أخبار الإنترنت
recent
أقسام الحكم التكليفي

ينقسم الحكم التكليفي إلى خمسة أقسام:
الإيجاب ، والندب، والتحريم ، والكراهة ، والإباحة.

*وذلك لأنه إذا اقتضى طلب فعل، فإن كل اقتضاؤه له على وجه التحتيم والإلزام فهو الإيجاب، وأثر الوجوب، والمطلوب فعله هو الواجب.
*وإن كان اقتضاؤه له ليس على وجه التحتيم والإلزام فهو الندب؛ وأثره الندب، والمطلوب فعله هو المندوب.
*وإذا اقتضى طلب كف عن فعل فإن كان اقتضاؤه على وجه التحتيم والإلزام فهو التحريم وأثر الحرمة، والمطلوب الكف عن فعله هو المحرم.
*وإن كان اقتضاؤه له ليس على وجه التحتيم والإلزام فهو الكراهة، وأثره الكراهة، والمطلوب الكف عن فعله فهو المكروه.
*وإذا اقتضى تخيير المكلف بين فعل شيء وتركه فهو الإباحة، وأثره الإباحة، والفعل الذي خير بين فعله وتركه هو المباح.
فالمطلوب فعله قسمان: الواجب والمكروه.
والمطلوب الكف عن فعله قسمان: المحرم والمكروه.
والمخير بين فعله قسمان: المحرم والمكروه.
والمخير بين فعله وتركه هو القسم الخامس وهو المباح.
وسنفرد كل قسم من هذه الأقسام الخمسة ببيان.

