![]() | ![]() |
مقدمة
من معاني الدعارة في اللغة، كما ورد في "لسان العرب"، "الفُسق ... والدُّعر الذي لا خير فيه، ... والدّعارة الفساد والشر" (لسان العرب مادة: دَعَرَ). ومن ثم، استُعيرت الدلالة اللغوية، لتدل على منح متعة جنسية غير مشروعة، مقابل أجر، قد يكون مادياً أو غير مادي.
وأقل أطراف الدعارة طرفان: طرف يبيع المتعة الجنسية غير المشروعة مقابل أجر، وطرف يشتريها مقابل ما يدفعه من أجر، وقد يدخل إلى حلبة الدعارة طرف ثالث، هو الوسيط أو القواد الذي يجمع أو يسهل لقاء الطرفين: البائع والمشتري.
والدعارة ظاهرة عالمية إنسانية، عرفتها الشعوب منذ زمن بعيد، وظلت المجتمعات الإنسانية تمارسها، في مختلف العصور والحضارات.
وللدعارة سلبيات تتجاوز الفرد، أو الأفراد المعنيين باحترافها، إلى أسرهم ومجتمعاتهم، فهي فضلاً عن مضارها الجسدية، تسبب كثيراً من المضار الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية. لذلك كان الإسلام قاطعاً وحازماً في منع كل سبيل يؤدي إلى احتراف الدعارة أو ممارستها.
وفي هذا البحث سنتناول أثر الدعارة من الناحية النفسية، وما تسببه من اضطرابات نفسية، ذلك، أن ممارس الدعارة، يكون غالباً معانياً أحد الأمراض النفسية، كالهوس، أو التخلف العقلي، أو الخرف، أو الفصام، وما إلى ذلك من أمراض نفسية. كما يتناول البحث من الناحية النفسية، كذلك، منظم هذه اللقاءات، والذي نجده ـ بالمثل ـ يعاني خللاً نفسياً. كما يتعرض البحث إلى المشكلات المسببة للدعارة، وهي أيضاً مشكلات لا تخلو من مؤثرات نفسية، مثل الضعف الجنسي أو مشكلات عدم التوافق بين الزوجين، أو الخوف من المرض عند الزواج. ويختتم البحث بالحديث عن الأثر النفسي للدعارة في الأسرة والمجتمع.
أولاً: الدعارة كسلوك نفسي
خلق الله الإنسان، وزوده بالغريزة الجنسية، ليكون الالتقاء بين الرجل والمرأة، هو العمل، الذي يسفر عن الإخصاب وحفظ النوع البشري على الأرض. ولكي تتهيأ الرعاية للمولود، كانت الأسرة، التي تتكون بالزواج.
والغريزة الجنسية حاجة بيولوجية، تنمو مع البلوغ، وتتزايد، حتى تبلغ أوجها في مرحلة المراهقة والشباب، ولكنها تقلّ كلما دنا الإنسان من الشيخوخة. وتستغل بعض المجتمعات هذه الحاجة لدى الإنسان، فيبيعون إشباع الغريزة الجنسية بمقابل، وهذا ما يُطلق عليه لفظ "الدعارة"، أي أن الدعارة هي تحقيق الإشباع الجنسي بمقابل، سواء كان هذا المقابل نقوداً، أو هدية، أو قضاء مصلحة، أو أي شيء آخر. وقد تعدد المقابل في العصر الحالي، طبقاً لتعدد حاجات البشر، كما تعددت أشكال الدعارة.
