أخبار الإنترنت
recent

الحداثة "الأدب"

      أولا: التعريف
      الحداثة مذهب فكري أدبي علماني، بني على أفكار وعقائد غربية خالصة مثل الماركسية والوجودية والفرويدية والداروينية، وأفاد من المذاهب الفلسفية والأدبية التي سبقته مثل السريالية والرمزية وغيرها.
      وتهدف الحداثة إلى إلغاء مصادر الدين، وما صدر عنها من عقيدة وشريعة وتحطيم كل القيم الدينية والأخلاقية والإنسانية بحجة أنها قديمة وموروثة لتبني الحياة على الإباحية والفوضى والغموض، وعدم المنطق، والغرائز الحيوانية، وذلك باسم الحرية، والنفاذ إلى أعماق الحياة. والحداثة خلاصة مذاهب خطيرة ملحدة، ظهرت في أوروبا كالمستقبلية والوجودية والسريالية وهي من هذه الناحية شر لأنها إملاءات اللاوعي في غيبة الوعي والعقل وهي صبيانية المضمون وعبثية في شكلها الفني وتمثل نزعة الشر والفساد في عداء مستمر للماضي والقديم، وهي إفراز طبيعي لعزل الدين عن الدولة في المجتمع الأوروبي ولظهور الشك والقلق في حياة الناس مما جعل للمخدرات والجنس تأثيرهما الكبير.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      ثانيا: الجذور التاريخية للحداثة
      إن الحداثة ـ في أصلها ونشأتها ـ مذهب فكري غربي، ولد ونشأ في الغرب، ثم انتقل منه إلى بلاد المسلمين، وحتى يكون القارئ على بينة من الظروف التاريخية التي نشأت الحداثة فيها في الغرب قبل انتقالها إلينا، وحتى نعرف من هم رموز نشأتها من الغربيين قبل معرفة من هم ببغاواتها لدى المسلمين، نضع هذا البحث.
      ولا شك أن الحداثيين العرب حاولوا بشتى الطرق والوسائل أن يجدوا لحداثتهم جذوراً في التاريخ الإسلامي، فما أسعفهم إلا من كان على شاكلتهم من كل ملحد أو فاسق أو ماجن مثل: الحلاج، وابن عربي، وبشار، وأبي نواس، وابن الراوندي، والمعري، والقرامطة، وثورة الزنج، لكن الواقع أن كل ما يقوله الحداثيون هنا، ليس إلا تكراراً لما قاله حداثيو أوربا وأمريكا، ورغم صياحهم وجعجعتهم بالإبداع والتجاوز للسائد والنمطي ـ كما يسمونه ـ إلا أنه لا يطبق إلا على الإسلام وتراثه، أمّا وثنية اليونان وأساطير الرومان وأفكار ملاحدة الغرب، حتى قبل مئات السنين، فهي قمة الحداثة وبذلك فهم مجرد نقلة لفكر أعمدة الحداثة في الغرب مثل: أليوت، وباوند، وريلكة ولوركا، ونيرودا، وبارت، وماركيز، وغيرهم إلى آخر القائمة الخبيثة التي اضطرنا حداثيونا إلى قراءة سير أهلها الفاسدة، وإنتاجها الذي حوى حثالة ما وصل إليه فكر البشر.
      لقد نمت الحداثة كما قلنا في البيئة الغربية، وكانت إحدى مراحل تطور الفكر الغربي، ثم نقلت إلى بلاد العرب صورة طبق الأصل لما حصل في الغرب، ولم يبق منها عربي إلا الحروف العربية، أما الكلمات والتراكيب والنحو فقد فجرها الحداثيون كما يدعون وفرغوها من مضمونها.
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص23، 24
      ثالثا: لمحة موجزة عن تاريخ الحداثة في الغرب
      على الرغم من الاختلاف بين الكثير ممن أرخوا للحداثة الأوربية حول بدايتها الحقيقية وعلى يد من كانت, فإن الغالبية منهم يتفقون على أن تاريخها يبدأ منذ أواخر القرن التاسع عشر الميلادي على يدي بودلير، وهذا لا يعني أن الحداثة قد ظهرت من فراغ، فإن من الثابت أن الحداثة رغم تمردها وثورتها على كل شيء، حتى في الغرب، فإنها تظل إفرازاً طبيعياً من إفرازات الفكر الغربي، والمدنية الغربية التي قطعت صلتها بالدين على ما كان في تلك الصلة من انحراف، وذلك منذ بداية ما يسمى بعصر النهضة في القرن الخامس عشر الميلادي، حين انفصلت المجتمعات الأوربية عن الكنيسة، وثارت على سلطتها الروحية التي كانت بالفعل كابوساً مقيتاً محارباً لكل دعوة للعلم الصحيح، والاحترام لعقل الإنسان، وحينها انطلق المجتمع هناك من عقاله بدون ضابط أو مرجعية دينية، وبدأ يحاول أن يبني ثقافته من منطلق علماني بحت فظهرت كثير من الفلسفات والنظريات في شتى مناحي الحياة. وطبيعي ما دام لا قاعدة لهم ينطلقون منها لتصور الكون والحياة والإنسان، ولا ثابت لديهم يكون محوراً لتقدمهم المادي، ورقيهم الفكري والحضاري، أن يظهر لديهم كثير من التناقض والتضاد، وأن يهدموا اليوم ما بنوه بالأمس ولا جامع بين هذه الأفكار إلا أنها مادية ملحدة، ترفض أن ترجع لسلطان الكنيسة الذي تحررت من نيره قبل ذلك.
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص27، 28
      رابعا: موجز تاريخ الحداثة العربية
      بعد أن انتقل وباء الحداثة إلى ديار العرب على أيدي المنهزمين فكريا، ولقيت الرفض من المجتمع الإسلامي في بلاد العرب، أخذوا ينقبون عن أي أصول لها في التاريخ العربي لعلها تكتسب بذلك الشرعية، وتحصل على جواز مرور إلى عقول أبناء المسلمين إذ لا يعقل أن يواجهوا جماهير المثقفين المسلمين في البداية بفكرة غربية ولباسها غربي، فليبحثوا عن ثوب عربي يلبسونه الفكرة الغربية حتى يمكنها أن تتسلل إلى العقول في غيبة يقظة الإيمان والأصالة.
      وأدونيس .... يعتبر المنظر الفكري للحداثيين العرب، وكتابه (الثابت والمتحول) هو إنجيل الحداثيين كما يقول محمد المليباري، ومهما حاول الحداثيون أن ينفوا ذلك فإن جميع إنتاجهم يشهد بأنهم أبناؤه الأوفياء لفكره.
      وهكذا ابتدأ المنظر الفكري للحداثة العربية ينبش كتب التراث, ويستخرج كل شاذ ومنحرف من الشعراء والأدباء والمفكرين، مثل: بشار بن برد، وأبي نواس، لأن في شعرهم الكثير من المروق على الإسلام، والتشكيك في العقائد والسخرية منها، والدعوة للانحلال الجنسي. وحين يتحدث أدونيس عن أبي نواس وعمر بن أبي ربيعة، وعن سبب إعجاب الحداثيين بشعرهما، يقول: "إن الانتهاك ـ أي تدنيس المقدسات ـ هو ما يجذبنا في شعرهما، والعلة في هذا الجذب أننا لا شعوريّاً نحارب كل ما يحول دون تفتح الإنسان، فالإنسان من هذه الزاوية ثوري بالفطرة، الإنسان حيوان ثوري". انظر (الثابت المتحول) (ج1 صفحة 216). بل إنهم يعتبرون رموز الإلحاد والزندقة، أهل الإبداع والتجاوز، وأهل المعاناة في سبيل حرية الفكر والتجاوز للسائد، وألفوا في مدحهم القصائد والمسرحيات والمؤلفات.
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص35، 38
      خامسا: من أبرز رموز مذهب الحداثة من الغربيين
      - شارل بودلير 1821 – 1867م وهو أديب فرنسي أيضاً نادى بالفوضى الجنسية والفكرية والأخلاقية، ووصفها بالسادية أي مذهب التلذذ بتعذيب الآخرين. له ديوان شعر باسم أزهار الشر مترجم للعربية من قبل الشاعر إبراهيم ناجي، ويعد شارل بودلير مؤسس الحداثة في العالم الغربي.