الواجب

تعريفه:
الواجب شرعا: هو ما طلب الشارع فعله من المكلف طلبا حتما بأن اقتران طلبه بما يدل على تحتيم فعله، كما إذا كانت صيغة الطلب نفسها تدل على التحتيم، أو دل على تحتيم فعله ترتيب العقوبة على تركه، أو آية قرينة شرعية أخرى .
فالصيام واجب لأن الصيغة التي طلب بها دلت تحتيمه، إذ قال سبحانه: { كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ } [البقرة: 183]، وإيتاء الزوجات مهورهن واجب، إذ قال سبحانه: { فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً } [النساء: 24] وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وحج البيت، وبر الوالدين، وغير ذلك من المأمورات التي وردت صيغة الأمر بها مطلقة، ودل على تحتيم فعلها ما ورد في عدة نصوص من استحقاق المكلف العقاب بتركها. فمتى طلب الشارع الفعل ودلت القرينة على أن طلبة على وجه التحتيم كان الفعل واجباً، سواء أكانت القرينة صيغة الطلب نفسها أم أمرا خارجيا.
أقسامه:
ينقسم الواجب إلى أربع تقسيمات باعتبارات مختلفة:
التقسيم الأول: الواجب من جهة وقت أدائه؛ إما مؤقت وإما مطلق عن التوقيت: فالواجب المؤقت هو ما طلب الشارع فعله حتما في وقت معين كالصلوات الخمس؛ حدد لأداء كل صلاة منها وقتاً معيناً بحيث لا تجب قبله، ويأثم المكلف إن أخّ رها عنه بغير عذر. وكصوم رمضان لا يجب قبل الشهر ولا يؤدي بعده. وكذلك كل واجب عين الشارع وقتا لفعله.
والواجب المطلق عن التوقيت: هو ما طلب الشارع فعله حتما ولم يعين وقتا لأدائه، كالكفارة الواجبة على من حلف يميناً وحنث، فليس لفعل هذا وقت معين، فإن شاء الحانث كفر بعد الحنث مباشرة وإن شاء كفّر بعد ذلك . وكالحج: واجب على من استطاع، وليس لأداء هذا الواجب عام معين.
والواجب المؤقت إذا فعله في وقته كاملا مستوفيا أركانه وشرائطه سمي فعله أداء، وإذا فعله في وقته غير كامل ثم أعاده في الوقت كاملا سمي فعله إعادة، ومن صلاة بعد وقته كانت صلاته قضاء.
والواجب المؤقت إذا كان وقته الذي وقته الشارع به يسعه وحده ويسع غيره من ج نسه سمي هذا الوقت موسَّعاً وظرفاً. وإن كان وقته الذي وقته الشارع به يسعه ولا يسع غيره من جنسه سمي هذا الوقت مضيَّقاً ومعياراً. فالأول كوقت صلاة الظهر مثلا، فهو وقت موسع يسع أداء الظهر وأداء أي صلاة أخرى، وللمكلف أن يؤدي الظهر في أي جزء منه، والثاني كشهر رمضان فهو مضيق لا يسع إلا صوم رمضان.
وإذا كان وقته لا يسع غيره من جهة ويسعه من جهة أخرى سمي الوقت ذا الشبهين كالحج، لا يسع وقته وهو أشهر الحج غيره من جهة أن المكلف لا يؤدي في العام إلا حجا واحدا، ويسع غيره من جهة أن مناسك الحج لا تستغرق كل أشهره.
ومما يتفرع على تقسيم الواجب المؤقت إلى واجب موسع وقته، وواجب مضيق وقته، وواجب وقته ذو شبهين:
أن الواجب الموسع وقته يجب على المكلف أن يعينه بالنية حين أدائه في وقته، لأنه إذا لم ينوه بالتعيين لا يتعين أنه أدى الواجب المعين إذا الوقت يسعه وغيره، فإذا صلى في وقت الظهر أربع ركعات فإنه نوى بها أداء واجب الظهر كان أداء له، وإذا لم ينو بها أداء واجب الظهر لم تكن صلاته أداء له، ولو نوى التطوع كانت صلاته تطوعا.
وأما الواجب المضيق وقته فلا يجب على المكلف أن يعيّنه بالنية حين أدائه في وقته، لآن الوقت معيار له لا يسع غيره من جنسه فبمجرد النية ينصرف ما نواه إلى الواجب، فإذا نوى في شهر رمضان الصيام مطلقا ولم يعين بالنية الصيام المفروض انصرف صيامه إلى الصيام المفروض، ولو نوى التطوع لم يكن صومه تطوعا بل كان المفروض، لأن الشهر لا يسع صوما غيره.
وأما الواجب المؤقت بوقت ذي شبهين، فإذا أطلق المكلف النية انصرف إلى الواجب، لأن الظاهر من حال المكلف أنه يبدأ بما يجب عليه قبل أن يتطوع، فهو في هذا كالمضيق، وإذا نوى التطوع كان تطوعا لأنه صرح بنية ما يسعه الوقت، وبما يخالف الظاهر من حاله وهو في هذا كالموسع.
ومما يتفرع عن تقسيم الواجب إلى موقت ومطلق عن التوقيت، أن الواجب المعين وقته يأثم المكلف بتأخيره عن وقته بغير عذر لأن الواجب المؤقت في الحقيقة واجبان فعل الواجب وفعله في وقته. فمن فعل الواجب بعد وقته فقد فعل أحد الواجبين وهو الفعل المطلوب، وترك الواجب الآخر وهو فعله في وقته، فيأثم بترك هذا الواجب بغير عذر.
وأما الواجب المطلق عن التوقيت فليس له وقت معين لفعله، وللمكلف أن يفعله في أي وقت شاء ولا إثم عليه في أي وقت.
التقسيم الثاني: ينقسم الواجب من جهة المطالب بأدائه إلى واجب عيني وواجب كفائي.
فالواجب العيني: هو ما طلب الشارع فعله من كل فرد من أفراد المكلفين، ولا يجزئ قيام مكلف به عن آخر كالصلاة والزكاة والحج والوفاء بالعقود واجتناب الخمر والميسر.