وعندما تتاح الدعارة، يلجأ إليها المراهق، أولاً، بهدف اختبار رجولته، والاطمئنان بها، ثم يكررها، بعد ذلك، بهدف الإشباع الجنسي. ونظراً إلى أن الغريزة متجددة، فإن الحاجة إلى إشباعها تتكرر. وأما المتزوج، فقد يلجأ إلى الدعارة لغير سبب: إمّا لتأكيد فحولته مع امرأة أخرى، أو محاولة اكتشاف شيء جديد لدى المرأة الأخرى، أو للبحث عن التجديد لشكل الإشباع الجنسي، أو هو هروب من الزوجة الباردة، أو المثيرة للمشاكل، أو غير المتوافقة مع زوجها جنسياً، أو التي تصيب زوجها بالضعف الجنسي، إما بما تسببه له من توتر، ينشأ عنه سرعة القذف Premature Ejaculation"، أو الارتخاء الجنسي العُنَّةُImpotence، أو تفقده الرغبة أصلاً، أو تفقده الإثارة، من خلال الرتابة الزوجية. وقد تصبح المرأة، بعد فترة طويلة من معايشة الزوج، صورة لاشعورية من أمه، فيصاب بالضعف الجنسي تجاهها، دون غيرها من النساء.
ومحترفة الدعارة امرأة مدربة على إشباع الرجل، تؤدي عملها كمهنة، ولديها من الحيل ما يفوق المرأة العادية. كما أن الحياء لديها منزوع، فلا تجد حرجاً في أداء دور الأنثى المثيرة لغرائز الرجل. وليست الدعارة حكراً على المرأة، فالرجل يقوم بالدعارة أيضاً في الموقف المقابل، وحين يشترك في الفعل، فإنه لا شك يشترك في الصفة، حتى لو كان منتفعاً بسلعة الدعارة فقط، وبهدف الإشباع العابر.
والدعارة قد تكون مقننة، أي لها ترخيص وقواعد لممارستها كمهنة، كما يحدث في بعض الدول الغربية. وقد تكون متخفية، وتمارس على استحياء، كما يحدث في المجتمعات التي لا تبيحها، فتكون مطاردة من القانون، وتقع تحت طائلته.
وتخرج علاقات الحب، التي يكون الالتقاء الجنسي جزءاً منها، عن مفهوم الدعارة، لكونها تعبيراً عن ارتباط عاطفي، وليست إشباعاً بمقابل. فحين يكون الجنس سلعة، تباع من طرف، وتشترى من طرف آخر، تتحقق الدعارة. أما اللقاءات الجنسية، فهي جزء من مشاعر الارتباط العاطفي، فالجنس لا يقتصر على الممارسة الفعلية، ولكنه يبدأ باللمسة، التي تحرك كوامن الشهوة، وتعطي شعوراً بالإثارة الجنسية، وكذلك القبلة والمعانقة، وما إلى ذلك من تلامس جسدي، حتى الكلمة حين تكون مثيرة للغريزة، أو ما يشبهها من أصوات تحركها، كل هذا يدخل في نطاق الجنس[1].
وهناك نوع آخر من الدعارة، تقدم عبر أسلاك الهاتف، إما كسلعة مدفوعة الأجر، أو مجانية، حين يلتقي اثنان عبر أسلاك الهاتف، ويبغيان إثارة الغريزة أو إشباعها من دون علاقة عاطفية بينهما. مثال ذلك، تلك الفتاة، التي كانت في الرابعة والعشرين من عمرها، وهي طالبة جامعية، وليست متوافقة مع أفراد أسرتها، وكثيرة المشاكل معهم، وكان لديها خوف لاشعوري من الرجال، تمثل في رفضها الزواج بمن تقدموا إليها لطلب يدها. وتأكد ذلك من خلال جلسات العلاج النفسي، ومن خلال تفسير أحلامها، ولكنها كانت معتادة أن تعبث بأرقام الهاتف ليلاً، بحثاً عن رجل، تبادله الألفاظ والخيال الجنسي، لتحقق الإشباع من خلال ذلك، من دون ارتباط عاطفي برجل ما.
[1] إن موقف الدين الإسلامي في هذا الأمر واضح في مراعاته للجوانب النفسية للسلوك، فقد بدأ بسدّ الذرائع فحرم النظر إلى غير ذات محرم، فأمر بغضه:قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون. وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلاّ ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن..(سورة النور، الآيتان 30، 31) كما حرم الاختلاط لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلاّ كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَان، (رواه الترمذي). فضلاً عن أن الإسلام حثّ على الزواج المبكر:يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ الْبَاءَة فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ(متفق عليه). وأمر الآباء بتزويج بناتهن إذا أتاهم من يرضون دينه وخُلقه:إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ إِلا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ، (رواه الترمذي). لذلك، كان المجتمع الذي يراعي حدود ما أمر الله به، هو مجتمع نظيف، لا يعرف الدعارة، ممارسة ولا مهنة.