      - الأديب الفرنسي غوستاف فلوبير 1821 – 1880م.
      - مالا راميه 1842 – 1898م وهو شاعر فرنسي ويعد أيضاً من رموز المذهب الرمزي.
      - الأديب الروسي مايكوفسكي، الذي نادى بنبذ الماضي والاندفاع نحو المستقبل.
      الحداثيون في العالم العربي قسمان
      الذين يدعون إلى الحداثة ونشرها في العالم العربي كثير فلا يكاد يخلو بلد عربي من عشرات الحداثيين الذين اعتنقوا الفكر الحداثي وأصبحوا دعاة إليه في كثير من الوسائل.
      والمتأمل في دعاة الحداثة يجدهم قسمين:
      القسم الأول: رواد ومفكرون تربوا زمنا طويلا على الفكر الحداثي وتشربته عقولهم واقتنعوا به فأصبح همهم بث الحداثة والتنظير لها.
      القسم الثاني: أتباع ورعاع وغوغاء ضعف إيمانهم وأمنوا العاقبة وخلت عقولهم وقلوبهم من الفكر العقدي والروحي القويم فعاشوا في ضنك وضيق ومركبات نقص وعقد نفسية فحاولوا معالجة ما يجدونه في أنفسهم من ضيق وحرج وغربة بالمخالفة للنمطي والسائد والتمرد على المألوف والموروث فهذا أقرب طريق للبروز والشهرة وإكمال النقص وتخفيف الحالات النفسية التي يعيشونها فكانت الحداثة هي المسلك الحاضر والمركب السهل.
      فاستغل أولئك الرواد حالة هؤلاء الغوغاء فكالوا لهم المديح وعدوهم " شبابا واعدا" و" صفوة مثقفة" و" نخبة برجوازية جديدة" وما إلى ذلك من الأوصاف التي غررت هؤلاء الأتباع الجهلة فأصبحوا ينعقون بكل ما يسمعون من أساتذتهم من مخالفات عقدية وشرعية وسياسية. ونحو ذلك.
      Oالحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 690
      سادسا: ومن رموز مذهب الحداثة في البلاد العربية
      - يوسف الخال – الشاعر النصراني وهو سوري الأصل رئيس تحرير مجلة شعر الحداثية. وقد مات منتحراً أثناء الحرب الأهلية اللبنانية.
      - أدونيس (علي أحمد سعيد) نصيري سوري، ويعد المُروِّج الأول لمذهب الحداثة في البلاد العربية، وقد هاجم التاريخ الإسلامي، والدين والأخلاق في رسالته الجامعية التي قدمها لنيل درجة الدكتوراه من جامعة "القديس يوسف" في لبنان وهي بعنوان الثابت والمتحول، ودعا بصراحة إلى محاربة الله عز وجل. وسبب شهرته فساد الإعلام بتسليط الأضواء على كل غريب.
      - د. عبد العزيز المقالح – وهو كاتب وشاعر يماني، وهو الآن مدير لجامعة صنعاء وذو فكر يساري.
      - عبد الله العروي – ماركسي مغربي.
      - محمد عابد الجابري مغربي.
      - الشاعر العراقي الماركسي عبد الوهاب البياتي.
      - الشاعر الفلسطيني محمود درويش – عضو الحزب الشيوعي الإسرائيلي أثناء إقامته بفلسطين المحتلة، وهو الآن يعيش خارج فلسطين.
      - كاتب ياسين ماركسي جزائري.
      - محمد أركون جزائري يعيش في فرنسا.
      - الشاعر المصري صلاح عبد الصبور – مؤلف مسرحية الحلاج.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      سابعا: الأفكار والمعتقدات
      نجمل أفكار ومعتقدات مذهب الحداثة كما هي عند روادها ورموزها وذلك من خلال كتاباتهم وشعرهم فيما يلي:
      - رفض مصادر الدين، الكتاب والسنة والإجماع، وما صدر عنها من عقيدة إما صراحة أو ضمناً.
      - رفض الشريعة وأحكامها كموجه للحياة البشرية.
      - الدعوة إلى نقد النصوص الشرعية، والمناداة بتأويل جديد لها يتناسب والأفكار الحداثية.
      - الدعوة إلى إنشاء فلسفات حديثة على أنقاض الدين.
      - الثورة على الأنظمة السياسية الحاكمة لأنها في منظورها رجعية متخلفة أي غير حداثية، وربما استثنوا الحكم البعثي.
      - تبني أفكار ماركس المادية الملحدة، ونظريات فرويد في النفس الإنسانية وأوهامه، ونظريات دارون في أصل الأنواع وأفكار نيتشة، وهلوسته، والتي سموها فلسفة في الإنسان الأعلى (السوبر مان).
      - تحطيم الأطر التقليدية والشخصية الفردية، وتبني رغبات الإنسان الفوضوية والغريزية.
      - الثورة على جميع القيم الدينية والاجتماعية والأخلاقية الإنسانية، وحتى الاقتصادية والسياسية.
      - رفض كل ما يمت إلى المنطق والعقل.
      - اللغة – في رأيهم – قوة ضخمة من قوى الفكر المتخلف التراكمي السلطوي، لذا يجب أن تموت، ولغة الحداثة هي اللغة النقيض لهذه اللغة الموروثة بعد أن أضحت اللغة والكلمات بضاعة عهد قديم يجب التخلص منها.
      - الغموض والإبهام والرمز – معالم بارزة في الأدب والشعر الحداثي.
      - ولا يقف الهجوم على اللغة وحدها ولكنه يمتد إلى الأرحام والوشائح حتى تتحلل الأسرة، وتزول روابطها، وتنتهي سلطة الأدب وتنتصر إرادة الإنسان وجهده على الطبيعة والكون.
      - ومن الغريب أن كل حركة جديدة للحداثة تعارض سابقتها في بعض نواحي شذوذها وتتابع في الوقت نفسه مسيرتها في الخصائص الرئيسية للحداثة.
      - إن الحداثة هي خلاصة سموم الفكر البشري كله، من الفكر الماركسي إلى العلمانية الرافضة للدين، إلى الشعوبية، إلى هدم عمود الشعر، إلى شجب تاريخ أهل السنة كاملاً، إلى إحياء الوثنيات والأساطير.
      - ويتخفى الحداثيون وراء مظاهر تقتصر على الشعر والتفعيلة والتحليل، بينما هي تقصد رأساً هدم اللغة العربية وما يتصل بها من مستوى بلاغي وبياني عربي مستمد من القرآن الكريم، وهذا هو السر في الحملة على القديم وعلى التراث وعلى السلفية.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      ثامنا: الحداثة منهج فكري يسعى لتغيير الحياة
      إن الوسائل في الإسلام لها أحكام الغايات، ولا يمكن أن يتوصل لغاية شريفة بوسيلة دنيئة. ولذلك لا يمكن في الإسلام أن تنظر للنص الأدبي من الناحية الفنية الجمالية فقط بعيدا عن مضامينه وأفكاره، ولا يغتفر للإنسان من ذلك إلا ما كان خطأ غير مقصود، أو نسياناً، أو كان صادراً من نائم أو مجنون، وما عدا ذلك فإن الإنسان مؤاخذ بما يفعل ويقول على الأقل في الدنيا، وأمره في الآخرة إلى الله، إن شاء غفر له وإن شاء عذبه، إلا من مات على الكفر فهو خالد في عذاب جهنم.
      قدمت بهذه الكلمات لكي يُعلم ما هو المعيار الذي نقتبس به أفعال وأقوال الناس, وعلى هذا الأساس سيكون حديثنا عن المنهج الفكري للحداثيين لدينا، حتى وإن أبوا أن يكون الإسلام الحكم بيننا، أو فسروه بما يروق لهم مما يتفق مع أفكار أساتذتهم. وسأعرض في هذا المبحث لأمرين:
      الأمر الأول: دعوى أهل الحداثة أن الأدب يجب أن ينظر إليه من الناحية الشكلية والفنية فقط، بغض النظر عما يدعو إليه ذلك الأدب من أفكار، وينادي به من مبادئ وعقائد وأخلاق، فما دام النص الأدبي عندهم جميلاً من الناحية الفنية فلا يضير أن يدعو للإلحاد أو الزنا أو اللواط أو الخمر أو غير ذلك، وسنرى بعون الله أن هذه المقولة مرفوضة شرعاً وعقلاً، وأنها وسيلة لحرب الدين والأخلاق، يتستر وراءها من لا خلاق له, وسنرى أن أذواقهم الأدبية فاسدة مفسدة، حتى لو سلمنا بمقولتهم تلك وأنهم يرفضون من النصوص ما كان جميلاً ويشيدون بما كان غامضاً سقيماً.
