أخبار الإنترنت
recent

الرومانسية "الأدب"

    أولا: التعريف
    الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يهتم بالنفس الإنسانية وما تزخر به من عواطف ومشاعر وأخيلة أياً كانت طبيعة صاحبها مؤمناً أو ملحداً، مع فصل الأدب عن الأخلاق. ولذا يتصف هذا المذهب بالسهولة في التعبير والتفكير، وإطلاق النفس على سجيتها، والاستجابة لأهوائها. وهو مذهب متحرر من قيود العقل والواقعية اللذين نجدهما لدى المذهب الكلاسيكي الأدبي، وقد زخرت بتيارات لا دينية وغير أخلاقية.
    - ويحتوي هذا المذهب على جميع تيارات الفكر التي سادت في أوروبا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي وأوائل القرن التاسع عشر.
    - والرومانسية أصل كلمتها من: رومانس romance باللغة الإنجليزية ومعناها قصة أو رواية تتضمن مغامرات عاطفية وخيالية ولا تخضع للرغبة العقلية المتجردة ولا تعتمد الأسلوب الكلاسيكي المتأنق وتعظم الخيال المجنح وتسعى للانطلاق والهروب من الواقع المرير، ولهذا يقول بول فاليري: "لا بد أن يكون المرء غير متزن العقل إذا حاول تعريف الرومانسية".
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    ثانيا: التأسيس وأبرز الشخصيات
    بدأت الرومانسية في فرنسا عندما قدّم الباحث الفرنسي عام 1776م ترجمة لمسرحيات شكسبير إلى الفرنسية، واستخدم الرومانسية كمصطلح في النقد الأدبي.
    ويعد الناقد الألماني فريدريك شليجل أول من وضع الرومانسية كنقيض للكلاسيكية.
    ثم تبلورت الرومانسية كمذهب أدبي، وبدأ الناس يدركون معناها الحقيقي التجديدي وثورتها ضد الكلاسيكية.
    وترجع الرومانسية الإنكليزية إلى عام 1711م ولكن على شكل فلسفة فكرية .. ونضجت الرومانسية الإنكليزية على يد توماس جراي وويليام بليك.
    ولا شك أن الثورة الفرنسية 1798م هي أحد العوامل الكبرى التي كانت باعثاً ونتيجة في آن واحد للفكر الرومانسي المتحرر والمتمرد على أوضاع كثيرة، أهمها الكنيسة وسطوتها والواقع الفرنسي وما فيه.
    وفي إيطاليا ارتبط الأدب بالسياسة عام 1815م وأصبح اصطلاح رومانسي في الأدب يعني ليبراليا (أي: حراً أو حرية) في السياسة.
    ومن أبرز المفكرين والأدباء الذين اعتنقوا الرومانسية:
    - المفكر والأديب الفرنسي جان جاك روسو 1712 – 1788م ويعد رائد الرومانسية الحديثة.
    - الكاتب الفرنسي شاتو بريان 1768 – 1848م ويعد من رواد المذهب الذين ثاروا على الأدب اليوناني القائم على تعدد الآلهة.
    - مجموعة من الشعراء الإنكليز، امتازوا بالعاطفة الجياشة والذاتية والغموض رغم أنهم تغنوا بجمال الطبيعة وهم: توماس جراي 1716 – 1771م ووليم بليك 1757 – 1927م وشيلي 1762 – 1822م كيتش 1795 – 1821م وبايرون 1788 – 1824م.
    - الشاعر الألماني جوته 1749 – 1832م مؤلف رواية آلام فرتر عام 1782م وفاوست التي تظهر الصراع بين الإنسان والشيطان.
    - الشاعر الألماني شيلر 1759 – 1805م ويعد أيضاً من رواد المذهب.
    - الشاعر الفرنسي بودلير 1821 – 1867م الذي اتخذ المذهب الرومانسي في عصره شكل الإلحاد بالدين.