Al Moqatel - الدعارة من وجهة النظر النفسية
تقضي الفطرة السليمة، أن يكون إشباع الغريزة الجنسية، من خلال علاقة ارتباط عاطفي حلالٍ ومباح، كالزواج مثلاً. فالجنس الكامل هو الذي يبدأ في العقل، كتخيل للاقتراب من جسد المحبوب، ويكون التلامس الجسدي إكمالاً للعملية العقلية، المفعمة بمشاعر الحب ورغبة الاقتراب. أما الممارسة دون عاطفة، وفي صورة سلعة لها مقابل، فهذا لا شك، مؤشر إلى خلل نفسي، خاصة لدى من يحترفه كمهنة، وإلاّ لماذا اختار تلك المهنة دون غيرها؟! إنه الاختيار المَرضي، الذي يكمن في داخله. وفي هذا المبحث نبدأ بتقسيم أطراف الدعارة، ثم نبين الخلل النفسي، الذي قد يوجد لدى كل من تلك الأطراف.
1. الداعرة (أو الداعر)
من يقدم نفسه، امرأة أو رجلاً، جسداً أو مشاعرَ أو صوتاً، كسلعة للمنتفع بها. ومن لم يكن مرغماً على أداء هذا العمل، يكن مريضاً نفسياً. وقد يأخذ المرض النفسي أحد الأشكال الآتية:
أ. التخلف العقلي: وهو نقص قدرة الفهم، والتكيف، والتعامل، مع المواقف الجديدة، بوسائل التفكير الهادف. وهذا النقص يبدأ في الطفولة، أي قبل عمر الثامنة عشرة. ولنقص قدرة الفهم والتمييز بين النافع والضار، يقع المتخلف عقلياً فريسة لمن يديرون شبكات الدعارة، فتكون المتخلفة عقلياً، بصفة خاصة، صيداً سهلاً لهم، فيوظفونها في أغراض الدعارة، دون أن يكلفهم الأمر عناءً مادياً أو غيره، ثم يحركونها، بعد ذلك، كما يريدون.
ب. الخرف:وهو نقص الذكاء بعد عمر الثامنة عشرة. ويترتب عليه نقص الفهم أيضاً، الذي يجعل المصاب به فريسة لمن يوظفونه في الدعارة. وضحايا الخرف، غالباً، ما يكون لديهم تلف شديد في الدماغ، هو الذي أحدث نقص الذكاء.
ج. الهوس:وهو مرض عقلي، يتميز بالمرح المَرضي وزيادة الطاقة، الجسدية والعقلية، التي تتمثل في زيادة الحركة، والكلام، والرغبة الجنسية، ويصاحبها سوء الحكم على الأمور، وسوء التصرفات، وقلة الحاجة إلى النوم، والاندفاع في تصرفات طائشة، دون تقدير نتائجها. وتحت تأثير الاندفاع، وسوء الحكم على الأمور، وزيادة الطاقة الجنسية، يحترف الشخص الدعارة. ولكن حين تتحسن حالة الهوس لديه، وهو غالباً ينتابه في صورة نوبات، فإنه يعود إلى رشده، بل يندم على ممارسته الدعارة، وغالباً ما يصاب بالاكتئاب من جراء الشعور بالذنب ، وحينئذ، يثور على من يديرون شبكة الدعارة، وقد يقتلهم وينتحر، وهم (أي من يديرون هذه الشبكات)، لكي يضمنوا عدم ثورة المصاب بالهوس، وعدم إفاقته، يعطونه مواد مخدرة، ويجعلونه مدمناً، ليظل خاضعاً لإرادتهـم، دون ثورة، ولكي يقتلوا فيه الإرادة المستقلـة، التـي قـد يستعيدها يومـاً ما، بعد أن يفيق من الهوس.