      أما الأمر الثاني: فهو أن هذه الدعوى السابقة التي يدعيها الحداثيون، وهي عدم اهتمامهم بمضمون الأدب ليست صحيحة؛ بل إنهم أصحاب فكر تغييري، يسعى لتغيير الحياة وفق أسس محددة ومناهج منضبطة، وموقفها من الإسلام محدد سلفا.
      فأما الأمر الأول: وهو ما يسمونه الأدب للأدب والفن للفن، فيقول عبد الله الغذامي في كتابه (الخطيئة والتكفير) صفحة 10: "وهذا كله فعالية لغوية، تركز كل التركيز على اللغة وما فيها من طاقة لفظية، ولا شأن للمعنى هنا لأن المعنى هو قطب الدلالة النفعية وهذا شيء انحرفت عنه الرسالة، وعزفت عنه، ولذلك فإنه لا بد من عزل المعنى وإبعاده عن تلقي النص الأدبي، أو مناقشة حركة الإبداع الأدبي".
      وهكذا بكل بساطة يقرر الغذامي أن المسلم عند مناقشته وتقويمه للنصوص الأدبية من نثر أو شعر، يجب أن يطرح جانباً النظر في المعاني، أي أن ينسلخ من عقيدته ودينه وفكره، ولا يكون لها أي دور فيما يعرض أمامه من أدب، ولولا أن خُدع شبابنا بهذه المقولات الغافلة المتغافلة، لما أصبح الشيوعيون أئمة للفكر والأدب يشاد بهم في صحافتنا.
      ويقول أيضا في صفحة 56 مؤكداً مذهبه: "ومن هنا جاءت التشريحية لتؤكد على قيمة النص وأهميته، وعلى أنه هو محور النظر، حتى قال (ديريدا): "ولا وجود لشيء خارج النص ولأن لا شيء خارج النص فإن التشريحية تعمل ــ كما يقول (ليتش) ـ من داخل النص لتبحث عن الأثر، وتستخرج من جوف النص بناه السيميولوجية المختفية فيه، والتي تتحرك داخله كالسراب".
      أيها القارئ الكريم: ما دام (دريدا) يقرر، و (ليش) يقول: "إننا يجب أن نحاكم النص إلى ذاته ونفسه، وننظر في أدواته الفنية فقط بعيداً عن أي مؤثر خارجي" .... فيجب أن نمتثل قوله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه عند الغذامي أو عند السريحي الذي يقول في عكاظ العدد 7517 الصفحة 5: "من شأن قيام المنهج أن يؤدي إلى سقوط تحكم الأيديولوجيات المختلفة في إجازة دراسة ما أو عدم إجازتها، ذلك أن براءة وحيادية العلم لها من السلطان ما يحمي الدراسة من أن نتعاطف معها، لأنها تخدم توجها نسعى إليه، أو نرفضها لأنها تخالف ذلك التوجه". هذه هي موازينهم التي يدعون الناس إلى الاحتكام إليها، أما قول الحق سبحانه وتعالى: مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 18]، فلا قيمة له في موازين الحداثيين النقدية ولا في مناهجهم الأدبية، وأما قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: ((كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمر بمعروف أو نهي عن منكر أو ذكر الله) , وقوله عليه الصلاة والسلام: ((وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو على مناخرهم - إلا حصائد ألسنتهم)) (1) وغيرها من الأحاديث الكثيرة والآيات البينة الواضحة التي تدل على أن حساب الناس في الإسلام على معاني قولهم ومضامينه قبل لفظه ومبناه، فيجب أن تزاح عن مسرح الحياة، حتى يأخذ الأدب حقه ويؤدي دوره في نظر الحداثيين.
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص57 - 60
      _________
      (1) ([319]) بتصرف عن كتاب "المذاهب المعاصرة وموقف الإسلام منها، ص 199.
      تاسعا: تطور مذهب الحداثة في الغرب وفي البلاد العربية
      - إن حركة الحداثة الأوروبية بدأت قبل قرن من الزمن في باريس بظهور الحركة البوهيمية فيها بين الفنانين في الأحياء الفقيرة.
      - ونتيجة للمؤثرات الفكرية، والصراع السياسي والمذهبي والاجتماعي شهدت نهاية القرن التاسع عشر الميلادي في أوروبا اضمحلال العلاقات بين الطبقات، ووجود فوضى حضارية انعكست آثارها على النصوص الأدبية. وبلغت التفاعلات السياسية والاجتماعية والاقتصادية في أوروبا ذروتها في أعقاب الحرب العالمية الأولى. وبقيت باريس مركز تيار الحداثة الذي يمثل الفوضى الأدبية.
      - وقد تبنت الحداثة كثيراً من المعتقدات والمذاهب الفلسفية والأدبية والنفسية أهمها:
      1 - الدادائية: وهي دعوة ظهرت عام 1916م، غالت في الشعور الفردي ومهاجمة المعتقدات، وطالبت بالعودة للبدائية والفوضى الفنية الاجتماعية.
      2 - السريالية: واعتمادها على التنويم المغناطيسي، والأحلام الفرويدية، بحجة أن هذا هو الوعي الثوري للذات، ولهذا ترفض التحليل المنطقي، وتعتمد بدلاً عنه الهوس والعاطفة.
      3 - الرمزية: وما تتضمنه من ابتعاد عن الواقع والسباحة في عالم الخيال والأوهام، فضلاً عن التحرر من الأوزان الشعرية، واستخدام التعبيرات الغامضة والألفاظ الموحية برأي روادها.
      - وقد واجهت الحداثة معارضة شديدة في كل أنحاء أوروبا، حتى في باريس مسقط رأسها، من المدافعين عن اللغة والتراث وممن ينيطون بالأدب مهمة التوصيل في إطار العقل والوعي الإنساني.
      - وكثير من أدباء القرن العشرين لم يعترفوا بالحداثة ولا بما جاءت به من تجريد جمالي وثورة وعدم تواصل، وعدَّ كثير من المفكرين الغربيين الحداثة نزوة عابرة في تاريخ الفكر الغربي.
      والحداثة العربية هي حداثة غربية في كل جوانبها وأصولها وفروعها إلا أنها تسللت إلى العالم العربي دون غرابة، وذلك لأنها اتخذت صورة العصرية، والاتجاه الجديد في الأدب، وارتباط مفهوم الحداثة في أذهان بعض المثقفين بحركة ما يسمى بالشعر الحر أو شعر التفعيلة.
      - اصطلاح الحداثة بمفهومه الغربي، لم يقتحم الأدبي العربي إلا في فترة السبعينات بينما تسربت مضامينه منذ الثلاثينات من هذا القرن، وذلك في محاولات الخروج على علم العروض العربي، وفي الأربعينات ظهرت بعض ظواهر التمرد والثورة والرفض وتجريب بعض الاتجاهات الأدبية الغربية كالتعبيرية والرمزية والسريالية.
      ثم ظهرت مجلة شعر التي رأس تحريرها في لبنان يوسف الخال عام 1957م وتوقفت عام 1964م للتمهيد لظهور حركة الحداثة بصفتها حركة فكرية، لخدمة التغريب، وصرف العرب عن عقيدتهم ولغتهم الفصحى .. لغة القرآن الكريم.
      وبدأت تجربتها خلف ستار تحديث الأدب، فاستخدمت مصطلح الحداثة عن طريق ترجمة شعر رواد الحداثة الغربيين أمثال: بودلير ورامبو ومالاراميه، وبدأ رئيس تحريرها – أي: مجلة شعر – بكشف ما تروج له الحداثة الغربية حين دعا إلى تطوير الإيقاع الشعري، وقال بأنه ليس للأوزان التقليدية أي قداسة ويجب أن يعتمد في القصيدة على وحدة التجربة والجو العاطفي العام لا على التتابع العقلي والتسلسل المنطقي كما أنه قرر في مجلته أن الحداثة موقف حديث في الله والإنسان والوجود.
