلك، وكذلك يديه ورجليه فكيف مات؟ وما نطق بهذه الكلمات إلا وتحرك الفيل ووقف حيا" (5).وأيضا: إن الشيخ الجيلاني نظر نظرة الغضب إلى الحدأة فسقطت ميتة ثم لمسها فطارت حية" (6).
_________
(1) رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(2) رسالة "أحكام قبور المؤمنين" المندرجة في ((مجموعة رسائل)) (2/ 243– 244) تحت عنوان "أن الأنبياء والشهداء والأولياء أحياء بأبدانهم مع أكفانهم".
(3) ((ملفوظات)) للبريلوي (95).
(4) ((مواعظ نعيمية)) لمفتي البريلوية أحمد يارخان البريلوي (26).
(5) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (53).
(6) ((باغ فردوس)) للرضوى البريلوي (27).
هذا ومن غرائب القوم أنهم يسامرون بالأساطير التي يمجها العقل ويزدريها الفكر. ومنها "أن شخصين من أولياء الله كانا يسكنان على جانبي النهر، فمرة طبخ أحدهما المحلبية وأراد إرسالها إلى الثاني على الضفة الثانية، فقال لخادمه اذهب بها إلى صديقنا ذاك. فقال: وكيف أجتاز النهر وليس عندنا ما أجتاز به من سفينة وغيرها، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يجامع امرأته قط فاستغرب الخادم وغرق في الحيرة لأن الشيخ كان له أولاد، فامتثل الأمر وذهب إلى النهر، وقال له ما قاله الشيخ فانفلق النهر ومر منه سالما فقدم على صاحب تلك الضفة المحلبية فأكل منها ودعا له بالخير وقال: سلم على سيدك، فقال له الخادم: أبلغ سلامك إليه عندما أصل هناك، وكيف الوصول إليه وبيني وبينه نهر، فقال: اذهب إلى النهر وقل له: جئت من عند شخص لم يطعم من ثلاثين سنة فازدادت حيرته لأنه شاهده وهو يأكل من المحلبية التي جاء بها إليه ولكنه لم يبلغ رسالته إلى النهر حتى انشق له الطريق فيه" (1).ومن غرائب ما يحكونها هي "أن رجلا من مريدي يحيى المنيري سقط في البحر وكاد أن يغرق فظهر الخضر عليه السلام وقال له، هات يدك في يدي أنقذك من الغرق، فانتبه المريد وقال: لا يا سيدي! إن هذه اليد في يد المنيري فلا أتركه وأذهب إلى غيره، فغاب الخضر عليه السلام وحضر المنيري وأخذ بيده ونجاه من الغرق" (2).ومنها أيضا "أن بشراً الحافي لم يكن يلبس النعلين ولذلك سمي بالحافي، وكان من عظمته واحترامه أن الحيوانات لم يكن يبولون في الطرق التي كان يمر فيها الحافي ولم تكن ترفث كي لا تتوسخ قدمه فيوما فعندما رأى شخص الرفث والبول في الطريق الذي كان يمر فيه الحافي فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون، وسئل عن تفوهه بهذه الكلمات فقال: هذا دليل على أن الحافي قد مات ثم فتش وثبت أن ما قاله حق رضي الله تعالى عنه" (3).
وأن الأولياء لهم قدرة واختيار أن ينقذوا أهل النار من النار وينجوا المعذبين من العذاب، وبرهان ذلك:"إن السيد إسماعيل الحضرمي مر على المقابر وكان معه الإمام محب الدين الطبري، فقال له أتؤمن أن أهل القبور يكلمون الأحياء؟ قال: نعم أؤمن بذلك، فقال له: إن صاحب هذا القبر كان يقول لي: أنا من أهل الجنة، ثم وقف على قبور تجاوز عددهم من أربعين قبراً وبدأ يبكي حتى طلعت الشمس وأسفر النهار ثم ضحك وقال: أنت منهم، فسئل ما هذا وما الذي حدث؟ قال: إن أصحاب هذه القبور كانوا يعذبون فبدأت أبكي وأشفع لهم حتى قبلت شفاعتي ورفع عنهم العذاب، وكان قبر في ناحية لم ألتفت إليه، فسمعت أن قائلة تقول لم حرمتني من شفاعتك وأنا منهم، "يعني كنت معهم في العذاب وقبري بينهم" كنت مغنية فلانية فشفعت لهم ولم تشفعني؟ فضحكت من قولها وقلت: أنت منهم أيضا، ورفع عنها العذاب" (4).
وكتب البريلوي: أن شابا كان جالسا في مجلس ابن عربي فبكى فقال له ابن عربي ما يبكيك؟ قال رأيت في الكشف أن أمي تعذب وملائكة النار يجرونها إلى النار، فقال ابن عربي كان ثواب بعض الأوراد مدخراً عندي فقلت في نفسي إنني وهبت لها هذا الثواب، وبدأ الشاب يضحك، فقيل له: ما الذي حدث حتى انقطعت عن بكائك وبدأت تضحك؟ فقال: رأيت ملائكة العذاب تركوا أمي وأخذتها ملائكة الرحمة وذهبوا بها إلى الجنة بدل النار" (5).