د. الفصام العقلي:وهو مرض يصيب الإرادة والتفكير، ويفكك من قوى العقل، والشخصية. وتصبح السيطرة على المصاب به سهلة، بل إن بعضهم يتميز بالطاعة للآخرين، التي تصل إلى درجة الآلية، وذلك يجعل من هؤلاء المرضى أفراداً مطيعين في مهنة الدعارة.
هـ . البرود الجنسي Frigidity:وهو اضطراب نقص الإثارة الجنسية لدى الأنثى، الذي يدفعها إلى التماس الإثارة من خلال احتراف الدعارة.
و. الغلمة النسوية (السـودة Nymphomania): وهي وجود رغبة مَرضية في الجماع لدى الأنثى، ونهم جنسي لا يرتوي. وأغلب المصابات بهذا الداء لديهن فقْد الذروة الجنسية Orgasm، أي غياب هزة الجماع والشعور باللذة، كما يوجد لديهن خوف شديد من فقْد الحب، الذي يفتقدنه فعلاً من خلال الدعارة، فيعوضنه بتكرار الممارسة غير المشبعة معنوياً لهن. وهناك قصة تحكي عن فتاة في التاسعة عشرة من عمرها، كانت أمها متوفاة منذ عدة أعوام، ووالدها متزوجاً بأخرى، وكانت تعاني حرماناً عاطفياً شديداً، وتمرداً داخلياً، أخرجتهما في صورة زيادة الرغبة الجنسية، وإغواء الرجال لمواقعتها بصورة متكررة، ودون ارتواء أو إشباع جنسي حقيقي.
2. منظم لقاءات الدعارة (مدير شبكة الدعارة أو مَن يعاونونه)
وهو صاحب المصلحة الرئيسي من تلك التجارة. فهو يدبر اللقاء بين السلعة (الداعرة) والمنتفع بها، لقاء أجر، ويطلق عليه اسم (قواد). وهو شخص خطير، يتميز بقدرة ذكائية عالية، يستغلها في السيطرة على الآخرين، وإخضاعهم لسيطرته، واستخدامهم لأغراضه المادية. وهو في الوقت نفسه، ليس سوياً من الناحية النفسية. فهو إمّا شخصية "مضادة للمجتمع"، أو أنه يعاني شذوذاً جنسيا ً Sexual Deviation Paraphiliasوفي السطور التالية، نفصل وصف الحالتين:
أ. الشخصية "المضادة للمجتمع [1] : وهو الشخص الذي يستغل الآخرين لمصلحته، ويوجهه إلى ذلك أنانيته الشديدة، وعدوانه تجاه الآخرين. فلا يضيره أن يدمرهم لمصلحته، أو حتى يدمر المجتمع. ويحكمه مبدأ (أنا ومن بعدي الطوفان). فليس لديه ضمير يحكمه، أو جهاز قِيم داخلي يردعه. ومن ثم، فهو يستخدم الأَعْراضَ تجارة له، دون أدنى لوم للنفس.
ب. المصاب بشذوذ جنسي: وهذا الشخص لديه ميول جنسية مثلية (جنوسية)، ولكنه لا يمارسها. وهي كامنة في داخله، تدفعه إلى استبدال امرأة بنفسه، يقدمها إلى آخر ليضاجعها، فيشعر هو بالراحة والرضا، وكأنما أشبعه هذا الفعل، وكلما كرر هذا العمل، حقق إشباعاً أكثر. وهذا يذكرني بالسيدة، التي كان زوجها يعاني ضعفاً جنسياً، ولكنه كان يقدمها إلى أصدقائه، ويلح عليها في إرضائهم، ويتركها معهم لساعات طويلة، ويدفعها إلى ارتداء الثياب التي تعري أجزاء كبيرة من جسدها. ويُسَر جداً، عندما تلفت انتباه الرجال الآخرين، ويتركها لهم، كلما سنحت له الفرصة لذلك.