      كان لعلي أحمد سعيد (أدونيس) دور مرسوم في حركة الحداثة وتمكينها على أساس ما دعاه من الثبات والتحول فقال: "لا يمكن أن تنهض الحياة العربية ويبدع الإنسان العربي إذا لم تتهدم البنية التقليدية السائدة في الفكر العربي والتخلص من المبنى الديني التقليدي الإتباعي". استخدم أدونيس مصطلح الحداثة الصريح ابتداءً من نهاية السبعينات عندما أصدر كتابه: (صدمة الحداثة) عام 1978م وفيه لا يعترف بالتحول إلا من خلال الحركات الثورية السياسية والمذهبية، وكل ما من شأنه أن يكون تمرداً على الدين والنظام تجاوزاً للشريعة.
      - لقد أسقط أدونيس مفهوم الحداثة على الشعر الجاهلي وشعراء الصعاليك وشعر عمر بن أبي ربيعة، وأبي نواس وبشار بن برد وديك الجن الحمصي، كما أسقط مصطلح الحداثة على المواقف الإلحادية لدى ابن الرواندي وعلى الحركات الشعوبية والباطنية والإلحادية المعادية للإسلام أمثال: ثورة الزنج والقرامطة.
      - ويعترف أدونيس بنقل الحداثة الغربية حين يقول في كتابه (الثابت والمتحول): "لا نقدر أن نفصل بين الحداثة العربية والحداثة في العالم".
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      عاشرا: الغموض في أدب الحداثة والغاية منه
      نحب أن نتحدث عن سمة هامة من سمات أدب الحداثة تميز بها واتخذها له شعاراً وناضل عنها أساطينهم، ثم نرى بعد ذلك لماذا يصرون على إظهار أدبهم بهذا المظهر وتلك السمة ألا وهي الغموض.
      إن أول ما يصدم القارئ لأدب الحداثة هو تلفعه بعباءة الغموض، وتدثره بشعار التعتيم والضباب، حتى إن القارئ يفقد الرؤية ولا يعلم أين هو متجه، وماذا يقرأ: أهو جد أم هزل، حق أم باطل، بل يقطع أحياناً بأن ما يقرأه ليس له صلة بلغة العرب: إمّا في الجمل والتراكيب وإن كانت المفردات عربية، أو حتى في المفردات الجديدة التي تدخل الاستعمال لتوها ولأول مرة.
      إن من يقرأ أدب الحداثة يقع في حيرة من أمره لمن يكتب هؤلاء، وماذا يريدون؟!
      لقد عرضت إنتاج بعض هؤلاء الحداثيين على أساتذة الأدب في كلية اللغة العربية، لعلي أجد عندهم ما لم أجده في كتب اللغة والأدب حين وقفت عاجزة عن السماح لهذا الأدب بالدخول في دائرة الفكر المعقول، فضلاً عن الأدب الراقي الجميل المؤثر في النفوس، والمؤجج للعواطف، فوجدت أولئك الأساتذة أكثر حيرة.
      فعدت أنقب في كتابات الحداثيين أنفسهم، حتى وجدت ما يشير بالتأكيد إلى غايتهم من هذا الغموض.
      إن الغموض طغى حتى على عناوين قصائدهم وكتاباتهم، وها أنا ذا أورد نماذج من إنتاجهم، وأعقب بنقول تؤكد إصرارهم على الغموض، باعتباره علامة مميزة لفكرهم، ثم أبين غايتهم من هذا الغموض.
      يقول رمزهم المبدع ـ كما يسمونه ـ عبد الله الصيخان في قصيدة حداثية نشرت في مجلة اليمامة عدد 896:
      "قفوا نترجل
      أوقفوا نتهيأ للموت شاهدة القبر ما بيننا يا غبار ويا فرس
      يا سيوف ويا ساح يا دم يا خيانات
      خاصرة الحرب يشملها ثوبها
      كان متسخا مثل حديث الذي يتدثر بالخوص
      كي لا يرى الناس سوأته
      كنت أحدثكم
      للحديث تفاصيله فاسمعوني
      فقد جئت أسألكم عن رمال وبحر وغيم وسلسلة زبرجد"
      إنني أرجو من القراء أن يجهدوا تفكيرهم معي قليلاً لعلهم أن يحظوا بما لم ينكشف لي من كنوز أدب الإبداع , الأدب الجديد والوعي الجديد كما يسمونه، والذي يظن السامع لكلامهم عندما يسمع طنطناتهم ورغاءهم وثغاءهم أنهم حققوا للأمة ما نهض بها إلى الفرقد، وجاوز بها المساكين.
      وفي اليمامة أيضاً في العدد 901 يقول زاهر الجيزاني:
      "وحدي بهذا القبو
      أعثر في حطام الضوء في كسر المرايا
      ويداي مطفأتان
      ويداي موحشتان
      ويداي ترسم بالرماد فراشة
      ويداي تأخذني
      وأسأل من أكون سبعاً بهذا القبو
      أورثناه حكمتنا وأورثنا الجنون"
      ما هو يا ترى القبو الذي يشكو الجيزاني من العيش فيه ويتضجر منه ويشعر بأنه أورثنا الجنون؟! وما هو حطام الضوء؟ وما هما اليدان المطفأتان؟ وما علاقة ذلك برسم فراشة في الرماد؟!
      طلاسم تنتظر من يفك رموزها، وإننا لمنتظرون لأهل الحداثة.
      وفي عكاظ العدد 7531 الصفحة 8 كتبت هدى الدغفق تحت عنوان (اشتعالات فرح مثقل) ... وانظر التناقض، فرح له اشتعالات، وأيضاً مثقل!! قالت هدى هذه من ضمن قصيدة حداثية طويلة، لا أريد أن أثقل عليكم بها كلها، ولكن أسمعكم منها قولها:
      "لأني نفيت من الحلم بالأمس
      سامرت قيظا
      وجعا منح الوقت وقتاً
      واحترى أن يمر به الوسم
      لأني عاصرت حالة دفني
      تجذرت بالرمل
      مارست توق الخروج عن الخارطة
      ولأن الخريف طوى قامتي"
      أهذا كلام العقلاء فضلا عن أن يكون كلام الأدباء أو كما يسمونهم: المبدعين والمتميزين؟؟!.
      .... إن هذه الأمثلة التي سقتها لك غيض من فيض مما تزخر به الملاحق الأدبية في صحفنا ومجلاتنا، وما يلقى في أمسياتنا ونوادينا الأدبية وينشر في مطبوعاتنا.
      ولا تظنن أيها القارئ أني أبالغ، فهم والله يقدمونه على اعتبار أنه شعر وأدب، ويقدمون له الدراسات النقدية والأدبية، ولولا خوف الإطالة لأوردت أمثلة أكثر، ويكفيك أن تتجه إلى أي عمل أدبي حداثي وتنظر فيه، لترى أنه من نفس النوعية لا فرق بينها إلا التفاوت في الغموض.
      هل يا ترى هذا الغموض يأتي اتفاقاً، أم هو أمر مقصود لازم في أدب الحداثة؟؟ لنرَ ذلك من خلال أقوال الحداثيين أنفسهم.
      يقول أحمد كمال زكي في كتابه (شعراء السعودية المعاصرون) صفحة 18 "لو أننا وقفنا عند ظاهرة واحدة من ظواهر الشعر الجديد، وهي الغموض، وقد أصله سعيد عقل وأدونيس أحد شيوخ المجددين، لرأينا العجب العجاب". وهكذا ما دام سعيد عقل وأدونيس يرون أن الغموض ضرورة للأدب، فلا بد أن يسلك على نهجهم تلاميذهم لدينا.
      يقول عبد الله نور في (ملف نادي الطائف الأدبي) العدد السادس صفحة 55: " الشعر يفهم ليس بشعر"!!
      ومادام من شروط الشعر عندهم ألا يفهم، فما الغاية منه إذاً؟ هل هو طلاسم سحر، أم أحاجي ألغاز، أم رموز شعوذة؟؟!