_________
(1) ((الحكايات الرضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) للبريلوي (53).
(2) ((ملفوظات البريلوي)) (164)
(3) ((الحكايات الرضوية)) (172).
(4) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات)) البريلوي (57،85).
(5) ((ملفوظات البريلوي)) حكايات رضوية (48).
وهل يحتاج بعدئذ إلى دليل وبرهان؟ بعد هذه الأدلة القطعية قطعية الثبوت والدلالة؟ ومن سأل أو طلب فهو وهابي كافر. معاذ الله من هذه العقول الضعيفة والقلوب المريضة التي استولى عليها الشيطان وأضلها عن سواء السبيل.
ومن عجائب ما يحكون وغرائب ما يسطرون هي القصص التي ترغب الناس عن الله وتوجههم إلى غير الله وتنبئ أنه لم يبق لله قدرة ولا اختيار ولا نفوذ ولا رسوخ بل كل هذه الأشياء انتقلت إلى الأولياء والصالحين، فبيدهم كل شيء فلا استغاثة إلا بهم ولا نجاة إلا في أيديهم، وخير مثال لهذا ما حكاه البريلوي نفسه: أن سيدي بايزيد البسطامي وقف على شاطئ الدجلة فسمى الله ونزل فيه ومشى على ماءه كمشيته على الأرض فرآه شخص وكان يريد عبوره أيضا فنزل فيه ومشى خلفه وسمى باسمه ولما قرب منه رآه وهو يذكر الله فقلده فسمى الله فإذا بدأ يغرق فالتفت إليه بايزيد وقال له: اسمي اسمي لا اسم الله، كيف تجرأ على ذكر اسمه وتترك اسمي؟ فقال له الغريق رأيتك تسمي الله فسميت، فقال: وهلا وصلت إلي حتى تصل إليه، فنادى باسم بايزيد ونجا من الغرق وبدأ يمشي على الماء كأنه يمشي على الطريق الممهد في الأرض" (1).
ونختتم هذا الباب على حكاية طريفة أخرى من المئات والألوف التي عليها أسس القوم دينهم وبنوا شريعتهم وجعلوها مستندهم وحجتهم في الدين والدنيا، وما أخسرهم وأبخس بهم، فقالوا، والقائل البريلوي نفسه:
أن عارفا كان يبحث عن شيخ ومرشد كامل ولكنه لم يهتد إليه ففي ليلة من الليالي قال لله عز وجل: وعزتك وجلالك صباحا أبايع أول شخص ألتقيه بعد طلوع الفجر، فلما أصبح خرج عن بيته ووقف في الطريق ينتظر أول القادمين، وكان سارقا حاملاً لسرقته، فبادر إليه وأخذ يده وقال له مد يدك أبايعك، فاستغرب السارق وتحير وأراد أن يهرب منه ولكنه لم يتركه حتى اضطر إلى أن يبوح بحقيقته فقال له: يا شيخ ماذا تريد مني وأنا سارق مشهور ونهاب معروف، وهذا هو مال السرقة على غاربي؟ قال له العارف: مهما يكن من الأمر فأنا حلفت بالله أن لا ألتقي بأول شخص في الصباح إلا وأبايعه على يده، فأنت أول من لقيته فلا أتركك إلا أن تأخذ بيعتي، ولما رأى الخضر عليه السلام هذه الواقعة ورأى صدق الطالب حضر وأخذ بيد السارق وخلع عليه جميع مراتب الولاية ومناصبها واجتاز به المقامات وأدخله في الكلمة وهو واقف على موقفه ثم أمره أن يأخذ بيعة ذلك العارف" (2).
فهؤلاء هم القوم وهذه هي حججهم وبراهينهم في إثبات المسائل الشرعية والعقائد الدينية ذَلِكَ مَبْلَغُهُم مِّنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى [النجم:30]
وقال الله جل وعلا: أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً 43 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان: 43 - 44]
Oالبريلوية عقائد وتاريخ لإحسان إلهي ظهير- ص213
_________
(1) ((حكايات رضوية)) نقلا عن ((ملفوظات البريلوي)) (52،53).
(2) ((حكايات رضوية)) بجمع وترتيب مفتي البريلوية وتلميذ البريلوي خليل البركاتي (71،72).