وهناك نوع آخر من الشذوذ، أن يكون شخص ما مولعاً بمشاهدة مَن يمارسون العلاقة الجنسية، إلى درجة أنه يرتب لهم هذه اللقاءات، وكل متعته، هي مشاهدة الفعل الجنسي، والتيسير له، فهذا يحقق له الإثارة الجنسية، التي يفتقدها في ما دون ذلك من أفعال جنسية.
3. المنتفع بسلعة الدعارة
وهو الشخص الذي يشبع غريزته من طريق الدعارة. وهو، عادة، يدفع المقابل إلى من يقدمون إليه سلعة الدعارة، سواء كان المقابل مادياً أو خلافه، من مصالح متنوعة. وهو، غالباً، كما أسلفنا، يسعى إلى تأكيد رجولته، أي أنه يشك في فحولته، ويسعى، من خلال ممارسة الدعارة إلى التحقق منها أو تأكيدها، أو أنه يعاني مشكلات الضعف الجنسي، أو يعاني مشكلات زوجية، أو أنه يخاف من الارتباطات العاطفية، والعلاقات الحميمة. ونذكر بعض التفصيل لكل من هذه الاضطرابات النفسية فيما يلي:
حالة تنتاب غالباً، المراهقين، الذين قد يشْكون بعض الأمراض المتعلقة بأعضائهم التناسلية. وقد يسعون إلى أطباء الأمراض التناسلية، بحثاً عن الطمأنة أو العلاج، أو يبحثون عن الداعرة للتأكد من سلامة فحولتهم. وقد يكون ذلك وبالاً عليهم.
وأهمها العُنَّةُ، وهي الارتخاء الجنسي، أو عدم القدرة على الانتصاب، في وجود مثير مناسب، مع حدوث ذلك بصورة ثابتة أو متكررة. وقد تكون العُنَّةُ أولية، إذ لم ينجح الشخص في الجماع إطلاقاً، وقد تكون ثانوية، إذ يكون قد نجح قبل ذلك، ولكنه أصبح أخيراً غير قادر، وأحياناً، تكون العُنَّةُ انتقائية، إذ ينجح أحياناً، ويفشل أحياناً أخرى، مثل مَن ينجح مع داعرة، ويفشل مع زوجته.
وقد يكون سبب العُنَّةُ أمراضاً جسمانية (أو الوسائل والعقاقير المستخدمة لعلاجها). وكان الاعتقاد السائد، أن المسبب الرئيسي للعنة هو التغيرات النفسية Psychological Changes، ولكن الاعتقاد الآن، أن الأمراض العضوية سبب رئيسي في حدوث هذا المرض. وهذه الأمراض متعددة، ومتفاوتة في تأثيرها، مثل:
ـ فشل الخصيتين Testicles، في إفراز هرمون الذكورة Testosterone.
ـ بعض أمراض الغدة النخامية Pituitary Gland، التي تفرز هرمونات تنظم وظائف الخصيتين وتنشطهما، إذ تساعد على النمو الطبيعي لهما، وكذلك تكون الحيوانات المنوية ونموها وإفراز هرمون الذكورة.
ـ خلل في إفرازات الغدة الدرقية Thyroid Gland، سواء بالزيادة أو النقصان Hyper orHypothyroidism.
ـ أمراض الغدة الكظرية Suprarenal Gland، مثل مرض أديسون Addison"s Disease [2] ، وهو ينتج من نقص إفرازات هرمون الكورتيزول Cortisol، ومرض (مركب) كوشنجCushing"sSyndrome" [3] .
ـ مرض البوال السكري Diabetes Mellitus، الذي ينجم عن نقص أو عدم كفاءة هرمون الإنسولينInsulin، الذي يفرزه البنكرياس.
ـ التهاب الغدة النكفية Parotitis، إذ تصاب الخصيتان بالفيروس نفسه.
(2) أمراض الجهاز العصبي المركزي والذاتي Central and Autonomic Nervous System، مثل:
ـ مرض التصلب المتناثر Disseminated Sclerosis، وهو تليف في أجزاء متناثرة من الجهاز العصبي.
ـ أمراض الحبل الشوكي Spinal Cord، حيث توجد بعض مراكز التحكم في وظائف الأعضاء التناسلية.