      ..... ونحن على فرض التسليم لهم في أن كتاباتهم الغامضة لا معاني لها، فهل تحولت الأمة إلى مجموعة من المجانين يكتبون ما لا يعقلون، ويقرؤون ما لا يفهمون؟؟
      هل هانت أمتنا إلى هذا الحد حتى يصبح أدبها وفكرها عبثاً بأيدي فئة من الممسوخين فكرياً، الذين باعوا أنفسهم للشياطين من الشرق إلى الغرب، يفكرون بعقولهم، وينطقون بأسمائهم، ويصرون على أن يقنعونا بأن الليل نهار والأسود أبيض، كمثل قول محمد الثبيتي: "من الشيب حتى هديل الأباريق تنسكب اللغة الحجرية بيضاء كالقار نافرة كعروق الزجاجة".
      ...... إذا فمن أهداف الغموض وغاياته كسر الإطار العام للغة العربية، وتحويلها مع مرور الزمن والأيام، ومن خلال استبدال مفرداتها وتراكيبها ومعانيها، إلى لغة جديدة لا صلة لها باللغة العربية الفصحى المعروفة والمأثورة عن العرب - تماما كما حصل للغة اللاتينية - التي تحولت مع مرور الزمن بهذه الطريقة إلى لغات كثيرة.
      ولك أن تتصور - لو حصل هذا لا قدر الله ـ موقف الأجيال القادمة من كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكتب التراث بصفة عامة، وأي كارثة يسعى الحداثيون إلى جر الأمة إليها.
      .... وهكذا يريد أدعياء الإبداع ورواد الحداثة أن يكون أول هجومهم على اللغة العربية ونحوها وصرفها وبلاغتها، تحت ستار الحرية في الإبداع، لعلمهم أن هذه اللغة هي وعاء الشرع خاصة والتراث عامة، وهي وسيلة فهم هذا الدين ومعرفته، لأن الهجوم على الدين مباشرة أمر غير مقبول في بداية المعركة، وإن كانت مرحلة منازلته قد بدأت لدينا، أما في البلدان العربية الأخرى فقد وصلت الضربات إلى القلب على أيدي من يشيد به الحداثيون عندنا صراحة، لكنني أذكر الجميع بقول الشاعر:
      "كناطح صخرة يوماً ليُوهَنها [] [] فلم يَضِرها وأوهى قرنَه الوَعِلُ"
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص43 - 55
      حادي عشر: أهم خصائص الحداثة
      - محاربة الدين بالفكر وبالنشاط.
      - الحيرة والشك والقلق والاضطراب.
      - تمجيد الرذيلة والفساد والإلحاد.
      - الهروب من الواقع إلى الشهوات والمخدرات والخمور.
      - الثورة على القديم كله وتحطيم جميع أطر الماضي، إلا الحركات الشعوبية والباطنية.
      - الثورة على اللغة بصورها التقليدية المتعددة.
      - امتدت الحداثة في الأدب إلى مختلف نواحي الفكر الإنساني ونشاطه.
      - قلب موازين المجتمع والمطالبة بدفع المرأة إلى ميادين الحياة بكل فتنتها، والدعوة إلى تحريرها من أحكام الشريعة.
      - عزل الدين ورجاله واستغلاله في حروب عدوانية.
      - تبني المصادفة والحظ والهوس والخيال لمعالجة الحالات النفسية والفكرية بعد فشل العقل في مجابهة الواقع.
      - امتداد الثورة على الطبيعة والكون ونظامه وإظهار الإنسان بمظهر الذي يقهر الطبيعة.
      - ولذا نلمس في الحداثة قدحاً في التراث الإسلامي، وإبرازاً لشخصيات عرفت بجنوحها العقدي كالحلاج والأسود العنسي ومهيار الديلمي وميمون القداح وغيرهم. وهذا المنهج يعبر به الأدباء المتحللون من قيم الدين والأمانة، عن خلجات نفوسهم وانتماءاتهم الفكرية.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      ثاني عشر: أساليب الحداثيين في نشر أفكارهم
      السيطرة على الملاحق الأدبية والثقافية في أغلب الصحف وتوجيهها لخدمة فكرهم ومناوأة ومحاربة غيرهم، ويختلف مدى تغلغلهم في الصحف والمجلات من واحدة إلى أخرى، ولم يقف منهم موقف الرفض الواضح وعدم السماح لهم بالتسلل إلى الكتابة إلا صحيفة الندوة مشكورة، بل إنها عملت في الميدان وحدها ونافحت وكشفت وبينت في وقت كان فيه الكثير في غفلة عن هذه الموجة العارمة.
      2 - التغلغل في الأندية الأدبية من أجل توجيه نشاطها لخدمة الحداثة وأهدافها.
      3 - إفراد صفحات لكتابة القراء وخاصة الشباب ومن خلالها يتم اكتشاف أصحاب الميول الحداثية وتسلط عليهم الأضواء، وتدغدغ شهوة حب الظهور والشهرة في نفوسهم, وتقام الندوات والحلقات الدراسية لأدبهم، وبهذه الطريقة ظهر كثير من الأسماء الحداثية.
      4 - نشر الإرهاب الفكري ضد مخالفيهم واتهامهم بشتى التهم والنعوت، والتأكيد على أنهم لا يعقلون ولا يعلمون، وأنهم مجرد دمى محنطة يجب أن تبعد من الطريق ولا تستحق أن يكون لها مكان في عالم الفكر والثقافة والأدب، في مقابل الإشادة بفكرهم بصورة مثيرة تجعل الفرد ينقاد لهم، ويقول هم أهل الساحة، ولا مناص من الدخول في ركابهم.
      5 - إقامة الندوات والأمسيات الشعرية والقصصية والنقدية والمسرحية في طول البلاد وعرضها، بنشاط وافر ودأب متصل حتى أصبحنا لا يمر أسبوع إلا ونقرأ الأخبار عن نشاط حداثي في إحدى المناطق، بل وصل نشاطهم إلى جزيرة فرسان في جنوب البحر الأحمر أكثر من مرة.
      6 - الدفع برموزهم للمشاركة في المهرجانات الدولية.
      7 - استكتاب رموزهم الفكرية، واستقدامهم للمشاركة في الأمسيات، وإلقاء المحاضرات وإجراء المقابلات معهم.
      8 - لقد انتهج الحداثيون أسلوباً غاية في الخبث للتغرير بالشباب الواقع تحت ضغط الهجوم الضاري من أعداء الأمة في شتى الميادين، فامتصوا نقمة الشباب تلك حين قدحوا في أذهان الشباب أن أدبهم وفكرهم هو المنقذ من تلك المآسي، والآخذ بأيدي الشباب إلى بر الأمان، أمّا أصحاب الفكر التقليدي كما يسمونهم فإنهم ليسوا أكثر في نظرهم من رموز للتخلف وتكريس للواقع الذي يسعى الحداثيون لتغييره بكل ما يملكون من قوة.
      9 - المرحلية في الإعلان عن أفكارهم، فهم يبدءون بما لا يثير الناس عليهم.
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص138 - 153
      ثالث عشر: آثار الحداثة في العالم الإسلامي
      الأثر الأول: إشاعة الفوضى العقدية والثقافية في العالم الإسلامي بين كثير من القارئين لأن الصحف والمجلات والكتب التي تخاطب الشباب كثير منها منطلقاته حداثية ثائرة على العقيدة القويمة وبخاصة أن تلك المقالات الحداثية تدغدغ عواطف الشباب وأدعياء الثقافة والمبتدئين بعباراتها " الأدبية" و" الإبداعية" المبطنة بتمرد على المعتقد الصحيح والقيم النبيلة ..... ,
      الأثر الثاني: إيجاد طبقة معزولة عن المجتمع سياسيا وعقديا فالنظام المطبق في البلاد لا يعجبها بل ـ كما هو المنهج الحداثي ـ ترى ضرورة رفضه والثورة عليه.
      والعقيدة الموروثة والشريعة المألوفة لا تخضع لها ولا ترضى بها بل لابد من التمرد عليها وتخطيها.
      والواقع كله رجعي متخلف في سياسته وعقيدته وأخلاقه وأعرافه يجب تجاوزه بعد تهديمه ...... ,
      الأثر الثالث: انخداع بعض المنتسبين للدعوة الإسلامية من العقلانيين وأمثالهم ببعض دعاوى الحداثة المتمردة على النصوص الشرعية والالتزام بها وتقديمها على الأهواء وآراء العقول. ولا شك أن للحداثيين إفادة عظمى من العقلانيين المنتمين للإسلام. (1) ..... ,
      الأثر الرابع: الجرأة على نقد السلطات الحاكمة في العالم الإسلامي والقدح في حكام المسلمين وبخاصة من يحكم شيئا من الإسلام.