والواجب الكفائي: هو ما طلب الشارع فعله من مجموع المكلفين، لا من كل فرد منهم، بحيث إذا قام به بعض المكلفين فقد أدى الواجب وسقط الإثم والحرج عن الباقين وإذا لم يقم به أي فرد من أفراد المكلفين أثموا جميعا بإهمال هذا الواجب، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصلاة على الموتى، وبناء المستشفيات، وإنقاذ الغريق، وإطفاء الحريق، والطب، والصناعات التي يحتاج إليها الناس، والقضاء والإفتاء، ورد السلام، وأداء الشهادة.
فهذه الواجبات مطلوب للشارع أن توجد في الأمة أيّاً كان من يفعلها، وليس المطلوب للشارع أن يقوم كل فرد أو فرد معين بفعلها؛ لأن المصلحة تتحقق بوجودها في بعض المكلفين ولا تتوقف على قيام كل مكلف بها.
فالواجبات الكفائية المطالب بها مجموع أفراد الأمة، بحيث إن الأمة بمجموعها عليها أن تعمل على أن يؤدي الواجب الكفائي فيها، فالقادر بنفسه وماله على أداء الواجب الكفائي؛ عليه أن يقوم به، وغير القادر على أدائه بنفسه عليه أن يحث القادر ويحمله على القيام به؛ فإذا أدى الواجب سقط الإثم عنهم جميعا، وإذا أهمل أثموا جميعاً: أثم القادر لإهماله واجباً قدر على أدائه، وأثم غيره لإهماله حيث القادر وحمله على فعل الواجب المقدور له، وهذا مقتضى التضامن في أداء الواجب، فلو رأى جماعة غريقا يستغيث، وفيهم من يحسنون السباحة ويقدرون على إنقاذه، وفيهم من لا يحسنون السباحة ولا يقدرون على إنقاذه، فالواجب على من يحسنون السباحة أن يبذل بعضهم جهده في إنقاذه، وإذا لم يبادر من تلقاء نفسه إلى القيام بالواجب، فعلى الآخرين حثه وحمله على أداء واجبه، فإذا أدى الواجب فلا إثم على أحد، وإذا لم يؤد الواجب أثموا جميعا.
وإذا تعيّن فرد لأداء الواجب الكفائي كان واجبا عينيا عليه، فلو شهد الغريق الذي يستغيث شخص واحد يحسن السباحة، ولو لم يرد الحادثة إلا واحد ودعي للشهادة، ولو لم يوجد في البلد إلا طبيب واحد وتعين للإسعاف؛ فهؤلاء الذين تعينوا لأداء الواجب الكفائي، يكون الواجب بالنسبة إليهم عينا.
التقسيم الثالث: ينقسم الواجب من جهة المقدار المطلوب منه إلى محدد وغير محدد.
فالواجب المحدد: هو ما عين له الشارع مقدارا معلوما، بحيث لا تبرأ ذمة المكلف من هذا الواجب إلا إذا أداه على ما عين الشارع؛ كالصلوات الخمس والزكاة والديون المالية، فكل فريضة من الصلوات الخمس مشغولة بها ذمة المكلف حتى تؤدي بعدد ركعاتها وأركانها وشروطها، وزكاة كل مال واجبة فيه الزكاة مشغولة بها ذمة المكلف حتى تؤدي بمقدارها في مصرفها. وكذلك ثمن المشترى وأجر المستأجر وكل واجب يجب مقدارا معلوما بحدود معينة، ومن نذر أن يتبرع بمبلغ معين لمشروع خيري فالواجب عليه بالنذر واجب محدد.
والواجب غير المحدد: هو ما لم يعين الشارع مقداره بل طلبه من المكلف بغير تحديد، كالإنفاق في سبيل الله، والتعاون على البر، والتصدق على الفقراء إذا وجب بالنذر، وإطعام الجائع وإغاثة الملهوف وغير ذلك من الواجبات التي لم يحددها الشارع، لأن المقصود بها سد الحاجة، ومقدار ما تسد به الحاجة يختلف باختلاف الحاجات والمحتاجين والأحوال.
ومما يتفرع على هذا التقسيم: أن الواجب المحدد يجب ديناً في الذمة، وتجوز المقاضاة به، وأن الواجب غير المحدد لا يجب ديناً في الذمة ولا تجوز المقاضاة به، لأن الذمة لا تشغل غلا بمعين والمقاضاة لا تكون إلا بمعين.
ولهذا من رأى أن نفقة الزوجة الواجبة على زوجها، ونفقة القريب الواجبة على قريبه واجب غير محدد، لأنه لا يعرف مقداره، قال : إن ذمة الزوج أو القريب غير مشغولة به قبل القضاء أو الرضاء ، وليس للزوجة أو القريب أن يطالب به إلا بعد القضاء أو الرضاء، وليس للزوجة أو القريب أن يطالب به إلا بعد القضاء أو الرضاء، وصحت المطالبة به.
ومن رأى أنها من الواجب المحدد المقدر بحال الزوج أو بما يكفي للقريب، قال إنهما واجب محدد في الذمة فتصح المطالب به عن مدة قبل القضاء أو الرضاء لأن القضاء أظهر مقدار الواجب ولم يحدده.
التقسيم الرابع: ينقسم الواجب إلى واجب معين، وواجب مخير.
فالواجب المعين: ما طلبه الشارع بعينه كالصلاة والصيام، وثمن المشتري، وأجر المستأجر، ورد المغصوب، ولا تبرأ ذمة المكلف إلا بأدائه بعينه.
والواجب المخير: ما طلبه الشارع واحدا من أمور معينة، كأحد خصال الكفارة فإن الله أوجب على من حنث في يمينه أن يطعم عشرة مساكين، أو يكسوهم، أو يعتق رقبة فالواجب أي واحد من هذه الأمور الثلاثة، والخيار للمكلف في تخصيص واحد بالفعل، وتبرأ ذمته من الواجب بأداء أي واحد.
ـــــــــــــــ