ـ بعض أمراض الأعصاب الطرفية مثل التهابات الأعصاب Peripheral Neuropathy.
ولكل من البوال السكري والزهري [4] دور مهم في تلك الأمراض، إذ يؤثران في أكثر من موقع من الجهاز العصبي.
(3) العمليات الجراحية، التي قد يصاحبها تهتك في الأعصاب المتحكمة في الأعضاء التناسلية، مثل:
ـ استئصال البروستاتا الجراحي Total or Radical Prostatectomy.
أمّا استئصال البروستاتا بالمنظار Transurethral Prostatectomy، فلا يؤدي إلى العُنّة.
(4) العلاج بالإشعاع Radio Therapy، نتيجة للتأثير الضار على خلايا الخصيتين.
(5) الأمراض المزمنة، مثل: فشل وظائف القلب Heart Failure، والفشل الكلوي Renal Failure، وتليف الكبد Liver Cirrhosis and/or Fibrosis، وحالات الضعف العام والهزال الشديد General Weaknessand Severe Emaciation، ونقص التغذية Under nutrition.
(6) العقاقير، ومنها المستخدم في علاج بعض الأمراض مثل: مضادات الاكتئاب Antidepressant، وعقاقير الأمراض النفسية Antipsychotics ، والعقاقير المهدئة، مثل الليثيوم Lithium ، والليبريم Librium ، والمطمئنات العظمى Major Tranquilizer. وبعض مضادات ارتفاع ضغط الدمAntihypertensives. وعقاقير الادمان والتعود، مثل: الكحوليات Alcohols ، والمورفين Morphine، والكوكايين Cocaine ،والهيروين Heroin ، والأمفيتامين Amphetamines ( أدوية منشطة، تستخدم في حالات الاكتئاب).
وقد يكون السبب نفسياً، مثل: عدم قدرة الشخص على إطلاق غرائزه، من كبت جهاز القِيم لديه، أو الشعور بالدونية مع الأنثى، أو صراع بين مشاعر الحب، والرغبة لدى الرجل، أو عدم الشعور بالأمان، أو استشعار التوتر، أو رفض الأنثى التي يمارس معها الاتصال الجنسي.
ويقصد بها كل المشكلات، التي تدفع بالزوج إلى البحث عن إشباع غريزته مع داعرة، أو خارج إطار الزواج الشرعي. وهي متنوعة، فقد تكون مادية أو عاطفية، أو ناجمة عن سوء التواصل وعدم الحوار، أو عن مشاكل في العلاقة الجنسية.
هناك كثير من الشباب، ذكوراً وإناثاً، يخافون من الارتباط في علاقة دائمة، مثل الزواج، على الرغم من ميولهم الطبيعية، تجاه الجنس الآخر، ولكنْ لديهم خوف لاشعوري، من الارتباط الدائم، يرجع إمّا إلى الخوف من العلاقة الجنسية، لاشعورياً، وإمّا إلى الخوف من سيطرة شخص آخر وتسلطه، ورغبة في استمرار الحرية. وغالباً ما تعود هذه العقد إلى الطفولة، وسوء التعامل بين الوالدين الذي عاناه الشخص عندما كان طفلاً. ومثل هذه المخاوف لا تحلها الدعارة، ولكنها تحتاج إلى علاج نفسي.