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    ثالثا: الأفكار والمعتقدات
    لقد كانت الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية، وهذا ما نراه واضحاً من خلال أفكارها ومبادئها وأساليبها التي قد لا تكون واحدة عند جميع الرومانسيين، ويمكن إجمال هذه الأفكار والمباديء فيما يلي:
    - الذاتية أو الفردية: وتعد من أهم مبادئ الرومانسية، وتتضمن الذاتية عواطف الحزن والكآبة والأمل، وأحياناً الثورة على المجتمع. فضلاً عن التحرر من قيود العقل والواقعية والتحليق في رحاب الخيال والصور والأحلام.
    التركيز على التلقائية والعفوية في التعبير الأدبي، لذلك لا تهتم الرومانسية بالأسلوب المتأنق، والألفاظ اللغوية القوية الجزلة.
    تنزع بشدة إلى الثورة وتتعلق بالمطلق واللامحدود.
    - الحرية الفردية أمر مقدس لدى الرومانسية، لذلك نجد من الرومانسيين من هو شديد التدين مثل: شاتوبريان ونجد منهم شديد الإلحاد مثل شيلي. ولكن معظمهم يتعالى على الأديان والمعتقدات والشرائع التي يعدها قيوداً.
    - الاهتمام بالطبيعة، والدعوة بالرجوع إليها حيث فيها الصفاء والفطرة السليمة، وإليها دعا روسو.
    - فصل الأدب عن الأخلاق، فليس من الضروري أن يكون الأديب الفذ فذ الخلق. ولا أن يكون الأدب الرائع خاضعاً للقوانين الخلقية.
    - الإبداع والابتكار القائمان على إظهار أسرار الحياة من صميم عمل الأديب، وذلك خلافاً لما ذهب إليه أرسطو من أن عمل الأديب محاكاة الحياة وتصويرها.
    - الاهتمام بالمسرح لأنه هو الذي يطلق الأخيلة المثيرة التي تؤدي إلى جيشان العاطفة وهيجانها.
    - الاهتمام بالآداب الشعبية والقومية، والاهتمام باللون المحلي الذي يطبع الأديب بطابعه، وخاصة في الأعمال القصصية والمسرحية.
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    رابعا: الجذور الفكرية العقائدية
    تعد الرومانسية ثورة ضد الكلاسيكية المتشددة في قواعدها العقلية والأدبية، وكذلك ثورة ضد العقائد اليونانية المبنية على تعدد الآلهة ومن جذور هذه الثورة ظهور التيارات الفلسفية التي تدعو إلى التحرر من القيود العقلية والدينية والاجتماعية. فضلاً عن اضطراب الأحوال السياسية في أوروبا بعد الثورة الفرنسية الداعية إلى الحرية والمساواة وما يتبع ذلك من صراع على المستعمرات، وحروب داخلية .. كل هذه الأمور تركت الإنسان الأوروبي قلقاً حزيناً متشائماً، فانتشر فيه مرض العصر، وهو الإحساس بالكآبة والإحباط ومحاولة الهروب من الواقع، وكان من نتيجة ذلك ظهور اتجاهات متعددة في الرومانسية، إذ توغلت في العقيدة والأخلاق والفلسفة والتاريخ والفنون الجميلة.
    - ودخلت الرومانسية في الفلسفة وتجلت في نظرية الإنسان الأعلى (السوبرمان) عند نيتشة 1844 – 1900م ونظرية الوثبة الحيوية عند برغسون 1859 – 1941م.
    الرومانسية الجديدة:
    انحسرت الرومانسية في مطلع القرن العشرين عندما أعلن النقاد الفرنسيون هجومهم عليها – وذلك لأنها تسلب الإنسان عقله ومنطقه – وهاجموا روسو الذي نادى بالعودة إلى الطبيعة. وقالوا: لا خير في عاطفة وخيال لا يحكمهما العقل المفكر والذكاء الإنساني والحكمة الواعية والإرادة المدركة.
    وكان من نتيجة ذلك نشوء الرومانسية الجديدة ودعوتها إلى الربط بين العاطفة التلقائية والإرادة الواعية في وحدة فكرية وعاطفية، ومن ثم نشأت الرومانسية الجديدة حاملة معها أكثر المعتقدات القديمة للرومانسية.