المندوب

تعريفه :
المندوب هو ما طلب فعله من المكلف طلباً غير حتم، بأن كانت صيغة طلبه نفسها لا تدل على تحتيمه، أو اقترنت بطلبه قرائن تدل على عدم التحتيم، فإذا طلب الشارع الفعل بصيغة: "يسن كذا أو يندب كذا" كان المطلوب بهذه الصيغة مندوبا، وإذا طلبه بصيغة الأمر ودلت القرينة على أن الأمر للندب كان المطلوب مندوباً، كقوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } [البقرة: 282]، فإن الأمر بكتابة الدين للندب لا للإيجاب بدليل القرينة التي في الآية نفسها، وهي قوله تعالى : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ } [البقرة: 283]، فإنها تشير إلى أن الدائن له أن يثق بمدينة ويأتمنه من غير كتابة الدين عليه، وكقوله تعالى : { فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً } [النور: 32]، فمكاتبة المالك عبده مندوبة بقرينة أن المالك حر التصرف في ملكه.
فالمطلوب فعله إن كانت صيغة طلبه نفسها تدل على أنه حتم ولازم، فهو الواجب مثل : كتب عليكم ، وقضى ربك ، وإن كانت صيغة طلبه نفسها تدل على أنه غير حتم فهو المندوب، مثل: ندب لكم، سن لكم، وإن كانت صيغة طلبه نفسها لا تدل على طلب حتم أو غير حتم، استدل بالقرائن على أن المطلوب واجب أو مندوب. وقد تكون القرينة نصا، وقد تكون ما يؤخذ من مبادئ الشريعة العامة وقواعدها الكلية، وقد تكون ترتيب العقوبة على ترك الفعل وعدم ترتيبها.
ولهذا اشتهر تعريف الواجب بأنه ما استحق تاركه العقوبة، وتعريف المندوب بأنه ما لا يستحق تاركه العقوبة وقد يستحق العتاب.
أقسامه:
المندوب ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
مندوب مطلوب فعله على وجه التأكيد وهو لا يستحق تاركه العقاب، ولكن يستحق اللوم والعتاب. ومن هذا السنن والمندوبات التي تعد شرعاً مكملة للواجبات كالأذان وأداء الصلوات الخمس جماعة. ومنه كل ما واظب عليه الرسول في شؤونه الدينية ولم يتركه إلا مرة أو مرتين ليدل على عدم تحتيمه كالمضمضة في الوضوء، وقراءة سورة أو آية بعد الفاتحة في الصلاة.
ويسمى هذا القسم السنة المؤكدة أو سنة الهدي:
ومندوب مشروع فعله: وفاعله يثاب وتاركه لا يستحق عقابا ولا لوماً، ومن هذا ما لم يواظب الرسول على فعله بل فعله مرة أو أكثر وتركه. ومنه جميع التطوعات كالتصديق على الفقير أو صيام يوم الخميس من كل أسبوع أو صلاة ركعات زيادة عن الفرد وعن السنة المؤكدة.
ويسمى هذا القسم السنة الزائدة أو النافلة.
ومندوب زائد أي يعد من الكماليات للمكلف، ومن هذا الإقتداء بالرسول في أموره العادية التي تصدر عنه بصفته إنسانا كأن يأكل ويشرب ويمشي وينام ويلبس على الصفة التي كان يسير عليها الرسول، فإن الاقتداء في هذه الأمور وأمثالها كمالي، ويعد من محاسن المكلف لأنه يدل على حبه للرسول وفرط تعلقه به. ولكن من لم يتقد بالرسول في مثل هذه الأمور لا يعد مسيئا، لأن هذا ليست من تشريعه? - صلى الله عليه وسلم - .
ويسمى هذا القسم مستحبا وأدباً وفضيلة.
ـــــــــــــــ