ثالثاً: الأثر النفسي للدعارة في ممارسها وشريكه
هناك أثر جسماني للدعارة لنقلها الأمراض السارية (أي الأمراض التي تنقل من طريق المعاشرة الجنسية، مثل: الزهري والسيلان[1] والإيدز[2]. وهذه لما لها من أخطار على الإنسان، يكون لها انعكاساتها وتأثيراتها النفسية، فالتفكير في انتقال تلك الأمراض بسبب الدعارة، قد يسبب للشخص خوفاً، ينتج منه ضعف الانتصاب، وقد يصاب بالارتخاء (العُنَّة)، الأمر الذي يعطيه انطباعاً سلبياً عن نفسه. وفي المرة التالية، يكون أكثر خوفاً من الفشل، فيصاب بالفشل من جراء خوفه، فيزداد انطباعه السلبي عن نفسه، ويزداد أيضاً الخوف، وكذلك الفشل، ويدخل في دائرة مفرغة من زيادة الانطباع السلبي، والخوف والفشل، وهكذا يكون الانطباع السلبي عن رجولته بدلاً من تأكيدها. كذلك الخوف أثناء ممارسة الدعارة، وعدم الشعور بالأمان، بسبب طبيعة الدعارة، كعلاقة غير مشروعة، قد يسببان الفشل نفسه، والدائرة المفرغة السابقة. ويُحْدِثُ هذا التأثير النفسي السالب ارتخاءً جنسياً (عُنّة) دائماً للشخص، ويحتاج إلى علاج نفسي، بعد ذلك.
وقد تكون الداعرة في عجلة من أمرها، وترغب في أداء مهمتها بسرعة، فتربك شريكها، فيصاب بسرعة القذف. وقد تؤدي عملها بصورة آلية باردة، لا روح فيها، خاصة أن منهن المصابات بالفصام العقلي، كما سبق أن وضحنا، فيترتب على ذلك نقص الإثارة، ويصاب الشخص بالضعف الجنسي الذي قد يصل إلى الارتخاء (العنة)، مما يعطي انطباعاً سالباً، ينتج منه الاكتئاب. وتكرار الفشل يسبب الدائرة المفرغة المشار إليها سابقاً، ويشتد الاكتئاب، ويفقد الشخص رغبته الجنسية، وقد يلجأ إلى الانتحار، كأحد مضاعفات الاكتئاب.
أمّا بالنسبة إلى الداعرة، فهي إمّا أنها في حالة نفسية سيئة أصلاً، بسبب اضطرابها النفسي، الذي دفع بها إلى دوامة الدعارة، وإمّا أنها لم تكن مريضة في البداية، ولكنها استُدرجت إلى تلك الممارسة. وتكرار ممارسة الدعارة مع أشخاص متعددين، لا تختارهم هي، يجعلها تشعر بأنها أصبحت غير مالكة لجسدها، تعطيه لمن تحب فقط، ولكنها تعطيه لكل من يُفرَضُ عليها، سواء بفعل القواد، أو بضغط الظروف، الأمر الذي يجعلها تشعر بالمهانة، والاحتقار لنفسها، فتصاب بالاكتئاب، وقد ينتهي أمرها إلى الإدمان، والموت من مضاعفاته، أو الانتحار، أو أنها تسلط عدوانها على الخارج تجاه المجتمع، فتكره الآخرين وتنتقم منهم، خاصة من يقع بين براثنها، فتصبح شخصية "مضادة للمجتمع"، وتتحول من مجرد داعرة إلى مديرة لشبكات خارجة عن الدين والقانون، تضاد بها قوانين وأخلاقيات المجتمع، فتصبح مديرة شبكة دعارة (قوّادة)، أو تاجرة مخدرات، أو تعمل في الجاسوسية أو التزوير، أو كل هذا في وقت واحد. وقد ينحصر تخطيطها في اصطياد الرجال المتزوجين، وتطليقهم من زوجاتهم، أو الإيقاع بهم في مشكلات مع زوجاتهم. وقد يكون ذلك تعبيراً عن عدوانها وكراهيتها للمجتمع.
[1] السيلان Gonorrhoea ، وهو من الأمراض التي تنتقل من طريق الاتصال الجنسي. وتسببه ميكروبات كروية تسمى Gonococci. ويسبب المرض التهاباً في الجهاز التناسلي، قد يسفر عن العقم.
[2] الإيدز Acquired Immune Deficiency Syndrome ، وهو مرض العصر، وتسببه فيروسات تسمى HIV ، تهاجم الجهاز المناعي بالجسم، مما يُعرض الجسم للإصابة بالأمراض، التي تفضي إلى الوفاة. وينتقل الفيروس من طريق نقل الدم أو مكوناته، وكذلك من طريق الاتصال الجنسي، خاصة بين الشواذ.
|