المبحث الثامن: الانتشار ومواقع النفوذ
انطلقت الدعوة من بريلي بولاية أوترابرديش بالهند، لتنتشر في القارة الهندية كلها (الهند والباكستان وبنجلاديش وبورما سريلانكا). لهم وجود في انجلترا، كما لهم نفوذ في جنوب أفريقيا وكينيا ومورشيوس وعدد من البلدان في قارة أفريقيا
Oالموسوعة الميسرة
ويتضح مما سبق إن البريلوية فرقة صوفية نشأت في شبه القارة الهندية الباكستانية إبان الاستعمار البريطاني، وهم يغلون في الأنبياء والأولياء، ويحاربون دعاة التوحيد الخالص، ويعتقدون أن الرسول صلى الله عليه وسلم له قدرة يتحكم بها في الكون، وأنه صلى الله عليه وسلم والأولياء من بعده لهم قدرة على التصرف في الكون، ولديهم عقيدة اسمها عقيدة الشهود فيعتقدون أن النبي صلى الله عليه وسلم حاضر وناظر لأعمال الخلق في كل زمان ومكان، وهم ينكرون بشريته صلى الله عليه وسلم ويحثون أتباعهم على الاستغاثة بالأنبياء ويشيدون القبور ويعمرونها وينيرونها بالشموع والقناديل
Oالموسوعة الميسرة
المبحث التاسع: فتاوى اللجنة الدائمة في الطريقة البريلوية
س: جماعة معينة في الباكستان تسمى البريلوية أو جماعة نواري نسبة إلى رئيسهم الحالي المعروف بنواري حيث طلبت من فضيلتكم الحكم الشرعي بهم وباعتقادهم وبالصلاة خلفهم ليكون ذلك بردا وسلاما على قلوب كثيرة لا تعرف الحقيقة ومرة ثانية، أذكركم ببعض خرافاتهم واعتقاداتهم الشائعة:
1 - الاعتقاد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام حي.
2 - الاعتقاد بأن الرسول عليه الصلاة والسلام حاضر وناظر خاصة بعد صلاة الجمعة مباشرة.
3 - الاعتقاد بأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام الشفيع مسبقا.
4 - يعتقدون بالأولياء وأصحاب القبور ويصلون عندهم طالبين منهم قضاء الحاجة.
5 - إشادة القباب وإضاءة القبور.
6 - قولهم المشهور: يا رسول، يا محمد صلى الله عليه وسلم.
7 - يسخطون بمن يجهر بالتأمين ويرفع يديه في الصلاة ويعتبرونه وهابي.
8 - التعجب الشديد عند استعمال السواك عند الصلاة.
9 - تقبيل الأصابع أثناء الوضوء والأذان وبعد الصلاة.
10 - يردد إمامهم دائما بعد الصلاة ... الآية: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [:56] وبالتالي فإن جميع المأمومين يصلون على النبي بشكل جماعي بصوت عال.
11 - يتحلقون بعد صلاة الجمعة واقفين وينشدون ويمدحون بصوت مرتفع.
12 - بعد ختم القرآن الكريم في تراويح شهر رمضان يطهون الطعام الكثير ويوزعونه في صحن المسجد بالإضافة إلى الحلويات.
13 - يشيدون المساجد ويهتمون بزخرفتها كثيرا، ويكتبون فوق المحراب: يا محمد.
14 - يعتبرون أنفسهم هم أصحاب السنة والعقيدة الصحيحة وغيرهم على خطأ.
15 - ما الحكم الشرعي بالصلاة خلفهم؟
علما بأنني طالب طب في كراتشي وأسكن بجوار المسجد والمسلطة أو المشرفة عليه تلك الجماعة البريلوية.
ج: من هذه صفاته لا تجوز الصلاة خلفه، ولا تصح لو فعلت من عالم بحاله؛ لأن معظمها صفات كفرية وبدعية تناقض التوحيد الذي أرسل الله به رسله وأنزل به كتبه وتعارض صريح القرآن، مثل قوله سبحانه: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ [الزمر:30] وقوله: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا [الجن:18] وينكر عليهم البدع التي يفعلونها بأسلوب حسن فإن قبلوا فالحمد لله، وإن لم يقبلوا هجرهم وصلى في مساجد أهل السنة، وله في خليل الرحمن أسوة حسنة في قوله: وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلاَّ أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا [مريم:48]
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
Oفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -3/ 81
س: هنا في الباكستان علماء فرقة البريلوية يعتقدون أنه لا ظل للنبي صلى الله عليه وسلم، وهذا دلالة على عدم بشرية النبي صلى الله عليه وسلم. هل هذا هو الحديث الصحيح. ليس الظل للنبي صلى الله عليه وسلم؟
ج: هذا القول باطل مناف لنصوص القرآن والسنة الصريحة الدالة على أنه صلوات الله وسلامه عليه بشر لا يختلف في تكوينه البشري عن الناس وأن له ظلا كما لأي إنسان، وما أكرمه الله به من الرسالة لا يخرجه عن وصفه البشري الذي خلقه الله عليه من أم وأب، قال تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ [الكهف:110] الآية، وقال تعالى: قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ [إبراهيم:11] الآية.
أما ما يروى من أن النبي صلى الله عليه وسلم خلق من نور الله فهو حديث موضوع.
وبالله التوفيق. وصلى الله على نبينا محمد، وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب رئيس اللجنة ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
Oفتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء -1/ 392