المُحرّم

تعريفه:
المحرم هو ما طلب الشارع الكف عن فعله طلبا حتما ، بأن تكون صيغة طلب الكف نفسها دالة على أنه حتم كقوله تعالى: { حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } [المائدة: 3]، وقوله: { قل تعالو أتل ما حرم ربكم عليكم } [الأنعام: 151]، وقوله: { لا يحل لكم } [النساء: 19]، أو يكون النهي عن الفعل مقترنا بما يدل على أنه حتم مثل: { ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة } [ الإسراء: 32] أو يكن الأمر بالاجتناب مقترنا بذلك نحو: { إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه } [المائدة: 90]، أو أن يترتب على الفعل عقوبة مثل: { والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة } [النور: 4]، فقد يستفاد التحريم من صيغة خبرية تدل عليه، أو من صيغة طلبية هي نهي، أومن صيغة طلبية هي أمر بالاجتناب، فالقرينة تعيِّن أن الطلب للتحريم .
أقسامه:
المحرّم قسمان: محرّم أصالة لذاته: أي أنه فعل حكمه الشرعي التحريم من الابتداء، كالزنا والسرقة والصلاة بغير طهارة، وزواج إحدى المحارم مع العلم بالحرمة، وبيع الميتة، وغير ذلك مما حرم تحريما ذاتيا لما فيه من مفاسد ومضار، فالتحريم وارد ابتداء على ذات الفعل. ومحرم لعارض: أي أنه فعل حكمه الشرعي ابتداء الوجوب أو الندب أو الإباحة ولكن اقترن به عارض جعله محرما كالصلاة في ثوب مغصوب، والبيع الذي فيه غش، والزواج المقصود به مجرد تحليل الزوجة لمطلقها ثلاثا، وصوم الوصال، والطلاق البدعي، وغير ذلك لما عرض له التحريم لعارض. فليس التحريم لذات الفعل ولكن لأمر خارجي، أي أن ذات الفعل لا مفسدة فيه ولا مضرة، ولكن عرض له واقترن به ما جعل فيه مفسدة أو مضرة. ومما يبني على هذا التقسيم أن المحرم أصالة غير مشروع أصلاً، فلا يصلح سببا شرعيا ولا تترتب أحكام شرعية عليه بل يكون باطلا، ولهذا كانت الصلاة بغير طهارة باطلة، وزواج إحدى المحارم مع العلم بالحرمة باطلا، وبيع الميتة باطلا، والباطل شرعا لا يترتب عليه حكم.
وأما المحرّم لعارض فهو في ذاته مشروع فيصلح سبباً شرعياً وتترتب عليه آثاره، لأن التحريم عارض له وليس ذاتيا. ولهذا كانت الصلاة في ثوب مغصوب صحيحة ومجزئة وهو آثم للغصب. والبيع الذي فيه غش صحيح، والطلاق البدعي واقع، والعلة في هذا أن التحريم لعارض لا يقع به خلل في أصل السبب لا في وصفه ما دامت أركانه وشروطه مستوفاة.
وأما التحريم الذاتي فهو يجعل الخلل في أصل السبب ووصفه بفقد ركن أن شرط من أركانه وشروطه فيخرج عن كونه مشروعا.
ـــــــــــــــ


المكروه

تعريفه:
المكروه هو ما مطلب الشارع من المكلف الكف عن فعله طلبا غير حتم، بأن تكون الصيغة نفسها دالة على ذلك، كما إذا ورد أن الله كره لكم كذا، أو كان منهيا عنه، واقترن النهي بما يدل على أن النهي لكراهة لا للتحريم، مثل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } [المائدة:101]، أو كان مأمورا باجتنابه ودلت القرينة على ذلك، مثل: { وَذَرُوا الْبَيْعَ } [الجمعة: 9]
فالمطلوب الكف عن فعله؛ إن كانت صيغة طلبه نفسها تدل على أنه طلب حتم فهو المحرم، مثل: حرم عليكم كذا.
وإن كانت الصيغة نفسها تدل على أن طلب غير حتم فهو المكروه، مثل: كره لكم كذا .
وإن كانت الصيغة نهيا مطلقا، أو أمرا الاجتناب مطلقا، استدل بالقرائن على أن طلب حتم أو غير حتم.
ومن القرائن ترتيب العقوبة على الفعل وعدم ترتيبها، ولهذا عرَّف بعض الأصوليين المحرم بأنه ما استحق فاعله العقوبة، والمكروه بأنه ما لا يستحق فاعله العقوبة، وقد يستحق اللوم.
ـــــــــــــــ