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    خامسا: الاتجاه الرومانسي في العالم العربي
    نشأته وعوامل انتشاره
    دخلت الرومانسية إلى العالم العربي مع الإرساليات التنصيرية التي زعزعت الإيمان في نفوس بعض المسلمين لا سيما في لبنان. تأمل ما يقوله إيليا الحاوي، مؤكدا ومؤيدا: إن الإرساليات البروتستانتية الوافدة على الشرق بالتبشير والمال زعزعت أركان اليقين القديم ووضعت المسلمات الدينية موضع التساؤل وأيقظت معنى الحرية حتى في الإيمان الديني ... وجاءت الترجمة العربية للكتاب المقدس بلغة يسيرة .. مع البروتستانت .. وقد تولاها الشيخ إبراهيم اليازجي وكان لترجمة الكتاب المقدس فعل كبير في النفوس وكان الإنجيليون البروتستانت يدربون الطلبة على حفظها عن ظهر قلب وتلاوته في المحافل كما أنهم كانوا يترنمون به في الاجتماعات الدينية والكتاب المقدس وبخاصة في عهده القديم لا يعدو أن يكون أروع أثر أدبي رومنسي في التعبير عن زوالية العالم وفي النفحة الروحية المنطلقة من عقال القواعد المنطقية كان يلج إلى الروح بمثل الذهول ولم يكن يخلو بيت في جبل لبنان من نسخة من الكتاب المقدس يسجلون على دفته الأولى أسماء أبناء العائلة وتاريخ ولادتهم .. وهذه الآية الرومانسية الرائعة تسربت إلى النفوس وكمنت فيها واختمرت ومهدت لنشوء أدب يماثلها في الذهول والرؤيا والانفعالية الخالقة وأئمة المذهب الرومنسي عند العرب أمثال جبران وإلياس أبي شبكة كانوا يدمنون تلاوة الكتاب المقدس وكان بالنسبة إليهم الينبوع الدائم للغذاء الفني والروحي وليس من العسير أن يستشف القارئ في آثار جبران الأولى والأخيرة تقمصات الكتاب المقدس .. ومهما يكن فإن ظل الكتاب المقدس وبخاصة في ترجمته البروتستانتية يهيمن على أدب النهضة الإبداعي (1).ومن ثم قامت كثير من الصحف والمجلات بنشر هذا الاتجاه الرومانسي المتأثر بالتدين النصراني المنحرف في العالم العربي كمجلة المقتطف والهلال والضياء وغيرها (2).ولا شك أنه "كان للاستشراق الأوروبي ولهجرة المشارقة العرب وخاصة اللبنانيين والسوريين إلى الأميركيتين وانتشار الآداب الغربية في بلاد المشرق العربي والاطلاع عليها أصلية أو مترجمة .. كان لكل ذلك آثاره وعوامله" (3).في نشأة تيارات أدبية وفلسفية جديدة في العالم العربي وإدخال المدارس والاتجاهات الغربية إليه فلقيت استقبالا حارا من بعض الأدباء والفلاسفة العرب الذين يصرحون بمعتقدهم الذي يرى أن الفكر العربي وآدابه استعمل أكثر من أربعة عشر قرنا حتى بلي " ولم يعد قادرا على النهوض بمضمون جديد ولقد صار شديد الارتباط بالمعاني التقليدية والمواقف التقليدية والطرق التقليدية في التعبير عن العواطف الإنسانية حتى لم يعد يستطيع أن يحمل معنى جديدا أو طريقة جديدة في التعبير (4).ولهذا فإنه مما لا شك فيه أن الرومانسية هي أحد العوامل التي أنتجت الحداثيين العرب ومن ثم سار على نهجها كثير منهم (5).
    Oالحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 594
    وممن تأثر بالرومانسية من المملكة العربية السعودية محمد حسن عواد ومحمد حسن فقي وحسن عبدالله القرشي وغازي عبدالرحمن القصيبي وعمران بن محمد العمران وطاهر زمخشري وحسين سرحان وغيرهم) (6)
    Oالحداثة في العالم العربي دراسة عقدية لمحمد بن عبد العزيز العلي- 2/ 594
    _________
    (1) ((شرح العقيدة الطحاوية)) (208 - 209)، وانظر: ((سير أعلام النبلاء)) (21/ 501).
    (2) ((نهاية الإقدام في علم الكلام)) (ص 3).
    (3) ((الصواعق المرسلة لابن القيم)) (1/ 166).
    (4) انظر:: ((مذاهب فكرية معاصرة)) (ص589).
    (5) ((انظر الإسلام والحضارة العربية)) (ص132) د. محمد محمد حسين.
    (6) انظر ((الاتجاهات الفكرية المعاصرة)) (59 – 60).
    سادسا: الانتشار ومواقع النفوذ
    تعد فرنسا موطن المذهب الرومانسي، ومنها انتقل إلى ألمانيا ومنها إلى إنكلترا وإيطاليا.
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    الخلاصة
    أن الرومانسية أو الرومانتيكية مذهب أدبي يقول أنصاره أنه يهدف إلى سبر أغوار النفس البشرية واستظهار ما تزخر به من عواطف ومشاعر وأحاسيس وأخيلة، للتعبير من خلال الذاتية عن عواطف الحزن والأسى والكآبة والألم والأمل، ومن خلال العفوية الخالية من تأنق الأسلوب وجزالة اللفظ ودقة التراكيب اللغوية، مع الاهتمام بالطبيعة وضرورة الرجوع إليها، وفصل الأخلاق عن الأدب، والاهتمام بالآداب الشعبية.
    وقد اعتنق كثير من الحداثيين الرومانسية بل عدها بعضهم أحد اتجاهات الحداثة.
    تعقيب:
    ومن وجهة النظر الإسلامية فإن أي تيار أدبي لا بد أن يكون ملتزماً بالدين والأخلاق كجزء من العقيدة، وإذا كانت ملازمة الحزن والتعبير عنه لها سلبيات كثيرة، فإن الإسلام يتطلب من معتنقيه مواجهة الظروف التي يتعرضون لها بشجاعة والتسليم بقضاء الله وتلمس الأسباب للخروج من الأزمات دون يأس أو إحباط، وكل إنسان مسئول عن تصرفاته ومحاسب عليها بين يدي الله، طالما كان يملك أهلية التصرف، أما المكره فهو معذور وتسقط عنه الأوزار فيما يرتكبه قسراً، ولكنه لا يعذر في التعبير الحر عما ينافي العقيدة ويتعارض معها.
    Oالموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي
    مراجع للتوسع
    - نحو مذهب إسلامي في الأدب والنقد، د. عبد الرحمن رأفت الباشا – ط. جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية – الرياض.
    - مذاهب الأدب الغربي، د. عبد الباسط بدر/ نشر دار الشعاع – الكويت.
    - المذاهب الأدبية من الكلاسيكية إلى العبثية، د. نبيل راغب – مكتبة مصر – القاهرة.
    - الأدب المقارن، د. محمد غنيمي هلال – دار العودة – بيروت.
    - المدخل إلى النقد الحديث، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1959م.
    - الرومانتيكية، د. محمد غنيمي هلال – القاهرة: 1955م.
    - الأدب المقارن، ماريوس فرنسوا غويار – (سلسلة زدني علماً).
    - المذاهب الأدبية الكبرى، فيليب فان تيغيمة (سلسلة زدني علما).
    المراجع الأجنبية:
    - Braunschvig: Notre Litterature Etudiee dans le Texte. Paris 1949.
    - Lanson: Histoire de La Litterature Francaise. Paris. 1960.
    - De Segur (Nicola): Histoire de la litterature Europieenne, Paris, 1959.
    O الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة - الندوة العالمية للشباب الإسلامي

T.H.E

T.H.E

الأستاذ /طارق العقيلي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.