      الأثر الخامس: ومن آثار الحداثة تجرؤ بعض النساء على الأحكام الشرعية بنقدها والخروج عليها وحجتهن في ذلك أقوال الحداثيين وشبههم.
      فأصبحنا نقرأ ونسمع من ينادين برفض الحجاب لأنه رمز العهود المظلمة والعصور الوسطى ويطالبن بالحرية والاختلاط لأنهما علامة التقدم والتحضر وأن الفكر الحديث يوجب التمرد على العادات والتقاليد القديمة المورثة عن أصحاب الكتب الصفراء ...... ,
      الأثر السادس: ومن آثار الحداثة إعلان شأن الفرق الباطنية، والفلسفية والصوفية، والمعطلة على اختلاف مذاهبها وذلك لأن الحداثيين يبذلون وسعهم في دراسة تاريخ المسلمين وإبراز تلك الفرق والفلسفات المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة وإعلان شأنها بوصفها ظواهر " حداثية" تمردت على الموروث والسائد والمألوف، في العقيدة والشريعة ...... ,
      الأثر السابع: ومن آثار الحداثة تغلغل كثير من الحداثيين في وسائل التربية والتعليم والإعلام في العالم الإسلامي وبالتالي يوجهون الناس حسب مناهجهم الحداثية وأفكارهم.
      ومن ثم يبعدون رأي كل ناقد لهم وبخاصة من العلماء وطلبة العلم من أصحاب الفكر القويم والعقيدة السليمة وإن أحرجوا فتحوا بابا ضيقا لبعض الفتاوى والمقالات القصيرة التي لا تنقدهم وفي أيام محددة أيضا هذا ما قد يوجد في بعض الوسائل وهناك من لا يسمح للصوت الإسلامي أبدا ...... ,
      الأثر الثامن: برزت في الصحف والمجلات واللقاءات، الكلمات العامية والأجنبية والألفاظ الموغلة في الرمزية والغموض وكثر الخوض فيها وبالتالي تجرأ الناس على اللغة العربية فأصبحنا نقرأ ونسمع من يطالب بتغيير قواعدها ... إلخ.
      الأثر التاسع: ومن آثار انتشار المفاهيم الحداثية في العالم الإسلامي أن الحداثة أصبحت ثوبا يتستر به كل قادح في الدين وبخاصة أصحاب الاتجاهات المشبوهة والمنتمين إلى الأحزاب الكافرة كالماركسية، والعلمانية والبعثية والاتجاهات الباطنية ونحو ذلك.
      وبخاصة في الدول التي لا يستطيعون فيها التصريح بمذاهبهم وأحزابهم الكافرة أو المخالفة لسياسة تلك الدول فيلجأون إلى الحداثة شعارا يتسترون خلفه.
      وعلى سبيل المثال فإن كثيرا من الحداثيين ينتمون إلى الفكر الماركسي ولبعضهم انتماءات حزبية على مستوى كبير إلا أنهم لا يصرحون بهذا إلا لخاصتهم أما أمام الناس فإنهم يعلنون الحداثة التي تتفق في كثير من مبادئها مع الماركسية.
      حتى أصبح الانتساب إلى الحداثة أسهل طريق لنقد مصادر الدين وما صدر عنها باسم التحديث أو التجديد أحيانا.
      Oالحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 3/ 1546
      _________
      (1) ([320]) ((انظر كواشف زيوف)) (359 - 360)، و ((المذاهب المعاصرة)) (221 - 223)، و ((مذاهب معاصرة)) (ص491).
      رابع عشر: بعض مواقف الحداثيين من الإسلام وقيمه
      بعد أن تأكد لدينا من خلال ما تقدم، أن الحداثة منهج فكري متميز يسعى لتغيير واقع الحياة ليتفق مع ما يطرحه ذلك الفكر من مفاهيم وأساليب للحياة، ومن نظرات خاصة لصياغة الإنسان وفق معطيات ذلك الفكر، فإن ما يهمنا ـ نحن المسلمين ـ هو معرفة موقف هؤلاء الحداثيين من الإسلام، باعتباره ديننا ونظام حياتنا، ومنهجنا الذي نعتز به في هذا الوجود، ولا نرى الحق في شيء سواه في شتى مناحي الحياة الفردية والجماعية والعامة والخاصة، ونرى ألا سعادة للبشرية ولا نجاة لها في الدنيا والآخرة إلا في اعتناق هذا الدين وأخذه تاما غير ناقص، كما بلّغه محمد صلى الله عليه وسلم. وإنني أحب لفت الانتباه إلى أن موقفهم المعلن - ولا أقول موقفهم فقط ـ من الإسلام يختلف من بلد إلى آخر حسب ظروف ذلك البلد، ومقدار قوة التدين فيه وضعفه، ولو أردنا أن نتحدث عن مواقفهم جميعاً من الإسلام لاحتاج ذلك إلى أسفار ضخمة، لكنني في هذا المبحث أعرضُ عن مواقف الحداثيين من خارج هذه البلاد، وأذكر بعض مواقف الحداثيين عندنا من الدين، وهم وإن كانوا ـ ولله الحمد ـ لا يستطيعون أن يجاهروا هنا بما يجاهر به إخوانهم في الغي هناك، إلاّ أن الإسلام لم يسلم من أذاهم، ولو لم يكن من حربهم له إلا إعلانهم عن مبدأ جديد اسمه الظاهر الحداثة، وحقيقته الباطنة يعلم الله بها، وتصريحهم بأن هذا المبدأ له رؤية خاصة للكون والحياة والإنسان، وأنه يمنح الحياة بعداً جديداً يهزها هزا؛ أقول لو لم يكن إلا هذا لكفى به حرباً للإسلام عقيدة وشريعة وعبادة ونظام حياة، ومع هذا ففي أقوالهم وكتاباتهم من الحرب لدين الله الكثير غير هذا مما يمكننا أن نستعرض بعضه هنا. وهذه الحرب لها مظاهر شتى منها: الاستهزاء بالإسلام كدين، ومنها النيل من رسوله صلى الله عليه وسلم، أو كتابه الكريم، أو الحط من التاريخ الإسلامي، أو نشر الرذيلة وسوء الأخلاق مما يتنافى مع ديننا، أو الترويج لبعض الأفكار التي الأخذ بها يؤدي إلى ضياع أمتنا، وإهدار تميزها وتفردها الذي كرمها الله به.
      ولذلك أمثلة كثيرة منها قصيدة حداثية من الشعر الحر لمحمد جبر الحربي الشاعر الحداثي المبدع كما يسمونه، وهذه القصيدة ألقيت في مهرجان المربد بالعراق بعنوان (المفردات) , ثم نشرت في اليمامة في العدد 887 صفحة 60ـ61 ثم نشرت في الشرق الأوسط، الصفحة 13 وهذه القصيدة مليئة بالثورة والتبرم من كل شيء، وفيها غمز ولمز في حق النبي صلى الله عليه وسلم وفي القرآن، فمن غموض هذه القصيدة قوله:
      "قلت لا ليل في الليل ولا صبح في الصبح
      منهمر من سفوح الجحيم
      وقعت صريع جحيم الذرى
      سألك جسد الوقت معتمر بالنبوءة والمفردات المياه
      أيها الغضب المستتب اشتعل
      شاغل خطاك البال منحرف للسؤال
      أقول كما قال جدي الذي ما انتهى
      رأيت المدينة قانية
      أحمر كان وقت النبوءة
      منسكبا أحمر كأن أشعلتها"
      من هو يا ترى جده الذي ما انتهى والذي كان أحمر وقت النبوءة، وما هي المدينة القانية، وما هو الأحمر المنسكب الذي أشعله الحربي أو جده.