المباح

تعريفه:
المباح هو ما خيَّر الشارعُ المكلََّف بين فعله وتركه، فلم يطلب الشارع أن يفعل المكلف هذا الفعل و لم يطلب أن يكف عنه.
وتارة تثبت إباحة الفعل بالنص الشرعي على إباحته، كما نص الشارع على أنه لا إثم في الفعل، فيدل بهذا على إباحته كقوله تعالى: { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ } [البقرة: 229]، وكقوله سبحانه: { وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء } [البقرة: 235]، وكما إذا أمر الشارع بفعل ودلت القرائن على أن الأمر للإباحة كقوله تعالى: { وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ } [المائدة: 2]، وكقوله سبحانه: { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ } [الجمعة: 10]، وكقوله: { وكلوا واشربوا } [البقرة: 187].
وتارة تثبت إباحة الفعل بالإباحة الأصلية، فإذا لم يرد من الشارع نصل على حكم العقد أو التصرف أو أي فعل، ولم يقم دليل شرعي آخر على حكم فيه: كان هذا العقد أو التصرف أو الفعل مباحا بالبراءة الأصلية لأن الأصل في الأشياء المباحة.
هذه هي أقسام الحكم التكليفي الخمسة على ما ذهب إليه جمهور الأصوليين:
وأما علماء الحنفية فقد قسموه إلى سبعة أقسام لا إلى خمسة، وذلك أنهم قالوا: " إن ما طلب الشارع فعله طلبا حتما إذا كان دليل طلبه قطعيا بأن كان آية قرآنية أو حديثا متواترا فهو الفرضِ، وإن كان دليل طلبه ظنيا بأن كان حديثا غير متواترا أو قياسا فهو الواجب.
فإقامة الصلاة فرض لأنها طلبت طلبا حتما بدليل قطعي هو قوله تعالى:
{ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ } [البقرة: 43]، وقراءة الفاتحة في الصلاة واجبة لأنها طلبت طلبا حتما، بدليل ظني هو قوله - صلى الله عليه وسلم - : "لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب"، وأما ما طلب فعله طلبا غير حتم فهو المندوب، وكذلك ما طلب الشارع الكف عن فعله طلبا حتما إن كان دليله قطعيا كآية أو سنة متواترة فهو المحرم، وإن كان دليله ظنيا كسنة غير متواترة فهو المكروه تحريما.
فالزنا محرم لأنه طلب الكف عنه طلبا حتما بدلي لقطعي هو قوله تعالى: { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى } [الإسراء: 32؟]. ولبس الرجال الحرير وتختمهم بالذهب مكروهان تحريما، لأنه طلب الكف عنهما طلبا حتما، بدليل ظني ، هو قوله صلى الله عليه وسلم : "هذان حرام على رجال أمتي حلال لنسائهم" ، وأما ما طلب الكف عنه طلبا غير حتم فهو المكروه تنزيها.
فعند علماء الحنفية المطلوب فعله ثلاثة أقسام: الفرضِ، والواجب، والمندوب.
والمطلوب الكف عنه ثلاثة أقسام: المحرم، والمكروه تحريما، والمكروه تحريما، والمكروه تنزيها.
والقسم السابع: المباح.
وقد قدمنا أن نصوص القرآن كلها قطعية الورود ولهذا يثبت بها عند الحنفية الفرض والتحريم والندب والكراهة، وأما السنة فما كان قطعي الورود منها وهو المتواتر وفي حكمه المشهور، فيثبت به أيضا ما يثبت بالقرآن.
والفعل الواحد قد تعتريه هذه الأحكام كلها أو بعضها بحسب ما يلابسه، فمثلا: الزواج قد يكون فرضا على المسلم إذا قدر على المهر والنفقة وسائر واجبات الزوجية، وتيقن من حال نفسه أنه إذا لم يتزوج زنى، ويكون واجبا إذا قدر على ما ذكر وخاف أنه إذا لم يتزوج زنى، ويكون مندوبا إذا كان قادرا على واجبات الزوجية وكان في حال اعتدال لا يخاف أن يزني إذا لم يتزوج، ويكون محرما إذا تيقن أنه إذا تزوج يظلم زوجته ولا يقوم بحقوق الزوجية، ويكون مكروها تحريما إذا خاف ظلمها.
ـــــــــــــــ





T.H.E

T.H.E

الأستاذ /طارق العقيلي. يتم التشغيل بواسطة Blogger.