      أما مواطن الغمز واللمز في هذه القصيدة فمنها قوله:
      "أرضنا البيد غارقة
      طوف الليل أرجاءها
      وكساها بعسجده الهاشمي
      فدانت لعاداته معبدا"
      أسئلة نوجهها للحربي ليجيب عليها وليجلب بخيله ورجله، ويستعين بالمبدعين والنجوم المتجاوزين للسائد والنمطي كما يسميهم: لماذا أرضنا بيد قاحلة لا نبات فيه ولا ماء؟ وما الذي أغرقها؟ وفي أي شيء هي غارقة؟ وما هو الليل والظلام الذي عم أرجاءها ولم يترك منها زاوية؟ ومن هو الهاشمي الذي كساها بعسجده فدانت لعادته معبدا وحولها إلى أرض قاحلة غارقة في الظلام.
      أيقال هذا الكلام في حق محمد صلى الله عليه وسلم الذي شرفت به هذه البلاد بل كرمت به البشرية، وهل كان صلى الله عليه وسلم مبلغاً عن ربه سبحانه وتعالى، أم أنها عاداته ألزم الناس بها حتى تحولت البلاد إلى معبد لعاداته فأصبحت بيداً غارقة؟!
      إنني أتحدى الحربي أن يخرج لنا هاشميا يمكن أن يقال إن عاداته أصبحت عبادة للناس غير محمد صلى الله عليه وسلم.
      ثم يقول داعياً إلى الثورة والتمرد على كل شيء ومستهزئاً بالقرآن وتعاليمه:
      "بعض طفل نبي على شفتي ويدي
      بعض طفل من حدود القبيلة
      حتى حدود الدخيلة
      حتى حدود القتيلة
      حتى الفضاء المشاع من رجال الجوازات
      حتى رجال الجمارك
      حتى النخاع يهجم الخوف أنى ارتحلنا
      وأنى حللنا
      وأنى رسمنا منازلنا في الهواء البديل
      وفي فجوات النزاع باسمنا
      باسم رمح الخلافة
      باسم الدروع المتاع
      اخرجوا فالشوارع غارقة والملوحة في لقمة العيش
      في الماء
      في شفة الطفل في نظرة المرأة السلعة
      الأفق متسع والنساء سواسية منذ تبّت وحتى ظهور القناع
      تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع"
      وما يهمني أن أقوله هنا هو التنبيه إلى إفكه الذي افتراه بأن النساء كلهن أصبحن سلعاً تشترى وتباع منذ تَبَّت, وهذا لا شك إشارة إلى نزول القرآن، وخاصة سورة المسد التي تحدثت عن امرأة أبي لهب المشركة التي يرى الشاعر الحداثي أن حديث هذه السورة الكريمة عن تلك المرأة، امتهان لكرامة المرأة وتحويل لها إلى سلعة تشترى وتباع.
      أما السبب الثاني الذي حول المرأة في نظرة إلى سلعة فهو ظهور القناع، وهذا إشارة واضحة للحجاب الذي أمر الله به المؤمنات:
      "منذ تبت وحتى ظهور القناع
      تشترى لتباع وتباع وثانية تشترى لتباع"
      إن الحربي يريد من بناتنا ونسائنا أن يخرجن متبرجات ملقيات للحجاب الذي فرضه الله، يختلطن بالأجانب من الفساق ويجلسن بينهم في الصفوف، وبجانبهم على المقاعد.
      ومن صور الاستهزاء بهذا الدين ما كتبه محمد العلي في مجلة الشرق عدد 362 الصفحة 38 عن المغني معبد، وعن أزمة الفن كما يقول في بلادنا، والتي أورد فيها فكرته بأسلوب ساخر بطريقة المسلمين في حفظ السنة النبوية الكريمة حين قال:
      "حدثنا الشيخ إمام
      عن صالح بن عبد الحي
      عن سيد ابن درويش"
      عن أبيه، عن جده قال:
      "يأتي على هذه البلاد زمان
      إذا رأيتم فيه أن الفن أصبح جثة هامدة فلا تلوموه
      ولا تعذلوا أهله
      بل لوموا أنفسكم
      قالها وهو ينتحب
      فتغمده الله برحمته
      وغفر له ذنوبه"
      هذا الحديث الذي نسجه خيال العلي، ألم يجد طريقة يتحدث بها عن الغناء والمغنين، إلا أن يقلد سند حديث النبي صلى الله عليه وسلم، بل يقلد الحديث الشريف ذاته في ألفاظه.
      وأنت أينما اتجهت للبحث والقراءة في أدب الحداثة، ترى التجرؤ على الله ورسوله ودينه.
      يقول السريحي في كتابه (الكتابة خارج الأقواس) (ص 37): "من شأن البعد الإنساني الحر الذي تتسم به رؤيا الفنان أن يجعل انفصاله عن الجماعة أمراً قدريا لا مندوحة عنه بحيث يصبح الفنان مصدر حيرة، لا يحلها إلا مثل ذلك الحل الذي يرى أن للفنان شيطاناً يلقي على لسانه ما يقول، وهو حل مع سذاجته إلا أنه واضح الدلالة على حيرة الجماعة وعجزها, حيرة وعجزا يبلغ بهما حد الخروج عن المنطق، كون الفنان يعيش بين الناس ويأكل في الأسواق".
      إننا نعلم أن الذي استغرب الناس أكله الطعام ومشيه في الأسواق هو النبي صلى الله عليه وسلم، فهل أصبح الأنبياء في نظر السريحي مجرد فنانين أتوا بما يخالفون به السائد ـ كما يقول ـ؟؟!! وهل يريد السريحي أن يقول: إنه ما دام النبي فنانا، فإنه يجوز للفنان الذي يجيء بعده أن ينقض ما أبرمه النبي ويلغي ما بلّغه؟؟!
      Oالحداثة في ميزان الإسلام لعوض القرني ص81 - 91
      خامس عشر: الخطر الحداثي على العقيدة
      للحداثة مخاطر كثيرة على الدين الإسلامي عقيدته، وعبادته، وأخلاقه, وشريعته، ولغته، وأهله، وحضارته، وبلاده. ونستطيع أن نذكر جملة من المخاطر الحداثية على كل ذلك في هذه النقاط: الخطر على العقيدة: حيث إن الحداثة – في الجملة - تنادي بالإلحاد والكفر بالأديان جميعا، من خلال أدبياتها المختلفة فنزار قباني يقول:
      "من بعد موت الله مشنوقا على باب المدينة لم تبق للصلوات قيمة لم يبق للإيمان أو للكفر قيمة"
      ويقول محمود درويش:
      "يوم كان الإله يجلد عبده قلت يا ناس نكفر"
      وهذا يوسف الخال يعلن كفره وإلحاده فيقول:
      "لا نور لا ظلام لا إله" ويقول توفيق الصايغ النصراني: "يأتين إن يأتين في ركب إله ولا إله تقنص خطو إله ولا إله"
      أما حسن حنفي فيرد على حداثيين اتهموه بالسلفية والتراث قائلا: "نحن منذ فجر النهضة العربية الحديثة وحتى الآن نحاول أن نخرج من الإيمان السلفي ... إلى أن يقول: أنا ماركسي شاب ... وبعد قليل يكرر نفس الكلام فيقول: وأنا هنا ماركسي أكثر من الماركسيين".
      وهاهو فؤاد زكريا شيخ العلمانيين والحداثيين يعلن أن "العلمانية هي الحل" وذلك في وجه الإسلاميين المنادين بأن "الإسلام هو الحل". إن هذا الفكر الذي يتداول بين بعض من يسمون بالمثقفين جدير بأن ينشر الإلحاد بين الناس, خاصة طائفة الشباب الذين يتلقون من هؤلاء في الجامعات، ويلمِّعهم الإعلام للجماهير، ولقد شاهدت بنفسي إقبالا غير عادي من الشباب والفتيات على دواوين "نزار قباني" في إحدى السنوات في معرض الكتاب الدولي بالقاهرة، ولقد فرَّخ هؤلاء العلمانيون الحداثيون جيلا جديدا من تلامذتهم والمتأثرين بهم، انتشروا في الأوساط الثقافية في وزارت الثقافة والإعلام والجامعات في البلاد العربية والإسلامية بلا استثناء، ولقد فزعت مما ذكره الأستاذ جمال سلطان في كتابه (دفاع عن ثقافتنا) حيث ذكر أن المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (اليسكو) وهي تابعة إداريا للجامعة العربية، وهي وكالة متخصصة للشئون الثقافية, وتضم من بين أقسامها ما يسمى (الإدارة الثقافية) وفيها لجنة تخطيط العمل الثقافي وتنظيم أجهزته في الوطن العربي سنتي (1974 - 1975م) التي عقدت مؤتمرها الأول حول "الأصالة والتجديد في الثقافة العربية" ومؤتمرها حول "الوحدة والتنوع في الثقافة العربية" والعجيب أن الذين عُزِلوا عن هذه المؤتمرات هم الإسلاميون، وأصبحت هذه المؤتمرات حكرا على دعاة التغريب والحداثة.
      والعجيب أن (الأليسكو) قامت تحت عباءاتها مشروعات ضخمة منها: العمل الضخم المسمى: (الخطة الشاملة للثقافة العربية) وهي بمثابة (استراتيجيات للثقافة العربية) , وصفت هذه الخطة بـ (جهد تاريخي ظل حلماً غالياً) بوصف د/ محي الدين صابر مدير عام المنظمة، ومحل الشاهد عدة مقولات أساسية وردت في هذه الخطة لننظر ماذا يريد الحداثيون والعلمانيون من العالم العربي والإسلامي, وأنقل هنا بعض البنود الواردة في الخطة التي أوردها جمال سلطان منها قولهم إن:
      - انتشار الإيمان بالغيب (الفكر الغيبي) أهم أسباب انتكاسة الحضارة العربية.
      - إذا كان الدين عنصر الوحدة في القرون السابقة، فإن القومية هي عنصرها في العصر الحديث.
      - من المستحيل أن نقبل تقنيات الغرب وعلومه ونرفض في الوقت نفسه فلسفاته وثقافته. - الحضارة الأوربية حضارة مطلقة بمعنى أنها قابلة للتطبيق في كل زمان ومكان، بينما الحضارات السابقة تاريخية نسبية. - الماركسية ليست غزوا فكريا يهدد الأمة. - على استراتيجية الثقافة العربية أن تحذر من السقوط في حبائل الفكر الديني. وهكذا تصبح العقائد الإسلامية هي سبب الانتكاسة العربية، في نظر هؤلاء المجرمين المأجورين، هذا إن أحسنا بهم الظن، وتصبح الماركسية، والفلسفات الغربية هي المخرج، وتصبح العودة إلى الدين خطرا عظيما ينبغي التحذير منه، وعلى الأمة أن ترتمي في أحضان الحضارة الغربية وتأخذ منها تقنياتها وفلسفاتها. هذه هي بنود الخطة التي تسير عليها منظمة مهمتها التخطيط لمستقبل الثقافة، إنه الإلحاد يطل برأسه في بلادنا، بل يضع جذوره من خلال مؤسسات رسمية ينفق عليها من أموال المسلمين. ومن العجيب المذهل المحزن المخزي أن هذه العصابة المأجورة الملحدة تتحكم في زمام ثقافتنا من خلال تلك المؤسسات، وكأن هذه المؤسسات الرسمية ما قامت إلا لإضافة الشرعية على الكفر وغزو العقول المسلمة بهذا الإلحاد, والمثال على ذلك: أن الندوات المتعلقة بمناقشة "محور الفكر الإسلامي" قسمت القضايا التي ستعالجها إلى محاور,
      في كل محور بحث أو بحثان هما محور النقاش، ولكن إلى من أوكلت اللجنة هذا المحور "محور الفكر الإسلامي"؟ المفاجأة أنها أوكلت هذا المحور لمحمد أركون " وهو من هو بفكره الإلحادي المشكك في الوحي والتراث والنبوة على نحو ما بينا في مبادئ الحداثة. ولا أدري هل انعدم علماء الإسلام المحترمون حتى يوكل مثل هذا الأمر المهم إلى إنسان يعادي الفكر الإسلامي والتراث الإسلامي.
      ثم مما يزيد الداء علة والطين بلة أن البحث الثاني من محاور الفكر الإسلامي أوكلته اللجنة إلى د/ حسن حنفي الذي لا يفتأ أن يصرح في المحافل المختلفة أنه ماركسي أكثر من الماركسيين، وهو تلميذ وفيٌّ لفلسفة أستاذه اليهودي الشهير "باروغ اسبينوز". وأوكلت اللجنة معالجة "الغزو الثقافي" إلى ماركسي شهير هو محمود أمين العالم، أحد مؤسسي الحركة الماركسية في مصر. وكلفت اللجنة رائد العلمانية في الوطن العربي د/فؤاد زكريا بوضع مسودة المشروع. وأوكلت اللجنة صياغة مشروعها تحت عنوان "الإنتاج الفكري والتخطيط المستقبلي له" إلى د/ عبد العظيم أنيس أحد رموز الشيوعية في مصر، كما أوكلت إلى د/ محمد عابد الجابري صياغة مشروع لندوة "وسائل التخطيط الثقافي" وهو حداثي كبير متفرنس.
      بهذا وغيره يظهر الخطر العقائدي للحداثة على المسلمين، وهذا من أكبر أنواع الخطر، فإن زلزلة عقائد المسلمين حكم بنهاية الأمة وتيهها بين الأمم.
      Oموقع صيد الفوائد- مقال الخطر الحداثي على العقيدة د. أحمد محمد زايد – جامعة الأزهر
      الخلاصة
      أن الحداثة تصور إلحادي جديد – تماماً – للكون والإنسان والحياة، وليست تجديداً في فنيات الشعر والنثر وشكلياتها. وأقوال سدنة الحداثة تكشف عن انحرافهم باعتبار أن مذهبهم يشكل حركة مضللة ساقطة لا يمكن أن تنمو إلا لتصبح هشيماً تذروه الرياح وصدق الله العظيم إذ يقول: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا [الحديد: 20]
      حسبنا في التدليل على سعيهم لهدم الثوابت أن نسوق قول أدونيس وهو أحد رموز الحداثة في العالم العربي في كتابه (فن الشعر) (ص 76): "إن فن القصيدة أو المسرحية أو القصة التي يحتاج إليها الجمهور العربي ليست تلك التي تسليه أو تقدم له مادة استهلاكية، وليست تلك التي تسايره في حياته الجادة، وإنما هي التي تعارض هذه الحياة! أي تصدمه، وتخرجه من سباته، تفرغه من موروثه وتقذفه خارج نفسه، إنها التي تجابه السياسة ومؤسساتها، الدين ومؤسساته، العائلة ومؤسساتها، التراث ومؤسساته، وبنية المجتمع القائم. كلها بجميع مظاهرها ومؤسساتها، وذلك من أجل تهديمها كلها! أي من أجل خلق الإنسان العربي الجديد، يلزمنا تحطيم الموروث الثابت، فهنا يكمن العدو الأول للثورة والإنسان".
      ولا يعني التمرد على ما هو سابق وشائع في مجتمعنا إلا التمرد على الإسلام وإباحة كل شيء باسم الحرية.
      - فالحداثة إذن هي منهج فكري عقدي يسعى لتغيير الحياة ورفض الواقع والردة عن الإسلام بمفهومه الشمولي والانسياق وراء الأهواء والنزعات الغامضة والتغريب المضلل.
      وليس الإنسان المسلم في هذه الحياة في صراع وتحد مع الكون كما تقول كتابات أهل الحداثة وإنما هم الذي يتنصلون من مسئولية الكلمة عند الضرورة ويريدون وأد الشعر العربي ويسعون إلى القضاء على الأخلاق والسلوك باسم التجريد وتجاوز جميع ما هو قديم وقطع صلتهم به.
      - ونستطيع أن نقرر أن الحداثيين فقدوا الانتماء لماضيهم وأصبحوا بلا هوية ولا شخصية. ويكفي هراء قول قائلهم حين عبر عن مكنونة نفسه بقوله:
      لا الله اختار ولا الشيطان كلاهما جدار
      كلاهما يغلق لي عيني هل أبدل الجدار بالجدار
      تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
      مراجع للتوسع
      - "الحداثة في الأدب العربي المعاصر"، مقال مطول للدكتور محمد مصطفى هدارة مجلة الحرس الوطني – ربيع الآخر 1410هـ.
      - الحداثة في ميزان الإسلام، عوض القرني.
      - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا.
      - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال.
      Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

T.H.E

T.H.E

الأستاذ /طارق العقيلي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.